المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقالة الخامسةهل يصح أن ينسب الإعجاز للسنة - الإعجاز العلمي إلى أين

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقالة الأولىالإعجاز العلمي في القرآن

- ‌المقالة الثانيةتقويم المفاهيم في مصطلح الإعجاز العلمي

- ‌حقيقة الإعجاز العلمي ومؤداه

- ‌المقالة الثالثةالإعجاز العلمي

- ‌المقالة الرابعةتصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي

- ‌الفصل الأولأهمية تفسير السلف وكيفية التعامل معه

- ‌المبحث الأولأهمية تفسير السلف

- ‌المبحث الثانيكيفية التعامل مع تفسير السلف

- ‌المبحث الثالثاحتمال الآية القرآنية للمعاني المتعددة

- ‌الفصل الثانيضوابط قبول التفسير المعاصر

- ‌الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:

- ‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

- ‌الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف:

- ‌الفصل الثالثاعتراضات على تفسير السلف

- ‌المبحث الأولوجود الخطأ في تفسير آحاد السلف

- ‌المبحث الثانيالإسرائيليات ومخالفتها للقضايا العلمية المعاصرة

- ‌المقالة الخامسةهل يصح أن ينسب الإعجاز للسُّنَّة

- ‌المقالة السادسةتعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه

- ‌المقالة السابعةمصطلح الإعجاز العلمي عند الطاهر بن عاشور

- ‌المقالة الثامنةالتفسير بالإعجاز العلمي قائم على الظنِّ والاحتمال، وليس على اليقين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الفوائد العلمية

- ‌مراجع البحث

- ‌الفوائد

الفصل: ‌المقالة الخامسةهل يصح أن ينسب الإعجاز للسنة

‌المقالة الخامسة

هل يصح أن ينسب الإعجاز للسُّنَّة

؟ (1)

إن أزمة المصطلحات لا تكاد تنفك عن علم من العلوم، ونحن بحاجة إلى النظر فيها لتحرير محلِّ النِّزاع، أو لما قد يترتب عليها من معلومات فيها خلل، لذا فإن ما يقال: إنه لا مشاحة في الاصطلاح = فإنه ليس على إطلاقه، نعم، لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان لا يغيِّر حقائق الأمور، ولا يترتب عليه معلومات علمية خاطئة.

وهنا مصطلح معاصر حادث، وهو (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية)، فهل يصح هذا الإطلاق؟

إذا رجعنا إلى تراثنا المتراكم عبر القرون، وجدنا علماءنا ـ رحمهم الله تعالى ـ قد كتبوا في هذا الأمر، لكن تحت مسمَّى (دلائل النبوة) أو (أعلام النبوة)، وهو أقلُّ في الاستعمال من (دلائل النبوة).

ويذكرون في كتبهم هذه أموراً:

الأول: معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أحواله الدالة على صدقه.

الثالث: إخباراته بالغيب، والإشارة إلى وقوع بعض ما أخبر به.

لذا فدلائل النبوة فيها المعجزات، وفيها غيرها مما يدل على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وما دام هذا كان متحرِّراً عند علمائنا ـ رحمهم الله تعالى ـ فما

(1) مقال نُشر في ملتقى أهل التفسير.

ص: 159

الداعي إلى ترك الاصطلاح الدقيق لعلمائنا السابقين، واستبداله بمصطلح يحمل مشكلات علمية؟

إن مصطلح الإعجاز منذ ظهر وهو مرتبط بأمرين:

• بالقرآن الكريم.

• وبالأمور الخارقة لعادة الخلق جميعاً، تلك العادة ـ كتسبيح الحصى ـ التي يجريها الله على يد نبيٍّ من أنبيائه لتكون دليل صدقٍ على نبوتهم، أو تأييداً لهم.

ولقد قلَّبتُ الأمر في هذا المصطلح الحادث، فلم أر أننا بحاجة إليه ما دام في تراثنا ما يغني عنه، ويدلُّ على المراد به دون مشكلات علمية.

والملاحظ أن من أحدث هذا المصطلح راح يُعرِّفه بتعريف خاصٍّ جدّاً ينطبق على ما يريد هو، دون الالتفات إلى تقرير العلماء السابقين في تعريف المعجزة، فصار نشازاً بعيداً عن مفهوم المعجزة كما عرفته القرون من قبلنا.

وإذا تأملت تعريفهم للإعجاز العلمي بالسُّنَّة النبوية؛ ظهر لك يقيناً أن مدلول مصطلح (دلائل النبوة) أصدق وأدقُّ من مدلول (الإعجاز).

ومن عرَّف الإعجاز العلمي يقول: «هو إخبار القرآن الكريم أو السُّنَّة بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يُظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فيما أخبر عن ربه سبحانه» . تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسُّنَّة الصادر عن هيئة الإعجاز العلمي برابطة العالم الإسلامي (ص: 14).

والذي يُظهِر صدق الرسول صلى الله عليه وسلم إما أن يكون من قبيل المعجزات، وإما أن يكون من قبيل الأحوال النبوية الدالة على صدقه، وإما أن يكون من قبيل الإخبار بالغيب الذي يقع تحقيقه في المستقبل، وهذه كلها دلائل نبوة.

ص: 160

• أما المعجزات فهي من الأمور الخارقة التي لا يقدر عليها الخلق البتة، لذا فهي مختصَّة بالله تعالى يظهرها على يد نبي من أنبيائه، أو يظهرها على يد وليٍّ من أوليائه تدلُّ على صدق النبي، وتكون مؤيدة له.

• وأما الأحوال النبوية، فإنها تدلُّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أشهر الأمثلة في تاريخ الرسالة خبر هرقل مع أبي سفيان، فهرقل قد استدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بالسؤال عن أحواله.

وفي الإصابة لابن حجر في ترجمة ملك عُمان، قال: «الجُلَنْدَى بضم أوله وفتح اللام وسكون النون وفتح الدال، ملك عمان ذكر وثيمة في الردة عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم: بعث إليه عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام، فقال: لقد دلني على هذا النبي الأمي: إنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يَغلِب فلا يبطر، ويُغلَب فلا يَهجُر، وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبيٌّ، ثم أنشد أبياتاً منها:

أتاني عمرو بالتي ليس بعدها

من الحق شيء والنصيح نصيح

فقلت له ما زدت أن جئت بالتي

جُلندى عُمان في عمان يصيح

فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة

ينادي بها في الواد بين فصيح

وسيأتي في ترجمة جيفر بن الجلندى في هذا الحرف أنه المرسل إليه عمرو فيحتمل أن يكون الأب وابنه كانا قد أرسل إليهما».

ومن تأمل أحوال من ادَّعى النبوة من الكَذَبَةِ عرف أهمية الأحوال النبوية في الدلالة على الصدق.

• وأما الإخبار بالغيب، فهو كثير في سُنَّته صلى الله عليه وسلم، وقد كتب العلماء في ذلك في كتبهم في الصحاح والسنن والمسانيد، ولبعضهم مؤلفات خاصة؛ ككتب (الفتن والملاحم)، وكتبوا ـ كذلك ـ في كتب (دلائل النبوة) وفي غيرها مما يتعلق بسيرته الشريفة؛ كتبوا كثيراً من أخبار الغيب

ص: 161

التي تنبَّأ بها، وقد وقع منها شيء كثيرٌ يدلُّ على صدقِه صلى الله عليه وسلم.

وأما النوع الذي ينحو إليه من يكتب في (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية) فحقيقةُ أغلبِه أنه إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر يطابق الواقع الذي كان بين يديه، وليس بأمر سيأتي بعده بعد حين.

ومن باب الفائدة أقول: إن كانت تفاصيل بعض ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم غير مدرَكة للصحابة ـ كما يرى من عرَّف الإعجاز العلمي ـ فإن هذا لم يؤخِّر الصحابة ومن جاء بعدهم عن العمل بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وإدراكُ ذلك ـ على سبيل التفصيل ـ بطرق بشرية بحتة توصِل إلى صدق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم = هو من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم بلا ريب، لكن لا يصلح أن يقال عنه: إنه (معجزة)، فهو لا يتناسب مع تعريف المعجزة التي عرَّفها به العلماء على اختلافهم في تعريفاتهم لها.

تنبيه:

إن مما لا يخفى أن قضية الإخبار بالغيب قد تحصل لغير النبيِّ، لكن الفرق بين النبي ومدَّعي النبوة أن أخبار الأول كلها صادقة، أما الثاني فالأصل في أخباره الكذب، ولا يصدق منها إلا القليل جدّاً، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن استراق الجنِّ لأخبار السماء، ولزيادتهم فيها حتى يكون الخبر الواحد معه مائة كذبة.

• ويمكن القول بأن تميُّز الرسول صلى الله عليه وسلم في المعجزات والأحوال تميزٌ تامٌّ، بخلاف الإخبار بالغيب، إذ قد يقع فيه مشاركة من جهة، لكن ـ كما سبق ـ شتان بين الإخبار النبوي عن الغيوب وإخبار الدجالين عنها.

أما أن يرد في أخباره صلى الله عليه وسلم خبر مجمل في قضية ما، ثم يأتي العِلمُ المعاصر مصدِّقاً لما قال، فهذا لا خلاف في وقوعه، بل هو الأصل عندنا نحن المسلمين؛ لأن كلام نبينا صلى الله عليه وسلم حقٌّ، لكن أين مجال السبق هنا؟

ص: 162

إن السبق يصحُّ لو كنا نحن الذين اكتشفنا بناءً على معطيات الخبر النبوي، ثم توصل الغرب أو الشرق إلى ما اكتشفناه، أما على أسلوب من يدَّعي الإعجاز في السُّنَّة النبوية، فلا يوجد سبق؛ لأن السبق في الكشف إنما هو لمن اكتشف، وليس لمن كان عنده الخبر ولا يدري ما تحته من التفاصيل (أعني: نحن المسلمين المعاصرين).

ومصطلح (السبق) الذي يقوم عليه الإعجاز العلمي بحاجة إلى إعادة نظر وتقويم؛ إذ لا حاجة لنا بأن نقول بالسبق، وإنما يكفي أن ندلَّ على أن ما اكتشفه المعاصرون بالتجربة والتحليل والتفصيل هو معلوم عندنا على سبيل الإجمال من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، وأننا مؤمنون بخبره، مطبِّقون له؛ سواءٌ علمنا هذه التفاصيل أو لم نعلمها، وما يزيدنا هذا الكشف الجديد إلا إيماناً وتسليماً.

ومن وجوه الصدق التي يحسن أن نعرفها أنه لا يوجد في سُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم ما يمكن أن يخالف الفطرة السوية والصحة البدنية والنفسية، فربُّنا سبحانه وتعالى قد يسَّر لنبينا صلى الله عليه وسلم أمور دينه ودنياه، فللَّه الحمد والمنة على أن جعلنا من أتباع هذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

* * *

ص: 163

المقالة السادسة

تعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه؟

ص: 165