المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: الثَّانِى، خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فى الْعَقْدِ خِيَارَ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: الثَّانِى، خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فى الْعَقْدِ خِيَارَ

‌فَصْلٌ:

الثَّانِى، خِيَارُ الشَّرْطِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِطَا فى الْعَقْدِ خِيَارَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، فيَثْبُتُ فِيهَا وَإِنْ طَالَتْ.

ــ

العِنايَةِ». فعلى القَوْلِ بالسُّقُوطِ، لو أسْقَطَ أحدُهما الخِيارَ، أو قال: لا خِيارَ بينَنا، سقَط خِيارُه وحْدَه وبَقِىَ خِيارُ صاحِبهِ. وعلى المذهبِ، لا يبْطُلُ العَقْدُ إذا شَرَطا فيه أَنْ لا خِيارَ بينَهما. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو الأظْهَرُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقيل: يبْطُلُ العَقْدُ.

فائدة: لو قال لصاحِبهِ: اخْتَرْ. سقَط خِيارُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يسْقُطُ. وهو احْتِمال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وأمَّا السَّاكِتُ، فلا يسْقُطُ خِيارُه، قوْلًا واحِدًا.

فائدة: قوْلُه فى خِيارِ الشَّرْطِ: فيثْبُتَ فيها وإنْ طالَتْ. هذا بلا نِزاعٍ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ، فلو باعَه ما لا يبْقَى إلى ثَلاثَةِ أيَّامٍ، كطَعام رَطْبٍ بشَرْطِ الخِيارِ ثَلاثًا، فقال القاضى: يصِحُّ الخِيارُ، ويُباعُ ويُحْفَظُ ثَمَنُه إلى المُدَّةِ. قلتُ: لو قيلَ بعدَمِ الصِّحَّةِ لَكانَ مُتَّجَهًا، وهو أوْلَى. ثم رأَيْتُ الزَّرْكَشِىَّ نقَل عن الشَّيْخِ

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِىِّ الدِّينِ، أنَّه قال: يتَوَجهُ عدَمُ الصِّحَّةِ مِن وَجْهٍ فى الإِجارَةِ؛ أى مِن وَجْهِ عدَمِ صِحِّةِ اشْتِراطِ الخِيارِ فى إجارَةٍ تَلِى العَقْدَ. قال: ومِن أنَّ تَلَفَ المَبِيعِ يُبْطِلُ الخِيارَ. انتهى.

ص: 285

وَلَا يَجُوزُ مَجْهُولًا، فى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ، وَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا، إِلَى أن يَقْطَعَاهُ أَوْ تَنْتَهِىَ مُدَّتُهُ.

ــ

قوله: ولا يجُوزُ مَجْهُولًا فى ظاهرِ المذهبِ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجُوزُ، وهما على خِيارِهما إلَّا أَنْ يقْطَعاه، أو تَنْتَهِىَ مُدَّتُه. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» .

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه لو شرَطَه إلى الحَصادِ أوِ الجَدادِ، أنَّه لا يجُوزُ؛ لأنَّه مَجْهولٌ. وهو إحْدَى الرِّوايتَيْن، والمذهبُ منهما، وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الوَجيزِ» ، وظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» . وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ هنا وإنْ منَعْنا فى المَجْهولِ؛ لأنَّه مَعْروفٌ فى العادَةِ، ولا يتفاوَتُ كثيرًا. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه». وقدَّمه فى «الفائقِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَهما المُصَنِّفُ فى هذا الكتابِ فى بابِ السَّلَمِ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، إذا شرَط الخِيارَ مُدَّةً، على أَنْ يثْبُتَ يَوْمًا ولا يثْبُتَ يوْمًا،

ص: 288

وَلَا يَثْبُتُ إِلَّا فى الْبَيْعِ، وَالصُّلْحُ بِمَعْنَاهُ، وَالإِجَارَةُ فى الذِّمَّةِ، أَوْ عَلَى مُدَّةٍ لَا تَلِى الْعَقْدَ.

ــ

فقيلَ: يصِحُّ مُطْلَقًا. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وقيل: لا يصِحُّ مُطْلَقًا. وهو احْتِمالٌ فى «المُغْنِى» . وقيل: يصِحُّ فى اليَوْمِ الأَوَّلِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» . وقدَّمه فى «الفائقِ» . وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، لو شرَط خِيارَ الشَّرْطِ حِيلَةً؛ ليَرْبَحَ فيما أقْرَضَه، لم يَجُزْ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قلتُ: وأكثرُ النَّاسِ يسْتَعْمِلُونه فى هذه الأزْمِنَةِ، ويَتَداوَلُونَه فيما بينَهم، فلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ.

قوله: ولا يثْبُتُ إلَّا فى البَيْعِ، والصُّلْحُ بمَعْناه. بلا نِزاعٍ.

تنبيهات؛ الأَوَّلُ، مفْهومُ قولِه: ويثْبُتُ فى الإِجارَةِ فى الذِّمَّةِ، أو على مُدَّةٍ لا

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَلِى العَقْدَ. أنَّها لو وَلِيَتِ العَقْدَ، لا يثْبُتُ فيها. وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «التَّلْخيصِ»: وهو أقْيَسُ. صحَّحه فى «النَّظْمِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يثْبُت. قالَه القاضى فى كتابِ الإِجارَةِ مِنَ «الجامعِ الصَّغِيرِ» . قال فى «الفائقِ» : اخْتارَه شيْخُنا، وهو المُخْتارُ. انتهى. وأطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . الثَّانى، قوْلُه: ويثْبُتُ فى الإِجارَةِ فى الذِّمَّةِ. هكذا قال الأصحابُ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : قلتُ: إنْ لم يجِبِ الشُّروعُ فيه عَقِيبَ العَقْدِ. الثَّالثُ، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ خِيارَ الشَّرْطِ لا يثْبُتُ إلَّا فيما ذكَرَه؛ وهو البَيْعُ، والصُّلْحُ بمَعْناه، والإِجارَةُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وهو المذهبُ إلَّا فى القِسْمَةِ؛ فإنَّه يثْبُتُ فيها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» .

ص: 290

وَإِنْ شَرَطَاهُ إِلَى الْغَدِ، لَمْ يَدْخُلْ فى الْمُدَّةِ. وَعَنْهُ، يَدْخُلُ.

ــ

وقطَع به القاضى فى «التَّعْلِيقِ» . وقدَّمه المجدُ فى «شَرْحِه» . وقال ابنُ عَقِيلٍ: يثْبُتُ إن كان فيها رَدُّ عِوَضٍ، وإلَّا فلا. وقال القاضى فى «المُجَرَّدِ»: ولا يدْخُلُ القِسْمَةَ خِيارٌ إن قُلْنا: هى إفْرازٌ. كما قال فى خِيارِ المَجْلِس. وقدَّم فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، أنَّه يثْبُتُ فى الحَوالَةِ. انتهى. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: يثْبُتُ فى الضَّمانِ والكَفالَةِ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ الجَوْزِىِّ. وفى طَريقَةِ بعضِ الأصحابِ، يُثْبِتُ خِيارَ الشَّرْطِ كلُّ ما يَثْبُتُ به خِيارُ المَجْلسِ. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، فقال: خِيارُ الشَّرْط يثْبُتُ فيما يثْبُتُ فيه خِيارُ المَجْلسِ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يجوزُ خِيارُ الشَّرْطِ فى كلِّ العُقودِ.

قوله: وإن شَرَطاه إلى الغَدِ، لم يدْخُلْ فى المُدَّةِ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يدْخُلُ. قال فى «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: وإنْ قال: بِعْتُكَ وَلِىَ

ص: 291

وَإِنْ شَرَطَاهُ مُدَّةً، فَابْتِدَاؤُهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ.

ــ

الخِيارُ إلى الغَدِ. فله أَنْ يفْسَخَ إلى أن يبْقَى مِنَ الغَدِ أدْنَى جُزْءٍ. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» .

قوله: وإنْ شَرَطاهُ مُدَّةً، فابْتِداوها مِن حينِ العَقْدِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ

ص: 292

وَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مِنْ حِينِ التَّفَرُّقِ.

ــ

الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. ويحْتَمِلُ أن يكونَ مِن حينِ التَّفَرُّقِ. وهو وَجْهٌ. وجزَم به في «نِهايَةِ ابنَ رَزِينٍ» ، و «نَظْمِها» ، وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الحاويَين» .

فائدة: فلو قُلْنا: مِن حينِ العَقْدِ. فصَرَّحا باشْتِراطِه مِن حينِ التَّفَرُّقِ، أو بالعَكْسِ، ففي صِحَّةِ ذلك وَجْهانِ؛ أظْهَرُهما، بُطْلانُه في القِسْمِ الأوَّلِ، وصِحَّتُه

ص: 293

وَإنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِغَيرِهِ، جَازَ، وَكَانَ تَوْكِيلًا لَهُ فِيهِ.

ــ

في الثَّانِي. قاله في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. وقال في «الرِّعايَةِ»: قلتُ: إنْ عُلِمَ وَقْتُ التَّفَرُّقِ، فهو أوَّلُ خِيارِ الشَّرْطِ، وإنْ جُهِلَ، فمِنَ العَقْدِ، ولا يصِحُّ شَرْطُ عكْسِها إلَّا أنْ يصِحَّ.

قوله: وإنْ شرَط الخِيارَ لغيرِه، جازَ، وكان تَوْكِيلًا له فيه، وإنْ شرَطا الخِيارَ لأحَدِهما دونَ صاحِبِه، جازَ. يجوزُ أن يشْرُطا الخِيارَ لهما ولأحَدِهما ولغيرِهما، لكِنْ إذا شرَطَه لغيرِه، فتارَةً يقولُ: له الخِيارُ دُونِي. وتارةً يقولُ: الخِيارُ لي وله. وتارةً يَجْعَلُ الخِيارَ له، ويُطْلِقُ؛ فإنْ قال: له الخِيارُ دُونِي. فالصَّحيحُ مِنَ

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، أنه لا يصِحُّ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْم» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ صِحَّتُه. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. فعلى هذا، هل يخْتَصُّ الحُكْمُ بالوَكيلِ، أو يكون له وللمُوَكِّلِ، ويُلْغَى قوْلُه: دُونِي؟ ترَدَّدَ شيخُنا في «حَواشِيه» . قال في «الفُروعِ» : قلتُ: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، أنَّه يكونُ للوَكيلِ وللمُوَكِّلِ، فإنَّهما قالا، بعدَ ذِكْرِ المسائلِ كلِّها: فعلى هذا، يكونُ الفَسْخُ لكُلِّ واحدٍ مِنَ المُشْتَرِطِ ووَكيلِه الذي شرَط له الخِيارَ. وإنْ قال: الخِيارُ لِي ولَه. صحَّ قوْلًا واحدًا. وإنْ جعَل الخِيارَ له وأطْلَقَ، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الحاوي الكَبيرِ». قال في «الفائقِ»: وقال الشَّيخُ وغيرُه: صَحيحٌ. وهو ظاهرُ ما جزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وصحَّحَه في «تَصْحيح المُحَرَّرِ». وقيل: لا يصِحُّ. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» . وجزَم به في «الكافِي» . وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعَ» ، و «الفائقِ» .

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وكان تَوْكِيلًا له فيه. حيثُ صحَّحْناه يكونُ خِيارُ الفَسْخِ له ولمُوَكِّلِه، فلا يَنْفَرِدُ به الوَكيلُ. وقطَع به الأكثرُ. قال في «الفُروعِ»: ويكونُ تَوْكِيلًا لأحَدِهما في الفَسْخِ. وقيل: للمُوَكِّلِ إنْ شرَطَه لنَفْسِه، وجعَلَه وَكِيلًا. انتهى. وهي عِبارَةٌ مُشْكِلَةٌ، والخِلافُ هنا لا يأْتِي فيما يظْهَرُ؛ فإنَّا حيثُ جعَلْناه وَكيلًا، لا بُدَّ أنْ يكونَ في شيءٍ يسُوغُ له فِعْلُه، وقولُه: ويكونُ تَوْكِيلًا لأحَدِهما في الفَسْخِ. لعَلَّه أرادَ لكلٍّ منهما، يعْنِي، في المَسْألتَين الأخِيرتَين، وهو مُشْكِل أيضًا. ولشَيخِنا على هذا كلامٌ كثيرٌ في «حَواشِيه» ، لم يثْبُتْ فيه على شيءٍ.

فائدة: أمّا خِيارُ المَجْلِسِ، فيَخْتَصُّ الوَكِيلَ؛ لأنّه الحاضِرُ، فإنْ حضَر المُوَكِّلُ في المَجْلِسِ، وحجَر على الوَكيلِ في الخِيارِ، رَجعَتْ حَقِيقَةُ الخِيارِ إلى المُوَكِّلِ، في أظْهَرِ الاحْتِمالين. قاله في «التَّلْخيصِ» . وجزَم به في «الفُروعِ»

ص: 296

وَإنْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِأحَدِهِمَا دونَ صَاحِبِهِ، جَازَ.

ــ

في بابِ الوَكَالةِ. ويأْتِي هناك شيءٌ يتَعلَّقُ بهذا.

ص: 297

وَلِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ الْفَسْخُ مِنْ غَيرِ حُضُورِ صَاحِبِهِ، وَلَا رِضَاهُ. وَإنْ مَضَتِ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَفْسَخَا، بَطَلَ خِيَارُهُمَا،

ــ

قوله: ولمَن له الخِيارُ الفَسْخُ مِن غيرِ حُضُورِ صاحِبِه ولا رِضاه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وأطْلَقُوا. قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: هو ظاهرُ كلامِ الأصحابِ. ونقَل أبو طالِبٍ، له الفَسْخُ برَدِّ الثَّمَنِ. وجزَم به الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، كالشَّفِيعِ. قلتُ: وهذا الصَّوابُ الذي لا يُعْدَلُ عنه، خُصوصًا في زَمَنِنا هذا، وقد كَثُرَتِ الحِيَلُ. ويحْتَمِلُ أنْ يُحْمَلَ كلامُ مَن أطْلَقَ على ذلك. وخرَّج أبو الخَطَّابِ، ومَن تَبِعَه مِن عَزْلِ الوَكيلِ، أنَّه لا يُفْسَخُ في غَيبَتِه حتى يبْلُغَه في المُدَّةِ. قال في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ والسِّتين»: وفيه نظَرٌ، فإنَّ من له الخِيارُ يتَصَرَّفُ بالفَسْخِ.

قوله: وإنْ مَضَتِ المُدَّةُ ولم يفْسَخَاه، بطَل خِيارُهما. يعْنِي، ولَزِمَ البَيعُ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: لا يَلْزَمُ بمُضِيِّ

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُدَّةِ. اخْتارَه القاضي؛ لأنّ مُدَّةَ الخِيارِ ضُرِبَتْ لحَقٍّ له، لا لحَقٍّ عليه، فلم

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَلْزَمِ الحُكْمُ بمُضِي المُدَّةِ، كمُضِيِّ الأجَلِ في حَقِّ المُولِي. فعلى هذا، ينْبَغِي

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن يُقال: إذا مضَتِ المُدَّةُ يُؤْمَرُ بالفَسْخِ، فإِنْ لم يَفْعَلْ، فسَخ عليه الحاكِمُ. كما قُلْنا في المُولِي على ما يأْتِي.

ص: 301

وَيَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ، في أَظْهَرِ الرِّوَايَتَينِ.

ــ

قوله: وينْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِي بنَفْسِ العَقْدِ في أَظْهَرِ الرِّوايتَين. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. وهذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: وهي المذهبُ الذي عليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم: هذا ظاهرُ المذهبِ. قال في «المُحَرَّرِ» : هذا أشْهَرُ الرِّوايتَين. قال في «الفائقِ» : هذا أصحُّ الرِّوايتَين. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وإذا ثبَت المِلْكُ في المَبِيعِ للمُشْتَرِي، ثبَت في الثَّمَنِ للبائِعِ. انتهى. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا ينْتَقِلُ المِلْكُ عنِ

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البائِعِ حتى ينْقَضِيَ الخِيارُ. فعليها، يكونُ المِلْكُ للبائِع. وفي «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، ومِنَ الأصحابِ مَن حكَى أنَّ المِلْكَ يخْرُجُ عنِ البائِعِ، ولا يدْخُلُ إلى المُشْتَرِي. قال: وهو ضعيفٌ.

فائدة: حُكْمُ انْتِقالِ المِلْكِ في خِيارِ المَجْلِسِ حُكْمُ انْتِقالِه في خِيارِ الشَّرْطِ، خِلافًا ومَذهَبًا.

تنبيه: لهذا الخِلافِ فَوائِدُ كثيرةٌ، ذكَرَها العَلَّامَةُ ابنُ رَجَبٍ في «قَواعِدِه» وغيرُه. منها، لو اشْتَرَى مَن يعْتِقُ عليه، أو زَوْجَتَه، فعلى المذهبِ، يعْتِقُ وينْفَسِخُ نِكاحُها، وعلى الثَّانِيَةِ، لا يثْبُتُ ذلك. ومنها، لو حلَف لا يبِيعُ، فَباعَ بشَرْطِ الخِيارِ، خُرِّجَ على الخِلافِ. قدَّمه في «القَواعِدِ». وقال: ذكَرَه القاضي. وأنْكَرَ المَجْدُ ذلك، وقال: يحْنَثُ على الرِّوايتَين. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأمَّا الأخْذُ بالشُّفْعَةِ، فلا يثْبُتُ في مُدَّةِ الخِيارِ، على كِلا الرِّوايتَين، عندَ أكثرِ الأصحابِ، ونصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبَلٍ؛ فمنهم مَن علَّلَ بأنَّ المِلْكَ لم يسْتَقِرَّ بعدُ،

ص: 303

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنهم مَن علَّلَ بأنَّ الأخْذَ بالشُّفْعَةِ يُسْقِطُ حَقَّ البائِعِ مِنَ الخِيارِ، فلذلك لم تجُزِ المُطالبَةُ به في مُدَّتِه. وهو تَعْلِيلُ القاضي في «خِلافِه» . فعلى هذا، لو كان الخِيارُ للمُشْتَرِي وحدَه ثبَتَتِ الشُّفْعَةُ. وذكَر أبو الخَطَّابِ احْتِمالًا بثُبوتِ الشُّفْعَةِ مُطْلَقًا، إذا قُلْنا بانْتِقالِ المِلْكِ إلى المُشْتَرِي. قال في «الفُروعِ»: تفْرِيعًا على المذهبِ. قال أبو الخَطَّابِ وغيرُه: ويأْخُذُ بالشُّفْعَةِ. ويأْتِي ذلك في آخِرِ الشُّفْعَةِ، في أوَّلِ الفَصْلِ الأخيرِ مِن كلامِ المُصَنِّفِ. ومنها، لو باعَ أحَدُ الشَّريكَين

ص: 304

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شِقْصًا بشَرْطِ الخِيارِ، فباعَ الشَّفيعُ حِصَّتَه في مُدَّةِ الخِيارِ، فعلى المذهب، يسْتَحِقُّ المُشْتَرِي الأوَّلُ انْتِزاعَ شِقْصِ الشَّفِيعِ مِن يَدِ مُشْتَرِيه؛ لأَنَّه شَرِيكُ الشَّفيعِ حالةَ بَيعِه. وعلى الثَّانيةِ، يَسْتَحِقُّ البائعُ الأوَّلُ؛ لأنَّ المِلْكَ باقٍ له. ومنها، لو باعَ عَبْدًا بشَرْطِ الخِيارِ، وأهَلَّ هِلالُ الفِطْرِ وهو في مُدَّةِ الخِيارِ، فعلى المذهبِ، الفِطْرَةُ على المُشْترِي. وعلى الثَّانيةِ، على البائِعِ. ومنها، لو باعَ نِصابًا مِنَ الماشِيَةِ بشَرْطِ الخِيارِ حَوْلًا، فعلى المذهبِ، زَكاتُه على المُشْتَرِي. وعلى الثَّانيةِ، على البائِعِ. ومنها، الكَسْبُ والنَّماءُ المُنْفَصِلُ في مُدَّتِه، فعلى المذهبِ، هو للمُشْتَرِي، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. أمْضَيا العَقْدَ أو فَسَخاه. وعنه، إنْ فسَخ أحَدُهما، فالنَّماءُ المُنْفَصِلُ للبائِعِ. وعنه، وكَسْبُه. وعلى الثَّانيَةِ للبائِعِ. وقيل: هما للمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَه. وستَأْتِي هذه المَسْأَلةُ في كلامِ المُصَنِّفِ. ومنها، مُؤْنَةُ المَبِيعِ مِنَ الحَيوانِ والعَبِيدِ، فعلى المذهبِ، على المُشْتَرِي. وعلى الثَّانيةِ، على البائِعِ. على ما يَأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ. ومنها، لو تَلِفَ المَبِيعُ في مُدَّةِ الخِيارِ، فإنْ كان بعدَ

ص: 305

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القَبْضِ أو لم يَكُنْ منهما، فمِن مالِ المُشْتَرِي على المذهبِ، ومِن مالِ البائِعِ على الثَّانيةِ. ومنها، لو تعَيَّبَ في مُدَّةِ الخيارِ، فعلى المذهبِ، لا يُرَدُّ بذلك إلَّا أنْ يكونَ غيرَ مَضْمُونٍ على المشْتَرِى؛ لانْتِفاءِ القَبْضِ. وعلى الثَّانيةِ، له الرَّدُّ بكُلِّ حالٍ. ومنها، لو باعَ المُلْتَقِطُ اللُّقَطَةَ بعدَ الحَوْلِ، بشَرْطِ الخِيارِ، ثم جاءَ رَبُّها في مُدَّةِ الخِيارِ، فإن قُلْنا: لم ينْتَقِلِ المِلْكُ. فالرَّدُّ واجِبٌ، وإنْ قُلْنا بانْتِقالِه، فوَجْهان. جزَم في «الكافِي» بالوُجُوبِ. قلتُ: ويتَوَجَّهُ عدَمُ الوُجُوبِ، وتكونُ له القِيمَةُ أو المِثْلُ. ومنها، لو باعَ مُحِلٌّ صَيدًا بشَرْطِ الخِيارِ، ثم أحْرَمَ في مُدَّتِه؛ فإنْ قُلْنا بانْتِقالِ المِلْكِ عنه، فليس له الفَسْخُ؛ لأنَّه ابْتِداءُ مِلْكٍ على الصَّيدِ، وهو مَمْنوعٌ منه، وإنْ قُلْنا: لم ينتَقِلِ المِلْكُ عنه. فله ذلك، ثم إنْ كان في يَدِه المُشاهَدَةِ أرْسَلَه، وإلَّا فلا. ومنها، لو باعَتِ الزَّوْجَةُ الصَّداقَ قبلَ الدُّخُولِ، بشَرْطِ الخِيارِ، ثم طَلّقَها الزَّوْجُ؛ فإنْ قُلْنا: انْتَقَلَ المِلْكُ عنها، ففي لُزومِ اسْتِرْدادِها وَجْهان. قلتُ: الأَوْلَى عدَمُ لزُومِ اسْتِرْدادِها. وإنْ قُلْنا: لم يَزَلْ فيها. اسْتَردَّه، وَجْهًا واحدًا. ومنها، لو باعَ أمَةً بشَرْطِ الخِيارِ، ثم فُسِخَ البَيعُ، وجَب على البائِعِ الاسْتِبْراءُ، على المذهبِ. وعلى الثّانيةِ، لا يَلْزَمُه؛ لبَقاءِ المِلْك. ومنها، لو اشْتَرى أمَةً بشَرْطِ الخِيارِ، واسْتَبْرَأها في مُدَّتِه؛ فإنْ قُلْنا: المِلْكُ لم يَنْتَقِلْ إليه. لم يَكْفِه ذلك الاسْتِبْراءُ، وإنْ قُلْنا بانْتِقالِه، فقال في «الهِدايَةِ» ، و «المُغْنِي» ، وغيرِهما: يَكْفِي. وذكَر في «التَّرْغيبِ» ، و «المُحَرَّرِ» وَجْهَين لعدَمِ اسْتِقْرارِ المِلْكِ.

ص: 306

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها، التَّصَرُّفُ في مُدَّةِ الخِيارِ والوَطْءُ. ويأْتِيان في كلامِ المُصَنِّفِ قرِيبًا.

فائدة: الحَمْلُ وَقْتَ العَقْدِ مَبِيعٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: قال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: إنْ قُلْنا: للحَمْلِ حُكْمٌ، فهو داخِلٌ في العَقدِ، ويأْخُذُ قِسْطًا مِنَ العِوَضِ، وإنْ قُلْنا: لا حُكْمَ له. لم يأْخُذْ قِسْطًا، وكان، بعدَ وَضْعِه، حُكْمُه حُكْمَ النَّماءِ المُنْفَصِلِ. فلو رُدَّتِ العَينُ بعَيبٍ، فإنْ قُلْنا: له حُكْمٌ. رُدَّ مع الأصْلِ، وإلَّا (1) كان حُكْمُه حُكْمَ النَّماءِ. قال: وقياسُ المذهبِ، يَقْتَضِي أنَّ حُكْمَه حُكْمُ الأجْزاء، لا حُكْمُ الوَلَدِ المُنْفَصِلِ، فيَجِبُ رَدُّه معَ العَينِ، وإنْ قُلْنا: لا حُكْمَ له. وهو أصحُّ. انتهى. وذكَر في أوَّلِ «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والثَّمانِين» ، أنَّ القاضِيَ، وابنَ عَقِيل، وغيرَهما، قالوا: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ له حُكْمًا. انتهى. وعنه، الحَمْلُ نَماءٌ، فتُرَدُّ الأُمُّ بعَيبٍ بالثَّمَنِ كلِّه. قطَع به في «الوَسِيلَةِ» ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . فعلى المذهبِ، هل هو كأحَدِ عَينَين، أو تَبَعٌ للأُمِّ لا حُكْمَ له؟ فيه رِوايَتان. ذكرَهما في «المُنْتخَبِ» في الصَّداقِ. وقد تقدَّم كلامُ ابنِ رَجَبٍ. وقال القاضي في «المُجَرَّدِ» ، في أثْناءِ الفَلَسِ: وإنْ كانتْ حِينَ البَيعِ حامِلًا، ثم أفْلَسَ المُشْتَرِي، فله الرُّجُوعُ فيها وفي

(1) في الأصل، ط:«وإن» ، وانظر القواعد الفقهية 199.

ص: 307

فَمَا حَصَلَ مِنْ كَسْبٍ، أوْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ، فَهُوَ لَهُ، أَمْضَيَا الْعَقْدَ، أوْ فَسَخَاهُ.

ــ

وَلَدِها؛ لأنَّها إذا كانتْ حامِلًا حينَ البَيعِ، فقد باعَ عَينَين، وقد رجَع فيهما.

قوله: فما حصَل مِن كَسْبٍ، أو نَماءٍ مُنْفَصِلٍ، فهو له، أمْضَيا العَقْدَ أو فَسَخاه. هذا مَبْنِيٌّ على المذهبِ؛ وهو أنَّه يَنْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُشْتَرِي. وهذا المذهبُ، وعليه الأصْحابُ. وجزَم به في «القَواعِدِ» وغيرِها وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، إنْ فسَخ أحدُهما، فالنَّماءُ المُنْفَصِلُ للبائِعِ. وعنه، والكَسْبُ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّنيةِ، يكونُ للبائعِ. وقيل: هما للمُشْتَرِي إنْ ضَمِنَه. وتقدَّم ذلك في «الفَوائدِ» . وقال في «القاعِدَةِ الثَّانيَةِ والثَّمانِين» : لو فُسِخَ البَيعُ في مُدَّةِ الخِيارِ، وكان له نَماءٌ مُنْفَصِلٌ، فخرَّج في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» وَجْهَين، كالفَسْخِ بالعَيبِ. وذكَر القاضي في «خِلافِه» ، وابنُ عَقِيلٍ في «عُمَدِه» ، أنَّ الفَسْخَ بالخِيارِ فَسْخ للعَقْدِ مِن أصْلِه؛ لأنَّه لم يَرْضَ فيه

ص: 308

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بلُزومِ البَيعِ، بخِلافِ الفَسْخِ بالعَيبِ ونحوه. فعلى هذا، يرْجِعُ بالنَّماءِ المُنْفَصِلِ في الخِيارِ، بخِلافِ العَيبِ. انتهى. ويأْتِي في خِيارِ العَيبِ، هلِ الحَمْلُ والطَّلْعُ، والحَبُّ يَصِيرُ زَرْعًا، زِيادَةٌ مُتَّصِلَةٌ، أو مُنْفَصِلَةٌ؟

ص: 309

وَلَيسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ في الْمَبِيعِ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، إلا بِمَا يَحْصُلُ بِهِ تَجْرِبَةُ الْمَبِيعِ. وَإنْ تَصَرَّفَا بِبَيعٍ، أَوْ هِبَةٍ، وَنحْوهِمَا،

ــ

قوله: وليس لواحِدٍ منهما التَّصَرُّفُ في المَبيعِ في مُدَّةِ الخِيارِ إلَّا بما يَحْصُلُ به تَجْرِبَةُ المَبِيعِ، وإنْ تصَرَّفا ببَيعٍ أو هِبَةٍ ونحوهما، لم ينْفُذْ تصَرُّفُهما. اعلمْ أنَّ

ص: 310

لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُمَا.

ــ

تصَرُّفَ المُشْتَرِي والبائِعِ في مُدَّةِ الخِيارِ مُحَرَّمٌ عليهما، سواءٌ كان الخِيارُ لهما، أو لأحَدِهما، أو لغيرِهما. قاله كثيرٌ مِنَ الأصحابِ، وقطَع به جماعةٌ. قال في «الفُروعِ»: وفي طَريقَةِ بعضِ الأصحاب، للمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ، ويكونُ رِضًى منه بلُزومِه. وقال في «القَواعِدِ»: والمَنْصُوصُ عن أحمدَ في رِوايَةِ أبي طالِبٍ، أنَّ للمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فيه بالاسْتِقْلالِ، على القَوْلِ بأنَّ المِلْكَ ينْتَقِلُ إليه. وهو

ص: 311

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، يجُوزُ التَّصَرُّفُ للبائِعِ وحدَه؛ لأنَّه مالِكٌ، ويملِكُ الفَسْخَ. انتهى. فعلى الأوَّلِ، إنْ تصَرَّفَ المُشْتَرِي؛ فتارَةً يكونُ الخِيارُ له وحدَه، وتارَةً يكونُ غيرَ ذلك؛ فإنْ كان الخيارُ له وحدَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، نُفوذُ تَصَرُّفِه. قال في «الفُروعِ»: نفَذ على الأصحِّ. وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ». وقال: ذكَره أبو بَكْرٍ، والقاضي، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: وقا لَه أبو الخَطَّاب في «الانْتِصارِ» . وعنه، لا ينْفُذُ تصَرُّفُه. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبي مُوسى، واحْتِمالٌ في «التَّلْخيصِ» . وإنْ لم يَكُنِ الخِيارُ له وحدَه وتصَرَّفَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يَنْفُذُ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وصحَّحاه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وعنه، يَنْفُذُ تصَرُّفُه. وعنه، تصرُّفُه مَوْقُوفٌ. ذكَرَها ابنُ أبي مُوسى فمَن بعدَه. وجزَم به في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ والخَمْسِين» ، فقال: تَصَرُّفُ المُشْتَرِي في مُدَّةِ الخِيارِ له وللبائِعِ، المَنْصُوصُ عن أحمدَ، أنَّه مَوْقُوفٌ على إمْضاءِ البَيعِ. وكذلك ذكَرَه أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي في «خِلافِه». انتهى. وقال بعضُ الأصحابِ في طَريقَتِه: وإذا قُلْنا بالمِلْكِ، قُلْنا بانْتِقالِ الثَّمَنِ إلى البائِعِ. قال في «الفُروعِ»: وقاله غيرُه.

ص: 312

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ هذا الخِلافِ، إذا كان تصَرُّفُه مع غيرِ البائِعِ، فأمَّا إنْ تَصَرَّفَ مع البائِعِ، فالصَّحيحُ أنَّه يَنْفُذُ. جزَم به في «المحَرَّرِ» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يَنْفُذُ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وكثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، وقال: بِناءً على دَلالةِ التَّصَرُّفِ على

ص: 313

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرِّضَى. وللقاضي في «المُجَرَّدِ» احْتِمالان. وإنْ تصَرَّفَ البائعُ لم يَنْفُذْ تصَرُّفُه، سواءٌ كان الخِيارُ له وحدَه أوْ لا. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به المُصَنِّفُ هنا، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، وقال: أطْلَقَه جماعةٌ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والخَمْسِين» : وأما نفُوذُ التَّصرُّف، فهو مَمْنوعٌ على الأقْوالِ كلِّها. صرَّح به الأكْثَرُون مِنَ الأصحابِ؛ لأنَّه لم يتَقَدَّمْه مِلْكٌ. انتهى. وقيل: يَنْفُذُ، إنْ قيلَ: المِلْكُ له والخِيارُ له. قال النَّاظِمُ:

ومَن أفْرَدُوه بالخِيارِ يَكُنْ له

التَّصَرُّفُ يمْضِي منه دُونَ تصَدُّدِ

وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: يَنْفُذُ تصَرُّفُ البائِعِ، إنْ قُلْنا: إنَّ البَيعَ لا يَنْقُلُ المِلْكَ، وكان الخِيارُ لهما أو للبائِعِ. وقطَع به في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وذكَر الحَلْوانِيُّ في «التَّبْصِرَةِ» ، أنَّ تصَرُّفَه يَنْفُذُ.

ص: 314

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: ومحَلُّ الخِلافِ في تصَرُّفِهما، إذا لم يَحْصُلْ لأحَدِهما إذنٌ مِنَ الآخَرِ، فلو تصَرَّف المالِكُ فهما بإذْنِ الآخَرِ، أو تصَرَّفَ وَكِيلُهما، صحَّ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: نفَذ في الأصحِّ فيهما. وجزَم به في «الحاويَيْن» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشّرْحِ». وقيل: لا يَنْفُذ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .

فائدة: لو أذِنَ البائعُ للمُشْتَرِي في التَّصَرُّفِ، فتَصرَّفَ بعدَ الإذْنِ، وقبلَ العِلْمِ، فهل يَنْفُذُ تصَرُّفُه؟ يُخَرَّجُ على الوُجوهِ (1) التي في الوَكيلِ، على ما يأْتِي، وأوْلَى. وجزَم القاضي في «خِلافِه» بعدَمِ النُّفُوذِ.

(1) في الأصل، ط:«الوجهين» .

ص: 315

وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْبَائِعِ فَسْخًا لِلْبَيع، وَتَصَرُّفُ الْمُشْتَرِى إِسْقَاطًا لِخِيَارِهِ، في أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

[تنبيه: ظاهرُ قولِه: ولَيس لواحِدٍ منهما التَّصَرُّفُ في المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيارِ. أنَّ للبائعِ التَّصَرُّفَ في الثَّمَنِ المُعَيَّنِ، أو غيرِه إذا قبَضه. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُحَرَّرِ»، و «الشَّرْحِ»، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى»، «والفُروعِ» وغيرِه؛ لعدَمِ ذِكْرِهم للمَسْأَلةِ. والذي قطَع به في «الهِدايَةِ»، و «المُذْهَبِ»، و «المُسْتَوْعِبِ»، و «الخُلاصَةِ»، و «الرِّعايتَين»، و «الحاويَين»، و «العِنايَةِ»، و «إدْرَاكِ الغايَةِ»، و «تَجْريدِ العِنايَةِ»، وجَمْعٌ كَثيرٌ، أنَّه يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ في الثَّمَنِ كالمُثَمَّنِ، سواءٌ قُلْنا في المَبِيعِ ما قُلْنا في الثَّمَنِ أوْ لا، ولم يحْكُوا في ذلك خِلافًا، لكِنْ ذكَر في «الفُروعِ»، في بابِ التَّصَرُّفِ في المَبيعِ، بعدَ أنْ ذكَر ما يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فيه، وما لا يَمْنَعُ، فقال: والثَّمَنُ الذي ليس في الذِّمَّةِ كالمُثَمَّنِ، وإلا فله أخْذُ بدَلِه؛ لاسْتِقْرارِه. انتهى. فقد تُؤخَذُ هذه المسْأَلةُ مِن عُمومِ كلامِه هناك. ويأْتِي أيضًا فيما إذا قال: لا أُسَلِّمُ المَبِيعَ حتى أقْبِضَ ثَمَنَه. في فائدة: هل له المُطالبَةُ بالنَّقْدِ إذا كان الخِيارُ لهما، أو لأحَدِهما. فهي غيرُ هذه المَسْأَلةِ التي هنا. واللهُ أعلمُ](1).

قوله: ويكونُ تصَرُّفُ البائعِ فَسْخًا للبَيعِ، وتَصَرُّفُ المُشْتَرِي إسْقَاطًا لخِيارِه، في أحَدِ الوَجْهَين. وهما رِوايَتان في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 316

وَفِي الْآخَرِ، الْبَيعُ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِمَا. وَإنِ اسْتَخْدَمَ الْمَبِيعَ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَينِ. وَكَذَلِكَ إِنْ قَبَّلَتْهُ الْجَارِيَة. وَيَحْتَمِلُ أنْ يَبْطُلَ إِنْ لَمْ يَمْنَعْهَا.

ــ

و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، ووَجْهان عندَ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، في غيرِ الوَطْءِ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، وغيرِهم. واعْلَمْ أنَّه إذا تصَرَّفَ البائعُ فيه، لم يَكُنْ فَسْخًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: ليس تصَرفُ البائِعِ فَسْخًا، على الأصحِّ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: وهي أصح. وجزَم به أبو بَكْرٍ، والقاضي في «خِلافِه» ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» فيه. وصححَه في «التَّصْحيحِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، يكونُ فَسْخًا. جزَم به القاضي في «المُجَرَّدِ» ،

ص: 317

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والحَلْوَانِيُّ في «الكِفايَةِ» ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. ورَجَّحَه ابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: تصَرُّفُه بالوطْءِ فَسْخ. جزَم به في «المُذْهَب» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِي». قال في «القَواعِدِ»: وممَّن صرَّح بأَنَّ الوَطْءَ اخْتِيارٌ، القاضي في «المُجَرَّدِ». وحكاه في «الخِلافِ» عن أبي بَكْرٍ. قال: ولم أجِدْه فيه. وأمَّا تصَرُّفُ المُشْتَرِي، ووَطْؤُه، وتَقْبِيلُه، ولَمْسُه بشَهْوَةٍ، وسَوْمُه، ونحوُ ذلك،

ص: 318

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فهو إمْضاءٌ وإبْطالٌ لخِيارِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وعنه، لا يكونُ إمْضاءً، ولا يبْطُلُ خِيارُه بشيء من ذلك. وهو وَجْهٌ في «الشَّرْحِ» وغيرِه. قال في «التَّلخيصِ»: وعلى كِلا الوَجْهَين، في تَصَرُّفِ البائعِ والمُشْتَرِي، لا يصِحُّ تصَرُّفُهما؛ لأنَّ في طَرَفِ الفَسْخِ، لا بُدَّ مِن تَقدُّمِه على العَقْدِ، وفي طَرَفِ الرِّضَى يَمْتَنِعُ؛ لتعَلُّقِ حَقِّ الآخَرِ.

قوله: وإنِ اسْتَخْدَمَ المبيعَ، لم يبْطُلْ خيارُه، في أصَحِّ الرِّوايتَين. وفي نُسْخَةٍ: الوَجْهَين. وعليها «شرْحُ ابنِ مُنَجَّى» . وهو المذهبُ. صحَّحَه في «النَّظْمِ» ،

ص: 319

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «الحاوي الكَبِيرِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يَبْطُلُ خِيارُه. قال في «الخُلاصَةِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ»: بطَل خِيارُه على الأصحِّ. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ». قال في «الوَجيزِ»: وإنِ اسْتَخْدَمَ المَبِيعَ للاسْتِعْلامِ، لم يبْطُلْ خِيارُه. فدَلَّ كلامُه أنَّه لو اسْتَخْدمَه لغيرِ الاسْتِعْلامِ، يَبْطُلُ، وعِبارَةُ جماعةٍ مِنَ الأصحاب كذلك. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «الشّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» . ذكَر جماعةٌ قوْلًا، إنِ اسْتَخْدمَه للتَّجْرِبَةِ، بطَل، وإلَّا فلا؛ منهم صاحِبُ «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم. وذكَرُوه قوْلًا ثالِثًا. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . فظاهرُ كلامِهم، أنَّ الخِلافَ يشْمَلُ

ص: 320

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاسْتِخْدامَ للتَّجْرِبَةِ. وهو بعيدٌ. قال في «الحاويَين» : وما كان على وَجْهِ التَّجْرِبَةِ للمَبِيعِ، كرُكُوبِ الدَّابَّةِ؛ ليَنْظُرَ سيرَها، أَوْ الطَّحْنِ عليها؛ ليَعْلَمَ قَدْرَ طَحْنِها، أو اسْتِخْدامِ الجارِيَةِ في الغَسْلِ، والطَّبْخِ، والخَبْزِ، لا يُبْطِلُ الخِيارَ، رِوايَةً واحدةً. وقال في «الرِّعايَةِ»: وله تجْرِبَتُه واخْتِبارُه برُكوبٍ، وطَحْنٍ، وحَلْبٍ، وغيرها. وتقدَّم كلامُه في «الوَجيزِ». قال في «المُنَوِّرِ» و «مُنْتَخَبِ الأَزجِيِّ»: وتصَرُّفُه بكلِّ حالٍ رِضًى إلَّا لتَجْرِبَةٍ. قال الشَّارِحُ: فأمَّا ما يُسْتَعْلَمُ به المَبِيعُ، كرُكُوبِ الدَّابَّةِ؛ ليَخْتَبِرَ فَراهَتَها، والطَّحْنِ على الرِّحَى؛ ليعْلَمَ قدْرَه، ونحو ذلك، فلا يدُلُّ على الرِّضَى، ولا يبْطُلُ به الخِيارُ. انتهى. قلتُ: الصَّوابُ أن الاسْتِخْدامَ للاخْتِبارِ يسْتَوي فيه الآدَمِيُّ وغيرُه، ولا تَشْمَلُه الرِّوايَةُ المُطْلقَةُ. وقطَع بما قُلْنا في «الكافِي» وغيرِه. ومَنْشَأُ هذا القَوْلِ، أنَّ حَرْبًا نقَل عن أحمدَ، أنَّ الجارِيَةَ إذا غسَلَتْ رأْسَه، أو غَمَزَت رِجْلَه، أو طَبَخَتْ له، أو خَبَزَتْ، يَبْطُلُ خِيارُه. فقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: يُمْكِنُ أنْ يُقال: ما قُصِدَ به مِنَ الاسْتِخْدامِ، أن تَجْرِبَةَ المَبِيعِ لا تُبْطِلُ الخِيارَ، كرُكُوبِ الدَّابَّةِ، ليَعْلَمَ سيرَها، وما لا يُقْصَدُ به ذلك، يُبْطِلُ الخِيارَ، كرُكُوبِ الدَّابَّةِ لحاجَتِه. انتهى.

قوله: وكذلك إنْ قَبَّلَتْه الجَارِيَةُ ولم يَمْنَعْها، لم يبْطُلْ خِيارُه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ، وسواء كان لشَهْوَةٍ أو لغيرِها. وقال أبو الخَطَّابِ ومَن تَبِعَه: ويحْتَمِلُ أنْ يبْطُلَ إنْ لم يمْنَعْها. وقدَّم هذه الطرِيقَةَ في «الفُروعِ» .

ص: 321

وَإنْ أعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي، نَفَذَ عِتْقُهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهُمَا. وَكَذَلِكَ إِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ. وَعَنْهُ، لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْبَائِعِ، وَلَهُ الْفَسْخُ وَالرّجُوعُ بِالْقِيمَةِ.

ــ

وجزَم بها في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: محَلُّ الخِلافِ فيما إذا كان لشَهْوَةٍ، أمَّا إذا كان لغيرِ شَهْوَةٍ، لم يبْطُلْ، قوْلًا واحدًا. وجزَم به في «الحاويَين» ، وغيرِهما. وقال: نصَّ عليه. وحمَل ابنُ مُنَجَّى كلامَ المُصَنِّفِ عليه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» .

قوله: وإنْ أعْتَقَه المُشْتَرِي، نفَذ عِتْقُه، وبطَل خِيارُهما، وكذلك إذا تَلِفَ المَبِيعُ. إذا أعْتَقَ المُشتَرِى، نفَذ عِتْقُه، وهذا مَبْنِيٌّ على أنَّ المَبِيعَ ينْتَقِلُ إلى المُشْتَرِي في مُدَّةِ الخِيارِ. وهو المذهبُ كما تقدَّم، فيَصِحُّ عِتْقُه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ويَبْطُلُ خِيارُهما، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وأبو بَكْرٍ. وقدَّمه في

ص: 322

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ،

ص: 323

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايَةِ» . وعنه، لا يبْطُلُ خِيارُ البائِعِ، وله الفَسْخ والرُّجُوع بالقِيمَةِ يومَ العِتقِ. وقدَّمه في «الكافِي» . وأطْلَقَهما في «الهادِي» ، و «التَّلخيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوي» .

ص: 324

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: على القَوْلِ بأنَّ المِلْكَ لا ينْتَقِلُ عنِ البائعِ، لو أعْتَقه، نفَذ عِتْقُه كالمُشْتَرِي، وأمَّا إذا تَلِفَ المَبِيعُ في مُدَّةِ الخِيارِ، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ قبلَ قَبْضِه أو بعدَه، فإنْ كان قبلَ قَبْضِه، وكان مَكِيلًا، أو مَوْزُونًا، أو مَعْدُودًا، أو مَذْرُوعًا، انْفسَخَ البَيعُ، على ما يأْتِي آخِرَ البابِ، وكان مِن ضَمانِ البائِع، إلَّا أنْ يُتْلِفَه المُشْتَرِي، فيكونَ مِن ضَمانِه، ويبْطُلَ خِيارُه، وفي خِيارِ البائِعِ الرِّوايَتان. وإنْ كان المَبِيعُ غيرَ ذلك، ولم يمْنَعِ البائعُ المُشْتَرِيَ مِن قَبْضِه، فالصَّحيحُ مِنَ

ص: 325

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، أنَّه مِن ضَمانِ المُشْتَرِي، على ما يأْتِي. وإنْ كان تلَفُه بعدَ قَبْضِه في مُدَّةِ الخِيارِ، فهو مِن ضَمانِ المُشْتَرِي. وهي مَسْألَةُ المُصَنِّفِ، ويبْطُلُ خِيارُه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: يبْطُلُ خِيارُ المُشْتَرِي في الأشْهَرِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقيل: لا يبْطُلُ خِيارُه. وهذه طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وصاحِبِ «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وأمَّا خِيارُ البائِعِ، فيَبْطُلُ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وأبو بَكْرٍ، وغيرُهما. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وعنه، لا يبْطُلُ خِيارُ البائِعِ، وله الفَسْخُ والرُّجُوعُ بالقِيمَةِ، أو مِثْلُه إنْ كان مِثْلِيًّا. اخْتارَها القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وحكَاه في مَوْضِعٍ مِنَ «الفُصُولِ» عنِ الأصحابِ. وقدَّمها في «الكافِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وهذا المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .

ص: 326

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوله: والرُّجُوعُ بالقِيمَةِ. تكونُ القِيمَةُ وَقْتَ التَّلَفِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقيل: وَقْتَ القَبْضِ. وأصْلُ الوَجْهَين، انْتِقالُ المِلْكِ. قاله في «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» .

فائدةٌ جلِيلَةٌ: لو انْفسَخَ البَيعُ بعدَ قبْضِه بعَيبٍ، أو خِيارٍ، أو انْتهَت مُدَّةُ العَينِ المُسْتَأْجرَةِ، أو أقْبَضَها الصَّداقَ فطَلَّقَها قبلَ الدُّخُولِ، ففي ضَمانِه على مَن هو في يَدِه أوْجُهٌ؛ أحدُها، حُكْمُ ضمَانِه بعدَ زَوالِ العَقْدِ حُكْمُ ضَمانِ المالِكِ الأوَّلِ قبلَ التَّسْليمِ؛ إنْ كان مَضْمُونًا عليه، كان مَضْمُونًا له، وإلَّا فلا. وهي طَرِيقَةُ أبي الخَطَّابِ، والمُصَنِّفِ في «الكافِي» في آخَرِين. فعلى هذا، إنْ كان عِوَضًا في بَيعٍ، أو نِكاحٍ، وكان مُتَمَيِّزًا، لم يَضْمَنْ. على الصّحيحِ. وإنْ كان غيرَ مُتَمَيِّزٍ، ضَمِنَ، وإنْ كان في إجارَةٍ، ضَمِنَ بكُلِّ حالٍ. الثَّاني، إنْ كان انْتِهاءُ العَقْدِ بسَبَبٍ يسْتَقِلُّ به مَن هو في يَدِه، كفَسْخِ المُشْتَرِي، أو يُشارِكُ فيه الآخَرُ، كالفَسْخِ منهما، فهو ضامِنٌ له. وإنِ اسْتَقَلّ به الآخَرُ، كفَسْخِ البائِعِ، وطَلاقِ الزَّوْجِ، فلا ضَمانَ؛ لأنَّه حصَل في يَدِ هذا بغيرِ سبَب ولا عُدْوانٍ. وهذا ظاهِرُ ما ذكَرَه في «المُغْنِي» في مَسْألَةِ الصَّداقِ، وعلى هذا يتَوَجَّهُ ضَمانُ العَينِ

ص: 327

وَحُكْمُ الْوَقْفِ حُكْمُ الْبَيعِ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينَ. وَفِي الْآخَرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعِتْقِ.

ــ

المُسْتَأجَرَةِ بعدَ انْتِهاءِ المُدَّةِ. الثَّالِثُ، حُكْمُ الضَّمانِ بعدَ الفَسْخِ حُكْمُ ما قبلَه؛ فإنْ كان مَضمُونًا، فهو مَضْمُونٌ، وإلَّا فلا، فيَكونُ البَيعُ بعدَ فسْخِه مَضْمُونًا، لأنَّه كان مَضْمُونًا على المُشْتَرِي بحُكْمِ العَقْدِ، ولا يزُولُ الضَّمانُ بالفَسْخِ. صرَّح بذلك القاضي في «خِلافِه» . ومُقْتَضَى هذا ضَمانُ الصَّداقِ [على المَرْأَةِ](1) وهو ظاهِرُ كلامِ المَجْدِ، وأنَّه لا ضَمَانَ في الإجارَةِ، على المُرَادِ. وصرَّح به القاضي وغيرُه، حتى قال القاضي، وأبو الخَطَّاب: لو عجَّل أُجْرَتَها، ثم انْفَسخَتْ قبلَ انتِهاءِ المُدَّةِ، فله حَبْسُها حتى يسْتَوْفِيَ الأجْرَة، ولا يكونُ ضامِنًا. الرَّابعُ، لا ضَمانَ في الجَميعِ، ويكونُ المَبِيعُ بعدَ فَسْخِه أمانَةً مَحْضَةً. صرَّح به أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» ، واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في الصَّداقِ بعدَ الطَّلاقِ. الخامِسُ، الفَرْقُ بينَ أنْ ينْتَهِي العَقدُ، أو يُطَلِّقَ الزَّوْجُ، وبينَ أنْ يَنْفَسِخَ العَقْدُ؛ ففي الأوَّلِ يكونُ أمانَةً مَحضَةً؛ لأن حُكْمَ المِلْكِ ارْتفَعَ وعادَ مِلْكًا للأَوَّلِ، وفي الفَسْخِ يكونُ مَضْمُونًا. وممَّن صرَّح بذلك، الأزَجِيُّ في «نِهايَتهِ» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ عَقِيل في مَسائِل الرَّدِّ بالعَيبِ، وصرَّح بأنَّه يضْمَنُ نَقْصَه فيما قبلَ الفَسْخِ وبعدَه بالقِيمَةِ لارْتفاعِ العَقْدِ. ذكَرَ ذلك في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ والأرْبَعِين» .

قوله: وحُكْمُ الوَقْفِ حُكْمُ البَيعِ، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحَه

(1) زيادة من: ش.

ص: 328

وَإنْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَاريَةَ فَأحبَلَهَا، صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ ثَابِتُ النَّسَبِ.

ــ

في «التَّصْحيحِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وفي الآخَرِ، حُكْمُ العِتْقِ. صحَّحَه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» . وأطْلَقَهما في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» .

قوله: وإنْ وَطِئَ المُشْتَرِي الجارِيَةَ فأحْبَلَها، صارَتْ أُمَّ وَلَدٍ، ووَلَدُه حُرٌّ ثابِتُ النَّسَبِ. هذا مَبْنِيٌّ على أن المِلْكَ ينْتَقِلُ إليه في مُدَّةِ الخِيارِ. وهو المذهبُ. وأمَّا إذا قُلْنا: لا ينْتَقِلُ إليه. ففيه الخِلافُ الآتِي في البائِعِ. قاله في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» .

ص: 329

وَإنْ وَطِئَهَا الْبَائِعُ، فَكَذَلِكَ، إنْ قُلْنَا: الْبَيعُ يَنْفَسِخُ بِوَطْئِهِ. وَإنْ قُلْنَا: لَا يَنْفَسِخُ. فَعَلَيهِ الْمَهْرُ، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ، إلا إِذَا قُلْنَا: الْمِلْكُ لَهُ. وَلَا حَدَّ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَقَال أصْحَابُنَا: عَلَيهِ الْحَدُّ إِذَا

ــ

وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إنْ قُلْنا: إنَّ المِلْكَ لا ينْتَقِلُ إليه. لا حَدَّ عليه أيضًا، وعليه المَهْرُ، وقِيمَةُ الوَلَدِ، وإنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، وأنَّ مِلْكَه غيرُ ثابِتٍ، فوَلَدُه رَقِيقٌ.

قوله: وإنْ وَطِئَها البائِعُ، فكذلك، إنْ قُلْنَا: البَيعُ ينْفَسِخُ بوَطْئِه. وتقدَّم،

ص: 330

عَلِمَ زَوَال مِلْكِهِ، وَأنَّ الْبَيعَ لا يَنْفَسِخُ بِالْوَطْءِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ.

ــ

هل يكونُ تصَرُّفُ البائِعِ فَسْخًا للبَيعِ؟ وأنَّ الصَّحيحَ يكون فسْخًا (1).

وقوله: وإنْ قُلْنا: لا ينْفَسِخُ. فعليه المَهْرُ، ووَلَدُه رَقِيقٌ. قد تقدَّم أنَّ المذهبَ، لا ينْفَسِخُ العَقْدُ بتَصَرُّفِهِ.

وقوله: إلَّا إذا قُلْنا: المِلْكُ له. وتقدم أن المذهبَ، لا يكونُ المِلْكُ له في مُدَّةِ الخِيارِ.

قوله: ولا حَدَّ فيه على كلِّ حالٍ. هذا اخْتِيارُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، والمَجْدِ

ص: 331

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «مُحَرَّرِه» ، والنَّاظِمِ، وصاحبِ «الحاوي» ، وصحَّحُوه في كتابِ الحُدودِ، وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» هناك، وإليه مَيلُ ابنِ عَقِيلٍ، وحكَاه بعضُ الأصحابِ رِوايَةً عن الإمامِ أحمدَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. فعلى هذا، يكونُ وَلَدُه حُرًّا ثابِتَ النَّسَبِ، ولا يَلْزَمُه قِيمَةٌ، ولا مَهْرَ عليه، وتَصيرُ أُمَّ وَلَدٍ له. وقال أصحابُنا: عليه الحَدُّ إذا عَلِمَ زَوال مِلْكِه، وأنَّ البَيعَ لا ينْفَسِخُ بالوَطْءِ. وهو المَنْصُوصُ، وهو المذهبُ، وهو مِن مُفْرَداتِه. [ويأْتِي ذلك في حَدِّ الزِّنا أيضًا](1).

فقوله: إذا عَلِمَ أَنَّ البَيعَ لا ينْفَسِخُ. هكذا قيَّدَه بعضُ الأصحابِ. قال: إنِ اعْتقَدَ أنَّه ينْفَسِخُ بوَطْئِه، فلا حدَّ عليه؛ لأنَّ تَمامَ الوَطْءِ وَقعَ في مِلْكٍ، فتَمكَّنَتِ الشُّبْهَةُ. وقال أكثرُ الأصحابِ: عليه الحَدُّ إذا كان عالِمًا بالتَّحْرِيمِ. وهو المَنْصوصُ عن أحمدَ في رِوايَةِ مُهَنَّا. وهو اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ، وابنِ حامِدٍ،

(1) سقط من الأصل.

ص: 332

وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا، بَطَلَ خِيَارُهُ، وَلَمْ يُورَثْ. وَيَتَخَرَّجُ أنْ يُورَثَ كَالْأجَلَ.

ــ

والأكْثَرِين. قاله في «القَواعِد الفِقْهِيَّةِ» . ومحَلُّ وُجوبِ الحدِّ أيضًا عندَ الأصحابِ، إذا كان عالِمًا بتَحْريمِ الوَطْءِ، أمَّا إذا كان جاهِلًا بتَحْرِيمِه، فلا حدَّ عليه، كما سيَأْتِي في شُروطِ الزِّنا. فعلى قوْلِ الأصحابِ، إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ، فوَلَدُه رَقيق لا يلْحَقُه نسَبُه، وإنْ لم يعْلَمْ، لَحِقَه النَّسَبُ، ووَلَدُه حُرٌّ، وعليه قِيمَتُه يومَ ولادَتِه، وعليه المَهْرُ، ولا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ له.

قوله: ومَن ماتَ مِنهما، بطَل خِيارُه، ولم يُورَثْ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ

ص: 333

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ، وجزَم به كثيرٌ منهم. ويتَخَرَّجُ، أنْ يُورَثَ كالأجَلِ وخِيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ. وهو لأبي الخَطَّابِ. وذكَرَه في «عُيُونِ المسَائلِ» في مَسْألَةِ حِلِّ الدَّينِ بالمَوْتِ رِوايةً.

قوله (1): ولم يُورَثْ. مُرادُه، إذا لم يطالبِ المَيِّتُ، فأمَّا إنْ طالبَ في حَياتِه، فإنّه يُورَثُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ.

فائدة: خِيارُ المَجْلِسِ لا يُورَثُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقيل: كالشَّرْطِ. وفي خِيارِ صاحبِه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . قال في «الرِّعايَةِ» ، وخِيارُ المَجْلِسِ يَحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحدُهما، يَبْطُلُ. وهو الصَّحيحُ. قَدَّمه في «المُغْنِي» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يَبْطُلُ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» .

فائدة: حَدُّ القَذْفِ لا يُورَثُ إلَّا بمُطالبَةِ المَيِّتِ في حَياتِه، كخِيارِ الشَّرْطِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وفي «الانِتْصارِ» رِوايَةٌ، لا يُورَثُ حدُّ قَذْفٍ ولو طَلَبَه مَقْذُوفٌ، كَحدِّ زِنًى. ويأتِي كلامُ المُصَنِّفِ

(1) قبلها في الأصل: «تنبيه مراده» .

ص: 334

فَصْلٌ: الثَّالِثُ خِيَارُ الْغَبْنِ. وَيَثْبُتُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ؛ أحَدُهَا، إِذَا تَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ وَبَاعَ لَهُمْ، فَلَهُمُ الْخِيَارُ إِذَا هَبَطُوا السُّوق وَعَلِمُوا أنهُمْ قَدْ غُبِنُوا غَبْنًا يَخْرُجُ عَنِ العَادَةِ.

ــ

في بابِ القَذْفِ، ويأْتِي، هل تُورَثُ المُطالبَةُ بالشُّفْعَةِ؟ في كلامِ المُصَنِّفِ، في آخِرِ الفَصْلِ الخامسِ مِن بابِ الشُّفْعَةِ. وتقدَّم، إذا علَّق عِتْقَ عَبْدِه على بَيعِه، في البابِ قبلَه في الشُّروطِ الفاسِدَةِ.

قوله: الثَّالِثُ، خِيارُ الغَبْنِ، ويثْبُتُ في ثَلاثِ صُوَرٍ؛ أحدُها، إذا تلَقَّى

ص: 335

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرُّكْبانَ، فاشْتَرَى مِنهم، وباعَ لهم، فلهم الخِيارُ إذَا هَبَطُوا (1) السُّوقَ، وعَلِمُوا أنَّهم قد غُبِنُوا. أعْلَمَنا المُصَنِّف، رحمه الله، هنا أنَّه إذا تلَقّى الرُّكْبانَ، واشْتَرى منهم، وباعَ لهم، أنَّ البَيعَ صَحيحٌ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وعنه، أنَّه باطِلٌ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. فعلى المذهبِ، يثْبُتُ لهمُ الخِيارُ بشَرْطِه، سواءٌ قصَد تَلقِّيهم أو لم يقْصِدْه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه

(1) في الأصل، ط:«أهبطوا» .

ص: 336

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا خِيارَ لهم إلَّا إذا قصَد تلَقِّيهم. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .

ص: 337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وعَلِمُوا أنَّهُم قد غُبِنُوا. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لهمُ الخِيارُ، وإنْ لم يُغْبَنُوا.

قوله: غَبْنًا يخْرُجُ عنِ العادَةِ. مَرْجِعُ الغَبْنِ إلى العُرْفِ والعادَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: يُقَدَّرُ الغَبْنُ بالثُّلُثِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وجزَم به في «الإِرْشادِ» . قال في «المُسْتَوْعِبِ» : والمَنْصُوصُ أنَّ الغَبْنَ المُثْبِتَ للفَسْخِ ما لا يتَغابَنُ النَّاسُ بمِثْلِه، وحَدَّه أصحابُنا بقَدْرِ ثُلُثِ قِيمَةِ المَبِيعِ. انتهى. وقيل: يُقَدَّرُ بالسُّدْسِ. وقيل: يُقَدَّرُ بالرُّبْعِ. ذكَرَه ابنُ رَزِينٍ في «نِهايَتِه» . وظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ الخِيارَ يثْبُتُ بمُجَرَّدِ الغَبْنِ وإنْ قَلَّ. قاله الشَّارِحُ وغيرُه. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» . وقد قال أبو يَعْلَى

ص: 338

وَالثَّانِيَةُ، النَّجْشُ؛ وَهُوَ أنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا؛ لِيَغُرَّ الْمُشْتَرِيَ. فَلَهُ الْخِيَارُ إِذَا مَا غبِنَ.

ــ

الصَّغِيرُ في مَوْضِع مِن كلامِه: له الفَسْخُ بغَبْنٍ يَسِيرٍ، كدِرْهَم في عشَرَةٍ بالشَّرْطِ. ويأْتِي ذلك بعدَ تعَدُّدِ العُيُوبِ.

قوله: الثَّانِيَةُ في النَّجْشِ؛ وهو أنْ يزِيدَ في السِّلْعَةِ مَن لا يُرِيدُ شِراءَها لِيَغُرَّ المُشْتَرِيَ. أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، أنَّ بَيعَ النَّجْشِ صَحيحٌ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يبطُلُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. قاله المُصَنِّفُ. وقال في «التَّنْبِيهِ»: لا يجُوزُ النَّجْشُ. وعنه، يقَعُ لازِمًا، فلا فَسْخَ مِن غيرِ رِضًى. ذكَرَ في «الانْتِصارِ» في البَيعِ الفاسِدِ؛ هل يَنْقُلُ المِلْكَ؟ فعلى المذهبِ، يثْبُت

ص: 339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للمُشْتَرِي الخِيارُ بشَرْطِه، وسواء كان ذلك بمُواطأَةٍ مِن البائعِ أَوْ لا. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقيل: لا خِيارَ له إلَّا إذا كان بمُواطأةٍ مِنَ البائِعَ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو نجَش البائِعُ، فزادَ أو وَاطَأ، فهل يبْطُلُ البَيعُ، وإنْ لم يُبْطِلْه في الأُولَى؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، لا يبْطُلُ البَيعُ، وهو الصَّحيحُ، وهو ظاهرُ كلام أكثرِ الأصحابِ، وهو كالصَّريحِ في كلامِ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. وقدَّمه الزَّرْكَشِيُّ. وقال: هذا

ص: 340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المشْهُورُ. والوَجْهُ الثَّاني، يبْطُلُ البَيعُ. قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» . وعنه، لا يصِحُّ بَيعُ النَّجْشِ، كما لو زادَ فيها البائعُ أو وَاطَأَ عليه. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: أو زادَ زَيدٌ بإذْنِه، في أصَحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . الثَّانيةُ، لو أخْبَرَ أنَّه اشْتَراها بكذا، وكان زائِدًا عمَّا اشْتَراها به، لم يبْطُلِ البَيعُ، وكان له الخِيارُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال في «الإيضاحِ»: يبْطُلُ مع عِلْمِه.

تنبيه: قال في «الفُروعِ» : قوْلُهم في النَّجْشِ: ليَغُر المُشْتَرِيَ. لم يحْتَجُّوا لتوَقُّفِ الخِيارِ عليه. قال: وفيه نَظَر. وأطْلَقُوا الخِيارَ فيما إذا أخْبَرَ بأكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ، لكِنْ قال بعضُهم: لأنَّه في مَعْنَى النَّجْشِ، فيكونُ القَيدُ مُرادًا، ويُشْبِهُ ما إذا خرَج ولم يقْصِدِ التَّلَقِّيَ. وسَبَق أنَّ المنْصُوصَ الخِيارُ. انتهى. قلتُ: قال في «الرِّعايَةِ» : ويَحْرُمُ أنْ يَزِيدَ في سِلْعَةٍ مَن لا يُريدُ شِراءَها. وقيل: بل ليَغُرَّ مُشْتَرِيَها الغِرَّ بها. وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : وزادَ غيرُ المُصَنِّفِ، أنْ يكونَ الذي زادَ مَعْروفًا بالحِذْقِ ولا بُدَّ منه. انتهى. ولم نرَه في غيرِه. وقال الزَّرْكَشِيُّ: وزادَ بعضُ أصحابِنا في تَفْسيرِه، فقال: ليَغُرَّ المُشْتَرِيَ. وهو حسَنٌ. انتهى.

فائدة: قال الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه: حُكْمُ زِيادَةِ المالِكِ في الثَّمَنِ، كأنْ يقولَ:

ص: 341

وَالثَّالِثَةُ، الْمُسْتَرْسِلُ، إِذَا غُبِنَ الْغَبْنَ الْمَذْكُورَ. وَعَنْهُ، أَنَّ النَّجْشَ وَتَلَقِّيَ الرُّكْبَانِ بَاطِلَانِ.

ــ

أُعْطِيتُ في هذه السِّلْعَةِ كذا. وهو كاذِبٌ، حُكْمُ نجْشِه. انتهى.

قوله: الثَّالِثَةُ، المُسْتَرْسِلُ. يثْبُتُ للمُسْتَرْسِلِ الخِيارُ إذا غُبِنَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، لا يثْبُت.

فوائد؛ الأُولَى، المُسْتَرْسِلُ هو الذي لا يُحْسِنُ يُماكِسُ. قاله الإمامُ أحمدُ. وفي لفْظٍ عنه: هو الذي لا يُماكِسُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هو الجاهِلُ بقِيمَةِ

ص: 342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السِّلْعَةِ، ولا يُحْسِنُ المُبايَعةَ. قال في «التَّلْخيصِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهما: هو الذي لا يعْرِفُ سِعْرَ ما باعَه أو اشْتَراه. فصَرَّحا أنَّ المُسَترْسِلَ يتَناوَلُ البائِعَ والمُشْتَرِى، وأنَّه الجاهِلُ بالبَيعِ. كما قاله الامامُ أحمدُ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: هو الجاهلُ بقِيمَةِ المَبِيعِ، بائعًا كان أو مُشْتَرِيًا. وقال في «الفُروعِ» في بابِ خِيارِ التَّدْليسِ، في حُكْمِ مَسْألَةٍ: كما لم يُفَرِّقُوا في الغَبْنِ بينَ البائِع والمُشْتَرِي. فتَلَخَّصَ أنَّ المُسْتَرْسِلَ هو الجاهِلُ بالقِيمَةِ، سواءٌ كان بائعًا أو مُشتَرِيًا.

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال في «المُذْهَبِ» : لو جَهِلَ الغبْنَ فيما اشْترَاه لعَجَلَتِه، وهو لا يجْهَلُ القِيمَةَ، ثبَت له الخِيارُ أيضًا. وجزَم به في «النَّظْمِ». وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: لو عَجِلَ في العَقْدِ فَغُبِنَ، فلا خِيارَ له. انتهى. وعنه، يثْبُتُ أيضًا لمُسْتَرْسِل إلى البائِع لم يُماكِسْه. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وذكَرَه المذهبَ. وقال في «الانْتِصارِ»: له الفَسْخُ ما لم يُعْلِمْه أنَّه غالٍ، وأنَّه مَغْبُونٌ فيه. انتهى. الثَّانيةُ، قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: يثْبُتُ خِيارُ الغَينِ للمُسْتَرْسِلِ في الإجارَةِ، كما في البَيعِ، إلَّا أنَّه إذا فسَخ وقد مضَى بعضُ المُدَّةِ، يرْجِعُ عليه بأُجْرَةِ المِثْلِ للمُدَّةِ، لا بقِسْطِه مِنَ المُسَمَّى؛ لأنَّه لو رجَع بذلك، لم يسْتَدْرِكْ ظُلامَةَ الغَبْنِ، وفارَقَ مالو ظهَر

ص: 344

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على عَيبٍ في الإجارَةٍ ففَسَخَ، فإنَّه يَرْجِعُ عليه بقِسْطِه مِنَ المُسَمَّى؛ لأنَّه يسْتَدْرِكُ ظُلامتَه بذلك؛ لأنَّه يرْجِعُ بقِسْطِه منها مَعِيبًا، فيَرْتَفِعُ عنه الضَّرَرُ بذلك. قال المَجْدُ: نَقْلتُه مِن خَطِّ القاضي على ظَهْرِ الجُزءِ الثَّلاثين مِن «تعْلِيقِه» . الثَّالثةُ، الغَبْنُ مُحَرَّمٌ. نصَّ عليه. ذكَرَه أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وجزَم به في «الفُنونِ». وقال: إنَّ أحمدَ قال: أكْرَهُه. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : يُكْرَهُ تلَقِّي الرُّكْبانِ. وقيل: يحْرُمُ. وهو أوْلَى. انتهى. الرَّابعةُ، هل غَبْنُ أحَدِهما في مَهْرِ مِثْلِه كبَيعٍ، أوْ لا فَسْخَ؟ فيه احْتِمالان في «التَّعْليقِ» للقاضي، و «الانْتِصارِ» لأبي الخَطَّابِ. وفي «عُيُونِ المسَائلِ» مَنْعٌ وتَسْليمٌ. ثم فرق، وقال: ولهذا لا يُردُّ الصَّداقُ عندَهم. وفي وَجْهٍ لنا، بعَيبٍ يَسِيرٍ، ويُرَدُّ المَبِيعُ بذلك. قلتُ: الصوابُ أنَّه لا يُفْسَخُ، بل يقَعُ العَقْدُ لازِمًا. ويأْتِي قرِيبٌ مِن ذلك في أوَاخِرِ بابِ الشُّروطِ في النِّكاحِ، وبابِ العُيُوبِ في النِّكاحِ. الخامسةُ، يحْرُمُ تَغْريرُ مُشْتَرٍ؛ بأنْ يسُومَه كثيرًا ليَبْذُلَ قرِ يبًا منه. ذكَرَه الشيخُ تَقِي الدِّينِ، واقْتَصَر عليه في «الفُروعِ». وهو الصَّوابُ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وإنْ دَلَّسَ مُسْتَأْجِرٌ على مُؤْجِرٍ وغيرِه حتى اسْتَأْجَرَه بدُونِ القِيمَةِ، فله

ص: 345

فَصْلٌ: الرَّابعُ، خِيَارُ التَّدْلِيسِ بِمَا يَزِيدُ بِهِ الثَّمَنُ، كَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَتَحْمِيرِ وَجْهِ الْجَارِيَةِ، وَتَسْويدِ شَعَرِهَا وَتَجْعِيدِهِ، وَجَمْعِ مَاءِ الرَّحَى وَإرْسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا. فَهَذَا يُثْبِتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرَّدِّ.

ــ

أُجْرَةُ المِثْلِ. وفي مُفرَداتِ ابنِ عَقِيل في المَسْأَلةِ الأولَى كقَوْلِه، وأنَّه كالغِشِّ والتَّدْليس سواءً، ثم سلَّم أنه لا يحْرُمُ. السَّادسةُ، لو قال عندَ البَيعِ: لا خِلابةَ. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن له الخِيارَ إذا خَلَبَه. قدَّمه في «الفُروع». وقال المُصَنِّفُ وغيرُه: لا خِيارَ له.

قوله: الرابعُ، خِيَارُ التّدْلِيسِ، بما يزِيدُ به الثَّمَنُ، كتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ،

ص: 346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتَحْميرِ وَجْهِ الجَارِيَةِ، وتسْويدِ شعَرِها وتَجْعيدِه، وجَمْعِ ماءِ الرَّحَى وإرْسالِه عندَ عَرْضِها. قال في «الرِّعايَةِ»: وكذا تَحْسِينُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ ونحوها، وتَصْنِيعُ

ص: 347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النَّسَّاجِ وَجْهَ الثَّوْبِ، وصِقالُ الإسْكافِ وَجْهَ المَتاعِ ونحوُه، فهذا يُثْبِتُ للمُشْتَرِي خِيارَ الرَّدِّ بلا نِزاعٍ. وظاهِرُه، أنَّه لو حصَل ذلك مِن غيرِ قَصْدِ التَّدْليسِ، لا

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خِيارَ له. وهو أحَدُ الوَجْهَين. [وهو ظَاهِرُ كلامِ جَماعةٍ](1). والوَجْهُ الثَّاني، يثْبُتُ بذلك أيضًا. اخْتارَه القاضي، واقْتَصَر عليه في «الفائقِ» . وجزَم به في «الكافِي» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وذكَر مِن صُوَرِ المَسْأَلَةِ، تَحْمِيرَ الوَجْهِ مِنَ الخَجَلِ أو التَّعَبِ. وأطلَقَهما في

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» . وقيلَ: لا يثْبُتُ بحُمْرَةِ الخَجَلِ والتّعَبِ ونحوهما. وهو أقْوَى مِنَ الأوّلِ، ومال إليه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.

فائدة: لو سوَّدَ كَفَّ العَبْدِ، أو ثَوْبَه؛ ليُظَنَّ أنَّه كاتِبٌ، أو حَدَّادٌ، أو علَفَ الشَّاةَ، أو غيرَها؛ ليُظَنَّ أنَّها حامِلٌ، لم يثْبُتْ للمُشْتَرِي بذلك خِيارٌ. على الصَّحيحِ

ص: 350

وَيَرُدُّ مَعَ الْمُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. فَإِنْ لَمْ يَجِدِ التَّمْرَ،

ــ

مِنَ المذهبِ. وقيل: يثْبُتُ.

قوله: ويَرُدُّ مع المُصَرَّاةِ عِوَضَ اللَّبَنِ صَاعًا مِن تَمْرٍ. يتعَيَّنُ التَّمْرُ في الرَّدِّ بشَرْطِه، ولو زادَتْ قِيمَتُه على المُصَرَّاةِ، أو نقَصَتْ عن قِيمَةِ اللَّبَنِ. على الصَّحيحِ

ص: 351

فَقِيمَتُهُ فِي مَوْضِعِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ نَاقَةً، أوْ بَقَرَةً، أوْ شَاةً.

ــ

مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: يُجْزِئُ القَمْحُ أيضًا. اخْتارَه الشِّيرَازِيُّ؛ لحَديثٍ روَاه البَيهَقِيُّ (1). وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُعْتَبرُ في كل بَلَدٍ

(1) في: باب الحكم فيمن اشترى مصراة، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 5/ 319.

ص: 352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صاعٌ مِن غالبِ قُوتِه.

فائدتان؛ إحْداهما، علَّل أبو بَكْرٍ وُجوبَ الصَّاعِ بأنَّ لَبَنَ التَّصْرِيَةِ اخْتَلطَ بلَبَنٍ حدَث في مِلْكِ المُشْتَرِي، فلمَّا لم يتَمَيَّزْ، قطَع عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، المُشاجَرَةَ بينَهما بإيجابِ صاعٍ. الثَّانيةُ، لو اشْترَى أكثرَ مِن مُصَرَّاةٍ، رَد مع كلِّ واحدٍ صاعًا. صرَّح به في «الفائقِ» وغيرِه. قلتُ: وهو داخِلٌ في عُمومِ كلامِهم.

ص: 353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوله: فإنْ لم يجِدِ التَّمْرَ، فقِيمَتُه في مَوْضِعِه. أي في مَوْضِعِ العَقْدِ.

ص: 354

فَإنْ كَانَ اللَّبَنُ بِحَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ، رَدَّهُ، وَأَجْزَأهُ. وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يُجْزِئَهُ إِلَّا التَّمْرُ.

ــ

صرَّح به الأصحابُ، ولو زادَت على قِيمَةِ المُصَراةِ. نصَّ عليه أحمدُ.

قوله: فإنْ كان اللَّبَنُ بحالِه لم يتَغَيَّرْ، رَدَّه وأجْزَأه. هذا المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. ونصَرَه الشَّارِحُ وغيرُه. واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. قال القاضي: الأَشْبَهُ أنَّه يَلْزَمُ البائِعَ قَبُولُه. قال في

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايَةِ الكُبْرى» : لَزِمَ البائِعَ قَبُولُه في الأقْيَسِ. واقْتَصرَ عليه. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُجْزِئَه إلَّا التَّمْرُ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وصحَّحَه في «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. ويشْمَلُه كلامُ الخِرَقِيِّ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم.

ص: 356

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ قولِه: لم يتَغَيَّرْ، رَدَّه. أنَّه إذا تَغيَّرَ لا يلْزَمُ البائِعَ قَبُولُه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الكافِي» ، وغيرِهم. وقيل: يُجْزِئُه رَدُّه. ويَلْزَمُ البائِعَ قَبُولُه. اخْتارَه القاضي. الثَّاني، لوْ عَلِمَ التَّصْرِيَةَ قبلَ الحَلْبِ، فرَدَّها قبلَ حَلْبِها، لم يَلْزَمْه شيءٌ.

ص: 357

وَمَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، فَلَهُ الرَّدُّ. وَقَال الْقَاضِي: لَيسَ لَهُ رَدُّهَا إلا بَعْدَ ثَلَاثٍ.

ــ

قوله: ومتى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، فله الرَّدُّ. فظاهِرُه، أنَّه سواءٌ كان قبلَ مُضِيِّ ثَلاثةِ أَيَّامٍ، أو بعدَها ما لم يَرْضَ، كَسائرِ التَّدْليسِ. وهذا قوْلُ أبي الخَطَّابِ. قال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا القِياسُ. قال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» : هذا أقْيَسُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: ويتَخرَّجُ مِن قَوْلِ أبي الخَطَّابِ قَوْل آخَرُ، أنَّ الخِيارَ على الفَوْرِ، كالعُيوبِ؛ لأنَّ فيها قوْلًا كذلك. انتهى. وقال القاضي: ليس له رَدُّها إلَّا بعدَ ثَلاثٍ منْذُ عَلِمَ، ويكونُ على الفَوْرِ بعدَها. وهذا ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وصحَّحَه في

ص: 358

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «شَرْح ابنِ رَزِينٍ» ، و «الحاوي الكَبيرِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، وقال فيهما: إذا لم يتَبَيَّنِ التَّصْرِيَةَ إلَّا بعدَ ثَلاثٍ، فوَجْهان؛ أحدُهما، يَثْبُتُ الرَّدُّ عندَ تَبَيُّنِ التَّصْرِيَةِ. والآخَرُ، تكونُ مُدَّةُ الخِيارِ ثلاثًا. انتهى. قلتُ: الذي يَظْهَرُ مِن تَعْلِيلِهم لكلامِ القاضي، أنَّه إذا لم يَعْلَمْ إلَّا بعدَ ثَلاثٍ، أنَّ خِيارَه يكونُ على الفَوْرِ. وظاهِرُ كلامِ ابنِ أبي مُوسى، أنَّه متى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، ثَبَتَ له الخِيارُ في الأيَّامِ الثَّلاثَةِ إلى تَمَامِها. قاله المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ عنه. وقال في «الكافِي»: وقال ابنُ أبي مُوسى: إذا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، فله الخِيارُ إلى تَمامِ ثَلاثَةِ أيَّام مِن حينِ البَيعِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى». لكِنْ قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا عِبْرَةَ بما أوْهَمَه كلامُ أبي محمدٍ في «الكافِي» ، أنَّ ابْتِداءَ الثَّلاثَةِ، على، قَوْلِ ابنِ أبي مُوسى، مِن حينِ البَيعِ. وأطْلَقهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» . واعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّه متى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، يُخَيَّرُ ثَلاثَةَ أيَّام منْذُ عَلِمَ. جزَم به في «المُجَرَّدِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ،

ص: 359

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوي الصَّغِيرِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والعَمَلُ بالخَبَرِ أوْلَى. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا ظاهِرُ الحديثِ، وعليه المُعْتَمَدُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ ابنِ أبي مُوسى، والفَرْقُ بينَ هذا وبينَ قَوْلِ القاضي، أنَّ الخِيَرَةَ، على قوْلِ القاضي، تكونُ بعدَ الأيَّامِ الثلاثَةِ، ويكونُ هذا على الفَوْرِ. وعلى المذهبِ، تكونُ الخِيَرَةُ في الأيَّامِ الثَّلاثَةِ.

تنبيه: ظاهرُ قوله: فله الرَّدُّ. أنَّه ليس له سِوَاه، أو الإمْساكُ مجَّانًا. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَشْهُورُ عندَ الأصحابِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: يُخَيَّرُ بينَ الإمْساكِ مع الأرْشِ وبينَ

ص: 360

وَإِنْ صَارَ لَبَنُهَا عَادَةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ: وَإِذَا اشْتَرَى أمَةً مُزَوَّجَةً، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ، لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ.

ــ

الرَّدِّ. وجزَم به أبو بَكْر في «التَّنْبِيهِ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . ومال إليه صاحِبُ «الرَّوْضَةِ» ، ونقَلَه ابنُ هانِئٍ. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، في التَّصْرِيَةِ؛ لأنَّهما حكَيَاه عن أبي بَكْر، واقْتَصَرا عليه، وقدَّماه في غيرِ التَّصْرِيَةِ، لكنْ قالا: ظاهرُ كلامِ غيرِ أبي بَكْرٍ مِن أصحابِنا، أنَّه ليس له إلَّا الرَّدُّ أو الإِمْساكُ لا غيرُ.

قوله: وإنْ صار لَبَنُها عادَةً، لم يكنْ له الرَّدُّ في قياسِ قولِه: إذا اشْتَرَى أمَةً مُزَوَّجَةً فطَلَّقَها الزَّوْجُ، لم يَمْلِكِ الرَّدَّ. اعلمْ أنَّه إذا صارَ لَبَنُها عادَةً، لم يَكُنْ له الرَّدُّ. جزَم به كلُّ مَن ذكَرَها. وأمَّا إذا اشْتَرى أمَةً مُزَوَّجَةً، فطَلَّقَها الزَّوْجُ، وهو الأصْلُ المَقِيسُ عليه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا خِيارَ للمُشْتَرِي. نصَّ عليه. قال ابنُ عَقِيل في «الفُصُولِ»: بشَرْطِ أنْ لا يكونَ طَلاقُها رَجْعِيًّا. قلتُ: لعَلَّه مُرادُ النَّصِّ، والمذهبُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ أيضًا: في طَلاقٍ بائنٍ فيه عِدَّةٌ،

ص: 361

وَإنْ كَانَتِ التَّصْرِيَةُ فِي غَيرِ بَهِيمَةِ الْأنْعَامِ، فَلَا رَدَّ لَهُ فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ. وَفِي الْآخَرِ، لَهُ الرَّدُّ وَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُ اللَّبَنِ.

ــ

احْتِمالان. قلتُ: الذي يَظْهَرُ، إنْ كانتِ العِدَّةُ بقَدْرِ الاسْتِبْراءِ، أنَّه لا خِيارَ له. وقال في «الرِّعايَةِ» مِن عندِه: إنِ اشْترَى مُعْتَدَّةً مِن طَلاقٍ أو مَوْتٍ جاهِلًا ذلك، فله رَدُّها أو الأرْشُ.

تنبيه: قوْلُه: فطَلَّقَها الزَّوْجُ. هكذا أطْلَقَ أكثرُ الأصحابِ. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ»: فلو طُلِّقَتْ قبلَ عِلْمِه، زال. نصَّ عليه. فقَيَّد الطَّلاقَ بعَدَمِ العِلْمِ. قال شيخُنا: والأوَّلُ أظْهَرُ.

فائدة: لو اشْتَراها ولم يعْلَمْ بكَوْنِها مُزَوَّجَةً، خُيِّرَ بينَ الرَّدِّ أو الإِمْساكِ مع الأرْشِ، وإنْ كان عالِمًا، فلا خِيارَ له، وليس له مَنْعُ زَوْجِها مِن وَطْئِها بحالٍ.

قوله: وإنْ كانَتِ التَّصْرِيَةُ في غيرِ بهَيمَةِ الأنْعامِ، فلا رَدَّ له في أحَدِ الوَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذهَبِ» ،

ص: 362

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ؛ أحدُهما، لا رَدَّ له، وهو ظاهِرُ «الوَجيزِ» . قال ابنُ البَنَّا، تبَعًا لشَيخِه القاضي: هذا قياسُ المذهبِ. قال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» : هذا أقْيَسُ. والوَجْهُ الثَّاني: له الرَّدُّ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . واخْتارَه ابنُ عَقيل، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعَ» ، و «شَرْحِ ابنَ رَزِينٍ» .

قوله: ولا يَلْزَمُه بَدَلُ اللَّبَنِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرُهم، وقالُوا في تَعْلِيلِه: لأنَّه لا يُعْتاضُ عنه في العادَةِ. قال في «الفُروعِ» : كذا قالُوا: وليس بمَانِعٍ. انتهى. وقيل: إنْ جازَ بَيعُ لَبَنِ الأمَةِ، غَرِمَه. ذكَرَه

ص: 363

المقنع وَلَا يَحِلُّ لِلْبَائِعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِهِ، وَلَا كِتْمَانُ عَيبِهَا.

ــ

في «الرِّعايَةِ» . قلتُ: ويُخَرَّجُ عليه غيرُه، بل أوْلَى.

قوله: ولا يحِلُّ للبائعِ تَدْلِيسُ سِلْعَتِه، ولا كِتْمانُ عَيبِها. أمَّا التَّدْليسُ، فحَرامٌ بلا نِزاعٍ. وأمَّا كِتْمانُ العَيبِ، فالصَّحيح مِنَ المذهبِ، أنَّه حرامٌ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو الصَّوابُ، وذكَرَه التِّرْمِذِيُّ عنِ العُلمَاءِ، وذكَر أبو الخَطَّابِ، أنَّه يُكْرَهُ. قال في «التَّبْصِرَةِ»: الكَراهَةُ نَصَّ عليها أحمدُ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» . وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الفائقِ» ، لكِنِ اخْتارَ الأوَّلَ. قال في «التَّلْخيصِ»: والمَشْهُورُ صِحَّةُ البَيعِ مع الكَراهَةِ. انتهى. قلتُ: الذي يظْهَرُ أنَّ مُرادَ الإِمامَ أحمدَ بالكَراهَةِ، التَّحْريمُ.

ص: 364

فَإِنْ فَعَلَ، فَالْبَيعُ صَحِيحٌ. وَقَال أَبُو بَكْرٍ: إِنْ دَلَّسَ الْعَيبَ، فَالْبَيعُ بَاطِلٌ. قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ فِي التَّصْرِيَةِ؟ فَلَمْ يَذْكُرْ جَوَابًا.

ــ

قوله: فإنْ فعَل، فالبَيعُ صَحيحٌ. يعْنِي إذا كتَم العَيبَ أو دَلَّسَه وباعَه. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، لا يصِحُّ. نقَل حَنْبَلٌ، بَيعُه مَرْدُودٌ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال في «الحاوي الكَبِيرِ»: وهو ظاهِرُ مَنْصُوصِ أحمدَ. ورِوايَةُ حَنْبَل، إذا دلَّسَ البائِعُ العَيبَ وباعَ، فتَلِفَ المَبِيعُ في يَدِ المُشْتَرِي بغيرِ فِعْلِه، فإنَّه يَرْجِعُ على البائِعِ بجَميعِ الثَّمَنِ. وقولُه: وقال أبو بَكْرٍ: إنْ دلَّسَ العَيبَ، فالبَيعُ باطِلٌ. قيل له: فما تقولُ في المُصَرَّاةِ؟ فلم يذْكُرْ جَوابًا. قال الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: فدَلَّ على رُجُوعِه. قلتُ: أكثرُ الأصحابِ يحْكِي أنَّ هذا اخْتِيارُ أبي بَكْرٍ، ولم يذْكُروا أنَّه رجَع.

فائدة: قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وكذا لو أعْلَمَه بالعَيبِ، ولم يعْلَما قَدْرَه، فإنَّه يجُوزُ عِقابُه بإتْلافِه، والتَّصَدُّقُ به إذا دَلَّسَه. وقال: أفْتَى به طائفة مِن أصحابِنا.

ص: 365

فَصلٌ: الْخَامِسُ، خِيَارُ الْعَيبِ؛ وَهُوَ النَّقْصُ؛ كَالْمَرَضِ، وَذَهَابِ جَارِحَةٍ أَوْ سِنٍّ، أَوْ زِيَادَتِهَا، وَنَحْو ذَلِكَ. وَعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِنْ فِعْلِهِ؛ كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالإبَاقِ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ إِذَا كَانَ مِن مُمَيِّزٍ.

ــ

قوله: الخامسُ، خِيارُ العَيبِ؛ وهو النَّقْصُ. العَيبُ؛ هو ما يُنْقِصُ قِيمَةَ المَبِيعِ عادةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال في «التَّرْغيبِ» وغيرِه: هو ما يُنْقِصُ قِيمَةَ المَبِيعِ نَقِيصَة يقْتَضِي العُرْفُ سلامَةَ المَبِيعِ عنها غالبًا.

قوله: وعُيُوبُ الرَّقِيقِ مِن فِعْلِه؛ كالزِّنا، والسَّرِقَةِ، والإِباقِ، والبَوْلِ في الفِراشِ. وكذا شُرْبُه الخَمْرَ والنَّبِيذَ إذا كان مِن مُمَيِّزٍ. نصَّ عليه. أناطَ المُصَنِّفُ، رحمه الله، الحُكْمَ في ذلك بالتَّمْييزِ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَين» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ،

ص: 366

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «تَجْريد العِنايَةِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. وزادَ بعضُهم، فقال: إذا تكَرَّرَ. قال في «الرِّعايَةِ» : وبوْلُه في فِراشِه مِرارًا. والوَجْهُ الثَّاني، يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ ذلك مِن ابنِ عشْرٍ فصاعِدًا. وهو المذهبُ. نصَّ عليه. وحمَل ابنُ مُنَجَّى كلامَ المُصَنِّفِ عليه، مع أنَّ كلامَ مَن تقدَّم ذِكْرُه لا يَأْبَاه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال في «الكافِي»: فأمَّا العُيوبُ المَنْسُوبَةُ إلى فِعْلِه، ككذا وكذا، فإنْ كانتْ مِن مُمَيِّزٍ جاوزَ العَشْرَ، فهي عَيبٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وزِنا مَن له عَشْرُ سِنِين، أو أكثرُ. وقيل: إنْ دامَ

ص: 367

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زِنا مُمَيِّزٍ، أو سَرِقَتُه، أو إباقُه، أو شُرْبُه الخَمْرَ، أو بَوْلُه في فِراشِه. انتهى. وقال في «الواضِحِ»: يُشْتَرطُ أنْ يكون بالِغًا. وقيل: يُشْتَرَطُ في البَوْلِ أنْ يكونَ مِن كبيرٍ، ويَتَكَرَّرُ. وشرَط النَّاظِمُ أنْ يكونَ مِن كبيرٍ، ولم يذْكُرِ التَّكْرارَ.

قوله: كالمرَضَ، وذَهَابِ جارِحَةٍ، أو سِنٍّ، أو زِيادَتِها، ونحو ذلك. كالخَصِيِّ، ولو زادَتْ قِيمَتُه، ولكِنْ يَفُوتُ به غرَضٌ صحيحٌ مُباحٌ، والإصْبَعِ الزَّائِدَةِ، والعَمَى، والعَوَرِ، والحَوَلِ، والخَوَصِ، والسَّبَلِ؛ وهو زِيادَة في الأجْفانِ، والطّرَشِ، والخَرَسِ، والصَّممِ، والقَرَعِ (1)، والبُهاقِ (2)، والبَرَصِ، والجُذامِ، والفالِجِ (3)، والكَلَفِ (4)، والبَخَرِ، والعَفَلِ، والقَرَنِ، والفَتْقِ، والرَّتْقِ، والاسْتِحاضَةِ، والجُنُونِ، والسُّعالِ، والبَحَّةِ، وكثْرةِ الكَذِبِ، والتَخْنِيثِ، وكوْنِه خُنْثَى، والثآلِيلِ (5)، والبُثُورِ، وآثارِ القُروحِ، والجُروحِ، والشِّجاجِ، والجُدَرِيِّ (6)، والحَفَرِ؛ وهو وَسَخٌ يرْكَبُ أصُولَ

(1) زيادة من: ش.

(2)

البهاق: داء يذهب بلون الجلد فتظهر فيه بقع بيض.

(3)

الفالج: شلل يصيب أحد شقي الجسم طولًا.

(4)

الكلف: نمش يعلو الوجه كالسمسم.

(5)

الثؤلول: بثر صغير صلب مستدير، يظهر على الجلد كالحمصة أو دونها.

(6)

الجُدَري: ورم يأخذ في الحلق. وخراج يكون في البدن خلقة أو من الضرب.

ص: 368

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأسْنانِ، والثُّلُومِ فيها، وذَهابِ بعضِ أسْنانِ الكبيرِ، وهو مُرادُ المُصَنِّفِ، والوَشْمِ، وتَحْريمٍ عامٍّ، كأمَةٍ مَجُوسِيَّةٍ، بخلافِ أُخْتِه مِنَ الرَّضاعِ وحَماتِه ونحوهما. قال في «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِهم، وقَرَعٍ (1) شديدٍ مِن كبيرٍ. وهو مُتَّجِهٌ. انتهى. وكوْنِ الثَّوْبِ غيرَ جديدٍ ما لم يَظْهَرْ عليه أثَرُ الاسْتِعْمالِ. ذكَرَه في «الواضِحِ» ، واقْتَصَر عليه في «الفُروعِ» . والزَّرْعِ، والغَرْسِ،

(1) في ط: «وقزع» .

ص: 369

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والإجارَةِ. قال في «الرِّعايَةِ» : وشامَاتٌ، ومَحاجِمُ (1) في غيرِ مَوْضِعِها، وشَرْطٌ يُشِينُ. ومنها، إهْمالُ الأدَبِ والوَقارِ في أماكنِهما. نصَّ عليه. ذكَرَه الخَلَّالُ. قلتُ: لعَلَّ المُرادَ في غيرِ الجَلَبِ، والصَّغِيرِ. ومنها، الاسْتِطالةُ على النَّاسِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحبُ «عُيُونِ المَسائلِ» ، وغيرُهم. ومنها، الحُمْقُ مِن كبيرٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ؛ وهو ارْتكابُ الخَطأ على بَصِيرَةٍ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وحُمْقٌ شديدٌ. واعْتَبرَ القاضي وغيرُه العادَةَ. ومنها، حَمْلُ الأمَةِ، دُونَ الدُّابَّةِ. قال في «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي»: إنْ لم يَضُرَّ اللَّحْمَ. وتقدَّم في أوَّلِ بابِ الشُّروطِ في البَيعِ. ومنها، عدَمُ خِتانِ عَبْدٍ كبيرٍ مُطْلَقا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ»: إنْ كان العَبْدُ الكبيرُ مَجْلُوبًا، فليس بعَيبٍ، وإلَّا فعَيبٌ. ومنها، عَثْرَةُ المرْكوبِ، وكَدْمُه، ورَفْسُه، وقُوَّةُ رأْسِه،

(1) المحاجم: جمع محجم، وهو موضع الحجامة.

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحَرَنُه، وشُموصُه (1)، وكَيُّه، أو بعَينه ظَفَرَةٌ (2)، أو بأُذُنِه شَقٌّ قدْ خِيطَ، أو بحَلْقِه نَغانِغُ (3)، أو غُدَّةٌ، أو عُقْدَةٌ، أو به زَوَرٌ؛ وهو نُتوءُ الصَّدْرِ عنِ البَطْنِ، أو بيَدِه أو رِجْلِه شِقاقٌ، أو بقَدَمِه فَدَعٌ، وهو نُتوءُ وَسَطِ القَدَمِ، أو به دَخَسٌ؛ وهو وَرَمٌ حولَ الحافرِ، أو كَوَعٌ (4)، أو خُروجُ العُروقِ في الرِّجْلَين عن قدَمَيهما، أو كَوَعٌ؛ وهو انْقِلابُ أصابعِ القَدَمين عليهما، أو بَعقِبِهما صَكَكٌ؛ وهو تَقارُبُهما، وقيل: اصْطِكاكُهما أو انْتِفاخُهما، أو بالفَرَسِ خَسَفٌ؛ وهو كوْن إحْدَى عَينَيه زَرْقاءَ والأُخْرَى كَحْلاءَ، وفها، كوْنُه أعْسَرَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: والمُرادُ، ولا يعْمَلُ باليَمَينِ عمَلَها المُعْتادَ، وإلَّا فزِيادَةُ خَير. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (5): كوْنُه أعْسَرَ ليس بعَيب؛ لعمَلِه بإحْدَى يدَيه. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: والجارُ السُّوءُ عَيب. قال في «الفُروعِ» : وظاهرُ كلامِهم: وبَقٌّ ونحوُه غيرُ مُعْتادٍ بالدَّارِ. قال: وقاله جماعة في زَمَنِنا. قال في «الرِّعايَةِ» : واخْتِلافُ الأضْلاعَ والأسْنانِ، وطُولُ إحْدَى يدَي الأُنْثَى،

(1) دابة شموص: أي نفور كشموس.

(2)

الظفرة: جليدة تغشى العين من الجانب الذي في الأنف.

(3)

النُّغْنغ: اللحمة في الحلق عند اللهازم.

(4)

كذا بالنسخ، ولعلها «كرع» ، وهو دقة مقدم ساقي الدابة.

(5)

انظر: المغني 6/ 238.

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وخَرْمُ شُنُوفِها. ومنها، أكْلُ الطِّينِ. ذكَرَه جماعةٌ؛ لأنَّه لا يَطْلُبُه إلَّا مَن به مرَضٌ. نَقَله عنهم ابنُ عَقِيلٍ، ذكَرَه في «الفُروعِ» ، في بابِ الأطْعِمَةِ. قلت: وهو الصَّوابُ. وقطع به في «الرِّعايَةِ» وغيرِها. وقاله في «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، وغيرِهما. وكوْنُ الدَّارِ ينْزِلُها الجُنْدُ عَيبٌ. وعِبارَةُ القاضي، وجَدَها مُنْزَلَةً؛ قد نزَلَها الجُنْدُ. قال القاضي، وصاحِبُ «التَّرْغيبِ» ، و «الحاوي» ، ومَن تابعَهم: لو اشْتَرى قَرْيَةً، فوَجَد فيها سَبُعًا أو حَيَّةً عطمَةً، فهو عَيبٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ. وقال ابنُ الزَّاغُونِيِّ، ومَن تَبِعَه: وجَدَها كان السُّلْطَانُ ينْزِلُها ليس عَيبًا، ونَقْصُ القِيمَةِ به عادةً، إنْ غُبِنَ لذلك، الثُّلُثَ وكان مُسْتَسْلِمًا، فله الفَسْخُ للغَبْنِ لا للعَيبِ. وأجاب أبو الخَطَّابِ: لا يجوزُ الفَسْخُ لهذا الأمْرِ المُتَردِّدِ. انتهى. وليس الفِسْقُ مِن جِهَةِ الاعْتِقادِ، أو الفِعْلِ، أو التَّغْفِيلِ، بعَيبٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وفي قوله: أو الفِعْلِ. نظرٌ؛ لأنّه قد تقدَّم أنَّ شُرْبَ الخَمْرِ مِنَ المُمَيِّزِ عَيبٌ. وقيل: هو عَيبٌ في الثَّلاثةِ. قال في «الفائقِ» : ولو ظهَر العَبْدُ فاسِقًا مع إسْلامِه، فله الرَّدُّ، سواءٌ كان فِسْقُه لبِدْعَةٍ أو غيرِها. ذكَرَه في «الفُصُولِ». قال: وكذا لو ظهَر مُتَوانِيًا في الصَّلاةِ. والمُخْتارُ ما ذكَرَه ابنُ عَقيل. انتهى. والثُّيُوبَةُ ليستْ بعَيبٍ. على الصّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، منهم القاضي وغيرُه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي». وجزَم به في «الكافِي» وغيرِه. وقال ابنُ عَقِيل: إن ظهَرَتْ ثَيِّبًا مع إطْلاقِ العَقْدِ، فهو عَيبٌ. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» .

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وليس مَعْرفَةُ الغِناءِ والكُفْرُ بعَيب. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقال ابنُ عَقِيل: الغِناءُ في الأمَةِ عَيبٌ، وكذا الكُفْرُ. وأطْلَقهما في «الفروعِ». وقال في «الفائقِ»: وعدَمُ نَباتِ عانَةِ الأمَةِ ليس عَيبًا في قِياسِ الحَيضِ. وقال على قولِ ابنِ عَقيل: هو عَيبٌ. وعَدَمُ الحَيضِ في الكَبِيرَةِ ليس بعَيبٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: هو عَيبٌ. قال ابنُ عَقِيلٍ: هو

ص: 373

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَيبٌ لمُخالفَةِ الجِبِلَّةِ فيه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وفي «الانْتِصار» : ليس عَيبًا مع بقاءِ القِيمَةِ، وليس عُجْمَةُ اللِّسانِ، والفَأْفاءُ، والتَّمْتَامُ، والأَرَتُّ (1)، والقَرابَةُ بعَيبٍ، وكذلك الأَلْثَغُ. جزَم به في «الفُروعَ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» في مَوْضِعٍ. وقال في مَوْضِعٍ: اللَّثَغُ وغُنَّةُ الصَّوْتِ عَيبٌ.

فائدة: قال في «الانْتِصارِ» ، و «مُفْرَداتِ أبي يَعْلَى الصَّغِيرِ»: لا فَسْخَ بعَيبٍ يَسِير، كصُداعٍ، وحُمَّى يَسِيرَةٍ، وسقُوطِ آياتٍ يَسِيرَةٍ في المُصْحَفِ للعادَةِ، كغَبْنٍ يَسِيرٍ، ولو مِن وَلِيٍّ. قال أبو يَعْلَى: ووَكِيل. وقال في وَليٍّ

(1) الأرت: الذي في لسانه عقدة، ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه.

ص: 374

فَمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَعْلَمْ عَيبَهُ، فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالإمْسَاكِ مَعَ الْأرْشِ، وَهَوُ قِسْطُ مَا بَينَ قِيمَةِ الصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ.

ــ

ووَكيل: لو كَثُرَ الغَبْنُ، بطَل. وقال أيضًا: يُوجبُ الرُّجوعَ عليهما. وذكَر أيضًا الفَسْخَ بعَيبٍ يَسيرٍ، وأنَّ المَهْرَ مِثْلُه في وَجْهٍ، وأنَّ له الفَسْخَ بغَبْنٍ يَسيرٍ، كدِرْهَمٍ في عَشَرَةٍ بالشَّرْطِ. وتقدّمَ ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ في الغَبْنِ. وفي «مُفْرَداتِ أبي الوَفاءِ» ، وغيرِه أيضًا، لا فَسْخَ بعَيبٍ، أو غَبْنٍ يَسيرٍ، وأنَّ الكَثِيرَ يَمْنَعُ الرُّشْدَ، ويُوجِبُ السَّفَهَ، والرُّجُوعَ على وَلِيٍّ ووَكيل. قال أحمدُ: مَنِ اشْتَرَى مُصْحَفًا، فوَجَدَه ينْقُصُ الآيَةَ والآيتَين، ليس هذا عَيبًا؛ لا يَخْلُو المُصْحَفُ مِن هذا. وفي «جامِعِ القاضي» ، بعدَ هذا النَّصِّ، قال: لأنَّه كغَبْنٍ يَسيرٍ. قال: وأجْوَدُ مِن هذا، أنَّه لا يَسْلَمُ عادةً مِن ذلك، كيَسِيرِ التُّرابِ والعُقَدِ في البُرِّ.

قوله: فمَنِ اشْتَرَى مَعِيبًا لم يَعْلَمْ عَيبَه. هكذا عِبارَةُ غالبِ الأصحابِ. وقال أبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» : فمَنِ اشْتَرى مَعِيبًا لم يعْلَمْ عَيبَه، أو كان عالِمًا به

ص: 375

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولم يَرْضَ به.

قوله: فله الخِيارُ بينَ الرَّدِّ والإمْساكِ مع الأرْشِ. هذا المذهبٌ مطْلَقًا. أعْنِي سواءً تعَذَّرَ رَدُّه أوْ لا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، ليس له الأرْشُ إلَّا إذا تعَذَّرَ رَدُّه. اخْتارَه صاحِبُ «الفائقِ» ، والشَّيخُ تَقِي الدِّينِ. قال: وكذلك يُقالُ في نَظائِرِه، كالصَّفْقَةِ إذا

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تفَرَّقَتْ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو الأصحُّ. واخْتارَ شيخُنا في «حَواشِي الفُروعِ» ، أنَّه إنْ دَلَّسَ العَيبَ، خُيِّرِ بينَ الرَّدِّ والإمْساكِ مع الأرْشِ، وإنْ لم يُدَلسِ العَيبَ، خُيِّرَ بينَ الرَّدِّ والإمْساكِ بلا أَرْشٍ. وعنه، لا رَدَّ ولا أَرشَ لمُشْتَرٍ وهَبَه بائعٌ ثَمَنًا، أو أْبرَأَه منه، كمَهْرٍ في رِوايَةٍ. وأطْلَقَهما في «القاعِدَةِ السَّابِعَةِ والسِّتِّين». قال: واخْتارَ القاضي في «خِلافِه» ، أنَّه إذا رَدَّه، لم يَرْجِعْ عليه بشيءٍ ممَّا أبْرَأه منه. ويتَخَرَّجُ التَّفْريقُ بينَ الهِبَةِ والإبراءِ، فيَرْجِعُ في الهِبَةِ دُونَ الإبراءِ. ولو ظهَر هذا المَبِيعُ مَعِيبًا بعدَ أنْ تعَيَّبَ عندَه، فهل له المُطالبَةُ بأرْيقِ العَيبِ؟ فيه طَريقان؛ أحدُهما، تخْريجُه على الخِلافِ في رَدِّه. والطَّريقُ الآخَرُ، تَمْتَنِعُ المُطالبةُ وَجْهًا واحدًا. وهو اخْتِيارُ ابنِ عَقِيلٍ ويأْتِي في كتابِ الصَّداقِ ما يُشابِهُ هذا.

فائدتان؛ إحْداهما، لو ظهَر بالمَأجُورِ عَيبٌ، فقال المُصَنِّفُ، والمَجْدُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم: قِياسُ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ المَبِيعِ. جزَم به ناظِمُ

ص: 377

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُفْرَداتِ» ، وهو منها. والصَّحيحُ مِنَ المذهب، أنَّه لا أرْشَ له. ويأْتِي ذلك في الإِجارَةِ، عندَ قولِه: وإنْ وجَد العَينَ مَعِيبَةً. بأَتَمَّ مِن هذا. الثَّانيةُ، إذا اخْتارَ الإمْساكَ مع الأرْشِ، فيَحْتَمِلُ أنْ يأْخُذَه مِن غيرِ الثَّمَنِ مع بَقائِه؛ لأنَّه فَسْخٌ أو إسْقاطٌ. وقاله القاضي في مَوْضِعٍ مِن «خِلافِه». ويَحْتَمِلُ أنْ يأْخُذَ مِن حيث شاءَ البائعُ؛ لأنَّه مُعاوَضَةٌ. وقاله القاضي أيضًا في مَوْضِعٍ مِن «خِلافِه». قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِي». قال ابنُ رَجَبٍ في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالخَمْسِين»: واخْتلَفَ الأصحابُ، يعْنِي في أخْذِ أرْشِ العَيبِ، فمنهم مَن يقولُ: هو فَسْخُ العَقْدِ في مِقْدارِ العَيبِ، ورُجوعٌ بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ. ومنهم مَن يقولُ: هو عِوَضٌ عنِ الجُزْءِ الفائتِ. ومنهم مَن قال: هو إسْقاطُ الجُزْءِ مِنَ الثَّمَنِ في مُقابَلةِ الجُزْءِ الفائتِ الذي تعَذَّرَ تَسْلِيمُه. وكل مِن هذه الأقْوالِ الثَّلاثةِ، قاله القاضي في مَوْضِعٍ مِن «خِلافهِ» . ويَنْبَنِي على الخِلافِ، في أنَّ الأَرْشَ فَسْخٌ. أو إسْقاطُ الجُزْءِ مِنَ الثَّمَنِ، أو مُعاوضَةٌ، أنَّه إنْ كان فَسْخًا، أو إسْقاطًا، لم يَرْجِعْ إلَّا بقَدْرِه مِنَ الثَّمَنِ، ويَسْتَحِقُّ جُزْءًا مِن غيرِ الثَّمَنِ مع بَقائِه، بخِلافِ ما إذا قُلْنا: إنَّه مُعاوَضَةٌ. انتهى. وقد صرَّح المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، أنَّ الأرْشَ عِوَضٌ عنِ الجُزْءِ الفائتِ في المَبِيعِ. وقال في القاعِدَةِ المذْكُورَةِ أعْلاه: إذا قُلْنا: هو.

ص: 378

وَمَا كَسَبَ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ نَمَاؤُهُ الْمُنْفَصِلُ. وَعَنْهُ، لَا

ــ

عِوَضٌ عنِ الفائتِ. فهل هو عِوَضٌ عنِ الجُزْءِ نَفْسِه، أو عن قِيمَتِه؟ ذهَب القاضي في «خِلافِه» ، إلى أنَّه عِوَضٌ عنِ القِيمَةِ، وذهَب ابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» ، وابنُ المَنِّيِّ، إلى أنَّه عِوَضٌ عنِ العَينِ الفائتَةِ. ويَنْبَنِي على ذلك، جَوازُ المُصالحَةِ عنه بأكْثَرَ مِن قِيمَتِه. فإنْ قُلْنا: المَضْمُونُ العَينُ. فله المُصالحةُ عنها بما شاءَ، وإنْ قُلْنا: القِيمَةُ. لم يَجُزْ أنْ يُصالِحَ عنها بأكْثَرَ منها مِن جِنْسِها. انتهى.

فائدة: لو أسْقَطَ المُشْتَرِي خِيارَ الرَّدِّ بعِوَضٍ بذَلَه له البائعُ وقَبِلَه، جازَ على حسَبِ ما يتَّفِقان عليه، وليس مِنَ الأرْشِ في شيءٍ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في الشُّفْعَةِ، ونصَّ أحمدُ على مِثْلِه في خِيارِ المُعْتَقَةِ تحتَ عَبْدٍ. قاله في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والخَمْسِين» .

قوله: وهو قِسْطُ ما بينَ قِيمَةِ الصَّحيحِ والمَعِيبِ مِنَ الثَّمَنِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقَطعُوا به. وقال في «الرِّعايَةِ» ، بعدَ أنْ ذكَر الأوَّلَ: وقيلَ: قَدْرُه مِنَ الثَّمَنِ كنِسْبَةِ ما يُنْقِصُ العَيبُ مِنَ القِيمَةِ إلى تَمامِها لو كان سَلِيمًا يومَ العَقْدِ.

قوله: وما كسَب، فهو للمُشْتَرِي. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع

ص: 379

يَرُدُّهُ إلا مَعَ نَمَائِهِ.

ــ

به كثيرٌ منهم؛ منهم المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» و «الشَّرْحِ» ، وقال: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وعنه، للبائِعِ. ونَفاها الزَّرْكَشِي. ولا يُلْتفَتُ إلي ما قال عن صاحِبِ «الكافِي» في حِكايةِ الخِلافِ فيه، فقد ذكَر الرِّوايَةَ جماعةٌ.

قوله: وكذلك نَماؤه المُنْفَصِلُ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يَرُدُّه إلَّا مع نَمائِه، وإنْ قُلْنا: لا يَرُدُّ كَسْبَه. وقال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» : ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ كلامًا يدُلُّ على أن اللَّبَنَ وحدَه يُرَدُّ عِوَضُه؛ لحديثِ المُصَرَّاةِ.

فائدة: لو حدَث حَمْلٌ بعدَ الشِّراءِ، فهل هو نَماءٌ مُنْفَصِلٌ أو مُتَّصِلٌ؟ جزَم

ص: 380

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ هنا، أنَّه زِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في الصَّداقِ: هو زِيادَة مُتَّصِلَة. ثم اخْتلَفا، فقال القاضي: يُجْبَرُ الزَّوْجُ على قَبُولِها إذا بذَلَتْها المرْأَةُ. وخالفَه ابنُ عَقِيل في الآدَمِيَّاتِ. وقال القاضي في التَّفْلِيسِ: يَنْبَنِي على أنَّ الحَمْلَ، هل له حُكْمٌ أم لا؟ فإنْ قُلْنا: له حُكْمٌ. فهو زِيادَة مُنْفَصِلَةٌ، وإلَّا فهو زِيادَةٌ مُتصِلَةٌ كالسِّمَنِ. وقال في «التَّلْخيصِ»: الأظْهَرُ أنَّه يُتْبَعُ في الرُّجوعِ كما يُتْبَعُ في المَبِيعِ. ذكَرَه في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والثَّمانِين» . وأمَّا إذا حمَلَتْ ووَلَدَتْ بعدَ الشِّراءِ، فهو نَماءٌ مُنْفَصِلٌ، بلا نِزاعٍ. وظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، أنَّه تُرَدُّ أُمُّه دُونَه. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. اخْتارَها الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ في «رءُوسِ مَسائِلِهما». قال الزَّرْكَشِيُّ: قاله القاضي في «تَعْلِيقِه» فيما أظُنُّ. وهي قولٌ في «الفُروع» ،؛ لو كان حُرًّا. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الوَجيزِ» وغيرِه. والصَّحيحُ منَ المذهبِ، أنَّه إذا رَدَّها لا يرُدُّها إلَّا بوَلَدِها، فيتَعَيَّنُ له الأرشُ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ» ،

ص: 381

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم.

فائدة: للأصحابِ في الطَّلْعِ، هل هو نَماءٌ مُنْفَصِلٌ أو مُتَّصِلٌ؟ طُرُقٌ؛ أحدُها، هو زِيادَةٌ مُتَّصِلَةٌ مُطْلَقًا. جزَم به القاضي، وابنُ عَقِيل في الصَّداقِ، وكذا في «الكافِي» ، وجعَل كلَّ ثَمَرةٍ على شَجَرَةٍ زِيادَةً مُتَّصِلَةً. الثَّاني، زِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ مُطْلَقًا. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ مِنَ التَّفْلِيسِ، والرَّدِّ بالعَيبِ، وذكَرَه في «المُغْنِي» احْتِمالًا، وحكَاه في «الكافِي» عنِ ابنِ حامِدٍ. الثَّالِثُ، المُؤبَّرُ زِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وغيرُه زِيادَةٌ مُتَّصلَةٌ. صرَّح به القاضي، وابنُ عَقِيلٍ أيضًا في التَّفْليسِ، والرَّدِّ بالعَيب. وذكَرَه مَنْصُوصَ أحمدَ. الرَّابعُ، غيرُ المُؤَبَّرِ زِيادَةٌ مُتصِلَةٌ بلا خِلافٍ، وفي المَؤبَّرِ وَجْهان. وهي طريقَتُه في «التَّرغِيبِ» ، في الصَّداقِ. الخامِسُ، المُؤبَّرَةُ زِيادَة مُنْفَصِلَةٌ (1)، وَجْهًا واحدًا، وفي غيرِ المُؤبَّرَةِ وَجْهان. واخْتارَ ابنُ حامِدٍ، أنَّها مُنْفَصِلَةٌ. وهي طَرِيقَةٌ في «الكافِي» ، في التَّفْليسِ. وأمَّا

(1) في الأصل: «متصلة» .

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحَبُّ إذا صارَ زَرْعًا، والبَيضَةُ إذا صارَتْ فَرْخًا، فأكثرُ الأصحابِ على أنَّها داخِلَةٌ في النَّماءِ المُنْفَصِلِ. قاله القاضي، وابنُ عَقِيل. وذكَر المُصَنِّفُ وَجْهًا، وصحَّحَه، أنَّه مِن بابِ تَغيُّرِ ما يُزِيلُ الاسْمَ؛ لأنَّ الأوَّلَ اسْتَحال. وكذا قال ابنُ عَقِيلٍ في مَوْضِع آخَرَ.

تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ؛ أنَّ النَّماءَ المُتَّصِلَ (1) للبائِعِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا قَوْلُ عامَّةِ الأصحابِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: النَّماءُ المُتَّصِلُ كالمُنْفَصِلِ، فيكونُ للمُشْتَرِي قِيمَتُهما. وقال الشِّيرَازِيُّ: النَّماءُ المُتَّصِلُ (1) للمُشْتَرِي. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال في «القاعِدَةِ الثَّمانِين» : ونصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، واخْتارَه ابنُ عَقِيل أيضًا. فعلى هذا يُقَوَّمُ على البائِعِ. وقال في «الفُروعِ» ، وفي

(1) في الأصل: «المنفصل» .

ص: 383

وَوَطْءُ الثَّيِّبِ لَا يَمْنَعُ الرَّدَّ. وَعَنْهُ، يَمْنَعُ.

ــ

«المُغْنِي» ، في النَّماءِ المُتَّصِلِ، في مَسْألةِ صَبْغِه ونَسْجِه: له أرْشُه إنْ رَدَّه. انتهى. والذي في «المُغْنِي» : فله أرْشُه لا غيرُ.

قوله: ووَطْءُ الثَّيِّبِ لا يَمْنَعُ الرَّدَّ. فله رَدُّها، ولا يُحْسَبُ عليه وطْؤُها. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ويجوزُ له بَيعُها مُرابحَةً بلا إخْبارٍ (1). قاله في «الانْتِصارِ» وغيرِه. وعنه، وَطْؤُها يَمْنَعُ رَدَّها. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، ذكَرَه عنه في «الفائقِ». قال أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ»: لا تُرَدُّ الأمَةُ بعدَ وَطْئِها، ويأْخُذُ أرْشَ العَيبِ مُطْلَقًا. وعنه، له رَدُّها بمَهْرِ مِثْلِها. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» ،

(1) في الأصل: «خيار» .

ص: 384

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوي» .

فائدتان؛ إحْداهما، حدُوثُ العَيبِ بعدَ العَقْدِ وقبلَ القَبْضِ، كالعَيبِ قبلَ العَقْدِ فيما ضَمانُه على البائِعِ، كالمَكِيلِ، والمَوْزُونِ، والمَعْدودِ، والمَذْروعِ، والثَّمَرةِ على رءُوسِ النَّخْلِ، ونحوه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال جماعةٌ: لا أرْشَ إلَّا أنْ يُتْلِفَه آدَمِيٌّ فيَأْخُذَه منه. وحدُوث العَيبِ بعدَ القَبْضِ مِن ضَمانِ المُشْتَرِي مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، عُهْدَةُ الحَيَوانِ ثَلإثَةُ أيَّامٍ. وعنه، سِتَّةٌ. وقال في «المُبْهِجِ»: وبعدَ السِّتَّةِ. والمذهبُ، لا عُهْدَةَ. قال الإمامُ أحمدُ: لا يصِحُّ فيه حَدِيثٌ. الثَّانيةُ، لو اشْترَى مَتاعًا، فوَجَدَه خَيرًا ممَّا اشْترَى، فعليه رَدُّه إلى بائِعِه، كما لو وجَدَه أرْدَأ، كان له رَدُّه. نصَّ عليه. قاله في «الرعايَةِ» ، و «الحاوي» ،

ص: 385

وَإنْ وَطِئَ الْبِكْرَ، أوْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ، فَلَهُ الْأرْشُ. وَعَنْهُ، أنَّهُ مُخَيَّرٌ بَينَ الْأرْشِ وَبَينَ رَدِّهِ وَأرْشِ الْعَيبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ، وَيَأْخُذ الثَّمَنَ.

ــ

وغيرِهما. قلتُ: لعَلَّ محَلَّ ذلك إذا كان البائعُ جاهِلًا به.

قوله: وإنْ وَطِئَ البِكْرَ، أو تَعَيَّبَتْ عندَه، فله الأرْشُ. يَعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. وهو إحْدَى الرِّواياتِ. قال ابنُ أبي مُوسى: هي الصَّحِيحَةُ عن أحمدَ. [وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ](1). وجزَم به في «الوَجيزِ» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» . وقدَّمَه في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبي مُوسى، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه» . وعنه، أنَّه مُخَيَّرٌ بينَ الأرْشِ وبينَ رَدِّه، وأرْشِ العَيبِ الحادِثِ عندَه، ويأْخُذُ الثَّمَنَ. نقَلَها الجماعةُ عن أحمدَ. قال في «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ»: عليها الأصحابُ. زادَ في «التَّلْخيصِ» ، وهي المشْهورَةُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي أشْهَرُهما. واخْتارَها أبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، والقاضي أبو الحُسَينِ،

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمُصَنِّفُ، وإليها مَيلُ الشَّارِحِ. وصحَّحَها القاضي في «الرِّوايتَين» . واخْتارَها الخِرَقِيُّ فيما إذا لم يُدَلِّسِ العَيبَ. وجزَم به في «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ». وقال: هو المذهبُ. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يَلْزَمُه أيضًا مَهْرُ البِكْرِ.

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيهان؛ أحدُهما، أرْشُ العَيبِ الحادِثِ عندَه، هو ما نقَصَه مُطْلَقًا. الثَّانِي، على رِوايَةِ التَّخْييرِ، يَلْزَمُ المُشْتَرِيَ، إذا رَدَّه، أرْشُ العَيبِ الحادِثِ عندَه، ولو

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أمْكَنَ زَوالُ العَيبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يَلْزَمُه أرْشُه إذا أمْكَنَ زَوالُه، كزَوَالِه قبلَ رَدِّه، وإنْ زال بعدَ الردِّ، ففي رُجوعِ مُشْتَرٍ على بائعٍ بما دفَعَه

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إليه احْتِمالان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . قلتُ: الذي يَظْهَرُ، عدَمُ الرُّجُوعِ.

ص: 391

قَال الْخِرَقِيُّ: إلا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ دَلَّسَ الْعَيبَ، فَيَلْزَمُهُ رَدُّ الثَّمَنِ كَامِلًا. قَال الْقَاضِي: وَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَلِمَ أنَّ الْبَائِعَ دَلَّسَ الْعَيبَ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. نَصَّ عَلَيهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ.

ــ

قوله: قال الخِرَقِيُّ: إلَّا أَنْ يَكونَ البائعُ دلَّسَ العَيبَ، فيَلزَمُه رَدُّ الثَّمَنِ كامِلًا. وهو المذهبُ. أعْنِي فيما إذا دلَّسَ البائعُ العَيبَ (1). قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المذهبُ المنْصُوصُ المَعْروفُ. قال في «الفُروعِ» : ونَصُّه، له رَدُّه بلا أرْشٍ إذا دلَّس البائِعُ العَيبَ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: هذا المَنْصُوصُ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يرْجِعُ المُشْتَرِي بالثَّمَنِ على الأصحِّ. قال في «الكافِي» : والمَنْصُوصُ أنَّه يرْجِعُ بالثَّمَنِ، ولا شيءَ عليه. قلتُ: نصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبلٍ، وابنِ القاسِمِ.

(1) زيادة من: ش.

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الحاوي». قال القاضي: ولو تَلِفَ المَبِيعُ عندَه، ثم عَلِمَ أنَّ البائِعَ دلَّسَ العَيبَ، رجَع بالثَّمَنِ كلِّه. نصَّ عليه في روايَةِ حَنْبَلٍ. قال الإمامُ أحمدُ، في رَجُلٍ اشْتَرى عَبْدًا فأبقَ، وأقامَ البَيِّنَةَ؛ أنَّ إباقَه كان مَوْجُودًا في يَدِ البائِعِ. يَرْجِعُ على البائِعِ بجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لأنَّه غَرَّ المُشْتَرِي، ويَتْبَعُ البائِعُ عَبْدَه حيثُ كان. انتهى. قلتُ: وهذا هو الصَّوابُ الذي لا يعْدَلُ عنه. فعلى هذا، قال المُصَنِّفُ، والشّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ»: سواءٌ كان التَّلَفُ مِن فِعْلِ اللهِ، أو مِن

ص: 393

وَيَحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَهُ عِوَضُ الْعَينِ إِذَا تَلِفَتْ، وَأرْشُ الْبِكْرِ إِذَا وَطِئَهَا؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَكَمَا يَجِبُ عِوَضُ لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

ــ

المُشْتَرِي، أو مِن فِعْلِ أجْنَبِيٍّ، أو مِن فِعْلِ (1) العَبْدِ، وسواءٌ كان مُذْهِبًا للجُمْلَةِ أو بعضِها. قال في «الفائقِ»: قلتُ: لم يَنُصَّ أحمدُ على جِهَاتِ الإتْلافِ، والمَنْقُولِ في الإِباقِ. انتهى. وقال في «القَواعِدِ»: وهذا التَّفْصِيلُ، بينَ أنْ يكونَ التَّلَفُ بانْتِفاعِه، أو بفِعْلِ اللهِ،؛ حمَل القاضي عليه رِوايَةَ ابنِ مَنْصُور، أصَحُّ. وهذا ظاهِرُ كلامِ أبي بَكرٍ. قال المُصَنِّفُ هنا: ويَحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَه عِوَضُ العَينِ إذا تَلِفَتْ، وأرْشُ البِكْرِ إذا وَطِئَها؛ لقَوْلِه، عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«الخَرَاجُ بِالضمانِ» . وكما يجِبُ عِوَضُ لَبَنِ المُصَرَّاةِ. يعْنِي بهذا الاحْتِمالِ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 394

وَإنْ أَعتَقَ الْعَبْدَ، أَوْ تَلِفَ الْمِبيعُ، رَجَعَ بِأَرْشِهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ بَاعَهُ غَيرَ عَالِم بِعَيبِهِ. نَصَّ عَلَيهِ. وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَهُ. وَإنْ فَعَلَهُ

ــ

إذا دَلَّسَ البائعُ العَيبَ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، وأبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» ، وإليه مَيلُ الشَّارِحِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذا هو الصَّوابُ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، وحَكاه رِوايَةً، وكذلك صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، لكِنَّه إنَّما حَكاها في التَّلَفِ في أنَّ المُشْتَرِيَ لا يرْجِعُ إلَّا بالأرْشِ. قال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والثَّمانِين»: وحكَى طائفَةٌ مِنَ المُتَأخِّرين رِوايَةً بذلك.

فائدة: لو كانَ كاتِبًا أو صائغًا، فنَسِيَ ذلك عندَ المُشْتَرِي، فهو عَيبٌ حدَث. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» . وعنه، يَرُدُّه مجَّانًا. ونصَّ عليه في الكِتابَةِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ». وقال: نصَّ عليه.

قوله: وإنْ أَعْتَقَ العَبْدَ -أي غيرَ عالمٍ بعَيبِه- رجَع بأرْشِه. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ، ويكونُ مِلْكًا له. وهو المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ.

ص: 395

عَالِمًا بِعَيبهِ، فَلَا شَيءَ لَهُ.

ــ

قال جماعة مِنَ الأصحابِ؛ منهم صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرُهما. وإنْ أعْتَقَه عن واجِب، وعَيبُه لا يَمْنَعُ الإجْزاءَ، فله أَرْشُه. وعنه، إنْ أعْتَقَه عن واجِبٍ، جعَل الأرْشَ في الرقابِ، وإنْ كان عن غيرِ واجِبٍ، كان له. وحكَى جماعةٌ؛ منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، هذه الرِّوايَةَ مُطْلَقًا. يعْنِي، سواءٌ كان العِتْقُ عن واجِبٍ أو غيرِه، فإنَّ الأرْشَ يكونُ في الرِّقابِ. ورَدَّه القاضي وغيرُه. قال في «الفُروعِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ لا أرْشَ. ويتَخرَّجُ مِن خِيارِ الشَّرْطِ، أنْ يفْسَخَ، ويَغْرَمَ القِيمَةَ. ذكَرَه كثيرٌ مِنَ الأصحابِ.

تنبيه: في قولِه: وإنْ أعْتَقَ العَبْدَ. إشارَةٌ إلى أنَّه لو عتَق عليه للقَرابَةِ، لا أرْشَ له. وهو صحيحٌ. وجزَم به في «الفُروعِ». قلتُ: لو قيلَ بوُجوبِ الأرْشِ لَكانَ

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُتَّجِهًا، بل فيه قُوَّةٌ.

قوله: وتَلِفَ المَبيعُ، رجَعِ بأَرْشِه. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويتَخَرَّجُ أنْ يفْسَخَ ويغْرَمَ القِيمَةَ. وخرَّج القاضي في «خِلافِه» ، أنَّه يَمْلِكُ الفَسْخَ، ويَرُدُّ بدَلَها مِن رَدِّ المُشْتَرِي أرْشَ العَيبِ الحادِثِ عندَه، وذكَر أنَّه قِياسُ المذهبِ. وتابَعَه عليه أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» . وجزَم به ابنُ عَقِيل في «فُصُولِه» مِن غيرِ خِلافٍ. وقال ابنُ رَجَبٍ، عن المذهبِ: هو ضعيفٌ. ذكَره في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والخَمْسِين» .

قوله: وكذلك إِنْ باعَه غيرَ عالِم بعَيبِه. يعْنِي له الأرْشُ. وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه جماهير الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهم. ويتَخرَّجُ مِن خِيارِ الشَّرْطِ، أنْ يفْسَخَ ويغْرَمَ القِيمَةَ. وذكَر أبو الخَطَّاب رِوايَةً أُخْرَى، في مَن باعَه؛ ليس له

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شيءٌ إلَّا أنْ يُرَدَّ إليه المَبِيعُ، فيكونَ له حِينَئذٍ الرَّدُّ أو الأرْشُ. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّركَشِيُّ، وغيرُهم. وكذلك إنْ أخَذ المُشْتَرِي الثَّاني مِنَ المُشْتَرِي الأوَّلِ الأرْشَ، فله الأرْشَ مِنَ البائعِ الأوَّلِ.

فائدة: لو باعَه المُشْتَرِي لبائعِه، كان له رَدُّه على البائعِ الثَّانِي، ثم للثَّانِي رَدُّه عليه. وفائِدَتُه، اخْتِلافُ الثَّمَنَين. وهذا المذهبُ. وفيه [احْتِمالٌ، أنْ](1) لا رَدَّ هنا.

قوله: وَكذلِكَ إنْ وهَبَه. أي غيرَ عالمٍ بالعَيبِ. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. وهو المذهبُ. جزَم به القاضي وغيرُه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، الهِبَةُ كالبَيعِ، فيها الرِّوايتَان. وأطْلَقَهما في «الشَّرْحِ» . ويتَخرَّجُ مِن خِيارِ الشَّرْطِ، أنْ يفْسَخَ، ويَغْرَمَ القِيمَةَ.

فائدة: حيثُ زال مِلْكُه عنه، وأخَذ الأرْشَ، فإنَّه يُقْبَل قوْلُه في قِيمَتِه. ذكَرَه في «المُنْتَخَبِ» ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» .

قوله: وإنْ فعَله عالِمًا بعَيبِه، فلا شيءَ له. وكذا لو تصَرَّفَ فيه بما يدُلُّ على الرِّضَى، أو عرَضَه للبَيعِ، أو اسْتغَلَّه. وهو المذهبُ في ذلك كلِّه، وعليه جماهيرُ

(1) في الأصل، ط:«احتمالان» .

ص: 398

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أُخْرَى فِي مَنْ بَاعَهُ، لَيسَ لَهُ شَيْءٌ إلا أنْ يَرُدَّ عَلَيهِ الْمَبِيعَ، فَيَكُونُ لَهُ حِينَئِذٍ الرَّدُّ أو الْأرْشُ.

ــ

الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وذكَرَه ابنُ أبي مُوسى، والقاضي، وغيرُهما، واخْتَلَفَ كلامُ ابنِ عَقِيل فيه. وعنه، له الأرْشُ في ذلك كلِّه. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ، لأنَّه، وإنْ دلَّ على الرِّضَى، فمَع الأرْشِ كإمْساكِه. قال في «القاعِدَةِ العاشِرَةِ بعدَ المِائَةِ»: هذا قَوْلُ ابنِ عَقِيلٍ. وقال عنَ القَوْلِ الأوَّلِ: فيه بُعْدٌ. قال المُصَنِّفُ: وقِياسُ المذهبِ، أنَّ له الأرْشَ بكلِّ حالٍ. قال في «التَّلْخِيصِ»: وذهَب إليه بعضُ أصحابِنا. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ»: ونصَّ عليه في الهِبَةِ والبَيعِ.

ص: 399

وَإنْ بَاعَ بَعْضَهُ، فَلَهُ أَرْشُ الْبَاقِي. وَفِي أَرْشِ الْمَبِيعِ الرِّوَايَتَانِ. وَقَال الْخِرَقِيُّ: لَهُ رَدُّ مِلْكِهِ مِنْهُ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ، أَوْ أرْشُ الْعَيبِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ.

ــ

قوله: وإنْ باعَ بعضَه، فله أَرْشُ الباقِي. يعْنِي، يتَعيَّن له الأرْشُ في الباقِي.

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ: وذلك إذا كان المَبِيعُ عَينًا واحدَةً أو عَينَين يُنْقِصُهما التَّفْرِيقُ. [ثم قالا: وقد ذكَر أصحابُنا في غيرِ هذا المَوْضِعِ، فيما إذا كان المَبِيعُ عَينَين يَنْقُصُهما التَّفْريقُ](1)، لا يجوزُ رَدُّ أحَدِهما وحدَه. وإنْ كان المَبِيعُ عَينَين لا يَنْقُصُهما التَّفْريقُ، فهل له رَدُّ العَينِ الباقِيَةِ في مِلْكِه؟ يُخرَّجُ على الرِّوايتَين في تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. وحمَلَا كلامَ الخِرَقِيِّ على ما إذا دلَّس البائعُ العَيبَ، كما تقدَّم. انتهيا. وعنه، رَدُّه بقِسْطِه. اخْتارَه الخِرَقِيُّ. وهو قوْلُ المُصَنفِ. وقال الخِرَقِيُّ: له رَدُّ مِلْكِه منه بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ، أو أرْشِ العَيبِ بقَدْرِ مِلْكِه منه. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: والمَنْصُوصُ جَوازُ الرَّدِّ، كما قال الخِرَقِيُّ. وبنَى القاضي، وابنُ الزاغُونِيِّ، وغيرُهما

(1) زيادة من: ش.

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرِّوايتَين على تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. قال القاضي: وسَواءٌ كان المَبِيعُ عَينًا واحدةً أو عَيْنَيْن. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والتَّفْصِيلُ الذي ذكَرْنا أوْلَى. ومثَّلَ ابنُ الزَّاغُونِيِّ بالعَينَين.

فائدة: قولُ الخِرَقِيِّ: ولو باعَ المُشْتَرِي بعضَها. قال الزَّرْكَشِيُّ: يَحْتَمِلُ أنْ يعُودَ الضَّمِيرُ إلى بعضِ السِّلْعَةِ المَبِيعَةِ. وعلى هذا شرَح ابنُ الزَّاغُونِيِّ، فإذَن يكونُ اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ جَوازَ ردِّ الباقِي. وكذا حكَى أبو محمدٍ عنه. وعلى هذا، إنْ حصَل بالتَّشْقيصِ، رَدَّ أَرْشَه، مِن كلامِه السَّابقِ، إلَّا مع التَّدْليسِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَرْجِعَ إلى بعضِ السِّلْعَةِ المُدَلَّسَةِ. وعلى هذا، لا يكونُ في كلامِه تعَرُّضٌ لرَدِّ الباقِي فيما إذا كان المَبِيعُ غير مُدَلَّسٍ. انتهى.

قوله: وفي أرْشِ المبِيعِ الرِّوَايَتان. يعْنِي، الرِّوايتَين المُتقَدِّمَتَين فيما إذا باعَ الجميعَ غيرَ عالِمٍ بعَيبِه. وتقدَّم أنّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. ونصَّ الإمامُ أحمدُ هنا، لا شَيءَ له مع تَدْلِيسِه.

ص: 405

وَإنْ صَبَغَهُ، أوْ نَسَجَهُ، فَلَهُ الْأرْشُ. وَعَنْهُ، لَهُ الرَّدُّ، وَيَكُونُ شَرِيكًا بِصَبْغِهِ وَنَسْجهِ.

ــ

قوله: وإِنْ صبَغَه أو نسَجَه، فله الأرْشُ. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. وهذا المذهبُ. قال في «الكافِي»: هذا المذهبُ. قال في «الفائقِ» : تَعَيَّنَ الأرْشُ في أصحِّ الرِّوايتَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفُروعِ» ، و «إدْراكِ الغَايَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، له الردُّ، ويكونُ شَرِيكًا بصَبْغِه ونَسْجِه. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» . فعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، لا يُجْبَرُ البائعُ على بَذْلِ عِوَضِ الزِّيادَةِ، ولا يُجْبَرُ المُشْتَرِي على قَبُولِه لو بذَلَه البائعُ. على الصَّحيحِ فيهما. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، في الأولَى. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، في الثَّانيةِ، وفي الأُولَى رِوايَةٌ، يُجْبَرُ. قال الشَّارِحُ: وهو بعيدٌ. وفي الثَّانيةِ وَجْهٌ، يُجْبَرُ أيضًا.

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو أنْعَلَ الدَّابَّةَ، وأرادَ رَدَّها بالعَيبِ، نزَع النَّعْلَ، فإنْ كان النَّزْعُ يَعِيبُها، لم يَنْزِعْ، ولم يَكُنْ له قِيمَةُ النَّعْلِ على البائِعِ، على أظْهَرِ الاحْتِمالين. قاله في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وهل يكونُ إهْمالًا للنَّعْلِ أو تَمْلِيكًا، حتى لو سقَط كان للبائِعِ أو المُشْتَرِي؟ فيه احْتِمالان. وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قلتُ: الأوْلَى، أنْ يكونَ ترْكُه إهْمالًا، حتى لو سقَط كان للمُشْتَرِي. الثَّانيةُ، لو اشْتَرَى حَلْىَ فِضَّةٍ بوَزْنه دراهِمَ، فوَجَدَه مَعِيبًا، جازَ له رَدُّه، وليس له أخْذُ. الأرْشِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. قال في «القاعِدَةِ التَّاسِعَةِ والخَمْسِين»: وهو الصَّحيحُ. قلتُ: فيُعايَى بها. فإنْ

ص: 407

وَإنِ اشْتَرَى مَا مَأْكُولُهُ فِي جَوفِهِ، فَكَسَرَهُ، فَوَجَدَهُ فَاسِدًا، فَإِنْ

ــ

حدَث به عَيبٌ عندَ المُشْتَرِي، فعَنْه، يَرُدُّه، ويَرُدُّ أرْشَ العَيبِ الحادِثِ عندَه، ويأْخُذُ ثَمَنَه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقال القاضي: ليسَ له رَدُّه؛ لإفْضائِه إلى التَّفاضُلِ. ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الفائقِ»: وقوْلُ القاضي ضعيفٌ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ: يفْسَخُ الحاكِمُ البَيع، ويَرُدُّ البائِعُ الثَّمَنَ، ويُطالِبُ بقِيمَةِ الحَلْي؛ لأنَّه لا يُمْكِنُ إهْمالُ العَيبِ، ولا أَخْذُ الأرْشِ. وهذا المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . واخْتارَ المُصَنِّفُ، أنَّ الحاكِمَ إذا فسَخ، وجَب رَدُّ الحَلْي، وأرْشُ نَقْصِه. واختْارَه

في «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» . الثَّالثةُ، لو باعَ قَفِيزًا ممَّا يَجْرِى فيه الرِّبا بمِثْلِه، فوَجَدَ أحدُهما بما أخذَه عَيبًا يُنْقِصُ قِيمَتَه دُونَ كَيلِه، لم يَمْلِكْ أخْذَ أرْشِه؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلى التَّفاضُلِ. والحُكْمُ فيه كما ذكَرْنا في الحَلْي بالدَّراهمِ. قال في «الفُروعِ»: وله الفَسْخُ في رِبَويٍّ بِجنْسِه مُطْلَقًا؛ للضَّرُورَةِ. وعنه، له الأرْشُ. وقيل: مِن غيرِ جِنْسِه، على مُدِّ عَجْوَةٍ. وفي «المُنْتَخَب» ، يُفْسَخُ العَقْدُ بينَهما، ويأْخُذُ الجَيِّدَ رَبُّه، ويَدْفَعُ الرَّدِئَ. انتهى. وقال في «القواعِدِ»: لو اشْتَرى رِبَويًّا بِجنْسِه، فَبانَ مَعِيبًا، ثم تَلِفَ قبلَ رَدِّه، ملَك الفَسْخَ، ويَرُدُّ بدَلَه، ويأْخُذُ الثَّمَنَ. انتهى. الرَّابعةُ، لو باعَ شيئًا بذَهَبٍ، ثم أخَذَ عنه دَراهِمَ، ثم رَدَّه المُشْتَرِي بعَيبٍ قَديم، رجَع المُشْتَرِي بالذَّهَبِ لا بالدَّراهمِ. نصَّ عليه. ويأْتِي نظيرُها في آخرِ بابِ الإجارةِ.

قوله: وإنِ اشْتَرى ما مأْكُولُه في جَوْفِه، فكَسَرَه، فوجَدَه فاسِدًا، فإنْ لم يَكُنْ له مَكْسُورًا قِيمَةٌ؛ كبَيضِ الدَّجَاجِ، رجَع بالثَّمَنِ كُلِّه. هذا المذهبُ، وعليه

ص: 408

لَمْ يَكُنْ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ، كَبَيضِ الدَّجَاجِ، رَجَعَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَإنْ كَانَ لَهُ مَكْسُورًا قِيمَةٌ، كَبَيضِ النَّعَامِ، وَجَوْزِ الْهِنْدِ، فَلَهُ أَرْشُهُ. وَعَنْهُ، يَتَخيَّرُ بَينَ أَرْشِهِ، وَبَينَ رَدِّهِ وَرَدِّ مَا نَقَصَهُ، وَأَخَذِ الثَّمَنِ. وَعَنْهُ، لَيسَ لَهُ رَدٌّ. وَلَا أَرْشَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

ــ

جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، وغيرُهم: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، لا شيءَ للمُشْتَرِي، إلَّا مع شَرْطِ البائِعِ سَلامَتَه. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» .

قوله: وإنْ كان له مَكْسُورًا قِيمَةٌ، كبَيضِ النَّعامِ، وجَوْزِ الهِنْدِ -وكذا البِطِّيخُ

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي فيه نَفْعٌ ونحوُه - فله أرْشُه. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. وهو إحْدَى الرِّواياتِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» . وعنه، يُخيَّرُ بينَ أرْشِه وبينَ رَدِّه ورَدِّ ما نقَص، وأخْذِ الثَّمَنِ. وهذا المذهبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا أعْدَلُ الأقْوالِ. واخْتارَه الخِرَقِيُّ، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التَّلْخِيصِ» ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. وقيل: يتَعَيَّنُ له الأرْشُ، إذا زادَ

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الكَسْرِ على قَدْرِ الاسْتِعْلامِ، وإنْ لم يَزِدْ خُيِّرَ. وهو رِوايَةٌ في «الشرْحِ» . وعنه، ليسَ له رَدُّه، ولا أرْشَ في ذلك كلِّه. يعْنِي، إلَّا أنْ يشْتَرِطَ البائعُ سَلامتَه. وأطْلَقَهُنَّ في «المُذْهَبِ» . والأُولَى، وَجْهٌ فيه، وتخْرِيجٌ في «الهِدايَةِ» . وقال في «الفُروعِ» ، في الذي لمَكْسُورِه قِيمَةٌ: فعنه، له الأرْشُ. وعنه، له رَدُّه. وخيَّرَه الخِرَقِيُّ بينَهما. انتهى. فالرِّوايةُ الثَّانيةُ التي ذكَرَها، لم أرَها لغيرِه.

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: فكَسَرَه، فوَجَدَه فاسِدًا. اعلمْ أنَّه إذا كسَر الذي لمَكْسُورِه قِيمَةٌ؛ فتارَةً يكْسِرُه كسْرًا لا يَبْقَى له معه قِيمَةٌ، وتارَةً يكْسِرُه كسْرًا لا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُ المَبِيعِ بدُونِه، وتارَةً يكْسِرُه كَسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُه بدونِه؛ فإنْ كسَرَه كسْرًا لا يبْقَى له قِيمَةٌ، فهُنا يتَعَيَّنُ له الأرْشُ. قوْلًا واحدًا، وإنْ كسَرَه كسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُه بدُونِه، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، في قوْلِه: ورَدَّ ما نقَصَه. أنَّه يرُدُّ أرْشَ الكَسْرِ. وهو الصَّحيحُ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به الخِرَقِيُّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، [و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»، و «الحاويَين»، وغيرِهم](2). وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، [و «الرِّعايَةِ الكُبْرى»](1)، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَرَاه. وقال القاضي: عندِي، له الرَّدُّ بلا أرْشٍ عليه لكَسْرِه؛ لأنَّه حصَل بطَريقِ اسْتِعْلامِ العَيبِ، والبائعُ سلَّطَه عليه. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». وقيل: يُخَرَّجُ على الرِّوايتَين، فيما إذا عابَ عندَ المُشْتَرِي، على ما تقدَّم ذِكْرُه في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» . وإنْ كسَرَه كسْرًا يُمْكِنُ اسْتِعْلامُه بدُونِه، فهو على الرِّوايتَين، فيما إذا عابَ عندَ المُشْتَرِي، على ما تقدَّم. قال الزَّرْكَشِيُّ: نعم، على قوْلِ القاضِي في الذي قبلَه، إذا رَدَّ، هل يَلْزَمُه أرْشُ الكَسْرِ، أم لا يَلْزَمُه إلَّا الزَّائدُ على اسْتِعْلامِ المَبِيعِ؟ محَلُّ

(1) زيادة من: ش.

ص: 412

وَمَنْ عَلِمَ الْعَيبَ، وَأَخَّرَ الرَّدَّ، لَمْ يَبْطُلْ خِيَارُهُ، إلا أن يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا؛ مِنَ التَّصَرُّفِ وَنَحْوهِ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ.

ــ

ترَدُّدٍ. انتهى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ: حُكْمُه حُكْمُ الذي قبلَه عندَ الخِرَقِيِّ، والقاضِي. انتهَوْا. قلتُ: يُشْبِهُ ما قال الزَّرْكَشِيُّ، ما قالُوا فيما إذا وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ، فباعَه بدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ، أو بأَنْقَصَ مما قدَّره، وقُلْنا: يصِحُّ، ويَضْمَنُ النَّقْصَ. فإنَّ في قَدْرِه وَجْهان؛ أحدُهما، هو ما بينَ ما باعَ به وثَمَنِ المِثْلِ. والثَّاني، هو ما بينَ ما يتَغابَنُ به النَّاسُ وما لا يتَغابَنُون، على ما يأْتِي في الوَكالةِ.

قوله: ومن عَلِمَ العَيبَ، ثم أخَّر الرَّدَّ، لم يَبْطُلْ خِيارُه، إلَّا أن يُوجَدَ منه ما يدُلُّ على الرِّضَا؛ مِنَ التَّصَرُّفِ ونحوه. اعلمْ أنَّ خِيارَ العَيبِ على التَّراخِي، ما لم يُوجَدْ منه ما يدُلُّ على الرِّضَى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُجْبَرُ المُشْتَرِي على رَدِّه أو أرْشِه؛ لتَضَرُّرِ البائِعِ بالتَّأْخيرِ. وعنه، أنَّه على الفَوْرِ. قطَع به القاضي في «الجامِعِ الكَبِيرِ» في مَوْضِع منه. قال في «التَّلْخيصِ»: وقيلَ: عنه رِوايَةٌ،

ص: 413

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّه على الفَوْرِ. انتهى. وقيل: السُّكوتُ بعدَ مَعْرِفَةِ العَيبِ رِضًى.

تنبيه: قوْلُه: إلَّا أنْ يُوجَدَ منه ما يدُلُّ على الرِّضَى، مِنَ التَّصَرُّفِ ونحوه. مَبْنِيٌّ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقد تقدَّم رِوايةٌ، اخْتارَها جماعةٌ، أنَّه لو تَصَرَّفَ فيه بما يدُلُّ على الرِّضَى، أنَّ له الأرْشَ، عندَ قوْلِه: وإنْ فَعَله عالِمًا بعَيبِه، فلا شيءَ له. وقوْلُه: مِنَ التَّصَرُّفِ ونحوه. كاحْتِلابِ المَبِيعِ، ونحو ذلك، لم يَمْنَعِ الرَّدَّ؛ لأنَّه مِلْكُه، فله أخْذُه. قال في «عُيُونِ المَسائلِ»: أو رَكِبَها لسَقْيِها أو عَلْفِها. وقال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: إنِ اسْتَخْدَمَ، لا للاخْتِبارِ. بَطَلَ ردُّه بالكَثِيرِ، وإلَّا فلا. قال المُصَنِّفُ: وقد نُقِلَ عن أحمدَ، في بُطْلانِ خِيارِ الشَّرْطِ بالاسْتِخْدامِ رِوايَتان، فكذا يُخَرَّجُ هنا. واخْتارَه. وقال: هو قِياسُ المذهبِ. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» . وذكَر في «التَّنْبِيهِ» ما يدُل عليه، فقال: والاسْتِخْدامُ والرُّكُوبُ لا يَمْنَعُ أرْشَ العَيبِ، إذا ظهَر قبلَ ذلك أو بعدَه، وأحمدُ، في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، إنَّما نصَّ أنَّه يَمْنَعُ الرَّدَّ، فدَلَّ أنَّه لا يمْنَعُ الأرْشَ. وقيل: رُكُوبُ الدَّابَّةِ لرَدِّها رِضىً. ذكَرَه في «الفائقِ» وغيرِه.

فائدتان؛ إحْداهما، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في «شَرْحِ المُحَرَّرِ»: لو اشْتَرى رَجُلٌ سِلْعَةً، فأصابَ بها عَيبًا، ولم يَخْتَرِ الفَسْخَ، ثم قال: إنَّما أبْقَيتُه، لأَنَّنِي لم

ص: 414

وَلَا يَفْتَقِرُ الرَّدُّ إِلَى رِضَاءٍ، وَلَا قَضَاءٍ، وَلَا حُضُورِ صَاحِبِهِ. وَإنِ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيئًا، وَشَرَطَا الْخِيَارَ، أوْ وَجَدَاهُ مَعِيبًا، فَرَضِىَ

ــ

أعلَمْ أنَّ لي الخِيارَ. لم يُقْبَلْ منه. ذكَرَه القاضي أصْلًا في المُعْتَقَةِ تحتَ عَبْدٍ، إذا قالتْ: لم أعْلَمْ أنَّ لي الخِيارَ. وخالفَه ابنُ عَقِيلٍ في مَسْألةِ المُعْتَقَةِ، ووَافقَه في مَسْألَةِ الردِّ بالعَيبِ. انتهى. الثَّانيةُ، خِيارُ الخُلْفِ في الصِّفَةِ، على التَّراخِي. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وتقدَّم ذلك مُسْتَوْفًى عندَ بَيعِ المَوْصُوفِ، في كتابِ البَيعِ. وكذا الخِيارُ لإفْلاسِ المُشْتَرِي. قاله في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. وتقدَّم أنَّ الشيخَ تَقِيَّ الدَّينِ قال: يُجْبَرُ في خِيارِ العَيبِ على الردِّ أو الأرْشِ، إنْ تضَرَّرَ البائِعُ. فكذا هُنا.

قوله: وإنِ اشْتَرَى اثْنان شَيئًا، وشَرَطا الخِيارَ، أو وجَداه مَعِيبًا، فرَضِيَ أحَدُهما، فَلِلْآخَرِ الفسْخُ. هذا المذهبُ فيهما، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به

ص: 415

أحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ. وَعَنْهُ، لَيسَ لَهُ ذَلِكَ.

ــ

في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي» ، وغيرِهم. ونَصَره المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما،؛ لو وَرِثَا خِيارَ عَيبٍ. وعنه، ليسَ لهما ذلك فيهما. قال في «الرِّعايَةِ»؛ مِن عندِه في مِسْألَةِ الشِّراءِ: إنْ قُلْنا: هو كعَقْدَين. فله الرَّدُّ، وإلَّا فلا. وتقدَّم في أوَاخِرِ كتابِ البَيعِ أنَّه كعَقْدَين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ويأْتِي في الشُّفْعَةِ.

تنبيه: قال في «الفُروعِ» : وقِياسُ الأوَّلِ، للحاضِرِ منهما نقْدُ نِصْفِ ثَمَنِه، وقَبْضُ نِصْفِه، وإنْ نقَدَه كلَّه، قبَض نِصْفَه، وفي رُجُوعِه الرِّوايَتان. ذكَرَه في «الوَسِيلَةِ» وغيرِها. وعلى الأوَّلِ، لو قال: بِعْتُكُما. فقال أحدُهما: قَبِلْتُ.

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جازَ. وإنْ سلَّمْنا، فلِمُلاقَاةِ فِعْلِه مِلْكَ غيرِه، وهنا لَاقَى فِعْلُه مِلْكَ نَفْسِه. ذكَرَه بعضُهم في طَرِيقَتِه.

فائدتان؛ إحْداهما، لو اشْتَرَى واحِدٌ مِن اثْنَينِ شيئًا، وظهَر به عَيبٌ، فله رَدُّه عليهما، ورَدُّ نَصِيبِ أحَدِهما، وإمْساكُ نَصِيبِ الآخَرِ؛ لأنَّه يرُدُّ على البائعِ جميعَ ما باعَه، ولم يحْصُلْ برَدِّه تَشْقِيصٌ؛ لأنَّه كان مُشَقَّصًا قبلَ البَيعِ. وقال في «الرِّعايَةِ»: ويَحْتَمِلُ المَنْعُ. ثم قال مِن عندِه: وإنْ قُلْنا: هو كعَقْدَين، جازِ، وإلَّا فلا. الثَّانيةُ، لو وَرِثَ اثْنانِ خِيارَ عَيبٍ، فرَضِيَ أحدُهما، سقَط حَقُّ الآخرِ

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِنَ الرَّدِّ.

ص: 418

وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ مَعِيبَينِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَلَيسَ لَهُ إلا رَدُّهُمَا أوْ إِمْسَاكُهُمَا.

ــ

قوله: وإن اشْتَرَى واحِدٌ مَعِيبَين صَفْقَةً واحِدَةً، فليس له إلَّا رَدُّهما أو إمْساكُهما والمُطالبةُ بالأَرْشِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَزَجِيِّ» . واخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وعنه، له رَدُّ أحَدِهما بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ. وأطْلَقَهما في

ص: 419

فَإِنْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا، فَلَهُ رَدُّ الْبَاقِيَ بِقِسْطِهِ. وَالْقَوْلُ في قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

ــ

«الفُروعِ» .

قوله: وإنْ تَلِفَ أحَدُهما، فله رَدُّ الباقِي بقِسْطِه. هذا إحْدَى الرِّوايتَين. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «مُنتَخبِ الأَزَجِيِّ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وصحَّحَه النَّاظِمُ. وعنه، يتَعَيَّنُ له الأَرْشُ. وأطْلَقهما في «الشَّرْح». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: وحكَى المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، أنَّ الرَّدَّ هنا مَبْنِيٌّ على الرِّوايتَين في أحَدِهما. فعلى هذا، إنْ قُلْنا: ليسَ له رَدُّ أحَدِهما، فليس له رَدُّ الباقِي إذا تَلِفَ أحَدُهما. انتهى.

قوله: والقَوْلُ في قِيمَةِ التَّالِفِ قَوْلُه مع يَمِينِه. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ

ص: 420

وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا، فَلَهُ رَدُّهُ بِقِسْطِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ لَهُ إلا رَدُّهُمَا أَوْ إِمْسَاكُهُمَا.

ــ

الأصحابِ. وجزَم به في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: قُبِلَ قَوْلُ المُشْتَرِي في قِيمَتِه، في الأصحِّ. وصحَّحَه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وقيل: القَوْلُ قولُ البائعِ في قِيمَتِه.

فائدة: الصَّحيحُ، أن حُكْمَ هذه المَسْأَلَةِ كالمَسْأَلَةِ الآتِيَةِ بعدَ ذلك، وعليه الأكثرُ. وقال القاضي: ليسَ له في هذه المَسْأَلَةِ رَدُّ أحَدِهما، وله الرَّدُّ في المَسْأَلَةِ الآتِيَةِ. قال في «الحاوي الكَبِيرِ»: وإنْ بانَا مَعِيبَين، رَدَّهُما أو أمْسَكَهُما. وقيل: هي كالمَسْأَلَةِ الأولَى -وهي ما إذا كان أحدُهما مَعِيبًا- الآتِيَةِ.

قوله: وإن كان أحَدُهما مَعِيبًا، فله رَدُّه بقِسْطِه. يعْنِي، إذا أبَى أنْ يأْخُذَ الأَرْشَ.

وقوْلُه: فله رَدُّه. يعْنِي، لا يَمْلِكُ إلَّا رَدَّه وحدَه؛ بدَليلِ الرِّوايَةِ الثَّانِيَةِ الآتِيَةِ. وهذا إحْدَى الرِّوايتَين. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَزَجِيِّ». قال ابنُ مُنَجَّى: هذا المذهبُ. وعنه، لا يَجُوزُ إلَّا رَدُّهما أو إمْساكُهما. قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الفُروقِ الزَّرِيرَانِيَّةِ» . وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشرْحِ» . وعنه، له رَدُّ المَعِيبِ وحدَه،

ص: 421

وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ، كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ، وَزَوْجَيْ خُفٍّ، أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَينَهُمَا؛ كَجَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا، فَلَيسَ لَهُ رَدُّ أَحَدِهِمَا.

ــ

ورَدُّهما معًا. قال في «المُحَرَّرِ» : وهو الصَّحيحُ. قال في «الفائقِ» : وهو الأصَحُّ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» .

فائدة: مِثْلُ ذلك لو اشْتَرَى طَعامًا في وعاءَين. ذكَرَه في «التَّرْغِيبِ» وغيرِه. واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» .

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ في ذلك، إذا كان المَبِيعُ ممَّا لا يُنْقِصُه التّفْرِيقُ أو ممَّا لا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بينَهما، كما صرَّح به المُصَنِّفُ بعدَ ذلك.

قوله: وإن كان المَبِيعُ ممَّا يُنْقِصُه التَّفْريقُ؛ كمِصْراعَيْ بابٍ، وزَوْجَيْ خُفٍّ، وجارِيَةٍ ووَلَدِها، فليس له رَدُّ أحَدِهما. [وقال في «الرِّعايَةِ»: وقيل: له رَدُّ أحَدِهما] (1). وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم، سواءٌ كانَا مَعِيبَين، أو أحَدُهما. وقال في «الرِّعايَةِ»: وقيل: له ردُّ أحَدِهما مع أَرْشِ نَقْصِ القِيمَةِ بالتَّفْرِيقِ المُباحِ. وقيل: إنْ تَلِفَ أحدُهما، فله ردُّ المَعِيبِ

(1) زيادة من: ش.

ص: 422

وَإِنِ اخْتَلَفَا في الْعَيبِ: هَلْ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، أَو حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي أَيِّهِمَا يُقْبَل قَوْلُهُ؟ رِوَايَتَانِ، إلا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ إلا قَوْلُ أَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِغَيرِ يَمِينٍ.

ــ

الباقِي مع أَرْشِ نقْصِ قِيمَتِه بالتَّفْريقِ. انتهى.

تنبيه: قولُ المُصَنِّفِ: وجارِيَةٍ ووَلَدِها. كذا وُجِدَ في نُسَخٍ مَقْرُوءَةٍ على المُصَنِّفِ، وزادَ مَن أُذِنَ له في الإِصْلاحِ: أو ممَّن يَحْرُمُ التَّفْريقُ بينَهما. قاله ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . قلتُ: وفي تَمْثيلِ المُصَنِّفِ كِفايَةٌ، ويُقاسُ عليه ما ذُكِرَ. وقد نَبَّه المُصَنِّفُ على ذلك في كتابِ الجِهادِ.

قوله: وإنِ اخْتَلفا في العَيبِ؛ هل كان عندَ البائِعِ، أو حدَث عند المُشْتَرِي، ففِي أَيِّهما يُقْبَلُ قوْلُه؟ رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ إحْداهما، يُقَبلُ قوْلُ المُشْتَرِي. صحَّحَه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . قال

ص: 423

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «إدْراكِ الغايَةِ» : يُقْبَلُ قوْلُ المُشْتَرِي في الأظْهَرِ. وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَين» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يُقْبَلُ قوْلُ البائِعِ. وهي أنَصُّهما. واخْتارَها القاضي في «الرِّوايتَين» ، وأبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ». وقدَّمها في «المُحَرَّرِ». وقال في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: وفرق بعضُهم بينَ أنْ يكونَ المَبِيعُ

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَينًا مُعَيَّنَةً، أو في الذِّمَّةِ؛ فإنْ كان في الذِّمَّةِ، فالقَوْلُ قولُ القابِض، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّ الأصْلَ اشْتِغالُ ذِمَّةِ البائعِ، فلم يَثبُتْ بَراءَتُها. وقال في «الإِيضَاحِ»: يتَحالفَان، كالحَلِفِ في قَدْرِ الثَّمَنِ. على ما يأْتِي إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

فائدة: إذا قُلْنا: القَوْلُ قوْلُ المُشتَرِي. فمع يَمِينِه، ويكونُ على البَتِّ. قاله الأصحابُ. وإنْ قُلْنا: القَوْلُ قوْلُ البائعِ. فمع يَمِينه، وهي على حسَبِ جَوابِه،

ص: 425

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتكونُ على البَتِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، على نَفْي العِلْمِ. ذكَرَها ابنُ أبي مُوسى.

قوله: إلَّا أن لا يَحْتَمِلَ إلَّا قَوْلُ أحَدِهما، فالقَوْلُ قَوْلُه بغَيرِ يَمِينٍ. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وأكثرُهم قطَع به. وقيل: القَوْلُ قوْلُه مع يَمِينِه. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. قاله في «المُسْتَوْعِبِ» . وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ في أصْلِ المَسْأَلَةِ، إذا لم تَخْرُجْ عن يَدِه، فإنْ خَرَجَتْ عن يَدِه إلى غيرِه، لم يَجُزْ له رَدُّه. نقَلَه مُهَنَّا، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» .

ص: 426

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو ردَّ المُشْتَري السِّلْعَةَ بعَيبٍ، فأنْكَر البائعُ أنَّها سِلْعَتُه، فالقَوْلُ قوْلُه مع يَمِينِه؛ لأنَّه مُنْكِرٌ كوْنَ هذه سِلْعَتَه، ومُنْكرٌ اسْتِحْقاقَ الفَسْخِ، والقَوْلُ قوْلُ المُنْكِرِ. الثَّانيةُ، لو ردَّ المُشْتَرِي السِّلْعَةَ بخِيارِ الشَّرْطِ، فأنْكَر البائعُ أنَّها سِلْعَتُه، فالقَوْلُ قوْلُ المُشْتَرِي؛ لأنَّهما اتَّفَقا على اسْتِحقاقِ فَسْخِ العَقْدِ، والرَّدُ بالعَيبِ بخِلافِه. وهذان الفَرْعان نصَّ عليهما الإِمامُ أحمدُ. وجزَم بهما المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، قُبَيلَ بابِ السَّلَمِ: وإنْ ردَّه بعَيبٍ، فقال: ليسَ هذا المَبِيعُ الذي قبَضْتَه مِنِّي. صُدِّقَ إن حلَف. واخْتارَ فيها هذا، إنْ كان عيَّنَه في العَقْدِ، وإنْ عيَّنَه بعدَه عمَّا وجَب في ذِمَّتِه بالعَقْدِ، صُدِّقَ المُشْتَرِي إنْ حلَف. انتهى. الثَّالثةُ، لو باعَ سِلْعَةً بنَقْدٍ أو غيرِه، مُعَيَّنٍ حال العَقْدِ، وقبَضَه البائعُ، ثم أحْضَرَه وبه عَيبٌ، وادَّعَى أنَّه الذي دَفَعَه إليه المُشْتَرِي، وأنْكَرَ المُشْتَرِي كوْنَه الذي اشْتَرَى به، ولا بَيِّنَةَ لواحدٍ منهما، فالقَوْلُ قوْلُ المُشْتَرِي مع يَمِينِه؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءَةُ ذِمَّتِه،

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعدَمُ وُقوعِ العَقْدِ على هذا المَعِيبِ. ولو كان الثَّمَنُ في الذِّمَّةِ، ثم نَقَدَه المُشْتَرِي الثَّمَنَ، أو قبَضه مِن قَرْضٍ، أو سلَمٍ، أو غيرِ ذلك ممَّا هو في ذِمَّتِه، ثم اخْتلَفا كذلك، ولا بَيِّنَةَ، فالقَوْلُ قوْلُ البائعِ، وهو القابِضُ مع يَمينِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّ القَوْلَ في الدَّعاوَى قوْلُ مَنِ الظاهِرِ معه، والظَّاهِرِ مع البائعِ؛ لأنَّه ثبَت له في ذِمَّةِ المُشْتَرِي ما انْعَقَدَ عليه العَقْدُ غيرَ مَعِيبٍ، فلم يُغْفَلْ.

قوله: في بَراءَة ذِمَّتِه. جزمَ به في «الفُروقِ الزَّرِيرَانِيَّةِ» . وصحَّحَه في «الحاوي الكَبيرِ» في بابِ أحكَامِ القَبْضِ، في أثْناءِ الفَصْلِ الرَّابعِ، وصحَّحَه في «الحاوي الصَّغِيرِ» ، في بابِ السَّلَمِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، قبلَ القَرْضِ بفَصْلٍ: ولو قال المُسْلِمُ: هذا الذي أقْبَضْتَنِي وهو مَعِيبٌ. فأنْكَرَ أنَّه هذا، قُدِّمَ قَوْلُ القابضِ. انتهى. وقيل: القَوْلُ قَوْلُ المُشْتَرِي، وهو المَقْبُوضُ منه؛ لأنَّه قد أقْبَضَ في الظَّاهِرِ ما عليه. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، في آخِرِ بابِ القَبْضِ. ومَحَلُّ الخِلافِ، إذا لم يُخْرِجْه عن يَدِه، كما تقدَّم في التي قبلَها.

تنبيه: هذه طَرِيقَةُ صاحبِ «الفُروقِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاويَين» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم، في هذه المَسْأَلَةِ. وقال في «القَواعِدِ» ، في الفائِدَةِ السَّادِسَةِ: لو باعَه سِلْعَةً بنَقْدٍ مُعَيَّنٍ، ثم أتَاه به، فقال: هذا الثَّمَنُ وقد خرَج مَعِيبًا. وأنْكَرَ المُشْتَرِي، ففيه طَرِيقان؛ أحدُهما، إنْ قُلْنا: النُّقودُ تتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ. فالقَوْلُ قوْلُ المُشْتَرِي؛ لأنَّه يَدَّعِي عليه اسْتِحْقاقَ الرَّدِّ، والأصْلُ عدَمُه، وإنْ قُلْنا: لا يتَعَيَّنُ. فوَجْهان؛ أحدُهما، القوْل قوْل المُشتَرِي أيضًا؛ لأنَّه أقبَضَ في الظَّاهرِ ما

ص: 428

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه. والثَّانِي، قَوْلُ القابِضِ؛ لأنَّ الثَّمَنَ في ذِمَّتِه، والأصْلُ اشْتِغالها به، إلَّا أنْ يَثْبُتَ بَراءَتُها منه. وهي طَريقَتُه في «المُسْتَوْعِبِ» . الطَّرِيقَةُ الثَّانيةُ، إنْ قُلْنا: النُّقودُ لا تتَعَيَّنُ. فالقَوْلُ قوْلُ البائعِ، وَجْهًا واحدًا؛ لأنَّه قد ثبَت اشْتِغالُ ذِمَّةِ المُشْتَرِي بالثَّمَنِ، ولم يَثْبُتْ بَراءَتُها منه، وإنْ قُلْنا: تتَعَيَّنُ. فوَجْهان مُخَرجان مِنَ الرِّوايتَين، فيما إذا ادَّعَى كلُّ واحدٍ (1) مِنَ المُتَبايِعَين أنَّ العَيبَ حدَث عندَه في السِّلْعَةِ؛ أحدُهما، القَوْلُ قوْلُ البائعِ؛ لأنَّه يدَّعِي سلامَةَ العَقْدِ، والأصْلُ عدَمُه، ويدَّعِي عليه ثُبُوتَ الفَسْخِ، والأصْلُ عدَمُه. والثَّانِي، قَوْلُ القابِضِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ التَّسْليمَ، والأصْلُ عدَمُه. وهي طَرِيقَةُ القاضي في بعضِ تَعالِيقِه. وجزَم صاحِبُ «المُغْنِي» ، و «المُحَررِ» ، بأنَّ القَوْلَ قوْلُ البائعِ، إذا أنْكَرَ أنْ يكونَ المَرْدودُ بالعَيب هو المَبِيعَ، ولم يحْكِيا خِلافًا، ولا فَصْلًا بينَ أنْ يكونَ المَبِيعُ في الذِّمَّةِ أو مُعينًا؛ نَظرًا إلى أنَّه يدَّعِي عليه اسْتِحْقاقَ الرَّدِّ، والأصْلُ عدَمُه. وذكَر الأصحابُ مِثْلَ ذلك في مَسائلِ الصَّرْفِ. وفرَّق السَّامَرِّيُّ في «فُروقِه» بينَ أنْ يكونَ المَرْدودُ بعَيب وَقعَ عليه مُعَيَّنًا، فيكونَ القَوْلُ قوْلَ البائعِ، وبين أنْ يكونَ في الذِّمَّةِ، فيكونَ القَوْلُ قوْلَ المُشْتَرِي، لِمَا تقدَّم. وهذا فيما إذا أنْكَرَ المُدَّعَى عليه العَيبَ، أنَّ ماله كان مَعِيبًا. أمَّا إنِ اعْترَفَ بالعَيبِ، فقد فسَخ صاحِبُه، وأنْكَرَ أنْ يكونَ هو هذا المُعَيَّنَ، فالقَوْلُ قوْلُ مَن هو في يَدِه. صرَّح به في التَّفْليسِ في «المُغْني» ، مُعَلِّلًا بأنَّه قَبِلَ اسْتِحْقاقَ ما ادَّعَى عليه الآخَرُ، والأصْلُ معه، ويَشْهَدُ له أنَّ المَبِيعَ في مُدَّةِ الخِيارِ، إذا ردَّه المُشْتَرِي بالخِيارِ، فأنْكَر البائعُ أنْ يكونَ هو المَبِيعَ، فالقوْلُ قوْلُ المُشْتَرِي. حكَاه ابنُ المُنْذِرِ عن أحمدَ؛ لاتِّفاقِهما على اسْتِحْقاقِ

(1) زيادة من: ش.

ص: 429

وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا تَلْزَمُهُ عُقُوَبَةٌ مِنْ قِصَاصٍ أوْ غَيرِه، يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي

ــ

الفَسْخٍ بالخِيارِ. وقد يَنْبَنِي على ذلك، أنَّ المَبِيعَ بعدَ الفَسْخِ بعَيبٍ ونحوه، هل هو أمَانةٌ في يَدِ المُشْتَرِي، أو مَضْمونٌ عليه؟ فيه خِلافٌ. وقد يكونُ مَأْخَذُه أنَّه أمانَةٌ عندَه. ومِنَ الأصحابِ مَن علَّلَ بأنَّ الأصْلَ برَاءَةُ ذِمَّةِ البائعِ ممَّا يُدَّعَى عليه، فهو كما لو أقرَّ بعَينٍ، ثم أحْضَرَها، فأنْكَرَ المُقَرُّ له أنْ تكونَ هي المُقَرَّ بها، فإنَّ القَوْلَ قوْلُ المُقِرِّ مع يَمِينِه. انتهى كلامُه في «القَواعِدِ» . الرَّابعةُ، لو باعَ الوَكيلُ شيئًا، ثم ظهَر المُشْتَرِي على عَيبٍ، فله ردُّه على المُوَكِّلِ، فإنْ كان ممَّا يُمْكِنُ حدُوثُه، فَأقَرَّ الوَكيلُ أنَّه كان مَوْجُودًا حالةَ العَقْدِ، وأنْكَرَ المُوَكِّلُ، فقال أبو الخَطَّابِ: يُقْبَلُ إقْرارُه على مُوَكِّلِه بالعَيبِ. قال المُصَنِّفُ: والأصحُّ أنَّه لا يُقْبَلُ. وصحَّحَه في «الفائقِ» . وظاهِرُ «الشَّرْحِ» الإِطْلاقُ. الخامسةُ، لو اشْتَرَى جارِيَةً على أنَّها بِكْرٌ، فقال المُشْتَرِي: هي ثَيِّبٌ. أُرِيَتِ النِّساءَ الثِّقاتِ، ويُقْبَلُ قَوْلُ واحِدَةٍ، فإنْ وَطِئَها المُشْتَرِي، وقال: ما وَجَدْتُها بِكْرًا. خُرِّجَ فيها وَجْهان، بِنَاءً على العَيبِ الحادِثِ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. السَّادِسَةُ، لو باعَ أمَةً بعَبْدٍ، ثم ظهَر بالعَبْدِ عَيبٌ، فله الفَسْخُ، وأخْذُ الأمَةِ أو قِيمَتِها لعِتْقِ مُشتَرٍ، وليس لبائعِ الأمَةِ التَّصَرُّفُ فيها قبلَ الاسْتِرْجاعِ بالقَوْلِ؛ لأنَّ مِلْكَ المُشْتَرِي عليها تامُّ مُسْتَقِرٌّ، فلو أقْدَم البائعُ وأعْتَقَ الأمَةَ أو وَطِئَها، لم يَكُنْ ذلك فَسْخًا، ولم يَنْفُذْ عِتْقُه. قاله القاضي. وذكَر في «المُحَرَّرِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «الفُصُولِ» ، احْتِمالًا أنَّ وَطْئَه اسْتِرجْاعٌ. ورَدَّه في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والخَمْسِين» .

قوله: ومَن باعَ عَبْدًا تَلْزَمُه عُقُوبَةٌ مِن قِصَاصٍ أو غَيرِه، يَعْلَمُ المُشْتَرِي ذلك، فلا شَيْءَ له -بلا نِزاعٍ- وإن عَلِمَ بعد البَيعِ، فله الرَّدُّ أو الأَرْشُ.

ص: 430

ذَلِكَ، فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَإنْ عَلِمَ بَعْدَ الْبَيعِ، فَلَهُ الرَّدُّ، أَو الْأَرْشُ. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى قُتِلَ، فَلَهُ الْأَرْشُ.

ــ

قوله: وإنْ لم يَعْلَمْ حتى قُتِلَ، فله الأَرْشُ. يعْنِي، يتَعَيَّنُ له الأَرْشُ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وخرَّج مالِكٌ الفَسْخَ، وغَرِمَ قِيمَتَه، وأخَذ ثَمنَه الذي وزَنَه. وذكَرَه في «الرِّعايَةِ» .

فائدة: لو كانتِ الجِنايَةُ مِنَ العَبْدِ مُوجِبَة للقَطْعِ، فقُطِعَتْ يَدُه عندَ المُشْتَرِي، فقد تعَيَّبَ عندَه؛ لأنَّ اسْتِحْقاقَ القَطْعِ دُونَ حَقِيقَتِه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وهل يَمْنَع ذلك ردَّه بعَيبِه؟ على رِوايتَين. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قلتُ: الذي يَظْهَرُ، أنَّ ذلك ليس بحُدوثِ عَيبٍ عندَ المُشْتَرِي؛ لأنَّه مُسْتَحَقٌّ قبلَ البَيعِ، غايَتُه

ص: 431

وَإنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ، وَالسَّيِّدُ مُعْسِرٌ، قُدِّمَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ. وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا، تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِذِمَّتِهِ، وَالْبَيعُ لَازِمٌ.

ــ

أنَّه اسْتُوفِيَ ما كان مُسْتَحَقًّا، فلا يُسْقِطُ ذلك حَقَّ المُشْتَرِي مِنَ الرَّدِّ.

ص: 432

فَصْلٌ: السَّادِسُ، خِيَارٌ يَثْبُتُ في التَّوْلِيَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُرَابَحَةِ، وَالْمُوَاضَعَةِ. وَلَابدَّ في جَمِيعِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُشْتَرِي رَأْسَ الْمَالِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 433

وَمَعْنَى التَّوْلِيَةِ؛ الْبَيعُ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَيَقُولُ: وَلَّيتُكَهُ. أوْ: بِعْتُكَهُ بِرَأْسِ مَالِهِ. أَوْ: بمَا اشْتَرَيتُهُ. أَوْ: بِرَقْمِهِ. وَالشَّرِكَةُ؛ بَيعُ بَعْضِهِ بِقِسْطِهِ مِنَ الثَّمَنِ. وَيَصِحُّ بِقَوْلِهِ: أَشْرَكْتُكَ في نِصْفِهِ. أَوْ: ثُلُثِهِ.

ــ

قوله: والشَّرِكَةُ؛ بَيعُ بعضِه بقِسْطِه مِنَ الثَّمَنِ. ويصِحُّ بقَوْلِه: أشْرَكْتُك في نِصْفِه، أو ثُلُثِه. بلا نِزاعٍ أعْلَمُه، لكِنْ لو قال: أشْرَكْتُك. وسكَت، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ويَنْصَرِفُ إلى النِّصفِ. وقيل: لا يصِحُّ. فعلى

ص: 434

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، إنْ لَقِيَه آخَرُ، فقال: أشْرِكْنِي. عالِمًا بشَركَةِ الأوَّلِ، فله نِصْفُ نَصِيبِه؛ وهو الرُّبْعُ، وإنْ لم يكُنْ عالِمًا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، صِحَّةُ البَيعِ. وقيل: لا يصِحُّ. فعلى المذهبِ، يأْخُذُ نَصِيبَه كلَّه؛ وهو النِّصْفُ، وهو الصَّحيحُ. اخْتارَه القاضي، وقدَّمه في «الفُروع.». قال في «القاعِدَةِ السَّابعةِ والخَمْسِين»: لو باعَ أحدُ الشَّرِيكَين نِصْفَ السِّلْعَةِ المُشْتَرَكَةِ، هل يتَنَزَّلُ البيعُ علي نِصْفٍ مُشاعٍ -وإنَّما له نِصْفُه وهو الرُّبْعُ- أو على النِّصْفِ الذي يَخُصُّه بمِلْكِه، وكذلك

ص: 435

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الوَصِيَّةِ؟ فيه وَجْهان. واخْتارَ القاضي، أنَّه يتَنَزَّلُ على النِّصْفِ الذي يَخُصُّه كلِّه، بخِلافِ ما إذا قال له: أَشْرَكْتُك في نِصْفِه. وهو لا يَمْلِكُ سِوَى النِّصْفِ، فإنَّه يَسْتَحِقُّ منه الرُّبْعَ؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ تقْتَضِي التَّساويَ في المِلْكَين، بخِلافِ البَيعِ. والمَنْصُوصُ في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، أنَّه لا يصِحُّ بَيعُ النِّصْفِ حتى يقولَ: نَصِيبِي. فإنْ أطْلقَ، تَنزَّلَ على الرُّبْعِ. انتهى. وقيل: يأْخُذُ نِصْفَ ما في يَدِهِ؛ وهو الرُّبْعُ.

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيل: له نِصْفُ ما في يَدِه، ونِصْفُ ما في يَدِ شَرِيكِه إنْ أجازَ. وأطْلَقَهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» . وعلى الوَجْهَين الأخِيرَين، لطالِبِ الشَّرِكَةِ -وهو الأخِيرُ منهما- الخِيارُ، إلَّا أنْ نَقُولَ بوُقوفِه على الإِجازَةِ، في الوَجْهِ الثَّانِي، ويُجِيزَه الآخَرُ. وإنْ كانتِ السِّلْعَةُ لاثْنَين، فقال لهما آخَرُ: أَشْرِكانِي. فأَشْرَكاه معًا، فله الثُّلُثُ. على الصَّحيحِ. صحَّحه المُصَنِّفُ،

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ». وقيل: له النِّصْفُ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وإنْ أشْرَكَه كلُّ واحدٍ نهما مُنْفَرِدًا، كان له النِّصْفُ، ولكُلِّ واحدٍ منهما الرُّبْعُ. وإنْ قال: أَشْرِكَانِي فيه. فشَرَكَه أحدُهما -فعلى الوَجْهِ الأوَّلِ، وهو الصَّحيحُ- له السُّدْسُ، وعلى الثَّانِي له الرُّبْعُ. وإنْ قال أحدُهما: أشْرَكْناك. انْبَنَى على تصَرُّفِ الفُضُولِيِّ. فإنْ قُلْنا به، وأجازَه، فهل يَثْبُتُ له المِلْكُ في ثُلُثِه أو نِصْفِه؟ على الوَجْهَين.

فائدة: لو اشْتَرَى قَفِيزًا، وقبَض نِصْفَه، فقال له شَخْصٌ: بِعْنِي نِصْفَ هذا

ص: 438

وَالْمُرَابَحَةُ؛ أنْ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ، فَيَقُولَ: رَأْسُ مَالِي فِيهِ مِائَةٌ بِعْتُكَهُ

ــ

القَفِيزِ، فباعَه، انْصرَفَ إلى نِصْفِ المَقْبُوضِ. وإنْ قال: أَشْرِكْنِي في هذا القَفِيزِ بنِصْفِ الثَّمَنِ. ففَعَل، لم تصِحَّ الشَّرِكَةُ إلَّا فيما قبَض منه، فيكونُ النِّصْفُ المَقْبُوضُ بينَهما. ذكَرَه القاضي. وقال المُصَنفُ: والصَّحيحُ أن الشَّرِكَةَ تنْصَرِفُ إلى النِّصْفِ كلِّه، فيكونُ بائعًا لِما يصِحُّ بَيعُه وما لا يصِحُّ؛ فيَصِحُّ في نِصْفِ المَقْبُوضِ، في أصحِّ الوَجْهَين، ولا يصِحُّ فيما لم يُقْبَضْ، كما قُلْنا في تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وظاهِرُ «الشَّرْحِ» الإِطْلاقُ.

قوله: والمُرابَحَةُ؛ أن يبيعَه برِبْحٍ، فيقُولَ: رَأْسُ مَالِي فيه مِائَةٌ، بعْتُكه بها، ورِبْح عِشَرَةٍ، أو على أن أرْبَحَ في كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا. المَسْأَلةُ الأُولَى، وهي قوْلُه:

ص: 439

بِهَا وَرِبْحِ عَشَرَةٍ. أَو: عَلَى أَنْ أَرْبَحَ في كُلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا.

ــ

بِعْتُكه بها، ورِبْحِ عَشَرَةٍ. لا تُكْرَهُ، قوْلًا واحدًا. والمَسْأَلَةُ الثَّانيةُ، وهي قوْلُه: على أنْ أرْبَحَ في كلِّ عَشَرَةٍ دِرْهَمًا. مَكْرُوهَةٌ. نصَّ عليه في رِوايَةِ الجماعَةِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. نقَل الأَثْرَمُ، أنَّه كَرِه بَيعَ ده يازده. وهو هذا. ونَقَل أبو الصَّقرِ، هو الرِّبا. واقْتَصَر عليه أبو بَكْرٍ في «زادِ المُسافِرِ» . ونقَل أحمدُ بنُ هاشِمٍ، كأنَّه

ص: 440

وَالْمُوَاضَعَةُ؛ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَهُ بِهَا، وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تِسْعُونَ دِرْهَمًا. وَإِنْ قَال: وَوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ لِكُلِّ عَشَرَةٍ. لَزِمَهُ تِسْعُونَ وَعَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ.

ــ

دَراهِمُ بدَراهِمَ لا يصِحُّ. وقيل: لا يُكْرَهُ. وذكَرَه رِوايَةً في «الحاوي» ، و «الفائقِ» . وجزَم به في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وحيثُ قُلْنا: إنَّه ليس برِبًا. فالبَيعُ صَحيحٌ، بلا نِزاعٍ.

قوله: والمُواضَعَةُ؛ أن يقُولَ: بِعْتُك هو بها، ووَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ. فيَلْزَمُ المُشْتَرِي تِسْعون دِرْهَمًا. وهذا الصَّحيحُ مِنَ اهلذهبِ، وعليه أكثرُ

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وغيرِه. وقيل: يَلْزَمُه تِسْعون دِرْهَمًا، وعشَرَةُ أجْزاءٍ مِن أحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِن دِرْهَم (1)، كما لو قال: ووَضِيعَة دِرْهَم لكُلِّ عشَرَةٍ، أو عن كلِّ عشَرَةٍ. اخْتارَه القاضي. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ». وصحَّحَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى». قال الشَّارِحُ: وهذا

(1) في الأصل، ط:«دراهم» .

ص: 442

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غَلَطٌ. وقيل: يَلْزَمُه تِسْعون دِرْهَمًا، وتِسْعَةُ أعْشارِ دِرْهَم. وحَكاه الأَزَجِيُّ رِوايَةً. قال في «الرِّعايَةِ»: وهو سَهْوٌ. وهو كما قال.

فائدتان؛ إحْداهما، متى بانَ الثَّمَنُ أقَلَّ، حَطَّ الزِّيادَةَ، ويحُطُّ في المُرابَحَةِ قِسْطَها، ويَنْقُصُه في المُواضَعَةِ، ولا خِيارَ له فيها. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ» : اخْتارَه الأكثر. وعنه، بلَى. الثَّانيةُ، حُكْمُ بَيعِ المُواضَعَةِ -في الكَراهَةِ وعدَمِها، والصِّحّةِ وعدَمِها- حُكْمُ بَيعِ

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُرابَحَةِ، على ما تقدَّم.

ص: 445

وَمَتَى اشْتَرَاهُ بِثَمَنٍ مُؤجَّلٍ، أَوْ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، أوْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ حِيلَةً، أَوْ بَاعَ بَعْضَ الصَّفْقَةِ بِقِسْطِهَا مِنَ الثَّمَنِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي في تَخْبِيرِهِ بِالثَّمَنِ، فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَينَ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ.

ــ

قوله: ومتى اشْتَراه بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ولم يُبَيِّنْ ذلك للمُشْتَرِي في تَخْبِيرِه بالثَّمَنِ، فللمُشْتَرِي الخِيارُ بينَ الإِمْساكِ والرَّدِّ. هذا إحْدَى الرِّواياتِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وصحَّحَه في «الفائقِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» . وعنه، يأْخُذُه مُؤجَّلًا، ولا خِيارَ له. نصَّ عليه، وهذا المذهبُ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، وقال: اخْتارَه الأكثرُ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» . فعلى الأوَّلِ، إذا اخْتارَ الإِمْساكَ، فإنَّه يأْخُذُه مُؤَجَّلًا. على الصَّحيحِ. قدَّمه في

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا. وعنه، يأْخُذُه حالًّا، أو يفْسَخُ. ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ أيضًا.

فوائد؛ الأُولَى، لو عَلِمَ تأْجِيلَ الثَّمَنِ بعدَ تَلَفِ المَبِيعِ، حبَسَ الثَّمَنَ بقَدْرِ الأجَلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَبْطُلَ البَيعُ. قاله في «الرِّعايَةِ» . الثَّانيةُ، لو ادَّعَى البائعُ غلَطًا (1)، وأنَّ الثَّمَنَ أكثرُ ممَّا أخْبَره به، لم يُقْبَلْ قوْلُه إلَّا ببَيِّنَةٍ مُطلقًا. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وحمَل المُصَنِّفُ كلامَ الخِرَقِيِّ عليه. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ. وعنه، يُقْبَلُ قَوْلُه مُطْلقًا مع يَمِينِه. اخْتارَه القاضي وأصحابُه. وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» . و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» .

(1) في الأصل: «خلطا» .

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . قال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» : وهو القِياسُ، وللمُشْتَرِي الخِيارُ. وعنه، يُقْبَلُ قَوْلُه، إنْ كان مَعْروفًا بالصِّدْقِ، وإلَّا فلا. وعنه، لا يُقْبَلُ قَوْلُه، وإنْ أقامَ بَيِّنَةً حتى يُصدِّقَه المُشْتَرِي. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وأطْلَقَ الأُولَى والأَخِيرتَين في «الكافِي» . فإنْ لم يَكُنْ للبائعِ بَيِّنَةٌ، أو كانتْ له، وقُلْنا: لا تُقْبَلُ، فادَّعَى أنَّ المُشْتَرِيَ يعْلَمُ أنَّه غلَطٌ، وأنْكَرَ المُشْتَرِي ذلك، فالقَوْلُ قوْلُه بلا يَمِينٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. اخْتارَه القاضي، وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: الصَّحيحُ، أن عليه اليمِينَ أنَّه (1) لا يعْلَمُ ذلك. وجزَم به في «الكافِي». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما الزَّرْكَشِيُّ. الثَّالثةُ، لو باعَها بدُونِ ثَمَنِها عالِمًا، لَزِمَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وخرَّجَها الأزَجِيُّ على التي قبلَها.

قوله: أو بأكْثَرَ مِن ثَمَنِه حِيلَةً. مِثْلَ أنْ يَشْتَرِيَ مِن غُلامِ دُكَّانِه الحُرِّ، أو غيره،

(1) في الأصل، 1:«لأنه» .

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على وَجْهِ الحِيلَةِ، لم يَجُزْ بَيعُه مُرابَحةً حتى يتَبَيَّنَ. وإنْ لم يَكُنْ حِيلَةٌ، فقال القاضي: إذا باعَ غُلامَ دكَّانَه سِلْعَةً، ثم اشْتَرَى منه بأكْثَرَ مِن ذلك، لم يَجُزْ بَيعُه مُرابَحةً، حتى يُبَيِّنَ أمْرَه؛ لأنَّه يُتَّهَمُ في حقَّه. وقال المُصَنِّف، والشَّارِحُ: والصَّحيحُ جَوازُ ذلك. وجزَم به في «الكافِي» . وظاهِرُ «الفائقِ» ، إطْلاقُ

ص: 449

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِلافِ.

قوله: أو باعَ بعضَ الصَّفْقَةِ بقِسْطِها مِنَ الثَّمَنِ، ولم يُبَيِّنْ ذلك للمُشْتَرِي في تَخْبيرِه بالثَّمَنِ، فللمُشْتَرِى الخِيارُ. هذا المذهبُ -وسواءٌ كانتِ السِّلْعَةُ كَلُّها له أَو البعضُ المَبْيُوعُ، إذا كان الجميعُ صَفْقَةً واحدةً- وعليه الأصحابُ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يجوزُ بيع نَصِيبِه مُرابَحةً مُطْلَقًا مِنَ الذي اشْتَرياه واقْتَسماه. ذكَرها ابنُ أبِي مُوسى. وعنه، عَكْسُه.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا كان المَبِيعُ مِنَ المُتَقَوَّماتِ التي لا ينْقَسِمُ عليها الثَّمَنُ

ص: 450

وَمَا يُزَادُ في الثَّمَنِ أوْ يُحَطُّ مِنْهُ في مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَوْ يُؤْخَذُ أَرْشًا لِعَيبٍ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَيهِ، يُلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَيُخبَرُ بِهِ.

ــ

بالأجْزاءِ، كالثِّيابِ ونحوها. فأمَّا إنْ كانتْ مِنَ المُتَماثِلاتِ التي يَنْقَسِمُ عليها الثَّمَنُ بالأجْزاءِ؛ كالبُرِّ والشَّعِيرِ ونحوهما المُتَساوي، فإنَّه يجوزُ بَيعُ بعضِه مُرابَحةً، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا.

قوله: وما يُزَادُ في الثَّمَنِ أو يُحَطُّ منه في مُدَّةِ الخِيارِ. يُلْحَقُ برَأْسِ المالِ، ويُخْبَرُ به. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقيل: إنْ قُلْنا: المِلْكُ في زَمَنِ الخِيارِ (1)

(1) في الأصل، ط:«الخيارين» .

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَنْتَقِلُ إلى المُشْتَرِي. فلا يُلْحَقُ برَأْسِ المالِ، كما بعدَ اللُّزومِ، على ما يأْتِي. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ» ، ولم يُقَيِّدْه في «الفُروعِ» بانْتِقالٍ ولا بعَدَمِه. [وكذا الحُكْمُ لو زادَ في الثَّمَنِ في مُدَّةِ الخِيارِ](1).

فائدتان؛ إحْداهما، قال بعضُ الأصحابِ في طَرِيقَتِه: مِثْلُ ذلك لو زادَ أجَلًا أو خِيارًا في مُدَّةِ الخِيارِ. [وقطَع به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه](1). الثَّانيةُ، قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: فلو حَطَّ كُلَّ الثَّمَنِ، فهل يَبْطُلُ البَيعُ، أو يصِحُّ، أو يكونُ هِبَةً؟ يَحْتَمِلُ أوْجُهًا. قلتُ: الأَوْلَى أنْ يكونَ ذلك هِبَةً.

قوله: أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لعَيبٍ، يُلْحَقُ برَأْسِ المالِ. أي يُحَطُّ منهْ، ويُخْبَرُ بالباقِي. هذا أحَدُ الوَجْهَين. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الهادِي» ، والمُصَنِّفُ هنا. وقال القاضي: يُخْبِرُ بذلك على وَجْهِه. وقدَّمه في «الكافِي» ، و «المُغْنِي». وقال: هو أوْلَى. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وهذا المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه؛ لاتِّفاقِ الشَّيخَين. وأطْلَقهما في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: أو يُؤْخَذُ أَرْشًا لجِنايَةٍ عليه، يُلْحَقُ برَأْسِ المالِ. يعْنِي، يُحَطُّ مِن رَأْسِ المالِ، ويُخْبَرُ بالباقِي. وهذا أحَدُ الوَجْهَين. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. قاله في «الشَّرْحِ» . وصحَّحه في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الهادِي» . وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يجِبُ عليه أنْ يُخْبِرَ به على وَجْهِه. اخْتارَه القاضي. قاله الشَّارِحُ. وقدَّمه في «الكافِي» ، وقال: هو أوْلَى. وقدَّمه في «المُغنِي» ، وانْتَصَرَ له. وجزَم به في «المُحَررِ» ، و «المُنَوِّرِ». قلتُ: وهذا المذهبُ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: لا يَحُطُّها هنا مِنَ الثَّمَنِ، قوْلًا واحدًا.

فوائد؛ الأُولَى، لو أخَذ نَماءً مما اشْتَرَى، أو اسْتَخْدَمَه، أو وَطِئَه، لم يجِبْ

ص: 453

وَإِنْ جَنَى، فَفَدَاهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ زِيدَ في الثَّمَنِ، أَوْ حُطَّ مِنْهُ بَعْدَ لُزُومِهِ، لَمْ يُلْحَقْ بِهِ.

ــ

بَيانُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفيه رِوايَةٌ كنَقْصِه. الثَّانيةُ، لو رَخُصَتِ السِّلْعَةُ عن قَدْرِ ما اشْتَراها به، لم يَلْزَمْه الإِخْبارُ بذلك. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الفروعِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ. قال في «الكافِي»: وعليه الأصحابُ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَه الإِخْبارُ بالحالِ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قلتُ: وهو قَويٌّ؛ فإنَّ المُشْتَرِيَ لو عَلِمَ بذلك، لم يَرْضَها بذلك الثَّمَنِ ففيه نَوْعُ تَغْرِيرٍ. ثم وَجَدْتُ في «الكافِي» قال: والأَوْلَى، أنَّه يَلْزَمُه. الثَّالثةُ، لو اشْترَاها بثَمَنٍ لرَغْبَةٍ تخُصُّه، كحاجَتِه إلى إرْضاعٍ، لَزِمَه أنْ يُخْبِرَ بالحالِ، ويَصِيرُ كالشِّراءِ بثَمَنٍ غالٍ لأجْلِ المَوْسِمِ الذي كان حال الشِّراءِ. ذكَرَه في «الفُنُونِ» ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ فيهما.

قوله: أو زِيدَ في الثَّمَنِ، أو حُطَّ منه بعدَ لُزُومِه، لم يُلْحَقْ به. وهو المذهبُ،

ص: 454

وَإنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، وَقَصَرَهُ بِعَشَرَةٍ، أَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ.

فَإِنْ قَال: تَحَصَّلَ عَلَيَّ بِعِشْرِينَ،. فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ عَلَى

ــ

وعليه الأصحابُ. وعنه، يُلْحَقُ به. واختْارَه في «الفائقِ» . وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك في آخِرِ خِيارِ المَجْلِسِ.

فائدة: هِبَةُ مُشْتَرٍ لوَكيلٍ باعَه، كزِيادَةٍ، ومِثْلُه عَكْسُه.

قوله: وإنِ اشْتَرَى ثَوْبًا بعَشَرَةٍ، وقَصَرَه بعَشَرَةٍ، أَخْبَرَ به على وَجْهِه. فإنْ قال: تَحصَّلَ عليَّ بعِشْرين. فهل يجوزُ ذلك؟ على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الحاويَين» ؛

ص: 455

وَجْهَينِ. وَإِن عَمِلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ عَمَلًا يُسَاوي عَشَرَةً، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَجْهًا وَاحِدًا.

ــ

أحدُهما، لا يجوزُ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ. واخْتارَه القاضي. ونَصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الرعايتَين» ، وَ «الفُروعِ»: لا يجوزُ في الأصحِّ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. وهو احْتِمالٌ في «الهِدايَةِ» .

فائدة: مِثْلُ ذلك -حُكْمًا وخِلافًا ومذهبًا- أُجْرَةُ كَيلِه، ووَزْنه، ومَتاعِه،

ص: 456

وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ،

ــ

وحَمْلِه، وخِياطَتِه. قال الأَزَجِيُّ: وعلَفُ الدَّابَّةِ. وذكَر المُصَنِّفُ: لا. قال أحمدُ: إذا بيَّن، فلا بأْسَ.

قوله: وإنِ اشْتَراه بعَشَرَةٍ، ثم باعَه بخَمْسَةَ عَشَرَ، ثم اشْتَراه بعَشَرَةٍ، أَخْبَر بذلك

ص: 457

أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ. وَإِنْ قَال: اشْتَرَيتُهُ بِعَشَرَةٍ. جَازَ. وَقَال أَصْحَابُنَا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، وَيُخْبِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسَةٍ.

ــ

على وَجْهِه، فإنْ قال: اشْتَرَيتُه بعَشَرَةٍ، جازَ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الفُروعِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال أصحابُنا: يَحُطُّ الرِّبْحَ مِنَ الثَّمَنِ الثَّانِي، ويُخْبِرُ أنَّه اشْتَراه بخَمْسَةٍ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ، كما قال المُصَنِّفُ. قلتُ: وهو ضعيفٌ. ولعَلَّ مُرادَ الإِمامِ أحمدَ

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اسْتِحْبابُ ذلك، لا أنَّه على سَبِيلِ اللُّزومِ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا بَقِيَ شيءٌ بعدَ حَطِّ الرِّبْحِ، أمَّا إذا لم يَبْقَ شيءٌ،

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنَّه يُخْبِرُ بالحالِ، قوْلًا واحدًا عندَهم.

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو اشْتَرَى شَخْصٌ نِصْفَ سِلْعَةٍ بعَشَرَةٍ، واشْتَرَى آخَرُ نِصْفَها بعِشْرِين، ثم بَاعَاها مُساوَمةً بَثَمنٍ واحدٍ، فهو بينَهما نِصْفان. وهذا المذهبُ، وقطَع به الأكثرُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. قال في «الحاوي» : رِوايَةً واحدةً. قال ابنُ رَزِين: إجْماعًا. وخرَّج أبو بَكْرٍ، أنَّ الثَّمَنَ يكونُ على قَدْرِ رءُوسِ أمْوالِهما، كشَرِكَةِ الاخْتِلاطِ. وإنْ بَاعَاها مُرابحَةً، أو مُواضَعَةً، أو تَوْلِيَةً، فالحُكْمُ كذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا المذهبُ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وعنه، الثَّمَنُ بينَهما على قَدْرِ رءُوسِ أمْوالِهما. نَقَلَها أبو بَكْرٍ، وأنْكَرَها المُصَنِّفُ، لكِنْ قال في «الفُروعِ»: نقَل ابنُ هانِئٍ، وحَنْبَلٌ، على رَأْسِ مَالِهما. وصحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الحاويَين». وأطْلَقهما في «الكافِي». وقال: وقيل: المذهبُ، رِوايَةً واحدةً، أنَّه بينَهما نِصْفان. والقَوْلُ الآخَرُ، وَجْهٌ خرَّجَه أبو بَكْرٍ. انتهى. عنه، لكُلِّ واحدٍ رَأْسُ مالِه، والرِّبْحُ نِصْفان. الثَّانيةُ، قال الإِمامُ أحمدُ: المُساوَمَةُ عندِي أسْهَلُ مِن بَيعِ المُرابَحةِ. قال في «الحاوي الكَبِيرِ» : وذلك لضِيقِ المُرابَحةِ على البائِعِ؛

ص: 461

فَصْلٌ: السَّابعُ، خِيَارٌ يَثْبُتُ لِاخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَينِ. فَمَتَى

ــ

لأنَّه يحْتاجُ أنْ يُعْلِمَ المُشْتَرِيَ بكُلِّ شيءٍ مِنَ النَّقْدِ والوَزْنِ وتأْخيرِ الثَّمَنِ، وممَّن اشْتَراه، ويَلْزَمُه المُؤْنَةُ والرَّقْمُ، والقِصارَةُ، والسَّمْسَرةُ، والحمْلُ، ولا يَغُرُّ فيه، ولا يحِلُّ له أنْ يزِيدَ على ذلك شيئًا إلَّا يُبَيِّنُه له؛ ليَعْلَمَ المُشْتَرِي بكُلِّ ما يعْلَمُه البائعُ، وليس كذلك المُساوَمَةُ. انتهى. قلتُ: أمَّا بَيعُ المُرابحَةِ في هذه الأزْمانِ، فهو أوْلَى للمُشْتَرِي وأسْهَلُ.

قوله: ومتى اخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحالفا. هذا المذهبُ، ونَقَله الجَماعَةُ عن

ص: 462

اخْتَلَفَا في قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحَالفَا؛ فَيُبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ، فَيَحْلِفُ: مَا بِعْتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا. ثُمَّ يَحْلِفُ المُشْتَرِي: مَا اشْتَرَيتُهُ بِكَذَا، وَإِنَّمَا اشْتَرَيتُهُ بِكَذَا.

ــ

أحمدَ، وعليه الأصحابُ؛ لأنَّ كُلًّا منهما مُدَّعٍ ومُنْكِرٌ صُورَةً، وكذا حُكْمُ [السَّماعِ لبَيِّنَةِ] (1) كلِّ واحدٍ منهما. قال في «عُيُونِ المسَائِل»: ولا تُسْمَعُ إلَّا بَيِّنَةُ المُدَّعِي باتِّفاقِنا. انتهى. وعنه، القَوْلُ قَوْلُ البائعِ مع يَمِينِه. ذكَرَها ابنُ أبِي مُوسى، وابنُ المُنْذِرِ. وذكَرَه في «التَّرْغِيب» المَنْصُوصَ، كاخْتِلافِهما بعدَ قَبْضِه، وفَسْخِ العَقْدِ، في المَنْصُوصِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذه الرِّوايَةُ، وإنْ كانتْ خَفِيَّةً مذهبًا، فهي ظاهِرَةٌ دَلِيلًا. وذكَر دَلِيلَها، ومال إليها. وعنه، القَوْلُ قولُ

(1) في الأصل، ط:«لسماع بينة» .

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُشْتَرِي. ونقَل أبو داودَ، قوْلُ البائعِ، أو يتَرادَّان. قيل: فإنْ أقامَ كلُّ واحدٍ منهما بَيِّنَةً؟ قال: كذلك. قال الزَّرْكَشِيُّ: وعنه، إنْ كان قبلَ القَبْضِ، تَحالفا، وإنْ كان بعدَه، فالقَوْلُ قولُ المُشْتَرِي. حكَاها أبو الخَطَّاب في «انْتِصارِه» .

ص: 464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: فيُبْبدَأْ بيَمِينِ البائعِ، فيَحْلِفُ؛ ما بِعْتُه بكذا، وإنَّما بِعْتُه بكذا، ثم يَحْلِفُ المُشْتَرِي؛ ما اشْتَرَيتُه بكذا، وإنَّما اشْتَرَيتُه بكذا. اعْلمْ أنَّ كلًّا مِنَ المُتَبايِعَين يذكُرُ في يَمِينِه إثْباتًا ونَفْيًا، ويبْدَأُ بالنَّفْي. على الصَّحيح. مِنَ المذهبِ، كما قال المُصَنِّفُ. وعنه، يبْدَأْ بالإِثْباتِ. وذكَرَها الزَّرْكشِيُّ، وصاحِبُ «الحاوي» ، وغيرُهما، وَجْهًا. وذكَرَها في «الرِّعايَةِ» قوْلًا، في قولُ البائعُ: بِعْتُه بكذا لا بكذا. ويقولُ

ص: 465

فَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا، لَزِمَهٌ مَا قَال صَاحِبُهُ. وَإِنْ تَحَالفَا، فَرَضِيَ أحَدُهُمَا بِقَوْلِ صَاحِبِهِ، أُقِرَّ الْعَقْدُ، وَإلَّا فَلِكُلِّ

ــ

المُشْتَرِي: اشْتَرَيتُه بكذا لا بكذا. وأطْلَقهما في «الحاوي الكَبِيرِ» . قال في «الفُروعِ» : والأشْهَرُ يذْكُرُ كلُّ واحدٍ منهما إثْباتًا ونَفْيًا. فظاهِرُه، أنَّ خِلافَ الأشْهَرِ الاكتِفاءُ بأحَدِهما؛ أعْنِي الإِثْباتَ أو النَّفْيَ. وقد قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»: حلَف البائعُ؛ ما باعَه إلَّا بكذا، ثم المُشْتَرِي؛ أنَّه ما اشْتَراه إلَّا بكذا.

قوله: فإنْ نكَل أحَدُهما، لَزِمَه ما قال صاحِبُه. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال بعضُ الأصحابِ: أو نكَل مُشْتَرٍ عن إثْباتٍ، قُضِيَ عليه. [قال في «التَّلْخيصِ»: فإنْ نكَل المُشْتَرِي عن الإِثْباتِ، قُضِيَ عليه بتَخْيِيرِ البائعِ] (1).

قوله: وإنْ تَحالفَا، فَرَضِيَ أحَدُهما بقَوْلِ صاحِبِه، أقَرَّ العَقْدَ، وإلَّا فلكُلِّ واحِدٍ منهما الفَسْخُ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهب، وعليه الأصحابُ. وقيل: يَقِفُ الفَسْخُ

(1) زيادة من: ش.

ص: 466

وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ.

ــ

على الحاكِمِ. وهو احْتِمالٌ لأبِي الخَطَّابِ. وقطَع به ابنُ الزَّاغُونِيِّ.

تنبيه: ظاهِرُ قولِه: وإلَّا فلكُلِّ واحدٍ منهما الفَسْخُ. أنَّ البَيعَ لا يَنْفَسِخُ بنَفْسِ التَّحالُفِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقيل: ينْفَسِخُ. قال

ص: 467

وَإِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ تَالِفَةً، رَجَعَا إلَى قِيمَةِ مِثْلِهَا. فَإِنِ اخْتَلَفَا في صِفَتِها، فَالْقَولُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَتَحَالفَانِ إِذَا

ــ

ابنُ الزَّاغُونِيِّ: وهو المَنْصُوصُ. وكذا لا ينْفَسِخُ المَبِيعُ لو امْتَنعَ البائعُ مِن إعْطائِه بما قاله المُشْتَرِي، وامْتَنعَ المُشْتَرِي مِنَ الأخْذِ بما قاله البائعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَعْروفُ عندَ الشَّيخَين وغيرِهما. وعنه، ينْفسِخُ بمُجَرَّدِ إبائِهما. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ.

قوله: وإنْ كانتِ السِّلْعَةُ تالِفَةً، رَجَعا إلى قِيمَةِ مِثْلِها. وهو كالصَّريحِ أنَّهما

ص: 468

كَانَتْ تَالِفَةً، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينهِ.

ــ

يتَحالفان مع تَلَفِ السِّلْعَةِ، وقد دخَل ذلك في عُمومِ قوْلِه: ومتى اخْتلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ، تَحالفا. وهذا المذهبُ. قال في «التَّلْخيصِ»: أصحُّ الرِّوايتَين التَّحالُفُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا اخْتِيارُ الأكْثَرَين. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا أوْلَى. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الخِرَقِيِّ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «المُنَوِّرِ» . ونَصَرَه في «المُغْنِي» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «المَذْهَبِ الأحمدِ» . وعنه، لا يتَحالفَان إنْ كانتْ تالِفَةً، والقَوْلُ قولُ المُشْتَرِي مع يَمِينِه. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي أنَصُّهما. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويَنْبَغِي أنْ لا يُشْرَعَ التَّحالُفُ ولا الفَسْخُ، فيما إذا كانتْ قِيمَةُ السِّلْعَةِ مُساويَةً للثَّمَنِ الذي ادَّعاه المُشْتَرِي، ويكونُ القَوْلُ قولَ المُشْتَرِي مع يَمِينِه؛ لأنَّه لا فائدَةَ في ذلك؛ لأنَّ الحاصِلَ به الرُّجُوعُ إلى ما ادَّعاه المُشْتَرِي، وإنْ كانتِ القِيمَةُ أقَلَّ، فلا فائدَةَ للبائعِ في الفَسْخِ، فيَحْتَمِلُ أنْ لا يُشْرَعَ اليَمِينُ ولا الفَسْخُ؛ لأنَّ ذلك ضرَرٌ عليه مِن غيرِ فائدَةٍ، وَيحْتَمِلُ أنْ يُشْرَعَ؛ لتَحْصِيلِ الفائدَةِ للمُشْتَرِي. انتهيا.

تنبيهان؛ أحدُهما، قوْلُه: رَجَعا إلى قِيمَةِ مِثْلِها. هكذا قال الخِرَقِيُّ وشُرَّاحُه، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرّرِ» ، و «النَّظْمِ» ،

و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحاب. وقال في «التَّلْخيصِ»: ثم يرُدُّ عينَ المَبِيعِ عندَ التَّفاسُخِ، إنْ كانتْ باقِيةً، وإلَّا فمِثْلَها، فإنْ لم تكُنْ مِثْلِيَّةً وإلَّا فقِيمَتُها. فاعْتَبرَ المِثْلِيَّةَ، فإنْ لم تكُنْ مِثْلِيَّةً، فالقِيمَةُ، والجماعةُ أوْجَبُوا القِيمَةَ وأطْلَقُوا. الثَّاني، قوْلُه في الرِّوايةِ الأُولَى: رَجَعا إلى قِيمَةِ مِثْلِها، ويكونُ القَوْلُ قواقَ المُشْتَرِي في قِيمَةِ التَّالِفِ. نَقلَه محمدُ ابنُ العَبَّاس -وفي قَدْرِه وصِفَتِه- وعليه الأصحابُ، كما صرَّح به المُصَنِّفُ بقَوْلِه: فإنِ اخْتلَفا في صِفَتِها، فالقَوْلُ قولُ المُشْتَرِي. فظاهِرُ كلامِه، أنَّه سواءٌ كان الاخْتِلافُ في صِفَةِ العَينِ أو العَيبِ. أمَّا صِفَةُ العَينِ، فلا خِلافَ فيها، أنَّ القَوْلَ قَوْلُ المُشْتَرِي، وإنْ كانتِ الصِّفَةُ عَيبًا -كالبَرَصِ، والخَرْقِ في الثَّوْبِ- فالقَوْلُ قولُ المُشْتَرِي أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَشْهورُ. وقيل: القَوْلُ قولُ البائعِ في نَفْي ذلك. انعلى المذهبِ في أصْلِ المَسْأَلَةِ، إنْ رَضِيَ

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُشْتَرِي بما قال البائعُ، وإلَّا رجَع كلٌّ منهما إلى ما يَخْرُجُ منه؛ فَيأْخُذُ المُشْتَرِي الثَّمَنَ إنْ كان قد قُبِضَ، ويأْخُذُ البائعُ القِيمَةَ، فإنْ تَساوَيا، وكانَا مِن جِنْسٍ، تقَاصَّا وتَساقَطا - على ما يأْتِي، وإلَّا سقَط الأقَلُّ ومِثْلُه مِنَ الأكْثَرِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ المَعْروفُ. وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : ظاهرُ كلامِ أبِي الخَطَّابِ، أنَّ القِيمَةَ إذا زادَتْ على الثَّمَنِ، لا يَلْزَمُ المُشْتَرِي الزِّيادَةُ؛ لأنَّه قال: المُشْتَرِي بالخِيارِ بينَ دَفْعِ الثَّمَنِ الذي ادَّعاه البائعُ، وبينَ دَفْعِ القِيمَةِ؛ لأنَّ البائعَ لا يدَّعِي الزِّيادَةَ. قال الزَّرْكَشِيُّ: وكلامُ أبِي الخَطَّابِ ككَلامِ الِخِرَقِيِّ، وليس فيه أنَّ ذلك بعدَ الفَسْخِ، بل هذا التَّخْيِيرُ مُصَرَّحٌ به بأنَّه بعدَ التَّحالُفِ، وليسَ إذْ ذاك فَسْخٌ، ولا شَكَّ أنَّ المُشْتَرِيَ، والحالُ هذه، يُخَيَّرُ على المَشْهُورِ. والذي قاله ابنُ مُنَجَّى بَحْثٌ لصاحِبِ «الهِدايَةِ» -يعْنِي جَدَّه أبا المَعالِي، صاحِبَ «الخُلاصَةِ» - فإنَّه حكَى عنه بعدَ ذلك أنَّه قال: وُجوبُ الزِّيادَةِ أظْهَرُ؛ لأنَّ

ص: 472

وَإِنْ مَاتَا، فَوَرَثتهُمَا بِمَنْزِلَتِهِمَا. وَمَتَى فَسَخَ الْمَظْلُومِ مِنْهُمَا، انْفَسَخَ الْعَقْدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَإِنْ فَسَخَ الظَّالِمُ، لَمْ يَنْفَسِخْ في حَقِّهِ بَاطِنًا، وَعَلَيهِ إِثْمُ الْغَاصِبِ.

ــ

بالفَسْخِ سقَط اعْتِبارُ الثَّمَنِ. وبحَث ذلك الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا؛ فقال: يتَوجَّهُ أنْ لا تَجِبَ قِيمَتُه، إلَّا إذا كانتْ أقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ، أمَّا إنْ كانتْ أكثرَ، فهو قد رَضِيَ بالثَّمَنِ، فلا يُعْطَى زِيادَةً؛ لاتِّفاقِهما على عدَمِ اسْتِحْقاقِها. ومِثْلُ هذا في الصِّداقِ -ولا فَرْقَ- إلَّا أنَّ هنا انْفسَخَ العَقْدُ الذي هو سبَبُ اسْتِحْقاقِ المُسَمَّى، بخِلافِ الصَّداقِ؛ فإنَّ المُقْتَضِيَ لاسْتِحْقاقِه قائمٌ. انتهى.

قوله: ومتى فسَخ المَظْلومُ منهما، انْفَسَخَ العَقْدُ، ظاهِرًا وباطِنًا، وإنْ فسَخ الظَّالِمُ، لم ينْفسِخْ في حَقِّه باطِنًا، وعليه إثمُ الغاصِبِ. قال المُصَنِّفُ في

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُغْنِي» (1): ويقْوَى عندِي أنَّه إنْ فسَخ المَظْلومُ منهما، انْفَسخَ ظاهِرًا وباطِنًا، وإنْ فسَخَه الكاذِبُ عالِمًا بكَذِبِه، لم يُنْفَسِخْ بالنِّسْبَةِ إليه. فَوافقَ اخْتِيارُه في «المُغْنِي» ما جزَم به هنا. ووَافقَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه»؛ فقال: ويَنْفَسِخُ ظاهِرًا فقط؛ لفَسْخِ أحَدِهما ظُلْمًا، ومُطْلَقًا لفَسْخِ المَظْلومِ. وقدَّمه النَّاظِمُ؛ فقال:

وإنْ فسَخ المَظْلومُ يَفْسَخُ مُطْلَقًا

ويَنْفُذُ فَسْخُ المُعْتَدِي ظاهِرًا قدِ

(1) انظر: المغني 6/ 282.

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثم ذكَر الخِلافَ. وقال في «الوَجيزِ» : وإذا فُسِخَ العَقْدُ، انْفسَخَ ظاهِرًا وباطنًا مُطْلَقًا. فأَدْخَلَ الظَّالِمَ والمَظْلومَ. وقدَّمه في «الفُرِوعِ». واخْتارَه القاضي. ثم قال في «الفُروعِ»: وقيل: مع ظُلْمِ البائعِ ينْفسِخُ ظاهِرًا. وقيل: وباطِنًا في حَقِّ المَظْلومِ. وقال في «الرِّعايتَين» : ومع ظُلْمِ البائعِ وفَسْخِه يَنْفَسِخُ ظاهِرًا. وقيل: وباطِنًا. ومع ظُلْمِ المُشْتَرِي وفَسْخِه ينْفَسِخُ ظاهِرًا وباطِنًا، فيُباحُ للبائعِ جميعُ التَّصَرُّفاتِ في المَبِيعِ. وقيل: لا ينْفَسِخُ باطِنًا. ومع فَسْخِ المَظْلومِ منهما، ينفَسِخُ ظاهِرًا وباطِنًا. انتهى. وقال في «الهِدايَةِ»: فإنِ انْفسَخَ العَقْدُ، فقال شيخُنا: ينْفَسِخُ ظاهِرًا وباطِنًا، فيُباحُ للبائعِ جميعُ التَّصَرُّفِ في المَبِيعِ. وعندي، إنْ كان البائعُ ظالِمًا، انْفَسَخَ في الظَّاهرِ دُونَ الباطِنِ؛ لأنَّه كان يُمْكِنُه إمْضاءُ العَقْدِ، واسْتِيفاءُ حَقِّه، فإذا فسَخ، فقد تعَدَّى، فلا ينْفَسِخُ العَقْدُ، ولا يُباحُ له التَّصَرفُ؛ لأنَّه غاصِبٌ. وإنْ كان المُشْتَرِي هو الظَّالِمَ، انْفَسَخَ العَقْدُ ظاهِرًا وباطِنًا؛ لأنَّ البائعَ ما يُمْكِنُه اسْتِيفاءُ حقِّه بإمْضاءِ العَقْدِ، فكانَ له الفَسْخُ، كما لو أفْلَس المُشْتَرِي. انتهى. وتابعَه في «المُسْتَوْعِب» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الشَّرْحِ». وقال في «الخُلاصَةِ»: وينْفَسِخُ في الباطِنِ. وقيل: إنْ كان البائعُ ظالِمًا، لم ينْفَسِخْ في الباطِنِ. وقال في «المُذْهَبِ» ، و «البُلْغَةِ»: ومتى وقَع الفَسْخُ، انْفَسَخَ ظاهِرًا وباطِنًا في حقِّهما، في أحَدِ الوَجْهَين. وفي الآخَرِ، إنْ كان البائعُ ظالِمًا انْفَسَخَ في الظَّاهِرِ دُونَ الباطِنِ. وهو كما في «الخُلاصَةِ» ، إلَّا أنَّهما أطْلَقا، وقيَّد (1) هو.

(1) في الأصل، ط:«قدم» .

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، عن كلامَ المُصَنِّفِ: وظاهِرُ كلامِه، الفَرْقُ بينَ الظَّالِمِ والمَظْلومِ، سواءٌ كان الظَّالِمُ البائعَ أو المُشْتَرِيَ. ولم أجِدْ نقْلًا صَريحًا يُوافِقُ ذلك ولا دَليلًا يقْتَضِيه، بلِ المَنْقولُ في مِثْلِ ذلك، وذكَر كلامَ القاضي، وأبي الخَطَّابِ. انتهى. وهو عَجِيبٌ منه؛ فإنَّ المَسْأَلَة ليس فيها مَنْقولٌ صَرِيحٌ عن الإِمامِ أحمدَ حتى يُخالِفَه، بلِ المَنْقولُ فيها عنِ الأصحابِ، وهو مِن أعْظَمِهم. وقد اخْتارَ ما قطَع به هنا في «المُغْنِي» ، فقال: ويقْوَى عندِي. وجزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «النَّظْمِ» . وذكَرَه قوْلًا في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين». وقوْلُه: ولا وَجدْتُ دَليلًا يَقْتَضِيه. غيرُ مُسَلَّمٍ؛ فإنَّ فَسْخَ المَظْلومِ ظاهِرًا وباطِنًا، ظاهِرُ الدَّليلِ. وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. واخْتارَه القاضي وغيرُه. وأمَّا فَسْخُ الظَّالِمِ للعَقْدِ، فإنَّه لا يصِحُّ بالنِّسْبَةِ إليه؛ لأنَّه لا يحِلُّ له الفَسْخُ، فلم يثْبُتْ حُكْمُه بالنِّسْبَةِ إليه. وهذه عادةُ ابنِ مُنَجَّى في «شَرْحِه» مع المُصَنِّفِ، إذا لم يطَّلِعْ على مَنْقولٍ بما قاله المُصَنِّفُ، اعْتَرضَ عليه، وهذا ليس بجَيِّدٍ، فإنَّ الاعْتِذارَ عنه أوْلَى مِن ذلك، والمُصَنِّفُ إمامٌ جَليلٌ، له اخْتِيارٌ واطِّلاعٌ على ما لم يُطَّلَعْ عليه. إذا عَلِمْتَ ذلك، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ في حُكْمِ المَسْأَلةِ، أن العَقْدَ يَنْفَسِخُ ظاهِرًا وباطِنًا مُطْلَقًا. كما جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الخُلاصَةِ» . واخْتارَه القاضي، وقال: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. واخْتارَ أبو الخَطَّابِ؛ إنْ كان البائعُ ظالِمًا، انْفَسخَ في حقِّه ظاهِرًا لا باطِنًا، وإنْ كان المُشْتَرِي ظَالِمًا، انْفسَخَ ظاهِرًا وباطِنًا. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «البُلْغةِ» . واخْتِيارُ المُصَنِّفِ قَوْلٌ ثالِثٌ. واللهُ أعلمُ.

ص: 476

وَإِنِ اخْتَلَفَا في صِفَةِ الثَّمَنِ، تَحَالفَا، إلا أَنْ يَكُونَ لِلْبَلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ، فَيُرْجَعَ إِلَيهِ.

ــ

قوله: وإنِ اخْتَلَفا في صِفَةِ الثَّمَنِ، تَحالفا إلَّا أنْ يكونَ للبلَدِ نَقْدٌ مَعْلُومٌ، فيُرْجَعَ إليه. إذا كان للبَلَدِ نَقْدٌ واحِدٌ، واخْتَلفا في صِفَةِ الثَّمَنِ، أُخِذَ به. نصَّ عليه في رِوايَةِ الأَثْرَمِ. وإنْ كان في البَلَدِ نقُودٌ، فقال في «الفُروعِ»: أُخِذَ الغَالِبُ. وعنه، الوَسَطُ. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وعنه، الأقَلُّ. قال القاضي وغيرُه: ويتَحالفان. وقال في «المُحَرَّرِ» : إنِ اخْتلَفا في صِفَةِ الثَّمَنِ، فظاهِرُ كلامِه، أنَّه يُرْجَعُ إلى أغْلَبِ نُقُودِ البَلَدِ، فإنْ تساوَتْ فأَوْسَطُها. وقال القاضي: يتَحالفان. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِير»: أُخِذَ نَقْدُ البَلَدِ أو غالِبُه، إنْ تعَدَّدَتْ نُقُودُه. نصَّ عليه. فإنِ اسْتَوتْ، فالوَسَطُ. ومَنْ قُبِلَ قَوْلُه، حلَف. وقيل: يتَحالفان. زادَ في «الكُبرَى» ، وقيل: إنْ قال: بِعْتُك هذا الثَّوْبَ بدِرْهَمٍ. وأطْلَقَ -وهناك نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ- فله أقَلُّ ذلك. فظاهِرُه، جَوازُ البَيعِ بثَمَنٍ مُطْلَقٍ، وللبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وله أدْناها؛ لأنَّه اليَقِينُ. وقال في «الهِدايَةِ»: فإنِ اخْتَلَفا في صِفَةِ الثَّمَنِ؛ فإنْ كان فيه نُقُودٌ رُجِعَ إلى أوْسَطِها. وقال شيخُنا:

ص: 477

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يتَحالفان. وكذا قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الكبِيرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: إنْ كان في البَلَدِ نُقُودٌ، رُجِعَ إلى أوْسَطِها. نصَّ عليه في رِوايَةِ جَماعَةٍ. قالا: فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ إذا كان هو الأغَلبَ، والمُعامَلَةُ به أكثرَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ وُقوعُ المُعامَلَةِ به، أشْبَهَ ما إذا كان في البَلَدِ نَقْدٌ واحدٌ. ويَحْتَمِلُ أنَّه ردَّهما إليه مع التَّساوي؛ لأنَّ فيه تَسْويَةً بينَهما في الحَقِّ، وتَوَسُّطًا بينَهما، وفي العُدولِ إلى غيرِه مَيلٌ على أحَدِهما، فكان التَّوَسُّطُ أوْلَى، وعلى مُدَّعِي ذلك اليَمِينُ. انتهى. وقال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: وإنْ كان للبَلَدِ نُقُودٌ، رُجِعَ إلى أوْسَطِها تَسْويَةً بينَهما، ويَحْلِفُ مُدَّعِيه، فإنْ كانتْ مُتَساويَةً، تَحالفا. انتهى. وقال في «الخُلاصَةِ»: أُخِذَ بنَقْدِ البَلَدِ. وقيل: يتَحالفان. وقال في «التَّلْخيصِ» : فإنْ كان فيه نُقودٌ، فهل يُرْجَعُ إلى الوَسَطِ، أو يتَحالفان؟ على وَجْهَين. وقال في «الفائقِ»: إذا اخْتلَفا في صِفَةِ الثَّمَنِ، رُجِعَ إلى نَقْدِ البَلَدِ وغالِبِه. نصَّ عليه، ولو تَساوَتْ نُقُودُه، فهل يُرْجَعُ إلى الوَسَطِ، أو يتَحالفان؟ على وَجْهَين. وقال ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه»: ويَلْزَمُ نَقْدُ البَلَدِ، أو غالِبُه، أو أَخْذُ المُتَساويَةِ، أو وَسَطُ المُتَقارِبَةِ، بخُلْفِهما في صِفَةِ الثَّمَنِ. إذا عَلِمْتَ ذلك، فالمُصَنِّفُ رحمه الله هنا قطَع بالتَّحالُفِ إذا كان في البَلَدِ نُقُودٌ. وهو قَوْلُ القاضي وغيرِه. وقدَّمه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . والصَّحيحُ

ص: 478

وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَجَلٍ أَو شَرْطٍ، فَالْقَولُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ. وَعَنْهُ،

ــ

مِنَ المذهبِ، أنَّهما لا يتَحالفان، لكِنْ هل يُؤْخَذُ الغالِبُ؟ وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «البُلْغَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الفائقِ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «المُحَرَّرِ»: وهو ظاهِرُ كلامِه. وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ»: نصَّ عليه. أو يُؤْخَذُ الوَسَطُ؟ اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وجزَم به في «التلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وقدَّمه في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. أو يُؤْخَذُ الأقَلُّ؟ فيه ثلاثُ رِواياتٍ. والثَّالثةُ، قَوْلٌ في «الرِّعايَةِ» ، كما تقدَّم. وتقدَّم كلامُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، في الكلامِ على رِوايَةِ الوَسَطِ. ولنا قَوْلٌ رابعٌ بالتَّحالُفِ، وهو قَوْلُ القاضي وغيرِه. فعلى المذْهبِ؛ إنْ تَساوَتِ النُّقُودُ، ولم يَكُنْ فيها غالِبٌ، فقال في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «المُنَوِّرِ»: أُخِذَ الوَسَطُ. لكنْ قال في «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ»: هل يُؤْخَذُ الوَسَطُ، أو يتَحالفان؟ على وَجْهَين. كما تقدَّم. وتقدَّم كلامُ ابنِ عَبْدُوسٍ. والوَسَطُ الذي في «الفُروعِ» غيرُ الوَسَطِ الذي في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، فليُعْلَمْ ذلك.

قوله: وإنِ اخْتَلَفا في أجَلٍ، أو شَرْطٍ، فالقَوْلُ قَوْلُ مَن يَنفِيه. هذا إحْدَى

ص: 479

يَتَحَالفَانِ، إلا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَاسِدًا، فَالْقَولُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ.

ــ

الرِّوايتَين. قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ» : يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ يَنْفِي أجَلًا أو شَرْطًا، على الأظْهَرِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المَذْهَبِ الأَحمدِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» ، و «المُنَوِّرِ». قال ابنُ مُنَجَّى: هذا المذهبُ. وقدَّمه في «الهادي» . وعنه، يتَحالفان. جزَم به في «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «نِهايَتهِ» ، و «نَظْمِها» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وهو المذهبُ على ما اصْطلَحْناه. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» .

تنبيه: مِثْلُ ذلك -خِلافًا ومذهبًا- إذا اخْتَلَفا في رَهْنٍ، أو في ضَمِينٍ، أو في قَدْرِ الأجَلِ أو الرَّهْنِ أو المَبِيعِ.

قوله: إلَّا أنْ يكُونَ شَرْطًا فاسِدًا، فالقَوْلُ قَوْلُ مَن يَنْفِيه. فظاهِرُه، أنَّه سَواءٌ

ص: 480

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان الشَّرْطُ الفاسِدُ يُبْطِلُ العَقْدَ أَو لا. واعْلمْ أنَّه إذا كان لا يُبْطِلُ العَقْدَ، فالقَوْلُ قولُ مَن يَنْفِيه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. [وقدَّمه المُصَنِّفُ هنا، وجزَم به](1). وهو ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ وغيرُه. وعنه، يتَحالفان. ويأْتِي كلامُ ابنِ عَبْدُوسٍ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وإنْ كان يُبْطِلُ العَقْدَ، فالقَوْلُ قوْلُ مَن يَنْفِيه. وهذا المذهبُ، وعليه عامَّةُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم،

(1) زيادة من: ش.

ص: 481

وَإنْ قَال: بِعْتَنِي هَذَين. قَال: بَلْ أَحَدَهُمَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ.

ــ

ونصَّ عليه في دَعْوَى عَبْدٍ عَدَمَ الإِذْنِ، ودَعْوَى أنَّه كان صَغِيرًا حالةَ العَقْدِ. وفي مَن يدَّعِي الصِّغَرَ وَجْهٌ؛ يُقْبَلُ قَوْلُه؛ لأنَّه الأَصْلُ. [وأطْلَقهما في «الفُروعِ»، في كتابِ الإِقْرارِ، فيما إذا أقَرَّ وقال: لم أكُنْ بالِغًا](1). وقطَع ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، أنَّه لو ادَّعَى الصِّغَرَ، أو السَّفَهَ حالةَ البَيعِ، أنَّهما يتَحالفان. وقال في «الانْتِصارِ» ، في مُدِّ عَجْوَةٍ: لو اخْتَلَفا في صِحَّتِه وفَسادِه، قُبِلَ قوْلُ البائعِ مُدَّعِي فسادِه. ويأْتِي نظِيرُ ذلك في الضَّمانِ، وكتابِ الإِقْرارِ -فيما إذا ضَمِنَ أو أقَرَّ، وادَّعَى أنَّه كان صَغِيرًا حالةَ الضَّمانِ والإِقْرارِ- بأَتَمَّ مِن هذا.

قوله: وإنْ قال: بِعْتَنِي هذَين؟ قال: بل أحَدَهما -يعْنِي، بثَمَنٍ واحدٍ-

(1) زيادة من: ش.

ص: 482

وَإنْ قَال: بِعْتَنِي هَذَا. قَال: بَلْ هَذا حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ

ــ

فالقَوْلُ قَوْلُ البائعِ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «الوَجيزِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، و «الفائقِ». وقيل: يتَحالفان. اخْتارَه القاضي. وذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ رِوايَةً، وصحَّحها. وقدَّمه في «التَّبْصِرَةِ» وغيرِها. قال الشَّارِحُ: هذا أقْيَسُ وأوْلَى -إنْ شاءَ اللهُ تعالى. قال في «التَّلْخيصِ» : هذا أقْيَسُ. قال القاضي في «المُجَردِ» - في بابِ المُزارَعَةِ، وبابِ الدَّعاوَى والبَيِّناتِ: إذا اخْتلَفَ المُتَبايِعان في قَدْرِ المَبِيعِ، تَحالفا. ذكَرَه عنه في «التَّلْخيصِ» .

قوله: وإنْ قال: بِعْتَنِي هذا؟ قال: بل هذا. حلَف كُلُّ واحِدٍ منهما على ما أنْكَرَه، ولم يَثبُتْ بَيعُ واحِدٍ منهما. هذا إحْدَى الطَّرِيقتَين، وهي طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ

ص: 483

مِنْهُمَا عَلَى مَا أَنْكَرَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ بَيعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

ــ

هنا، وفي «الهادِي» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» . والطَّرِيقةُ الثَّانيةُ، أنَّ حُكْمَ هذه المَسْأَلةِ، حُكْمُ المَسْأَلةِ التي قبلَها. وهي المَنْصُوصَةُ عن أحمدَ، وهي طرِيقَةُ صاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» . وقدَّمَها في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» . وأطْلَقَ الطرَّيقَتين في «الفُروعِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، إذا قُلْنا: يتَحالفان. وتَحالفا؛ فإنْ كان ما ادَّعاه البائعُ مَبِيعًا بيَدِ المُشْتَرِي، فعليه رَدُّه إلى البائعِ، وليس للبائعِ طَلَبُه إذا بذَل له ثَمَنَه؛ لاعْتِرافِه ببَيعِه، وإنْ لم يُعْطِه ثَمنَه، فله فَسْخُ البَيعِ، واسْتِرْجاعُه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقال في «المُنْتَخَبِ»: لا يَرُدُّه المُشْتَرِي إلى البائعِ. وأمَّا إذا كان بَيدِ البائعِ؛ فإنَّه يُقَرُّ في يَدِه، ولم يَكُنْ للمُشْتَرِي طَلَبُه، وعلى البائعِ رَدُّ

ص: 484

وَإنْ قَال الْبَائِعُ: لَا أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ حَتَّى أَقْبِضَ ثَمَنَه. وَقَال الْمُشْتَرِي: لَا أُسَلِّمُهُ حَتَّى أَقْبِضَ الْمَبِيعَ. وَالثَّمَنُ عَينٌ، جُعِلَ بَينَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ

ــ

الثَمَنِ، قوْلًا واحدًا. وإنْ أنْكَرَ المُشْتَرِي بَيعَ الأمَةِ، لم يَطَأْها البائعُ؛ لأنَّه مُعْتَرِفٌ ببَيعِها. نقَل جَعْفَرٌ، هي مِلْكٌ لذاك؛ أي المُشْتَرِي. قال أبو بَكْرٍ: لا يَبْطُلُ البَيعُ بجُحُودِه. ويأْتِي في الوَكالةِ خِلافٌ خرَّجَه في النِّهايَةِ مِنَ الطَّلاقِ. الثَّانيةُ، لو ادَّعَى البَيعَ وَدفْعَ الثَّمَنِ، فقال: بل زَوَّجْتُك وقبَضْتُ المَهْرَ. فقدِ اتَّفَقا على إباحَةِ الفَرْجِ له، وتُقْبَلُ دَعْوَى النِّكاحِ بيَمِينِه. وذكَر أبو بَكْرٍ قَوْلًا؛ تُقْبَلُ دَعْواه البَيعَ بيَمِينِه. ويأْتِي عكْسُها في أوَائلِ عِشْرَةِ النِّساءِ. ذكَر هذه المَسْأَلةَ المُصَنِّفُ أوَاخِرَ بابِ ما إذا وصَل بإقْرارِه ما يُغَيِّرُه. وتقدَّم في كتابِ البَيعِ، في، فَصْلٌ: السَّابعُ، إذا اخْتلَفا في صِفَةِ المَبِيعِ.

قوله: وإنْ قال البائعُ: لا أُسَلِّمُ المَبيعَ حتى أَقْبِضَ ثَمَنَه. وقال المُشْتَرِي: لا

ص: 485

مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ إِلَيهِمَا.

ــ

أُسَلِّمُه حتى أقْبِضَ المَبِيعَ. والثَّمَنُ عَينٌ، جُعِلَ بينَهما عَدْلٌ، يَقْبِضُ منهما، ويُسَلِّمُ إليهما. وهذا المذهبُ، وعليه جُمْهورُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «القواعِدِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، ما يدُلُّ على أنَّ البائعَ يُجْبَرُ على تَسْليمِ المَبِيعِ على الإِطْلاقِ. فعلى المذهبِ؛ يُسَلَّمُ المَبِيعُ أولًا، ثم الثَّمَنُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: بل يُسَلَّمُ إليهما معًا. ونقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ عن أحمدَ. وقيل: أيُّهما يَلْزَمُه البَداءَةُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

ص: 486

وَإنْ كَانَ دَينًا، أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ، ثُمَّ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيم الثَّمَنِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا.

ــ

فائدة: مَن قدَر منهما على التَّسْليمِ، وامْتَنعَ منه، ضَمِنَه كغاصِبٍ.

قوله: وإنْ كان دَينًا -يعْنِي، في الذِّمَّةِ حالًّا- أُجْبِرَ البائعُ على التَّسْلِيمِ، ثم يُجْبَرُ المُشْتَرِي على تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إنْ كان حاضِرًا. يعْنِي، في المَجْلِسِ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيل: له حَبْسُه حتى يَقبِضَ ثَمَنَه الحالَّ، كما لو خافَ فَواتَه. واخْتارَه المُصَنِّفُ، واخْتارَه في «الانْتِصارِ» . قاله في «الفُروعِ» ، و «القواعِدِ» . فعلى ما اخْتارَه المُصَنِّفُ، لو سلَّمَه البائعُ إلى المُشْتَرِي، لم يَمْلِكْ بعدَ ذلك اسْتِرْجاعَه، ولا مَنْعَ المُشْتَرِي مِنَ التَّصَرُّفِ فيه. قال في «القواعِدِ»: وهو خِلافُ ما قاله القاضي وأصحابُه، في مَسْألَةِ الحَجْرِ القريبِ.

ص: 487

وَإنْ كَانَ غَائِبًا بَعِيدًا، أَو الْمُشْتَرِي مُعْسِرًا، فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ. وَإِنْ كَانَ في الْبَلَدِ، حُجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي في مَالِه كُلِّه حَتَّى يُسَلِّمَهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ قَرِيبًا، احْتَمَلَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، واحْتَمَلَ أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي.

ــ

فائدة: لو كانَ الخِيارُ لهما، أو لأحَدِهما، لم يَمْلِكِ البائعُ المُطالبَةَ بالنَّقْدِ. ذَكَرَه القاضي في الإِجاراتِ مِن «خِلافِه» . وصرَّح به الأَزَجِيُّ في «نِهايَتِه» . ولا يَمْلِكُ المُشْتَرِي قَبْضَ المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيارِ، بدُونِ إذْنٍ صَريحٍ مِنَ البائعِ. نصَّ على (1) ما قاله في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والأرْبَعِين» .

قوله: وإنْ كان غائبًا بَعِيدًا، أو المشْتَرِى مُعْسِرًا، فللبائعِ الفَسْخُ. هذا المذهبُ. قطَع به الجُمْهورُ، منهم صاحِبُ «الفُروعِ». وقيل: له الفَسْخُ مع إعْسارِه فقط، أو يَصْبِرُ مع الحَجْرِ عليه. قاله في «الرِّعايَةِ». وقال: ويَحْتَمِل أنْ يُباعَ المَبِيعُ. وقيل: وغيرُه مِن مالِه، في وَفاءِ ثَمَنِه إذا تَعَذَّرَ لإِعْسارٍ أو بُعْدٍ.

(1) في الأصل، ط:«عليه» .

ص: 488

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قد يُقالُ: ظاهِرُ قوْلِه: والمُشْتَرِي مُعْسِرًا. أنَّه سواءٌ كان مُعْسِرًا به كلِّه، أو ببَعضِه. وهو أحَدُ الوَجْهَين. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيل: لابُدَّ أنْ يكونَ مُعْسِرًا به كلِّه. قدَّمه في «الرِّعايَةِ» .

فائدة: لو أحْضَرَ نِصْفَ الثَّمَنِ، فهل يأْخُذُ المَبِيعَ كلَّه أو نِصْفَه؟ أَوْ لا يأْخُذُ شيئًا حتى يَزِنَ الباقِيَ؟ أو يفْسَخُ البَيعَ ويَرُدُّ ما أخَذَه؟ قال في «الرِّعايَةِ»: يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا. وقيل: نَقْدُ بعضِ الثَّمَنِ لا يَمْنَعُ الفَسْخَ. انتهى. وقال في «الفُروعِ» : وإنْ أحْضَرَ نِصْفَ ثَمَنِه، فقيل: يأْخُذُ المَبِيعَ. وقيل: نِصْفَه. وقيل: لا يَسْتَحِقُّ

ص: 489

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُطَالبَةً بثَمَنٍ ومُثَمَّنٍ مع خِيارِ شَرْطٍ. انتهى. قلتُ: أمَّا أخْذُ المَبِيعِ كلِّه، ففيه ضَرَرٌ على البائعِ، وكذا أخْذُ نِصْفِه؛ للتَّشْقِيصِ، فالأَظْهَرُ، أنَّه لا يأْخُذُ شيئًا مِنَ المَبِيعِ حتى يأْتِىَ بجميعِ الثَّمَنِ. قال في «الفُروعِ»: ومِثْلُه. المُؤْجِرُ بالنَّقْدِ في الحالِّ.

تنبيه: مفْهومُ قَوْلِه: والمُشْتَرِى مُعْسِرًا. أنَّه لو كان مُوسِرًا مُماطِلًا، ليسَ له

ص: 490

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الفَسْخُ. [وهو الصَّحيحُ في الحالٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، إلَّا الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ؛ فإنَّه قال: له الفَسْخُ](1). قلتُ: وهو الصَّوابُ.

قوله: وإنْ كان في البَلَدِ، حُجِرَ على المُشْتَرِي في مالِه كُلِّه، حتى يُسَلِّمَه.

هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقيل: له الفَسْخُ.

قوله: وإنْ كان غائبًا عنِ البَلَدِ قَرِيبًا، احْتَمَل أنْ يَثْبُتَ للبائعِ الفَسْخُ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. قدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» . وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «نِهايَتهِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهادِي» . واحْتَمَلَ أنْ يُحْجَرَ على المُشْتَرِي مِن غيرِ فَسْخٍ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

فائدتان؛ إحْداهما، لو كان الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ المَبِيعَ لا يُحْبَسُ عنِ المُشْتَرِي. نصَّ عليه. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يَحْبِسُه إلى

(1) زيادة من: ش.

ص: 491

وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْخُلْفِ في الصِّفَةِ، وَتَغَيُّرِ مَا تَقَدَّمَتْ رُؤْيَتُهُ. وَقَدْ ذَكَرنَاهُ.

ــ

أجَلِه. جزَم به في «الرِّعايَةِ» ، و «الوَجيزِ». قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الشَّيخُ. يعَنِي به المُصَنِّفَ. الثَّانيةُ، مِثْلُ البائعِ -في هذه الأحْكامِ- المؤْجِرُ بالنَّقْدِ في الحالِّ. قاله في «الوَجيزِ» ، و «الفُروعَ» ، وغيرِهما.

ص: 492

فصْلٌ: وَمَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا، لَمْ يَجُزْ بَيعُهُ حَتَّى يَقْبِضَه. وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهُوَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ، إلا أنْ يُتْلِفَهُ آدَمِيٌّ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَينَ فَسْخِ الْعَقْدِ، وَبَينَ إِمْضَائِهِ وَمُطَالبَةِ مُتْلِفِهِ ببَدَلِهِ.

ــ

تنبيهات؛ الأوَّلُ، ظاهِرُ قوْلِه: ومَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا. أنَّه سواءٌ كان مَطْعومًا أو غيرَ مَطْعومٍ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، مَحَلُّ ذلك، إذا كان مَطْعومًا، مَكِيلًا أو مَوْزُونًا. وعنه، مَحَلُّ ذلك في المَطْعومِ، سواءٌ كان مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، أَوْ لا. الثَّاني، أَناطَ المُصَنِّفُ رحمه الله الأحْكَامَ بما يُكالُ ويُوزَنُ، لا بما بِيعَ بكَيلٍ أو وَزْنٍ، فدخَل -في قوْلِه: ومَنِ اشْتَرَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا- الصُّبْرَةُ. وهو إحْدَى الرِّوايتَين. وهي طرِيقَةُ الخِرَقِيِّ، والمُصَنِّفِ،

ص: 493

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والشَّارِحِ. ونَصرَه القاضي، وأصحابُه. وذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظاهِرَ المذهبِ. [وصححَه في «النّظْمِ»](1). والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن الحُكْمَ مَنُوطٌ بذلك، إذا بِيعَ بالكَيلِ أو الوَزْنِ، لا بما بِيعَ مِن ذلك جُزافًا، كالصُّبْرَةِ المُتَعَيِّنَةِ. وهي طَرِيقَةُ صاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، وصاحِبِ «الفُروعِ» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال: هذا المذهبُ. قال في «التَّلْخيصِ» : هذه الرِّوايَةُ أشْهَرُ. وهي اخْتيارُ أكثرِ الأصحابِ، وهي الرِّوايَةُ التي ذكَرَها المُصَنِّفُ بقَوْلِه: وعنه في الصُّبْرَةِ المُتَعَيِّنَةِ، أنَّه يجوزُ بَيعُها قبلَ قَبْضها، وإنْ تَلِفَتْ، فهي مِن ضَمانِ المُشْتَرِي. وأطْلَقهما في «الحاوي الكَبِيرِ» . الثَّالثُ، في اقْتِصارِ المُصَنِّفِ على المَكِيلِ والمَوْزُونِ، إشْعارٌ بأنَّ غيرَهما ليس مِثْلَهما في الحُكْمِ، ولو كان مَعْدُودًا، أو مَذْرُوعًا. وقد صرَّح به في قوْلِه: وما عدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ، يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه. وهو وَجْهٌ.

ص: 495

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وظاهِرُ المذهبِ، أنَّ المَعْدُودَ كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ. قاله في «الفُروعِ» . وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ». وقال: لا تخْتَلِفُ الرِّوايَةُ

ص: 496

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه. والمَشْهُورُ في المذهبِ، أنَّ المَذْرُوعَ كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ. قاله في «الفُروعِ» . وقطَع به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، وغيرِهم.

قوله: لم يَجُزْ بَيعُه حتى يَقْبِضَه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجوزُ بَيعُه لبائعِه. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وجوَّز التَّوْلِيَةَ فيه والشَّرِكَةَ، وخرَّجه مِن بَيعِ دَينٍ. والمذهبُ خِلافُ ذلك، وعليه الأصحابُ.

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: لم يَجُزْ بَيعُه. أنَّه ملَكَه بالعَقْدِ، ولكِنْ هو مَمنُوعٌ مِن بَيعِه قبلَ قَبْضِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. نقَلَه ابنُ مُشَيشٍ وغيرُه، وعليه

ص: 497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابُ، وحكَاه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْماعًا. وذكَر في «الانْتِصارِ» رِوايةً؛ أنَّه لا يَمْلِكُه بالعَقْدِ. ذكَرَها في مَسْأَلَةِ نَقْلِ المِلْكِ زمَنَ الخِيارِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، مِلْكُ البائعِ فيه قائمٌ حتى يُوَفِّيَه المُشْتَرِي.

فائدتان؛ إحْدأهما، يَلْزَمُ البَيعُ بالعَقْدِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيلَ في قَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ، ورَطْلٍ مِن زُبْرَةٍ: لا يَلْزَمُ إلَّا بقَبْضِه. وقال القاضي في مَوْضِعٍ مِن كلامِه: ما يَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ، لا يَلْزَمُ إلَّا بقَبْضِه. ذكَرَه الزَّرْكَشِيُّ. وقال في «الرَّوْضَةِ»: يَلْزَمُ البَيعُ بكَيلِه ووَزْنِه. ولهذا نقولُ: لكُلِّ واحدٍ منهما الفَسْخُ بغيرِ اخْتِيارِ الآخَرِ، ما لم يَكِيلا أو يَزِنا. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: فيَتَّجِهُ إذَنْ في نَقْلِ المِلْكِ رِوايَتا الخِيارِ. وقال في «الرَّوْضَةِ» : ولا يُحِيلُ به قبلَه. وقال: غيرُ المَكيلِ والمَوْزُونِ كهُما، في رِوايَةٍ. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك أوَّلَ البابِ، عندَ قولِه: ولكُلِّ واحدٍ مِنَ المُتَبايِعَين الخِيارُ ما لم يتَفَرَّقا بأبْدانِهما. الثَّانيةُ، المَبِيعُ برُؤْيَةٍ أو صِفَةٍ مُتقَدِّمَةٍ، مِن ضَمانِ

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البائعِ، حتى يَقْبِضَه المُشْتَرِي، ولا يجوزُ للمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، مَكِيلًا، أو مَوْزُونًا، أو غيرَهما.

تنبيه: ظاهِرُ قولِه: لم يَجُزْ بَيعُه حتى يَقْبِضَه. جَوازُ التَّصَرُّفِ فيه بغيرِ البَيعِ. وهو اخْتِيارُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وتقدَّم أنَّه اخْتارَ جَوازَ بَيعِه لبائعِه، وجَوازَ التَّوْلِيَةِ فيه، والشَّرِكَةِ، وهنا مسَائِلُ؛ منها، العِتْقُ. ويصِحُّ، رِوايَةً واحدَةً. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْماعًا. ومنها، رَهْنُه وهِبَتُه بلا عِوَضٍ، بعدَ قَبْضِ ثَمَنِه. وفي جَوازِها وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ظاهِرُ ما قطَع به المُصَنِّفُ في بابِ الرَّهْنِ، عدَمُ جَوازِ رَهْنِه؛ حيثُ قال: ويجوزُ رَهْنُ المَبِيعِ غيرِ المَكِيلِ والمَوْزُونِ، قبلَ قَبْضِه. قال في «التَّلْخِيصِ»: ذكَر القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، أنَّه لا يصِحُّ رَهْنُه. قال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والخَمْسِين»: قال القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ: لا يجوزُ رَهْنُه، ولا هِبَتُه، ولا إجارَتُه قبلَ القَبْضِ، كالبَيعِ. ثم ذكَر في الرَّهْنِ -[وهو ظاهِرُ كلامِه في المُرْتَهَنِ](1) - عن

(1) زيادة من: ش.

ص: 499

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ، أنَّه يصِحُّ رَهْنُه قبلَ قَبْضِه. انتهى. وقطَع في «الحاوي الكَبِيرِ» ، أنَّه لا يصِحُّ رَهْنُه ولا هِبَتُه. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، في هذا البابِ. واخْتارَ القاضي الجَوازَ فيهما. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال في «التَّلْخيصِ» أيضًا: وذكَر القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، في مَوْضِعٍ آخَرَ، إنْ كان الثَّمَنُ قد قُبِضَ، صحَّ رَهْنُه وتقدَّم كلامُهما فيما نقَلاه عنِ الأصحابِ. وللأصحابِ وَجْه آخَرُ، بجَوازِ رَهْنِه على غيرِ ثَمَنِه. قاله في «القَواعِدِ» وغيرِه. وقدَّم في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم، صِحَّةَ رَهْنِه. وصحَّحه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» . ذكَرُوا ذلك في بابِ الرَّهْنَ. ويأْتِي هناك بأَتَمَّ مِن هذا. ومنها، الإِجارَةُ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها لا تصِحُّ مُطْلَقًا. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يَصِحُّ مِن بائعِه. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ومنها، الوَصِيَّةُ به، والخُلْعُ عليه. فجَوَّزه أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وفي طَريقةِ بعضِ أصحابِنا، يصِحُّ تَزْويجُه به. واخْتارَه الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قال في «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ والخَمْسِين»: ومِنَ

ص: 500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ مَن قطَع بجَوازِ جَعْلِه مَهْرًا؛ مُعَلِّلًا بأنَّ ذلك غَرَرٌ يَسِيرٌ، فيُغْتَفَرُ في الصَّداقِ. ومنهم المَجْدُ. انتهى. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، لا يصِحُّ جَعْلُه مَهْرًا. واخْتارَ أيضًا جَوازَ التَّصَرُّفِ فيه بغيرِ بَيعٍ. وظاهِرُ كلامِ الأكْثَرِ - وصرَّح به كثيرٌ منهم - عدَمُ الجَوازِ.

قوله: وإنْ تَلِفَ قبلَ قَبْضِه فهو من مالِ البائعِ. اعلمْ أنَّه إذا تَلِفَ كلُّه، وكان بآفَةٍ سَماويَّةٍ، انْفَسخَ العَقْدُ، وكان مِن ضَمانِ بائعِه. وكذا إنْ تَلِفَ بعضُه، لكِنْ هل يُخَيَّرُ المُشْتَرِي في باقِيه، أو يَفْسَخُ؟ فيه رِوايَتا تَفْريقِ الصَّفْقَةِ. وقد تقدَّم المذهبُ منهما. قال الزَّرْكَشِي. ظاهِرُ كلامِ أبي محمدٍ، أنَّه يُخَيَّرُ بينَ قَبُولِ المَبِيعِ (1) ناقِصًا ولا شيءَ له، وبينَ الفَسْخِ والرُّجُوعِ بالثَّمَنِ. فظاهِرُ كلامِ غيرِه، أنَّ التَّخْيِيرَ في الباقِي، وأنَّ التَّالِفَ يُسْقِطُ ما قابلَه مِنَ الثَّمَنِ. انتهى. وفي العَيبِ بآفَةٍ سَماويَّةٍ، فيَتَعَيَّنُ ما قاله المُصَنِّفُ في تَلَفِ البعضِ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ.

قوله: إلَّا أنْ يتلِفَه آدَمِيٌّ، فيُخَيَّرَ المشْتَرِى بينَ فَسْخِ العَقْدِ، وبينَ إمْضائِه، ومُطالبَةِ مُتْلِفِة بالقِيمَةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: قاله أصحابُنا. وقيل:

(1) في الأصل، ط:«البيع» .

ص: 501

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنْ أتْلَفه بائعُه، انْفَسخَ العَقْدُ. وهو احْتِمالٌ في «الكافِي». قال الزَّرْكَشِيُّ: قد يُقالُ: إنَّ إطْلاقَ الخِرَقِيِّ بُطْلانُ العَقْدِ مُطْلَقًا. وظِاهِرُ ما روَى إسماعِيلُ بنُ سَعِيدٍ: إذا كان التَّلَفُ مِن جِهَةِ البائعِ، لا يَبْطُلُ العَقْدُ، ولا يُخَيَّرُ المُشْتَرِي. انتهى.

تنبيه: قوْلُه: ومُطَالبَةِ مُتْلِفِه بالقِيمَةِ. وكذا قال كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ» : ومُرادُهم -إلَّا «المُحَرَّرِ» - بقوْلِهم: بقِيمَتِه. ببَدَلِه. وقد نقَل الشَّالنْجِيُّ، يُطالبُ مُتْلِفُه في المَكِيلِ والمَوْزُونِ بمِثْلِه.

فوائد؛ منها، لو خلَطَه بما لم يتَمَيَّزْ، فهل يَنْفَسِخُ العَقْدُ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ؛ أحدُهما، ينْفَسِخُ العَقْدُ. قدَّمه في «الرِّعايتَين» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» . والثَّاني، لا ينْفَسِخُ. وقال في «الفائقِ»: والمُخْتارُ ثُبوتُ الخِيَرَةِ في فَسْخِه. ولعَلَّ الخِلافَ مَبْنِيٌّ على أنَّ الخَلْطَ؛ هل هو اشْتِراكٌ أو إهْلاكٌ؟ على ما يأْتِي في كلامِ

ص: 502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفِ في الغَصْبِ. ومنها، لو اشْتَرَى شاةً بشعِيرٍ، فأكَلَتْه قبلَ القَبْضِ؛ فإنْ لم تكُنْ بيَدِ أحَدٍ، انْفَسَخَ العَقْدُ، كالسَّماويِّ، وإنْ كانتْ بيَدِ المُشْتَرِي، أو البائعِ، أو أجْنَبِيٍّ، فمِن ضَمانِ مَن هي بيَدِه. ومنها، لو كان المَبِيعُ قَفِيزًا مِن صُبْرَةٍ، أو رَطْلًا مِن زُبْرَةٍ، فتَلِفَتْ إلَّا قَفِيزًا أو رَطْلًا، فهو المَبِيعُ. ومنها، لو اشْتَرَى عَبْدًا أو شِقْصًا بمَكِيلٍ، أو مَوْزُونٍ، أو مَعْدُودٍ، أو مَذْرُوعٍ، فقَبَضَ العَبْدَ وباعَه، أو أخَذَ الشِّقْصَ بالشُّفْعَةِ، ثم تَلِفَ الطَّعامُ قبلَ قَبْضِه، انْفَسَخَ العَقْدُ الأوَّلُ دُونَ الثَّاني، ولا يَبْطُلُ الأخْذُ بالشُّفْعَةِ، ويَرْجِعُ مُشْتَرِى الطَّعامِ على مُشْتَرِى العَبْدِ أو الشِّقْصِ بقِيمَةِ ذلك؛ لتعَذُّرِ رَدِّه، وعلى الشَّفيعِ مِثْلُ الطَّعامِ، لأنَّه عِوَضُ الشِّقْصَ.

تنبيه: يأْتِي حُكْمُ الصَّرْفِ والسَّلَمِ قبلَ قَبْضِهما في بابَيهما، ويأْتِي حُكْمُ الثَّمَرَةِ

ص: 503

وَعَنْهُ، في الصُّبْرَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ بَيعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ، فَهِيَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي. وَمَا عَدَا الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ، فَهُوَ مِنْ مَاكِ الْمُشْتَرِي. وذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّهُ كَالْمَكِيلِ والْمَوزُونِ في ذَلِكَ.

ــ

إذا باعَها على الشَّجَرِ، هل يجوزُ بَيعُها قبلَ جَدِّها؟ ونحوُه.

قوله: وما عَدا المَكِيلَ والمَوْزُونَ، يَجُوزُ التّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه،

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنْ تَلِفَ، فهو مِن ضَمانِ المُشْتَرِي. وهذا بِناءً منه على ما ذكَرَه في المَكِيلِ والمَوْزُونِ. وقد تقدّم أنَّ المَعْدُودَ والمَذْرُوعَ كهُما، فما عَدا هذه الأرْبعَةَ، يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه، وإنْ تَلِفَ، فهو مِن ضَمانِ المُشْتَرِي، كما قال المُصَنِّفُ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: هذا المذهبُ، كأَخْذِه بشُفْعَةٍ. قال في «التَّلْخيصِ»: هذا أشْهَرُ الرِّواياتِ، واخْتِيارُ أكثرِ

ص: 505

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصحابِ. قال في «المُحَرَّرِ» : هذا المَشْهُورُ. قال في «الشَّرْحِ» : هذا الأظهَرُ. قال في «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ»: هذا الأشْهَرُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو الأشْهَرُ عن الإِمامِ، والمُخْتارُ لجُمْهورِ الأصحابِ. وصحَّحه ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصُولِ» . وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، يجوزُ التَّصَرُّفُ فيه، إنْ لم يَكُنْ مَطعُومًا. وفي طَرِيقَةِ بعضِ الأصحابِ رِوايَةٌ؛ يجوزُ في العَقارِ فقط. وذكَر أبو الخَطَّابِ رِوايَةً أُخْرَى، أنَّه كالمَكِيلِ والمَوْزُونِ في ذلك، فلا يجوزُ التَّصَرفُ فيه مُطْلَقًا، ولو ضَمِنَه. اخْتارَه ابنُ عَقِيل في غيرِ «الفُصُولِ» ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ،

ص: 506

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجعَلَها طَرِيقَةَ الخِرَقِيِّ وغيرِه، وقال: عليه تدُلُّ أُصُولُ أحمدَ، كتَصَرُّفِ المُشْتَرِي في الثَّمَرَةِ، والمُسْتَأْجِرِ في العَينِ، مع أنَّه لا يَضْمَنُها، وعكْسُه كالصُّبْرَةِ المُعَينَّةَ. كما شرَط قَبْضَه لصِحَّتِه، كسَلَمٍ وصَرْفٍ. وقال في «الانْتِصارِ» ، في الصَّرْفِ: إنْ تَمَيَّز له، الشِّراءُ بعَينِه، ويأْمُرُ البائعُ بقَبْضِه في المَجْلِسِ. وقال في «التَّرْغيبِ»: المُتَعَيِّنان في الصَّرْفِ، قيل: مِن صُوَرِ المَسْأَلةِ. وقيل: لا؛ لقوْلِه: إلَّا هؤلاءِ.

فوائد؛ الأُولَى، ضابِطُه، المَبِيعُ مُتَمَيِّزْ وغيرُه؛ فغَيرُ المُتَمَيِّزِ مُبْهَمٌ تعَلَّقَ به حقُّ تَوْفِيَةٍ، كقَفِيزٍ مِن صُبْرَةٍ ونحوه، فيَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، وعليه الأصحابُ. وفي كلامِ المُصَنِّفِ ما يقْتَضِى رِوايَةً بعدَمِ الافْتِقارِ.

ص: 507

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الزَّرْكَشِيُّ: ولا يُتابَعُ عليها. ومُبْهَم لم يتَعَلَّقْ به حَقُّ تَوْفِيَةٍ، كنِصْفِ عَبْدٍ، ونحوه، ففي «البُلْغَةِ» ، هو كالذي قبلَه. وفي «التَّلْخيصِ» ، هو مِنَ المُتَمَيِّزاتِ، فيه الخِلافُ الآتِي. والمُتَمَيِّزُ قِسْمان؛ ما يتَعَلَّقُ به حقُّ تَوْفِيَةٍ، كبِعْتُك هذا القَطِيعَ، كل شاةٍ بدِرْهَم، ونحوه. فهو كالمُبْهَمِ الذي تعَلَّقَ به حَقُّ تَوْفِيَةٍ عندَ الأصحابِ. وخرج أنَّه كالعَبْدِ. وهو ظاهِرُ رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. وما لا يتَعلّقُ به حَقُّ تَوْفِيَةٍ -كالعَبْدِ، والدَّارِ، والصُّبْرَةِ، ونحوها، مِنَ الذِّمِّيَّاتِ- ففيه الرِّواياتُ المذْكُورَةُ بعدَ كلامِ المُصَنِّفِ. الثَّانيةُ، ما جازَ له التَّصَرُّفُ فيه، فهو مِن ضَمانِه، إذا لمَ يَمْنَعْه البائعُ. نصَّ عليه. قال في «الفُروعِ»: فظاهِرُه، تمَكَّنَ مِن قَبْضِه أوْلا. وجزم به في «المُستَوْعِبِ» وغيرِه. وقال الشّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا يكونُ مِن ضَمانِه، إلَّا إذا تمَكَّنَ مِن قَبْضِه. وقال: ظاهِرُ المذهبِ، الفَرْق بينَ ما تمَكَّنَ مِن قَبْضِه وغيرِه، ليس هو الفَرْقَ بينَ المَقْبوضِ وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. قال: ولم أجِدِ الأصحابَ ذكَرُوه. ورَدَّ ما قاله الشَّيخُ

ص: 508

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقِيُّ الدِّينِ، واسْتَشْهَدَ للردِّ بكلامِ بعضِ الأصحابِ. الثَّالثةُ، الثَّمَنُ الذي ليس في الذِّمَّةِ، حُكْمُه حُكْمُ المُثَمَّنِ، فأمَّا إنْ كان في الذِّمَّةِ، فله أخْذُ بدَلِه؛ لاسْتِقْرارِه. قال المُصَنِّفُ في «فتَاويه» ، في مَنِ اشْتَرَى شاةً بدِينارٍ، فبَلَعَتْه، إنْ قُلْنا: يتَعَيَّنُ الدِّينارُ بالتَّعْيِينِ، ويَنْفَسِخُ العَقْدُ بتَلَفِه قبلَ قَبْضِه، انْفَسَخَ هنا. وإنْ لمِ نَقُلْ بأحَدِهما، لم يَنْفَسِخْ. الرَّابعة، حُكْمُ كلِّ مُعَيَّنٍ مُلِكَ بعَقْدِ مُعاوَضَةٍ، يَنْفسِخُ بهَلاكِه قبلَ قَبْضِه -كالأجْرَةِ المُعَينَّةَ، والعِوَضِ في الصلْحِ، بمَعْنَى البَيعِ، ونحوهما- حُكْمُ العِوَضِ في البَيعِ، في جَوازِ التَّصَرُّفِ ومَنْعِه، كما سبَق. قطعَ به الأصحابُ. وجوَّز الشَّيخُ تَقِي الدِّينِ البَيعَ فيه، وغيرَه؛ لعدَمِ قَصْدِ الرِّبْحِ. انتهى. وحُكْمُ ما لا يَنْفَسِخُ العَقْدُ بتَلَفِه قبلَ قَبْضِه -كالعِوَضِ في الخُلْعِ، والعِوَضِ في العِتْقِ، والمُصالحِ به عن دَمِ العَمْدِ- قيل: حُكْمُ البَيعِ. كما تقدَّم

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الذي قبلَه. اخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، لكنْ يجِبُ بتَلَفِه مِثْلُه أو قِيمَتُه. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي [الصَّغِيرِ] (1)» ، ولا فَسْخَ على الصَّحيحِ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لهما فَسخُ نِكاحٍ، لفَوْتِ بعضِ المَقْصُودِ، كعَيبِ مَبِيعٍ. انتهى. وقيل: له التَّصَرُّف قبلَ قَبْضِه فيما لا

(1) زيادة من: ش.

ص: 510

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَنْفَسِخُ، فيَضْمَنُه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» . وقدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وفي «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، بل ضَمانُه كبَيع. وحُكْمُ المَهْرِ كذلك عندَ القاضي. وهو ظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ. وجزَم به في «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «المُحَرَّرِ». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال أبو الخَطَّابِ: إنْ لم يَكُنْ مُتَعَيَّنًا. ذكَرَه المُصَنِّفُ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . الخامسةُ، لو تعَيَّنَ مِلْكُه في مَوْرُوثٍ، أو وَصِيَّةٍ، أو غَنِيمَةٍ، لم يُعْتَبرْ قَبْضُه في صِحَّةِ تصَرُّفِه فيه. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بلا

ص: 511

وَيَحْصُلُ الْقَبْضُ فِيمَا بِيعَ بِالْكَيلِ وَالْوَزْنِ، بِكَيلهِ وَوَزْنِهِ،

ــ

خِلافٍ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ؛ و «الفائقِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وغيرِهما؛ لعدَمِ ضَمانِه بعَقْدِ مُعاوَضَةٍ؛ كمَبِيعٍ مَقْبُوضٍ، وكوَدِيعَةٍ، وكمالِه في يَدِ وَكيله، ويجوزُ ذلك. وقيل: وَصِيَّةٌ كبَيعٍ. وقيل: وإرْثٌ أيضًا كبَيع. وفي «الإفْصاحِ» عن أحمدَ، مَنْعُ بَيعِ الطعامِ قبلَ قَبْضِه في إرْثٍ وغيرِه. وفي «الانْتِصارِ» ، مَنْعُ تَصَرُّفِه في غَنِيمَةٍ قبلَ قَبْضِها إجْماعًا، وعارِيَّةٍ كوَدِيعَةٍ في جَوازِ التَّصَرُّفِ، ويَضْمَنُها مُسْتَعِيرٌ. ويأتِي حُكْمُ القَرْضِ في أوَلِ بابِه.

قوله: ويَحْصُلُ القَبْضُ فيما بِيعَ بالكَيلِ والوَزْنِ بكَيله ووَزْنه. وكذا المَعْدُودُ

ص: 512

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمَذْرُوعُ، بعَدِّه، وذَرْعِهِ، على ما تقدَّم نصَّ عليه. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، لكِنْ يُشْتَرطُ في ذلك كلِّه، حُضورُ المُسْتَحِقِّ أو نائبِه. وعنه، أنَّ قَبْضَ جميعِ الأشْياءِ بالتَّخْلِيَةِ مع التَّمْيِيزِ. نصَرَه القاضي وغيرُه. وقال في «المُحَررِ» ، ومَن تابَعه: وإنْ تقَابَضاه جُزافًا، لعِلْمِهما بقَدْرِه، جازَ، إلَّا في المَكِيلِ، فإنَّه على رِوايتَين. ويأتِي في أوَاخِرِ السَّلَمِ، هل يُكْتَفَى بعِلْمِ كَيلِه أو وَزْنه ونحو ذلك عن المَكِيلِ والمَوْزُونِ ونحوهما، أم لا؟

فوائد؛ إحْداها، نصَّ الإمامُ أحمدُ على كَراهَةِ زَلْزَلَةِ الكَيلِ. الثّانيةُ، الصَّحيحُ

ص: 513

وَفِي الصُّبْرةِ وَفِيمَا يُنْقَلُ، بِالنَّقْلِ،

ــ

مِنَ المذهبِ صِحَّةُ اسْتِنابَةِ مَن عليه الحَقُّ للمُسْتَحِق في القَبْضِ. قال في «التَّلْخيصِ» : صحَّ في أظْهَرِ الوَجْهَين. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقيل: لا يصحُّ. الثَّالثةُ، نصَّ أحمدُ، وقاله القاضي وأصحابُه، ظَرْفُه كيَدِه؛ بدَليلِ تَنازُعِهما ما فيه. وقيل: لا. الرَّابعةُ، نصَّ أحمدُ أيضًا على صِحَّةِ قَبْضِ وَكيل مِن نَفْسِه لنَفْسِه. وهو المذهبُ، وعليه جُمْهورُ الأصحابِ. قاله في «الفُروعِ». قال في «التَّلْخيصِ»: هذا المَشْهورُ في المذهبِ، وعليه جُمْهورُ الأصحاب. وقاله في «التَّرْغيبِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ. ولو قال له: اكْتَلْ مِن هذه الصُّبْرَةِ قَدْرَ حَقِّك، ففَعَل، صحَّ. وقيل: لا. ويأتِي ذلك في آخِرِ السَّلَمِ.

قوله: وفي الصُّبْرَةِ، وما يُنْقَلُ بالنَّقْلِ، وفيما يُتَناوَلُ بالتنَّاوُلِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، أنَّ قَبْضَ جميعِ الأشْياءِ بالتَّخْلِيَةِ مع التَّمْيِيزِ. ونصَرَه القاضي وغيرُه، كما تقدَّم.

ص: 514

وَفِيمَا يُتَنَاوَلُ، بِالتَّنَاوُلِ، وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ، بِالتَّخْلِيَةِ. وَعَنْهُ، أنَّ قَبْضَ جَمِيعِ الْأشْيَاءِ بِالتَّخْلِيَةِ مَعَ التَّمْيِيزِ.

ــ

فائدة: قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» (1)، في كتابِ الهِبَةِ: والقَبْضُ في المُشاعِ بتَسْليمِ الكُلِّ إليه، فإنْ أبي الشَّرِيكُ أنْ يُسَلِّمَ نَصِيبَه، قيل للمُتَّهِبِ: وكِّلِ الشَّرِيكَ في قَبْضِه ونَقْلِه. فإنْ أبي، نصبَ الحاكِمُ مَن يكونُ في يَدِه لهما، فيَنْقُلُه، ليَحْصُلَ القَبْضُ؛ لأنه لا ضرَرَ على الشَّرِيكِ في ذلك، ويَتِمُّ به عَقْدُ شَرِيكِه. وقال في «الرِّعايَةِ»: ومَنِ اتَّهَبَ مُبْهَمًا أو مُشاعًا؛ مِن مَنْقُولٍ وغيرِه مما يَنْقَسِمُ أو غيرِه، فأذِنَ له شَرِيكُه في القَبْضِ، كان سَهْمُه أمانَةً مع المُتَّهِبِ، أو يُوَكِّلُ المُتهِبُ شَرِيكَه في قَبْضِ سَهْمِه منه، ويكونُ أمانَةً. وإن تَنازَعا، قبَض لهما وَكِيلُهما، أو أمِينُ الحاكِمِ. انتهى. وقال في «الفُروعِ» ، في بابِ الهِبَةِ: قال في «المُجَرَّدِ» : يُعْتَبرُ لقَبْضِ المُشاعِ إذْنُ الشَّرِيكِ، فيكونُ نِصْفُه مَقْبُوضا تَملُّكًا، ونِصْفُ الشَّرِيكِ أمانةً. وقال في «الفُنُونِ»: بل عارِيَّة. انتهى. وقال في «الرِّعايَةِ» أيضًا، في بابِ القَبْضِ والضَّمانِ: ومَن باعَ حقَّه المُشاعَ مِن عَينٍ، وسلَّم الكُلَّ إلى المُشْتَرِي بلا إذْنِ شَرِيكِه، فهو غاصِبٌ حَقَّ شَرِيكِه، فإنْ عَلِمَ المُشْتَرِي عدَمَ إذْنِه في قَبْضِ حَقِّه -فتَلِفَ- ضَمَّنَ أيَّهما شاءَ، والقَرارُ على

(1) انظر: المغني 8/ 247.

ص: 515

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُشْتَرِي. وكذا إنْ جَهِلَ الشَّرِكَةَ أو وُجوبَ الإذْنِ -ومِثْلُه يَجْهَلُه- لكِنِ القرارُ على البائعِ؛ لأنَّه غَرَّه، ويَحْتَمِلُ أنْ يخْتَصَّ بالمُشْتَرِى.

قوله: وفيما عَدا ذلك بالتَّخْلِيَةِ. كالذي لا يُنْقَلُ، ولا يحَوَّلُ. وهذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ قال المُصَنِّف، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّرْغِيبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي» وغيرُهم: مع عدَمِ المانِعِ. قلتُ: ولعَلَّه مُرادُ مَن أطْلَقَ.

فائدتان؛ إحْداهما، أُجْرَةُ تَوْفِيَةِ الثمَنِ والمُثَمِّنِ على باذِلِه منهما. قاله الأصحابُ. وقال في «النِّهايَةِ»: أُجْرَةُ نقْلِه -بعدَ قَبْضِ البائعِ له- عليه. انتهى. وأُجْرَةُ المَنْقُولاتِ على المُشْتَرِي، إن قُلْنا: كمَقْبُوضٍ. جزَم به في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» . وقال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: أُجْرَةُ المَنْقُولاتِ على المُشْتَرِي، سواءٌ قُلْنا: كمَقْبُوضٍ. أوْ لا. قال المُصَنِّفُ: لأنه لم يتَعلَّقْ به حق تَوْفِيَةٍ. نصَّ عليه. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : ومُؤنَةُ تَوْفِيَةِ كلِّ واحدٍ مِنَ العِوَضَين مِن أُجْرَةِ وَزْنِه، وكَيلِه، وذَرْعِه، وعَدِّه، وغيرِ ذلك، على باذِلِه، ومُؤْنَةُ قَبْضِ ما بيعَ جُزافًا، وهو مُتَمَيِّزٌ، على

ص: 516

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَن صارَ له، إنْ قُلْنا: هو في حُكْمِ المَقْبُوضِ. وإلَّا فلا. وما بِيعَ بصِفَةٍ أو رُؤيَةٍ مُتقَدِّمَةٍ، فهو كالمَكيلِ والمَوْزونِ ونحوهما، في حقِّ التَّوْفِيَةِ وغيرِها. وقيل: أُجْرَةُ الكيَّالِ على البائعِ. وكذا أُجْرَةُ الوَزَّانِ، والنَّقْلِ. وقيل: بل على المُشْتَرِي. ثم قال مِن عندِه: ويَحْتَمِلُ أنّ عليه أُجْرَةَ النَّقَّادِ، وزِنَةِ الوَزَّانِ. انتهى. [وقال القاضي في «التَّعْلِيقِ»: وأُجْرَةُ النَّقَّادِ، فإنْ كان قبلَ أنْ يقْبِضَ البائعُ الثَّمَنَ، فهي على المُشْتَرِي؛ لأنَّ عليه تَسْلِيمَ الثمَنِ إليه صَحِيحًا، وإنْ كان قد قبَض، فهي على البائعِ؛ لأنَّه قد قبَضَه منه ومَلَكَه، فعليه أنْ يتبينَ أنَّ شيئًا منه مَعِيبًا يَجِبُ ردُّه] (1). الثَّانيةُ، يتَمَيَّزُ الثَّمَنُ عن المُثَمِّنِ بدُخولِ باءِ البَدَلِيَّةِ مُطْلَقًا. على الصحيحِ. قدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقال: وهو أوْلَى. قال الأزَجِيُّ في «نِهايتِه» : وهو أظْهَرُ. وقيل: إنِ اشْتمَلَتِ الصَّفْقَةُ على أحَدِ النَّقْدَين، فهو الثَّمَنُ، وإلا فهو ما دَخلَتْه باءُ البَدَلِيَّةِ، نحو، بِعْتُك هذا بهذا: فقال المُشْتَرِي: اشْتَرَيتُ. أو قال: اشْتَرَيتُ هذا بهذا. فقال البائعُ: بِعْتُك. وذكَر الأزَجِي في «نِهايتِه» وَجْهًا ثالِثًا، وهو أن الثَّمَنَ الدراهِمُ والدَّنانِيرُ المَوْصوفَةُ للثَّمَنِيَّةِ اصْطِلاحًا. فيخْتَصُّ بها فقط. قلتُ: هو قَريبٌ مِنَ الذي قبلَه.

فوائد؛ منها، لا يضمَنُ النُّقادُ ما أخطَأوا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. زادَ في «الرِّعايَةِ» ، إذا عُرفَ حَذْقُه وأمانَتُه. والظَّاهِرُ، أنه مُرادُ مَن أطْلَقَ.

(1) زيادة من: ش.

ص: 517

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: يَضمَنُون. ومنها، إتْلافُ المُشْتَرِي للمَبِيعِ قَبْضٌ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: إنْ كان عَمْدًا، فقَبْضٌ، وإلَّا فلا. وغَصْبُه ليس بقَبْضٍ. وفي «الانْتِصارِ» ، خِلافٌ؛ إنْ قَبلَه، هل يَصِيرُ قابِضًا أم يَنْفَسِخُ، ويَغْرَمُ قِيمَتَه؟ وكذا مُتَّهِبٌ بإذْنِه، هل يَصِيرُ قابِضًا؟ فيه، وفي غَصْبِ عَقارٍ، لو اسْتَوْلَى عليه (1) وحال بينَه وبينَ بائعِه، صارَ قابِضًا. ومنها، يصِحُّ قَبْضُه مِن غيرِ رِضَا البائعِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال في «الانْتِصارِ»: يَحْرُمُ في غيرِ مُتَعَيِّن. ومنها، لو غصَب. البائعُ الثَّمَنَ، أو أخَذَه بلا إذْنِه، لم يَكُنْ قَبْضًا، إلَّا مع المُقاصَّةِ.

فائدة: يَحْرُمُ تَعاطِيهما عَقْدًا فاسِدًا، فلو فعَلا، لم يَمْلِكْ به، ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وخرَّج أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» ، صِحَّةَ التَّصَرُّفِ فيه مِنَ الطلاقِ في النِّكاحِ الفاسِدِ. واعْتَرضَه أحمدُ الحرْبِيُّ (2) في «تَعْلِيقِه» ، وفرَّق بينَهما. وأبْدَى ابنُ عَقِيل في «عُمَدِ الأدِلَّةِ» احْتِمالًا بنُفُوذِ الإقَالةِ في البيعِ الفاسِدِ، كالطَّلاقِ في النِّكاحِ الفاسِدِ. قال: ويُقَيِّدُ ذلك، أن حُكْمَ الحاكِمِ بعدَ الإقالةِ بصِحَّةِ العَقْدِ، لا يُؤثِّرُ. انتهى. قال في «الفائقِ»: قال شيخُنا، يعْنِي به الشيخَ تَقِيُّ الدِّينِ: يتَرجَّحُ أنَّه يَمْلِكُه بعَقْدٍ فاسِدٍ. فعلى المذهبِ، حُكْمُه حُكْمُ المَغْصُوبِ في الضَّمانِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَين» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والأرْبَعِين»: هذا المَعْروفُ مِنَ المذهبِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه:

(1) سقط من: الأصل، ط.

(2)

أحمد بن معالي (عبد الله) بن بركة الحربي، شيخ فقيه، مناظر، له مخالطة مع الفقهاء، ومعاشرة مع الصوفية، له «تعليقة» في الفقه. توفي سنة أربع وخمسين وخمسمائة. ذيل طبقات الحنابلة 1/ 232، 233.

ص: 518

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حُكْمُه حُكْمُ المَقْبوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ. ومنه خرَّج ابنُ الزَّاغُونِيِّ، لا يَضْمَنُه. ويأتِي حُكْمُ المَقْبوضِ على وَجْهِ السَّوْمِ في بابِ الضَّمانِ، وإنْ كان هذا محَله، لمَعْنًى ما. وعلى المذهبِ أيضًا، يَضْمَنُه بقِيمَتِه على الصَّحيحِ. نصَّ عليه في رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، وأبِي طالِبٍ. وذكَر أبو بَكْرٍ، يَضْمَنُه بالمُسَمَّى لا القِيمَةِ، كنِكاحٍ وخُلْع. وحكاه القاضي في الكِتابَةِ. واخْتارَه الشّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال في «الفُصُولِ»: يَضْمَنُه بالثّمَنِ. والأصحُّ، بقِيمَتِه كمَغْصُوبٍ. وفي «الفُصُولِ» أيضًا -في أُجْرَةِ المِثْلِ في مُضارَبَةٍ فاسِدَةٍ- أنَّه كبَيع فاسِدٍ، إذا لم يَسْتَحِقَّ فيه المُسَمَّى، اسْتَحَق ثَمَنَ المِثْلِ؛ وهو القِيمَةُ. كذا تَجِبُ قِيمَةُ المِثْلِ لهذه المَنْفَعَةِ. انتهى. وقال في «المُغْنِي» -في تصَرُّفِ العَبْدِ- وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ»: أو يضْمَنُ مِثْلَه يومَ تَلَفِه. وخرج القاضي وغيرُه، فيه وفي عارِيَّةٍ، كمَغْصُوبٍ. وقاله في «الوَسِيلَةِ». وقيل: له حَبْسُ المَقْبوضِ بعَقْدٍ فاسِدٍ على قَبْضِ ثَمَنِه. وعلى المذهبِ، يَضْمَنُ زِيادَتَه على الصَّحيحِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وله مُطْلَقًا، نَماؤه المُتَّصِلُ والمُنْفَصِلُ، وأُجْرَته مُدَّةَ قَبْضِه بيَدِ المُشْتَرِي، وأرْشُ نَقْصِه. وقيل: هل أُجْرَتُه وزِيادَتُه مَضْمونَة أو أمانَة؟ على وَجْهَين. انتهى. وقال في «الصغْرَى» : ونَماؤه وأُجْرَتُه وأرْشُ نَقْصِه لمالِكِه. وقيل: عليه أُجْرَةُ المِثْلِ لمَنْفَعَةٍ، وضَمانُه إنْ تَلِفَ بقِيمَتِه، وزِيادَتُه أمانَة. انتهى. وقام الضَّمانَ أيضًا في الزِّيادَةِ (1). وصححَه في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقال في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النّظْمِ»: وفي ضَمانِ زِيادَتِه وَجْهان. وقال في

(1) في الأصل، ط:«الزبدة» .

ص: 519

وَالإقَالةُ فَسْخٌ، تَجُوزُ في الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَلَا يُسْتَحَقُّ بِهَا شُفْعَة، وَلَا تجُوزُ إلا بِمِثْلِ الثَّمَن. وَعَنْهُ، أنَّهَا بَيعٌ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ إلا بِمِثْلِ الثَّمَنِ، فِي أحدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

«المُغنِي» ، و «الترْغيبِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَين» وغيرِهما: إنْ سقَط الجَنِينُ مَيِّتا، فهَدَرٌ. وقاله القاضي. وعندَ أبِي الوَفَاءِ يَضْمَنُه. انتهى. ويَضْمَنُه ضارِبُه بلا نِزاع، وحُكْمُه في الوَطْءِ حُكْمُ الغاصِبِ، إلا أنَّه لا حَدَّ عليه، ووَلَدُه حُر.

قوله: والإقالةُ فَسْخٌ. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ. نصَّ عليه. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» : اخْتارَها الخِرَقِيُّ، والقاضي، والأكْثَرُون. قال الزرْكَشِيُّ: هي اخْتِيارُ جُمْهورِ الأصحابِ؛ القاضي وأكثرِ أصحابِه. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم: ويُشْرَعُ إقالةُ النادِمِ، وهي فَسْخٌ في أصحِّ الروايتَين. وقدَّمه في «الفُروعِ» ،

ص: 520

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَين» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وحكَاه القاضي، في المُصَنِّفُ، وغيرُهما عن أبي بَكْر. وعنه، أنها بَيعٌ. اخْتارَها أبو بَكْرٍ في «التَّنْبِيهِ» .

تنبيه: يَنْبَنِي على هذا الخِلافِ فَوائِدُ كثيرة، ذكَرَها ابنُ رَجَب في «فوائدِه» وغيرُه. منها، إذا تَقايَلا قبلَ القَبْضِ، فيما لا يجوزُ بَيعُه قبلَ قَبْضِه، فيَصِحُّ على المذهبِ، ولا يصِحُّ على الثانيةِ، إلَّا على رِوايَةٍ حكَاها القاضي في «المُجَرَّدِ» ، في الإجارَاتِ؛ أنَّه يصِحُّ بَيعُه مِن بائعه خاصة قبلَ القَبْضِ. وقد تقدَّمَتْ. واخْتارَها الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقاله أبو الخَطابِ في «الانْتصارِ» . ومنها، جَوازُها، في المَكِيلِ والمَوْزونِ بغيرِ كَيلٍ ووَزْنٍ، على المذهبِ، ولا يصِح على الثانيةِ. وهذه طَرِيقَةُ أبي بَكْرٍ في «التنبِيهِ» ، والقاضي، والأكْثَرِين. وجزَم بها في «الفُروعِ» وغيرِه. وحُكِيَ عن أبي بَكْرٍ، أنه لا بدَّ فيها مِن كَيلٍ أو وَزْنٍ ثانٍ، على الرِّوايتَين جميعًا. وقطَع به المُصَنِّفُ، والشارِحُ، عن أبي بَكرٍ. ومنها، إذا تقَايَلا بزِيادَةٍ على الثمَنِ، أو نقْصٍ منه، أو بغيرِ جِنْسِ الثمَنِ، لم تصِح الإقالةُ،

ص: 521

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمِلْكُ للمُشْتَرِب. على المذهبِ. وعلى الثانيةِ، فيه وَجْهان. وأطْلَقهما المُصَنِّفُ هنا. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» وغيرِهم؛ أحدُهما، لا يصِحُّ إلَّا بمِثْلِ الثَّمَنِ أيضًا. صحَّحَه المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وصاحِبُ «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفائقِ». وهو المَذهبُ عندَ القاضي في «خِلافِه». قال في «القواعِدِ»: وهو ظاهِرُ ما نقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ. والوَجْهُ الثاني، يصِحُّ بزِيادَةٍ على الثَّمَنِ ونَقْصٍ. صحَّحَه القاضي في «الرِّوايتَين» . وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» ، فإنَّه قال: وعنه، بَيعٌ. فيَنْعَكِسُ ذلك إلَّا مِثْلَ الثَّمَنِ في وَجْهٍ، ويكونُ هذا المذهبَ على ما اصطَلَحْناه. ومنها، تصِحُّ الإقالةُ بلَفْظِ الإقالةِ والمُصَالحةِ. على المذهبِ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وعلى الثانيةِ لا يَنْعَقِدُ. صرَّح به القاضي في «خِلافِه» ، فقال: ما يَصْلُحُ للحَلِّ لا يصْلُحُ للعَقْدِ، وما يصْلُحُ للعَقْدِ لا يصْلُحُ للحَلِّ؛ فلا تَنْعَقِدُ الإقالةُ بلَفْظِ البَيعِ، ولا البَيعُ بلَفْظِ الإقالةِ. قاله في «القواعِدِ» . وظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ، انْعِقادُها بذلك، وتكونُ مُعاطاةً. قاله في «الفَوائدِ» . ومنها، عدَمُ اشْتِراطِ شُروطِ البَيعِ؛ مِن مَعْرِفَةِ المُقَالِ

ص: 522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه، والقُدْرَةِ على تَسْليمِه، وتَمَيُّزِه عن غيرِه، على المذهبِ. وعلى الثانيةِ، يُشْتَرطُ مَعْرِفَةُ ذلك. ذكَرَه في «المُغْنِي» ، في التَّفْليسِ. قال في «القواعِدِ»: وفي كلامِ القاضي ما يقتَضِي أن الإقالةَ لا تصِحُّ مع غَيبَةِ الآخَرِ، على الرِّوايتَين، ولو قال: أقِلْنِي. ثم غابَ، فأقاله، لم يصِحَّ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وقدَّم في «الانْتِصارِ» ، يصِحُّ على الفَوْرِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه: الإقالةُ لمَّا افْتقَرَتْ إلى الرِّضا، وَقفَتْ على العِلْمِ. ومنها، لو تَلِفَتِ السِّلْعَةُ، فقيل: لا تصِحُّ الإقالةُ، على الروايتَين. وهي طَرِيقَةُ القاضي في مَوْضِع مِن «خِلافِه» ، والمُصَنِّفِ في «المُغْنِي». وقيل: إنْ قيلَ: هي فَسْخٌ. صَحَّتْ، وإلَّا. لم تصِحَّ. قال القاضي في مَوْضِعٍ مِن «خِلافِه»: هو قِياسُ المذهبِ. وفي «التلْخيصِ» ، وَجْهان. وقال: أصلُهما

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرِّوايَتان إذا تَلِفَ المَبِيعُ في مُدّةِ الخِيارِ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . وقالا: وفارَق الرَّدَّ بالعَيبِ؛ لأنَّه يُعْتمَدُ مَرْدُودًا. ومنها، صِحَّتُها بعدَ نِداءِ الجُمُعَةِ. على المذهبِ. وعلى الثّانيةِ، لا تصِحُّ. قاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، ومَن تابعَهما. ومنها، نَماؤه المُنْفَصِلُ، فعلى الثانيةِ، لا يُتْبَعُ. وعلى المذهبِ، قال القاضي: هو للمُشْتَرِي. قال ابنُ رَجَب: ويَنْبَغِي تَخْرِيجُه على الوَجْهَين؛ كالردِّ بالعَيبِ، والرُّجوعِ للمُفْلِسِ. وخرج القاضي وَجْهًا؛ يَرُدُّه مع أصْلِه. حكَاه المَجْدُ عنه في «شَرْحِه» . وقال في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ»: النَّماءُ للبائعِ. على المذهبِ. مع ذِكْرِهما أن نَماءَ المَعِيبِ للمُشتَرِي. ومنها، لو باعَه نَخْلًا حامِلًا، ثم تَقايَلا وقد أطْلَعَ، فعلى المذهبِ، يَتْبَعُ الأصْلَ، سواءٌ كانتْ مُؤبَّرَةً أوْلا. وعلى الثانيةِ، إنْ كانت مُؤبرَةً، فهي للمُشْتَرِي الأوَّلِ، وإنْ لم تَكُنْ، فهي للبائعِ الأوَّلِ. ومنها، خِيارُ المَجْلِسِ، لا يَثْبُتُ فيها على المذهبِ. وعلى الثانِيَةِ، قال في «التَّلْخيصِ»: يَثْبُتُ فيها، كسائِر العُقودِ. قال: ويَحْتَمِلُ عندِي، لا يَثْبُتُ. ومنها، هل يرُدُّ بالعَيبِ؟ فعلى الثانيةِ، له الرَّدُّ. وعلى المذهبِ، يَحْتَمِلُ أنْ لا يرُدَّ به، ويَحْتَمِلُ أنْ يرُدَّ به. قاله في «القواعِدِ» . ومنها، الإقالةُ في المُسْلَمِ فيه قبلَ

ص: 524

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَبْضِه، فقيل: يجوزُ الإقالةُ فيه على الرِّوايتَين. وهي طَرِيقَةُ الأكْثَرِين. ونقَل ابنُ المُنْذِرِ، الإجْماعَ على ذلك. وقيل: يجوزُ على المذهبِ، لا الثانيةِ. وهي طَرِيقَة القاضي، وابنِ عَقِيلٍ في رِوَايَتيهما، وصاحِبِ «الرَّوْضَةِ» ، وابنِ الزاغُونِيِّ. ويأتِي أيضًا في بابِ السَّلَمِ. ومنها، لو باعَه جُزْءًا مُشاعًا مِن أرْضِه، فعلى المذهبِ، لا يَسْتَحِقُّ المُشْتَرِي، ولا مَن حدَث له شَرِكَةٌ في الأرْضِ قبلَ المُقايَلَةِ شيئًا مِنَ الشِّقْصِ بالشُّفْعَةِ. وعلى الثانيةِ، يَثْبُتُ لهم. وكذا لو باعَ أحدُ الشرِيكَين حِصَّتَه ، ثم عفَا الآخَرُ عن شُفْعَتِه، ثم تَقايَلا، وأرادَ العافِي أنْ يَعُودَ إلى الطلَبِ، فليس له ذلك، على المذهبِ. وعلى الثانيةِ، له ذلك. ومنها، لو اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا، ثم تَقَايَلاه قبلَ الطلَبِ، فعلى الثانيةِ، لا يَسْقُطُ. وعلى المذهبِ، لا يسْقُطُ أيضًا. وهو قوْلُ القاضي وأصحابِه. وقيل: يسْقُطُ. وهو المَنْصُوصُ، وهو ظاهِرُ كلامِ أبِي حَفْص، والقاضي في «خِلافِه» . ومنها، هل يَمْلِكُ المُضارِبُ أو الشرِيكُ الإقالةَ فيما اشْتَرَياه؟ فالأَكثرُون على أنَّهما يَمْلِكانِها عليهما مِن المَصْلَحَةِ،

ص: 525

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال ابنُ عَقِيلٍ في مَوْضِعٍ من «فُصُولِه» : على المذهب، لا يَمْلِكُه، وعلى الثَّانيةِ، يَمْلِكُه. ويأتي ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوَّلِ الشَّرِكَةِ. ومنها، هل يَمْلِكُ المُفْلِسُ بعدَ الحَجْرِ المُقايَلَةَ لظُهورِ المَصْلَحَةِ؟ فعلى الثَّانيةِ، لا يَمْلِكُ. وعلى المذهبِ، الأظْهَرُ، يَمْلِكُه. قاله ابنُ رَجَبٍ. ومنها، لو وهَب الوالِدُ شيئًا، فَباعَه، ثم رجَع إليه بإقالةٍ، فعلى الثَّانِيَةِ، يَمْتَنِعُ رُجوعُ الأبِ. وعلى المذهبِ، فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفوائدِ» . ويأتِي هذا هُناك. وكذا حُكْمُ المُفْلِسِ إذا باعَ السِّلْعَةَ، ثم عادَتْ إليه بإقالةٍ، ووجَدَها بائعُها عندَه. ويأتِي هذا في الحَجْرِ. ومنها، لو باعَ أمَةً، ثم أقال فيها قبلَ القَبْضِ، فقال أبو بَكْرٍ، وابنُ أبِي مُوسى، والشِّيرَازِيُّ: يجِبُ اسْتِبْراؤها على الثَّانيةِ، ولا يجِبُ على المذهبِ. وقيل: فيها رِوايتان مِن غيرِ بِناءٍ. قال الزرْكَشِيُّ: والمَنْصُوصُ، في رِوايَةِ ابنِ القاسِمِ، وابنِ بَخْتَانَ، وُجوبُ الاسْتِبْراءِ مُطْلَقًا، ولو قبلَ القَبْض. وهو مُخْتارُ القاضي، وجماعةٍ مِنَ الأصحابِ، إناطَةً بالمِلْكِ، واحْتِياطًا للأبضاعِ. ونصَّ في رِوايَةٍ أُخْرَى، أنَّ الإقَالةَ إنْ كانتْ بعدَ القَبْض والتَّصَرُّفِ، وجَب الاسْتِبْراءُ، وإلَّا لم يجِبْ. وكذلك حكَى الرِّوايَةَ القاضي، وأبو محمدٍ في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» . وكأنَّ أحمدَ لم يَنْظُر إلى انْتِقال المِلْكِ، إنَّما نظرَ للاحْتِياطِ. قال: والعَجَبُ مِنَ المَجْدِ؛ حيثُ لم يذْكُرْ قيدَ التَّفَرُّقِ مع وُجودِه، وتَصْريحِ الإمامِ به، لكِنَّه قيَّدَ المَسْألةَ بقَيدٍ لا بأسَ به؛ وهو بِناؤها على القَوْلِ بانْتِقالِ المِلْكِ، أمَّا لو كانتِ الإقالةُ في بَيعِ خِيارٍ، وقُلْنا: لم يَنتقِلْ. فظاهِرُ كلامِه، أنَّ الاسْتِبْراءَ لا يجِبُ، وإنْ وُجِدَ القَبْضُ. ولم يَعْتَبِرِ المَجْدُ أيضًا القَبْضَ، فيما إذا كان المُشْتَرِي لها امْرأةً، بل حكَى فيه الرِّوايتَين، وأطْلَقَ، وخالفَ أبا محمدٍ في تَصْريحِه بأنَّ المَرْأةَ بعدَ التفَرُّقِ كالرَّجُلِ. ونصُّ أحمدَ

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي فرَّق فيه بينَ التَّفَرُّقِ وعدَمِه، وقَع في الرَّجُلِ. انتهى كلامُ الزَّرْكَشِيِّ. وقال في «القواعِدِ» ، بعدَ أنْ حكَى الطريقتَين الأولَيَين: ثم قيلَ: إنَّه مَبْنِيٌّ على انْتِقالِ الضمانِ عنِ البائعِ وعدَمِه، وإليه أشارَ ابنُ عَقِيلٍ. وقيل: بل يرْجِعُ إلى أنّ تجَدُّدَ المِلْكِ مع تحَقُّقِ البَراءَةِ مِن الحَمْلِ، هل يُوجِبُ الاسْتِبْراءَ أم لا؟ قال: وهذا أظْهَرُ. انتهى. ومنها، لو حلَف لا يبيعُ، أو لَيَبِيعَنّ، أو علَّق في البَيعِ طَلاقًا أو عِتْقًا، ثم أقال، فإنْ قُلْنا: هي بَيعٌ. ترَتَّبَ عليها أحْكامُه مِنَ البِرِّ والحِنْثِ، وإلّا فلا. قال ابنُ رَجَبٍ: وقد يُقالُ: الإيمَانُ تَنْبَنِي على العُرْفِ، وليس في العُرْفِ، أنَّ الإقالةَ بَيعٌ. ومنها، لو باعَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا خَمْرًا، وقُبِضَتْ دُونَ ثَمَنِها، ثم أسْلَمَ البائعُ، وقُلْنا: يجِبُ له الثَّمَنُ. فأقال المُشْتَرِي فيها، فعلى الثَّانيةِ، لا يصِحُّ. وعلى المذهبِ، قيلَ: لا يصِحُّ أيضًا. وقيل: يصِحُّ. وأطْلَقهما في «الفوائدِ» . ومنها، هل تصِحُّ الإقالةُ بعدَ مَوْتِ المُتعاقِدَين؟ ذكَر القاضي في مَوْضِعٍ مِن «خِلافِه» ، أنَّ خِيارَ الإقالةِ يَبطُلُ بالمَوْتِ، ولا تصِحُّ بعدَه. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قُلْنا: هي بَيعٌ. صحَّتْ مِنَ الوَرَثَةِ. وإنْ قُلْنا: فَسْخٌ. فوَجْهان. وبنَى في «الفُروع» صِحَّةَ الإقالةِ مِنَ الوَرَثَةِ على الخِلافِ؛ إنْ قُلْنا: فَسْخٌ. لم تصِحَّ منهم، وإلَّا صَحَّتْ. ومنها، لو تَقايَلا في بَيعٍ فاسِدٍ، ثم حكَم حاكِمٌ بصِحَّةِ العَقْدِ ونُفوذِه، فهل يُؤثِّرُ حُكْمُه؟ إنْ قُلْنا: الإقالةُ بَيعٌ. فحُكْمُه بصِحةِ البَيعِ صَحِيحٌ. وإنْ قُلْنا: فَسْخٌ. لم يَنفُذْ، لأن العَقْدَ ارْتفَعَ بالإقالةِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَنْفُذَ، وتُلْغَى الإقالةُ. وهو ظاهِرُ ما ذكَره ابنُ عَقِيلٍ في «عُمَدِ الأدِلَّةِ» . ومنها، مُؤنَةُ الردِّ، فقال في «الانْتِصارِ»: لا تَلْزَمُ مُشْتَرِيًا، وتَبْقَى بيَدِه أمَانَةً، كوَدِيعَةٍ. وفي «التعْليقِ» للقاضي، يَضْمَنُه. قال في «الفُروعِ»: فيتَوَجهُ، تَلْزَمُه المُؤنَة.

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقطَع به في «الرِّعايَةِ» في مَعِيبٍ. وفي ضَمانِه النَّقْصَ خِلافٌ في «المُغْنِي» . قال في «الفُروعِ» وإنْ قيلَ: الإقالةُ بَيعٌ توَجَّهَ على مُشْتَرٍ.

فائدة: إذا وقَع الفَسْخُ بإقالةٍ، أو خِيارِ شَرْطٍ، أو عَيب، أو غيرِ ذلك، فهل يَرْتَفِعُ العَقْدُ مِن حِينه، أو مِن أصْلِه؟ قال القاضي في الإقالةِ في النَّماءِ المُنْفَصِلِ: إذا قِيلَ: إنَّها فَسْخٌ. يكونُ للمُشْتَرِي، فَحُكِمَ بأنها فَسْخٌ مِن حِينه. وهذا المذهبُ. قال في آخِرِ «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والثلاثين»: وخامِسُها، أنْ يَنْفَسِخَ مِلْكُ المُؤجِرِ، ويعودَ إلى مَن انْتقَلَ المِلْكُ إليه منه. فالمَعْروفُ في المذهبِ، أنَّ الإجارَةَ لا تَنْفَسِخُ بذلك؛ لأن فَسْخَ العَقْدِ رَفْعٌ له مِن حِينهِ، لا من أصْلِه. انتهى. وقال أبو الحُسَينِ في «تَعْليقِه»: والفَسْخُ عندَنا، رَفْعٌ للعَقْدِ مِن حِينه. وقال أبو حَنِيفَةَ: مِن أصْلِه. انتهى. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: القِياسُ أن الفَسْخَ رَفْعٌ للعَقْدِ مِن حِينه، كالردِّ بالعَيبِ، وسائرِ الفُسوخِ. وقال في «الفُروعِ» ، وفي «تَعْليقِ القاضي» ، و «المُغْنِي» ، وغيرِهما: الإقالةُ فَسْخٌ للعَقْدِ مِن حِينه. وهذا أظْهَرُ. انتهى. والذي رأينا في «المُغْنِي» ، الإقالةُ فَسْخٌ للعَقْدِ، ورَفْعٌ له مِن أصْلِه. ذكَرَه في الإقالةِ في السَّلَمِ. فلعَلَّ صاحِبَ «الفُروعِ» اطَّلعَ على مَكانٍ غيرِ هذا، أو هو كما قال شيخُنا في «حوَاشِيه»: إنَّ الضمِيرَ في قَوْلِه: مِن حِينه. يرْجِعُ إلى العَقْدِ، لا إلى الفَسْخِ. قلتُ: وهو بعيدٌ. وصرَّح أبو بَكْر في «التنبِيهِ» ، بانْفِساخِ النِّكاحِ لو نكَحَها المُشْتَرِي، ثم ردَّها بعَيبٍ، بِناءً على أن الفَسْخَ رَفْعٌ للعَقْدِ مِن أصْلِه. انتهى. وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في «خِلَافَيهما»: الفَسْخُ بالعَيبِ، رَفْعٌ للعَقْدِ مِن حِينه، والفَسْخُ بالخِيارِ، رَفْعٌ للعَقْدِ مِن أصْلِه؛ لأنَّ الخِيارَ يَمْنَعُ اللزومَ بالكُلِّيَّةِ، ولهذا يُمْنَعُ معه مِنَ التَّصَرفِ في المَبِيعِ وثَمَنِه، بخِلافِ المَعِيبِ. انتهيا. وتلَخَّصَ لنا في المَسْألةِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ؛ ثالِثُها، فَرْقٌ بينَ الفَسْخِ بالخِيارِ،

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وبينَ الفَسْخِ بالعَيبِ، وأنَّ المذهبَ، أنَّه فَسْخٌ للعَقْدِ مِن حِينه.

ص: 529