المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا. ــ قوله: ولا - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا. ــ قوله: ولا

‌فَصْلٌ:

وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بَعْدَ نِدَائِهَا.

ــ

قوله: ولا يصِحُّ البَيْعُ مِمَّن تَلْزَمُه الجُمُعَةُ بعدَ نِدائِها. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ بشَرْطِه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: يصِحُّ معَ التَّحْريمِ. وهو رِوايَةٌ فى «الفائقِ» ، وأطْلَقَهما. والتَّفْرِيعُ على الأوَّلِ.

تنبيهات؛ الأوَّلُ، محَلُّ الخِلافِ إذا لم تَكُنْ حاجَةٌ، فإنْ كان ثَمَّ حاجَةٌ، صحَّ البَيْعُ. جزَم به فى «الفُروعِ» وغيرِه. والحاجَةُ هنا، كالمُضْطَرِّ إلى الطَّعامِ والشَّرابِ، إذا وجَدَه يُباعُ، والعُرْيانُ إذا وجَد السُّتْرَةَ تُباعُ، وكذا كفَنُ المَيِّتِ ومُؤْنَةُ تَجْهيزِه إذا خِيفَ عليه الفَسادُ بالتَّأَخُّرِ، وكذا لو وجَد أُبَاه يُباعُ، وهو معَ مَن لو ترَكَه معه رحَل وفاتَه الشِّراءُ. وكذا، على الصَّحيحِ، لو لم يَجِدْ مَرْكُوبًا، وكان عاجزًا، أو لم يَجِدِ الضَّريرُ قائِدًا، ووجَد ذلك يُباعُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويَحْتَمِلُ أَنْ لا يصِحَّ. وقال فى «الفائقِ» : ولو كان الشِّراءُ لآلةِ الصَّلاةِ، أوِ

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُشْتَرَى أَباه، جازَ فى أحَدِ الوَجْهَيْن. قال ابنُ تَميمٍ: لا بَأْسَ بشِراءِ ماءٍ للطَّهارَةِ بعدَ أذانِ الجُمُعَةِ. وكذا قال فى «الرِّعايَةِ» ، وزادَ، وله شِراءُ السُّتْرَةِ، كما تقدَّم. الثَّانى، مُرادُه بقَوْلِه: بعدَ نِدائِها. النِّداءُ الثَّانِى الذى عندَ أوَّلِ الخُطبَةِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، ابْتِداءُ المَنْعِ مِنَ النِّداءِ الأوَّلِ، وهو الذى يُقالُ على (1) المَنارَةِ. وعنه، المَنْعُ مِن دُخُولِ الوَقْتِ. قدَّمه فى «المُنْتَخَبِ» . وهذه الرِّوايَةُ فى «عُيونِ المَسائلِ» . والرِّوايَتان للقاضى، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم، بالزَّوالِ. وأطْلَقَ هذه الرِّوايَةَ، والرِّوايَةَ الأُولَى، فى «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» . الثَّالثُ، مفْهومُ قوْلِه: مِمَّن تَلْزَمُه الجُمُعَةُ. أنَّها إذا لم تَلْزَمْه، يصِحُّ بَيْعُه. وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يصِحُّ. وعنه، لا يصِحُّ مِن مَريضٍ ونحوِه دُونَ غيرِه. فعلى المذهبِ، يُباحُ على الصَّحِيحِ. وقيل: يُكْرَهُ. وجزَم به الزَّرْكَشِىُّ، وغيرُه، فى الأَسْواقِ. الرَّابعُ، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لو كان أحَدُ المُتَعاقِدَيْن تَلزَمُه الجُمُعَةُ، أنَّ البَيْعَ لا يصِحُّ.

(1) فى الأصل، أ:«عند» .

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو صَحيحٌ. وهو المذهبُ، واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهما. وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيلِ: يصِحُّ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فإنْ كان أحَدُهما مُخاطَبًا بها دُونَ الآخَرِ، حَرُمَ على المُخاطَبِ، وكُرِهَ للآخَرِ، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ. وهذا هو الذى قدَّمه فى «الفُروعِ». قال فى «الفُصُولِ»: يَحْرُمُ على مَن تجِبُ عليه، ويأْثَمُ فقط، كالمُحْرِمِ يَشْتَرِى صَيْدًا مِن مُحِلٍّ، ثَمَنُه حَلالٌ للمُحِلِّ، والصَّيْدُ حَرامٌ على المُحْرِم. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. الخامسُ، ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ أيضًا، أَنَّه لو وُجِدَ الإِيجابُ قبلَ النِّداءِ والقَبُولُ بعدَه، أنَّه يصِحُّ. وهو قوْلٌ فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ صُدورِ البَيْعِ بعدَ النِّداءِ. جزَم به فى «التَّلْخيصِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: وأحَدُ شِقَّيْه كهُوَ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُنونِ» . السَّادسُ، ظاهِرُ تَقْيِيدِه بالجُمُعَةِ، صِحَّةُ البَيْعِ بعدَ نِداءِ غيرِها مِنَ الصَّلَواتِ، مِن غيرِ تَحْريمٍ، فشَمِلَ صُورَتَيْن، إحْداهما، إذا لم يتَضَيَّقِ الوَقْتُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يَحْرُمُ. وعليه الأصحابُ. وقيل: يَحْرُمُ. وهو احْتِمالٌ لابنِ عَقِيلٍ. قلتُ: ويَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ إذا فاتَتْه الجماعَةُ بذلك، وتَعذَّرَ عليه جماعَةٌ أُخْرَى، حيثُ قُلْنا بوُجُوبِها. والثَّانيةُ، إذا تَضَيَّقَ، حَرُمَ البَيْعُ، وفى صِحَّتِه وَجْهان. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ،

ص: 166

وَيصِحُّ النِّكَاحُ وَسَائِرُ الْعُقُودِ، فِى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

ــ

و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ. قال فى «الرِّعايَةِ»: البُطْلانُ أقْيَسُ. قال فى «الفائقِ» ، بعدَ ذِكْرِ حُكْمِ الجُمُعَةِ: ولو ضاقَ وَقْتُ صَلاةٍ، فكذا حُكْمُه فى التَّحْريمِ والانْعِقادِ. وجزَم به النَّاظِمُ، واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه». قلتُ: وهو الصَّوابُ، وقَواعِدُ المذهبِ تقتَضِى ذلك، وهى شَبِيهَةٌ بانْعِقادِ النَّافِلَةِ مع ضِيقِ الوَقْتِ عنِ الفَريضَةِ، كما تقدَّم. والوَجْهُ الثَّانى، يصِحُّ معَ التَّحْريمِ. قال فى «الرِّعايَةِ»: وهو أشْهَرُ.

فوائد؛ إحْداها، لو اخْتارَ إمْضاءَ عَقْدِ بَيْعِ الخِيَارِ بعدَ النِّداءِ، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: صحَّ فى الأصَحِّ. وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». وقيل: لا يصِحُّ. الثَّانيةُ، تَحْرُمُ المُناداةُ والمُساومَةُ، ونحوُهما ممَّا يَشْغَلُ، حيثُ قُلنا: يَحْرُمُ البَيْعُ. الثَّالثةُ، يَسْتَوِى فى ذلك بَيْعُ الكثيرِ والقَليلِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، وصرَّح به كثير مِنَ الأصحابِ.

قوله: ويصِحُّ النِّكَاحُ وسائِرُ العُقُودِ، فى أصَحِّ الوَجْهَيْن. وهو المذهبُ.

ص: 167

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَصِيرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَلَا بَيْعُ السِّلَاحِ فِى الْفِتْنَةِ، وَلَا لِأَهْلِ الْحَرْبِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصحَّ مَعَ التَّحْرِيمِ.

ــ

وصحَّحه فى «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، وغيرِهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم.

قوله: ولا يصِحُّ بَيْعُ العَصِيرِ لمَن يَتَّخِذُه خَمْرًا، ولا بَيْعُ السِّلاحِ فى الفِتْنَةِ، ولا لأهْلِ الحَرْبِ. وهذا المذهبُ، نقَلَه الجماعَةُ، وعليه الأصحابُ. قال

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. ويَحْتَمِلُ أَنْ يصِحَّ مع التَّحْريمِ. وعَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ العَصِيرِ لمَن يتَّخِذُه خَمْرًا مِنَ المُفْرَداتِ.

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: محَلُّ هذا، إذا عَلِمَ أنَّهُ يُفْعَلُ به ذلك. على الصَّحيحِ. وقيل: أو ظَنَّه.

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وهو ظاهِرُ نَقْلِ ابنِ الحَكَمِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

فائدة: مِثْلُ ذلك فى الحُكْمِ، بَيْعُ المَأْكُولِ، والمَشْروبِ، والمَشْمُومِ،

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لمَن يشْرَبُ عليه المُسْكِرَ، وكذا الأقْداحُ، لمَن يشْرَبُ بها، وكذا الجَوْزُ، والبَيْضُ، ونحوُهما للقِمارِ، وكذا بَيْعُ الأمَةِ والغُلامِ لمَن عُرِفَ بوَطْءِ الدُّبُرِ، أو للغِناءِ، أمَّا بَيْعُ السِّلاحِ لأهْلِ العَدْلِ، كقِتالِ البُغاةِ، وقُطَّاعِ الطَّريقِ، فجائزٌ.

ص: 172

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، فيَصِحُّ فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

ــ

قوله: ولا يصِحُّ بَيْعُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لكَافِرٍ. هذا المذهبُ فى الجُمْلَةِ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وذكَر بعضُ الأصحابِ فى طَرِيقَتِه رِوايَةً بصِحَّةِ بَيْعِه لكافِرٍ، كمذهبِ أبِى حَنِيفَةَ، ويُؤْمَرُ ببَيْعِه أو كِتابَتِه.

قوله: إلَّا أن يكونَ ممَّن يَعْتِقُ عليه، فيصِحُّ فى إحْدَى الرِّوَايتَيْن. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ إحْداهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فى أوَاخِرِ العِتْقِ: وإنِ اشْتَرَى الكافِرُ أبَاه المُسْلِمَ، صحَّ،

ص: 173

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الأصَحِّ وعتَق. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، وإليه مَيْلُ الشَّارِحِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يصِحُّ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ». وقال: نصَّ عليه. وقدَّمه النَّاظِمُ. [وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ»، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»](1). ويأْتِى فى بابِ الوَلاءِ، إذا قال الكافِرُ لرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَك المُسْلِمَ عَنِّى، وعلىَّ ثَمَنُه. هل يصِحُّ أم لا؟ ويأْتِى فى كتابِ العِتْقِ، إذا أعْتَقَ الكافِرُ نَصِيبَه مِن مُسْلِمٍ وهو مُوسِرٌ، هل يسْرِى إلى باقِيه، أم لا؟

فائدة: لو وكَّل مُسْلِمٌ كافِرًا فى شِراءِ عَبْدٍ مُسْلِمٍ، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «تذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الفائقِ». وقيل: يصِحُّ مُطْلَقًا وأطْلَقهما النَّاظِمُ. وقيل: يصِحُّ إنْ سَمَّى المُوَكِّلَ فى العَقْدِ، وإلَّا فلا. واخْتَارَه الأَزَجِىُّ فى

(1) زيادة من: ش.

ص: 174

وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّىِّ، أُجْبِرَ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ كِتَابَتُهُ.

ــ

«النِّهايَةِ» . وأطْلَقهُنَّ فى «الفُروعِ» . وقال فى «الواضِحِ» : إنْ كفَّر بالعِتْقِ، وكَّل مَن يَشْتَرِ يه له وَيعْتِقُه. وقال فى «الانْتِصارِ»: لا يَبِيعُ الكافِرُ آبِقًا، ويُوَكِّلُ فيه لمَن هو فى يَدِه. وتقدَّم فى أوَاخِرِ كتابِ الجِهادِ، هل يَبِيعُ (1) مَنِ اسْتُرِقَّ مِنَ الكُفَّارِ للكُفَّارِ؟ فى كلامِ المُصَنِّفِ، وتقدَّم المذهبُ فى ذلك.

قوله: وإنْ أَسْلَمَ عَبْدُ الذِّمِّىِّ، أُجْبِرَ على إِزَالَةِ مِلْكِه عنه -بلا نِزاعٍ- وليس له كِتابَتُه. هذا أحَدُ الوَجْهَيْن، والمذهبُ منهما. جزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ، وقال: هو أوْلَى. وصحَّحَه فى «النَّظْمِ» ،

(1) فى الأصل، ط:«بيع» .

ص: 175

وَقَالَ الْقَاضِى: لَهُ ذَلِكَ.

ــ

فى أوَاخِرِ بابِ الكِتابَةِ. قال ابنُ مُنَجَّى: هذا المذهبُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» فى بابِ التَّدْبيرِ، وقدَّمه فى «الهِدايَةِ»؛ و «الخُلاصَةِ» فى بابِ الكِتابَةِ. وقال القاضى: له ذلك. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وحكاه فى «الفُروعِ» ، عن أبِى بَكْرٍ، وأنَّها تَكْفِى. قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغيرِ»: صحَّ فى أصحِّ الوَجْهَيْن، ويَكْفِى فى الأصحِّ. وأطْلَقهما فى «الكافِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الكَبيرِ» ، و «الفائقِ» ، وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، فى بابِ الكِتابَةِ. ويأْتِى إذا أسْلَمَ عَبْدُه أو أُمُّ وَلَدِه فى بابِ التَّدْبيرِ. وفى الاكْتِفاءِ بالكِتابَةِ إذا وَرِثَه الوَجْهان، خِلافًا ومذهَبًا.

فائدة: قيلَ: يَدْخلُ العَبْدُ المُسْلِمُ فى مِلْكِ الكافِرِ ابْتِداءً فى سَبْعِ مَسائلَ؛ إحْداها، الإِرْثُ. الثَّانيةُ، اسْتِرْجاعُه بإفْلاسِ المُشْتَرِى. يعْنِى، لو اشْتَرَى عَبْدًا كافِرًا مِن كافِرٍ، ثم أسْلَم العَبْدُ، وأفْلَس المُشْتَرِى، وحجَر عليه. الثَّالثةُ، إذا رجَع فى هِبَتِه لوَلَدِه. يعْنِى، لو وهَب الكافِرُ عَبْدَه الكافرَ لوَلَدِه المُسْلِمِ، ثم أسْلَم العَبْدُ، ورجَع فى هِبَتِه. الرَّابعةُ، إذا رُدَّ عليه بعَيْبٍ. يعْنِى، إذا باعَه ثم أسْلَم، وظهَر به عَيْبٌ فرَدَّه. وحكَى فى «القَواعِدِ» فيه وفى ما يُشابِهُه وَجْهَيْن. الخامسةُ، إذا قالَ الكافِرُ لمُسْلِمٍ: أعْتِقْ عَبْدَكَ المُسْلِمَ عَنِّى. وصحَّحْناه. على ما يأْتِى فى بابِ الوَلاءِ. السَّادسةُ، إذا كاَتَبَ عَبْدَه، ثم أسْلَم، ثم عجَز عن نَفْسِه. على قَوْلٍ. السَّابعةُ، إذا اشْتَرَى مَن يَعْتِقُ عليه. على ما تقدَّم. قلتُ: وتأْتِى ثامنةٌ؛ وهى جَوازُ شِرائِه، ويُؤْمَرُ ببَيْعِه وكِتابَتِه. على رِوايَةٍ ذكَرَها بعضُ الأصحابِ فى طَريقَتِه. وتاسِعَةٌ؛

ص: 176

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ؛ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً بِعَشَرَةٍ: أَنَا أُعْطِيكَ مِثْلَهَا بِتِسْعَةٍ. وَلَا شِرَاؤُهُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ؛ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِتِسْعَةٍ: عِنْدِى فِيهَا عَشَرةٌ.

ــ

وهى ما إذا ملَكَه الحَرْبِىُّ، وقُلْنا: إنَّه يَمْلِكُ مالَنا بالاسْتِيلاءِ. على ما تقدَّم فى قِسْمَةِ الغَنِيمَةِ. وعاشِرَةٌ؛ وهى إذا اسْتَوْلَدَ المُسْلِمُ أمَةَ الكافِرِ. قالَه ابنُ رَجَبٍ فى «القاعِدَةِ الخَمْسِين» . وقال: يَمْلِكُ الكافِرُ المَصاحِفَ بالإِرْثِ، ويَرُدُّه عليه بعَيْبٍ ونحوِه، وبالقَهْرِ. وحادِيَةَ عشْرَةَ؛ وهى ما إذا باعَ الكافِرُ عَبْدًا كافِرًا بشَرْطِ الخِيارِ مُدَّةً، وأسْلَم العَبْدُ فيها. قلتُ: قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ فى «شَرْحِ المُحَرَّرِ» : هل يمْلِكُ الكافِرُ فَسْخَ العَقْدِ بإفْلاسِ المُشْتَرِى، أو عَيْبِ الثَّمَنِ، أو بخِيارٍ، أو إذا وهَبَه لابنِه المُسْلِمِ، أم لا؟ قِياسُ المذهبِ، يَمْلِكُه ولا يُقَرُّ فى مِلْكِه، لأنَّ فى مَنْعِه مِن ذلك إبْطالُ حَقِّ العَقْدِ. قال: وفيه نظَرٌ. انتهى. ويُؤْخَذُ مِن كلامِه صُورَةٌ أُخْرَى؛ وهو، ما إذا وجَد ثَمَنَه مَعِيبًا. وقُلْنا: الدَّراهِمُ والدَّنانِيرُ تَتَعيَّنُ بالتَّعْيينِ. وكانتْ مُعَيَّنَةً ورَدَّها، وكان قد أسْلَم قبلَ ذلك. فتكونُ اثْنَى عَشْرَةَ مسْأَلةً.

فائدة: قوله: ولا يجوزُ بَيْعُ الرَّجُلِ على بَيْعِ أخِيه؛ وهو أَنْ يقولَ لمَن اشْتَرَى سِلْعَةً بعَشَرَةٍ: أنا أُعْطِك مِثْلَها بتِسْعَةٍ. ولا شِراؤُه على شِراءِ أَخِيه؛ وهو أَنْ يقولَ لمَن باعَ سِلْعَةً بتِسْعَةٍ: عندِى فيها عَشَرَةٌ؛ ليَفْسَخَ البَيْعَ، ويَعقِدَ معه. وهذا بلا نِزاعٍ فيهما. ويُتَصَوَّرُ ذلك فى مَسْألَتَيْن؛ الأُولَى، فى خِيارِ المَجْلِسِ، والثَّانيةُ،

ص: 177

لِيَفْسَخَ البَيْعَ وَيَعْقِدَ مَعَهُ. فَإِنْ فَعَلَ، فَهَل يَصِحُّ الْبَيْعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنَ.

ــ

فى خِيارِ الشَّرْطِ. وجزَم به فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. قال ابنُ رَجَبٍ فى «شَرْحِ الأَرْبَعِين النَّوَوِيَّةِ» ، فى شَرْحِ الحديثِ الخامسِ والثَّلاثِين: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ فى رِوايَةِ ابنِ مُشَيْشٍ، قال: ومالَ إلى القَوْلِ بأنَّه عامٌّ فى الحالَيْن. انتهى. يعْنِى، فى مُدَّةِ الخِيارِ وبعدَها. قال: وهو قوْلُ طائِفَةٍ مِن أصحابِنا، وهو أظْهَرُ. انتهى. وعلَّلَه بتعاليلَ جَيِّدَةٍ. وأمَّا قبلَ العَقدِ؛ فهو سَوْمُه على سَوْمِ أخِيه، على ما يأْتِى.

قوله: فإنْ فعَل فهل يصِحُّ؟ على وَجْهَيْن. وهما رِوايَتان فى «الفُروعِ» وغيرِه. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ،

ص: 178

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ، أعْنِى البَيْعَ الثَّانِىَ، وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . قال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: البَيْعُ باطِلٌ فى ظاهِرِ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ» : لم يصِحَّ على الأصحِّ. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : أشْهَرُها البُطْلانُ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ وغيرُه. وجزَم به فى «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه فى

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الشَّرْحِ» ، و «الكافِى» . والوَجْهُ الثَّانى، يصِحُّ. اخْتارَه القاضى، وأبو الخَطَّابِ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يحْرُمُ الشِّراءُ على شِراءِ أخِيه، فإنْ فعَل، كان للمُشْتَرِى الأوَّلِ مُطالَبَةُ البائعِ بالسِّلْعَةِ، وأخْذُ الزِّيادَةِ، أو عِوَضِها.

فائدتان، إحْداهما، سَوْمُه على سَوْمِ أخِيه مُحَرَّمٌ مع الرِّضَى صَرِيحًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يُكْرَهُ. ذكَرَه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . فعلى المذهبِ، يصِحُّ البَيْعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ. وهو ظاهِرُ

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما جزَم به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وظاهِرُ «الرِّعايَةِ الصُّغرَى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، أنَّ فى صِحَّةِ البَيْعِ رِوايتَين، وإنْ حصَل الرِّضَى ظاهِرًا، لم يَحْرُمِ

ص: 181

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السَّوْمُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه القاضى وغيرُه. وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَحْرُمُ كرضَاه صَرِيحًا. قال المُصَنِّفُ: لو قيل بالتَّحْريمِ هنا، لكان وَجْهًا حسَنًا. وصحَّحه النَّاظِمُ. فعلَيه، لو تَساوَى الأمْران، لم يَحْرُمْ. على الصَّحيحِ. جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقيل: يَحْرُمُ أيضًا. وأمَّا إذا ظهَر منه ما يَدُلُّ على عدَمِ

ص: 182

وَفِى بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِى رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، يَصِحُّ. وَالأُخْرَى، لَا يَصِحُّ بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ؛ أَنْ يَحْضُرَ الْبَادِى لِبَيْعِ

ــ

الرِّضَى، فإنَّه لا يَحْرُمُ، قوْلًا واحِدًا. وقسَّمَ فى «عُيونِ المَسائلِ» السَّوْمَ على سَوْمِ أخِيه، كالخِطْبَةِ على خِطْبَةِ أخِيه، على ما يأْتِى، إنْ شاءَ اللَّهُ. الثَّانيةُ، سَوْمُ الإِجارَةِ كالبَيْعِ. ذكَرَه فى «الانْتِصارِ» . ذكَرَه عنه فى «الفُروعِ» ، فى آخِرِ التَصَرُّفِ فى المَبِيعِ. قلتُ: وكذا اسْتِئْجارُه على إجارَةِ أخِيه، حيثُ قُلْنا بخِيارِ المَجْلِسِ فيها. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ فى «شَرْحِ المُحَرَّرِ»: قلتُ: واسْتِئْجارُه على اسْتِئْجارِ أخِيه، واقْتِراضُه على اقْتِراضِ أخِيه، واتِّهابُه على اتِّهابِ أخِيه، مِثْلُ شِرائِه على شِراءِ أخِيه، أو شِراؤُه على اتِّهابِه، أو شِراؤُه على إصْداقِه، ونحوِ ذلك، بحيثُ تخْتَلِفُ جِهَةُ المِلْكِ.

قوله: وفى بَيْعِ الحاضِرِ للبادِى رِوايتَان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ،

ص: 183

سِلْعَتِهِ، بسِعْرِ يَوْمِهَا، جَاهِلًا بِسِعْرِهَا، وَيَقْصِدَهُ الْحَاضِرُ، وَيَكُونَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَيْهَا. فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا، صَحَّ الْبَيْعُ.

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ؛ إحْداهما، يَحْرُمُ، ولا يصِحُّ بشُروطِه. وهو المذهبُ. قال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ»: حَرُمَ، وفسَد العَقْدُ، رَضُوا بذلك أم لا، فى ظاهِرِ المذهبِ. قال النَّاظِمُ: وهو الأظْهَرُ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نَظْمِ المُفْرَداتِ» ، و «الخِرَقِىِّ» ، وهو منها. وقدَّمه فى «الحاوِيَيْن» ، و «الكافِى» . والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يُكْرَهُ، ويصِحُّ. قدَّمه فى «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وعنه، يَحْرُمُ، ويصِحُّ. ذكَرَها فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: وجعَل ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» الصِّحَّةَ على القَوْلِ بزَوالِ النَّهْى، والبُطْلانَ على القَوْلِ ببَقائِه. قال: وليس بشئٍ، وإنَّما الرِّوايَتان على القَوْلِ ببَقاءِ النَّهْى. انتهى. قلتُ: ما قالَه ابنُ مُنَجَّى قالَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ. والرِّوايَةُ الوارِدَةُ عن أحمدَ تدُلُّ على ذلك، وبها اسْتَدَلَّا. قال الشَّارِحُ، بعدَ أَنْ قدَّم المذهبَ والنُّهْىَ عنه: ونقَل ابنُ شَاقْلَا، أنَّ الحَسَنَ بنَ

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

علىٍّ المِصْرِىَّ سأل أحمدَ، عن بَيْعِ حاضِرٍ لبادٍ؟ فقال: لا بَأْسَ به. فقال له: الخَبَرُ الذى جاءَ بالنَّهْىِ؟ قال: كان ذلك مَرَّةً. قال: فظاهِرُ هذا أنَّ النَّهْىَ اخْتَصَّ

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بأَوَّلِ الإِسْلامِ، لما كان عليهم مِنَ الضِّيقِ فى ذلك. انتهى. فعلى المذهب، يُشْتَرَطُ لعدَمِ الصِّحَّةِ خَمْسُ شُروطٍ، كما ذكَرَه المُصَنِّفُ، وهى أَنْ يَحْضُرَ البادِى لبَيْعِ سِلْعَتِه بسِعْرِ يَوْمِها، جاهِلًا بسِعْرِها، ويَقْصِدَه الحاضِرُ، ويكونَ بالمُسْلِمِين حاجَة إليها. فاجْتِماعُ هذه الشُّروطِ يُحَرمُ البَيعَ ويُبْطِلُه، على المَذهبِ كما تقدَّم، فإنِ اخْتَلَّ منها شَرْطٌ، صحَّ البَيعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ولم

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَذْكُرِ الإِمامُ أحمدُ فى الشُّروطِ، أَنْ يكونَ بالمُسْلِمِين حاجَةٌ إليها.

وقوله: ويقْصِدَه الحاضِرُ. هذا شَرْطٌ، لكِنْ يُشْتَرَطُ فيه أَنْ يكونَ عارِفًا بالسِّعْرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، أَوْ لا يعْرِفه.

وقوله: جاهِلًا بسِعْرِها. يعْنِى البادِى. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يُشْتَرطُ جَهْلُه بالسِّعْرِ.

وقوله: أَنْ يَحْضُرَ البادِى لبَيعِ سِلْعَتِه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، حُكْمُ ما إذا وُجِّه بها البادِى إلى الحاضِرِ ليَبِيعَها له، حُكْمُ حُضُورِ البادِى لبَيعِها. نقَلَه ابنُ هانِئٍ. ونقَل المَرُّوذِىُّ، أخافُ أَنْ يكونَ منه. جزَم بهما الخَلَّالُ. وهو ظاهِرُ كلامَ الخِرَقِىِّ لعدَمَ ذكْرِه له.

وقوله: بسِعْرِ يَوْمِها. زادَ بعضُهم فى هذاَ الشَّرْطِ، أَنْ يقْصِدَ البَيْعَ بسِعْرِ يَوْمِها حَالًّا لا نَسِيئةً. نقَلَه الزَّرْكَشِىُّ. ولم يذْكُرِ الخِرَقِىُّ بسِعْرِ يَوْمِها.

ص: 187

وَأَمَّا شِرَاؤُهُ لَهُ، فَيَصِحُّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

ــ

قوله: وأمَّا شِراؤُه له، فيَصِحُّ، رِوايَةً واحِدَةً. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ.

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ونقَل ابنُ هانِئٍ، لا يشْتَرِى له. وتقدَّم أوَّلَ البابِ بَيعُ التَّلْجِئَةِ، والهازِلِ، ونحوُهما،

ص: 189

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فليُعاوَدْ.

فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه، أنَّ النَّهْىَ فى

ص: 190

وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا نَقْدًا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهَا. وَإِنِ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَو ابْنُهُ، جَازَ.

ــ

هذه المَسْأَلةِ باقٍ. وعنه، زَوالُه. وقال: كان ذلك مَرَّةً، والتَّفْريعُ على الأوَّلِ.

قوله: ومَن باعَ سِلْعَةً بنَسِيئَةٍ، لم يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَها بأقَلَّ ممَّا باعَها نَقْدًا، إلَّا أَنْ تكونَ قد تغَيَّرَتْ صِفَتُها. هذه مَسْأَلةُ العِينَةِ، وفِعْلُها مُحَرَّمٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وعندَ أبِى الخَطَّابِ، يَحْرُمُ اسْتِحْسانًا، ويجوزُ قِياسًا. وكذا قال فى «التَّرْغيبِ»: لم يَجُزِ اسْتِحْسانًا. وفى كلامِ القاضى وأصحابِه، القِياسُ صِحَّةُ البَيعِ. قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُهم،

ص: 191

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنَّ (1) القِياسَ خُولِفَ لدَليلٍ راجِحٍ، فلا خِلافَ إذن فى المَسْأَلةِ. وحكَى الزَّرْكَشِىُّ بالصِّحَّةِ قَوْلًا. وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ أيضًا، أنَّه يصِحُّ البَيعُ الأوَّلُ، إذا كان [بَيانًا، فلا مُواطأَةَ](2)، وإلَّا بَطَلا، وأنَّه قَوْلُ أحمدَ. قال فى «الفُروعِ» . ويتَوجَّهُ أنَّ مُرادَ مَن أطْلَقَ، هذا، إلَّا أنَّه قال فى «الانْتِصارِ»: إذا قصَد بالأوَّلِ الثَّانِىَ، يَحْرُمُ، ورُبَّما قُلْنا ببُطْلانِه. وقال أيضًا: يَحْتَمِلُ إذا قصَد، أَنْ لا يَصِحَّا، وإنْ سَلِمَ، فالبَيْعُ الأوَّلُ خَلا عن ذَرِيعَةِ الرِّبا.

تنبيه: قوْلُه: لم يَجُزْ أنَ يشتَرِيَها بأقَلَّ ممَّا باعَها نَقْدًا. قالَه أبو الخَطَّابِ، والمُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرُهم. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، لا يُشْتَرطُ فى التَّحْريمِ أَنْ يشْتَرِيَها بنَقْدٍ، بل يَحْرُمُ شِراؤُها، سَواء كان بنَقْدٍ أو نَسِيئَةً. قال فى «الفُروعِ»:

(1) فى الأصل، ط:«أنه» . وانظر الفروع 4/ 169

(2)

فى الفروع 4/ 170: «بتاتا بلا مواطأة» . ولعله أولى.

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذْ لم يَقُلْه أحمدُ، والأكثرُ، بل ولو كان بعدَ حِلِّ أجَلِه. نقَلَه ابنُ القاسِمِ، وسِنْدِىٌّ.

فوائد؛ إحْداها، لو اشْتَراها بعَرْضٍ، أو كان بَيْعُها الأوَّلُ بعَرْضٍ، فاشْتَراها بنَقْدٍ، جازَ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. قال فى «الفُروعِ» : فإنْ كان بغيرِ جِنْسِه، جازَ. انتهى. وإنْ باعَها بنَقْدٍ، واشْتَراها بنَقْدٍ آخَرَ، فقال الأصحابُ: يجوزُ. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وفى «الانْتِصارِ» وجْهٌ، لا يجوزُ إلَّا إذا كان بعَرْضٍ، فلا يجوزُ إذا كانا بنَقْدَين مُخْتَلِفَين. واخْتارَه المُصَنِّفُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّانيةُ، مِن مَسائلِ العِينَةِ، لو باعَه شيئًا بثَمَنٍ لم يقْبِضْ، ذكَرَه القاضى وأصحابُه، وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، ثم اشْتراه

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بأقَلَّ ممَّا باعَه نقْدًا، أو غيرَ نَقْدٍ، على الخِلافِ المُتَقَدِّمِ، لم يصِحَّ. الثَّالثةُ، عَكْسُ العِينَةِ مِثْلُها فى الحُكْمِ؛ وهى أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ بثَمَن حالٍّ، ثم يشْتَرِيَها بأكْثَرَ منه

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نَسِيئَةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . ونقَل أبو داودَ، يجوزُ بلا حِيلَةٍ. ونقَلَه المَرُّوذِىُّ، فى مَن باعَ شيئًا، ثم وجَدَه يُباعُ، أيَشْتَرِيه بأقلَّ ممَّا باعَه؟ قال: لا، ولكِنْ بأكْثرَ لا بَأْسَ. قال المُصَنِّفُ: ويحْتَمِلُ أَنْ يجوزَ له شِراؤُها بجِنْسِ الثَّمَنِ بأكْثَرَ منه، إذا لم يَكُنْ مُواطَأةٌ ولا حِيلَةٌ، بل وقَع اتِّفاتًا مِن غيرِ قَصْدٍ.

قوله: فإنِ اشْتَراها أبُوه أو ابنُه، جازَ. مُرادُه، إذا لم يَكُنْ حِيَلةٌ، فإنْ كان حِيلَةٌ، لم يَجُزْ. وكذا يجوزُ له الشِّراءُ مِن غيرِ مُشْتَرِيه، لا مِن وَكِيلِه. قال فى «الفائقِ»: قلتُ: بشَرْطِ عدَمِ المُواطَأَةِ. انتهى. قلتُ: وهو مُرادُ الأصحابِ.

فائدة: لو احْتاجَ إلى نَقْدٍ، فاشْتَرى ما يُساوِى مِائَةً بمِائةٍ وخَمْسين، فلا بأْسَ.

ص: 195

وَإِنْ بَاعَ مَا يَجْرِى فِيهِ الرِّبَا نَسِيئَةً، ثُمَّ اشْتَرَى مِنْهُ بِثَمَنِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِ نسِيئَةً، لَمْ يَجُزْ.

ــ

نصَّ عليه، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وهى مَسْأَلةُ التَّوَرُّقِ. وعنه، يُكْرَهُ. وعنه، يَحْرُمُ. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. فإنْ باعَه لمَنِ اشْتَرى منه، لم يجُزْ، وهى العِينَةُ. نصَّ عليه.

قوله: وإنْ باعَ ما يجْرِى فيه الرِّبا نَسِيئَةً، ثم اشْتَرَى منه بثَمَنِه قبلَ قَبْضِه مِن جِنْسِه، أو ما لا يجوزُ بَيْعُه به نَسِيئَةً، لم يجُزْ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. واخْتارَ المُصَنِّفُ الصِّحَّةَ مُطْلَقًا، إذا لم يَكُنْ حِيلَةٌ. وقال: قِياسُ مَسْأَلةِ العِينَةِ أخْذُ غَيْرِ جِنْسِه. واخْتارَه فى «الفائقِ» . واخْتارَ

ص: 196

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ، إذا كان ثَمَّ حاجَةٌ، وإلَّا فلا.

تنبيه: شَمِلَ كلامُ المُصَنِّفِ مَسْألتَيْن؛ إحْداهما، أَنْ يبِيعَه كَيْلَ بُرٍّ إلى شَهْرٍ بمِائَةٍ، ثم يَشْتَرِىَ بثَمَنِه بعدَ اسْتِحْقاقِه منه بُرًّا، فلا يجوزُ. قال فى «التَّلْخيصِ»: قالَه أصحابُنا. ونصَّ عليه. الثَّانيةُ، أَنْ يأْخُذَ بالثَّمَنِ منه شَعِيرًا أو غيرَه ممَّا يجْرِى فيه الرِّبا نَسِيئَةً، فلا يجوزُ.

فوائد؛ يحْرُمُ التَّسْعِيرُ، ويُكْرَهُ الشِّراءُ به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وإنْ هُدِّدَ مَن خالَفَه، حَرُمَ، وبطَل العَقْدُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحَه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى». وقيل:

ص: 197

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يَبْطُلُ العَقْدُ. مَأْخَذُهما، هل الوَعِيدُ إكْراهٌ أم لا؟ ويَحْرُمُ قوْلُه: بعْ كالنَّاسِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفيه وَجْهٌ، لا يَحْرُمُ. وأوْجَبَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ إلْزامَهم المُعاوَضَةَ بمِثْلِ الثَّمَنِ. وقال: لا نِزاعَ فيه، لأنَّها مَصْلَحَةٌ عامَّةٌ لحَقِّ اللَّهِ تعالَى. وكَرِهَ الإِمامُ أحمدُ البَيْعَ والشِّراءَ مِن مَكانٍ أُلْزِمَ النَّاسُ بهما فيه، لا الشِّراءَ مِمَّن اشْتَرَى منه، وكَرِه أيضًا الشِّراءَ بلا حاجةٍ مِن جالِسٍ على الطَّريقِ، ومِن بائع مُضْطَرٍّ ونحوِه. قال فى «المُنْتَخَبِ»: لبَيْعِه بدُونِ ثَمَنِه. ويَحْرُمُ الاحْتِكارُ فى قُوتِ الآدَمِىِّ فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه.

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: لا يَحْرُمُ. وعنه، يَحْرُمُ أيضًا فيما يأْكُلُه النَّاسُ. وعنه، أو يضُرُّهم ادِّخارُه بشِرائِه فى ضِيقٍ. وقال المُصَنِّفُ: مِن بَلَدِه لا جالِبًا. والأوَّلُ قدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقالَه القاضى وغيرُه. ويصِحُّ شِراءُ مُحْتَكِرٍ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وفى «التَّرْغيبِ» احْتِمالٌ بعدَمِ الصِّحَّةِ. وفى كَراهَةِ التِّجارَةِ فى الطَّعامِ

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا لم يُردِ الحُكْرَةَ، رِوايتَان. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ». قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ومَن جلَب شيئًا، أو اسْتغَلَّه مِن مِلْكِه، أو ممَّا اسْتَأْجَرَه، أو اشْتَراه زمَن الرُّخْصِ، ولم يُضَيِّقْ على النَّاسِ إذَنْ، أو اشْتَراه مِن بَلَدٍ كبِيرٍ، كبَغْدادَ والبَصْرَةِ ومِصْرَ ونحوِها، فله حَبْسُه حتى يغْلُوَ، وليس مُحْتَكِرًا، نصَّ عليه، وتَرْكُ

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ادِّخارِه لذلك أوْلَى. انتهى. وقال القاضى: يُكْرَهُ إنْ ترَبَّصَ به السِّعْرَ، لا جالِبًا بسِعْرِ يَوْمِه. نقَل عبدُ اللَّهِ وحَنْبَلٌ، الجالِبُ أحْسَنُ حالًا، وأرْجُو أَنْ لا بَأْسَ، ما لم يَحْتكِرْ. وقال: لا يَنْبَغِى أَنْ يتَمَنَّى الغَلاءَ. وقال فى «الرِّعايَةِ» : يُكْرَهُ. واخْتارَهِ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. ويُجْبَرُ المُحْتَكِرُ على بَيْعِه كما يَبِيعُ النَّاسُ، فإنْ أبَى، وخِيفَ التَّلَفُ، فرَّقَه الإِمامُ، ويَرُدُّون مِثْلَه. قال فى «الفُروعِ»: ويتوجَّهُ، قِيمَتُه. قلتُ: وهو قَوِىٌّ. وكذا سِلاحٌ لحاجَةٍ. قالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قلتُ: وأوْلَى. ولا يُكْرَهُ ادِّخارُ قُوتٍ لأهْلِه ودَوابِّه. نصَّ عليه. ونقَل جَعْفَرٌ، سَنَةً وسَنتَيْن، ولا يَنْوِى التِّجارَةَ، فأَرْجُو أَنْ لا يُضَيِّقَ. ومَن ضَمِنَ مَكانًا ليَبيعَ فيه ويشْتَرِىَ وحدَه،

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كُرِهَ الشِّراءُ منه بلا حاجَةٍ، ويَحْرُمُ عليه أخْذُ زِيَادةٍ بلا حَقٍّ. ذكَرَه الشَّيْخُ تَقِىٌّ الدِّينِ.

ص: 202