المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقالة الثالثةالإعجاز العلمي - الإعجاز العلمي إلى أين

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المقالة الأولىالإعجاز العلمي في القرآن

- ‌المقالة الثانيةتقويم المفاهيم في مصطلح الإعجاز العلمي

- ‌حقيقة الإعجاز العلمي ومؤداه

- ‌المقالة الثالثةالإعجاز العلمي

- ‌المقالة الرابعةتصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي

- ‌الفصل الأولأهمية تفسير السلف وكيفية التعامل معه

- ‌المبحث الأولأهمية تفسير السلف

- ‌المبحث الثانيكيفية التعامل مع تفسير السلف

- ‌المبحث الثالثاحتمال الآية القرآنية للمعاني المتعددة

- ‌الفصل الثانيضوابط قبول التفسير المعاصر

- ‌الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحاً في ذاته:

- ‌الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث:

- ‌الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف:

- ‌الفصل الثالثاعتراضات على تفسير السلف

- ‌المبحث الأولوجود الخطأ في تفسير آحاد السلف

- ‌المبحث الثانيالإسرائيليات ومخالفتها للقضايا العلمية المعاصرة

- ‌المقالة الخامسةهل يصح أن ينسب الإعجاز للسُّنَّة

- ‌المقالة السادسةتعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه

- ‌المقالة السابعةمصطلح الإعجاز العلمي عند الطاهر بن عاشور

- ‌المقالة الثامنةالتفسير بالإعجاز العلمي قائم على الظنِّ والاحتمال، وليس على اليقين

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس الفوائد العلمية

- ‌مراجع البحث

- ‌الفوائد

الفصل: ‌المقالة الثالثةالإعجاز العلمي

‌المقالة الثالثة

الإعجاز العلمي

الحديث عن الإعجاز القرآني ـ فضلاً عما يُسمَّى بالإعجاز العلمي ـ ذو شجون.

لكن مما يحسن التنبيه عليه في بدء هذا الموضوع أن يعلم أن أهل التفسير ليسوا ضد المخترعات الحديثة والعلم التجريبي، ولكن الإشكالية بينهم وبين المعتنين بالإعجاز في الربط بين هذه المخترعات والمكتشفات وبين النصوص القرآنية، وطريقة ذلك، فهذا الربط فيه محاذير، من أهمها:

أن ما يتوصل إليه الباحثون عُرضة للنقض في حالة اكتشاف ما يناقضه، ولا يمكن لأحد من البشر أن يدَّعي العصمة لأحد من الناس إلا مَن عصمه الله.

لا سيما وأن كثيراً من المكتشفات التي تذكر في الإعجاز العلمي هي أمور غير محسوسة، وإنما هي مبنية على استنتاجات ودراسات الله أعلم بصحتها، إذ لا زالت الدراسات إلى اليوم تنقض ما كان يقال بأنه حقيقة لا رجعة فيه، وذلك معروف وواضح من قصور العلم البشري الذي يتطور شيئاً فشيئاً.

ولا يفهم من هذا أنني أدعو إلى عدم دراسة هذه الأمور المفيدة للناس في حياتهم الدنيا وإنما التحفظ على ربطها بالنصوص الشرعية والطريقة المتبعة في ذلك.

لكن لما كان الحديث منصبّاً على مسألة الإعجاز العلمي، فإني

ص: 97

سأطرح بعض القضايا المتعلقة به على سبيل الاختصار، فأقول:

1 -

إن الأصل أن تتفق الحقيقة الكونية مع النص القرآني لأن مصدرهما واحد، ولا يقع الاختلاف إلا في نظر الناظر، فقد يكون النقص في علمه، إما من جهة الحقيقة الكونية وإما من جهة الحقيقة القرآنية، وفي كلا الحالين لا يمس هذا النقص قدسية القرآن؛ لأن التفسير شيء، وثبوت النص القرآني كلاماً لله شيء آخر.

2 -

إن قُصارى الأمر في صحة دلالة النص القرآني على الحقيقة الكونية أنها دليل على صدق القرآن، وبهذا يكون مجال الإعجاز العلمي ومآله إلى هذا، وهو ـ في هذه الحيثية ـ لا يختلف عن الدلائل الأخرى التي تدلُّ على صدق القرآن أو النبوة.

فإذا ثبتت الموافقة قلنا: هذا دليل صدق القرآن وأنه جاء من عند الله وليس من قول البشر، وإذا صحَّت هذه الدعوى طالبنا الناس بالإيمان بها، لكن لا يلزم أنهم سيصدقون، فممن شهِد تنَزُّل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم كفر به، فما بالك بمن جاء بعده.

ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن دلائل صدق القرآن لا يمكن أن تحصر، فكل آية من آياته دليل على صدقه، فالجهل بالاستدلال بها اليوم من قِبَلِ بعض الناس لا يعني عدم وجودها، أو أنها لا توجد إلا في الإعجاز العلمي.

كما أن مما يحسن ملاحظته هنا أن ما يسمى بالإعجاز العلمي ليس مختصّاً بالقرآن وحده بل هو مخصوص بكلام الله سواءً أكان نازلاً على إبراهيم أم على موسى أم على محمد صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأن كلامه لا يتغير ولا يتبدل، فلا يمكن أن تجد في كتابٍ من كتبه أن السموات ستٌّ أو ثماني سموات، مع ملاحظة أن غير القرآن قد دخله التحريف والنقص، فقد لا يوجد فيه ما يوافق القرآن في بعض هذه القضايا بسبب التحريف، والله أعلم.

ص: 98

3 -

لا شكَّ أن الدعوة بالإعجاز العلمي هي أحد طرق الدعوة، وليس هو طريقها الوحيد في هذا العصر، بل ليس هو أنجعها وأنفعها، وكون بعضهم يزعم أن الإعجاز العلمي أهم الأسباب التي سوف تنقذ هذه الأمة من تخلفها وعجزها غير دقيق، بل إن الرجوع إلى كتاب ربنا والعمل بما فيه من الآيات التي تدعونا إلى عمارة الأرض والجد والاجتهاد فيما يعود على الإنسان وأمته والناس بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة هو الطريق الأمثل في هذا الموضوع.

وأيضاً، فإن طلب قيادة البشرية لا يكفي فيه العلم وحده، بل لا بد له من قوة تحميه، فإذا وُجِد العلم ولم توجد له قوة تحميه فإنه يهاجر إلى هذه القوة؛ كما هو الحال في هجرة كثير من علماء المسلمين وغيرهم إلى الدول التي تحميهم في كل المجالات.

ومما يحسن التنبه له في مجال بيان الحق للناس ودعوتهم إليه بالإعجاز العلمي= أن تصديق القرآن مرتبط بالاستعداد النفسي والتجرد للحق، فكم من العلماء الغربيين قد سمعوا ما يذكره الباحثون في الإعجاز ومع ذلك لم يُسْلِموا ولم تهتزَّ لهم شعرة.

4 -

إن بعض المعتنين بالإعجاز دخلوا في هذا المجال بسبب ردود الفعل؛ إما بما رأوا من تنقص بعض الملحدين للمسلمين ودينهم، وإما بسبب ما يَرَونَه من الهجمة الشرسة على الإسلام والدعوى بأنه دين جامد يحارب العلم، ولقد كان لرَدَّةِ الفعل هذه أثرٌ في طريقة تفكيرهم وتناولهم لتفسير الآيات تفسيراً يتناسب مع ما أُوتوه من علم بشري تجريبي أو كوني.

ولقد بلغ الحدُّ ببعضهم أن أعطى هذا الموضوع أكبر من حجمه حتى أصبح يدعو إلى وضع مادة مستقلة للإعجاز العلمي تدرس في المدارس لعامة الطلاب، وأن تخصص في الجامعات أقسام خاصة له،

ص: 99

بل وصل الأمر ببعضهم إلى انتقاص علماء الشريعة الذين لا معرفة لهم بالإعجاز العلمي.

ولو أن هذه العناية التي يدعو إليها هؤلاء صُرِفت إلى فهم كتاب الله وما فيه من حِكَمٍ ومقاصد أُنزل من أجلها، لكان في ذلك من الخير والنتائج أضعاف ما يحصل من العناية بالإعجاز العلمي.

5 -

إن الله قد بيَّن لنا المقاصد والغايات التي أنزل القرآن من أجلها، وقد بين لنا سبحانه الدلائل الواضحة والبينة على صدق هذا الكتاب وصدق هذا النبي صلى الله عليه وسلم من حين نزل القرآن، فلماذا نهمل كل هذه الأمور ونتَّجه إلى جزئية صغيرة اعتورها كثير من المحاذير، فالعدل والإنصاف يقتضي أن يعطى كل شيء قدره، وأن ينزل كل أمر في منزلته، وما لم نفعل فسوف نصرف جهودنا في أمورٍ غيرُها أولى منها، ونشتغل بما هو أدنى عما هو خير.

6 -

إن ما يقوم به المعتنون بالإعجاز، إما أن يكون بحثاً محضاً في العلوم الطبيعية، وإما أن يكون تفسيراً لكلام الله، فإن كان بحثهم في مجال تخصُّصهم فلهم أن يبينوا قدرة الله ولطفه في كونه لا يردُّهم في هذا الأمر أحدٌ، بل تلك طريقهم التي يحسن بهم أن يسلكوها ويدرِّسوا الطلاب على هذا السبيل لكي لا ينفك الطلاب عن النظر والتفكر في قدرة الخالق سبحانه وتعالى.

وإن كان بحثهم في مجال التفسير، فإن تفسير كلام الله عز وجل باب خطير لا يحق للإنسان أن يلجه إلا بعد أن يتأهل لذلك، وقد قرر العلماء أن من فسر القرآن بمجرد رأيه، فإنه يكون مخطئاً ولو أصاب في تفسيره، فكيف بمن يدخل في باب التفسير ببضاعة مزجاة ويتجرأ على تفسير كلام الله عز وجل ويتهجم على أهل التفسير الذين أفنوا أعمارهم في تعلُّم هذا العلم وتعلُّم أدواته، فللتفسير شروط وطرائق لا بدَّ من الإتيان بها

ص: 100

ومعرفتها، ومن نقص في معرفتها نقص في وصوله إلى التفسير الصحيح، وطرح هذه الأمور لا تحتمله مثل هذه المقالة (1)، لكن الملاحظ أنَّ كثيراً ممن دخل في هذا المجال لا يحسن منهج التفسير، ولست أقول ذلك من فراغ حين وصفتهم بالكثرة، بل هذا هو الواقع، والله المستعان.

7 -

إنَّه مما يظهر على بعض من يعتنون بالإعجاز فرحُهم بما أوتوه من العلم، حتى إنَّ بعضهم ليخطِّئ كل من سبقه، ويزعم أنهم لم يعرفوا تفسير الآية ولم يأتوا في معناها بما يُقنِع، وهذا الأمر يظهر عند بعضهم صريحاً، ويظهر عند بعضهم بلازم قوله، كمن يزعم (أنَّ الآيات الكونية لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً في إطار اللغة وحدها)، ولازم هذا الكلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفهم هذه الآيات، فضلاً عمن عاصره من الصحابة أو من جاء بعدهم، ولم تُفهم هذه الآيات حتى ظهرت هذه العلوم الكونية والتجريبية.

وظنِّي بكثيرٍ ممن صدر منه هذا الكلام حسنٌ جدّاً، وإنما أُتِي ودُخِلَ عليه هذا الفهم بسبب عدم فهمه لطبيعة التفسير ولمنهجه الصحيح، ولو علِمه لأثبت أن ما فهمه السالفون من الصحابة والتابعين وأتباعهم حقٌّ لا مرية فيه، وأنه لا يوجد آية لم يُفهم معناها وحُجِب حتى يأتي هو فيبيِّنها، وإنما الأمر أنه أضاف وجهاً آخر قد يكون صحيحاً في فهم الآية فحسب.

وكل من أتى على تفسير السالفين بالإبطال فليحذر، وليخش على نفسه أن يكون ممن فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ، وتنقَّصوا علم السالفين.

8 -

ليس سبيل هذه المقال سبيل الوعظ ولا سبيل إثبات سلامة فهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم للقرآن، لكن ألا يدل الدليل العقلي

(1) سيأتي في المقالة الرابعة شيء من ذلك.

ص: 101

على أنَّ من ألَّف كتاباً لطلابه فهم أدرى به من غيرهم ممن يجيء بعدهم، وأنه لو وقع اختلاف في الفهم بين طالب من طلاب الأستاذ ورجل جاء بعده بقرون فإن العقل يدلُّ على قبول قول الطالب وتقديمه لأنه أدرى بكتاب أستاذه وبملابساته.

وهذه الصورة شبيهة بحال من نزل القرآن بين ظهرانيهم، وتعلموا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلَّموا أتباعهم هذا الكتاب، فهم أدرى به وبملابساته من غيرهم، فلا يقع في ظنِّ أحدنا أنه فاتهم شيء من فهم هذا القرآن.

9 -

فإن قلت: ما ظهر لنا في هذا الزمان من تصديق لما في كتاب ربنا مما اكتشفه الباحثون في الأرض والسماء، كيف نعمل به مع ما ذكرتَ؟

فالجواب: إن ثبوت فهم السلف لجميع معاني القرآن لا يعني انتهاء هذا الفهم عندهم فقط، لكنه يعني أنه لم يبقَ عندهم ما يحتاجون إليه ولم يفهموه؛ هذا أولاً.

وثانياً: إنهم قد ظهر عندهم أفهام جديدة بسبب بعض الحوادث التي حدثت في عصرهم، ونزَّلوها على الآيات، وعملوا بها، فدل ذلك على أصل المسألة، وهو جواز إحداث قول جديد؛ لأن القول بغير ذلك يلزم منه وقوف التفسير، فأين تقف به؟ أتقف به على الصحابة، أم على التابعين، أم على أتباع التابعين، وما الحجة في ذلك، وأين تضع ما صح من تفسيرات للعلماء الذين جاءوا بعدهم؟

ثالثاً: إن ما صح دلالة القرآن عليه من قضايا العلوم المعاصرة لا يُعترضُ عليه بعدم معرفة السلف له، وإنما يُرفضُ لو كانوا عَلِموه فأبطلوه، أو عُلِمَ أنهم علِموه فتركوه، فتركهم مع علمهم به يدل على وجود إشكال في ذلك، وذلك ما لم يقع منهم.

ص: 102

رابعاً: إن تفسير القرآن بما صح واحتملته الآيات من هذه العلوم المعاصرة لا يدل على جهل السلف، بل ليس من باب الأدب أن يُنسبوا إلى ذلك؛ لأن المسألة لا تدخل من هذا الباب، بل هي تدخل في باب تطور العلم البشري، وليس يلزم أن يكون جمهور الصحابة يعلمون كل شيء كان في عصرهم فضلاً عما سيجيء بعدهم.

10 -

إن منهج التفسير الذي سار عليه العلماء، ونصَّ عليه بعضهم أنَّ القول الذي قيل بعد جيل السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعون وأتباعهم) يُقبل بضوابط، وهي: أن يكون القول صحيحاً في ذاته، وأن تحتمله الآية، وأن لا يكون في القول به إبطالٌ لتفسير السلف، وأن لا يُقتصر على هذا القول حتى لا يُفهم أن غيره غير صحيح، فإذا وافقَ قولٌ هذه الضوابط فهو قول يدخل في محتملات الآية، ولا يلزم أن يكون هو القول الصحيح الوحيد، والله أعلم.

11 -

إن بعض من كتب في الإعجاز العلمي وكذا بعض مجلَاّت الإعجاز العلمي يشترطون شروطاً صحيحة في ذاتها، لكنها قد تكون مطاطةً غير محددة، فيقع الإخلال بشيء منها عند بعض من يكتبون في الإعجاز العلمي من حيث يدري أو لا يدري، فأحدهم يفسر قوله تعالى:{قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ *ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [فصلت: 9 - 12] فيقول: «والاستواء الإلهي رمز للسيطرة الكلية، والقصد بإرادة الخلق والتكوين، والتسوية للكون بأرضه وسمائه

»، ويقول في موطن بعد هذا: «والدحو لغة: هو المد والبسط والإلقاء، وهو كناية عن الثورات

ص: 103

البركانية العنيفة التي أخرج بها ربنا سبحانه وتعالى من جوف الأرض كلاًّ من غلافها الغازي والمائي والصخري»، وقال في موطن آخر يتكلم فيه عن أيام الخلق الستة:«وإن كان غالبية المفسرين ترى خلاف ذلك لاعتبارهم يومي خلق الأرض داخلين في الأيام الأربعة لجعل الرواسي والمباركة وتقدير الأقوات، إلا أنهم مجمعون على أن حرف العطف «ثم» لا يدل هنا على الترتيب مع التراخي، لكنه يدل على بَعد عملية الاستواء والتسوية للسموات السبع من السماء الدخانية الأولى؛ لأن من معاني ثمَّ هنا أنها إشارة إلى البعيد بمعنى هناك في مقابل هنا للقريب

».

وقائل هذه التفسيرات من فضلاء من تكلم في الإعجاز العلمي، وهو قد ذكر شروطاً؛ منها:

1 -

أن الظاهر مقدم على التأويل، فمن أين ظهر له مفهوم الاستواء، ومفهوم الدحو الذي هو تأويل مجازي وليس حقيقة؟

2 -

أنه اشترط حسن فهم النص من القرآن الكريم وفق دلالات ألفاظ اللغة العربية، فأين وجد في اللغة أن الدحو بمعنى الإلقاء، وأين وجد فيها أن ثمَّ (بضم الثاء) بمعنى الإشارة إلى البعيد؟!

3 -

أنه اشترط البعد عن القضايا الغيبية، وهل ما يتحدث فيه من القضايا المشاهدة أم من القضايا الغيبية؟ فمن أين له أن الدحو هو الثورات البركانية العنيفة التي خرجت من جوف الأرض؟!

أليس هذا مخالفاً لما يشترطه؟

وأخيراً أقول:

إن صِدقَ كثيرين ممن ولج في هذا الباب لا يُنكر، وقيامهم بالدعوة إلى الله من هذا السبيل جهد يُذكر ويُشكر، لكن كتاب ربنا تبارك وتعالى أغلى وأعلى من أن نسمح لمن لا يحسن التفسير أن يجعل نفسه هو المبيِّن لكلام الله بما يخالف ما جاءت به الشريعة، أو أن نربط به

ص: 104

هذه العلوم المعاصرة من أجل أن نُثبت للعالم أننا نملك من العلم ما لم يصلوا إليه.

وإن كان هؤلاء جادِّين في هذه الدعوى، فإن الدعوة بالعلم إنما تكون بمثل ما سار عليه أهل الغرب والشرق فنجاريهم بالأبحاث والمكتشفات لا أن نقول لهم ما توصلتم إليه فإنه في كتابنا، وهذا يدل على صدقه فآمنوا، فإن هذه الدعوى لا يقبلها كثير من المفكرين من علماء الغرب، بل لقد كانت موضع الاستهجان من بعضهم، فقال: إذا كان هذا عندكم فلم لم تكتشفوه قبلنا؟!

وأقول: لا يأخذنا الحماس العاطفي لا يَمنة ولا يَسرة، وليكن بيننا أدب الخلاف، وأن نتعلم من بعضنا، وأن نتأمل قول من يعترض علينا، فقد يكون الحق معه ونحن لم نصل إلى ما علِمه، لكن لا بدَّ أن يكون لنا مرجعاً نرجع إليه حال الاختلاف، ومن ذلك ما اشترطه المعتنون بالإعجاز العلمي من شروط صحيحة.

ص: 105

المقالة الرابعة

تصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي

ص: 107