الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
يوم الجزائر - والتضامن مع الثورة
لقد اضطرت فرنسا إلى طلب الدعم من حلفائها الغربيين ومن الولايات المتحدة، كما لجأت إلى السوق المشتركة والبنك الدولي للحصول على المساعدات المالية، من أجل تأمين الوقود لجهازها الحربي. وكان من المحال على الثورة الجزائرية أن تستمر وأن تتطور لمجابهة التصعيد المستمر من جانب الفرنسيين، اعتمادا منها على موارد الجزائر الثائرة. وقد درست (جبهة التحرير الوطني) الموقف على الصعيد السياسي، كما بحثت في الوسائل التي يمكن اتباعها لدعم الثورة معنويا وماديا، وكذلك الطرائق المناسبة التي يمكن استخدامها لتشديد الضعط على حكومة (غايار) بعد أن أقدمت هذه على تقديم مشروع قانون أساسي جديد للجزائر، إلى الجمعية الوطنية الفرنسية التي أقرت هذا القانون.
اشتركت (جبهة التحرير الوطني) في مؤتمر التضامن الأفريقي - الآسيوي الذي عقد في القارة، في نهاية شهر كانون
الأول - ديسمبر - 1957، وقد رحب المؤتمر ترحيبا حارا وصادقا بالوفد الجزائري، واتخذ قرارا دعا فيه إلى الاعتراف فورا باستقلال الجزائر، وإلى إجراء مفاوضات بين فرنسا وجبهة التحرير على هذا
الأساس، وإلى اطلاق سراح الزعماء الخمسة، ودعا المؤتمر إلى قيام مظاهرات شعبية في جميع البلاد المشتركة فيه لنصرة الجزائر، وإعداد حملات صحفية لهذه الغاية، وبذل كافة الجهود لتعبئة الرأي العام العالمي لاستنكار السياسة الفرنسية، وأوصى المؤتمر باعتبار الثلاثين من آذار - مارس - 1958، يوما للتضامن مع الجزائر، ودعا إلى تشكيل لجان في كل مكان لنصرة الجزائر وتحريرها ومد يد العون إلى لاجئيها. وناشد المؤتمر جميع الحكومات الأفريقية - الآسيوية الدفاع عن استقلال الجزائر في المنظمات الدولية، ومحاولة التأثير على فرنسا لإنهاء حرب الجزائر، وعلى الحكومات الغربية الأخرى لوقف مساعداتها عن فرنسا. ووافقت جبهة التحرير على الاشتراك في الأمانة العامة الدائمة للمؤتمر، التي تقرر إقامتها في القاهرة، وانتدبت (الدكتور الأمين) ممثلا لها فيها، وأدى جمع التبرعات في الثلاثين من آذار - مارس - من مختلف البلدان الأفريقية - الآسيوية إلى توافر الأموال عند جبهة التحرير، التي ارتحل ممثلوها إلى عدد من البلاد المذكورة للاشتراك في احتفالات يوم الجزائر. وقد يكون من المناسب هنا التوقف عند بعض ملامح (يوم الجزائر) من خلال ما تم طرحه من مقولات عبرت عن روح التضامن العميق مع ثورة الشعب الجزائري، ومجاهديه الأبرار.
…
لقد وجهت طليعة العراق العربية في (دمشق) نداء إلى الشعب العربي في العراق (*) جاء فيه ما يلي:
(*) صحيفة (الرأي العام) الدمشقية - العدد 1147 - 18 رمضان 1377 هـ - 7 نيسان 1958 ص 1.
(تعيش الجزائر في ثورة دامية، نضالا من أجل الحرية والحياة الكريمة، ودفاعا عن القومية العربية، وتواجه في ثورتها المباركة قوى الظلم والاستبداد والاستعمار الوحشي، وتتعرض لأنواع الهمجيات، من إتلاف للقرى وإحراق للمزارع وتقتيل للنساء والأطفال، وتشريد جماعي للعزل العاجزين، كل هذا يواجهه الشعب العربي في الجزائر، بإيمان وصبر، لأنه يؤمن بأن دفاعه إنما هو دفاع عن الأقطار العربية جمعاء، ولذلك فهو يبذل الدماء بسخاء في سبيل الأمة العربية. وفي هذه الأيام ينتصر للجزائر ثلاثة أرباع المعمورة، فقرر المؤتمر الآسيوي - الأفريقي المنعقد في القاهرة، أن يكون للجزائر يوم تجمع فيه المساعدات دعما لثورة الجزائر، ومن غير الشعب العربي أحرى بنصرة نفسه والذود عن كيانه؟ وقد قررت الجمهورية العربية المتحدة في إقليميها أن يكون أسبوع للجرائر لا يوم واحد، تجمع فيه الأموال والتبرعات، فكان مظهرا قوميا رائعا، ونحن إذ نهيب بالشعب العربي في العراق، الذي كان وما يزال المؤمن إيمانا عميقا بقوميته وعروبته مثالا للبذل والعطاء، أن يهب لتلبية هذا الواجب المقدس، وببذل الغالي والنفيس، لدعم الدفاع الأول عن كياننا العربي؛ إذ أن حرية الجزائر وخلاصها من الاستعمار إنما هو دعم لحرية العرب وخلاصهم من الاستغلال والاستعمار.
عاش نضال الشعب العربي في الجزائر من أجل الحرية والتقدم.
والخلود لشهدائنا الأبطال في الجزائر المناضلة.
…
وفي الرباط - المغرب -، أعلن جلالة ملك المغرب، الملك
محمد الخامس، بأن المغرب - مراكش - سوف تنظم يوما للجزائر في السادس عشر من الشهر الحالي (آذار - مارس - 1958)، ودعا جلالته الشعب المغربي للإعراب في هذه المناسبة عن تضامنه مع الشعب الجزائري. (*).
خلال ذلك، كانت الصحافة العربية تفرد (زوايا يومية) تطرح فيها قضية الجزائر بهدف إثارة الرأي العام العربي، وتعريفه بالجوانب المختلفة لهذه القضية، وتذكيره بتاريخها، ومن ذلك ما ذكرته (صحيفة سورية) (**) قالت ما يلي:
(إن أهم الدوافع التي دفعت فرنسا إلى احتلال الجزائر تتمثل في كلمة الجنرال - دي بورمون - قائد الحملة البرية على الجزائر، ألقاها على الوعاظ المرافقين للجيش في إحدى المناسبات: (لقد جئتم لتعيدوا معنا فتح الباب على مصراعيه حتى تدخل المسيحية إلى أفريقيا، وانا لنأمل أن تمم هذه الربوع قريبا لتعمل من جديد على ازدهار المدنية التي انطفأ مصباحها منذ عدة قرون). وكذلك كلمة الكردينال لافيجري سنة 1867: (يجب أن نجعل من الأمة الجزائرية مهدا لأمة مسيحية كريمة، وأن نضيء أرجاءها بنور مدنية وحيها الإنجيل، وأن نربط مصير أفريقيا بحياة الشعوب المسيحية؛ تلك هي رسالتنا الإلهية). ثم كانت بعد ذلك الدوافع الاقتصادية واستعباد الشعوب وهي دوافع لم تسلم منها حروب الإسكندر ولا قيصر ولا نابليون، بل هي إنما كانت من أجل هذا، فما عرفت بلاد
(*) جريدة (المنار) الدمشقية. العدد 1838، 14 رمضان 1377 هـ، 3/ 4/ 1958 ص 1.
(**) المرجع السابق - ص 3.
في الدنيا حروب الأوروبيين إلا لهذه الأغراض).
وتصادف (يوم الجزائر) في باريس يوم الثلاثاء 1/ 4/ 1958 حيث تناقلت (وكالات الأنباء)(*) عن (باريس) ما يلي:
(افتتح في باريس - في قاعة بانييل - مؤتمر وطني من أجل (السلام في الجزائر) بمبادرة مائة وعشرة من رجال السياسة والشخصيات الاجتماعية الفرنسية، من بينهم فرانسوا مورياك، وجان بول سارتر، والصحفيون كلود بوردييه، وجان دوميناك، وموريس دو فروجييه، وليون فيكس، وأوجيني كوتون وقد سبقت هذا المؤتمر حشود واجتماعات عديدة في المحافظات والمدن الفرنسية اشترك فيها ممثلو مختلف الأحزاب السياسية والتنظيمات الاجتماعية، وبعث المشتركون في هذه الحشود والاجتماعات بالقرارات التي اتخذها إلى النواب والمستشارين العموميين وأعضاء المجالس البلدية يطالبون فيها بوضع حد للحرب في الجزائر، وقد حضر المؤتمر الذي افتتح في باريس ممثلون لشتى الميول ممن يناضلون في سبيل السلام في الجزائر).
أ - وكان (يوم الجزائر) في دمشق يوما خالدا، أكدت فيه شعورها الدفين تجاه مجاهدي الجزائر وأبطالها الميامين، وقد أقام المكتب التنفيذي لأسبوع الجزائر حفلة تحت رعاية فخامة الريئس (شكري القوتلي) في الساعة الثامنة من مساء الاثنين 31 آذار - مارس - 1958، على مدرج جامعة دمشق، وقد افتتح الحفل بتلاوة عشر من القرآن الكريم، وتبعه فخامة الرئيس شكري القوتلي فألقى
(*) المرجع: جريدة (المنار) الدمشقية، العدد 1836،13 رمضان 1377 هـ، 2/ 4/ 1958 ص 1.
تحيا تونس - تحيا الوحدة العربية - وستبقى حرا يا وطني
الكلمة التالية (*).
(أيها المواطنون! أيها الأخوة الأعزاء!
لستم بحاجة أن أذكركم بالمعنى القومي الجليل الذي يكمن وراء هذا اليوم في تاريخ أمجادكم ومآثركم، فإن اجتماعكم في هذا المكان، الذي طالما شهد اجتماعكم وحشودكم تتنادون إلى المكرمات، وتتسابقون إلى المفاخر والتضحيات، هو برهانكم بين أيديكم، ولقد طالما قدمتم البرهان في كل ساحة وميدان، دما ومالا وعملا صادقا، حتى غدوتم بالبطولة والأريحية مثالا تضرب به الأمثال، وتعتز به على مر الزمان أجيال وأجيال. حسبي أن أقول لكم اليوم، وخير القول ما كان صراحة ومضاء، بأنكم لا تزالون في المعركة التي خلفت فلولها وراء صفوفكم، وإن العدو الذي جاهدتموه، إذا لم يجل عن جميع الأرض العربية، فهو لا يزال في أرضكم، وإذا ظل مقيما في أي دار عربية فكأنه مقيم في دياركم، حتى يأذن الله لكم بأن تطهروا الأرض من فلوله، وتنفذوا العروبة والإنسانية من جرائمه وشروره.
إننا لا نعجب أيها الأخوة والأصدقاء أن يحمل الاستعمار الفرنسي في بلاد العرب هذا الطابع الهمجي البربري، الذي يتيه به حمقا وغرورا، ويمشي به في أرض الجزائر العربية قتلا وفتكا وتدميرا، بل نعجب أكبر العجب أن تعيش وحشية هولاكو، وغزوات التتر منذ القرون الوسطى تحت شعار المدنية الفرنسية المزعومة، في القرن العشرين، وأن يدعي نشر حقوق الإنسان، شعب غرق في
(*) المقتطفات للكلمات التالية من: (المنار) الدمشقية، العدد 1835 صباح الثلاثاء 12 رمضان 1377 - 1 نيسان - أبريل - 1958 صفحات 1 و2 و3 و4.
الظلامة غرق الهالكين، وقاد في الأرض حملة من الظلم والطغيان، ما عرف مثلها تاريخ الإنسان.
إننا لا نعجب أن يكون الاستعمار في معناه ومرماه، عملا وحشيا تبرأ منه الإنسانية، بل نعجب كل العجب أن تمارس الدول الكبرى في هذا العصر، لا في العصور الوسطى، سياسة الإبادة والإفناء، في أرض شعب ينشد حريته، ويدافع عن حقوقه وبقائه، فأين هذه الدول الكبرى الغارقة في غرورها، الوالغة في دماء ضحاياها، من عصر النور والذرة والكهرباء، عصر المدنية والحرية وتقرير المصير، عصر الأمم المتحدة وميثاق الإنسان الجديد؟ أين هذه الدول الكبرى من مبادئها، وأين أعمالها من أقوالها، وأين بواطنها من ظواهرها؟ إنها في معركة الحرية سيف مسلط على الحرية، وفي معركة تقرير المصير ضد مبادى تقرير المصير؛ إنها في صراع الحق والباطل، عدوان على الحق مع كل باطل، وفي مجال حقوق الإنسان حرب على أكرم ما يتميز به الإنسان. فليمض المستعمرون في أهوائهم ما شاءت لهم الأهواء، فنحن الذين أناط الله بهم شرف الرسالة الحقة والمبادىء المثلى، وليس إلا بحريتنا تتحرر الإنسانية من شرور البغاة والطامعين.
أيها المواطنون! إن المستعمر الفرنسي الغاشم لا ينازع العرب الأحرار في الجزائر حقوقهم في بلادهم وحريتهم وسيادتهم فحسب، بل بلغ به الغرور حدا قصيا، حتى راح ينازعهم شرف الانتساب إلى وطنهم وعروبتهم، فزعم أن أرضهم جزء من أرضه، وسكانها رعايا في امبراطوريته، فحاربهم في دينهم وحاربهم في لغتهم وحاربهم في عروبتهم. وجاءت الثورة بعد نحو من قرن وربع القرن لتصفع العدو وتكذب مزاعمه، وتحبط خططه
ومكائده، وتبرهن للملأ أجمع أن العروبة لا تباد، وإن عناصر الوجود العربي لا تقوى عليها قوى الشر، مهما أملت لها الظروف والأحوال، وها هي شهادة الأصالة العربية، تملأ عين التاريخ، ثورة لن يقر لها قرار حتى تطيح بآخر آثار الاستعمار في بلاد العرب.
ففي الوقت الذي تجرؤ فرنسا فيه على إعلان حقوقها الزائفة في أرض الجزائر، زاعمة للأمم المتحدة بلا خجل ولا حياء، إن قضية الجزائر قضية فرنسية داخلية، في هذا الوقت وبينما نقيم للجزائر في هذه المدينة يوما مشهودا، يجب أن نذكر إخواننا العرب الأحرار في هذا القطر المجاهد، لنذكر بهم تاريخنا العظيم، تاريخ الوليد وعبد الملك، عندما بعثت دمشق طارق بن زياد إلى الأندلس لنشر الرسالة العربية في ظلام القرون الوسطى، وكان طارق من أبناء ذلك الشمال الأفريقي، كما كان ذلك الإقليم الحافل بمآثر المجد العربي، جزءا من جسم الدولة العربية وروحها. لنذكر بذلك فتوح العرب ومجد أبطالهم وعز دولتهم فيعلم الأقربون والأبعدون، أن قضية الجزائر هي قضية قومية عربية، حدودها حدودنا، ونضالها نضالنا، ومصيرها مصيرنا، إنها قضيتنا الداخلة نحن العرب، والفرنسيون مجرد معتدين غاصبين.
لطالما قلت لكم، أيها الأصدقاء، في مناسبات شتى، أن الاستعمار في أفوله وزواله طفق يؤلف جبهة واحدة متراصة لمقاومة الأماني العربية، وتعطيل عجلة التقدم والتحرر العربي، وقد ظهر للعرب بجلاء في جميع ديارهم أن كارثتهم في الجزائر، وكارثتهم في فلسطين من صنع الجبهة الاستعمارية الموحدة التي أيقنت بأن العربي في طريقه المحتوم إلى الحرية والسيادة والعزة، فراحت تفتح في صدره الجراح، وتعدد له جبهات القتال لتشل حركته وتؤخر
نهضته. ومثلما تآبت الدول الاستعمارية على العرب، وزرعت في تربة مقدسهم شوكة إسرائيل، ومدتها بالمساعدات والهبات والقروض أموالا وذخائر وسلاحا، كذلك وقفت دول حلف شمال الأطلسي وراء المستعمر الفرنسي، تؤيده وتدعم عدوانه بالهبات والمساعدات والقروض، أموالا وذخائر وسلاحا، لتملي له في سياسة العدوان والاغتصاب، حتى يتمكن من إجلاء جزء آخر من الشعب العربي عن بلاده ودياره، فيحل محله المغيرون الغاصبون.
هذه هي سياسة دول الغرب المستعمرة في بلاد العرب، تجزئة وتخريب وعدوان، وحكم بالحديد والنار، وهذه هي أيديهم الملطخة يمدونها نحونا بالدعوة إلى السلام والصداقة، والخلافات أنماطا وأشكالا، فكيف لا نقبض أكفنا عن أيديهم، وكيف لا نشيح بوجوهنا عنهم، وكيف لا نرفض دعواتهم الباطلة، وخلافاتهم الخادعة، وطالما غرروا بنا، وخانوا عهودهم معنا وتواطؤوا بالسر والعلن على مصالحنا، وأغلقوا أبوابهم دوننا، بينما فتحوا الأبواب على مصاريعها لكل من يكيد للعرب، وينذر نفسه لعداء العرب.
ألا فليعلم المستعمرون ومن والاهم أن الأمة العربية في نضالها المشروع من أجل الحرية والوحدة جبهة واحدة كما أن الاستعمار في عداء العرب جبهة واحدة، وما كانت عهودهم وخلافاتهم بالأمس وليست اليوم سوى أسلوب من أساليبهم البائدة في خداع الشعوب وتخليد نفوذ الاستعمار.
أيها الأخوان! في هذا اليوم الذي تحتشدون فيه لنصرة إخوانكم وأبناكم في الجزائر، يخوض الجزائريون الأحرار النضال في عام الثورة الرايع، ويقاسون من العدو المحتل شر أنواع العذاب، يجب
أن تذكروا تاريخكم في نضالكم الكبير، وما ارتكبه المستعمر الباغي في بلادكم من جرائم التقتيل والتخريب والانتقام؛ فلقد مشى على جثث شهدائكم من ميسلون إلى البرلمان، خلال ربع قرن طويل
…
ولقد رأيتموه في أرضكم كما تسمعون عنه اليوم في أرض الجزائر، يهدم المدن ويحرق القرى ويقتل الآمنين الأبرياء ويمثل بالشهداء، ويحمل الجثث إلى الساحات العامة ليعرضها على الجمهور المفجوع
…
لم تتبدل عقليته، ولم تتغير أساليبه، ولقد هزمته اخلاقه في معارك الحرب الكبرى من قبل أن تهزمه ذخائره وأسلحته، وتجرع بالمر والهوان، ذاك الاحتلال والاغتصاب، وسيمضي في غروره مغامرا باطشا حتى يخرج من الجزائر بإذن الله، كما خرج من هذه البلاد ذليلا مدحورا.
ب - كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية.
وبماسية (يوم الجزائر) أدلى السيد (عبد الخالق حسونة) الأمين العام لجامعة الدول العربية بما يلي: (في مثل هذا اليوم عام 1830، اقتحمت فرنسا بقواتها وجيوشها الغازية أرض الجزائر العربية، واصطدمت بأحرار الجزائر الذين يدافعون عن كرامتهم وحريتهم واستقلالهم وسيادتهم، وخيل لفرنسا آنذاك، وبعد سبعة عشر عاما من القتال، أنها سيطرت على الموقف بالجزائر، ولكن الدماء العربية المتدفقة في عروق الجزائريين أثبتت لفرنسا قبل أن تثبت للعالم كله أنها واهمة، فهب الشعب الجزائري في ثورات متصلة على الاستعمار الأجنبي، ثم ثار هذه الثورة الخالدة منذ أربعين شهرا، خاض فيها شعب الجزائر العربى، ولا زال يخوض في إيمان وإصرار كفاحا رهيبا يتضامن فيه أبناء الشعب جميعا، ويتولى أعمال المقاومة والدفاع عدد قليل من المقاتلين بأسلحة
متواضعة ضد قوات عاتية جرارة، تشن حربا استعمارية عدوانية على شعب يطالب بحقوقه الطبيعية المشروعة في الحرية وتقرير المصير، ولقد أصبحت حركة التحرر الجزائرية حديث العالم كله، ونالت مكانة مرموقة في الوطن العربي وفي الأمم المتحدة، وفي الرأي العام العالمي وفي فرنسا ذاتها، وكانت ثورة الرأي العام العالمي على حكم الإعدام على المجاهدة الجزائرية (جميلة بوحيرد) وزميلاتها الثلاث، وعلى فرض منطقة حرام بين الجزائر وتونس لعزل الوطنيين الجزائريين عن جيرانهم العرب في الشرق والغرب كانت هذه الثورة من الأعلام النيرة في سماء الكفاح العربي الباسل).
ج - كلمة كمال الدين حسين.
أذاع السيد (كمال الدين حسين) وزير التربية والتعليم في الساعة العاشرة من يوم 31/ 3/ 1958، كلمة إلى الطلاب والطالبات - في الجمهورية العربية المتحدة - بمناسبة (يوم الجزائر) جاء فيها:
أبنائي الطلاب والطالبات!.
نذكر اليوم الجزائر، ويذكرها كل عربي بين الشاطئين، وواجب علينا وعلى كل عربي أن يذكرها كل يوم، الجزائر ذلك القطر العربي الشقيق الذي يكافح منذ قرن؛ الجزائر جزء من وطننا العربي في الشمال الأفريقي يعيش فيه شعب من إخواننا العرب كان لهم في وطنهم دولة ذات سيادة وذات مجد وحضارة، وكان لها جيش في البر وأسطول في البحر وعلاقات دولية في الشرق والغرب، فانتهزت فرنسا ذات يوم، فاحتلت أرضها وسلبتها حريتها وحطمت رايتها وجيشها وأسطولها لتكون مستعمرة لها، تستغل مواردها، وتغتصب
أرزاقها، وتبيد أهلها ليستوطنها الفرنسيون دون أهلها، وجعلوها جزءا من الوطن العربي، ولكن أحرار الجزائر لم يخضعوا
للاستعمار الفرنسي، وما زالوا يجاهدون ليردوا المعتدين عن أرضهم ويحققوا لوطنهم السيادة والكرامة والحرية.
إن حرب التحرير الناشبة فيه لم تزل متقدة الأوار منذ سنة (1830) يوم وطئت أقدام جنود الاحتلال الفرنسي أرضه المقدمة، فهب أبناء شعب الجزائر للدفاع عن وطنهم وعن حريتهم وعن كرامتهم وعرضهم، ولم يزالوا من يومئذ في جهاد متصل، لا تكاد فرنسا تفرغ من إخماد ثورة حتى تشتعل ثورة، ثم كانت الحرب التحريرية الكبرى، أربعين شهرا من الحرب، احتشد لها شعب عربي مجاهد، قد أقسم أن يموت أو يحقق لوطنه النصر الكامل، ولا بد أن يتحقق له النصر الكامل، وإن قوات فرنسا كلها تحارب اليوم في الجزائر بكل ما تملك من عتاد ومن قوة جيشا من المجاهدين الجزائريين، يمده من ورائه شعب كامل، سلاحه الإيمان بالله واليقين بالنصر، ولا بد أن ينتصر الإيمان بالله على كل ما تملك فرنسا وحلفاء فرنسا من قوى العدوان والبغي. إن فرنسا التي تزعم أنها داعية الحرية والمساواة لا تكاد تجد برهانا على إيمانها بالحرية ودعوتها لها غير جرائم التعذيب والقتل والإبادة التي ترتكبها ضد أحرار الجزائر، ولكنها لا بد أن تذوق وبال أمرها، وكما اندحرت واندحر حلفاؤها معها أمام جحافل الغزاة في سنة 1942، فلم تستطع دفاعا ولا مقاومة، وكما أندحرت في الهند الصينية، وعزت عليها الهزيمة فلم تقو على مقاومة جيش من ثوار الهند الصينية، وكما اندحرت واندحر حلفاؤها معها أمام (بور سعيد) أمام الدفاع الباسل الذي بذله الجيش والشعب، فارتدت جيوش العدوان خاسرة ذليلة،
لا بد وأن تندحر، وتتجرع أمر كؤوس الهزيمة والخذلان في الجزائر.
إن يوم انتصار الجزائر قريب، ولكنه خليق بأن يزداد قربا إذا عرف كل عربي واجبه تجاه شعب الجزائر، وتجاه المجاهدين من
أبطال الجزائر، وإن من واجبكم وواجب كل عربي أن تبذلوا كل ما تطيقون من أنواع البذل من أجل الجزائر. إن عشرات الألوف من شباب العرب في ميدان المعركة بالجزائر، يبذلون دماءهم ويجودون بأرواحهم في سبيل الحرية. فابذلوا لهم أنتم من مالكم، وادعوا كل من حولكم من أهليكم ومواطنيكم ليبذلوا لهم. اتجهوا بقلوبكم إلى هنالك، إلى المعركة التحريرية الكبرى في أرض الجزائر، واذكروا أن هناك شعبا من أخوتكم ينتظر منكم التأييد والمعونة لينتصر، ولا بد أن ينتصر، وإن الجزائر العربية جزء من وطننا العربي الكبير الممتد من المحيط إلى الخليج؛ إنها قلعة عربية لم تزل في يد العدو تعترض طريق الحرية، كما تعترضه قلعة أخرى يحتلها الصهيونيون في فلسطين، قلعتان لو تحررتا من الاستعمار لامتد طريق العرب من أقصى المغرب بإزاء جبل طارق، إلى أقصى الشمال على حدود الأناضول، ولعادت الشعوب العربية شعبا واحدا في وطن واحد من المحيط إلى الخليج، وفقكم الله يا شباب، وتفخر بكم أمتكم، والسلام عليكم ورحمة الله).
د - كلمة المحجوب بن الصديق:
وبمناسبة (يوم الجزائر) صرح (المحجوب بن الصديق) الأمين العام لاتحاد عمال المغرب، وعضو وفد المغرب لدى الأمم المتحدة:
(إن الجزائر هي الجبهة الأمامية لمعركة التحرير في
المغرب العربي، ولن يتم للمغرب استقلاله إلا بتحرير الجزائر. إن مشروع حلف البحر الأبيض المتوسط الذي تطرحه فرنسا، ليس إلا مجرد محاولة لنكس حركة التحرير في المغرب العربي، واستمرارا للسيطرة الاستعمارية في شكل جديد، وإن القواعد الجوية الأمريكية في االمغرب هي جزء من الاحتلال الفرنسي، وما كان المغرب ليعترف بها ولا يتفاوض في شأنها، فقد وضعت باسم فرنسا عندما كان المغرب تحت الحماية، لم ينل استقلاله بعد، ونحن حين نطالب بالجلاء، نطالب بجلاء جميع الجيوش الأجنبية بلا استثناء.
لقد انطلق الشعب العربي في المغرب وتونس لخوض الحرب إلى جانب الجزائر، فأيقنت فرنسا أنها لم تعد قادرة على التغلب على الثورة الجزائرية بالقوة، وعلى هذا لم يعد من الغريب أن يكون شروع (حلف البحر الأبيض المتوسط) الذي اقترحه رئيس حكومة فرنسا مجرد محاولة لإجهاض حركة التحرر في المغرب العربي، وضمان استمرار السيطرة الاستعمارية في شكل جديد، وعلى أي حال، فإن حلفا من هذا القبيل سيكون مخالفا للمبادىء الأساسية التي ترتكز عليها سياسة المغرب، وإن موقف المغرب يتميز بعدم التبعية لأي دولة أو مجموعة من الدول، وتسعى سياستنا أول ما تسعى إلى إتمام تحرير المغرب من جميع مخلفات الاستعمار. أما موقف المغرب وشعبه من إسرائيل، فإنه لا يختلف عن موقف باقي الشعوب العربية، فقد كان لمأساة سنة (1948) في نفوس المغاربة نفس الأثر الذي خلفته في نفوس باقي الأمة العربية، ويحرص الشعب المغربي كل الحرص على إيجاد أسرع الحلول وأنجعها لحل جميع المشاكل السياسية والاقتصادية والإنسانية لشعب فلسطين العربي والتي جاءت نتيجة عملية الاغتصاب الصهيوني الاستعماري الشنيع. وتبقى
(حرب الجزائر) من أهم المشاكل التي تعترض المغرب في سبيل تدعيم استقلاله، وتحرير أراضيه التي يحتلها الاستعماريون).
هـ - كلمة عبد الحميد السراج:
وألقى وزير الداخلية السوري، السيد عبد الحميد السراج، كلمة على مدرج جامعة دمشق في مهرجان (يوم الجزائر) جاء فيها:
(تحتفل شعوب العالم اليوم، كما نحتفل نحن الآن، متنادين إلى نصرة الجزائر ضد بغي فرنسا وعدوانها. وهكذا أخد صوت الجزائر يدوي عاليا حتى أصغت إليه أسماع العالم وتحركت له افئدته، ولقد حق لعرب الجزائر أن تكلل هاماتهم بأكاليل الغار، كما حق على فرنسا أن توسم بالذل والعار. وأما فرنسا فلا أزيدكم بها تعريفا، فلها في كل بيت من بيوتنا ذكرى جرح لا يزال ينز بالدماء، ولا يزال بين ظهرانينا الثاكلة التي فتك الفرنسيون بولدها، والابن الذي حرموه من والده رضيعا، والقرية التي دمروها على رؤوس اهيلها، ولا تزالون تذكرون الحمم والقنابل التي أمطروها على المدينة (دمشق) عام 1945، ولا نزال نذكر باللوعة والأسى ما اقترفته أيدي الفرنسيين من الإثم في المجلس النيابي، يوم سلطوا عليه نيران مدافعه، ويوم فتكوا بجميع أفراد حاميته، ثم مثلوا بهم فقطعوا أعضاءهم، إن هذه الوقائع السود لا تزال حية في أذهاننا وهي أقوى من أن يعفي عليها النسيان.
وأما عرب الجزائر، فقد تجاوزوا حد البطولة حتى بلغوا حد المعجزات، ولم يعودوا بالنسبة لنا مجرد شعب عربي ثائر، وإنما هم سجل مجدنا الحديث قد نشر على العالمين، فلما قرأته الشعوب، إذا به سجل الكرامة الإنسانية تدافع عن نفسها أمام بغي
الاستعمار وبربريته، وإلا فأي شعب في العالم كشعب الجزائر استطاع أن ينازل فرنسا وحلف الأطلسي خلال أربع سنوات، لم تلن له قناة وما زادته الآلام إلا عزما ومضاء. إن فرنسا جثت على ركبتيها خلال خمسة عشر يوما، ووطأت أرضها للغزاة الألمان خانعة ذليلة، فما بال الجزائر وهي ذلك العدد الضئيل والعدة القليلة ما تزال تكافح بجبروت وعناد وكبرياء.
إن الجزائر لا تدافع عن نفسها فقط، وإنما هي تدافع عن البلاد العربية جمعاء، بل هي تدافع عن الإنسانية بكاملها ضد عدوان الاستعمار ووحشيته، فلا عجب أن يكون دفاعها ضاريا عنيدا ما دامت تدافع عن هذه المثل العليا للعرب والإنسانية. وهذا ما دعى شعوب العالم الحرة أن تتنادى لنصرة الجزائر؛ لأن الجزائر تدافع عن هذه الشعوب أيضا. فإذا كنا قد تداعينا اليوم لنصرة الجزائر فإننا ننصر أنفسا وننتصر لها.
إن معركة الجزائر ضد فرنسا هي معركتنا نحن، ولو خضعت الجزائر لنقل المستعمر المعركة إلى أرضنا هنا، فنحن إنما نخوض في أسبوع الجزائر هذا معركة الدفاع عن النفس، لا معركة الدفاع عن الجزائر وحدها، فإذا كانت هذه هي بسالة الجزائر، وهذه هي شجاعة الجزائريين، وإذا كان هذا الأسبوع هو معركة نصرة الجزائر، فإن بين الشجاعة والسخاء نسب واضح بين.
إنكم أيها السادة هنا ستبدؤون التبرع والاكتتاب، وأنتم الطلقة الأولى في هذا الأسبوع، وسيكون صداها قويا لأنها طلقة مدوية صادرة عن نفوس أبية قوية، ولقد قال تعالى:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ
أَخْبَارَكُمْ} فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون والله معكم، والسلام عليكم ورحمة الله.
…
جدير بالذكر أن المجاهد (محمد الغسيري) الذي طالما عرفته دمشق بنشاطه الذي لا يهدأ، وإخلاصه الذي لا حدود له، كان يمثل (جبهة التحرير الوطني) وقد شارك وأشرف على كافة النشاطات التي حفل بها أسبوع الجزائر.
و- رابطة المغرب العربي في دمشق:
وفي دمشق، أقامت رابطة طلاب المغرب العربي مهرجانا خطابيا في الساعة السابعة والنصف مساء (يوم 31/ 3/ 1958) على مدرج الجامعة السورية تحدث فيه كل من الدكتور جميل صليبا والأستاذ محمد المبارك والدكتور اسماعيل عزة والأستاذ حافظ الجمالي، والشاعر عبد السلام حبيب الجزائري، والطالب الجزائري محمد مهدي.
وكان مما قاله (مأمون الشناوي) في يوم الجزائر: (تمنيت لو قامت فرنسا بجميع تبرعات لها لمساعدتها في حرب الجزائر. تمنيت لو قامت بجمع التبرعات من الشعب الفرنسي، ومن شعوب العالم لتعرف رأي شعبها ورأي شعوب العالم في موقفها الآثم الظالم في الجزائر، ولتحصي فرنسا بعد ذلك عدد المتبرعين لها لتعرف عدد من يؤيدون وحشيتها وتمسكها بسلب الشعب الجزائري حقه في الحياة.
ربما استطاعت فرنسا أن تجمع آلاف الجنيهات، ولكنها لن تستطيع أن تشرك في هذه التبرعات غير عشرات الأشخاص؛
عشرات الأشخاص من تجار الحروب وتجار الشعوب، والمستثمرين للدماء المهرقة على أرض الجزائر.
أما شعب الجزائر المجاهد، والمدافع عن حريته، فإن الملايين التي تشترك وتساهم في التبرع له، إنما تعبر عن احتجاجاتها عمليا على وحشية فرنسا ومجافاتها للروح الإنسانية والاعتبارات البشرية.
…
ويضق المجال عن وصف التظاهرة الحماسية الرائعة التي اجتاحت العالم العربي - الإسلامي بمناسبة (يوم الجزائر)؛ لم تكن القضية أبدا قضية تقديم دعم مادي (مالي) بقدر ما كانت مناسبة لتفجير الغضب ضد الاستعمار، والإعلان عن ذلك التعاطف العميق الذي يشد العالم العربي - الإسلامي بعضه إلى بعض.
وكان يوم الجزائر، مناسبة للشعوب الأفريقية - الآسيوية، وكلها حديثة العهد بالاستقلال، لتعبر عن غضتها ضد الاستعمار وأساليبه، فكانت الجزائر، بجهادها وصبرها، طليعة العالم وحديث الدنيا، وكانت المعول الذي أزال بقايا الأوراق التي كانت تستر سوءات الاستعمار.
***