الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تزدري العين الفتى وهو عاقلُ
…
ويؤفن بعض القوم وهو جريمُ
ومعنى المثل أنَّ وجدان المال يحلي المرء بحلية الكمال، ويستر ما فيه من ذميم الخصال، ويحببه إلى قلوب الرجال، حتى يروه بعين التوقير والاجلال، وإن كان من أحمق الحمقى وأجهل الجهال، كما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه وأحسن:
ربَّ حلم أضاعه عدم المال
…
وجهلٍ غطى عليه النعمُ
وقال آخر:
والناس أعينهم إلى سلف الفتى
…
لا يسألون عن الحجى والأولقِِ
وقال أعرابي مر بأهله:
سأعمل نص العيس حتى يكفني
…
غنى المال يوما أو غنى الحدثانِِ
فللموت خيرٌ من حياة يرى بها
…
على المرء ذي العلياء مس هوانِ
متى يتكلم يبلغ حكم مقاله
…
وإن لم يقل قالوا عديم بيانِ
كأن الغنى في أهله بورك الغنى
…
بغير لسان ناطقٌ بلسانِ
وقال أبو الطيب:
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله
…
ولا في الدنيا لمن قل مجدهُ
ويقال: المرء بنشبه وسيأتي في أثناء الكتاب جملة نافعة من هذا المعنى ومن ثناء الشعر على الثروة والغنى.
إنَّ السقط يحرق الحرجة
.
السقط ما يسقط بين الزندين قبل استحكام الورى، وتثلث سيبه والإحراق والتحريق معروف. والحرجة بفتحتين: الشجر الكثير الملتف، جمعه حرج وأحراج وحراج. قال العجاج:
عاين حيا كالحراج نعمه
…
يكن أقصى شله محرنجمه
وهذا المثل وقع في حكاية للأصمعي قال: بينما أنا بحمى ضربة إذ وقف عليَّ غلام من بني أسد في أطمار ما ظننته يجمع بين كلمتين. فقلت: ما اسمك؟ قال: حريقيص. فقلت: أما كفى أهلك إن يسمونك حرقوصا حتى ضغروا اسمك؟ فقال: إنَّ السقط يحرق الحرج. فعجبت من جوابه فقلت: أتنشدنا شيئا من أشعار قومك؟ قال: نعم، أنشدك لمرازنا قلت: افعل. قال:
سكنوا شبيثا والاحص وأصبحوا
…
نزلت منازلهم بنو ذيبانِ
وإذا يقال أتيتم لم يبرحوا
…
حتى تقيم الخيل سوق طعانِ
وإذا فلان مات عن أررومةٍ
…
رفعوا معاوز فقده بفلانِ
قال. فكادت الأرض تسوخ بي لحسن إنشاده الشعر. فأنشدت الرشيد هذه الأبيات فقال: يا أصمعي، وددت لو رأيت هذا الغلام فكنت أبلغه أعلى المراتب! ومعنى المثل أنَّ الأمر الصغير قد يصير إلى أعظم، والرجل المستحقر قد يغني غناء المستعظم، بل الواحد قد يقوم مقام الجم. ومن هذا قول القائل:
لا تحقرن صغيراً في تقلبه
…
إنَّ البعوضة تدمي مقلة الأسدِ
وللشرارة نارٌ حين تضرمها
…
وربما أضرمت ناراً على بلدِ
وقال الآخر:
أرى خلل الرماد وميض نارٍ
…
ويوشك أنَّ يكون لها ضرامُ