الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
حزب (جبهة التحرير الوطني)
وبعد! لم تكن هناك حاجة في البداية - بداية الثورة - لتحديد شكل جبهة التحرير ومضمونها، إذا كانت هذه الجبهة في مرحلة تكونها، ونشوئها، غير أنها ما لبثت أن اكتسبت صلابتها، واشتد عودها عبر سنوات الصراع المرير، وما أن اقتربت الثورة من نهايتها الظافرة، حتى عقد (المجلس الوطني للثورة الجزائرية) اجتماعا له في (طرابلس - ليبيا) خلال شهر حزيران - جوان -1962، وحدد أسس العمل لبناء جزائر المستقبل، وقد ضم (برنامج تحقيق الثورة الديموقراطية الشعبية)(*) ملحقا خاصا (بالحزب) وذلك في إطار إعادة التنظيم الشامل لكل أجهزة الدولة، وتضمن هذا (الملحق) ما يلي:
لتحقيق أهداف ثورة ديموقراطية شعبية لا بد من حزب جماهيري قوي وواعي.
فحزب جبهة التحرير الوطني الذي ولد في خضم المعركة،
(*) المرجع: ملفات وثائقية (24) وزارة الإعلام والثقافة - الجزائر - 1976 ص 49 - 51.
جمع في صفوفه كل الطاقات الحية للشعب، وتسربت إلى صفوفه عدة اتجاهات تحمل أيديولوجيات ومذاهب مختلفة، ولقد تمت تنظيمات حسب الأولوية، وتبعا لأهميتها في المعركة، فأصبح تحويله إلى حزب سياسي شيء ضروري وحتمي لمسيرتنا الزاحفة.
إن الحزب ليس تجمعا، لكنه تنظيم يضم كل الجزائريين الواعين الذين يناضلون لصالح الثورة الديموقراطية الشعبية، فالوحدة الأيديولوجية التي تجمع كل المناصلين قد تم تحقيقها على قاعدة العزيمة الثورية، والمساهمة الواعية الملتزمة بالنهج والبرنامج الذي وضعه الحزب.
إن الحزب الذي هو طليعة القوى الثورية في البلاد، يبعد عن صفوفه كل تواجد أيديولوجي مخالف وإن عملية تسجيل المناصلين يجب أن تخضع لشروط محددة ودقيقة، لأن فعالية أي تنظيم تقاس بنوع أعضائه لا بمجموع أفراده.
وحسب الأهداف الشعبية للحزب، فإن هذا الأخير يمثل التطلعات العميقة للجماهير، وهذه الصفة يجب أن تتحقق في تركيباته الاجتماعية، فالحزب يتكون في أغلبه من الريفيين والعمال بصفة عامة، والشباب والمثقفين الثوريين. إن هذا الحزب الذي تأسس من الوحدة الأيديولوجية السياسية والتنظيمية للقوي الثورية التي تجمعها صفوفه، يجب أن يجمع حوله وحده كل الطبقات الاجتماعية للشعب من أجل تحقيق أهداف الثورة.
الحزب منظمة ديموقراطية
يجب على الحزب الذي هو مرآة لحقائق البلد بما فيها
الإمكانيات الحية التي تحتويها، والذي هو أيضا وسيلة التعبير عن المتطلبات الجماهيرية، أن يعمل على قاعدة ديموقراطية؛ ويتطلب ذلك عملا سياسيا متواصلا داخل الحزب، بتعدد اللقاءات بين القاعدة والقمة، وبالأخص اللقاءات الدائمة للمسؤولين مع المنظمات القاعدية، ومن خلالها مع الوطن كله، وعلى أعضاء القيادة - بصفة خاصة - أن يكونوا حاضرين في أي مكان توجد مهام تنتظر التحقيق (التنفيذ) الذي لا يتم إلا بتعبئة الجماهير وبالأخص في الأرياف.
إن القيادة لا يمكن أن تفرض الخط السياسي للحزب بمفردها بل تضعه انطلاقا من آراء القاعدة واقتراحاتها؛ فالتعبير الحر عن الآراء، والانتقاد في إطار منظمة الحزب، هما من الحقوق السياسية لكل مناضل، وإن التمتع التام بهذا الحق يسمح بتجنب العمل المشتت الذي يجب أن يعاقب عليه بكل حزم، ويعتمد العمل الديمرقراطي للحزب على المبادىء التالية:
• - انتخاب المسؤولين على كافة المستويات.
• - تنظيم الاجتماعات لكل منظمات الحزب دوريا وعلى كل المستويات.
• - قانون الأغلبية.
• - منع معاقبة أي عضو، بدون موافقة المؤسسة التي ينتمي إليها.
• - وجوب عرض القضية - في حالة حدوث خلاف على مستوى الهيئة العليا - في ندوة أمام القاعدة.
• - الأولوية للهيئة العليا على الدنيا.
علاقات الحزب بالدولة
إن الحزب هو الذي يضع الخطوط الكبرى لسياسة الوطن، ويقترح نشاطات الدولة، يضمن تحقيق برنامح الحزب، في إطار الدولة، وبواسطة مساهمة المناضلين في أنظمة الدولة، وبالأخص في الوظائف القيادية، فالحزب يشترط:
• - أن يكون رئيس الحكومة وأغلب أعضائها من المناصلين.
• - أن يكون رئيس الحكومة عضوا في المكتب السياسي.
• - أن تكون أغلبية الأعضاء في المجالس من الحزب.
لكن، وحتى لا يتعرض الحزب للابتلاع من طرف الدولة، يجب عليه أن يبقى دائما محافظا على امتيازه. وعلى هذا الأساس، فإن معظم إطارات الحزب، وفي مختلف القيادات، يجب أن يبقوا بعيدين عن مؤسسات الحكومة، والتفرغ لنشاطات الحزب، وبهذا يمكن تجنب خطر خنق الحزب، وتحويله مساعدا للإدارة، وجهازا شكليا، كما أوضحت ذلك بعض التجارب المؤسفة، وعلى وجه الخصوص في أفريقيا.
التكوين شرط أساسي لتطوير الحزب
إن تكوين الإطارات هو الشرط الأول لتقوية الحزب، وضمان نجاح الثورة، فعلى الحزب أن يحد من النقص الموجود في التكوين السياسي للمناضلين، وهذا لا يمكن أن يتم فقط عن طريق الممارسة اليومية وتبادل الآراء في الوسط الضيق، فالتكوين ورفع المستوى للمناضل عموما، هما من الأشياء الأساسية، وبذلك يتم تلقين النهج السياسي وبرنامج الحزب ونشرهما في الأوساط الجماهيرية.
إن المناضل مطالب بأن يكون على اطلاع بالمشاكل الموجودة في حيه ومقر سكناه (بيئته) وبذلك يساعد الحزب على استمرارية اتصاله بالشعب، ويسمح له تكوينه السياسي بمتابعة ومسايرة التطور السياسي الوطني والدولي، وكذلك فهم معطيات الوسط الذي يعيش فيه وتطورها.
إن تثقيف المناضل هو عملية طويلة الأمد، يتم تحقيقها بكيفية مستمرة وبعمق، وإمكانيات الحزب في هذا المجال متعددة منها: الشرح الشفوي عند اللقاءات والاجتماعات، الصحافة، المطبوعات المتنوعة للحزب، ولا سيما تلك التي تهتم بمنهجه السياسي وبرنامجه، ومدارس الإطارات، والتدريبات والاتصالات الدولية.
فتكوين المناضل هو شرط لا بد منه، وضرورة لتثقيف الجماهير سياسيا، ويجب توسيع هذا التثقيف وتعميقه بهدف شرح أبعاد الثورة وأهدافها. إننا لا نتمكن من تعبئة الجماهير إذا هي لم تقتنع بكل وضوح بأن مصالحها مرتبطة بتحقيق هذه الأهداف.
إن الوحدة الأيديولوجية، والعمل الديموقراطي، وتكوين الإطارات، والتثقيف السياسي للجماهير، كلها من الشروط المسلحة حتى يمكن للحزب أن يمارس دوره القيادي الواضح للشعب، وحتى يمكنه أن يجد في أوساط هذا الشعب الإمكانيات الضرورية لإنجاح سياسته يجب على الحزب أن يعتمد على المنظمات الجماهيرية في سبيل تأدية مهامه.
المنظمات الجماهيرية
إن تنوع احتياجات الوطن تعبر عنها المنظمات الجماهيرية
والحزب يساعد على إحداث هذه المنظمات، والمطلوب منه أن ينعشها لضمان توجيهها في إطار برنامجه الشامل، وتأثير الحزب في الجماهير يبرهن عنه وجود مناضلين ملتزمين في صفوفه، فالمنظمات الجماهيرية تضم الشباب والطلبة والنساء والنقابات من أجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة، وضمان مشاركتهم المنظمة ضمن مهام الثورة، ويجب على النقابات بصفتها منظمات الطبقات الكادحة أن تقدم دعمها في إطار اختصاصها، من أجل وضع وتطبيق السياسة الاقتصادية والاجتماعية للبلد، ويحترم الحزب استقلال النقابات التي ينحصر دورها في الدفاع عن المصالح المادية والثقافية للعمال. وعليه، فالحزب الطلائعي للجماهير الشعبية هو وحده الذي يضمن التنسيق بين القوى الثورية داخل الوطن، والاستثمار بصفة نظامية للإمكانيات والوسائل المتوافرة لدى المجتمع.
تطوير جيش التحرير الوطني
إن نهاية الحرب، وإنشاء حزب، وتكوين جيش وطني، كلها عوامل تتطلب تطوير جيش التحرير الوطني. وجيش التحرير
الوطني، الذي هو منظمة عسكرية لجبهة التحرير الوطني، يتكون من مناضلين، وهذه الصفة النضالية هي القاعدة الأساسية للمجاهدين في جيش التحرير الوطني؛ فالحرب هي التي أوجبت إمداد جيش التحرير الوطني بمناضلين ليجعل منهم مجاهدين، وإن حصول الجزائر على الاستقلال أوجب ثانية عودة بعض أعضاء جيش التحرير الوطني إلى الحياة المدنية، وإمداد الحزب ببعض الإطارات، ويبقى الجزء الآخر ليكون نواة الجيش الوطني، ومهمة هذا الجيش هو الحفاظ على الاستقلال الوطني ووحدته الترابية،
كما يساهم في تعبئة الجماهير لإعادة بناء الوطن، لكن أمام التهديدات الدائمة للامبريالية، ونظرا لقوتها العسكرية، يجب توفير الوسائل للشعب حتى يساهم في الدفاع عن وطنه بحيث يتوجب إنشاء (ميليشيا) شعبية عبر مختلف أنحاء الوطن وتكليف الجيش الوطني بتدريبها، وبهذا يكون الشعب قد زود جيشه بالإمكانيات التي تساعده في مهمته الدفاعية، كما يساعد الجيش مواطنيه في مهمة البناء والتشديد. وبالتالي، يكون الاثنان قد ساهما في إنشاء جيش وطني حقيقي للجزائر المستقلة، وهذه العملية يجب أن تتم بصفة عاجلة وسريعة بفضل عملية تأسيس الجيش وإحداث خلايا للحزب في صفوفه.
تعبئة الجماهير
إن طابع التخلف الذي يميز الجزائر، وكذلك الخراب الذي خلفته سبع سنوات ونصف من الحرب، والطابع الاستعجالي الذي تفرضه المتطلبات، والمشاكل الوطنية، كلها عوامل تلح باستعجال هذه الوسيلة الرئيسية في يد الجزائريين، وسواء ما يخص مسألة الاصلاح الزراعي ومشاكلها التنظيمية ومشاكل السكن، ومحو الأمية، ومثلها مشاكل الصحة، فإن الدولة لا يمكنها أن تستغني عن مساعدة الحزب لها في إيجاد الحلول لهذه المشاكل.
وعليه، فإن جهودنا يجب أن تنصب دوما نحو إحداث وإبقاء روح التعبئة في أوساط الجماهير وهو الطريق المؤدية إلى جعل الجزائر دولة عصرية.
فيجب المحافظة على انطلاقة شعبنا الناجمة عن الحرب، وخلق هذا الجو الأخوي، والحماسة، مما يضمن تحقيق المنجزات الكبرى.
***