المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ونقض معاهدة الأطلسي مذكرة - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٥

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ونقض معاهدة الأطلسي مذكرة

4 -

‌ الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ونقض معاهدة الأطلسي مذكرة

بشأن نقض معاهدة شمال الأطلسي

من قبل الحكومة المؤقة للجمهورية الجزائرية (*)

موضوع هذه المذكرة:

1 -

التذكير بأن الجزائر أدرجت عام (1949) في ميثاق الأطلسي دون رضاء الشعب الجزائري.

2 -

تقرير استمرار التدخل العسكري والمالي والديبلوماسي من جانب دول منظمة معاهدة شمال الأطلسي ضد الشعب الجزائري، منذ ست سنوات وحتى اليوم.

3 -

تقرير أن (ميثاق الأطلسي) من شأنه في أية لحظة أن يعرض أمن المغرب كله للخطر. ونتيجة لذلك، فإن المذكرة الحاضرة لا تقضي بفسخ إدخال الجزائر بصورة تعسفية في منظمة حلف شمال الأطلسي وحسب، بل بفسخ ميثاق الأطلسي ذاته من

(*)(الثورة الجزائرية والقانون) - محمد البجاوي - دار اليقظة العربية - دمشق - 1961 ص 309 - 324.

ص: 175

جانب الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

أولا: إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، تذكر بادىء ذي بدء بأن الجزائر أدرجت في ميثاق الأطلسي دون رضاء الشعب الجزائري.

لقد قرر ميثاق الأطلس بصورة تعسفية أن (الجزائر فرنسية) وعلى الدوام، ظل هذا الميثاق أداة طيعة للاستعمار.

1 -

خرافة (الجزائر الفرنسية) في ميثاق الأطلسي

تنص المادة السادسة من ميثاق الأطلس على ما يأتي: (يعتبر هجوما مسلحا ضد واحد، أو أكثر من الدول الأطراف: الهجوم المسلح على أراضي أية واحدة من هذه الدول في أوروبا أو أمريكا الشمالية، وعلى ولايات الجزائر الفرنسية

).

وقد استطاع رئيس الحكومة الفرنسية (السيد فيليكس غايار) أن يعلن في إثر مسؤولين آخرين من الفرنسيين في 15/ 11/ 1957 من على منبر البرلمان الفرنسي: (إن ميثاق الأطلس يشمل ولايات الجزائر، وأن مادته السادسة صريحة في هذا الشأن، وكل تهديد موجه إلى وحدتها ستتبع التضامن الآلي من جانب حلفائنا). كما أوضح أحد أعضاء الوفد الأمريكي الذي وقع معاهدة شمال الأطلسي، أن هذه المعاهدة تشمل:(ولايات الجزائر الفرنسية الأربع التي تؤلف جزءا من فرنسا من الناحية الدستورية)(*). وهذا

(*)(محاضرة السيد تيودور أشيل في - مدرسة دفاع منظمة حلف شمال الأطلسي) - أنباء منظمة حلف الأطلسي - 1/ 4/ 1956 ص 29.

ص: 176

التصرف التعسفي بإدخال الجزائر في الميثاق قد جاء نتيجة التهديد الفرنسي - بعد أن اصطدم في بداية الأمر برفض الولايات المتحدة التي حاولت أن تسلم بأن الجزائر لم تكن فرنسية -، ولكن الاستجابة لرغبة الحكومة الفرنسية، في آخر المطاف، جعل الشعب الجزائري بأجمعه يشعر بأن إهانة كبرى لطموحه إلى الاستقلال، تعمدت دول الأطلسي أن توجهها إليه علنا. ولهذا السبب، فما أن تم توقيع المعاهدة حتى انبرت جميع الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية تعلن باسم (الشعب الجزائري) اعتراضها على إدخال الجزائر في شمول المعاهدة، وكانت الاجتماعات الكثيرة التي عقدت، والرسائل التي أرسلت إلى الدول المعنية، واعتراضات النواب أثناء مناقشة التصديق على الميثاق، تعبر جميعا أبلغ تعبير عن مشاعر الشعب الجزائري حيال المحتل والدول ذات العلاقة 0 ولقد قاوم الشعب الجزائري بشدة مزاعم الميثاق الذي حاول أن يكرس دبلوماسيا الطابع الفرنسي المزعوم للجزائر، وأن يدعم فرنسا في ادعاءاتها بأن لها (حقوقا) في الجزائر، وأن يخلد نهائيا الخرافة القائلة بأن (الجزائر فرنسية).

لقد أعلن مقرر المجلس النيابي الفرنسي - السيد رينيه - أثناء مناقشة التصديق على الميثاق: (إن الهجوم الذي يستهدف ولايات الجزائر الفرنسية، يماثل بصراحة النص، الهجوم على أرض فرنسا البرية، ولو كانت هذه الولايات تقع في أفريقيا، وإنا لواثقون أن الأغلبية الكبرى في المجلس، شأنها شأن الأغلبية في لجنة الشؤون الخارجية، سيسرها هذا - الوضوح - الذي لم تحصل عليه الحكومة ومفاوضو الميثاق إلا بشق الأنفس، وستغتبط بأن ترى وجود فرنسا في الولايات الجزائرية، ووحدة الجزائر، معترفا بهما دوليا كعنصر

ص: 177

من عناصر السلام والأمن الدوليين) (*).

بيد أن (معاهدة الأطلسي) كانت أكثر غلوا من الادعاءات الفرنسية حين وصفت الولايات الجزائرية بأنها فرنسية. فالواقع، أن أي نص تشريعي أو تنظيمي لم ينعت الولايات الجزائرية بأنها (فرنسية)، ولكي يتجنب (المشرع الفرنسي) اعتبار (الولايات الجزائرية) مماثلة (لولايات فرنسا) ويعترف بعض الشيء بالشخصية الجزائرية، فقد منحها نظاما تشريعيا وتنفيذيا خاصا، وعمل في مادته الأولى من (القانون الفرنسي) الصادر في (20/ 9/ 1947) المتضمن ما سمي (بالنظام الأساسي للجزائر) تأكيدا بأن (الجزائر هي مجموعة ولايات) وبذلك فإنه أقلع نهائيا عن وصف هذه الولايات بأنها (فرنسية). وإذن، فإن ميثاق الأطلسي يكون قد أقر لأول مرة الخرافة القائلة بأن (الجزائر فرنسية)، وذلك قبل أن يطالب بها المتطرفون من الفرنسيين، مما جعل الشعب الجزائري يدرك ما تنطوي عليه معاهدة شمال الأطلسي من فلسفة استعمارية.

2 -

ميثاق الأطلسي هو أداة للاستعمار.

إن مشكلة الاستعمار حفزت أمم الأطلسي إلى التضامن، الأمر الذي يبرز حقيقة طبيعة معاهدة شمال الأطلسي ويحدد مسؤولياتها، ويهيب بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أن تتخذ التدابير الملائمة.

(*) الجمعية الوطنية الفرنسية - الوثائق البرلمانية - دورة عام 1949 - الملحق رقم (7848) جلسة 11/ 7/ 1949 ص 1347.

ص: 178

لقد قيل عن (منظمة معاهدة شمال الأطلسي) بأنها من الوجهة القانونية، مجموعة من خمس عشر دولة ذات سيادة وضعت في حالة الاشتراك بعض الموارد من الرجال والمال والعتاد بغية تأمين (دفاع مشترك) ضد كل اعتداء طارىء.

والحقيقة، أن منظمة شمال الأطلسي أصبحت، فيما يتعلق بمشكلة الاستعمار على الأخص، عنصر محافظة ورجعية مناوئة لحركة التطور التي جاءت في أعقاب الحرب.

وعن طريق التفكير في محنة الشعب الجزائري، وما يناله من أذى التحالف الأطلسي، بالإمكان استقراء ما قاله واحد من أبرز اختصاصي حلف الأطلسي:(إن منظمة شمال الأطلسي أصبحت نقابة للمصابين بمرض (الغرام - أو الهيام الاستعماري)

نقابة أصحاب الامتيازات الذين لا يفكرون رغم تصريحاتهم الإنسانية، بغير الذود عن امتيازاتهم وتوسيع مداها) (*).

ولقد صرح السيد (بول هنري سباك) السكرتير العام لمنظمة شمال الأطلسي في (أيلول - سبتمبر - 1957) في مدينة (براغ) قاصدا بتصريحه الاتحاد السوفييتي، فقال (إن التسلط الاستعماري هو شيء جد واضح وبسيط، إنه العمل الذي تستولي به دولة كبرى على مساحة من الأرض، وتخضع لقوانينها عددا من الرجال والنساء رغم أنوفهم). وترى الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أن هذا التعريف البارع الرسمي هو الذي يمكن إسباغه بحق على الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وهذا الاستعمار هو

(*) اندريه فونتين (التحالف الأطلسي في حالة الذوبان) باريس (1960) ص 211 والكاتب هو من أبرز معلقي صحيفة (لوموند) الفرنسية.

ص: 179

الذي تحرص منظمة حلف شمال الأطلسي على تخليده. إن جميع الحكومات الفرنسية المتعاقبة، استصرخت تضامن المنظمة واستغلته في حربها الاستعمارية التي تستهدف (إعادة فتح الجزائر).

لقد أدلى رئيس الحكومة الفرنسية - السيد إدغار فور - ببيان في يوم 26/ 3/ 1955 تضمن ما يلي: (بمقتضى المادة الثانية من ميثاق شمال الأطلسي، يجب ألا تقتصر المنظمة على المسائل العسكرية، بل عليها أن تقيم بين أعضائها، سواء في أوروبا أو خارجها، ولا سيما في البحر المتوسط وفي أفريقيا، تضامنا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا يجعل منها جامعة حقيقية). وكان رئيس حكومة فرنسية آخر، هو (السيد فيليكس غايار) قد دافع عن قضية - التحالف الجماعي - في كانون الأول - ديسمبر - 1957 بقوله:(لا يمكن أن يكون المرء حليفا هنا، دون أن يكونه في كل مكان). وكان يطالب بدعم السياسة الفرنسية في الجزائر بلا غموض أو قيود، كما كان (السيد ميشيل دوبريه) قد صرح بدوره في كانون الثاني - يناير - 1959 بقوله:(لا يمكن أن يكون المرء شريكا في أوروبا في حالة وقوع التهديد، وأن يكون منقسما في البحر المتوسط أمام التهديد ذاته). وحين كان السكرتير العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي (السيد هنري سباك) وزيرا لخارجية بلجيكا، عمل على تنصيب ذاته محاميا عن فرنسا في الأمم المتحدة (دورة أيلول - سبتمبر - 1955) مدليا بحجة وحيدة هي قوله:(ثقوا بفرنسا). ثم راح يعقد، إثر عودته من الأمم المتحدة، بسلسلة من المقابلات مع الصحيفة البلجيكية (الشعب)، وينتقد التصدع العرضي الزائل الذي أصاب التضامن الأطلسي نتيجة تصويت (اليونان)

ص: 180

و (إيسلندة) لصالح تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الدورة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويضيف قائلا:(وفي رأيي، إن منظمة شمال الأطلسي، تعني أن الدول المشركة فيها يجب عليها على الأقل أن تحاول تنسيق سياستها الخارجية، ولا أعتقد من الممكن اليوم - مهما يكن ذلك صحيحا في الماضي - أن نعقد تحالفا من أجل القتال معا وقت الحرب، إذا لم نتوصل إلى العيش معا وقت السلم)(*).

والواقع، أنه بالرغم من بعض المعارضات هنا وهناك - هذه الظاهرة التي خنقت في مهدها - فقد مارس (التضامن الأطلسي) دوره في سحق الحرية، وفي أحلك الظروف، ولقد قالوا أن (جامعة الأطلسي) قد سجلت في مدى عشر سنين (انتقالا من التضامن المادي إلى تضامن وجداني، ومن التضامن الذي يعيش إلى تضامن يراد). وكان من المتوقع، ولكن من غير المشرف لمنظمة الأطلسي، أن يتم هذا التضامن الوجداني، الإرادي في مشكلة الاستعمار بقصد وأد الحرية.

ثانيا: (إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، تقرر أن دول معاهدة شمال الأطلسي، لم تنقطع عن إمداد فرنسا بالدعم العسكري والمالي والديبلوماسي في حرب الإبادة و (إعادة الفتح الاستعماري) التي تشنها الجزائر منذ ست سنوات حتى اليوم).

عندما تحدث رئيس الولايات المتحدة (السيد ترومان) أمام الكونغرس في 29/ 1/ 1949، عن مشاريع ميثاق حلف شمال

(*) أنباء منظمة شمال الأطلسي (1/ 11/ 1955).

ص: 181

استقلت البلاد - وعاد أبناؤها إلى أحضانها

ص: 182

الأطلسي، أعلن قائلا: (إنما يشد أزرنا جميع الذين يرغبون في حكم أنفسهم بأنفسهم، وفي إسماع صوتهم حيث تتجه

مصالحهم، إن حلفاءنا هم الملايين من البشر الذين يشعرون بالجوع والظمأ إلى العدالة). غير أن الشعب الجزائري لا يستطيع - آسفا - إلا أن يكشف عن طابع الدعاية في هذا الإعلان العقائدي المزيف؛ فالشعب الجزائري يرى كل يوم رأي العين، أن الضحايا الأولى لميثاق الأطلسي هما (استقلال الجزائر، وحرية ملايين البشر الذين - يشعرون بالجوع والظمأ إلى الحرية). فمنذ قيام الحرب الجزائرية، لم تنقطع الدول الكبرى المشتركة في حلف الأطلسي عن دعم فرنسا بشتى الطرق والأشكال، وقد ظل هذا الدعم آخذا في التزايد على مر السنين، وهو يتألف من معونات:

1 -

عسكرية

2 -

مالية

3 -

ديلوماسية.

(أ) - إن الفرق الثلاث التي وضعتها فرنسا تحت تصرف منظمة الأطلسي في أوروبا، لم تسهم في خدمة هذه المنظمة، إلا بأن تزودت بعتاد المنظمة، وانكفأت نحو ميادين العمليات الحربية في الجزائر وذلك بموافقة دول الأطلسي. وهكذا استقبل الشعب الجزائري الموت والدمار من جراء وجود فرقتين في شرق بلاده، وفرقة ثالثة في الغرب، وهذه الفرق هي: الفرقة الثانية المتحركة للمشاة، والفرقة السابعة الآلية السريعة، والفرقة الرابعة المتحركة للمشاة.

إن العتاد الموجود في الجزائر، بكامله على وجه التقريب، بما فيه تجهيزات الوحدات الفرنسية، والتجهيز الصحي، جميع ذلك من منشأ أطلسي، وهناك مدربون أمريكيون يقيمون في الجزائر،

ص: 183

وبخاصة في مرسى الكبير، ولارتيغ، وبوفريك، وبجاية ;وإن قطع التبديل، وكذلك المعدات كلها أمريكية، وإن قسما من تدريب الطيارين الفرنسيين العاملين في الجزائر يجري في المانيا، وخصوصا على الطائرات.

(ب) - إذا كان الطيران الفرنسي ينجز في الجزائر نحوا من ألفي ساعة طيران قتال - كليوم - و (80) ألف ساعة كل شهر (بما في ذلك عشرين ألف ساعة للتدريب)، فالفضل في ذلك مرده إلى إمدادات منظمة الأطلسي ولا سيما الطائرات، وأما الطائرات الفرنسية التي أرهقها التعب في الجزائر، فمصيرها إلى القوات الفرنسية في ألمانية، شريكة فرنسا في منظمة الأطلسي (وقد راح بعض أعضاء منظمة الأطلسي يمنحون فرنسا اعتبارا من 25/ 6/ 1955، حق الأفضلية في الحصول على طائرات هليكوبتر (من طراز سيكورسكي) مخصصة للعمليات الحربية ضد الجزائريين، وبذلك أكد هؤلاء الأعضاء بصورة فعالة قيام التضامن الذي يربطهم بفرنسا) (*). (هذا وقد أوصت فرنسا الولايات المتحدة في - آذار - مارس - 1956 على خمسين طائرة هيليكوبتر من ذات المحركين - مخصصة للعمليات الحربية في الجزائر - وتدعى (الموز الطائر) أو (خيل السباق) كما يرمز إليها بشارة السبيل في القوات البحرية الأمريكية. وقد سلمت الدفعة الأولى إلى فرنسا في حزيران - يونيو - 1956) (**) وقد بلغت مشتريات الحكومة الفرنسية

(*) مناقشات الأمم المتحدة - الجمعية العامة - الدورة العاشرة - الجلسة 518 في 22/ 9/ 1955.

(**) صحيفة (لوموند) الفرنسية في 2/ 3/ 1957.

ص: 184

من الولايات المتحدة من الأسلحة، وبخاصة عتاد الطيران، ما قيمته خمسمائة مليون دولار عن عامي 1957 و1958.

وافقت الولايات المتحدة في حزيران - يونيو - 1959 على أن يشتري الجيش الفرنسي في الجزائر (20) طائرة هيليكوبتر ثقيلة، وعددا غير محدود من طائرات التدخل من طراز (ت - 28) من أجل دعم العمليات البرية والاستجابة لاحتياجات شتاء 1959 - 1960 في الجزائر، وقد سلمت الولايات المتحدة إلى فرسا (60) طائرة في كانون الثاني - يناير - 1960،وأوصت فرنسا حديثا على (96) طائرة أخرى.

(ج) - إذا كانت فرنسا مستمرة، منذ ست سنوات حتى يومنا هذا، في خرق القانون البحري الدولي في البحر الأبيض المتوسط (حيث اعترضت في سنة 1959 على سبيل المثال طريق 41300 سفينة فتشت منها 2565 سفينة وحولت اتجاه (83) سفينة منها)، فإنما فعلت ذلك بفضل ما تتمتع به من دعم حلف الأطلسي. وحين يمخر الأسطول الأمريكي السادس عباب المتوسط في دوريات الخفر، يحرص على أن يقدم لفرنسا باستمرار وسائط أجهزة الرادار لديه، وشأن (مرسى الكبير) شأن قاعدة الطيران البحري في (لارتيغ) كلاهما حول عن الغاية الأساسية التي خصص لها، واستخدم كليا في حرب الجزائر. كما أن الطائرات المائية الأمريكية ما تفتأ تقدم مساندتها إلى فرنسا في البحر المتوسط، وهناك حاملتان للطائرات من منشأ أمريكي (من طراز لافاييت) حمولة كل منها (11) ألف طن، موضوعتان تحت تصرف فرنسا، وهما تخوضان حرب الجزائر.

(د) - ويجدر أن نضيف إلى ذلك، أن الحكومة الفرنسية ما تزال

ص: 185

منذ ست سنوات إلى اليوم تستخدم قواعدها في المملكة المغربية (فاس، مكناس، خريبقة، مراكش، قنيطرة، رباط، الدار البيضاء؛ أغادير) وفي تونس (بيزرته - بنزرت) للإستمرار في عدوانها على الشعب الجزائري. ويجري في المملكة المغربية

تدرب عشرين ألف رجل فرنسي، وهم معدون لترميم الجيش الفرنسي في الجزائر، وما يقتطع منهم يحل محله آخرون، كما يجري في المملكة المغربية أيضا إصلاح قسم من الطائرات الأمريكية العاملة في الجزائر، وتخرج طائرات الاستطلاع، في كل يوم، من القواعد الفرنسية في المملكة المغربية ولا سيما (مكناس) للقيام يمراقبة الحدود الجزائرية. وفي تونس، تستخدم على أوسع نطاق قاعدة الطيران البحري في (بيزرته) للقيام بالعدوان على وحدات جيش التحرير الوطني وعلى المدنيين في شرقي الجزائر.

ولهذه الأسباب، لم تكف تونس والمملكة المغربية عن المطالبة بجلاء القوات الأجنبية عن أراضيها.

(هـ) - إن أعضاء منظمة الأطلسي الذين يقتسمون مع فرنسا مسؤولية الجرائم التي اقترفها المحتل في الجزائر، لم يعد في مقدورهم أن يعتمدوا على جهل الرأي العام العالمي لهذه الأفعال، وعلى الخصوص منذ أن قذفت الطائرات الأراضي التونسية (في ساقية سيدي يوسف يوم 8/ 2/ 1958) وكانت الطائرات الأمريكية من طراز (ب - 26) هي التي فتكت بالأطفال أثناء خروجهم من مدرسة الساقية. وقد صرح سفير الولايات المتحدة السابق - السيد دوغلاس ديلن - وهو سكرتير الدولة المساعد للشؤون الاقتصادية - صرح يوم 26/ 2/ 1958 في واشنطن، قائلا:(إن استخدام العتاد الأمريكي ضد - ساقية - من الصعوبة أن نجد له عذرا). وقد سجل

ص: 186

الشعب الجزائري هذا التصريح على أنه يعني في المفهوم المخالف أن استخدام السلاح ضده كان (معذورا) في نظر الأمريكيين، ويعترف السيد (دوغلاس ديلن) أن بعض الأسلحة المستخدمة في هذه الحادثة، كانت من جملة التجهيزات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى فرنسا لصالح منظمة حلف شمال الأطلسي، والبعض الآخر من الأسلحة هو مما حصلت عليه الحكومة الفرنسية بطريق مباشر.

وفي اليوم ذاته، صرح الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية (لنكولن وايت) بما يلي:(لقد أبلغنا الفرنسيون بصورة غير رسمية أن قسما من العتاد الذي استعملوه في - ساقية - جاء من برنامج المعونة العسكرية).

(و) - وضع ديوان محاسبات الولايات المتحدة تقريرا سريا بمناسبة حادث ساقية سيدي يوسف، أحيل إلى لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأمريكي (شباط - فبراير - 1958) أوضح فيه حسابات المساهمة الأمريكية والأطلسية في الأعمال الحربية ضد الشعب الجزائري، وتعلن مقاطع من هذا التقرير أن كميات هامة من الأسلحة الأمريكية أرسلتها إلى الجزائر، رغم قيام اتفاق بين الولايات المتحدة وفرنسا يقضي بإرجاع الأسلحة الفائضة، أي غير المخصصة لتجهيز القوات الفرنسية الموضوعة تحت قيادة منظمة الحلف الأطلسي. على أن واضعي التقرير أيدوا شرعية وجهة نظر الحكومة الفرنسية، ومؤداها:(إن التفريق بين قوات منظمة حلف الأطلسي والقوات غير الموضوعة تحت قيادة المنظمة إنما هو كيفي، وليس هناك معدات فائضة ما دامت الدولة المنتفعة بالمعونة تحتاج إلى هذه المعدات).

ص: 187

وإنه ليتعين على الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أن تستنتج من ذلك أن حكومة الولايات المتحدة تؤيد كل التأييد استخدام العتاد الأمريكي في الجزائر، وفوق هذا، فما دام كل تمييز بين قوات منظمة الأطلسي والقوات الفرنسية العاملة في الجزائر كيفيا، فإن الولايات المتحدة تعترف بأنها تؤمن كل احياجات القوات الفرنسية في الجزائر تحت ستار منظمة الأطلسي، وتقر بذلك، وعلى هذا، فكل تبرئة لساحة منظمة الأطلسي تبدو أمرا مستحيلا.

(ز) - ويلاحظ من ناحية أخرى، أن اشتراك دول الأطلسي طوال ست سنين في العمل الإجرامي جد ملموس وفعال بسبب أن قوات كل دولة وفعالياتها العسكرية تتناولها المنظمة بالدراسة بفضل الإجراء الخاص المسمى (بالفحص السنوي) فهذا الفحص الذي يسمح لدول الأطلسي أن تتبادل المعلومات الدقيقة حول برامجها العسكرية، وأن توفق احتياجاتها الدفاعية مع الإمكانات السياسية والاقتصادية، إنما يسمح في الوقت ذاته لكل دولة أن تقف، تمام الوقوف، على أهمية التدخل الفرنسي في الجزائر كما وكيفا، وأن تزن درجة اشتراك المنظمة الإجرامي الفعال في حرب الجزائر. وسحابة الأعوام الستة الأخيرة، تحقق لكل عضو في منظمة الأطلسي أن البرامج العسكرية الفرنسية الموضوعة لثلاث سنوات، والتي تؤلف التزاما ينبثق عن الميثاق، لم تحترم من جانب فرنسا سواء فيما يتعلق بما يسمى (الأهداف الثابتة) أو (الأهداف المؤقتة) أو بوجه أدق لم تنسجم تلك البرامج مع الغايات الصارمة للمنظمة، ولكنها منسجمة على أكمل وجه مع حرب الجزائر.

ومن المعلوم أن (الفحص السنوي) هو من أهم وظائف منظمة

ص: 188

الأطلسي، وهو الأداة الرئيسية لتنسيق العمل الدفاعي للحلف، ومن خلال الفحص تعرف مواطن النقص، والعقبات القائمة، ونقاط الضعف.

ومن ثم، فالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعتبر أن حرب الجزائر كانت سافرة أمام أنظار كل من دول منظمة الأطلسي سواء في معطيات الإحصاءات العسكرية، أو في الاحتياجات من كل نوع، وتستنتج الحكومة الجزائرية من ذلك، أن دول الأطلسي قدمت دعمها إلى فرنسا في حرب الجزائر، وهي على بصيرة من الأمر.

(ح) - ولا ريب أن مسؤولية كل من إعفاء منظمة الأطلسي من جراء العدوان الواقع على الشعب الجزائري لا يمكن التملص منها، وقد صدر بلاغ لمجلس شمال الأطلسي، نشر في 27/ 3/ 1956، جاء فيه:(إن مجلس شمال الأطلسي كان يحاط علما، على الدوام، بما تقتطعه فرنسا من القوات التي وضعتها تحت تصرف منظمة الأطلسي، وقد درس الوضع الذي تخلفه هذه الحركات في أوروبا، ولاحظ أن فرنسا ترى من الضرورة لصالح أمنها الخاص أن تزيد من قواتها الفرنسية العاملة في الجزائر التي تدخل في المنطقة المشمولة بمعاهدة شمال الأطلسي، إن المجلس يعترف بما للأمن من أهمية في هذه المنطقة بالنسبة الى منظمة الأطلسي).

إن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لا تجهل أن نفقات الحرب الجزائرية مدرجة في حساب المساهمة الفرنسية في (الدفاع المشترك)، وهذا أمر جوهري يحدد المسؤولية الخطيرة التي تقع على منظمة حلف الأطلسي في الحرب الجزائرية. وإذن، فالنفقات العسكرية التي تنفق على الأعمال العدوانية في الجزائر ليست، من

ص: 189

الناحيتين القانونية والسياسية، سوى نفقات صادرة عن منظمة حلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك، فليس في نية الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أن تتعرض في هذه المذكرة للمعونة المالية التي تتلقاها فرنسا سواء في نطاق منظمة الأطلسي أو في نطاق المساعدة المتبادلة (الطلبات الخارجية والاعتمادات المختلفة الخ

) فهذه المعونة لما تنقطع، ولكن تلك المعونة كثيرا ما انضمت إليها مساعدة أخرى جاءتها من الدول الغربية أيضا، ولا سيما الولايات المتحدة التي مكنت الخزانة الفرنسية من الوقوف مؤقتا على قدميها بعد أن أرهقتها الحرب الجزائرية التي تكلفها يوميا ثلاثة ملايين من فرنكاتها القديمة؛ من ذلك أن الحكومة الأمريكية وبعض دول منظمة الأطلسي منحت فرنسا بتاريخ 30/ 1/ 1955 مبلغ (655) مليونا من الدولارات، (وقد تضمنت المذكرة التي وضعها الوفد الفرنسي برئاسة (السيد جان مونه) الذي جاء إلى واشنطن للحصول على هذه المعونة، إيضاحا لانعكاسات الحرب الجزائرية على الوضع المالي) (*).

ومن بين الوثائق المتعلقة بهذه المعونة، تشير الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بصورة عابرة إلى وجود:(اتفاق يقضي بأن تشتري الحكومة الفرنسية من الولايات المتحدة بعض التجهيزات وقطع التبديل لصالح الوحدات الفرنسية الموضوعة تحت قيادة منظمة الأطلسي والمتمركزة في أوروبا)، وقد بلغ الاعتماد الممنوح

(*) صحيفة (لوموند) الفرنسية 1/ 1/ 1958 ص 14.

ص: 190

لهذه الغاية (45) مليونا من الدولارات، ولكن في وسع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أن تتساءل: ما هي الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة لتأمين احترام أحكام الإنفاق المذكور، ولمنع انضمام هذه المبالغ الى مبلغ (655) مليونا من الدولارات المخصصة للحرب الجزائرية؟ وقد انضمت فعلا.

3 -

الدعم الديبلوماسي الذي تلقاه فرنسا من دول الأطلسي

ناقشت الدول الغربية الشؤون الجزائرية، مرات كثيرة، في مجلس شمال الأطلسي، وأعربت خلال اجتماعاتها عن مساندتها الديبلوماسية لفرنسا، وقد أفادت فرنسا من اجتماعات غربية أخرى، طلبت خلالها تأييد حلفائها لها، وحصلت عليه؛ مثال ذلك ما وقع في المحادثات التي عالجت قضية الجزائر، ودارت بين السادة:(دالس وسلوين لويد وكريستيان بينو) أثناء الاجتماع الذي عقدته منظمة حلف جنوب شرقي آسيا في مدينة (مانيل) خلال فصل الربيع من العام 1958، وقد اعتادت الكتلة الأطلسية أن تدعم مراكز ومواقف الاستعمار الفرنسي في الجزائر، خلال كافة دورات جمعية هيئة الأمم المتحدة، مما أسهم إلى حد بعيد في استمرار الحرب الجزائرية، وعندما نستعرض سياسة كل من شركاء فرنسا الكبار في حلف الأطلسي، يتكشف لنا التضامن الفعال لمصلحة فرنسا في حرب الجزائر، رغم بعض الترددات الوجلة، والعميقة، والتي تطل من خلال هذه السياسة. والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تعيد إلى الأذهان، مثلا، الخطاب التاريخي الذي ألقاه سفير الولايات المتحدة (السيد دوغلاس ديلن) في باريس يوم

ص: 191

20/ 3/ 1956 أمام الصحافة الديبلوماسية الباريسية، معلنا تأييد حكومته لسياسة فرنسا في الجزائر.

ولكي تمحو الولايات المدة الأمريكية الأثر السيء الذي أحدثه في أوساط الحكومة الفرنسية استنكافها عن التصويت في الأمم المتحدة خلال شهر كانون الأول - ديسمبر - 1958، فقد عهدت إلى السيد (جورج ألن) مدير وكالة أنباء الولايات المتحدة، أن يدلي بالتصريح التالي في 29/ 6/ 1959:(لقد حيينا عرض الجنرال - ديغول - صلح البواسل، والولايات المتحدة تؤيد الجنرال ديغول من غير تحفظ وذلك لوضع حد لما أسماه بالنزاع العقيم).

والحكومة البريطانية من جانبها لم تأل جهدا في معاضدة الحكومة الفرنسية؛ ففي أعقاب المحادثات التي دارت (في (باريس) بين السيدين (هارولد ماكميلان) و (فيليكس غايار) نشر البلاغ التالي بتاريخ 26/ 1/ 1957:

(لقد أجرى الوزيران مناقشة عامة حول مشاكل أفريقيا الشمالية، آخذين بعين الاعتبار أن مسؤولية إيجاد حل للقضية الجزائرية تقع على عاتق فرنسا، وبروح التضامن السائد بين البلدين أعرب الوزيران عن قناعتهما بأن على فرنسا أن تستمر في تحمل مسؤولياتها الخاصة بها فى أفريقيا الشمالية، حيث تملك بحق التقاليد مركزا ممتازا، وحيث تقدم مساهمة ضرورية للدفاع المشترك عن العالم الحر).

وبدهي أن الحكومة الجزائرية في مقدورها أن تكتشف هنا وهناك أن التأييد الذي تلقاه فرنسا من شركائها الكبار في حلف الأطلسي ليس بتأييد غير مشروط، ولكن هذه ألاعيب عقيمة استنفذت فوائدها

ص: 192

ست سنوات من حرب حقود، وبين النوايا المفترضة والأفعال المقترفة ساحة مخصبة بدماء الشعب الجزائري.

ثالثا: تعتبر الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، أن وصف الجزائر تعسفا بأنها (منطقة مشمولة بمعاهدة شمال الأطلسي) وإقامة قواعد عسكرية في الأرض الجزائرية، وفي أفريقيا الشمالية، كل ذلك من شأنه تعريض أمن المغرب بأجمعه للخطر.

لقد سبق لمؤتمر (طنجه) في نيسان - أبريل - 1958، أن حدد سياسة أفريقيا الشمالية بأنها تقوم على عدم الانحياز إلى إحدى الكتلتين، وأن السلطات التونسية والمغربية وهي تشعر بالخطر الذي تجره إليها إقامة قواعد لحلف الأطلسي فوق أراضيها، لم تكف عن الشكوى من هذا الخطر، وعن المطالبة بإلغاء هذه القواعد، وبجلاء القوات الأجنبية عن أراضيها.

والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية التي تعتبر الشعب الجزائري غير معتدى عليه إلا من فرنسا وحدها مدعومة من دول الأطلسي، لا يسعها بدورها، أن تقبل بأي حال من الأحوال، إدخال الأرض الجزائرية ضمن منطقة منظمة شمال الأطلسي.

ونتيجة لجميع الحجج السابق بيانها، تعلن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أنها تنقض رسميا ليس إدخال الجزائر القسري في الميثاق وحسب، بل الميثاق ذاته باعتباره أداة للنشاط الاستعماري الموجه حاليا ضد الشعب الجزائري بوجه خاص، وكعامل من عوامل الخطر على أمن المغرب كله، وتوجمه الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، رسميا، انتباه دول الأطلسي إلى أن

ص: 193

ما تقدمه هذه الدول إلى فرنسا من معونة مادية ضخمة ومن تأييد ديبلوماسي، قد استتبع تصنيف حلف شمال الأطلسي نهائيا في زمرة الأحلاف الاستعمارية في نظر الرأي العام العالمي - وهو الشخص الثالث -. والدول الأطلسية، بمثابرتها على تغذية الحرب الجزائرية بجميع الوسائل، قد قضت على محبة الشعوب الأفريقية والآسيوية التي تزداد قناعة بأن العالم المسمى (بالعالم الحر) لا يدخر وسعا في عرقلة انتصار حريتها واستقلالها.

والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، سوف تستخلص كل العبرة من هذه الوقوعات.

تونس في 19 - أيلول - سبتمبر - 1960

فرحات عباس

رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.

ص: 194