الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ ذكرَ ابنُ الصلاحِ قِصَّةَ الزُّهريِّ معَ عبدِ الملكِ بنِ مَرْوانَ، وسؤالَهُ عمَّنْ يَسودُ أهلَ مكةَ، ثمَّ اليَمَنَ، ثمَّ مصرَ، ثمَّ الشامَ، ثمَّ الجزيرةَ، ثمَّ خراسانَ، ثمَّ البصرةَ، ثمَّ الكوفةَ، وجوابَ الزهريِّ لهُ، وأنَّ كلَّهم موالٍ إلَاّ الذي بالكوفةِ، وهوَ إبراهيمُ النَّخَعِيُّ، فإنَّهُ منَ العربِ، وقولُ عبدِ الملكِ عندَ ذلكَ: ويلكَ يا زهريُّ فرَّجْتَ عنِّي، واللهِ ليسودَنَّ الموالي على العربِ، حتَّى يُخطَبَ لها على المنابرِ، والعَربُ تحتها، وهذا منْ عبدِ الملكِ، إمَّا فراسةٌ، أو بلَغَهُ منْ أهلِ العلمِ، أو أهلِ الكتابِ، فَاللهُ أعلمُ.
أَوْطَانُ الرُّوَاةِ وَبُلْدَانُهُمْ
997.
... وَضَاعَتِ الأَنْسَابُ في البُلْدَانِ
…
فَنُسِبَ الأَكْثَرُ لِلأَوْطَانِ
998.
... وَإنْ يَكُنْ في بَلْدَتَيْنِ سَكَنَا
…
فَابْدَأْ بِالاوْلَى وَبِثُمَّ حَسُنَا
999.
... وَإنْ يَكُنْ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ بَلْدَةِ
…
يُنْسَبْ لِكُلٍّ وَإلَى النَّاحِيَةِ
ممَّا يحتاجُ إليهِ أهلُ الحديثِ، معرفةُ أوطانِ الرواةِ وبلدانهم، فإنَّ ذلكَ ربَّما ميزَ بينَ الاسمينِ المتفقينِ في اللفظِ، فيُنظرُ في شيخِهِ وتلميذِهِ الذي روى عنهُ، فربَّما كانا - أو
أحدهما - من بلدِ أحدِ المتفقَيْنِ في الاسمِ، فيغلبُ على الظنِّ أنَّ بلديهما هوَ المذكورُ في السندِ، لا سيما إذا لَمْ يُعرفُ لهُ سماعٌ بغيرِ بلدِهِ.
وأيضاً ربَّما اسْتُدِلَّ بِذِكْرِ وطنِ الشيخِ، أو ذكرِ مكانِ السماعِ على الإرسالِ بينَ الراوِيَيْنِ إذا لَمْ يُعرفْ لهما اجتماعٌ عندَ مَنْ لا يكتفي بالمعاصرةِ. وسمعتُ شيخَنَا الحافظَ أبا محمدٍ عبدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدِ بنِ أبي بكرٍ القرشيَّ، يقولُ غيرَ مرةٍ: كنتُ أسمعُ بقراءةِ الحافظِ أبي الحجَّاجِ المزيِّ كتابَ " عملِ اليومِ والليلة " للحسنِ بنِ عليِّ بنِ شبيبٍ المعمريِّ، فمرَّ حديثٌ من روايةِ يونسَ بنِ مُحَمَّدٍ المؤدِّبِ، عنْ الليثِ بنِ سعدٍ، فقلتُ للمزيِّ: في أينَ سَمِعَ يونسُ منَ الليثِ؟ فقالَ: لَعلَّهُ سَمِعَ منهُ في الحجِّ، ثمَّ استمرَّ في القراءةِ، ثمَّ قالَ: لا الليثُ ذهبَ في الرُّسَيْلَةِ إلى بغدادَ فَسَمِعَ منهُ هناكَ. انتهى.
وإنما حدَثَ للعربِ الانتسابُ إلى البلادِ والأوطانِ لما غلبَ عليها سكنى القرى، والمدائنِ، وضاعَ كثيرٌ منْ أنسابها، فلمْ يبقَ لها غيرُ الانتسابِ إلى البلدانِ، وقدْ كانتْ العربُ تنسبُ قبلَ ذلكَ إلى القبائلِ، فمنْ سَكَنَ في بلدتينِ، وأرادَ الانتسابَ إليهما فَليبدأْ بالبلدِ الذي سكنها أولاً، ثمَّ بالثانيةِ التي انتقلَ إليها، وحَسَنٌ أنْ يأتيَ بـ (ثمَّ) في النسبِ للبلدةِ الثانيةِ، فيقولُ مثلاً: المِصْرِيُّ ثمَّ الدِّمَشْقِيُّ. ومَنْ كانَ مِنْ أهلِ قريةٍ منْ قرى بلدةٍ، فجائزٌ أنْ ينسبَ إِلَى القريةِ، وإلى البلدةِ أيضاً، وإلى الناحيةِ الَّتِي مِنْهَا تلكَ البلدةُ، فمَنْ هوَ؟ مِنْ أهلِ داريا مثلاً، أنْ يقولَ في نسبهِ: الداريُّ، والدِّمشقيُّ، والشاميُّ، فإنْ أرادَ الجمعَ بينها، فليبدأْ بالأعمِّ، فيقولَ: الشاميُّ الدمشقيُّ الداريُّ.
1000.
... وَكَمُلَتْ بِطِيْبَةَ المَيْمُوْنَهْ
…
فَبَرَزَتْ مِنْ خِدْرِهَا مَصُوْنَهْ
1001.
... فَرَبُّنَا المَحْمُودُ وَالمَشْكُوْرُ
…
إِلَيْهِ مِنَّا تَرْجِعُ الأُمُوْرُ
1002.
... وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ
…
عَلَى النَّبِيِّ سَيِّدِ الأَنَامِ
أي: كَمَلَتْ هذهِ الأُرجوزةُ بطيبةَ - مدينةِ سيدِنا رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكانَ الفراغُ منها: يومَ الخميسِ ثالثِ جمادى الآخرةِ، سنةَ ثمانٍ وستينَ وسبعمائةٍ، وكانَ أوَّلُ بروزها إلى الخارجِ بالمدينةِ الشريفةِ على ساكنها أفضلِ الصلاةِ والسلامِ، وكَمُلَ هذا الشرحُ عليها في يومِ السبتِ التاسعِ والعشرينَ، في شهرِ رمضانَ المعظَّمِ قدرُهُ، سنةَ إحدى وسبعينَ وسبعمائةٍ، بالخانقاه الطَّشْتَمَريةِ خارجِ القاهرةِ المحروسةِ.
وأجزْتُ لكلِّ مَنْ سَمِعَ منِّيَ الأُرجوزةَ المذكورةَ، أو بعضها أنْ يرويَ عنِّي جميعَ هذا الشرحِ عليها، وجميعَ ما يجوزُ لي وعنِّي روايتُهُ.