الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالة الثانية
تقويم المفاهيم في مصطلح الإعجاز العلمي
(1)
الحمدُ لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وصلَّى وسلَّم على رسوله المجتبى، خير خلقه قاطبة، وأفضل من نزل عليه وحي الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن أشرت إلى (مفهوم المعجزة)، وذكرت بعض ما يتعلق بنقد هذا المصطلح الذي نما ونشأ بين أحضان أهل الكلام من المعتزلة. وفي هذه المقالة أتابع موضوع المعجزة عند المعاصرين، وكيف صار الإعجاز غالباً على ما يسمونه (الإعجاز العلمي)، فأبدأ بهذا الموضوع مستعيناً بالله، فهو الموفق في كل الأمور، وإني لأسأله التوفيق في كل أموري.
أولاً: المراد بالإعجاز العلمي، وعلاقته بمفهوم المعجزة:
إن ممَّا يلاحظ على من كتب في الإعجاز العلمي أنه لم يبيِّن علاقته بمفهوم المعجزة كما استقرَّ عند العلماء السابقين الذين كتبوا فيها، بل راح بعضهم يتلمَّس مفهوماً جديداً يتناسب مع مفهوم الإعجاز العلمي عنده، فراح يورد معاني مادة عجز في اللغة، حتى إذا ما ظَفِرَ بمعنى (السَّبق) عضَّ عليه، واتكأ عليه، وجعله هو المعنى المراد في مفهوم
(1) ألقي هذا البحث في المؤتمر السابع (إعجاز القرآن الكريم) الذي عُقد في جامعة الزرقاء الأهلية بالأردن خلال الفترة 18 - 20 رجب 1426هـ، الموافق 23 - 25/ 8/2005م.
الإعجاز العلمي، فأغفل ما قرَّره من مفهوم المعجزة عند السابقين (1).
وهذا الأسلوب في تقرير المصطلحات الجديدة تجده عند بعض من يريد أن يضيف ـ على مصطلح قد استقرَّ وشاع ـ جديداً، أو يُحدِّد مفهوماً جديداً بسبب ما استجد في هذا العصر؛ تجده لا يحرص على ربط مفهومه الجديد بالمفهوم السابق؛ إما لغفلته عن ذلك، وإما لعدم الارتباط بينهما، مما يبين أن مصطلحه الجديد خاصٌّ كل الخصوصية، وليس منطلقاً مما استقرَّ وثبت عند السابقين.
وهذا تجده عند بعض من قرَّر مفهوم الإعجاز العلمي حيث يمرُّ مرور الكرام مقرِّراً مصطلح السابقين دون أن يعتني ببيان علاقة ما هو فيه من موضوع (الإعجاز العلمي) بما تقرَّر عند السابقين، وهذا يُشعر بانفصالٍ بين موضوع الإعجاز العلمي في نظر المُحْدَثين وبين مفهوم الإعجاز عند السابقين.
فمفهوم المعجزة كما نقله بعض من كتب في الإعجاز العلمي: «الأمر الخارق للعادة، السالم من المعارضة، المقرون بالتحدي؛ لعجز البشر عن الإتيان بمثله» (2).
أما الإعجاز العلمي، فيقول الأستاذ الدكتور زغلول النجار في تعريفه له: «والقرآن معجز كذلك في استعراضه التاريخي لعدد من الأمم السابقة
…
وفي أنباء غيبه، وفي إشاراته العديدة إلى الكون ومكوِّناته وظواهره. وهذا الجانب الأخير من جوانب الإعجاز في كتاب الله هو
(1) ينظر على سبيل المثال: تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).
(2)
من آيات الإعجاز العلمي/السماء في القرآن الكريم، للأستاذ الدكتور زغلول النجار (ص: 66)، وينظر: تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة، الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).
المقصود بتعبير «الإعجاز العلمي في القرآن الكريم» ، ويُقصد به: سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم يتمكن العلم الكسبي من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة من تنَزُّل القرآن الكريم
…
وفي إثبات ذلك تأكيد أن القرآن الكريم هو كلام هذا الإله الخالق، وتصديق للنبي والرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم في نبوته ورسالته، وفي تبليغه عن ربه» (1).
وعرَّفه غيره (2) فقال: «هو إخبار القرآن الكريم أو السُّنَّة بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يُظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه سبحانه» (3).
وهذان التعريفان من متخصِّصَين في مجال الإعجاز العلمي قد عاشا معه ردحاً من الزمن، وهما ـ عند كثيرين ـ حجةٌ في هذا الباب، فحرصت على نقل قوليهما لئلا يُعترضَ بأن غيرهما غير معروف في هذا الباب.
وهذا التعريف عليه مآخذ أُجملها فيما يأتي:
1 -
أنه لا تظهر علاقة تعريف الإعجاز العلمي ـ الذي هو عندهم نوع من أنواع إعجاز القرآن الكريم ـ بتعريف المعجزة كما نقلوه عن العلماء السابقين نقل تقريرٍ وقَبول.
فيمكن لسائل أن يسأل الأسئلة الآتية:
(1) من آيات الإعجاز العلمي/السماء في القرآن الكريم، للأستاذ الدكتور زغلول النجار (ص: 67).
(2)
هو الشيخ عبد المجيد الزنداني.
(3)
ينظر على سبيل المثال: تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة، الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).
1 -
أين وجه التحدِّي في قضايا الإعجاز العلمي؟
2 -
هل كان مراداً ممن تُحدُّوا بالقرآن أن يعارضوا هذه القضايا العلمية فيأتوا بمثلها؟!
3 -
ما وجه خرق العادة في مثل هذا الأمر؟!
4 -
ما وجه التحدِّي بالسُّنَّة النبوية، حتى يُنسب الإعجاز إليها؟!
5 -
ما وجه الإخبار بأمر من أمور الكون في مسألة الإعجاز؟
وهذا الأسلوب الذي انتهجه هؤلاء ـ وفقهم الله ـ راجعٌ إلى أنهم قد قرَّروا مفهوماً خاصّاً للإعجاز عندهم، فأرادوه ولم يريدوا ما ذكره العلماء السابقين، لكنهم لم يكلِّفوا أنفسهم في تحرير هذا المفهوم الجديد، ولا في علاقته بتعريف المعجزة عند العلماء السابقين، فأعرضوا صفحاً عن ذلك، ودخلوا إلى قضايا الإعجاز العلمي على أنَّ ما قرَّروه من مفهومه لا مشكل فيه حتى يحتاج إلى تحرير.
والأمر ليس كذلك، بل فيه المشكلات السابقة التي ذكرت لك، وأفصل في بعضها فأقول:
1 -
إن من تكلم عن الإعجاز العلمي يحرص على جعله نوعاً جديداً مستقلاًّ، وتراه يجعله خاصّاً ـ في معظمه ـ بالآيات الكونية، والعلوم التجريبية، ويُظْهِرُ أن عدم معرفةِ تلك الحقيقة الكونية على الوجه الذي عرفها به المعاصرون، وكونها جاءت موافقة لما في القرآن = إعجازٌ.
وإذا تأمَّلت هذا النوع المحكيَّ من الإعجاز وجدته جزءاً من أنواع الإعجاز الذي حكاه العلماء السابقون، وهو (الإعجاز الغيبي)، فالإخبار بهذه الأمور التي لم تكن معروفة معرفة تامَّة بتفاصيلها آنذاك، ثمَّ ظهور معرفتها التفصيلية إنما هو من هذا الباب، فما الذي أوجب تخصيص هذه الآيات دون غيرها من آيات الغيبيات بهذا المصطلح؟!
إنه ضغط الحاضرِ، واستعلاء هذه العلوم، والشعور بالحاجة إلى التعريف بما عند المسلمين من سبق إلى هذه القضايا، فصرنا نتلمس ما وصل إليه علمهم، ثمَّ نبحث عما يصدِّقه من كتابنا، ولم ننطلق من المعامل لنثبت صحة ما عندنا من كتابنا، والفرق بين الأسلوبين واضح.
2 -
إنَّ جَعْلَ مَرَدِّ الإعجاز إلى السبق بالإخبار عن هذه الأمور التي لم يظهر أمرها إلا في هذا العصر فيه نظر من وجوه:
الأول: أنَّه تخصيص متحكِّمٌ لمعنى الإعجاز، وهو مخالفٌ لما عرَّفه العلماء السابقون، فأين وجه خرقِ العادة؟ وأين وجه التحدِّي الذي ذكره هؤلاء في تعريف المعجزة ذكرَ مقرٍّ بتعريف العلماء السابقين؟
الثاني: أنَّ هذه الخصِّيصة ـ وهي الإخبار عن الآيات الكونية ـ ليست من خصوصيات القرآن، بل هي في كل كتب الله التي تحدَّثت عن كونِه لا محالة في ذلك، فالمتكلِّم بهذا الوحي للأنبياء هو خالق الكون، والحقيقة الكونية لا يمكن أن تختلف في هذا الوحي، سواءً أكان نازلاً على موسى عليه السلام، أم كان نازلاً على محمد صلى الله عليه وسلم.
ولا شكَّ ـ أيضاً ـ أن الفرق بين القرآن وغيره من الكتب هو حفظه سليماً من التحريف والتبديل الذي طال ما بقي من كتب الله ـ سبحانه ـ إلى أنبيائه.
كما يلاحظُ أيضاً أن بعض ما وُجِدَ من تراث السابقين من تلك العلوم كان صحيحاً، ولا زالت لا تُعرفُ طريقة وصولهم إليه ـ مع صحة نتائجهم ـ فهل يُعدُّ سبقهم إلى هذا من الإعجاز؟
وكذا تجدُ في التراث الشعري لأميَّة بن أبي الصلت الثقفي (ت:8) إخباراً بقضايا كونية، وهي صحيحة أيضاً، فهل يُعدُّ هذا السبق والإخبار إعجازاً؟!
3 -
إنَّ إقحام السُّنَّة في مسألة الإعجاز مما لم يُسبق إليه، وليس للسُّنَّة مدخل في الإعجاز، وإنما سهل إدخالها في هذا الباب لأن من أدخلها قد تخلَّص من تعريف السابقين واخترع تعريفاً جديداً يناسب معه دخول السُّنَّة في الإعجاز.
ولو تخلَّص هؤلاء من سلطان مصطلح (المعجزة والإعجاز) لوجدوا بديلاً ينطبق على بحوثهم بدون تكلُّفٍ ـ كما هو ظاهر في تعريفاتهم ـ فلو جعلوا حديثهم منصبّاً على (دلائل صدق أخبار القرآن والسُّنَّة) لكان هذا أولى وأنفع من الارتباط بمفهوم الإعجاز الذي يصعب تطبيقه على مباحثهم.
ولعلك تلاحظ أنَّ (دلائل صدق القرآن والسُّنَّة) هي نتيجة أبحاثهم هذه، وهو ما عبَّروا عنه في نهاية تعريفهم للإعجاز.
وهذا المصطلح (دلائل صدق القرآن والسُّنَّة) أدلُّ على مقصودهم، وألصق ببحوثهم من مصطلح الإعجاز الذي لم يبيِّنوه بياناً شافياً.
4 -
إن من بحث في موضوع الإعجاز العلمي يظهر عنده تضخيم جانب الآيات التي تتحدث عن الكون، حتى لقد كرَّر بعضهم في أكثر من مقام أن في القرآن أكثر من ألف آية تتحدث عن الكون، وهو في حديثه هذا يُحيل على العلماء دون أن ينصَّ عليهم بعينهم (1)، وهي ـ في هذا المقام ـ إحالة على غير مليء.
بل إن بعضهم من كثرة ما يردِّد بعض الآيات يُشعِرك أنها إنما نزلت بشأن الإعجاز العلمي، كقوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: 53]،
(1) ينظر: من آيات الإعجاز العلمي في القرآن، لزغلول النجار، تقديم: أحمد فرج (1: 25، 35)، (3: 9) وهو بعنوان: المفهوم العلمي للجبال في القرآن الكريم.
والآية لا تتناسب مع ما يستدلُّ به أصحاب الإعجاز العلمي (1).
(1) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني: «
…
فما إن دخل الناس في عصر العلوم الكونية حتى وجدوا في كتاب الله نبأً بأن الله سيريهم آياته في الآفاق، قال تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} ، وإذا بالوعد متحقق، فهناك آيات كثيرة ظهرت لعلماء الكون في الآفاق، وكان ما أخبر بها رسوله أو بنى عليها حكماً أو أشار إليها» «توحيد الخالق» ط. المكتبة العصرية (2: 89 - 90).
إن قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} لا يناسب تنزيله على موضوع الإعجاز العلمي لأمور:
الأول: أن الآية في مقام التهديد والوعيد، وليست في مقام الوعد بحصول شيء مما يتكلم عنه أصحاب الإعجاز العلمي، والسياق شاهد بذلك، فكيف يمكن إخراج آية الوعيد إلى الوعد بإظهار هذه الاكتشافات على يد الكفار؟!
الثاني: أن المراد بالآية كفار مكة، والآية وإن كانت عامةٌ في التلاوة إلا أنها خاصة في التفسير، فهي من قسم العموم الذي أريد به الخصوص، فلا يصلح الاعتبار بعموم اللفظ هنا.
أما كونها في أهل مكة، فهذا لا نزاع فيه ألبتة، ويكون المعنى كما رجح الطبري، قال:«وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الأول، وهو ما قاله السديّ، وذلك أن الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آياتٍ في الآفاق، وغير معقول أن يكون تهدّدهم بأن يريهم ما هم رأوه، بل الواجب أن يكون ذلك وعداً منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه من قبل ظهور نبيّ الله صلى الله عليه وسلم على أطراف بلدهم وعلى بلدهم، فأما النجوم والشمس والقمر، فقد كانوا يرونها كثيراً قبل وبعد، ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك» . تفسير الطبري، ط. دار هجر (20: 462).
الثالث: أن قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} قد وقع عياناً لكفار مكة لمَّا فتح الله مكة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وظهر لازم هذا الخبر، وهو إيمان من كان كافراً من أهل مكة، وقد نبَّه الطاهر بن عاشور على هذا فقال: «أعقب الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين ما فيه تخويفهم من عواقب الشقاق على تقدير أن يكون القرآن من عند الله وهم قد كفروا به إلى آخر ما قرر آنفاً، بأن وَعَدَ رسوله صلى الله عليه وسلم على سبيل التسلية والبشارة بأن الله سيغمر المشركين بطائفة من آياته ما يتبينون به أن القرآن من عند الله حقاً فلا يسعهم إلا الإيمان به؛ أي: أن القرآن حقّ بَيِّنٌ غير محتاج إلى اعترافهم بحقيته، وستظهر دلائل حقّيّته في الآفاق البعيدة عنهم وفي قبيلتهم وأنفسهم، فتتظاهر الدلائل على أنه الحق فلا يجدوا إلى إنكارها سبيلاً، والمراد: أنهم يؤمنون به يومئذٍ مع جميع من يؤمن به، وفي هذا الوعد للرسول صلى الله عليه وسلم تعريض بهم إذْ يسمعونه على طريقة: فاسمعي يا جارة. =
5 -
إنَّ هاهنا مسألة خفيَّة، تحتاج إلى تأمُّلٍ، وهي: هل الإعجاز القرآني لازم بهذه القضايا؟
بمعنى: لو كان القرآن نزل بأمورٍ أخرى، ولم يذكر هذه القضايا فإنه يبقى معجزاً، ولا يزول عنه الإعجاز؟
وإذا صحَّ هذا الاستنتاج، فإنه يمكن القول بأنَّ الإعجاز (بمعنى: تحديّ الخلق بأن يأتوا بمثل هذا القرآن) راجع إلى لفظ القرآن ونظمه وبيانه، وليس راجعاً إلى شيء خارج عن ذلك، فما هو بتحدٍّ بالإخبار بالغيب المكنون، ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنْزيله، ولا بعلمٍ ما لم يدركه علمُ المخاطبين به من العرب، ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان (1).
= فموقع هذه الجملة بصريحها وتعريضها من الجملة التي قبلها موقع التعليل لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم ما أمر به، والتعليل راجع إلى إحالتهم على تشكيكهم في موقفهم للطعن في القرآن. وقد سكت عما يترتب على ظهور الآيات في الآفاق وفي أنفسهم المبينة أن القرآن حقّ لأن ما قبله من قوله:{أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} ينبئ عن تقديره؛ أي: لا يسعهم إلا الإيمان بأنه حق فمن كان منهم شاكّاً من قبلُ عن قلة تبصُّر حصل له العلم بعد ذلك، ومن كان إنما يكفر عناداً واحتفاظاً بالسيادة افتضح بهتانه وسفَّهه جيرانه» التحرير والتنوير (25: 18).
الرابع: إذا كانت الآية عامةٌ، ويصلح تنزيلها على الإعجاز العلمي، فيقع سؤال في هذا العموم، وهو: لماذا لا يدخل في العموم غير الباحثين في الأمور الكونية والتجريبية؟
وإذا كانت الآية عامة، فأين هي الآيات في الآفاق والأنفس التي أريها من يعيشون في أدغال إفريقيا، والأسكيمو وأهل الصين وغيرهم من البلدان في أطراف الأرض.
وإذا كانت الآية عامة، فأين هي الآيات التي أُريها الكفار منذ فجر الإسلام، أين ما رآه أهل فارس، والروم، وأهل مصر، والأندلس، وغيرها من بلدان الكفار آنذاك، وهل تبين لهؤلاء المعاصرين أو أولئك السابقين أن دين الإسلام هو الحق؟!
(1)
ينظر في تقرير هذه المسألة: مداخل إعجاز القرآن، للأستاذ المحقق محمود محمد شاكر (ص: 153 - 154)، وهو مقدمته لكتاب الظاهرة القرآنية (ص: 25).
والذي يدل على ذلك أمورٌ، منها:
الأول: أنَّ الله سبحانه وتعالى قد تحدَّاهم بأن يأتوا بسورة، والذي ينتظم في السورة ولا ينخرم هو التحدي بالنظم والبيان دون سائر الأنواع المُقحمة في الإعجاز القرآني.
فأنت لا تجد إعجازاً (غيبيّاً) في كل سورة، ولا تجد إعجازاً (علميّاً) في كل سورة، ولا تجد إعجازاً (تشريعيّاً) في كل سورة، لكن لا يمكن أن تخلو سورة من الإعجاز الكائن في النظم والبيان العربي.
الثاني: أن سياق الآيات في غير ما موطن يشير إلى أنَّ المراد النظم والبيان العربي دون ما سواه، والذي يدلُّ على ذلك أنَّ العرب فهموا ذلك، فلما أرادوا وصف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم = راحوا يذكرون أصناف أصحاب القول والبيان عندهم، فزعموا أنه قول شاعر، وزعموا أنه قول كاهن، وزعموا أنه قول ساحر، حتى إذا أعياهم ذلك، وصارت حجتهم ضعيفة زعموا أنه قول مجنون، وهذا يدلُّ على أنه قد أسقِط في أيديهم فصاروا يتشبَّثون بأي شيءٍ، ولو كان ضعيفاً كما هي عادة أصحاب الضلال والخطأ، حين لا يمكنهم أن تقوم لهم حجة.
وهؤلاء الذين نَسَبوا النبي صلى الله عليه وسلم إليهم إنما يجمعهم القول والبيان، فالشاعر صاحب بيان، والساحر والكاهن كانوا يسجعون في أقوالهم، ويتخيَّرون الألفاظ المناسبة لكل مقام، ومن قرأ في تراث العرب أخبار سطيح وغيره ظهر له عنايتهم باختيار ألفاظهم، وحرصهم على نظمها وبيانها، والمجنون يهذي بما لا يدري.
ومن تأمَّل سياق قوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ *أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ *قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ *أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ *أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ *فَلْيَاتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 29 - 34]،
يجد أنَّه يتوجه إلى القول دون ما سواه من المضمون، ثمَّ جاء الردُّ عليهم بأن يأتوا بحديث مثله في النظم والبيان دون غيره من المعاني المنسوبة للإعجاز.
وقد نفى الله تعالى عنه في غير ما موضع أن يكون من قول أحدٍ من البشر، فقال تعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ *ولَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: 41 - 42]، وقال تعالى:{وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [التكوير: 25].
كما يدلُّ عليه حال العرب الذين نزل عليهم القرآن، فقد تحيَّروا في وصفه لأجل ردِّه، وليس لأنهم لم يقفوا على كنهه، فهم مقرُّون بأنه ليس من جنس كلام البشر، وإن لم ينطقوا بهذا، فلما أرادوا أن يتفقوا على كلمة في القول الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم = قالوا: كاهن، أو شاعر، أو ساحر، أو مجنون، وقال الوليد بن المغيرة واصفاً للقرآن:«والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فَرْعَه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرِف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: ساحر؛ جاء بقول يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه، وبين المرء وعشيرته» (1).
فهذا البيان من الوليد يُشعِرك بأنهم كانوا يدركون سرَّ هذا التحدي الذي ألزمهم الله به، ولم يستطيعوا أن يجابهوه، فراحوا يتلمسون له شبيهاً يطلقونه عليه لأجل أن لا يؤمن به أحد من العرب إذا سمعه، ولعلك على خُبْرٍ من خبر الطفيل بن عمرو الدوسي (2)، فلما سمع القرآن
(1) ينظر: الدر المنثور (5: 98).
(2)
قال ابن كثير: «
…
فذكر قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مرسلة.
وكان سيداً مطاعاً شريفاً في دوس، وكان قد قدم مكة فاجتمع به أشراف قريش وحذروه من رسول الله ونهوه أن يجتمع به أو يسمع كلامه.
قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوت =
آمن به، وعلم أنه من عند الله، لم يكن إيمانه من أجل تلك القضايا التي يذكرونها من أنواع الإعجاز، وإنما كان مجرد سماعه لتلاوة القرآن مبينة له عن مباينته لكلام المخلوقين، وتقرير ذلك بالأمثلة عن الذين أسلموا وأقروا بصدق القرآن يطول، وفيما ذكرته تذكرة وغُنية.
الثالث: إن هناك نظراً قد يخفى على بعض من يبحث في الإعجاز، وهو أن التحدي الحقيقي يقوم على من يملك أدوات التحدِّي دون من يفقدها، وهي بالنسبة له من العدم.
فالعرب قد بلغوا حدّاً من الفصاحة والبيان، وحدّاً من العلم بفارق ما عندهم عما جاء به القرآن من النظم والفصاحة والبيان، وكان عندهم من القدرة على التفنن في ضروب القول، والتذوق للكلام البليغ القدر الكبير الذي لا يُضاهَى، فجاء التحدي لهم بما يملكون أداته، وعندهم أصُولُه، ولهم فيه جولة وصَولَةٌ، فلما تحداهم الله به عرفوا عجزهم عن الإتيان بمثله، فاتجهوا إلى محاربته بأنفسهم وأموالهم، مع أنه قد طُلِبَ منهم ما هو أقلُّ من ذلك، وهو معارضة هذا القرآن (1)، فلما لم يعارضوه ثبتَ وقوع التحدِّي إلى يوم القيامة، فمن كان أقدر على المعارضة أبان
= أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفاً فرَقاً من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة.
قال: فقمت منه قريباً، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله.
قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي: واثكل أمي! والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته
…
هكذا ذكر محمد بن إسحاق قصة الطفيل بن عمرو مرسلة بلا إسناد، ولخبره شاهد في الصحيح» السيرة النبوية لابن كثير (2: 72 - 76).
(1)
انظر هذا المعنى في: بيان إعجاز القرآن للخطابي (ص: 19) ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.
عن عجزه، وأظهر عدم قدرته، فمن كان بعدهم ممن بَعُدَ عن تلك اللغة الشريفة أولى بالعجز وعدم القدرة.
وإذا كان هذا بيِّناً، فإنه يظهر أنَّ التحدي لم يكن بغير ما كانوا بارعين فيه، عارفين له، ومالكين لأزمَّة أمره، وهو جانب النظم والبيان، أما غيره مما انسبك في هذا النظم من أمور تشريعية وتاريخية وغيبية وغيرها، فهي مما لم يُطالبوا بالإتيان بمثله؛ لأنهم غير قادرين عليه أصلاً، بل إنه من المحال أن يكون ذلك مما طُولبوا به، ولو كان، لجاز لهم أن يعترضوا بأنهم لو طولبوا بما أداته عندهم لجاءوا به، فلما لم يقع منهم ذلك دلَّ على أنَّ هذه الأمور بمعزلٍ عن التحدي والإعجاز.
ولو طولبوا بهذا لكان كمن يتحدَّى قوماً بأن يفعلوا شيئاً، وهم عاجزون عن أصل الفعل، بخلاف من يتحدى قوماً يملكون أداة ما يتحدَّاهم به، ويريهم عجزهم عن الإتيان بما أتاهم به، وهذا أبلغ في التحدي، وأدلُّ على القدرة.
ثانياً: ما المراد بالعلم الذي نُسب إليه الإعجاز:
يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني: «وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم.
والعلم: إدراك الأشياء على حقائقها. أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تامّاً.
والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي، وعليه فيعرَّف الإعجاز العلمي بما يلي
…
» (1). ثم ذكر التعريف المنقول عنه سابقاً.
وهذا الذي صرَّح به الشيخ الزنداني لا خلاف فيه عند كل من كتب
(1) تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة، الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).
في الإعجاز العلمي، فالعلم الذي ينسبون إليه الإعجاز هو العلم التجريبي، فهل هذه النسبةُ سديدة؟!
هنا عدد من المسائل فيما يتعلق بمصطلح (العلمي).
المسألة الأولى: هل العلم منحصرٌ في العلم التجريبي بحيث يكون هو العلم دون غيره؟
إنَّ نسبة العلم المطلق وتخصيصها بالعلم التجريبي ظاهرة البطلان، لكن من أين جاءت؟
لقد كان وصف العلوم التجريبية بأنها العلم مطلقاً من آثار الاستعمار البريطاني لمصر، وهناك قسَّم الإنجليز الدراسة إلى قسمين: القسم العلمي، ويعنون به دراسة العلوم التجريبية، والقسم الأدبي ويعنون به دراسة الشرعيات والاجتماعيات واللغات.
وهذا التمييز فيه مكر ودهاء ممن وضع هذه المصطلحات التي سارت في الأمة الإسلامية حتى وصلت لهؤلاء الأفاضل فنسبوا الإعجاز إلى العلم التجريبي، فسمَّوه: الإعجاز العلمي.
وإذا كان هذا هو العلم، فهل الإعجاز اللغوي الذي يحكيه من يذكر أنواع الإعجاز ليس علميّاً؟!
أليس في ترك وصف أنواع الإعجاز الأخرى التي يحكيها الذين كتبوا في الإعجاز العلمي شيء من التنقص لهذه الأنواع؟!
قد يقول قائل: إن هذا اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح.
والجواب: إن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فالاصطلاح إذا حمل معنًى باطلاً أو فاسداً فإنَّ فيه مشاحة بلا ريب، وهذا هو الحال هنا.
وهذا العلم (وهو العلم التجريبي) جزء من العلوم، وليس هو كل العلوم، ولا هو أفضل العلوم حتى يُنسب إليه إعجاز خاصٌّ.
كما أن حقيقة العلم في الإسلام هي العلم بالله والعلم بشرعه، فمن كان عالماً بذلك قيل له: عالم، وهذا هو العلم الحقيقي الذي امتدحه الله، ففي ترك وصف هذا بالعلم، ونسبه إلى العلوم التجريبية تجنٍّ على علوم الشريعة، وإبعادٌ لوصف العلم عنها من حيث لا يشعر هؤلاء.
والعلم الممدوح في القرآن هو العلم بالله والعلم بشرعه، وهو الذي جاءت الآيات مادحة له ولمن حمله من العلماء؛ كقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وكل علم بعده فهو تبعٌ له، وليس أصلاً، وهذا مقرَّرٌ في كلام أهل العلم.
ولا يعني هذا تنقُّص أصحاب العلوم التجريبية أو التقليل من شأنهم وشأن علمهم، لكن المراد معرفة مرتبتهم ومرتبة علمهم من علوم الشريعة وعلمائها.
وليس المقام هنا مقام احتجاج لأسرد لك ذلك، وإن كانت ضغطة الحاضر لها أثر لا يخفى، والله المستعان.
وإذا تأملت الإضافات الكائنة لأنواع الإعجاز عند من كتب في الإعجاز العلمي ظهر لك أنَّ نسبته إلى العلم فيها نظر وإشكال، فهم يقولون: الإعجاز اللغوي، وهذا يعني أنه منسوب إلى اللغة، والإعجاز التشريعي، فهو منسوب إلى الشريعة، والإعجاز البلاغي، فهو منسوب إلى البلاغة، وهكذا
فإذا كانت هذه تُنسبُ إلى نوع العلم، فما بال ما يتعلق بالعلوم التجريبية نُسِب إلى العلم المطلق، حتى كأنه لا علم إلا العلم التجريبي؟!
المسألة الثانية: قضايا العلوم التجريبية المنسوبة للقرآن في الإعجاز العلمي:
يُجمِع من بحث في موضوع الإعجاز العلمي أن القرآن ليس كتاب طبٍّ أو جيولوجيا أو فلك أو غيرها من العلوم التجريبية والطبيعية، وإنما جاء ذكر ما يتعلق بهذه العلوم على سبيل تقرير الحقيقة كما هي، أو على سبيل الإشارة إليها إشارة خفية أو ظاهرة.
ومن الطبيعي أن يكون الحديث عنها في القرآن موافقاً للواقع، فخالق الحقيقة الكونية هو المتكلم عنها.
وإذا نظرت إلى موضوعات تلك العلوم التي تحدَّث عنها القرآن وجدت من خصائص حديث القرآن عنها ما يأتي:
1 -
أن قضايا الكون تأتي في القرآن على ما استقرَّت عليه من حيث هي حقيقة كونية.
2 -
أن حديث القرآن عما هو خفيٌّ عنَّا من قضايا الكون كحديثه عما هو معلوم مشاهد كشروق الشمس من مشرقها.
3 -
أن الحديث عنها يأتي مجملاً دون الدخول في تفاصيل، بخلاف الحديث عنها في كتب التخصُّص التي تبحث مثل هذه القضايا، لذا ترى من يبحث موضوعاً من الموضوعات التي طرقها القرآن يأتي بتفاصيل الموضوع مما لا يفهمه إلا من كان متخصصاً فيه، وحكاية هذه التفاصيل أشبه بحكاية تفاصيل الروايات الإسرائيلية بحيث لا يستفيد منها ولا يعقلها إلا أهل الاختصاص في تلك العلوم.
4 -
أن تلك القضايا في القرآن تبقى كما هي لا تتغير، وإنما يتغير فهم الناس لتفسيرها.
المسألة الثالثة: قصور العلم البشري في إدراك حقائق الكون:
1 -
أن جملة من الكون الغائب مما لا يمكن الإنسان الوصول إليه بوسائله البشرية مهما ارتقى بها.
2 -
تغيُّر فهم هذه العلوم، وترقِّي الإنسان في فهمها جيلاً بعد جيل، فما كان في زمن حقيقة ينقلب في الزمن الذي بعده إلى أن يكون ضدَّها.
3 -
أن الاكتشافات لحقائق الخلق لا تأتي إلا بعد دراسة، وبعضها قد يأتي مصادفة؛ كأن يكون البحث في قضية من قضايا الخلق فيظهر أمر آخر لم يكن بحسبان الباحث.
* * *