الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفعول معه
هذا هو النوع الخامس من المنصوبات التي ينصبها كل فعلٍ، وهو المفعول معه، والناظم لم يعرفه تعريفًا مصرحًا به، وإنما عرفه بالمثال، على عادته في الاتكال على الأمثلة فقال:
ينصب تالي الواو مفعولًا معه
…
في نحو سيري والطريق مسرعه
ومعنى ما قاله أنه ينتصب على المفعول معه كل اسم واقع بعد الواو المتصفة بمثل ما اتصفت به الواو في قولك: سيري والطريق، وهذه الواو في المثال لها وصفان:
أحدهما: أن ما بعدها صار معها في المعنى كالمجرور بمع، لأن المعنى بها وبمع واحد؛ لو قلت: سيري مع الطريق مسرعةً كان كمعنى: سيري والطريق مسرعة.
والثاني: أن صيرورة ما بعدها معها بمعنى مع من الواو نفسها، أي هي التي دلت على المعية، لا من أمرٍ خارج.
فالوصف الأول تحرز به من الواو التي تكون لمطلق الجمع؛ فإنها لا تعين مفهوم مع، فلم تكن مراده، كقولك: قام زيدٌ وعمرو.
والثاني تحرز به من المعطوف بالواو بعد ما يفهم المصاحبة كقولك: أشركت زيدًا وعمرًا، ومزجت الخل والعسل، وخلطت البر والشعير؛ فإن مفهوم مع ههنا حاصل مما قبل الواو، وهو أشركت، ومزجتُ وخلطتُ،
وكذلك ما أشبهه. وهذان الوصفان حاصلان في مثال الناظم، فلا بد من تقييد كلامه بهما. فينتظم إذًا من المجموع حد للمفعول معه، وهو أن يقال:"هو الاسم التالي واوًا تجعله بنفسها في المعنى كمجرور مع، وفي اللفظ كمنصوب معدى الهمزة". وهذا عين ما حده به في التسهيل. وقوله: "في نحو: سيري" متعلق بتالي أو بينصب، ومفعولًا معه حال من تالي، والعامل فيه ينصب، وإنما خص هذا المثال دون سائر ما يجوز فيه ذلك من المثل لكونه يتعين فيه النصب ولا يجوز العطف فمعنى مع في الواو فيه صريح، ويشمل مع ذلك كل ما يصح فيه ذلك المعنى، وإن كان يجوز فيه العطف، نحو: قام زيد وعمرًا، فلا يتوهم أنه أخرج مثل هذا عن حكم الباب، وإنما ذكره ليتعين معنى الواو فيحمل عليه ما يتحمله؛ لأن مراده أن ما كان معنى الواو فيه كمعناها هنا، ولفظ ما بعدها كلفظ ما بعدها هنا، فإنه يحكم له بحكمه كان ذلك المعنى معينًا فيه أو محتملًا له ولغيره. هذا الذي قصد بدليل كلامه في الباب. وهذا الكلام دال على أنه عنده- أعني المفعول معه- مقيس، لأنه سوغ هذا العمل، وأجاز أن يستعمل كل ما كان نحو مثاله، وكذلك في الأقسام الآتية، وحكى في الشرح الاقتصار فيه على السماع عن بعض النحويين، وصحح استعمال القياس فيه على الشروط المذكورة. وأصل حكاية الخلاف عن الأخفش؛ قال في قولهم (استوى الماء والخشبة): بعض الناس يقيس عليه، وبعضهم اقتصر على ما سمع ولا يقيس. قال الفارسي في التذكرة: "يقول من لم يقس أرى الواو حرفًا غير عامل، كما أن إلا حرف غير عامل فقد وصل الفعل بكل واحد منهما إلى ما بعده، فكما لا
يقاس على إلا غير الاستثناء كذلك لا يقاس في باب استوى الماء والخشبة إلا ما سمع" قال: "والذي يقيس يقول: إن الواو حرف قد أبدل من الباء في نحو والله وبالله، وقولك: الشاء شاة ودرهم، أي بدرهم فلما أشبه الباء في هذا، وقاربه في المعنى أيضًا جعله بمنزلة حرف الجر". قال أبو علي:"وأبو الحسن يذهب إلى أنه لا يقاس". وفيه أيضًا دلالةٌ على مسألة أخرى، وهي عدم اشتراط صحة العطف في هذا الباب؛ لأن تمثيله بقوله:"سيري والطريق" يعين؛ ذلك أنه لا يصح العطف في الطريق لفساد المعنى فكأنه قصد بتعيين ذلك المثال التنكيت على مدعي ذلك، فقد حكى ابن خروف عن ابن جني أن العرب لم تستعمل هذه الواو إلا في موضعٍ يصلح أن تقع فيه عاطفة. وهذا المعنى وقع له في الخصائص في باب شجاعة العربية، ورده بأن سيبويه قد أجاز أن تقول: أنت أعلم ومالك، وأكثر من ذلك، وأنشد لكعب بن جعيل:
فكان وإياها كحران لم يفق
…
عن الماء إذ لاقاه حتى تقددا
وقال في شرح التسهيل: "أنكر قوله ابن خروف، وهو بالإنكار حقيق؛ فإن العرب استعملت الواو بمعنى مع في مواضع لا يصلح فيها العطف، وفي مواضع يصلح فيها"، قال: "والمواضع التي لا يصلح فيها العطف على ضربين:
أحدهما: ترك العطف فيه لفظًا [ومعنى، والثاني: استعمل فيه العطف لمجرد اللفظ
…
فمن الأول قولهم: ] استوى الماء والخشبة، وما زلت
أسير النيل، وقوله:
* فكان وإياها كحران لم يفق *
ومن الثاني قولهم: أنت أعلم ومالك، أي: أنت أعلم مع مالك كيف تريده، والمال معطوف في اللفظ، ولا يجوز رفعه على القطع وإضمار الخبر؛ لأن المال لا يخبر عنه بأعلم، ثم ذكر باقي التقسيم. وما قاله صحيح. فالوجه ما أشار إليه من الجواز صلح ما بعد الواو للعطف أو لم يصلح.
بما في الفعل وشبهه سبق
…
ذا النصب لا بالواو في القول الأحق
تكلم في هذين الشطرين على مسألتين: إحداهما بالقصد، والأخرى أتى بها بحكم الانجرار. الأولى: أن النصب الحاصل في المفعول معه هو بما سبق في أول الكلام من الفعل أو ما أشبهه من اسم فاعل، أو مفعول، أو غيرهما، فإذا قلت: سررت والنيل، أو استوى الماء والخشبة، فالنصب في النيل، والخشبة بالفعل الذي هو سرت، واستوى، وكذلك قولك: الناقة متروكة وفصيلها، والماء مستوٍ والخشبة، وعرفت استواء الماء والخشبة، حكم هذا حكم قولك: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، واستوى الماء والخشبة. هذا إذا ظهر فعلٌ أو شبهه وإلا قدر فعلٌ أو شبهه كما في قولهم: مالك وزيدًا، فإنه على إضمار الملابسة وقولهم: ما أنت وزيدا، فإنه على تقدير: ما كنت وزيدًا كما سيأتي. والواو في
هذا كله للتعدية، وليست بعاملة وهو رأي سيبويه، والمحققين. قال سيبويه بعد ما ذكر أمثلة من الباب "والواو لم تغير المعنى، ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها" انتهى. وهو ظاهر؛ لأن الفعل وإن كان في الأصل غير متعد قد قوي بالتعدي بالواو فنصب كما تعدى الفعل غير المتعدي بالهمزة والتضعيف، نحو: أقمت زيدًا، وفرحته، ونظيره الاستثناء في تعدي ما قبل إلا لما بعدها بواسطة إلا في قولك: ما ضربت القوم إلا زيدًا، وجاء القوم إلا زيدًا، نصب الفعل زيدًا بوساطة إلا للمعنى الموجب لذلك، فلا نكير في توسط الواو لمعناها بين العامل والمعمول حتى يصل إليه.
والمذاهب المخالفة للناظم أربعةٌ:
أحدها: ما نبه عليه بقوله لا بالواو، وهو مذهب عبد القاهر الجرجاني: أن الواو هي الناصبة بنفسها.
والثاني: مذهب الزجاج: أن النصب بإضمار فعلٍ بعد الواو كأن التقدير إذا قلت: ما صنعت وأباك؟ ما صنعت ولابست أباك؟ وجاء البرد والطيالسة على معنى ولابس الطيالسة، ونحو ذلك:
والثالث: مذهب أهل الكوفة أن النصب بالمخالفة على حد ما ذهبوا إليه في
نصب الظرف إذا وقع خبرًا للمبتدأ، لأن ما بعد الواو لما لم يصلح أن يجري على ما قبلها كقام زيد وعمرو؛ لمخالفته له في المعنى انتصب على الخلاف.
والرابع: مذهب الأخفش أن نصب ما بعد الواو على حد نصب مع لو وقعت عوض الواو كما كانت غير في الاستثناء منصوبة نصب ما بعد إلا.
فأما المذهب الأول فرده في الشرح بأوجه ثلاثة:
أحدها: أنه لو كانت الواو هي الناصبة لم يشترط وجود الفعل أو شبهه قبلها، ولجاز أن يقال: كل رجلٍ وضيعته، ونحوه نصبًا، ولما لم يجز ذلك دل على أن الناصب غير الواو.
والثاني: أن حرفًا يعمل النصب، ولا يشبه الفعل كإن وأخواتها، أو يشبه ما أشبه الفعل كلا التبرئة، غير موجودٍ في كلامهم. والواو لا تشبه الفعل، ولا تشبه ما أشبهه، فدعوى العمل لها غير صحيح؛ إذ لا نظير لذلك أيضًا.
والثالث: أنه لو كان كما قال للزم اتصال الضمير إذا وقع مفعولًا معه، ولم يكن انفصاله إلا شاذًا نحو:
* تكون وإياها بها مثلًا بعدي *
ولا خلاف في وجوب الانفصال في مثل هذا.
وأما المذهب الثاني فرده السيرافي بأن الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يتصل به المفعول، فإن كان لا يحتاج في عمله فيه إلى وسيط، فلا معنى لدخول حرف بينهما، وإن كان يحتاج إلى وسيط عمل بتوسطه، نحو: ضربت زيدًا وعمرًا، فالواو توجب الشركة بينهما في: ضربت، ولم تمنع الواو من وقوع ضربت على ما بعدها وكذلك إلا في قولك: ما ضربت إلا زيدًا، تنصب زيدًا بضربت، وإن كان بينهما إلا؛ للمعنى الذي أوجب ذلك. وقال ابن الأنباري:"قد بينا أن الفعل قد تعلق بالمفعول معه بتوسط الواو، وأنه يفتقر في عمله إليها، فينبغي أن يعمل مع وجودها، فكيف يجعل ما هو سببٌ في وجود العمل سببًا في عدمه؟ ".
وأما المذهب الثالث فمردود بالعطف الذي يخالف بين المعنيين، نحو: ما قام زيدٌ لكن عمروٌ؛ فإن ما بعد لكن يخالف ما قبلها، وليس بمنصوب لزومًا عندنا وكذلك عندكم، فلو كان كما زعمتم لوجب ألا يكون ما بعدها معطوفًا عندكم؛ لمخالفته الأول، بل كان يجب النصب إذا حصلت المخالفة، فلما لم يكن الخلاف موجبًا للنصب مع لكن، وهو حرف يلزم أن يخالف ما بعده ما قبله فألا يكون موجبًا مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفًا لما قبلها أحق وأولى. وكذلك يبطل بلا، وبل إذا قلت: قام زيدٌ لا عمروٌ، وما قام زيد بل عمروٌ، ونحو ذلك.
وأما المذهب الرابع فضعيفٌ جدًا؛ لأن مع إذا وقعت موقع الواو يجب لها النصب على الظرفية، ولا يصح القول بأن نصب الخشبة في: استوى الماء والخشبة على الظرفية، وما ذكر في غير مع إلا لا يطرد إذا كان سِوى وسُوى وسواء في الاستثناء منصوبة على الظرفية عند سيبويه وجماعة، وهي واقعة موقع ما بعد إلا، وكذلك ما خلا وما عدا هما في تقدير المصدر الموضوع موضع الحال، أي مجاوزتهم زيدًا، كرجع عوده على بدئه، وليس ما بعد إلا كذلك. فالصواب ما ذهب إليه الناظم.
المسألة الثانية: أنه أشار إلى أن الفعل في هذا الباب إنما يعمل متقدمًا، ولا يعمل متأخرًا ولا متوسطًا، لأنه قال:"بما من الفعل وشبهه سبق، يعني بسبقه لما قبل الواو وما بعدها، وذلك: جاء البرد والطيالسة، فلو لم يسبق لكان المفهوم من الكلام أنه لا يعمل، ومحصول ذلك عدم جواز تقدم المفعول معه على الفعل والمصاحب معًا، أو على المصاحب وحده، لأن السبق في كلامه مطلق كأنه قال بما سبق في أول الكلام ذا النصب، فلا يقال على هذا: والطيالسة جاء البرد، ولا: جاء والطيالسة البرد. أما منع التقديم للمفعوا معه فمتفق عليه حكى ذلك في التسهيل. وأما منع التوسط بين الفعل والمصاحب فحكى فيه المنع أيضًا خلافًا لابن جني، فإنه قال عنه: إنه أشار في الخصائص إلى جواز التوسط، وأنك تقول: جاء والطيالسة البرد، فإن كان ابن مالك يشير إلى ما ذكر في باب التقديم والتأخير من ترجمة شجاعة العربية من قوله فيه: "ولكنه يجوز: جاء
والطيالسة البرد، كما يجوز: ضربت وزيدًا عمرًا" فهذا لا دليل فيه على ما قال، بل كلامه يدل على امتناعه إلا في الشعر، ومن طالع كلامه هنالك وجده كما ذكرته، وإن كان يشير إلى موضع آخر في الخصائص فلا أعرفه، وإن كان فقد تناقض في كلامه، فالله أعلم بصحة هذا النقل عن الخصائص. فإن ثبت لابن جني أو غيره، فالصحيح المنع، وهو المفهوم من كلامه هنا. والحجة للجواز قد ذكرها في الشرح وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه قد جاز ذلك في العاطفة فليجز فيها؛ لأنها محمولة عليها. هذا
من جهة القياس.
والثاني: أنه قد سمع ذلك كبيت الفزاري من أبيات الحماسة:
أكنيه حين أناديه لأكرمه
…
ولا ألقبه والسوءة اللقبا
فقوله: والسوأة مفعول معه مقدم على المصاحب، وقول الآخر:
جمعت وفحشًا غيبة ونميمة
…
ثلاث خصالٍ لست عنها بمرعوي
ثم رد الأول بأن العاطفة أقوى وأوسع مجالًا، فجعل لها مزية بتجويز التقديم؛ لأن المعطوف بالواو تابع، نسبة العامل إليه كنسبة المتبوع، فلم يكن في تقديمه محذور، بل كان فيه إبداء مزية للقوي على الأضعف، فلو شرك بينهما في الجواز خفيت المزية، وأيضًا فإن الواو هنا وإن أشبهت العاطفة لها شبه بالهمزة يقتضي لزومها مكانًا واحدًا كما لزمت الهمزة مكانًا واحدًا. ثم رد الثاني بإمكان جعل البيتين من باب تقديم المعطوف على المعطوف عليه، فالأول على تقدير: ولا ألقبه اللقب وأسوءه السوأة، من باب.
* فزجحن الحواجب والعيونا *
والثاني ظاهر. (هذا ما يقال). والحق أنه لو صح ما قاله لوجد كثيرًا في الكلام فلما لم يوجد لم يصح القول به، وأما الاحتجاج بالقياس فإن فيه مقالًا لمن تأمله. والله أعلم. ثم قال:
وبعد ما استفهام أو كيف نصب
…
بفعل كونٍ مضمرٍ بعض العرب
والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق
…
والنصب مختارٌ لدى ضعف النسق
والنصب إن لم يجز العطف يجب
…
أو اعتقد إضمار عاملٍ تصب
هذا الفصل يذكر فيه أوجه الإعراب فيما بعد الواو؛ من النصب على المفعول معه، أو العطف على ما قبلها. وجملة الأوجه المتصورة ثلاثة تتفرع إلى خمسة أوجه. أحدها: وجوب النصب. والثاني: وجوب العطف. والثالث: جواز الوجهين؛ وهو على ثلاثة أوجه: ما يختار فيه النصب، وما يختار فيه الرفع، وما يتساوى فيه الأمران. وكل هذه الأوجه تخرج من كلام الناظم إلا الخامس فإنه لم يأت به.
فأما وجوب النصب على المفعول معه، فحيث لا يتصور العطف، وذلك قولك: ما زلت أسير والنيل، واستوى الماء والخشبة، وسرت الطريق؛ إذ لو عطف هنا لكان على التشريك في العامل، والتشريك هنا ممتنع؛ ولا يجوز:
سرت وسار النيل، ولا استوت الخشبة والماء، فلا بد في هذا من النصب مفعولًا معه. وذلك منصوص عليه بقوله:"والنصب إن لم يجز العطف يجب".
وأما وجوب العطف فحيث لا يمكن إلا هو، نحو: كل رجلٍ وضيعته، وأنت وشأنك وأنت أعلم ومالك؛ إذ لم يتقدم فعل ولا ما يشبه الفعل، ولا ناصب هنا إلا ذلك فامتنع النصب. ويؤخذ هذا للناظم من قوة كلامه؛ لأنه قال:"والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحق" إلى آخره. فجعل الأحق فيما يجوز فيه الوجهان: النصب والعطف، هو العطف إن أمكن بلا ضعفٍ، وإن أمكن بضعفٍ فالنصب أحق، وإن لم يكن العطف فالنصب وحده واجبٌ، فاقتضى أن النصب إن لم يكن فالعطف واجبٌ، لأنه لم يتقدم ما يعمل فيه النصب، ولا هو موضع يحتمل تقدير الفعل، قال سيبويه لما مثل هذا النحو:"فكله رفع لا يجوز فيه النصب؛ لأنك إنما تريد أن تخبر بالحال التي فيها المحدث عنه في حال حديثك، فقلت: أنت الآن كذلك، ولم ترد أن تجعل ذلك فيما مضى ولا فيما تستقبل، وليس موضعًا يستعمل فيه الفعل". يعني كما استعمل في: ما أنت وزيدًا؟ فجاز النصب، فهذا ليس كذلك. وعلى هذا جمهور النحويين. وأجاز الصميري النصب ظهر الخبر أو لم يظهر، والذي صححوا رأي الجمهور فإن كلام العرب عليه، والقياس يعضده كما تقدم. وقد جاء في الحديث ما يعضد قول الصميري، وهو قول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي وأنا وإياه في لحاف". وفي الحديث: "أبشروا فوالله لأنا وكثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته"، بنصب كثرة، ذكره الشلويين عاضدًا به ما ذهب إليه الصميري، وأصل الاستدلال لابن خروف، لكنه استدل بذلك على جوازه مع ظهور الخبر، قال: وبعض العرب ينصب إذا كان معه خبر، وهو قليل لأنه يتوهم الفعل ومعنى مع" ثم أتى بالحديثين، ولكن المؤلف لم يرتض ذلك المذهب فقال: "من ادعى جواز النصب [
…
] على تقدير: كل رجل كائن وضيعته فقد ادعى ما لم يقله عربي، فلا التفات إليه، ولا تعريج عليه" وإنما قال ذلك حيث لا يظهر الخبر، وأما مع ظهوره فقد أجاز النصب نادرًا كابن خروف، فيحتمل أن يكون مذهبه هنا مذهب الجمهور في التزام الرفع مطلقًا؛ إذ لا يتأتى النصب، وإن ظهر الخبر إلا على استكراه يتأتى مثله فيما لم يظهر فيه الخبر، ولذلك قال ابن خروف بعد ما ذكر الشاهد: "والنصب ضعيف لعدم العامل"، ويرشح ذلك أنه لو كان النصب جائزًا عنده لأتى به مع مسألةٍ ما وكيف كما في التسهيل، إذ قال: "وربما نصب بفعل مقدر بعد ما، أو
كيف، أو زمنٍ مضافٍ أو قبل خبرٍ ظاهر" إلا أنه لم يفعل ذلك فدل على أنه داخل في وجوب الرفع.
وأما اختيار النصب فحيث يضعف العطف، نحو قولك: مالك وزيدًا؟ وما شأنك وعمرًا، وأنشد في الكتاب:
فمالك والتلدد حول نجدٍ
…
وقد غصت تهامة بالرجال
وأنشد أيضًا:
وما لكم والفرط لا تقربونه
…
وقد خلته أدنى مرد لعاقل
وهذا الوجه منصوص عليه بقوله: "والنصب مختار لدى ضعف النسق" لأن العطف هنا على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، أو الضمير المرفوع من غير فصل ضعيف. ومن النحويين من يجعل هذا القسم مما يلزم فيه النصب. وهو بناء على منع العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض.
والناظم قد أجاز ذلك في باب العطف فلا بد من البناء على ما ذهب إليه. ومن هذا القسم أيضًا قولهم: كنت وعمرًا كالأخوين، وما صنعت وأباك؟ وأنشد سيبويه:
فكان وإياها كحران لم يفق
…
من الماء إذ لاقاه حتى تقددًا
وهذا أيضًا مبني على جواز العطف على الضمير المرفوع المتصل من غير فصل، وهو جائز على ضعفٍ عند الناظم كالضمير المخفوض، وبيان ذلك كله في باب العطف.
وأما اختيار العطف فحيث يتأتى من غير ضعفٍ، ولكن الفعل غير موجود، ويمكن تقديره لكون الموضع مما يستعمل فيه الفعل نحو: ما أنت وزيد؟ وكيف أنت وقصعة من ثريد؟ وما شأنك وشأن زيد. وأنشد سيبويه للمخبل:
يا زبرقان أخا بني خلف
…
ما أنت ويب أبيك والفخر
وأنشد أيضًا قول الآخر:
وأنت امرؤ من أهل نجدٍ وأهلنا
…
تهامٍ، وما النجدي والمتغور
وأنشد أيضًا:
وكنت هناك أنت كريم قومٍ
…
وما القيسي بعدك والفخار
وإنما كان العطف هنا أولى؛ لأنه لم يتقدم فعل [يعمل] فيما بعد الواو، والمعنى: ما أنت وما عبد الله؟ إذ كنت تريد أن تحقر أمره، وكيف أنت وعبد الله؟ سؤال عن شأنهما، كأنك قلت: وكيف عبد الله؟ فصارت الواو بمعنى مع كهي لمجرد التشريك لكون العطف على الابتداء مثل: أنت وشأنك، لكن جاز النصب ضعيفًا؛ لكون الفعل يستعمل هاهنا كثيرًا، قال سيبويه:"وزعموا أن ناسًا يقولون: كيف أنت وزيدًا، وما أنت وزيدًا. وهو قليل في كلامهم" ثم علل بمعنى ما تقدم، وأنشد من ذلك:
فما أنا والسر في متلفٍ
…
يبرح بالذكر الضابط
وأنشد أيضًا:
أتوعدني بقومك يا ابن حجل
…
أشاباتٍ يخالون العبادا
بما جمعت من حضن وعمرو
…
وما حضن وعمرو والجيادا
وهذا الوجه منصوص عليه بقوله: "والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحق".
ويدخل تحته أيضًا قولك: ما شأن عبد الله وزيدٍ؟ وما لزيدٍ وعبد الله؟ قال سيبويه: "وسمعنا بعض العرب يقول: ما شأن عبد الله والعرب يشتمها" لأن العطف هاهنا ممكن بلا ضعف من حيث صار المجرور ظاهرًا، وإنما ضعف في الوجه الآخر العطف لكون المعطوف عليه مضمرًا، فقد زال الضعف، فصار العطف أولى.
وأما استواء الأمرين ففي نحو: ما صنعت أنت وأباك؟ وأبوك، هما جائزان على السواء؛ إذ هما مختاران، قال سيبويه [في]: ما صنعت وأباك؟ : "ويدل على أن الاسم ليس على الفعل- يعني ليس مشركًا مع الفاعل- في: ما صنعت فيرتفع بالعطف- قبح: أقعد وأخوك، حتى يقال: أنت، فإذا قلت: ما صنعت أنت، ولو تركت هي، فأنت بالخيار" يعني في العطف والنصب. وهذا مذهب الجمهور. والذي يؤخذ من كلام الناظم هنا اختيار العطف؛ من قوله: "والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحق"، لأن هذا المثال يمكن فيه العطف بلا ضعفٍ؛ لأن توكيد الضمير المتصل قد حصل. فيبقى أربعة مأخوذة من كلامه، ويظهر أن الخامس خالف فيه الناس هنا. ومن حجته في ذلك أن العطف هو الأصل، لإيثارهم المشاكلة بين ما قبل العاطف وما بعده، وفي سائر الأبواب، وإذا كان كذلك فالحمل على الأصل أولى، فلا يتساوى الوجهان إذًا، هذا مع أن العطف يحتمل من المعنى ما في النصب، إذ قولك: قام زيد وعمرو محتمل للمعية، والملابسة في القيام، وهو معنى: قام زيدٌ وعمرًا.
فإن قيل: النصب هو المطابق لقصد المعية، ألا ترى أن العطف لا يقتضي
التباسًا بينهما بلا بديل، بل يمكن أن يسأل عن صنع كل واحد منهما على انفراده من غير أن يكون ملتبسًا بصنع الثاني، فالنصب قد يكون على هذا أولى، لأنه المطابق، والعطف أيضًا هو المطابق لقصد التشريك، وإذا تعارض القصدان لاقتضاء كل واحد منهما رجحان وجهٍ حصل من المجموع جواز الوجهين على السواء، كما استوى الوجهان في باب الاشتغال في: زيدٌ ضربت وعمرو كلمته حسب ما تقدم فكذلك هنا.
فالجواب: أن قصد مجرد التشريك هنا يقتضي العطف حتمًا، فلا يجوز معه النصب، وقصد الالتباس والمعية لا يقتضي النصب حتمًا، بل يجوز العطف على ذلك القصد، فإذًا للعطف في الباب مزية ليست للنصب، فكان العطف أولى كما قال الناظم، مع أن كلام سيبويه ليس بنص في مخالفته، بل يجوز أن يكون تخييره بين الوجهين يريد به أن كل واحد منهما سائغ ليس بقبيح كما كان قبيحًا قبل أن [يؤكد، ويبقى] ترجيح أحد الوجهين على الآخر غير معترض له في كلامه. والله أعلم. فإذا تقرر هذا فلنرجع إلى تنزيل ألفاظه على ما ذكر، فقوله:"وبعد ما استفهامٍ أو كيف نصب"
…
إلى آخره، يعني أن بعض العرب ينصب ما بعد الواو وإن لم يتقدم فعل ولا ما أشبهه إذا تقدم ما الاستفهامية أو كيف، ولا تكون إلا أداة استفهام، فتقول: ما أنت وزيدًا؟ وكيف أنت وقصعةً من ثريد؟ وقد تقدمت الأمثلة.
وفي قوله: "بعض العرب" نص على أنه لا يقول بالنصب جميعهم، وإنما هو مسموعٌ من بعضهم، وكأنه أراد حكاية ما حكى سيبويه إذ قال: "وزعموا أن ناسًا
يقولون: كيف أنت وزيدًا؟ وما أنت وزيدًا؟ وهو قليل في كلام العرب" ولابد [على هذا] من عامل هو كان أو يكون، لأن هذا الوضع مما يستعمل الفعل فيه كثيرًا، فنصبوا على معناه، وحضور الدلالة عليه، وذلك أداة الاستفهام.
وقوله: "بفعل كونٍ مضمرٍ يدل على طلب الموضع لكان، وهذا المجرور معلق بنصبوا، أي: نصبوا ذلك بفعل مضمرٍ من أفعال الكون؛ لأن الكون مع الاستفهام مفهوم، وهو مما يستعمل فيه من غير أن ينقص معنى الكلام. وفي هذا إشارة إلى مسألةٍ، وذلك أن سيبويه قدر الفعل الموضوع من الكون ماضيًا مع ما، ومضارعًا مع كيف، فقال: "كأنه قال: كيف تكون وقصعةً من ثريد؟ وما كنت وزيدًا؟ " فرد عليه المبرد، وقال: يصلح في كل واحدٍ منهما الماضي والمستقبل نحو: ما يكون وزيدًا؟ وما كنت وزيدًا؟ وكيف يكون وزيدًا؟ وكيف كنت وزيدًا؟ قال ابن خروف: "وتابعه الأستاذ- يعني ابن طاهر الخدب- وقال: إنما قدر مع ما الماضي، ومع كيف المستقبل لكثرة ذلك في الكلام، ولا يمتنع في القياس العكس كما قال المبرد إلا أن الاستعمال ورد على ما ذكره سيبويه فيوقف عنده" قال ابن خروف:"ونعم ما قال" وزعم ابن ولاد: أن ما قال سيبويه لازم، واعتل لذلك بأن (ما) قد دخلها معنى التحقير والإنكار، وليست سؤالًا عن مسألةٍ مجهولة ولا ينكر إلا ما ثبت واستقر". قال:"ولو كنت هنا لمجرد الاستفهام لجاز فيها الماضي، والمضارع". قال ابن
خروف: "وهذه الحجة كانت ممكنة في ما وحدها لولا ما ورد الإنكار في المستقبل، من ذلك قوله:
* فما أنا والسير في متلفٍ؟ ! *
فهذا إنكار في شيء لم يقع.
قال: "ولا تتجه هذه العلة أيضًا في كيف". قال ابن الضائع: يكفي في تخصيص سيبويه أنه الأكثر، وكأن كيف في مثل هذا إنما تستعمل في عرض الأمر على الشخص، والذي يليق به فعل المضارعة الذي يحتمل الحال والاستقبال، والأكثر في الإنكار أن يكون فيما مضى، وإنما يكون في المستقبل إذا عزم عليه فكأنك إنما تنكر الذي قد ثبت من العزم، وإذا قلت: ما أنت وزيدٌ فقد يكون على أن تحقره، وقد يكون على أن تعظمه، وقد يكون على أن تسأل عن شأنهما، أي عرفني شأنكما". وقال في السيرافي:"إن سيبويه لم يذهب إلى هذا الاختصاص بالقصد، بحيث قصد تخصيص (ما) بالماضي، وكيف بالمستقبل، إنما مثل على ما يمكن، والتمثيل ليس بحد لا يتجاوز". فهذا كما ترى اضطراب كثير، والأقرب فيه ما قال السيرافي؛ فلذلك اختاره الناظم، فإنه قال:"بفعل كون" هكذا مطلقًا، أي ليس بمقيد ماضٍ دون غيره لا في ما ولا في كيف. وأما قوله:"مضمرٍ" فنعت للفعل لا لكونٍ.
وقوله: "والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحق" يعني أن العطف متى أمكن أن يحمل عليه الكلام من غير ضعفٍ يقع فيه بسببه فهو أثبت؛ لأنه الأصل، والرجوع إلى الأصل أولى من غيره، نحو: ما شأن عبد الله وزيدٍ؟ وما لزيدٍ
والعرب؟ لأن العطف هنا على الظاهر، فلا محذور، ولا ضعف، وكذلك قوله: كنت أنا وزيد كالأخوين، يجوز هنا العطف على الضمير المتصل جوازًا حسنًا من أجل الفصل بالتوكيد، ولأن المعنى عليه في هذه الأمثلة غير متكلف، فرجح العطف إذًا، فإن كان ضعفٌ لازمٌ عن العطف فالنصب أحسن؛ ليسلم من الضعف، وهو معنى قوله:"والنصب مختار لدى ضعف النسق". والضعف على وجهين:
ضعف من جهة اللفظ، وضعف من جهة المعنى، وإن كان اللفظ قويًا.
فأما الأول فنحو: ما صنعت وأباك، وما شأنك وعمرًا، ونحو ذلك مما مر؛ إذ العطف على الضمير المتصل إذا كان مرفوعًا أو مجرورًا ضعيف كما سيأتي إن شاء الله.
وأما الثاني فأن يكون العطف يؤدي إلى تكلف معنوي نحو: لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، فالعطف هنا من جهة اللفظ سهل إلا أنه متكلف المعنى؛ إذ كان المعنى: لو تركت الناقة لولدها أو لو تركت مع ولدها لرضعها، ولو عطفت لكان المعنى: لو تركت الناقة ترأم ولدها وترك ولدها لرضعها، وهذا تكلف وكذلك ما أنشده سيبويه:
فكونوا أنتم وبني أبيكم
…
مكان الكليتين من الطحال
فالمعنى: كونوا لهم على هذه الصفة، فهم المخاطبون وحدهم دون بني أبيهم والعطف يعطي معنى كونوا لهم وليكونوا لكم، وهو خارجٌ عن المقصود. وكذلك قول الآخر أنشده في الشرح:
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئٍ
…
فدعه وواكل أمره واللياليا
فالمعنى: واكل أمره إلى الليالي، فلو عطفت لتكلفت أن يكون المعنى: واكل أمره إلى الليالي، وواكل الليالي إلى انقلاب أمره، أو ما أشبه ذلك، وذلك ضعيف؛ فكان النصب المختار.
قوله: "إن يمكن" ضعف من جهة العربية. وقد تقدم مثله، وله من ذلك مواضع أخر سيأتي التنبيه عليها إن شاء الله.
وفي قوله: "وبعد ما استفهام
…
" إلى آخره. سؤال وهو ما يظهر فيه من عدم الفائدة لدخوله تحت قوله: "والعطف إن يمكن بلا ضعفٍ أحف"؛ لأن قولك: ما أنت وزيدٌ، وكيف أنت وزيدٌ قد أمكن فيه العطف بلا ضعفٍ مع أنه الأصل، والنصب ضعيف؛ لكونه على إضمار، وهو خلاف الأصل، فما الفائدة في النص عليه؟ .
والجواب أن يقال: ليس داخلًا تحت ما بعده، لأن ضعف النصب [فيه] ليس لأجل تكلف الإضمار؛ لرجحان الإضمار فيما ضعف فيه العطف نحو: مالك وزيدًا؟ وقد نص عليه.
فإن قيل: إنما ترجح الإضمار هنا لأجل معارضة ضعف العطف، ولولا هو لكان ضعيفًا.
فالجواب: أنه لو كان كذلك لكان العطف أولى من حيث هو الأصل؛ إذ العطف والنصب معًا ضعيفان، فكان يكون العطف راجحًا، لأنه الأصل حملًا على أحسن الأقبحين، أو كانا يكونان متساويين لتكافئ الضعفين، فلما لم يكن
ذلك علمنا أن الإضمار لا يكون سببًا لضعف النصب قويًا، وإذا كان كذلك لم يصلح أن يدخل تحت قوله:"والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق". وإن سلمنا ذلك فإنما نص عليه لأنه لو سكت عنه لتوهم أنه داخل في قسم المنع من النصب مطلقًا؛ إذ لم يتقدم فعلٌ ولا ما يشبهه، وقد قال: إن المفعول معه ينتصب بما تقدمه من الفعل أو ما يشبه الفعل، فيظن أنه من باب: أنت أعلم ومالك، وكل رجلٍ وضيعته، فلما نص عليه ارتفع هذا الإيهام، واضطر إلى تقدير ناصبٍ له، وهو الملابسة المفهومة من الكلام، فإن المعنى مالك وملابستك زيدًا أو ملابسةٌ زيدًا، وكذا: وتلابس زيدًا حسب ما ذكروه في وجه تقدير هذا العامل، ولم يتعرض الناظم لتقديره فلم نتعرض له. وأيضًا فلتجريد هذه المسألة مما بعدها فائدتان.
إحداهما: تعيين جهة السماع، وأن طائفة من العرب اختصت بالنصب مع ما وكيف إما لزومًا وإما جوازًا، وليس كل العرب يفعل ذلك، وهو ظاهر سيبويه في الحكاية عنهم؛ إذ قال؛ "وزعموا أن ناسًا" ولم يطلق جواز النصب على ضعفٍ على جميع اللغات فتحرى الناظم في النقل.
والثانية: تعيين وجه النصب، وأنه على إضمار كونٍ لا غيره، وأن ذلك الكون مطلق لا مقيد.
أما أنه مطلق لا مقيد فقد مر وجهه.
وأما أن الإضمار مختص بالكون، فإن الإضمار في هذا الباب على ضربين:
إضمار كونٍ، وإضمار ملابسةٍ، فإضمار الكون في نحو: ما أنت وزيدًا؟ وكيف أنت وزيدًا؟ وإضمار الملابسة في نحو: مالك وزيدًا؟ وما شأنك وعمرًا؟ كذا قدره سيبويه، وإن كان الناس قد تكلموا في ذلك. وقد سوى في التسهيل بين التقديرين في: ما أنت وزيدًا؟ ونحوه، فخير بينهما، وله وجه يشير إليه كلام ابن الضائع في شرح الجمل، وهو ظاهر صاحب الجمل، لكن يمكن أن يكون الناظم قصد ما تقدم فلا اعتراض عليه.
ثم قال: "والنصب إن لم يجز العطف يجب
…
" إلى آخره، يعني: أن العطف إذا لم يجز مع هذه الواو التي بمعنى مع فلك وجهان سواءٌ: أحدهما: النصب على المفعول معه. والثاني: إضمار عامل لما بعد الواو، فأما الأول فكقولك: سرت والنيل، وسيري والطريق. وأما الثاني: فنحو قول الله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} فشركاءكم منصوب بإضمار فعل على أنه مفعول به تقديره: وأحضروا شركاءكم، وقد يكون منصوبًا على المفعول معه أي: أجمعوا مع شركائكم أمركم، وفي القرآن:{والذين تبوؤا الدار والإيمان} يصح عند بعضهم فيها الوجهان، وأما نحو:
يا ليت زوجك قد غدا
…
متقلدًا سيفًا ورمحًا
ونحوه فلا يصح فيه إلا الإضمار، وظاهر هذا الكلام التخيير بين الوجهين مطلقًا
في كل مسألة لا يسوغ فيها العطف، وذلك غير صحيح، بل ما بعد الواو إذا لم يمكن عطفه على ثلاثة أقسام:
قسم يتعين فيه النصب على المعية كمثاله المذكور أولًا: سيري والطريق، وما كان من بابه، فمثل هذا لم يحمله أحدٌ علمته على الإضمار، ولا يصح من جهة المعنى.
وقسم يتعين فيه الإضمار، ولا يحمل على المفعول معه؛ إذ لا يسوغ وضع مع موضع الواو نحو:
يا ليت زوجك قد غدا
…
متقلدًا سيفًا ورمحًا
وقوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا
…
حتى شتت همالةً عيناها
وسيأتي بيان ذلك في باب العطف إن شاء الله.
وقسم يجوز فيه الأمران، وهو ما ذكره؛ إذ يسوغ في الاثنين عند الناظم الوجهان، فأنت ترى هذه الأقسام وتباين أحكامها مع أن كلامه يعطي بظاهره
فيها حكمًا واحدًا، وليس له في الباب ما يزيل هذا الإشكال، ويمكن أن يعتذر عن هذا بأن يقال: لعله لم يرد تسويغ الوجهين في الأقسام كلها بل قصد أنها على هذين الوجهين يخرج حكمها إذا أمكن ذلك، ولا شك أنها في ذلك الإمكان على الأقسام الثلاثة فاتكل على فهم الناظر في كلامه، وتنزيله المسائل عليه؛ إذ قصد الاختصار، وله من هذا القبيل مواضع يأتي فيها بالقاعدة مجملة؛ لأنه يمكن تفصيلها بالتهدي إليها، وهو وجه من وجوه التدريب. والله أعلم.