المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - تصريح (المجلس الوطني للثورة الجزائرية) 1960 - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ١٥

[بسام العسلي]

الفصل: ‌3 - تصريح (المجلس الوطني للثورة الجزائرية) 1960

‌3 - تصريح (المجلس الوطني للثورة الجزائرية) 1960

اجتمع المجلس الوطني للثورة الجزائرية في دورة عادية بطرابلس (ليبيا) من 16 كانون الأول - ديسمبر - 1959 إلى 18 كانون الثاني - يناير - 1960 (*).

وبعد استماعه إلى عرض عن نشاطات الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، قام المجلس الوطني للثورة الجزائرية بدراسة معمقة للوضع العسكري، واتخذ إجراءات هامة تتعلق بالاستراتيجية العسكرية، وبتنظيم وتدعيم إمكانيات جيش التحرير الوطني، ودرس وضعية شعبنا وكذلك السياسة المتبعة من طرف الحكومة الفرنسية قصد خنق الكفاح التحريري لشعبنا، واتخذ إجراءات على الصعيد التنظيمي ليجعل كفاحه أكثر فعالية. وعلى صعيد السياسة الخارجية حدد المجلس الوطني للثورة الجزائرية أهدافا تجعل العون والسند للثورة الجزائرية من طرف البلدان المحبة للحرية أكثر تنسيقا، وأكثر جدية.

(*) ملفات وثائقية (24) وزارة الإعلام والثقافة - الجزائر - 1976 ص 72 - 73 ومجلة (المجاهد) الجزائرية - العدد (59) - 5 - شباط - فيفري - 1960.

ص: 216

وبعد دراسة الهياكل التنظيمية للثورة وملاءمتها مع الظروف الجديدة ضبط المجلس الوطني للثورة الجزائرية، التنظيمات، وأعطى الصفة القانونية للمؤسسات الأولى للدولة الجزائرية، وفي هذا الإطار، قام بإعادة تشكيل وتركيز الجهاز الحكومي، وأوصى بإنشاء لجنة وزارية مشتركة للدفاع الوطني ضمن الحكومة تلحق بها مباشرة قيادة الأركان. ومن جهة أخرى، أكد المجلس الوطني للثورة الجزائرية الأخذ بعين الاعتبار وعن طريق الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 28 أيلول - سبتمبر - 1959 اللجوء إلى تقرير المصير، معتبرا أن هذا اللجوء بالنسبة للشعب الجزائري، هو إحدى وسائل استرجاع استقلاله.

وبعد اتخاذ هذا الموقف، كان بالمستطاع أن يتحقق السلام فورا، خصوصا عندما أخدت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المبادرة العملية التي تمثلت في تعيينها يوم (20) تشرين الثاني - نوفمبر - 1959 خمسة من قادتها للشروع في محادثات مع الحكومة الفرنسية.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي يؤيد هذه المبادرة، يأسف لكون الحكومة الفرنسية قد اختارت - للتملص من المفاوضات - إثارة حادثة اعتقال القادة المعينين، متجاهلة بأن هذا الاعتقال هو نتيجة لعملية قرصنة. وردا على هذا الاقتراح البناء، رفضت الحكومة الفرنسية على ذلك - وتحت ذريعة واهية - الإفادة من فرصة السلام، وفضلت مواصلة الحرب من أجل (تجديد الاحتلال الاستعماري) وذلك هو ما تبرزه كثيرا تصريحات الوزير الأول والقادة العسكريون الفرنسيون.

ص: 217

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، يندد بهذا التناقض الجوهري الذي يوجد بين الاعتراف (بمبدأ تقرير المصير) من جهة، ورفض (التفاوض) ومواصلة الحرب من طرف الحكومة الغربية من جهة أخرى، وهي حرب طويلة تستعد لها الحكومة الغربية بتجنيد دفعات جديدة وبتقوية وسائل التدمير لدى جيشها.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، في نفس الوقت الذي يندد فيه بهذه السياسة العدوانية، يؤكد من جديد إرادة السلام لدى الشعب الجزائري، الذي لم يضطر إلى اللجوء إلى الكفاح المسلح لإحراز حقه في الحرية والاستقلال، إلا بعد أن استنفذ كل الوسائل السلمية.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، وهو متأكد من أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، لن تدخر أي جهد للوصول إلى تسوية سلمية، يؤكد مع ذلك إرادة الشعب الجزائري في الكفاح طالما ظلت الحرب مفروضة عليه، وطالما لم يبلغ أهدافه.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية يوجه تحية إجلال وإكبار حارة إلى الشعب الجزائري الذي يواجه منذ أكثر من خمس سنوات أبشع ألوان الهول والتعذيب، دون أن تلين إرادته الصلبة في الكفاح، وينحني بكل خشوع أمام أرواح مئات الآلاف من الشهداء الذين قدموا دماءهم لتحرير الوطن الجزائري، ويحيي المجاهدين الأبطال والشجعان في صفوف جيش التحرير الوطني الذين انتزعوا ببطولتهم وتضحيتهم إعجاب العالم، كما يحيى الخمسمائة ألف جزائري الذين يخوضون في فرنسا كفاحا ضد العنصرية والاستعمار، ويشجب استعمال التعذيب الذي وصل إلى درجة من

ص: 218

الإتقان، بحيث أصبح موضوع دراسة في المدارس المتخصصة للجيش الفرنسي، ويدين أساليب (التجميع) في المراكز التي أطلق عليها اسم (مراكز الإيواء) لملايين الرجال والنساء والأطفال الذين أصبحوا بذلك عرضة للمجاعة والمرض والموت، ويحيى عشرات الآلاف من الوطنيين المسجونين أو المعتقلين، والمعارضين لنظام اعتقالي كشف عنه النقاب أخيرا للرأي العام العالمي بواسطة تقرير اللجة الدولية للصليب الأحمر كل تلك الوسائل والأساليب تكشف عن الإرداة الامبريالية. إن هذه الدول تستمر في دعمها المادي بتصميم لإبادة الشعب الجزائري، وتلحق العار بأولئك الذين يمارسونها.

ويلح المجلس الوطني للثورة الجزائرية على أن مثل هذه الأساليب لم يكن تطويرها إلا بفضل تواطؤ بعض الحكومات الغربية التي ما فتئت تواصل تقديم دعمها للحكومة الفرنسية في سياستها الامبريالية. إن هذه الدول تستمر دعمها المادي والديبلوماسي لسياسة الحرب التي تتهجها فرنسا، وبالخصوص فإن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تقدم لفرنسا الإمكانات اللازمة لمواصلة الحرب، ولتعمل كل سلطتها لتحشد كل جهاز حلف الأطلسي ضد الشعب الجزائري، وهكذا أصبح (الحلف) أداة في خدمة الاستعمار الفرنسي.

إن النداءات المتكررة من طرف الشعب الجزائري وشعوب أفريقيا وآسيا، بقيت بدون صدى، ويضع المجلس الوطني للثورة الجزائرية تلك البلدان الغربية أمام مسؤولياتها بسبب انجرارها وراء فرنسا في سياسة هي ضد مصالحها، إلا أنه في الوقت ذاته يشعر

ص: 219

بالتأثر لما تبديه شعوب أوروبا من العطف على قضيته، وكذلك العديد من الديموقراطيين الفرنسيين الذين سجلوا فهمهم للقضية الجزائرية.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية يشكر البلدان العربية والأفريقية والآسوية على المساعدة المادية والدعم المستمر الذي ما انفكت تقدمه للشعب الجزائري، ويحيى الارتقاء والوصول القريب إلى الاستقلال من طرف الشعوب الأفريقية، مع إيمانه بأنها ستساهم في تحرير مجموع القارة الأفريقية. إن الهياكل الأبوية للمجموعة الفرنسية لن توقف عملية تصفية الاستعمار التي لا رجعة فيها والتي ستحرر الشعوب، وتعيد أفريقيا للأفارقة، ويدين التهديد الذي شكلته بالنسبة لأفريقيا التجربة النووية القادمة التي ستقوم بها الحكومة الفرنسية في الصحراء.

ويولي أهمية خاصة للدعم المعنوي الذي يقدم للقضية الجزائرية من بعض الحكومات وشعوب أمريكا اللاتينية، سليلة التقاليد العريقة للحرية، ويقدر الدعم المستمر من طرف البلدان الاشتراكية لقضية الثورة الجزائرية، ويعبر لها عن شكره الحار، ويشكر في النهاية البلدان التي قبلت استقبال المجاهدين من الجرحى والمهاجرين واللاجئين والطلبة الجزائريين والمحكوم عليهم بالنفي، ويعرب عن امتنانه العميق للمنظمات والشعوب والحكومات التي قدمت مساعدتها للاجئين الجزائريين.

إن المجلس الوطني للثورة الجزائرية، يوجه نداء إلى كافة الشعوب، وإلى جميع الحكومات المناهضة للاستعمار، لتقوي دعمها لكفاح الشعب الجزائري، ولتفرض السلام على الحكومة

ص: 220

الفرنسية. وفي الوقت الذي يتحقق فيه الانفراج الدولي، وعشية مؤتمر القمة، يتعين على هذه الشعوب وهذه الحكومات أن تبقى يقظة من أجل أن يتحقق السلام العالمي في ظل الحرية والاستقلال لجميع شعوب العالم.

وبعد أن حيا الحكومة المؤقتة للجمهررية الجزائرية بالتصفيق، ختم المجلس الوطني للثورة الجزائرية اجتماعه بإنشاد النثسيد الوطني للجزائر المستقلة.

تونس 19 - كانون الثاني - جانفي - 1960

ص: 221