المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اتق مأثور القول - زهر الأكم في الأمثال والحكم - جـ ١

[الحسن اليوسي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌وصلى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه

- ‌الأمثال وما يلتحق بها

- ‌السمط الأول

- ‌المقدمة

- ‌الفصل الأول:

- ‌معنى المثل والحكمة

- ‌الفصل الثاني

- ‌فائدة المثل والحكمة وفضلهما

- ‌الفصل الثالث:

- ‌فضل الشعر

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الأمثال الشعرية

- ‌خاتمة

- ‌في اصطلاح الكتاب

- ‌باب الألف

- ‌أبى الحقين العذرة

- ‌أتى الأبد، على لبد

- ‌أتتك بحائنٍ رجلاه

- ‌أتيته صكة عمي

- ‌أتتهم فالية الأفاعي

- ‌يأتيك كل غد بما فيه

- ‌إحدى حظيات لقمان

- ‌الأخذ سلجان، والقضاء ليان

- ‌الأخذ سريط، والقضاء ضريط

- ‌اتخذ فلان حمارا للحاجات

- ‌أخذ الليل جملاً

- ‌أخذهم ما قدم وما حدث:

- ‌خذ من جذع ما أعطاك:

- ‌خذ من الرضفة ما عليها:

- ‌خذه ولو بقرطي مارية:

- ‌آخر البز على القلوص:

- ‌آخر أقلها شربا

- ‌أخوك أم الذئب

- ‌أخوك البكري ولا تأمنه

- ‌إذا دخلتَ أرض الحُصيبِ فهرول

- ‌إذا رغب الملك عن العدل، رغبت الرعية عن الطاعة

- ‌إذا ارجحن شاصياً فارفع يداً:

- ‌إذا سمعت بسرى القين فاعلم أنه مصبحٌ

- ‌إذا اشتريت فاذكر السوق

- ‌إذا طلبت الباطل أنجح بك

- ‌إذا عز أخوك فهن

- ‌إذا لم تستحي فاصنع ما شئت

- ‌إذا نزل بك الشر فاقعد

- ‌إذا نزل القضاء عمي البصر:

- ‌إذا لم تغلب فاخلب

- ‌مأرب لا حفاوة:

- ‌آكل من أرضة

- ‌آكل من سوس

- ‌يأكلك الأسد ولا يأكلك الكلب

- ‌آلف من حمام مكة

- ‌آلف من غراب عقدة

- ‌إليك يساق الحديث

- ‌أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك

- ‌الأمور مخلوجة وليست بسلكى

- ‌تأمير الأراذل، تدمير الأفاضل

- ‌الأمر أشد من ذلك

- ‌آمن من حمام مكة

- ‌أما الدَّينُ فلا دِن

- ‌أنا بالقُوس، وأنت بالقرقوس، متى نجتمع

- ‌أنا تئق وأنت مئق فكيف نتفق

- ‌أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب

- ‌أنا كلف، وأنت صلف، فكيف نأتلف

- ‌أنا اتلوص قبل أن أرمى

- ‌أنا من هذا الأمر فالج بن خلاوة

- ‌أنا من هذا الأمر كحاقن الإهالة

- ‌أنا النذير العريان

- ‌أنت شَولة الناصحة

- ‌أنت صاحبة النعامة

- ‌أنتِ غيري نغرةٌ

- ‌إن جرجر العود فزده وقراً

- ‌أن ذهب عَير فعير في الرهط

- ‌الإيناس قبل الابساس

- ‌إن أعيى فزوده نوطاً

- ‌أنفك منك وإن كان أجدع

- ‌إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً

- ‌أن كنت ذا طب فطب لعينيك

- ‌أن يكن هذا من الله يمضه

- ‌إن لا حظية فلا ألية

- ‌إن لا أكن صنعاً فإني أعتثم

- ‌لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم

- ‌إنّ البغاث بأرضنا يستنسر

- ‌إنّ البكري ليحسن السعدي

- ‌إنّ تحت طريقته لعنداوة

- ‌إنّ الجواد عينه فرارة

- ‌إنّ الحذر لا يغني من القدر

- ‌إنّ الرثيئة تفثاً الغضب

- ‌إنَّ الرقين تغطي أفن الأفين

- ‌إنَّ السقط يحرق الحرجة

- ‌إنَّ الشفيق بسوء الظن مولع

- ‌إنَّ الشقراء لم يعد شرها رجليها

- ‌إنَّ الشقي وافد البراجم

- ‌إنَّ العصا قرعت لذي الحلم

- ‌إنَّ فلاناً باقعة

- ‌إنّه لذو بزلاء

- ‌إنّه ليسر حسوا في لرتغاء

- ‌إنّه لساكن الريح

- ‌إنّه لشرَّابٌ بأنقع

- ‌إنّه لصل أصلال

- ‌إنّه لضعيف العصا

- ‌إنّه لضل إضلال

- ‌إنّه لعض

- ‌إنّه للين العصا

- ‌إنّه لنقاب

- ‌إنّه لنكد الحظيرة

- ‌إنّه لهتر اهتار

- ‌إنّه لواقع الطائرِ

- ‌انك لا تجني من الشوك العنب

- ‌إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع

- ‌إنَّ في المرنعة لكل قوم مقنعة

- ‌إنَّ في مض لمطمعا

- ‌إنَّ الله ليؤيد هذا الدين بالرَّجل الفَاجِر

- ‌إنَّ الله لن يرفع شيئاً من الدنيا إلاّ وضعه

- ‌إنَّ الُّلهَي تفتح الَّلهي

- ‌إنّما يجزي الفتى ليس الجمل

- ‌إنّما سميت هانئاً لتهنأ

- ‌إنّما اشتريت الغنم حذار العازبة

- ‌إنّما القرم من الأفيل

- ‌إنّما هو كبارح الأروى

- ‌إنَّ مع اليوم غدا

- ‌إنَّ من بالنجف من ذي قدرةٍ لقريبٌ

- ‌إنَّ من البيان لسحراً

- ‌إنَّ من الشعر لحكمة

- ‌إنَّ من الشر خيراً

- ‌إنَّ منكم منفَّرين

- ‌إنَّ الهدايا على مقدار مهديها

- ‌أهل مكة أعرف بشعابها

- ‌أينما أذهب ألق سعداً

- ‌أيُّ داءٍ أدوى من البخلِ

- ‌إياك أعني واسمعي يا جارة

- ‌إنه ابن إحداها

- ‌إن كذبت فحلبت قاعداً

- ‌إن كذبت فشربت عبوقاً بارداً

- ‌إنَّ فلاناً لتدب عقاربه

- ‌إنّه لفي حور بور

- ‌إنّه لوابصة سمع

- ‌إذا امتلأت القربة ترشحت

- ‌أبى منبت العيد اَنِ أنْ يتغير

- ‌إنَّ المحب لمن يهواه زوار

- ‌إنَّ الحر حر

- ‌إنَّ الحسان مظنة للحاسد

- ‌إنَّ التخلق يأتي دونه الخلُقُ

- ‌إنَّ السم مشروب

- ‌إنَّ الكريم إذا خادعته انخدع

- ‌إنَّ ليتاً وإنَّ لوّاً عناءُ

- ‌أي الرجال المهذبُ

- ‌باب الباء

- ‌بحث عن حتفه بظلفه

- ‌أبخر من الأسد

- ‌أبخر من صقر

- ‌البدل أعور

- ‌برح الخفاء

- ‌أبرد من حبقر

- ‌بر الكريم طبعٌ، وبر البخيل دفعٌ

- ‌أبر من هرة

- ‌بالرفاء والبنين

- ‌برق لمن لا يعرفك

- ‌أبرما قرونا

- ‌أبصر من عقاب

- ‌أبصر من غراب

- ‌أبصر من فرس

- ‌أبصر من المائح باست الماتح

- ‌أبصر من هدهدٍ

- ‌أبصر من وطواطٍ بالليل

- ‌بصبصن إذ حدين بالأذناب

- ‌بضرب خبابٍ وريش المقعدِ

- ‌أبطأتَ بالجواب، حتى فات الصواب

- ‌أبطأ من غراب نوح

- ‌أبطأ من فندٍ

- ‌البطنة، تذهب الفطنة

- ‌بطني وعطري، وسائري ذري

- ‌أبعد من بيض الأنوق

- ‌أبعدي عني ظلك، أحمل حملي وحملك

- ‌بعض الشر أهون من بعضٍ

- ‌بعلة الورشان يأكل رطب المشان

- ‌البغاث بأرضنا يستنسر

- ‌أبلعني ريقي

- ‌يبلغ الخضم بالقضم

- ‌بلغ السكين العظم

- ‌بلغ السيل الزبى

- ‌بلغ الشظاظ الوركين

- ‌بلغ الله بك اكلا العمر

- ‌بلغ من العلم اطوريه

- ‌ابله من ضب

- ‌ابنك أبن ايرك، ليس بذي أب غيرك

- ‌ابنك أبن بوحك

- ‌ابنك من دمى عقبيك

- ‌به لا بظبي

- ‌باءت عرار بكحلٍ

- ‌بال حمارٌ فاستبال أحمرة

- ‌بالت عليه الثعالب

- ‌بات فلان بليلةٍ ابن المنذر

- ‌باتت المرأة بليلةٍ حرةٍ

- ‌باتت بليلة شيباء

- ‌باتت بليلة أنقد

- ‌بيدي لا بيد عمرو

- ‌بيدين ما أوردها زائدة

- ‌بيض القطا يحضنه الأجدلُ

- ‌بين الصبح لذي عينين

- ‌وقولهم: بفلان تقرن الصعبة

- ‌وقولهم: بعد اللتيا والتي

- ‌وقولهم: هو ابن زوملتها

- ‌وقولهم: هو بين سمع الأرض وبصرها

- ‌وقولهم: البركات في الحركات

- ‌كأنها تهفي على القلوب

- ‌باب التاء والمثناة

- ‌تتابعي بقر

- ‌أتبع الفرس لجامها، والناقة زمامها، والدلو رشاءها

- ‌اتبع من الظل

- ‌اتجر من عقرب

- ‌تحفة المؤمن الموت

- ‌أتخم من الفصيل

- ‌تركت الرأي ببقة

- ‌ترك الخداع من أجرى من المائة

- ‌تركت فلانا بملاحس البقر أولادها

- ‌تركته ترك الظبي ظله

- ‌تركته كجوف الحمار

- ‌تركتهم لحما على وضم

- ‌ترك الوطن أحد السباءين

- ‌اتق مأثور القول

- ‌تلك التجارة لا انتقاد الدرهم

- ‌تمرة خير من جرادة

- ‌التمر في البئر على ظهر الجمل

- ‌اتميميا مرة وقيسيا أخرى

- ‌تيسي جعار

- ‌تحت طريقتك عنداوة

- ‌تركته باست الأرض

- ‌تركته على أنقى من الراحة

الفصل: ‌اتق مأثور القول

‌ترك الوطن أحد السباءين

.

الوطن بالفتحتين معروف والسباء بالكسر والمد: الأسر. يقال: سبى عدوه يسبيه سبيا سباء واستباه إذ أسره. والمعنى إنَّ الخروج من الوطن ومفارقة الأهل والسكن شبيه بالسباء نوعان: أحدهما الأسر والآخر: السفر فسار السفر أحد السباءين وهذا ذم له. وتقدم في ذم السفر ومدحه من الآثار والأشعار ما أغنى عن الإعادة. وسيأتي ذكر ما في هذه التثنية الواقعة في السباء إن شاء الله تعالى.

‌اتق مأثور القول

!

التقوى معروف والمأثور: المروي المحكي. والمثل لحمل بن بدر قاله يوم الهباءة وهو اكبر أيام حرب داحس بين عبس وذبيان وسبب الحرب كلها. وصدور المثل على ضرب من الإيجاز والاختصار إنَّ قيس بن زهير فيما يزعمون وهو من بني عبس كان اشترى من مكة درعا تسمى ذات الفضول فاغتصبها منه عمه الربيع بن زياد وكان سيد عبس. فغضب قيس وتحل عنهم ونزل على بني ذبيان وسيدهم إذ ذاك حذيفة بن بدر وأخوه حمل بن بدر فأكرموه واحسنوا جواره. ثم إنَّ قيس بن زهير وحذيفة بن بدر تراهنا يوما على خطر عشرين بعيرا وجعلا الغاية مائة غلوة والمضمار أربعين ليلة والمجرى من ذات الاصاد. فاجرى قيس داحس والغبراء وأجرى حذيفة الخطار والحنفاء. فوضعت بنو فزارة رهط حذيفة كمينا في الطريق. فلما جاءت الغبراء وكانت سابقة لطموها وردوها. فقال قيس: سبقت فدفعوه عن ذلك حتى وقع بينهم الشر. فطلب منهم قيس بعيرا واحدا فقال جذيمة: ما كنا لنقر لكم بالسبق فلما رأى قيس ذلك ترحل عنهم وفارقهم. ثم إنّه أغار فلقي عوف بن بدر أخا حذيفة فقتله ووداه مائة ناقة عشراء. ثم خرج مالك بن زهير أخو قيس فلقيه حمل بن بدر فقتله. فأرسل قيس إلى حذيفة إنَّ اردد علينا ابلنا فقد قتلت مالك بن زهير بعوف بن

ص: 318

بدر. وكانت الإبل قد تناجت عند حذيفة فدفعها دون أولادها. وامتنعت عبس إلاّ إنَّ يقابلهم ابلهم بأولادهم فهاجت الحرب بين الفريقين ودامت أربعين سنة فيما يزعمون إلى إنَّ اصلح بينهم الحارث بن عوف وهرم بن سنان المريان كما سنذكر. وكانت بنو عبس وتروهم فاجتمعت القبائل وحلفاؤها وتعاقدوا وتحالفوا فسار حذيفة إلى عبس في جموع لا تحصى. فلما رأت عبس ذلك اجتمعوا إلى قيس بن زهير فقالوا له " ما الرأي؟ فقال: خلوا الأموال والظغن وادخلوا في الشعب فإنَ الجموع إذا رأت الظعائن لا رجال فيها أمنوا فغنموا وتفرقوا فتدركوا منهم حاجتكم! فلما أشرفت جموع حذيفة على أموال بني عبس ظنوا انهم فروا فأمنوا وغنموا وجعل الجل يطرد ما قدر عليه من الأموال. فلما تفرقوا كرت عليهم خيل عبس فوضعت فيهم السلاح وانهزموا. وأسرفت في القتال حتى ناشدهم بنو ذبيان البقية وكان يوم شديد الحر. فمضى حذيفة وأخوه حمل حتى استغاثا بجفر الهباءة فنزلا ومعهما ورقاء بن بلال ونزعوا سلاحهم وسرجهم واقعدوا ربيئة يتطلع ولم يكن لعبس هم إلاّ في حذيفة. فبعثوا الخيل تقص أثره. فنظر الربيئة فقال: إني أرى شخصا كالنعامة فلم يكترثوا به وجعلوا يتحدثون فأذاهم بخيل عبس قد لحقهم وحالت بينهم وبين خيلهم. فلما حملوا عليهم وهم في الجفر قال حذيفة: يا بني عبس فأين الأحلام؟ فضرب أخوه حمل بين كتفيه وقال: اتق مأثور القول فأرسلها مثلا. يريد: انك تقول قولا تتذلل فيه وتخضع وتقتل ولا ينفع فتشتهر عنك أخباره ويبقى عليك عاره. فقتلوا حذيفة ومن معه وتمزقت بنو ذبيان.

ولا يخفى إنَّ هذا المثل حقه إنَّ يذكر في غير هذا الباب لكن الواو لمّا استهلكت بالإبدال اعتبرنا الظاهر تقريبا. وداحس بالدال المهملة على وزن فاعل من الدحس وهو الدفع. وسنئتي بذلك لأن أباه ذا العقال وهو فرس كان لرجل يسمى حوطا خرجت به جاريتان له يومان تقودانه فمرتا به على فرس أنثى لقرواش تسمى جلواء وهي إذ ذاك وديق والو الديق بالدال المهملة: المشتهية الفحل ومنه المثل الآتي: ودق العير إلى الماء فلما رآها ذو العقال ودق. فضحك شباب منهم فاستحيت الجاريتان فأرسلتا مقوده فزنا عليه. فلما جاء حوط وكان رجلا سيئ الخلق عرف النزو

ص: 319

في عين ذي العقال فغضب وقال: أعطوني ماء فحلي فلما رأوا الخطب قد عظم قالوا: دونك وماء فحلك فأخذ الفرس وجعل يده في الماء والتراب وادخل اليد في رحمها حتى إنّه استخرج الماء. وقد اشتملت الرحم على ما فيها فنتجت قروش مهرا اسمه داحسا لدحس حوط إياه وخرج كأنه ذو العقال أبوه. ثم إنَّ قيس بن زهير أغار على بني يربوع فغنم فرأى داحس قد ركبه فتيان فقطعها الخيل ونجوا. فاعجب به قيس ودعا إلى إنَّ يجعله فداء المغنم كله. فأطوه إياه وكان سبب الحروب حتى قيل: أشأم من داحس وسيأتي. والخطار بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة بعدها ألف فراء وهم فرس لحذيفة والحنفاء: فرس له أيضاً تأنيث الأحنف. والحنف قيل هو الاعوجاج في الرجل وقيل أن يقبل إحدى إبهامي الرجل على الأخرى وقيل ميل في صدور القدم وقيل المشي على ظهر القدمين من شق الخنصر.

ويذكر في هذه القصة أيضاً أن حذيفة أجرى قرزلا والقرزل بالقاف والراء والزاي على وزن جحذب وهو فرس لحذيفة أيضاً ويحتمل إنّه الخطار المذكور. وقد قيل في هذه القصة إنَّ الصحيح إنَّ الرهان إنّما وقع بين قيس وحمل بن بدر لا حذيفة وإنَّ فرس قيس داحس وفرس حمل الغرباء. وفي القصة اضطرابات كثيرة اضربنا عنها. والهباء بفتح الهاء ثم باء موحدة وبعد الألف همزة مقلوبة عن واو ثم هاء التأنيث وهي أرض لغطفان فيها ماء. وفي الفرسين يقول عنترة بن معاوية بن شداد العبسي يرثي مالك بن زهير:

لله عين من رأى مثل مالك

عقير قوم إنَّ جرى فرسان

فليتهما لم يجريا نصف غلوة

وليتهما لم يرسلا لرهان

وليتها ماتا جميعا ببلدة

وأخطاهما قيس فلا يريان

وكان لهى الهيجاء يحمى ذماره

ويضرب عند الكرب كل بنان

لقد جلبا حينا وحربا عظيمة

تبيد سراة الحي من غطفان

وقال الربيع بن زياد أيضاً عم مالك المذكور يرثيه:

إني أرقت فلم اغمض حار

من سيء النبل الجليل الساري

ص: 320

من مثله يمشي النساء حواسرا

وتقوم معولة مع الأسحار

أبعد مقتل مالك بن زهير

ترجوا النساء عواقب الأطهار؟

ما أن أرى في قتله لذوي النهى

إلاّ المطي تشد والاكوار

ومجنبات ما يذقن عذوقة

يقذفن بالمهرات والامهار

ومسارعا صدأ الحديد عليهم

فكأنما طلب الموجوه يقار

من كل سرور بمقتل مالك

فليأت نسوتنا بوجه نهار

يجد النساء حواسر يندبنه

قد قمن قبل تبلج الأسحار

قد كن يخبأن الوجوه تسترا

فالآن حين بدون للنظار

يضربن حر وجوههن على فتى

عف الشمائل طيب الأخبار

قوله: حار أراد يا حارث قوله: ترجوا النساء عواقب الأطهار يريد إنَّ النساء لا يأتين بمثله وفي عروض هذا البيت عيب القطع وهو لا يجوز إلاّ مع التصريع. والمنجبات: خيل يركبون الإبل فيقودونها هي لا يركبونها إلى موضع الغارة لتجم. ويقال ما ذقت عذوفا بالذال المعجمة وتهمل في لغة ربيعة وبالفاء أي شيء. ويقال عذوقا وعذوقة فإنَ كانت الرواية بغير هاء التأنيث ففي هذا العروض أيضاً عيب السابق. والمساعر جمع مسعر وهو الذي يسعر الحرب. قوله: قد قمن قبل تبلج الأسحار هكذا في الرواية. والجملة حال أي بجد النساء عند وصوله يندبنه وقد كن قمن إلى ذلك من الليل قبل تبلج الأسحار واستمررن على البكاء إلى وقت مجيئه. ويروى: يندبنه بالصبح قبل تبلج الأسحار. وقالوا يعني بالصبح هنا الحق والأمر الجلي وليس بظرف. ولا بد فيه مع ذلك من التقدير الذي في الرواية الأولى. ويصح إنَّ يكون الصبح أطلق على آخر الليل لقربه منه مجازا أو يكون على بابه. وقوله قبل تبلج الأسحار معمول لفعل مقدر كما في الرواية الأولى أو معمول ليندبه. ويكون بالصبح معمولا لحواسر على الألف والنشر مع تكلف. وأفاد بالبيتين انهم أدركوا ثأرهم لأن القتيل عند العرب لا يبكى حتى يؤخذ بثأره. وقال قيس بن زهير يرثي حمل بن بدر وهو أوّل من رثى مقتوله:

ص: 321

تعلم إنَّ خير الناس ميت

على جفر الهباء لا يريم

ولولا ظلمه مازلت أبكي

عليه الدهر ما بدت النجوم

ولكن الفتى حمل بن بدر

بغنى والبغي مرتعه وخيم

أظن الحلم دل علي قومي

وقد يستجهل الرجل الحليم

ومارست الرجال ومارسوني:

فمعوج علي ومستقيم

وفي ذلك قال أيضاً:

شفيت النفس من حمل بن بدر

وسيفي من حذيفة قد شفاني

قتلت باخوتي سادات قومي

وهم كانوا لنا حلي الزمان

فإن أك قد بردت بهم غليلي

فلم اقطع بهم إلاّ بناني

فائدة: حمل بن بدر المذكور بفتح الحاء المهملة وفتح الميم على لفظ ولد الضان. وفيه قال الشاعر:

ليت شعري يلحق الهيجا حمل

ما احسن الموت إذا حان الأجل

وتمثل بهذا الشعر فيما ذكر سعد بن معاذ رضي الله عنه يوم الخندق. قال البكري: وفي همدان حمل بن زياد بن حسان بفتح الحاء وضم الميم وقي مدحج جمل كنانة بفتح الجيم والميم كلفظ واحد الجمال وفي كنانة خمل بن شق يعني بالخاء المعجمة مضمومة وتسكين الميم والله اعلم.

وأما سبب الصلح بينهم على الحارث بن عوف فهو إنَّ الحارث قال يوما لخارجة بن سنان: أتراني اخطب إلى أحد من العرب فيردني؟ قال: ومن هو؟ أوس بن حارثة في بلاده. فلما رأى الحارث قال: مرحبا بك يا حار قال: ويك! قال: وما حاجتك؟ قال: جئتك خاطبا. قال: ليست هناك فانصرف ولم يكلمه. ودخل أوس إلى امرأته مغصبا وكانت من عبس فقالت: من الرجل الذي وقف عليك؟ قال: ذاك سيد العرب الحارث بن عوف. قالت: فما لك لم تستنزله؟ قال إنّه استمحق. قالت: وكيف؟ قال: جاءني

ص: 322

خاطبا. قالت: أف تريد تزويج بناتك؟ قال: نعم! قالت: فإذا لم تزوج سيد العرب فمن؟ قال: قد كان ذاك. قالت: فتدرك ما كان منك! قال بماذا؟ قالت: بأن تلحقه فترده. قال: وكيف وقد فرط مني ما فرط إليه؟ قالت: تقول انك لقيتني مغضبا بأمر. فانصرف ولك عندي ما تحب فانه سيفعل فركب حارة في أثره. قال خارجة: فو الله إنا لنسير إذ حانت مني التفاتة فرأيته فأقبلت على الحارث وما يكلمني غنا. فقالت: هذا أوس بن حارثة قال: وما نصنع به؟ امض فلما رآنا لا نلتفت صاح: يا حار أربع علي فوقفنا له فكلمه بذاك الكلام فرجع مسرورا. ودخل أوس فقال لامرأته: ادعي لي فلانة كبرى بناته. فأتته فقال: يا بنية هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب وقد جاء خاطبا. فأردت إنَّ أزوجك منه فما تقولين؟ قالت: لا تفعل قال: ولم؟ قالت: لأني امرأة في وجهي ردة وفي خلقي بعض الحدة ولست بابنة عمه فيرعى رحمي وليس بجارك في البلد فيستحي منك ولا آمن إنَّ يرى مني ما يكره فيطلقني فيكون علي وصمة. قال: قومي بارك الله فيك ثم دعى الوسطى فأجابته بنحو ذلك ثم دعى الصغرى فقال لها قالت: أنت وذلك. قال: إني عرضت ذلك على أختيك فأبتاه. قالت: لكني الجميلة وجها الصناع يدا الحسيبة أبا. فإنَ طلقني فلا أخاف الله عليه. قال: بارك الله عليك ثم خرج إلينا قال: قد زوجتك بهنسة بنت أوس. قال: قد قبلت. أمر أمها إنَّ تهيئها وتصلح من شأنها. ثم أمر ببيت فضرب له وادخله إياه. فلما أدخلت إليه لبث هنيئة ثم خرج ألي فقلت: أفرغت من شأنك؟ قال: لا والله لمّا مددت يدي إليها قالت مه اعند أبي واخوتي؟ هذا لا يكون قال: فأمر بالرحلة فارتحلنا بها معنا فسرنا ما شاء الله ثم قال لي: تقدم فتقدمت فعدل بها عن الطريق فما لبث إنَّ لحقني فقلت: أفرغت؟ قال: لا والله قالت لي: اكما يفعل بالأمة الجليبة والسبية الأخيذة؟ لا والله حتى تنحر الجزور وتذبح الغنم وتدعو العرب وتعمل ما يعمل لمثلي. قال خارجة: فقلت: والله لأري هيئة عقل وإني لأرجو أن تكون المرأة النجيبة. ثم سرنا حتى دخلنا بلادنا. فأحضر الإبل والغنم ثم

ص: 323