الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإمَّا بإخبارهِ عنْ نفسهِ أَنَّهُ صحابيٌّ بعدَ ثُبوتِ عدالتِهِ قبلَ إخبارهِ بذلكَ. هكذا أطلقَ ابنُ الصلاحِ تَبَعَاً للخطيبِ، فإنهُ قالَ في " الكفايةِ ": وقد يُحكمُ بأنَّهُ صحابيٌّ إذا كانَ ثقةً أميناً مقبولَ القولِ، إذا قالَ صحبتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وكَثُرَ لقائي لهُ، فيحكم بأنَّهُ صحابيٌّ في الظاهرِ، لموضعِ عدالَتِهِ، وقبولِ خبرِهِ، وإنْ لمْ يقطعْ بذلكَ كمَا يعملُ بروايتِهِ. هكذا ذكرهُ في آخرِ كلامِ القاضي أبي بكرٍ، والظاهرُ أنَّ هذا كلامُ القاضي، قلت: ولا بدَّ من تقييدِ ما أطلِقَ منْ ذلكَ بأنْ يكونَ ادِّعاؤهُ لذلكَ يقتضيهِ الظاهرُ. أما لو ادَّعاهُ بعدَ مضيِّ مائةِ سنةٍ من حينِ وفاتهِ صلى الله عليه وسلم، فإنهُ لا يُقبلُ وإنْ كانتْ قدْ ثبَتَتْ عدالتُهُ قبلَ ذلكَ، لقولهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصحيحِ:((أرأيتُكم ليلتكم هذهِ، فإنَّهُ على رأسِ مائةِ سنةٍ لا يبقى أحدٌ ممّنْ على ظهرِ الأرضِ)) ، يريدُ انخرامَ ذلكَ القرنِ. قالَ: ذلكَ في سنةِ وفاتِهِ صلى الله عليه وسلم، وهذا واضحٌ جليٌّ. وقد اشترطَ الأصوليونَ في قبولِ ذلكَ منهُ أن يكونَ قدْ عُرِفَتْ معاصرَتُهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ الآمديُّ: فلوْ قالَ مَنْ عاصرَهُ أنا صحابيٌّ معَ إسلامهِ، وعدالتِهِ، فالظاهرُ صدقُهُ، وحكاهما ابنُ الحاجبِ احتمالينِ من غيرِ ترجيحٍ، قالَ: ويحتملُ أن لا يُصَدَّقَ لكونهِ متَّهماً بدعوى رتبةٍ يثبتها لنفسِهِ.
الثانيةُ:
الصحابةُ كلُّهم عدولٌ
، لقولهِ تعالى:{وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وهذا خطابٌ مع الموجودينَ حينَئذٍ، ولقولهِ تعالى:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قيل: إنَّ المفسرينَ اتفقوا على أنَّهُ واردٌ في أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولقولهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ المتفقِ على صحتهِ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ:((لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيدِهِ لو أنْفَقَ أحدُكمْ مِثلَ أُحُدٍ ذهباً ما أدركَ مُدَّ أحدِهِم، ولا نصيفَهُ)) ولقولهِ صلى الله عليه وسلم في الحديثِ المتفقِ على صحتِهِ أيضاً من حديثِ ابنِ مسعودٍ ((خيرُ الناسِ قرني)) ، وقدْ سبقَ تفسيرُ القرنِ في أولِ هذهِ الترجمةِ، ولغيرِ ذلكَ من الأحاديثِ الصحيحةِ، ولإجماعِ مَنْ يُعْتَدُّ بهِ في الإجماعِ من الأئمةِ على ذلكَ، ثمَّ إنَّ جميعَ الأمةِ مُجْمِعَةٌ على تعديلِ مَنْ لم يلابسِ الفتنَ منهم. وأما مَنْ لابسَ الفتنَ منهم - وذلك من حينِ مقتلِ عثمانَ - فأجمعَ مَنْ يُعتدُّ بهِ أيضاً في الإجماعِ على تعديلِهم إحساناً للظنِّ بهم، وحملاً لهم في ذلكَ على الاجتهاد.
هكذا حكى ابنُ الصلاحِ إجماعَ الأمةِ على تعديلِ مَنْ لَمْ يلابسِ الفتنَ منهم وفيهِ نَظَرٌ، فقدْ حكى الآمديُّ وابنُ الحاجبِ قولاً: أنَّهم كغيرهم في لزومِ البحثِ عنْ عدالتهمْ مطلقاً،