المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أبطأت بالجواب، حتى فات الصواب - زهر الأكم في الأمثال والحكم - جـ ١

[الحسن اليوسي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه

- ‌الأمثال وما يلتحق بها

- ‌السمط الأول

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول:

- ‌معنى المثل والحكمة

- ‌الفصل الثاني

- ‌فائدة المثل والحكمة وفضلهما

- ‌الفصل الثالث:

- ‌فضل الشعر

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الأمثال الشعرية

- ‌خاتمة

- ‌في اصطلاح الكتاب

- ‌باب الألف

- ‌أبى الحقين العذرة

- ‌أتى الأبد، على لبد

- ‌أتتك بحائنٍ رجلاه

- ‌أتيته صكة عمي

- ‌أتتهم فالية الأفاعي

- ‌يأتيك كل غد بما فيه

- ‌إحدى حظيات لقمان

- ‌الأخذ سلجان، والقضاء ليان

- ‌الأخذ سريط، والقضاء ضريط

- ‌اتخذ فلان حمارا للحاجات

- ‌أخذ الليل جملاً

- ‌أخذهم ما قدم وما حدث:

- ‌خذ من جذع ما أعطاك:

- ‌خذ من الرضفة ما عليها:

- ‌خذه ولو بقرطي مارية:

- ‌آخر البز على القلوص:

- ‌آخر أقلها شربا

- ‌أخوك أم الذئب

- ‌أخوك البكري ولا تأمنه

- ‌إذا دخلتَ أرض الحُصيبِ فهرول

- ‌إذا رغب الملك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة

- ‌إذا ارجحن شاصياً فارفع يداً:

- ‌إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبحٌ

- ‌إذا اشتريت فاذكر السوق

- ‌إذا طلبت الباطل أنجح بك

- ‌إذا عز أخوك فهن

- ‌إذا لم تستحي فاصنع ما شئت

- ‌إذا نزل بك الشر فاقعد

- ‌إذا نزل القضاء عمي البصر:

- ‌إذا لم تغلب فاخلب

- ‌مأرب لا حفاوة:

- ‌آكل من أرضة

- ‌آكل من سوس

- ‌يأكلك الأسد ولا يأكلك الكلب

- ‌آلف من حمام مكة

- ‌آلف من غراب عقدة

- ‌إليك يساق الحديث

- ‌أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك

- ‌الأمور مخلوجة وليست بسلكى

- ‌تأمير الأراذل، تدمير الأفاضل

- ‌الأمر أشد من ذلك

- ‌آمن من حمام مكة

- ‌أما الدَّينُ فلا دِن

- ‌أنا بالقُوس، وأنت بالقرقوس، متى نجتمع

- ‌أنا تئق وأنت مئق فكيف نتفق

- ‌أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب

- ‌أنا كلف، وأنت صلف، فكيف نأتلف

- ‌أنا اتلوص قبل أن أرمى

- ‌أنا من هذا الأمر فالج بن خلاوة

- ‌أنا من هذا الأمر كحاقن الإهالة

- ‌أنا النذير العريان

- ‌أنت شَولة الناصحة

- ‌أنت صاحبة النعامة

- ‌أنتِ غيري نغرةٌ

- ‌إن جرجر العود فزده وقراً

- ‌أن ذهب عَير فعير في الرهط

- ‌الإيناس قبل الابساس

- ‌إن أعيى فزوده نوطاً

- ‌أنفك منك وإن كان أجدع

- ‌إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً

- ‌أن كنت ذا طب فطب لعينيك

- ‌أن يكن هذا من الله يمضه

- ‌إن لا حظية فلا ألية

- ‌إن لا أكن صنعاً فإني أعتثم

- ‌لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم

- ‌إنّ البغاث بأرضنا يستنسر

- ‌إنّ البكري ليحسن السعدي

- ‌إنّ تحت طريقته لعنداوة

- ‌إنّ الجواد عينه فرارة

- ‌إنّ الحذر لا يغني من القدر

- ‌إنّ الرثيئة تفثاً الغضب

- ‌إنَّ الرقين تغطي أفن الأفين

- ‌إنَّ السقط يحرق الحرجة

- ‌إنَّ الشفيق بسوء الظن مولع

- ‌إنَّ الشقراء لم يعد شرها رجليها

- ‌إنَّ الشقي وافد البراجم

- ‌إنَّ العصا قرعت لذي الحلم

- ‌إنَّ فلاناً باقعة

- ‌إنّه لذو بزلاء

- ‌إنّه ليسر حسوا في لرتغاء

- ‌إنّه لساكن الريح

- ‌إنّه لشرَّابٌ بأنقع

- ‌إنّه لصل أصلال

- ‌إنّه لضعيف العصا

- ‌إنّه لضل إضلال

- ‌إنّه لعض

- ‌إنّه للين العصا

- ‌إنّه لنقاب

- ‌إنّه لنكد الحظيرة

- ‌إنّه لهتر اهتار

- ‌إنّه لواقع الطائرِ

- ‌انك لا تجني من الشوك العنب

- ‌إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع

- ‌إنَّ في المرنعة لكل قوم مقنعة

- ‌إنَّ في مض لمطمعا

- ‌إنَّ الله ليؤيد هذا الدين بالرَّجل الفَاجِر

- ‌إنَّ الله لن يرفع شيئاً من الدنيا إلاّ وضعه

- ‌إنَّ الُّلهَي تفتح الَّلهي

- ‌إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

- ‌إنّما سميت هانئاً لتهنأ

- ‌إنّما اشتريت الغنم حذار العازبة

- ‌إنّما القرم من الأفيل

- ‌إنّما هو كبارح الأروى

- ‌إنَّ مع اليوم غدا

- ‌إنَّ من بالنجف من ذي قدرةٍ لقريبٌ

- ‌إنَّ من البيان لسحراً

- ‌إنَّ من الشعر لحكمة

- ‌إنَّ من الشر خيراً

- ‌إنَّ منكم منفَّرين

- ‌إنَّ الهدايا على مقدار مهديها

- ‌أهل مكة أعرف بشعابها

- ‌أينما أذهب ألق سعداً

- ‌أيُّ داءٍ أدوى من البخلِ

- ‌إياك أعني واسمعي يا جارة

- ‌إنه ابن إحداها

- ‌إن كذبت فحلبت قاعداً

- ‌إن كذبت فشربت عبوقاً بارداً

- ‌إنَّ فلاناً لتدب عقاربه

- ‌إنّه لفي حور بور

- ‌إنّه لوابصة سمع

- ‌إذا امتلأت القربة ترشحت

- ‌أبى منبت العيد اَنِ أنْ يتغير

- ‌إنَّ المحب لمن يهواه زوار

- ‌إنَّ الحر حر

- ‌إنَّ الحسان مظنة للحاسد

- ‌إنَّ التخلق يأتي دونه الخلُقُ

- ‌إنَّ السم مشروب

- ‌إنَّ الكريم إذا خادعته انخدع

- ‌إنَّ ليتاً وإنَّ لوّاً عناءُ

- ‌أي الرجال المهذبُ

- ‌باب الباء

- ‌بحث عن حتفه بظلفه

- ‌أبخر من الأسد

- ‌أبخر من صقر

- ‌البدل أعور

- ‌برح الخفاء

- ‌أبرد من حبقر

- ‌بر الكريم طبعٌ، وبر البخيل دفعٌ

- ‌أبر من هرة

- ‌بالرفاء والبنين

- ‌برق لمن لا يعرفك

- ‌أبرما قرونا

- ‌أبصر من عقاب

- ‌أبصر من غراب

- ‌أبصر من فرس

- ‌أبصر من المائح باست الماتح

- ‌أبصر من هدهدٍ

- ‌أبصر من وطواطٍ بالليل

- ‌بصبصن إذ حدين بالأذناب

- ‌بضرب خبابٍ وريش المقعدِ

- ‌أبطأتَ بالجواب، حتى فات الصواب

- ‌أبطأ من غراب نوح

- ‌أبطأ من فندٍ

- ‌البطنة، تذهب الفطنة

- ‌بطني وعطري، وسائري ذري

- ‌أبعد من بيض الأنوق

- ‌أبعدي عني ظلك، أحمل حملي وحملك

- ‌بعض الشر أهون من بعضٍ

- ‌بعلة الورشان يأكل رطب المشان

- ‌البغاث بأرضنا يستنسر

- ‌أبلعني ريقي

- ‌يبلغ الخضم بالقضم

- ‌بلغ السكين العظم

- ‌بلغ السيل الزبى

- ‌بلغ الشظاظ الوركين

- ‌بلغ الله بك اكلا العمر

- ‌بلغ من العلم اطوريه

- ‌ابله من ضب

- ‌ابنك أبن ايرك، ليس بذي أب غيرك

- ‌ابنك أبن بوحك

- ‌ابنك من دمى عقبيك

- ‌به لا بظبي

- ‌باءت عرار بكحلٍ

- ‌بال حمارٌ فاستبال أحمرة

- ‌بالت عليه الثعالب

- ‌بات فلان بليلةٍ ابن المنذر

- ‌باتت المرأة بليلةٍ حرةٍ

- ‌باتت بليلة شيباء

- ‌باتت بليلة أنقد

- ‌بيدي لا بيد عمرو

- ‌بيدين ما أوردها زائدة

- ‌بيض القطا يحضنه الأجدلُ

- ‌بين الصبح لذي عينين

- ‌وقولهم: بفلان تقرن الصعبة

- ‌وقولهم: بعد اللتيا والتي

- ‌وقولهم: هو ابن زوملتها

- ‌وقولهم: هو بين سمع الأرض وبصرها

- ‌وقولهم: البركات في الحركات

- ‌كأنها تهفي على القلوب

- ‌باب التاء والمثناة

- ‌تتابعي بقر

- ‌أتبع الفرس لجامها، والناقة زمامها، والدلو رشاءها

- ‌اتبع من الظل

- ‌اتجر من عقرب

- ‌تحفة المؤمن الموت

- ‌أتخم من الفصيل

- ‌تركت الرأي ببقة

- ‌ترك الخداع من أجرى من المائة

- ‌تركت فلانا بملاحس البقر أولادها

- ‌تركته ترك الظبي ظله

- ‌تركته كجوف الحمار

- ‌تركتهم لحما على وضم

- ‌ترك الوطن أحد السباءين

- ‌اتق مأثور القول

- ‌تلك التجارة لا انتقاد الدرهم

- ‌تمرة خير من جرادة

- ‌التمر في البئر على ظهر الجمل

- ‌اتميميا مرة وقيسيا أخرى

- ‌تيسي جعار

- ‌تحت طريقتك عنداوة

- ‌تركته باست الأرض

- ‌تركته على أنقى من الراحة

الفصل: ‌أبطأت بالجواب، حتى فات الصواب

‌أبصر من هدهدٍ

الهدهد معروف، ويقال له أيضاً هداهد بالضم والجمع هداهد بالفتح، ويوصف بحدة البصر أيضاً. وزعموا أنه يبصر الماء من تحت الأرض، وأنَّ الأرض كانت له كالزجاج. وقالوا إنه كان دليل نبي الله سليمان عليه السلام على الماء، وإنه إنما غضب عليه وحلف ليعذبنه لكونه نزل على غير ماء. وحضرت الصلاة، فسأل الإنس والجن والطير على الماء فلم يجد عندهم علما، فتفقد الهدهد فلم يجده فغضب عليه وفي ذلك قصة طويلة. وتقدم من كلام أبن عبالس وأنَّ نافعا سأل لم اعتنى سليمان مع ما خوله الله تعالى من الملك بالهدهد مع صغره؟ فقال: أنه احتاج إلى الماء والهدهد كانت له الأرض كالزجاج وأنَّ أبن الأزرق قال لابن عباس: قف يا وقاف! كيف يبصر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي له بمقدار إصبع من تراب؟ فقال أبن عباس: إذا نزل القضاء عمي البصر!

‌أبصر من وطواطٍ بالليل

.

الوطواط: الخفاش وهو معروف.

‌بصبصن إذ حدين بالأذناب

يقال: بصبص الكلب والفحل وغيرهما إذا حرك ذنبه. وحدين: سقن من الحداء الذي يبعث به نشاط الإبل وهو بالدال المهملة. ويروى حذين بالذال المعجمة، من المحاذاة. يضرب هذا المثل في فرار الجبان وخضوعه واستكانته، وكأنه شطر بيت.

‌بضرب خبابٍ وريش المقعدِ

خباب: قينٌ بمكة كان يضرب السيوف؛ والمقعد كان يريش السهام. فتكالم الزبير وعثمان فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا، قال: أبالبعر، يا أبا عبد الله؟ فقال الزبير: بل

بضرب خباب وريش المقعد، أي نتقاذف بالسيف والسهام.

‌أبطأتَ بالجواب، حتى فات الصواب

.

قاله قصير لجذامة الأبرش في قصة طويلة. وملخصها على ما ذكر

ص: 187

الأخباريون يزيد بعضهم عن بعض ويدخل حديث بعضهم في بعض، إنَّ جذيمة هذا وهو جذيمة بالذال المعجمة المكسورة أبن مالك بن فهم بن الأوس بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن يشرب بن يعرب بن قحطان. وقد قيل إنه من العرب الأولى من إياد بن أميم وكان بياض. فكرهت العرب أن تقول أبرص فقالت له أبرش والواضح. وقيل: الصواب أنَّ الواضح غير هذا. وقيل: سمي الأبرش لأنه أصابه حر ونار فبقي فيه نقطا سوداء وحمراء. كان ملك الحيرة وما حولها ستين سنة، وكان زمان ملوك الطوائف وكان يغير على من حوله من الملوك حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم. وهو أول من أوقد له الشمع ونصب المجانيق للحرب. ثم إنَّ جذيمة غزا الحضر وهي مدينة بين دخلة والفرات. وإياه عنى عدي بن زيد العبادي بقوله:

وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة

تجبى إليه والخابورُ

شاده مركراً وجلله كلسا

فللطير في ذراه وكورُ

وكان صاحب الحضر إذ ذاك عمرو بن الظرب، وهو أبو الزباء كان ملك على الحضر، فظفر به جذيمة وقتله. وذهبت بنته الزباء مطرودة نحو الروم، وكانت من أجمل نساء زمانها، وكان لها شعر إذا أرسلته غطى بدنها وبذلك لقبت بالزباء وهي تأنيث الأزب أي الكثير الشعر. وعلى هذا فاسمها ممدود. وقال البكري: الزباء ألفها مقصورة. قال: وقد رد العلماء فيه المد لأنه تأنيث زبان الاسم المستعمل. فأما الزباء ممدودا فإنما هو تأنيث أزب، لم يستعمل اسما وإنما هو صفة للكثير شعر البدن. قال: والشاهد لمّا قلناه قول عدي بن زيد:

فأضحت في مدائنها كأن لم

تكن زبا لحاملةٍ جنينا

قلت: وما أراه إلاّ وهما وغلطا، وذلك إنَّ فعاى بالقصر إنّما تأتي تأنيث فعلان، كعطشان وسكران. وزبان الذي هو اسم إنّما هو فعال أصيل النون من مادة الزبن والمزابنة لا فعلان. ومادة زبب لم يرد منه إلاّ زبان لصاحب الزبيب، وأزب للكثير الشعر. والأول لا يرد منه فعلى بالقصر كما من عشاب وبقال وحمَّار. وكذا الثاني، إنّما يرد منه فعلاء بالمد كأحمر وأشهب وأوطف وأجرد ومؤنثه حمراء

ص: 188

ووطفاء وجرداء وكذا أزب وزباء وهذا أمر واضح. وأما قوله: إنَّ الأزب لم يستعمل اسما فغير بين فإنَ الأزب من أسماء الشياطين. وفي حديث العقبة هو شيطان اسمه أزب العقبة. والزباء اسم لبلد على الفرات ولفرس الأصيدف الطائي ولماء لبني سليط وآخر لطهية ولعين باليمامة. والزباء أيضاً اسم من أسماء الأست، والدهية الشديدة. فلم يصح قوله إنّه لم يستعمل اسما. ولم يمتنع أن يكون اسما للملكة المذكورة وإن كان وصفها في أصله بل لو لم يكن اسما في غيرها لم يمتنع أن يكون اسما فيها على أنه ليس اسما لها بادئ بدء. وإنّما لقبت به لكثرة شعرها كما قلنا أوّلاً فغلب عليها. واسمها فارعة وقيل نائلة وقيل ميسور. وأما البيت الذي استشهد به، فليس وحده بناهض في الاحتجاج لصحة قصر الممدود. والمعروف عند اللغويين إنَّ الزباء بالمد كما نطق به الإمام أبو بكر بن دريد في مقصورته حيث قال:

فاستنزل الزباء قسرا وهي من

عقاب لوح الجو أعلى منتهى

وهو الموافق للقياس. ومد المقصور أضعف من قصر الممدود. ثم إنَّ الزباء جمعت الأموال والأجناد وتوقفت وكانت نبيلة علقلة. فعادت إلى دياره أبيها وأزالت جذيمة عنها وملكت. فكانت تعد من ملوك الطوائف وحرمت الرجال على نفسها فهي بتول. وكان بينها وبين جذيمة مهادنة بعد حروب جرت. فلما همت بالقيام بثأر أبيها أرسلت إليه تخطبه على نفسها وترغبه في أن يتصل ملكه بملكها، فأحب ذلك. وقيل هو الذي حدثته نفسه بخطبتها فشاور خاصته فوافقوه كلهم إلاّ قصيرا. وهو قصير بكسر الصاد أبن سعد وكان عاقلا نبيلا وهو أبن عم جذيمة وصاحب أمره وعهده. قالوا ولم يكن قصيرا وإنّما سمي به فقط. قال له: أبيت اللعن أيها الملك! إنَّ الزباء حرمت الرجال فهي بتول عذراء لا ترغب في مال ولا جمال ولها عندك ثأر والدم لا ينام؛ وإنّما هي تاركتك رهبة وحذاراً والحقد دفين في سويداء القلب له كمون ككمون النار في الحجر إن اقتدحته أورى إن تركته توارى وللملك في بنات الملوك متسع. وقد رفع الله قدرك عن الطمع فيما هو دونك وعظم الرب شأنك فما أحد فوقك. فقال جذيمة: يا قصير الرأي ما رأيت ولكن النفس تواقة وإلى ما تحب مشتاقة ولكل امرئ قدر لا مفر منه ولا وزر! ثم وجه جذيمة إليها خاطبا وأمره أن يظهر لها

ص: 189

ما ترغب به وتميل فلما جاءها الخاطب أجابت وأظهرت فرحا كبيرا وغبطة عظيمة وقالت: لولا أنَّ المسير في هذا أجمل بالرجال سرت إليه فوجهت الخاطب وبعثت معه إلى جذيمة بهدية سنية فيها من الإماء والكراع والسلاح والأموال والبقر والغنم وغير ذلك من الجواهر الرفيعة والطرف العجيبة ما يبهر الناظرين. فلما بصر جذيمة بذلك أعجبه مع ما بلغه من حسن جوابها وطيب كلامها وظن أنَّ ذلك كان رغبة منه فيه زوجا. فخرج إليها من فوره مع خاصته وفيهم قصير واستخلف على مملكته أبن أخيه عمرو بن عدي اللخمي وسيأتي ذكره بعد إن شاء الله تعالى. فسار حتى بلغ موضعا يقال بقعة فأكل وشرب وأعاد المشوار فاستصوبوا أيضاً ما أراد إلاّ قيصرا فانه قال: أيه الملك كل عزم لا يؤيد بجزم فإلى أفن يكون كونه. فلا تثق بزخرف قول لا محصول له ولا تقذف الرأي بالهوى فيفسد لا الحزم بالمنى فيبعد! والرأي عندي للملك أن يتعقب أمره بالتثبت ويأخذ حذره بالتيقظ. ولولا أنَّ الأمور تجري بالمقدور لعزمت على الملك عزما بتا أن لا يفعل. فقال جذيمة: الرأي مع الجماعة. فقال قصير: أرى القدر سائق الحذر لا يطاع لقصير أمر أو رأي. فأرسلها مثلا. ثم سار جذيم حتى قرب من ديار الزباء فأرسل إليها يعلمها بمجيئه. فلما جاءها الرسول أظهرت السرور والرغبة، وأمرت بحمل الضيافة إليه وقالت لأجنادها وخاصتها: تلقوا سيدكم ومالك دولتكم! وعاد الرسول بالجواب إليه وأخبره بما رأى وسمع. فلما أراد جذيمة أن يسير دعا قصيرا فقال له: أنت على رأيك؟ قال: نعم! وقد زادت بصيرتي فيه. أف أنت على عزمك؟ قال: نعم! وقد زادت رغبتي فيه. فقال قصير: ليس للدهر بصاحب من لم ينظر في العواقب. فأرسلها مثلا. ثم قال له: وقد نذرتك الأمر قبل فواته وفي يد الملك بقية هو بها قادر على استدراك الصواب؛ فإنَ وثقت بأنك ذو ملك وسلطان وعشيرة فقد نزعت يدك من سلطانك وفارقت عشيرتك وألقيتها في يد من لست آمن عليك مكره وغدره. فإن كنت فاعلا ولا بد فإنهم غدا يلقونك ويقومون لك صفين حتى إذا توسطهم أحدقوا بك؛ فهذه العصا لا يشق غبارها وهو أول من قاله. وكانت العصا فرسا لجذيمة لا تدرك فهي ناجية بك إن ملكت ظهرها وناصيتها. ويروى أنه قال له: انهم غدا إنَّ لقولك فترجلوا وحيوك فتقدموا، فقد كذب ظني، وإنَّ رأيتهم حيوك فطافوا بك، فإني اعرض لك العصا. فسمع جذيمة كلامه فلم يرد عليه جوابا. ثم سار جذيمة، وقصير عن يمينه، فقامت الزباء وبعث وقالت لهم: سيروا حتى إذا لقيتموه فقوموا صفين عن يمينه وشماله، فإذا توسطكم فانقضوا عليه اجمع، وإياكم أن يفوتكم! فلما أحاطوا به وعلم أنهم ملكوه أقبل على قصير، وكان مسايره، فقال له: صدقت يا قصير! فقال قصير: أبطأت بالجواب، حتى فات الصواب! فأرسلها مثلا. فقال جذيمة: فكيف الرأي؟ فقال: تركت الرأي ببقة! فأرسلها مثلا. ويروى إنّه

ص: 190

قال له: هذه العصا فدونكها لعلك تنجو عليها! فأنك من ذلك. وقيل إنه عرضها له فشغل عنها، فركبها قصير فنجا. فلما نظر إليه جذيمة وهو عليها ينقطع دونه السراب

قال: ما ذل من جرت به العصا! فأرسلها مثلا. ويروى إنّه قال، حين نظر إليه على ظهرها: ويل أمه حزما على ظهر العصا! فأرسلها مثلاً. ثم سارت الجيوش بجذيمة، فتطلعت عليه الزباء من قصرها فقالت: ما احسنك من عروس تجلى علي وتزف إلي! حتى دخلوا به عليها في قصرها وحولها جواريها. وكانت قد ربت شعر عانتها سنة وضفرته. فلما دخل عليها تكشفت له فقالت: أَشوار عروسٍ ترى؟ فقال: بل شوار أمةٍ بظراء. فقالت: أما إنه ليس من عدم المواسي، ولا من قلة الأواسي، ولكنه شيمة ما أقاسي فأمرت به فأجلس على نطعٍ وقطعت رواهشه. ويروى في طست من ذهب تفاؤلاً أن يذهب دمه هدراً. وكان قد قيل لها: تحفظي بدمه، فإنه إنَّ وقعت قطرة منه على الأرض طلبت بثأره. فلما صعفت يده سقطت، فقطر منه في غير الطست شيء، فقالت: لا تضيعوا دم الملك! فقال: دعوا دما ضيعه أهله! ومات. وقيل إنّه قد قال: لا يحزنكم دم أراقه أهله! فقالت: والله ما وفى دمك، ولا شفى قتلك، ولكنه غيض من فيض فأرسلها مثلا. فلما قضى أمرت به فدفن. وكان عمرو بن عدي يخرج إلى ظهر الحيرة يستشرف خبر خاله. فبينما هو ذات يوم ينظر إذ رأى العصا تهوي بقصير، فقال عمرو: أما الفرس ففرس جذيمة، وأما الراكب فكالبهية، لأمر جاءت العصا. فأرسلها مثلاً. فإذا هو بقصير قد اقبل، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: سعى القدر بالملك إلى حتفه، على

ص: 191