الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمعتُ فلاناً، وإليهِ الإشارةُ بقولي:(كقولِ كُلِّهم: سمعتُ فاتَّحِدْ) ، لفظُ الأَدَاءِ في جميعِ الرواة فصارَ مسلسلاً بذلكَ، وكذلكَ قولُ جميعِهِمُ حدَّثَنا، أو قولُهَم: أخبرنا، وقولهُمُ: شهدتُ على فلانٍ، قالَ: شهدتُ على فلانٍ، ونحوُ ذلكَ. وجعلَ الحاكمُ من أنواعِهِ أنْ تكونَ ألفاظُ الأداءِ في جميعِ الرواةِ دالةٌ على الاتصالِ، وإنِ اختلفَتْ، فقالَ بعضُهم: سمعتُ، وبعضُهم: أخبرنا، وبعضُهم: حَدَّثَنَا، ولَم يُدْخِلِ الأكثرونَ في المسلسلاتِ إلَاّ ما اتفقتْ فيهِ صيغُ الأداءِ بلفظٍ واحدٍ، ومثالُ التسلسلِ في وقتِ الروايةِ حديثُ ابنِ عباسٍ، قالَ: شهدتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في يومِ عيدِ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى،
…
الحديث. فقد تسلسلَ لنا بروايةِ كُلِّ واحدٍ من الرواةِ له في يومِ عيدٍ وكحديثِ تسلسُلِ قَصِّ الأظفارِ بيومِ الخميسِ، ونحوِ ذلكَ. ومثالُ التسلسلِ بالمكانِ، كالحديثِ المسلسلِ بإجابةِ الدعاءِ في الْمُلْتَزمِ. و
أنواعُ التسلسلِ كثيرةٌ
. وقد ذكرَهُ الحاكمُ في علومِهِ ثَمَانيةَ أنواعٍ، قالَ ابنُ الصلاحِ: والذي ذكرَهُ فيها إنَّمَا هو صُوَرٌ، وأمثلةٌ ثَمَانيةٌ، ولا انحصارَ لذلكَ في ثَمَانيةٍ.
قلتُ: لم يقل الحاكمُ إنَّهُ يَنْحَصِرُ في ثَمَانيةِ أنواعٍ، كما فهمَهُ ابنُ الصلاحِ، وإنَّمَا قالَ بعدَ ذِكْرِهِ الثَّمَانيةَ:((فهذه أنواعُ المسلسَلِ من الأسانيدِ المتصلةِ التي لا يشوبُهَا تدليسٌ وآثارُ السماعِ بينَ الراويينِ ظاهرةٌ)) . انتهى.
فالحاكمُ إِنَّمَا ذَكَرَ من أنواعِ المُسَلْسَلِ ما يدلُّ على الاتصالِ. فالأولُ: المسلسلُ بـ: سَمِعْتُ. والثاني: المسلسلُ بقولِهِم: قُمْ فصبَّ عليَّ حتى أريَك وضوءَ فلانٍ. والثالثُ: المسلسلُ بمطلقِ ما يدلُّ على الاتصالِ من ((سمعتُ)) أو ((أخبرَنا)) أو ((حَدَّثَنَا)) ، وإنِ اختلفَتْ ألفاظُ الرواةِ. والرابعُ: المسلسلُ بقولِهِم: فإنْ قيلَ لفلانٍ: مَنْ أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: يقولُ: أمرني فلانٌ. والخامسُ: المسلسلُ بالأخذِ باللحيةِ، وقولِهِم: آمنتُ بالقَدَرِ، الحديث، وقد تقدَّمَ. والسادسُ: المسلسلُ بقولِهِم: وعدَّهُنَّ في يدي. والسابعُ: المسلسلُ بقولِهِم: شهدْتُ على فلانٍ. والثامنُ: المسلسلُ بالتشبيكِ باليدِ مع أَنَّ من أمثلتِهِ ما يدلُّ على الاتصالِ، ولم يذكرْهُ، كالمسلسلِ بقولِهِم: أطعَمَنا وسقانا. والمسلسلِ بقولِهِم: أضافَنَا بالأسودَيْنِ، التمرِ والماءِ. والمسلسلِ بقولِهِم: أخذَ فلانٌ بيدي. والمسلسلِ بالمصافَحةِ. والمسلسلِ بقصِّ الأظفارِ يومَ الخميسِ، ونحوِ ذلكَ. قالَ ابنُ الصلاحِ:((وخيرُها ما كانَ فيه دلالةٌ على اتِّصَالِ السَّماعِ وعدمِ التدليسِ، قالَ: ومن فضيلةِ التسلسلِ اشتمالُه على مزيدِ الضَّبْطِ من الرواةِ. قالَ: وقلَّما تَسْلَمُ المسلسلاتُ من ضَعْفٍ، أعني: في وصفِ التسلسُلِ لا في أصلِ المتنِ)) .
ومن المسلسلِ ما هو ناقصُ التسلسُلِ بقطعِ السِلسِلةِ في وَسَطِهِ، أو أوَّلِهِ، أو آخرِهِ، كحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو المسلسلِ بالأَوَّلِيَّةِ، فإِنَّهُ إنَّمَا يصحُّ التسلسلُ فيهِ إلى سفيانَ بنِ عُيينةَ، وانقطعَ التسلسلُ بالأَوَّلِيَّةِ في سماعِ سفيانَ من عمرٍو، وفي سماعِ عمرٍو من أبي قَابُوسَ، وفي سماعِ أبي قابوسَ من عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، وفي سماعِ عبدِ اللهِ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وقد وقعَ لنا - بإسنادٍ متصلٍ - التسلسلُ إلى آخرِهِ، ولا يصحُّ ذلكَ، واللهُ أعلمُ.