المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا؛ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا؛ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ

‌فَصْلٌ:

الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَالًا؛ وَهُوَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَيَجُوزُ بَيْعُ الْبَغْلِ، وَالْحِمَارِ، وَدُودِ الْقَزِّ وَبَزْرِهِ، وَالنَّحْلِ مُنْفرِدًا، وَفِى كُوَارَاتِهِ.

ــ

تنبيه: قوله: الثَّالِثُ، أنْ يكونَ المَبِيعُ مالًا، وهو ما فيه مَنْفَعَةٌ مُباحَةٌ لغَيرِ ضَرُورَةٍ. فتَقْيِيدُه بما فيه مَنْفَعةٌ، احْتِرازٌ عن ما لا مَنْفَعَةَ فيه؛ كالحَشَراتِ ونحوِها. وتَقْيِيدُه المَنْفَعَةَ بالإباحَةِ، احْتِرازٌ عن ما فيه مَنْفَعَةٌ غيرُ مُباحَةٍ، كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ ونحوِهما. وتَقْيِيدُه بالإِباحَةِ لغيرِ ضَرُورَةٍ، احْتِرازٌ عن ما فيه منْفَعَةٌ مُباحَةٌ للضَّرُورَةِ، كالكَلْبِ ونحوِه. قالَه ابنُ مُنَجَّى، وقال: فلو قال المُصَنِّفُ: لغيرِ حاجَةٍ. لَكانَ أوْلَى؛ لأَنَّ اقْتِناءَ الكَلْبِ يُحْتاجُ إليه ولا يُضْطَرُّ إليه، فمرادُه بالضَّرُورَةِ، الحاجَةُ. وقال الشَّارِحُ: وقوْلُه: لغيرِ ضَرُورَةٍ. احْتِرازٌ مِنَ المَيْتَةِ والمُحَرَّماتِ التى تُباحُ فى حالِ المَخْمَصَةِ، والخَمْرِ التى تُبَاحُ لدَفْعِ اللُّقْمَةِ بها (1). انتهى. قلتُ: وهو

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أقْعَدُ مِن كَلامَ ابنَ مُنَجَّى، وهو مُرادُ المُصَنِّفِ.

تنبيه: دخل فى كلامِ المُصَنِّف صحَّةُ بَيعٍ مُجازِ فى مِلْكِ غيرِه، ومُعَيَّنٍ مِن حائطٍ يَجْعَلُه بابًا، ومِن أرْضِه يَصْنَعُه بِئْرًا، أو بالُوعَةً، وعَلْوِ بَيْتٍ مُعَيَّن ليَبْنِىَ عليه بِناءً مَوْصُوفًا، ولو لم يكُنِ البَيتُ مَبْنِيًّا، على أصحِّ الوَجْهَيْن. قالَه فى «الرِّعايَةِ» . وجزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ». وقيل: لا يصِحُّ إذا لم يكُنْ مَبْنِيًّا. وأطْلقَهما فى «الرِّعايَةِ الصُّغرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . ويأْتِى ذلك فى كلامِ المُصَنِّفِ فى بابِ الصُّلْحِ.

قوله: فيَجوزُ بَيْعُ البَغْلِ والحِمارِ. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ، وعليه الأصحابُ. وحكَاه فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» إجْماعًا. وقال الأَزَجِىُّ فى «النِّهايَةِ»:

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القِياسُ أنَّه لا يجوزُ بَيْعُهما، إنْ قُلْنا بنَجاسَتِهما. وخرَّجه ابنُ عَقِيلٍ قوْلًا.

قوله: ودُودِ القَزِّ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ بَيْعِ دُودِ القَزِّ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وجزَم به كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. وقال أبو الخَطَّابِ فى «انْتِصارِه»: لا يجوزُ بَيْعُه.

قوله: وبَزْرِه. يعْنِى، أذا لم يَدِبَّ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وفيه وَجْهٌ، لا يجوزُ

ص: 25

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَيْعُه ما لم يَدِبَّ. وجزَم به فى «عُيونِ المَسائِلِ» . واخْتارَه القاضى. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرَ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» .

فائدة: إذا دَبَّ بَزْرُ القَزِّ، فهو مِن دُودِ القَزِّ، حُكْمُه حُكْمُه، كما تقدَّم.

قوله: والنَّحْلِ مُنْفَرِدًا، وفى كُوَّاراتِه. يجوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مُنْفَرِدًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وصحَّحَه فى «الفُروعِ». وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن». وقيل: لا يصِحُّ.

ص: 26

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وفى كُوَاراتِه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجوزُ بَيْعُ النَّحْلِ مع كُوَاراتِه. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وصحَّحَه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن». وقيل: لا يصِحُّ. قال القاضى: لا يصِحُّ بَيْعُها فى كُوَاراتِها. وأطْلَقهما فى «المُغْنِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» . فعلى المذهبِ فيها، يُشْتَرَطُ أنْ يُشاهَدَ داخِلًا إليها، عندَ الأكْثَرِ. قالَه فى «الفُروعِ». وقيل: لا يُشْتَرَطُ. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . قال فى «الكُبْرى» ، بعدَ أنْ قدَّم هذا فى بَيْعِه مُنْفَرِدًا: وقيل: إذا رأَياه فيها، وعَلِما قدْرَه، وأمْكَنَ أخْذُه. وقيل: إنْ رأَياه يدْخُلُها، وإلَّا فلا.

فائدة: قال فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، وجماعةٌ: لا يصِحُّ بَيْعُ الكُوَارَةِ بما فيها مِن عسَلٍ ونَحْلٍ. واقْتَصرَ عليه فى «الفائقِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وجزَم به فى «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وقال فى «الفُروعِ» : وظاهِرُ كلامِ بعضِهم صِحَّةُ ذلك. انتهى. قلتُ: اخْتارَه فى «الرِّعايتَيْن» . وأمَّا إذا كان مَسْتُورًا بأقْراصِه، فإنَّه لا يجوزُ بَيْعُه. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» ، وغيرِهم.

فائدتان؛ إحداهما، ذكَر الخِرَقِىُّ، أنَّ التِّرْياقَ لا يُؤكَلُ؛ لأنَّ فيه لحُومَ الحَيَّاتِ. فعلى هذا، لا يجوزُ بَيْعُه؛ لأنَّ نفْعَه إنَّما يحْصُلُ بالأَكْلِ، وهو مُحَرَّمٌ، فخَلا مِن نَفْعٍ مُباحٍ: ولا يجوزُ التَّداوِى به، ولا بِسُمِّ الأفاعِى. فأمَّا السُّمُّ مِنَ الحشَائشِ والنَّباتِ، فإنْ كان لا يُنْتَفَعُ به، أو كان يقْتُلُ قَلِيلُه، لم يَجُزْ بَيْعُه؛ لعدَمِ

ص: 27

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْهِرِّ، وَالْفِيل،

ــ

نَفْعِه، وإنِ انتُفِعَ به، وأمْكَنَ التَّداوِى بيَسِيرِه، كالسَّقَمُونْيَا (1) ونحوِها، جازَ بَيْعُه. الثَّانيةُ، يصِح بَيْعُ عَلَقٍ لمَصِّ دَمٍ، ودِيدَانٍ تُتْرَكُ فى الشَّصِّ لصَيْدِ السَّمَكِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحَه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ». وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: لا يصِحُّ. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» .

قوله: ويجوزُ بَيْعُ الهِرِّ، والفِيلِ، وسِباعِ البهَائِمِ التى تصْلُحُ للصَّيْدِ -وكذا سِباعُ الطَّيْرِ- فى إحْدَى الرِّوايَتَيْن. وهو المذهبُ. صحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الكافِى» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه». قال الحَارِثِىُّ فى «شَرْحِه»: الأصحُّ جَوازُ بَيْعِ ما يصْلُحُ

(1) نبات يستخرج من جذوره صمغ مسهل. جامع مفردات الأدوية 3/ 17، 18.

ص: 28

وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِى تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، فى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِلَّا الْكَلْبَ. اخْتَارَهَا الْخِرَقِىُّ. وَالأُخْرَى، لَا يَجُوزُ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ.

ــ

للصَّيْدِ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، و «الحاوِى الكبِيرِ» . وجزَم به الخِرَقِىُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِىِّ» ، وغيرُهم. والأُخْرَى، لا يجوزُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبى مُوسى، واختارَه صاحبُ «الهَدْى» ، و «الفائقِ» فى الهِرِّ. قال فى «القَواعدِ الفِقْهِيَّةِ»: لا يجوزُ بَيْعُ الهِرِّ، فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، وكذا «الفائقِ» فى غيرِ الهرِّ. وقيل: يجوزُ فيما قيلَ بطَهارَتِه منها. وقيل: يجوزُ بَيْعُ المُعَلَّمِ منها دُونَ غيرِه. ويَحْتَمِلُه

ص: 29

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلامُ المُصَنِّفِ هنا. لكِنَّ الأَوْلَى أنَّه أرادَ ما يصْلُحُ أن يَقْبَلَ التَّعْليمَ، وهو محَلُّ الخِلافِ. فعلى المذهبِ، فى جَوازِ بَيْعِ فِراخِه وبَيْضِه وَجْهان. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» . وأطْلَقهما فى «الرِّعايَةِ» فى البَيْضِ؛ أحدُهما، يجوزُ فيهما إذا كان البَيْضُ يُنْتَفعُ به، بأنْ يصِيرَ فَرْخًا. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحَه فى «النَّظْمِ» . وقدَّمه فى «الكافِى» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» ، و «ابنِ رَزِينٍ». قال الزَّرْكَشِىُّ: إنْ قَبِلَ التَّعْليمَ، جازَ على الأَشْهَرِ، كالجَحْشِ الصَّغِيرِ. وقيل: لا يجوزُ بَيْعُهما. وقال القاضى: لا يجوزُ بَيْعُ البَيْضِ؛ لنَجاسَتِه. وردَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.

ص: 30

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: قوْلُه: التى تصْلُحُ للصَّيْدِ. عائدٌ إلى سِباعِ البَهائمِ فقط. وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، وتَعْليلُهم يدُلُّ عليه، لا إلى الهِرِّ والفِيلِ. وقال فى «الفُروعِ»: وفى بَيْعِ هِرٍّ وما يُعلَّمُ الصَّيْدَ، أو يَقْبَلُ التعْليمَ، كفِيلٍ، وفَهْدٍ، وبازٍ، إلى آخرِه رِوايَتان (1). وقال بعدَ ذلك: فإنْ لم يقْبَلِ الفِيلُ والفَهْدُ التَّعْليمَ، لم يَجُزْ بَيْعُه، كأَسَدٍ، وذِئْبٍ، ودُبٍّ، وغُرابٍ. فلَعَلَّه أرادَ أنَّ تعْليمَ كلِّ شئٍ بحَسَبِه، فتَعْلِيمُ الفِيلِ للرُّكُوبِ، والحَمْلِ عليه، ونحوِهما، وتَعْليمُ غيرِه للصَّيْدِ، لا أنَّه أرادَ تَعْلِيمَ الفيلِ للصَّيْدِ، فإنَّ هذا لم يُعْهَدْ، ولم يذْكُرْه الأصحابُ فيما يُصادُ به، على ما يأْتِى، ولِشَيْخِنا عليه كلامٌ فى «حَواشِى الفُروعِ» .

فوائد؛ الأُولَى، فى جَوازِ بَيْعِ ما يُصادُ عنيه، كالبُومَةِ التى يجْعَلُها شباشًا لِتَجْتَمِعَ الطَّيْرُ إليها فيَصيدَه الصَّيَّادُ، وَجْهان. وهما احْتِمالان مُطْلَقان فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وأطْلقَهما فى

(1) سقط من النسخ. وانظر: الفروع 4/ 10.

ص: 31

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» . وكذا حُكْمُ اللَّقْلَقِ؛ أحدُهما، يجوزُ مع الكراهَةِ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . وكذا قدَّم الجَوازَ فى اللَّقْلَقِ. والثَّانى، لا يجوزُ. صَحَّحه النَّاظِمُ، وصحَّحَه أيضًا فى اللَّقْلَقِ. الثَّانيةُ، بَيْعُ القِرْدِ، إنْ كان لأجْلِ اللَّعِبِ به، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الرِّعايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ». وقيل: يصِحُّ معَ الكراهَةِ. قدَّمه فى «الحاوِى الكَبِيرِ» . وقد أطْلقَ الإِمامُ أحمدُ رحمه الله كراهَةَ بَيْعِ القِرْدِ. وإنْ كان لأجْلِ حِفْظِ المَتاعِ ونحوِه، فقيل: يصِحُّ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وقدَّمه فى «الحاوِى الكَبِير» . وتقدَّم نصُّ أحمدَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وعُموماتُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ تَقْتَضِى

ص: 32

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك. وقيل: لا يصِحُّ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هو قِياسُ قوْلِ أبى بَكْرٍ، وابنِ أبى مُوسى. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وأطْلقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفائقِ» . وظاهرُ «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، الإطْلاقُ. وقال فى «آدَابِ الرِّعايتَيْن»: يُكْرَهُ اقْتِناءُ قِرْدٍ لأجْلِ اللَّهْوِ واللَّعِبِ. وقيلَ: مُطْلَقًا. قلتُ: الصَّوابُ التَّحْريمُ باللَّعِب. الثَّالثةُ، يصِحُّ بَيْعُ طَيْرٍ لأجْلِ صَوْتِه، كالهَزَارِ، والبُلْبُلِ، والبَبْغاءِ. ذكَرَه جماعةٌ؛ منهم صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاويَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يجوزُ بَيْعُه إنْ جازَ حَبْسُه. وفى جَوازِ حَبْسِه احْتِمالان. ذكَرَهما ابنُ عَقِيلٍ. وقال فى «المُوجَزِ» : لا يصِحُّ إجارَةُ

ص: 33

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ وَالْمَرِيضِ. وَفِى بَيْع الجَانِى والْقَاتلِ فى الْمُحَارَبَةِ، وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ وَجْهَانِ.

ــ

ما قُصِدَ صوْتُه، كدِيكٍ، وقُمْرِىٍّ. قال فى «التَّبصِرَةِ»: لا يصِحُّ إجارَةُ ما لا يُنْتفَعُ به، كغَنَمٍ، ودَجاج، وقُمْرِىٍّ، وبُلْبُل. وقال فى «الفُنونِ»: يُكْرَهُ.

قوله: ويجوزُ بَيْعُ العَبْدِ المُرْتَدِّ والمَرِيضِ. أمَّا المُرْتَدُّ، فيَجُوزُ بَيْعُه، بلا نِزاعٍ، ونصَّ عليه، إِلَّا أنَّ صاحِبَ «الرِّعايَةِ» قال: يجوزُ بَيْعُه مع جَوازِ اسْتِتابَتِه، وإلَّا فلا.

فائدة: لو جَهِلَ المُشْتَرِى أنَّهُ مُرْتَدٌّ، فله الأَرْشُ، سواءٌ قُتِلَ أَوْ لا. وفيه احْتِمالٌ أنَّ له الثَّمَنَ كلَّه. وأما المرِيضُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ بَيْعِه مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ. وقيلَ: إنْ كان مأْيُوسًا، لم يَجُزْ بَيْعُه، وإلَّا جازَ.

قوله: وفى بَيْعِ الجَانِى، والقاتِلِ فى المُحَارَبَةِ، ولَبَنِ الآدَمِيَّاتِ، وَجْهَان. أما بَيْعُ الجانِى، فأَطْلقَ فى صحَّةِ بَيْعِه وَجْهَيْن. وأطْلقَهما فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ،

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِيَيْن» ؛ أحدُهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأَصحابِ. وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال فى «القاعِدَةِ الثَّالثَةِ والخَمْسِين»: هو قوْلُ أكثرِ الأصحابِ. وقيل: لا يصِحُّ بَيْعُه. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصارِ» . قالَه فى أوَّلِ «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والخَمْسِين» . فعلى المذهبِ، سواءٌ كانتِ الجِنايَة عَمْدًا أو خَطَأً، على النَّفْسِ وما دُونَها، ثم يُنْظَرُ، فإنْ كان البائعُ مُعْسِرًا بأَرْشِ الجِنايَةِ، فُسِخَ البَيْعُ، وقُدِّمَ حَقُّ المَجْنِىِّ عليه؛ لتعَلُّقِه به، وإنْ كان مُوسِرًا بالأَرْشِ، لَزِمَه، وكان البَيْعُ بحالِه؛ لأنَّه بالخِيارِ بينَ أنْ يفْدِيَه أو يُسَلِّمَه، فإذا باعَه فقدِ اخْتارَ فِداءَه. وأمَّا المُشْتَرِى، إذا لم يعْلَمْ، فله الخِيَارُ بينَ أخْذِ الأَرْشِ أو الرَّدِّ، فإنْ عفَا عنِ الجِنايَةِ قبلَ طَلبِها، سَقط الرَّدُّ والأَرْشُ، وإذا قُتِلَ ولم يَعْلَمِ المُشتَرِى بأنَّ دَمَه

ص: 35

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُسْتَحَقٌّ، تعَيَّنَ الأَرْشُ لا غيرُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ويأْتِى هذا بعَيْنِه فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى آخرِ خِيارِ العَيْبِ.

فائدة: السَّرِقَةُ جِنايَةٌ. ويأْتِى، هل يجوزُ بَيْعُ المُدَبَّرِ، والمُكاتَبِ، وأُمِّ الوَلَدِ؟ فى أبْوابِها. وأما بَيْعُ القاتِلِ فى المُحارَبَةِ، يعْنِى إذا تحَتَّمَ قتْلُه، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْن. وأطْلقَهما فى «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفائقِ» ، أحدُهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. صحَّحَه فى «المُغْنِى» . و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه

ص: 36

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا يصِحُّ. قال القاضى: إذا قدَر عليه قبلَ التَّوْبَةِ، لم يصِحَّ بَيْعُه؛ لأنَّه لا قِيمَةَ له. انتهى. ومحَلُّ الخِلافِ، إذا تحَتَّمَ قتْلُه، فأمَّا إذا تابَ قبلَ القُدْرَةِ عليه، فحُكْمُه حُكْمُ الجانِى على ما مَرَّ.

تنبيه: ألْحَقَ فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» مَن تَحتَّمَ قتْلُه فى كُفْر بمَن تحَتَّمَ قتْلُه فى المُحارَبَةِ. وأمَّا بَيْعُ لَبَنِ الآدَمِيَّاتِ، فأطْلَقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْن. وأطْلقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «تَجْرِيدِ العِنايةِ» ؛

ص: 37

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحدُهما، يصِحُّ مُطْلَقًا. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وصحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِىِّ» . واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكرَتِه» . والوَجْهُ الثَّانى، لا يصِحُّ مُطْلَقًا. قال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ: ذهَب جماعةٌ مِن أصحابِنا إلى تحْريمِ بَيْعِه. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» . فعليه، لو أتْلفَه مُتْلِفٌ، ضَمِنَه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَضْمنَه، كالدَّمْعِ والعَرَقِ. قالَه القاضى. نقَلَه فى «شَرْحِ المُحَرَّرِ» للشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ. وقيلَ: يصِحُّ مِنَ الأمَةِ دُونَ الحُرَّةِ. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفائقِ» ، وأطْلقَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، الكَراهةَ.

فائدة: لا يجوزُ بَيْعُ لَبَنِ الرَّجُلِ. ذكَرَه القاضى محَلَّ وِفاقٍ، وتابَعه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ على ذلك. قلتُ: وفى تقْيِيدِ بعضِ (1) الأصحابِ ذلك بالآدَمِيَّاتِ إيماءٌ إلى ذلك.

فائدة: لا يصِحُّ بَيْعُ مَن نُذِرَ عِتْقُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذَهبِ. قال فى

(1) زيادة من: ش.

ص: 38

وَفِى جَوَازِ بَيْعَ الْمُصْحَفِ وَكَرَاهَةِ شِرَائِهِ وَإِبْدَالِهِ، رِوَايَتَانِ.

ــ

«الفُروعِ» : الأشْهَرُ مَنْعُه. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» . وقال القاضى، وصاحِبُ «المُنْتَخَبِ»: فى بيْعِه نظَرٌ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» مِن عندِه، بعدَ أنْ قدَّم عدَمَ الصِّحةِ: قلتُ: إنْ علّقَه بشَرْطٍ، صحَّ بَيْعُه قبلَه. زادَ فى «الكُبْرى» ويَحْتَمِلُ وُجوبُ الكَفَّارَةِ وجهَيْن. وجزَم بما اخْتارَه فى «الرِّعايَةِ» صاحِبُ «الحاوِى الصَّغيرِ». وقال النَّاظِمُ: وقيلَ: قُبَيلَ الشَّرْطِ بِعْه.

قوله: وفى جَوازِ بَيْعِ المُصْحَفِ رِوايتان. وأطْلقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «تجْريدِ العِنايَةِ» ؛ إحداهما، لا يجوزُ، ولا

ص: 39

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصحُّ. وهو المذهبُ على ما اصْطَلحْناه. قال الإِمامُ أحمدُ: لا أعْلَمُ فى بَيْعِه رُخْصَةً. وجزَم به فى «الوَجيزِ» . واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الكافِى» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» ، ونصَرَه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ بَيْعُه، ويُكْرَهُ. صحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، و «إِدْراكِ الغايَةِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِىِّ». قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وهو أظْهَرُ. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» . وناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وعنه رِوايَةٌ ثالثةٌ، يجوزُ مِن غيرِ كَراهَةٍ. ذكَرَها أبو الخَطَّابِ. وأطْلقَهُنَّ فى «الفُروعِ» .

فائدة: حُكْمُ إجارَتِه حُكْمُ بَيْعِه، خِلافًا ومذهبًا، وكذا رَهْنُه. قالَه ناظِمُ «المُفْرَداتِ» وغيرُه. ويأْتِى فى آخرِ كتابِ الوَقْفِ، جَوازُ بَيْعِه إذا تعَطَّلتْ مَنافِعُه.

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وفى كَراهَةِ شِرائِه. وإبْدالِه رِوَايتان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ إحداهما، لا يُكْرَهُ. وهو المذهبُ؛ فقد رَخَّص الإِمامُ أحمدُ فى شِرائِها. وجزَم به فى «الوِجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ». وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ». قال فى «الفُروعِ»: الأصح أنَّهما لا يحْرُمان. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» . واخْتارَ ابنُ عَبْدوسٍ كراهةَ الشِّراءِ، وعَدَمَ كراهَةِ الإبْدالِ. والرِّوايةُ الثّانية، يُكْرَهُ. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وعنه، يحْرُمُ. ولم يذْكُرْها بعضهم. وذكَر أبو بَكْرٍ فى المُبادَلَةِ، هل هى بَيْعٌ أم لا؟ على رِوايتَيْن. وأنْكَرَ القاضى ذلك، وقال: هى بَيْعٌ بلا خِلافٍ، وإنَّما أجازَ (1) أحمدُ إبْدالَ المُصْحَفِ بمِثْلِه؛ لأنَّه لا يدُلُّ على الرَّغْبَةِ عنه، ولا على

(1) فى الأصل: «اختار» .

ص: 41

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَشَرَاتِ، وَالْمَيْتَةِ، وَلَا شَىْءٍ مِنْهُمَا، وَلَا سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِى لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ،

ــ

الاسْتِبْدالِ به بعِوَضٍ دُنْيَوِىٍّ، بخِلافِ أخْذِ ثَمَنِه. ذكَرَه فى «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ» . وتقدَّم نظيرُ ذلك فى أوَاخِرِ كتابِ الزَّكاةِ، بعدَ قوْلِه: وإنْ باعَه بنِصابٍ مِن جِنْسهِ، بنَى على حَوْلَه.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ فى ذلك، إذا كان مُسْلِمًا، فأمَّا إنْ كان كافِرًا، فلا يجوزُ بَيْعُه له، قوْلًا واحِدًا، وإنْ ملَكَه بإرْثٍ أو غيرِه الزِمَ بإزالَةِ مِلْكِه عنه. وتقدَّم التَّنْبِيهُ على ذلك فى أوَاخِرِ نَواقِضِ الوُضُوءِ. ويأْتِى فى أثْناءِ الرَّهْنِ، هل تجوزُ القِراءَةُ فيه مِن غيرِ إذْنِ رَبِّه؟ وهل يَلْزَمُه بَذْلُه للقِراءَةِ فيه؟

ص: 42

وَلَا الْكَلْبِ،

ــ

قوله: ولا يجوزُ بَيْعُ الكَلْبِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ، وقطَعوا به. وقال الحَارِثىُّ فى «شَرْحِه» فى كتابِ الوَقْفِ، عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ: ولا يصِحُّ

ص: 43

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَقْفُ الكَلْبِ: والصَّحيحُ، اخْتِصاصُ النَّهْى عنِ البَيْعِ فيما عدَا كَلْبِ الصَّيْدِ؛ بدَليلِ رِوايَةِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عن أبى الزُّبَيْرِ، عن جابِر، قال: نهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن ثَمَنِ الكَلْب، والسِّنَّوْرِ، إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ. والإسْنادُ جَيِّدٌ. قال: فيَصِحُّ وَقْفُ المُعَلَّمِ؛ لأن بَيْعَه جائزٌ. انتهى. ويأْتِى ذلك فى كتابِ الوَقْفِ.

ص: 44

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الزَّرْكَشىُّ: ومالَ بعضُ أصحابِنا المُتأخِّرين إلى جَوازِ بَيْعِه. وتأْتِى أحْكامُ الكَلْبِ المُباحِ واقْتناؤُه، فى بابِ المُوصَى به.

ص: 45

وَلَا السِّرْجِينِ النَّجِسِ،

ــ

قوله: ولا يجوزُ بَيْعُ السِّرْجِينِ النَّجِسِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وخُرِّج قولٌ بصحَّةِ بَيْعِه مِنَ الدُّهْنِ النَّجِسِ. قال مُهَنَّا: سأَلْتُ أبا عبدِ اللَّهِ عن السَّلَمِ فى البَعْر والسِّرْجِينِ، فقال: لا بَأْسَ. وأطْلقَ ابنُ رَزِينٍ فى بَيْعِ النَّجاسَةِ وَجْهَيْن. وأطْلَقَ أبو الخَطَّابِ جَوازَ بَيْعِ جِلْدِ المَيْتَةِ. قال فى «الفُروعِ» : فيتَوجَّهُ منه بَيْعُ نَجاسَةٍ يجوزُ الانْتِفاعُ بها، ولا فَرْقَ ولا إجْماعَ كما قيل. ذكَرَه فى بابِ الآنِيَةِ، وتقدَّم ذلك، وتقدَّم أيضًا، على المَنْعِ،

ص: 48

وَلَا الأَدْهَانِ النَّجِسَةِ.

ــ

هل يجوزُ إيقادُ النَّجاسَةِ؟ فى أوَائِل كتابِ الطَّهارَةِ. وتقدَّم فى بابِ الآنِيَةِ، هل يجوزُ بَيْعُ جِلْدِ المَيْتَةِ قبلَ الدَّبْغِ أو بعدَه؟

قوله: ولا الأدْهَانِ النِّجِسَةِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ المشهورُ المجزومُ به عندَ عامَّة الأصحابِ. قال فى «المُذْهَبِ» ، و «الكافِى» ، وغيرِهما: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْنِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، يجوزُ بَيْعُها لكافرٍ يعْلَمُ نَجاسَتَها. ذكَرَها أبو الخَطَّابِ فى بابِ الأطْعِمَةِ، ومَن بعدَه.

ص: 49

وَعَنْهُ، يَجُوزُ بَيْعُهَا لِكَافِرٍ يَعْلَمُ نَجَاسَتَهَا.

ــ

وخرَّج أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم، جَوازَ بَيْعِها حتى لمُسْلمٍ، مِن رِوايَةِ جَوازِ الاسْتِصْباحِ بها، على ما يأْتِى مِن تخْريج المُصَنِّفِ فى كلامِه. وقيلَ: يجوزُ بَيْعُها إنْ قُلْنا: تَطْهُرُ بغَسْلِها. وإلَّا فلا. قالَه فى «الرِّعايَةِ» . قلتُ: هذا المذهبُ، ولا حاجَةَ إلى حِكايَتِه قوْلًا. ولهذا قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم، على القَوْلِ بأَنَّها تَطْهُرُ: يجوزُ بَيْعُها. ولم يحْكُوا خِلافًا. وقيل: يجوزُ بَيْعُها إنْ جازَ الاسْتِصْباحُ بها. ولعَلَّه القوْلُ المُخَرَّجُ المُتَقدِّمُ، لكنْ حكَاهُما فى «الرِّعايَةِ» .

تنبيه: قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : مُرادُ المُصَنِّفِ بقوْلِه فى الرِّوايةِ الثَّانيةِ: يَعْلَمُ نَجاسَتَها. اعْتِقادْه الطَّهارَةَ. قال: لأنَّ نفْسَ العِلْمِ بالنَّجاسَةِ ليس شَرْطًا فى بَيْعِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فكذا هُنا. قال فى «المُطْلِعِ»: وقوْلُه: يعْلَمُ نَجاسَتَها.

ص: 50

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمَعْنَى، أنَّه يجوزُ له فى شَرِيعَتِه الانْتِفاعُ بها. قلتُ: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، وكثيرٍ مِنَ الأصحابِ، اشْتِرَاطُ إعْلامِه بنَجاسَتِه لا غيرَ، سواءٌ اعْتقَدَ طَهارتَه أَوْ لا. وهو كالصَّريحِ فى كلامِ صاحِبِ «التَّلْخيصِ» فيه، فإنَّه قال: وعنه، يُباعُ لكافِرٍ بشَرْطِ أنْ يعْلَمَ بالحالِ. وقال فى «الهِدايَةِ» وغيرِه: بشَرْطِ أنْ يُعْلِمَه أنَّها نجِسَةٌ. وقدِ اسْتُدِلَّ لهذه الرِّوايَةِ بما يُوافِقُ ما نقولُ؛ فإنَّهم اسْتدَلُّوا بقَوْلِ أبى مُوسى: لُتُّوا به السَّوِيقَ، وبِيعُوه، ولا تَبِيعُوه مِن مُسْلِمٍ، وبَيِّنوه. وقال فى «الكافِى»: ويعْلَمُ بحالِه لأنَّه يعْتَقِدُ حِلَّه.

ص: 51

وَفِى جَوَازِ الاسْتِصْبَاحِ بِهَا رِوَايَتَانِ. وَيُخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ جَوازُ بَيْعِهَا.

ــ

قوله: وفى جوازِ الاسْتِصْباحِ بها رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «الإِيضَاحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، و «المَذْهَبِ الأَحْمَدِ» ، و «الفُروعِ» ؛ إحداهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. صحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا أشْهَرُ الرِّوايتَيْن. ونَصَرَها فى «المُغْنِى» . واخْتارَه الخِرَقِىُّ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وغيرُهما. وجزَم به فى «الإِفادَاتِ» ، فى بابِ النَّجاسَةِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ الاسْتِصْباحُ بها. جزَم به فى «الوَجيزِ» .

ص: 52

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحداهما، حيثُ جوَّزْنا الاسْتِصْباحَ بها، فيكونُ فى وَجْهٍ لا تتَعدَّى نَجاسَتُه؛ إمَّا أنْ يُجْعَلَ فى إبْرِيقٍ، ويُصَبَّ منه فى المِصْباحِ ولا يُمَسَّ، وإمَّا أنْ يدَع على رأْسِ الجَرَّةِ التى فيها الدُّهْنُ سِراجًا مَثْقُوبًا، ويُطَيِّنه على رأْسِ إناءِ الدُّهْنِ، وكلَّما نقَص دُهْنُ السِّراجِ صَبَّ فيه ماءً، بحيثُ يرْفَعُ الدُّهْنَ، فيَمْلأُ السِّراجَ،

ص: 53

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وما أشْبَهَه. قالَه جماعةٌ. ونقَلَه طائِفَةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ. قلتُ: الذى يَظْهَرُ أنَّ هذا ليس شَرْطًا فى صِحَّةِ البَيْعِ. وظاهِرُ كلامِ «الفُروعِ» ، أنَّه جعَلَه شَرْطًا عندَ القائِلين به. الثَّانيةُ، لا يجوزُ الاسْتِصْباحُ بشُحومِ المَيْتَةِ، ولا بشَحْمِ الكَلْبِ، والخِنْزِيرِ، ولا الانْتِفاعُ بشئٍ مِن ذلك، قوْلًا واحدًا عندَ الأصحابِ، ونصَّ عليه. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ جَوازَ الانْتِفاعِ بالنَّجاسَاتِ. وقال: سواءٌ فى ذلك شَحْمُ المَيْتَةِ وغيرُه. وهو قوْلٌ للشافِعِىِّ. وأوْمَأَ إليه فى رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ.

تنبيه: قوله: ويُخَرَّجُ على ذلك جَوازُ بَيْعِها. تقدَّم أنَّ المُصَنِّفَ وغيرَه، خرَّجُوا

ص: 54