المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث: - الإعجاز العلمي إلى أين

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقالة الأولىالإعجاز العلمي في القرآن

- ‌المقالة الثانيةتقويم المفاهيم في مصطلح الإعجاز العلمي

- ‌حقيقة الإعجاز العلمي ومؤداه

- ‌المقالة الثالثةالإعجاز العلمي

- ‌المقالة الرابعةتصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي

- ‌الفصل الأولأهمية تفسير السلف وكيفية التعامل معه

- ‌المبحث الأولأهمية تفسير السلف

- ‌المبحث الثانيكيفية التعامل مع تفسير السلف

- ‌المبحث الثالثاحتمال الآية القرآنية للمعاني المتعددة

- ‌الفصل الثانيضوابط قبول التفسير المعاصر

- ‌الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:

- ‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

- ‌الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف:

- ‌الفصل الثالثاعتراضات على تفسير السلف

- ‌المبحث الأولوجود الخطأ في تفسير آحاد السلف

- ‌المبحث الثانيالإسرائيليات ومخالفتها للقضايا العلمية المعاصرة

- ‌المقالة الخامسةهل يصح أن ينسب الإعجاز للسُّنَّة

- ‌المقالة السادسةتعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه

- ‌المقالة السابعةمصطلح الإعجاز العلمي عند الطاهر بن عاشور

- ‌المقالة الثامنةالتفسير بالإعجاز العلمي قائم على الظنِّ والاحتمال، وليس على اليقين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الفوائد العلمية

- ‌مراجع البحث

- ‌الفوائد

الفصل: ‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

الأطوار الداروينية (1)، ونظرية دارون ـ كما هو معلوم ـ مخالفة لجميع الشرائع السماوية التي تجعل أصل الإنسان أبانا آدم عليه السلام.

وكذا من يفسر العرش أو الكرسي بأحد الكواكب السيارة (2)، وهذا مخالف أيضاً لما ثبت في الشريعة من كون هذه المخلوقات فوق السموات، وأنها أكبر منها بكثير.

‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

ويمكن معرفة ذلك بطرق، منها أن تدلَّ عليه بأي وجهٍ من وجوه الدلالة: مطابقةً أو تضمُّناً أو لزوماً، أو مثالاً لمعنى لفظ عام في الآية، أو جزءاً من معنى لفظ من الألفاظ، أو غير ذلك من الدلالات التي يذكرها العلماء من أصوليين وبلاغيين ولغويين ومفسرين.

وهذا الضابط مهمٌّ للغاية، إذ قد يصحُّ القول من جهة وجوده في الخارج، لكن يقع الخلل في صحة ربطه بالآية، وهذا مجال كبير للاختلاف، بل هو مجال تحقيق المناط في كثير من القضايا التي ثبتت صحتها من جهة الواقع، لكن يقع التنازع في كونها مُرادة في الآية، وهذا الاختلاف لا يصلح أن يكون محطّاً للانتقاص من الأطراف المختلفة، فإني رأيت بعض من يدعو إلى تفسير كثيرٍ من الآيات القرآنية بما ثبت من المكتشفات في بحوث العلوم التجريبية والكونية يتنقص الآراء التي في الآية، ويطالب علماء الشريعة بأن يُلِمُّوا بالعلوم المعاصرة لكي يتسنى لهم أن يقدموا التفسير المناسب لأهل هذا العصر، وتلك دعوى غير لازمة.

(1) ينظر: جريدة الغد، على الشبكة العنكبويتة.

(2)

ينظر على سبيل المثال كتاب: أسرار الكون في القرآن، للدكتور داود سلمان السعدي (ص: 173 - 190)، وعلى هذا الكتاب ملاحظات في هذا الجانب وفي غيره من جوانب التفسير.

ص: 134

ولو وُعيت قضية احتمال تنازع الطرفين في صحة حمل القضية العلمية الحادثة على الآية القرآنية، وأنها مجال للاجتهاد، ولا يلزم التثريب ما دام الأمر لا يقع فيه تحريف في كلام الله؛ لو رُوعيت وصارت منهجاً لما حصل تدابر وتشاحٌّ بين المتنازعين، بل تبقى بينهم المحبة والتوادِّ والرحمة، وقديماً قيل: إن الاختلاف لا يفسد للودِّ قضية.

وأضرب لك مثالاً في ذلك:

قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] ورد فيها تفسيران للسلف:

الأول: أن المراد بالنجوم نجوم القرآن، أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوماً متفرقة، وقد ورد ذلك عن ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد.

الثاني: أن المراد بالنجوم نجوم السماء، واختلف القائلون بكون المراد بها نجوم السماء على عدة معاني:

المعنى الأول: فلا أقسم بمساقط النجوم ومطالعها، والمراد مواقع طلوعها في أول الليل، ومواقع غروبها في آخر الليل، وقد ورد عن مجاهد، وقتادة.

المعنى الثاني: بمنازل النجوم، والمراد بها المنازل المعروفة لهذه النجوم، كالثور والسرطان والجوزاء وغيرها، وقد ورد عن قتادة.

المعنى الثالث: بانتثار النجوم عند قيام الساعة، وقد ورد عن الحسن البصري.

وإذا تأملت هذه الأقوال وجدتها قد اختلفت في المراد بالنجوم، ثم اختلف القائلون بأنها نجوم السماء في المراد بمواقعها.

فأصحاب القول الأول ذهبوا إلى موقع (مكان) طلوع النجم وغروبه، وكذا ذهب أصحاب القول الثاني، لكن تحديد الموقع اختلف، حيث ذهبوا إلى أماكنها في بروجها.

ص: 135

أما القول الثالث، فذهب إلى معنى السقوط، فجعل الموقع بمعنى الوقوع.

وذهب بعض المعاصرين بمعنى الآية إلى قضية من قضايا العلوم الكونية المعاصرة، ومنه ما ذكره بعض الفضلاء، قال: «وهذا القَسَم القرآني العظيم بمواقع النجوم يشير إلى سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى إحدى حقائق الكون المبهرة، والتي مؤداها أنه نظراً للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا، فإن الإنسان على هذه الأرض لا يرى النجوم أبداً، ولكنه يرى مواقع مرَّت بها النجوم ثمَّ غادرت، وفوق ذلك أن هذه المواقع نسبية، وليست مطلقة؛ لأن الضوء كأي صورة من صور المادة والطاقة لا يستطيع أن يتحرك في صفحة السماء إلا في خطوط منحنية، وعين الإنسان لا ترى إلا في خطوط مستقيمة، وعلى ذلك فإن الناظر إلى النجم من فوق سطح الأرض يراه على استقامة آخر نقطة انحنى ضوءه إليها، فيرى موقعاً وهميّاً للنجم غير الموقع الذي انبثق منه ضوءه، فنظراً لانحناء الضوء في صفحة السماء فإن النجوم تبدو لنا في مواقع ظاهرية غير مواقعها الحقيقية.

ليس هذا فقط، بل إن الدراسات الفلكية الحديثة أثبتت أن نجوماً قديمة قد خبت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة، والضوء الذي ينبثق منها في عدد من المواقع التي مرَّت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن، ومن هنا كان القسم القرآني بمواقع النجوم، وليس بالنجوم ذاتها

» (1).

وهذا القول يوافق من قال بأن النجوم هي نجوم السماء، لكن يفارقه بأن النجوم لم يقع عليها قسم، وإنما وقع على مواقعها الخالية منها، وبهذا يكون مخالفاً للقول السابق في هذه الحيثية، فالمتقدمون

(1) من آيات الإعجاز العلمي/السماء في القرآن (ص: 196 - 197).

ص: 136

يذهبون بتفسير (مواقع النجوم) إلى أن القَسَم بالنجوم وبمواقعها، والذين نَحَو إلى التفسير المعاصر يذهبون إلى أن القَسَم بالمواقع دون النجوم، وعلى فرض صحة هذه القضية، فإن كونها هي المرادة بقوله:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] فيه نظر؛ لأمور:

1 -

أن الأقوال الثلاثة قد ورد ما يشهد لها من القرآن، فمن ذهب إلى مطالع النجوم ومغاربها يشهد له مثل قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49].

ومن قال إن المراد منازل النجوم، فإنه يشهد له مثل قوله تعالى:{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] على أحد الأقوال في تفسير الآية.

ومن قال بأن المراد سقوطها عند قيام الساعة، فيشهد له مثل قوله تعالى:{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير: 2]؛ أي: انصبت وسقطت، وهذا أحد معاني الانكدار في الآية.

2 -

أن الله ذكر النجوم في غير ما آية، والمراد بها تلك النجوم المتلألئة في جوِّ السماء، ولم يشر في آية منها إلى هذه القضية، ولو كانت هذه القضية حقيقة، فإن إبراهيم ـ لما قال الله عنه ـ:{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات: 88](1) يكون واهماً، فهو لم ينظر إلى النجوم إلا توهُّماً، وإنما نظر إلى مواقعها من حيث لا يدري!

وإذا رجعت إلى السُّنَّة وآثار السلف وأقوال الناس، فإن النجوم عندهم هي ما يرونه فوقهم يتلألأ في جو السماء، ولا يمكن أن يدور في خلدهم أن ما يرونه إنما هو مواقع النجوم، والموجود فيها إنما هو صورة النجم لا حقيقته، فذلك محال أن يسلِّم به هؤلاء، ويبنون على ذلك

(1) ورد تفسير السلف لهذه الآية بأنه رأى نجماً طالعاً في السماء، فقال: إني مطعون. وهو يوهم بهذا أنه قد أصابه النجم على حدِّ زعمهم بتأثير النجوم.

ص: 137

أحكامها العلمية والعملية، ومن ذلك ما رواه مسلم بسنده عن عبد الله بن شقيق قال: «خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاةَ، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاةَ. فقال ابن عباس: أتعلمني بالسُّنَّة؟ لا أمَّ لك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة، فسألته، فصدَّق مقالته» (1).

3 -

أن الله خاطب العرب بما يعقلون، والنجم عند العرب ما يشاهدونه، خلافاً لما قيل في هذا العلم المعاصر من كون ما نراه ليس نجوماً، وإنما مواقع النجوم، وبهذا يكون القول بها مخالفاً للمنقول والمعقول بين الناس، والناس مجمعون على أن ما يرونه يتلألأ في السماء إنما هي النجوم، بأي لفظ نطقوا به من لغاتهم، فهذه النجوم يرونها ويعرفونها بأسمائها ومواقعها ويهتدون بها؛ كما قال تعالى:{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} ، وليس من المقبول إنكار ما اتفق عليه الناس بهذه السهولة.

4 -

أن هذه القضية التي ذُكرت في التفسير المعاصر لا يدركها إلا القليل من الناس، وهم من كان عندهم من الآلات التي تقرِّب لهم ما بعُد في جَوِّ السماء فيدركون هذا بالنظر فيها، وفي مثل هذه الحال فإن العمدة في قبول مثل هذه القضية العلمية إنما هو العالم المسلم المطلع على ما اطلع عليه المكتشفون لها، وهم كذلك قليل جداً، وغير المتخصصين يقبلون منهم ما يطرحونه ثقة بهم في فهمهم وعلمهم بهذه القضايا فحسب، وليس عندهم إمكانية تصديق ذلك بالنظر كما هو

(1) صحيح مسلم، برقم (705).

ص: 138