الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الألف
أبى الحقين العذرة
الاباية: الامتناع. يقال: أبى الشيء يأباه ويأبيه إباء وإباءة بكسر أولهما، إذا كرهه. والحقين: اللبن المحقون في السقاء. تقول: حقنت اللبن في السقاء إذا صببته فيه وجعلت حليبه على رائبه. واسم السقاء: المحقن على مثال منبر. واسم اللبن: الحقين. قال زهير يصف الخيل:
ويرجعها إذا نحن إنقلبنا
…
نسيف البقل واللبن الحقين
يقول إنّه يرجعها إلى ما كانت عليه من السمن ما تنسفه من البقل وتأكله، وما نسقيها من اللبن المحقون. والعذرة: العذر. قال النابغة يخاطب النعمان:
ها إن ذي عذرة إلاّ تكن نفعت
…
فان صاحبها مشارك النكد
ومعنى المثل أن العذر باطل مع وجود اللبن. وسيأتي شيء من هذا في قولهم: أهون مظلوم سقاء مروب، إن شاء الله تعالى
أتى الأبد، على لبد
.
الإتيان: المجيء. يقال: أتاه أتيا وإتيانه وإتيانا وأتيا، كما يقال مأتى ومأتاه، إذا جاءه؛ وأتى فلان هذا الأمر إذا فعله؛ وأتى الدهر على فلان إذا أهلكه، وهو المقصود هنا. والأبد بفتحتين: الدهر. يقال: أبد أبيد، كما يقال: دهر داهر. ولبد: بضم ففتح آخر نسور لقمان بن عاد وبهلاكه هلك لقمان، وقصته مشهورة، وتلخيصها: إنّ عادا لمّا بعث الله إليهم نبيهم هودا، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فدعاهم، كذبوه وعتوا واستكبروا ولم يأمنوا، فاحتبس عنهم القطر ثلاث سنين حتى جهدوا فأوفدوا وفدا إلى البيت الحرام يستسقون لهم، فيهم لقمان بن عاد، ورأسهم رجل يقال له قيل. فانطلق الوفد حتى أتوا على معاوية بن بكر فنزلوا عليه وهو خارج الحرم، وهم أخواله وأصهاره. فمكثوا عنده شهرا يكرمهم، يشربون الخمر وتغنيهم قينتان له يقال لهما الجرادتان. فلما طال مقامهم عنده تذكر ما نزل بقومهم من البلاء، فشق عليه مقامهم وتركهم ما بعثهم فيه قومهم وقال: هلك أصهاري وأخوالي، والله ما أدري ما أصنع! إن أمرتهم بالخروج ظنوا بي إني ضاق بي مقامهم عندي فقال شعرا وأعطاه الجرادتين وأمرها أن تغنياهم به، وهو:
ألا يا قيل ويحك قم فهينم
…
لعل الله يصبحنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا
…
قد أمسوا لا يبينون الكلاما
وإنّ الوحش تأتيهم جهارا
…
فلا تخشى لعادي سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم
…
نهاركم وليلكم التماما
فقبح وفدكم من وفد قوم
…
ولا لقوا التحية والسلاما
فأما غناهم بالشعر قال بعضهم لبعض: إنّما بعثكم قومكم لمّا نزل بهم، فادخلوا هذا الحرم فاستسقوا لهم. وفيهم رجل يقال له يزيد بن سعد أو مرثد بن سعد ممن آمن بهود. فقال لهم: والله لا تسقون حتى تطيعوا نبيكم! وأظهر حينئذ إيمانه وقال في ذلك شعرا، فلم يجيبوه إلى ما قال، وقالوا لمعاوية بن بكر: احبس عنا يزيد لا يدخل معنا مكة وهو على دين هود. فانطلقوا حتى دخلوا مكة، وخرج يزيد وراءهم، فأدركهم قبل أن يدعوا بشيء، فقال: اللهم لا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفد عاد، فقام قيل وقال: اللهم إن كان هود صادقا فاسقنا فقد هلكنا! فإنشاء الله تعالى سحائب ثلاثا: بيضاء وحمراء وسوداء، ونودي من السحاب. يا قيل، اختر لنفسك ولقومك! قال: قد اخترت السوداء لأنها اكثر السحاب ماء. فنودي: اخترت رمادا رمددا، لا يبقي من آل عاد أحدا. فساق الله السحابة السوداء بما فيها من النقمة إلى عاد، وأرسلها عليهم سبع ليال وثمانية أيام، فلم تدع منهم أحدا إلاّ هلك. واعتزل هود عليه السلام ومن معه إلى حديقة، فكانوا لا يصيبهم منها إلاّ نسيم يلين الجلود وتلذه الأنفس. وكان الوفد لمّا دعوا بمكة خيروا فأختار قيل أن يصيبه ما أصاب قومه فاقتلعته الريح فأهلكته. وسأل لقمان أن يعمر فخير بين عمر سبع بعرات سمر، من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، وبين سبعة أنسر كلما هلك نسر خلف بعده نسر. فأختار النسور. فكان يأخذ فرخ النسر حين يخرج من البيضة، فيغذيه حتى إذا هلك أخذ آخر، حتى بقي السابع وهو لبد. فكان يغذيه حتى هرم ولم يستطع النهوض، فأيقن حينئذ لقمان بالموت، فهلكا جميعا. وذكرت الشعراء هذا النسر في أشعارها كثيرا، قال النابغة:
أمست خلاء وأمس أهلها احتملوا
…
أخنى عليها الذي أخنى على لبد