المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْحَضَانَةِ ــ بابُ الحَضانَةِ فائدتان؛ إحْداهما، حَضانَةُ الطِّفْلِ؛ حِفْظُه عمَّا يضُرُّه، وتَرْبِيَتُه - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٢٤

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْحَضَانَةِ ــ بابُ الحَضانَةِ فائدتان؛ إحْداهما، حَضانَةُ الطِّفْلِ؛ حِفْظُه عمَّا يضُرُّه، وتَرْبِيَتُه

‌بَابُ الْحَضَانَةِ

ــ

بابُ الحَضانَةِ

فائدتان؛ إحْداهما، حَضانَةُ الطِّفْلِ؛ حِفْظُه عمَّا يضُرُّه، وتَرْبِيَتُه بغَسْلِ رأْسِه وبَدنه وثِيابِه، ودَهْنِه (1)، وتكْحِيلِه، ورَبْطِه فى المَهْدِ، وتحْرِيكِه ليَنامَ، ونحوِ ذلك. وقيل: هى حِفْظُ مَنْ لا يسْتَقِلُّ بنَفْسِه، وترْبِيَتُه حتى يسْتَقِلَّ بنَفْسِه.

الثَّانيةُ، اعلمْ أنَّ عَقْدَ البابِ فى الحَضانَةِ، أنَّه لا حَضانةَ إلَّا لرَجُلٍ عَصَبَةٍ، أو امْرَأةٍ وارِثَةٍ، أو مُدْلِيَةٍ بوارِثٍ؛ كالخالَةِ وبَناتِ الأَخَواتِ، أو مُدْلِيَةٍ بعَصَبَةٍ، كبناتِ الإخوَةِ والأَعْمامِ والعَمَّةِ. وهذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ. فأمَّا ذَوُو الأَرْحامِ، غيرُ مَنْ تقدَّم ذِكْرُه، والحاكِمُ فيَأْتِى حُكْمُهم والخِلافُ فيهم.

وقوْلُنا: إلَّا لرَجُلٍ عَصَبَةٍ. قالَه الأصحابُ. لكنْ هل يدْخُلُ فى ذلك المَوْلَى المُعْتَقُ لأنَّه عصَبَةٌ فى المِيراثِ، أَوْ لا يدْخُلُ لأنَّه غيرُ نَسِيبٍ؟ قال ابنُ نَصْرِ اللَّهِ فى «حَواشِى الفُروعِ»: لم أجِدْ مَنْ تعرَّض لذلك، وقُوَّةُ كلامِهم تقْتَضِى عدَمَ دُخولِه. وظاهرُ عِبارَيهم دُخولُه، لأنَّه عَصَبَةٌ وارِثٌ ولو كان امْرأَةً؛

(1) سقط من: الأصل.

ص: 455

أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ وَالْمَعْتُوهِ أُمُّهُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقرَبُ،

ــ

لأنَّها وارِثَةٌ. انتهى.

قوله: وأحَقُّ النَّاسِ بحَضانَةِ الطِّفْلِ والمَعْتُوهِ أُمُّه. بلا نِزاعٍ. ولو كان بأُجْرَةِ المِثْلِ، كالرَّضاعِ. قالَه فى «الواضِحِ» . واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» . وهو واضحٌ.

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ثم أُمَّهَاتُها. هذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، تُقدَّمُ أمُّ الأبِ على أُمِّ الأمِّ. وهو ظاهر كلام الخِرَقِىِّ قالَه الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه. قال فى «المُغْنِى» (1): هو قِياسُ قولِ الخِرَقِىِّ. وأَطْلَقهما فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» . وعنه، يُقَدَّمُ الأبُ والجَدُّ على غيرِ الأمِّ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، بعدَ ذِكرِ رِوايةِ تقْديمِ أمِّ الأبِ على أمِّ الأمِّ: فعلى هذه، يكونُ الأبُ أَوْلَى بالتَّقْديمِ؛ لأنَّهُنَّ يُدْلِين به. فعلى المذهبِ، لو امْتَنَعَتِ الأمُّ، لم تُجْبَرْ، وأمُّها أحقُّ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقيل: الأبُ أحقُّ. ويأْتِى ذلك فى كلامَ المُصَنِّفِ.

(1) فى المغنى: 11/ 422.

ص: 457

ثُمَّ الْأَبُ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْجَدُّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأَخْتُ لِلْأَب، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأمِّ، ثُمَّ الْخَالَةُ، ثُمَّ الْعَمَّةُ، فِى الصَّحِيحِ عَنْهُ.

ــ

قوله: ثم الأَبُ، ثمَّ أُمَّهَاتُه -وكذا- ثمَّ الجَدُّ، ثمَّ أُمَّهَاتُه. وهَلُمَّ جَرًّا. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: المَشْهورُ مِنَ الرِّوايتَيْن، والمُخْتارُ لعامَّةِ الأصحابِ، تقْديمُ أمِّ الأبِ على الخالَةِ. انتهى.

ص: 458

وَعَنْهُ، الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، فَتَكُونُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ، وَيَكُونُ هَؤلَاءِ أَحَقَّ مِنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ، وَمِنْ

ــ

وعنه، الأُخْتُ مِنَ الأمِّ والخالَةُ أحقُّ مِنَ الأبِ. فعليها، تكونُ الأُخْتُ مِن

ص: 459

جَمِيعَ الْعَصَبَاتِ.

ــ

الأبَوَيْن أحقَّ، ويكونُ هؤلاءِ أحَقَّ مِن الأُخْتِ للأبِ، ومِن جميعِ العَصَباتِ. وقيل: هؤلاءِ أحَقُّ مِن جميعِ العَصَباتِ إنْ لم يُدْلِين به، فإنْ أدْلَيْن به، كان أحَقَّ مِنهنَّ. قال فى «المُحَرَّرِ» وتَبِعَه فى «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ»: ويَحْتَمِلُ تقْديمُ نِساءِ الأُمِّ على الأبِ وأمَّهاتِه وجِهَتِه. وقيل: تُقَدَّمُ العَصَبَةُ على الأُنثَى إنْ كانَ أقْرَبَ منها، فإنْ تَساوَيا، فوَجْهان. ويأْتِى ذلك عندَ ذِكْرِ العَصَباتِ.

قوله: ثم الأُخْتُ للأَبَوَيْنِ، ثم للأَبِ، ثم الأُخْتُ لِلأُمِّ، ثم الخَالَةُ، ثم العَمَّةُ، فى الصَّحيحِ عنه. الصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّ الأخَواتِ والخالاتِ والعَمَّاتِ بعدَ الأبِ والجَدِّ وأُمَّهاتِهما، كما تقدَّم. وتقدَّم رِوايةٌ بتَقْديمِ الأُخْتِ مِن الأمِّ والخالَةِ على الأبِ وما يتفَرَّعُ على ذلك. إذا عَلِمْتَ ذلك، فعلى المذهبِ، تُقَدَّمُ الأُخْت مِن الأَبَوَيْن على غيرِها ممَّنْ ذُكِرَ، بلا نِزاعٍ. ثم إن المُصَنِّفَ هنا قدَّم الأُخْتَ للأَبِ

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على الأُخْتِ للأُمِّ، وقدَّم الخالَةَ على العَمَّةِ، وقال: إنَّه الصَّحيحُ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وهذا إحْدَى الرِّواياتِ. قال الشَّارِحُ: هذه المَشْهورَةُ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. واخْتارَه القاضى وأصحابُه. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، وغيرِهم. قال بعضُ الأصحابِ: فتَناقَضُوا؛ حيثُ قدَّموا الأُخْتَ للأبِ على الأُخْتِ للأمِّ، ثم قدَّموا الخالةَ على العَمَّةِ.

وعنه، تُقَدَّمُ الأُخْتُ مِن الأمِّ على الأُخْتِ مِن الأبِ، والخالَةُ على العَمَّةِ، وخالَةُ الأمِّ على خالَةِ الأبِ، وخالاتُ الأبِ على عمَّاتِه، ومَن يُدْلِى مِن العَمَّاتِ والخالاتِ بأبٍ على مَن يُدْلِى بأُمٍّ. وهو المذهبُ. واخْتارَه القاضى فى كتابِ «الرِّوايتَيْن» ، وابنُ عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ»؛ فقال: قَرابَةُ الأمِّ مُقَدَّمَةٌ على قَرابةِ الأبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» .

وعنه، تُقدَّمُ الأُخْتُ مِن الأبِ على الأُخْتِ مِن الأمِّ، والعَمَّةُ على الخالَةِ، وخالَةُ الأبِ على خالَةِ الأمِّ، وعمَّةُ الأبِ على خالاتِه، ومَن يُدْلِى مِن العَماتِ والخالاتِ بأمٍّ على مَنْ يُدْلِى بأبٍ منهما. عكْسُ الرِّوايةِ التى قبلَها. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، وغيرُه. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو مُقْتَضَى قولِ القاضى فى «تَعْليقِه» ، و «جامِعِه الصَّغِيرِ» ، والشِّيرَازِىِّ، وابنِ البَنَّا؛ لتَقْديمِهم الأُخْتَ للأبِ على الأُخْتِ للأُمِّ، وهو مذهبُ الخِرَقِىِّ؛ لأَنَّ الوِلايةَ للأبِ، فكذا قَرابَتُه؛ لقُوَّتِه بها،

ص: 461

قالَ الْخِرَقِىُّ: وَخَالَةُ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ خَالَةِ الْأُمِّ. ثُمَّ تَكُونُ لِلْعَصَبَةِ،

ــ

وإنَّما قُدِّمَتِ الأمُّ؛ لأنَّه لا يقُومُ مَقامَها هنا أحدٌ فى مَصْلَحَةِ الطِّفْلِ، وإنَّما قدَّم الشَّارِعُ خالَةَ ابْنَةِ حَمْزَةَ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، على عَمَّتِها صَفِيَّةَ، رَضِىَ اللَّهُ عنها؛ لأَنَّ صَفِيَّةَ لم تَطْلُبْ، وجَعْفَرٌ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، طَلَبَ نائِبًا عن خالَتِها، فقَضَى الشَّارِعُ بها لها فى غَيْبَتِها. انتهى. وجزَم فى «العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» بتَقْديمِ الأُخْتِ للأبِ على الأُخْتِ مِن الأُمِّ، وبتَقْديمِ العَمَّةِ على الخالَةِ.

قالَ الخِرَقِىُّ: وخَالةُ الأَبِّ أحَقُّ مِن خالَةِ الأُمِّ. وأطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، ولم يذْكُروا القَوْلَ الأوَّلَ.

فائدة: تَسْتَحِقُّ الحَضانَةَ، بعدَ الأَخَواتِ والعَمَّاتِ والخالاتِ، عَمَّاتُ أبِيه وخالاتُ أبَوَيْه، على التَّفْصِيلِ، ثُمَّ بَنَاتُ إخْوَتِه وأخَواتِه، ثُمَّ بَناتُ أعْمامِه، على التَّفْصِيلِ المُتَقَدِّمِ. وهذا المذهبُ. قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: تُقدَّمُ بَناتُ إخْوَتِه وأخَواتِه على العَمَّاتِ والخالاتِ وَمَن بعْدَهُنَّ.

ص: 462

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: تحْرِيرُ الصَّحيحِ المَذْهبِ فى تَرْتيبِ مَن يسْتَحِقُّ الحَضانَةَ فى مَن تقدَّم، أنَّ أحقَّهم بالحَضانةِ الأُمُّ، ثم أُمَّهاتُها الأَقْرَبُ فالأَقْرَبُ مِنْهُنَّ، ثم الجَدُّ وإنْ علا، ثُمَّ أمَّهاتُه الأَقْرَبُ فالأقْرَبُ، ثم الأُخْتُ للأبَوَيْن، ثم للأمِّ، ثم للأَبِ، ثم خالاتُه، ثم عمَّاتُه، ثم خالَاتُ أبوَيْه، ثم عَمَّاتُ أبِيه، ثم بَناتُ إخْوَتِه وأخَواِته، ثم بَناتُ أعْمامِه وعَمَّاِته، على ما تقدَّم مِن التَّفْصيلِ، ثم بَناتُ أعْمامِ أبِيه وبَناتُ عَمَّاتِ أبِيه. وهَلُمَّ جَرًّا.

قوله: ثم تَكُونُ للعَصَبَةِ. يعْنِى، الأَقْرَبَ فالأَقْرَبَ، غيرَ الأبِ والجَدِّ وإنْ

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

علا، على ما تقدَّم. إذا عَلِمْتَ ذلك، فلا تَسْتَحِقُّ العَصَبَةُ الحَضانَةَ إلًا بعدَ مَن تقدَّم ذِكْرُه. وهذا هو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: مَنْ تقدَّم ذِكْرُه أحَقُّ بالحَضانَةِ، بشَرْطِ أَنْ لا يُدْلِين به، فإنْ أدْلَيْن بالعَصَبَةِ، كان أحَقَّ مِنْهُنَّ. وهو احْتِمالٌ فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقيل: تُقدَّمُ العَصَبَةُ على الأُنْثَى إنْ كانَ أقْرَبَ منهما، فإنْ تَساوَيا، فوَجْهان. وتقدَّم ذِكْرُ الخِلافِ وبِناؤُه.

فائدة: متى اسْتَحَقَّتِ العَصَبَةُ الحَضانَةَ، فهى للأَقْرَبِ فالأَقْرَبِ مِن

ص: 464

إلَّا أَنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَ لِابنِ عَمِّهَا حَضَانَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَارِمِهَا.

ــ

مَحارِمِها، فإنْ كانتْ أُنْثَى وكانتْ مِن غيرِ مَحارِمِها، كما مثَّل المُصَنِّفُ بقَوْلِه:

إلَّا أنَّ الجاريَةَ ليسَ لابنِ عمِّها حضَانَتُها؛ لأنَّه ليسَ مِن مَحارِمِها. فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه ليسَ له حَضانتها مُطْلَقًا. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» . وجزَم فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم، أنَّه لا حَضانَةَ له إذا بَلَغَتْ سبْعًا. وقدَّمه فى «تَجْرِيدِ العِنايةِ» . وجزَم فى «البُلْغَةِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، أنَّه لا حَضانَةَ له إذا كانتْ تُشْتَهَى، فإنْ لم تكُنْ تُشْتَهَى، فله الحَضانَةُ عليها. واخْتارَه فى «الرِّعايَةِ». وجزَم به فى «الوَجيزِ». قلتُ: فلعَلَّه مُرادُ المُصَنِّفِ ومَن تابعَه، إلَّا أنَّ صاحِبَ «الفُروعِ» وغيرَه حكاهما قوْلَيْن. واخْتارَ ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، فى «الهَدْىِ» ، أنَّ له الحضانَةَ مُطْلَقًا، ويُسَلِّمُها إلى ثِقَةٍ يخْتارُها هو، أَو إلى مَحْرَمِه؛ لأنَّه أوْلى مِنْ أَجْنَبِىٍّ وحاكمٍ. وكذا قال فى مَن تزوَّجتْ وليسَ للوَلدِ غيرُها. قال

ص: 465

وَإِذَا امْتَنَعَتِ الأُمُّ مِنْ حَضَانَتِهَا، انْتَلَقَتْ إلَى أُمِّهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلَى الْأَبِ.

ــ

فى «الفُروعِ» : وهذا متَوَجِّهٌ، وليسَ بمُخالِفٍ للخَبَرِ؛ لعدَمِ عُمومِه.

قوله: وإذا امْتَنَعَتِ الأُمُّ مِن حَضانَتِها، انْتَقَلَتْ إلى أُمِّها. وكذلك إنْ لم تكُنْ أهْلًا للحضَانَةِ. وهذا المذهبُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ أَنْ تَنْتَقِلَ إلى الأبِ. وهو لأبى الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» . ووَجْهٌ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» .

ص: 466

فَإنْ عُدِمَ هَولَاءِ كُلُّهُم، فَهَلْ لِلرِّجَالِ مِنْ ذَوِى الْأَرْحَامِ حَضَانَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أحَدُهُمَا؛ لَهُمْ ذَلِكَ،

ــ

فائدة: مِثْلُ ذلك، خِلافًا ومذْهبًا، كلُّ ذِى حَضانَةٍ إذا امْتَنَعَ مِن الحضانَةِ، أو كانَ غيرَ [أهْلٍ لها](1). قالَه فى «الرِّعَايَةِ» وغيرِه.

تنبيه: قال ابنُ نَصْرِ اللَّه فى «حَواشِى الفُروعِ» : كلامُهم يدُلُّ على سُقوطِ حق الأم مِن الحَضانَةِ بإسْقاطِها، وأن ذلك ليسَ محَل خِلافٍ، وإنما محَل النَّظَر لو أرادَتِ العَوْدَ فيها، هل لها ذلك؟ [يَحْتَمِلُ قوْلَيْن، أظْهَرُهما، لها ذلك](2)؛ لأن الحقَّ لها، ولم يتصِلْ تبَرعُها به بالقَبْضِ، فلها العَوْدُ، كما لو أسْقَطَتْ حقَّها مِن القَسْمَ. انتهى.

قوله: فإنْ عُدِمَ هؤلاءِ، فهل للرِّجالِ مِن ذَوِى الأَرْحامِ -وكذا النساءُ منهم

(1) فى الأصل، ط:«أهلها» .

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 467

فَيَكُونُ أَبُو الأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ أَحَقَّ مِنَ الْخَالِ، وَفِى تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الأَخِ مِنَ الأُمِّ وَجْهَانِ.

ــ

غيرَ مَنْ تقدَّمَ- حضَانَةٌ؟ على وَجْهَيْن. وهما احْتِمالان للقاضى، وبعدَه لأبى الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» ، والمُصَنِّفِ فى «الكافِى» ، و «الهادِى» . وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لهم الحَضانَةُ بعدَ عَدَمِ مَن تقدَّم. وهو الصَّحيحُ. مَال فى «المُغْنِى» (1): وهو أَوْلَى. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ فى «نِهايته» ، وصاحِبُ «تَجْريدِ العِنايةِ» . [وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه»، وقال: هو أقْيَسُ](2). وقدَّمه فى «النَّظْمِ» فى مَوْضِع، وصحَّحه فى آخَرَ، وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن» فى أثْناءِ البابِ. والوَجْهُ الثَّانى، لا حقَّ لهم فى الحَضانَةِ، وينْتَقِلُ إلى الحاكمِ. جزَم به فى «الوَجيزِ» . وهو ظاهرُ ما جزَم به فى

(1) انظر المغنى: 11/ 425.

(2)

سقط من: الأصل.

ص: 468

وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَلَا فَاسِقٍ، وَلَا كَافِر عَلَى مُسْلِمٍ،

ــ

«العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ؛ فإنَّهم. ذكَرُوا مُسْتَحِقِّى الحَضانَةِ، ولم يذْكُروهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . [وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ»](1). وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» فى أوَّلِ البابِ. ولعَلَّه تَناقضٌ منهم. فعلى المذْهَب (2)، يكونُ أبو الأمِّ وأُمَّهاتُه أحقَّ مِن الخالِ. بلا نِزاعٍ. وفى تقْديمِهم على الأخِ مِن الأمِّ وَجْهان. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يُقَدَّمُونَ عليه. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . والوَجْهُ الثَّانى، يُقَدَّمُ عليهم. [صحَّحه فى «التَّصْحيحِ»](1).

قوله: ولا حَضانَةَ لرَقِيقٍ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. وعليه جماهيرُ الأصحابِ،

(1) سقط من: الأصل.

(2)

فى ط، أ:«الأول» .

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأكثرُهم قطَع به. وقال فى «الفُنونِ» : لم يتَعَرَّضُوا لأم الوَلَدِ، فلها حَضانَةُ وَلَدِها مِن سيِّدِها، وعليه نَفَقَتُها؛ لعدَمِ المانِعِ، وهو الاشْتِغالُ بزَوجٍ أو سيِّدٍ. قلتُ: فيُعايَى بها. وقال ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، فى «الهَدْى»: لا دَلِيلَ على اشْتِراطِ الحُرِّيَّةِ، وقد قال مالِكٌ، رحمه الله، فى حُرٍّ له وَلَدٌ مِن أمَةٍ: هى أحقُّ به، إلا أن تُباعَ فتَنْتَقِلَ، فالأبُ أحَقُّ. قال فى «الهَدْى»: وهذا هو الصَّحيحُ؛ لأحادِيثِ مَنْعِ التَّفْريقِ. قال: ويُقَدَّمُ لحَق حَضانَتِها وَقتَ حاجَةِ الوَلَدِ على السَّيِّدِ، كما فى البَيْعِ سواءً. انتهى. فعلى المذهبِ، لا حَضانَةَ لمَنْ بعْضُه قِنٌّ. على

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّحيحِ مِن المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: قِياسُ قولِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، يدْخُلُ فى المُهايَأَةِ.

فائدة: حَضانَةُ الرَّقيقِ لسَيِّدِه، فإن كانَ بعْضُ الرَّقيقِ المَحْضُونِ حُرًّا، تَهايأَ فيه سيِّدُه وقرِيبه. ذكَره أبو بَكْرٍ، وتَبِعَه مَنْ بعدَه.

قوله: ولا فاسِقٍ. هذا المذهبُ. وعليه الأصحابُ. واخْتارَ ابنُ القَيِّمِ،

ص: 471

وَلَا لِامْرَأَةٍ مُزَوجَةٍ لأَجْنَبِىٍّ مِنَ الطِّفْلَ،

ــ

رحمه الله، فى «الهَدْى» ، أنَّ له الحَضانَةَ، وقال: لا يُعْرَفُ أنَّ الشَّارِعَ فرَّقَ لذلك، وأقَرَّ النَّاسَ، ولم يُبَيِّنْه بَيانًا واضِحًا عامًّا، ولاحْتِياطِ الفاسِقِ وشَفَقتِه على وَلَدِه.

قوله: ولا لامْرَأة مُزَوجَةٍ لأجْنَبِىٍّ مِن الطِّفْلِ. هذا الصَّحيحُ مِن المذهبِ مُطْلَقًا ولو رَضِىَ الزَّوْجُ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم الخِرَقِىُّ وغيرُه. وجزَم به فى

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال المُصَنِّفُ وغيرُه: هذا الصَّحيحُ. وقال ابنُ أبى مُوسى وغيرُه: العَمَلُ عليه. وأطْلَقَه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله. وعنه، لها حَضَانَةُ الجارِيَةِ. وخصَّ النَّاظِمُ وغيرُه هذه الرِّوايةَ بابْنَةِ دُونِ

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

سَبْعٍ، وهو المَروِىُّ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. وقال فى «الرِّعَايَةِ الكُبرى»: وعنه، لها حَضانَةُ الجارِيَةِ الى سَبعِ سِنِين. وعنه، حتى تَبلُغ بحَيْضٍ أو غيرِه. واخْتارَ ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله، فى «الهَدْى» ، أن الحَضانةَ لا تسْقُطُ إذا رَضِىَ الزَّوْجُ؛ بِناءً على أنَّ سقُوطَها لمُراعاةِ حقِّ الزَّوْجِ.

تنبيه: مفْهومُ قولِه: مُزَوَّجَةٍ لأجْنَبِىٍّ. أنها لو كانتْ مزَوجَةً لغيرِ أجْنَبِىٍّ، أنَّ لها الحَضانَةَ. وهو صحيحٌ. وهو المذهبُ. قال فى «الفُروعِ»: هذا الأَشْهَرُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا حَضانَةَ لها إلا إذا كانتْ مُزَوَّجَةً بجَدِّه. وقال فى «الفُروعِ» : ويتوَجهُ احْتِمالٌ، إذا كانَ الزَّوْجُ ذا رَحِمٍ، لا يسْقُطُ. وما هو ببعيدٍ.

فائدة: حيثُ أسْقَطْنا حَضانَتَها بالنِّكاحِ، فالصَّحيحُ مِن المذهبِ، أنَّه لا يُعْتَبَرُ الدُّخولُ، بل يسقُطُ حقُّها بمُجَرَّدِ العَقْدِ. قال المُصَنِّفُ: وهو ظاهرُ كلامِ

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِرَقِىِّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِىِّ وعامَّةِ الأصحابِ. وهو كما قال. قال فى «الفُروعِ» : ولا يُعْتَبَرُ الدُّخولُ، فى الأصحِّ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا أوْلَى. وقدَّمه فى «النَّظْمِ» . وقيل: يُعْتَبَرُ الدُّخولُ. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ.

ص: 475

فَإِنْ زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ، رَجَعُوا إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهَا.

ــ

تنبيه: قولُه (1): فإنْ زالَتِ المَوانِعُ، رَجَعُوا إلى حُقُوقِهم. بلا نِزاعٍ. وقد يُقالُ: شَمِلَ كلامُه ما لو طَلُقَتْ مِن الأَجْنَبِىِّ طَلاقًا رجْعِيًّا ولم تَنْقَضِ العِدَّةُ، فيرْجِعُ إليها حقُّها مِن الحَضانَةِ بمُجَردِ الطَّلاقِ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقىِّ. وهو الذى نصَّه القاضى

(1) سقط من: الأصل.

ص: 476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «تعْليقِه» ، وقطع به جُمْهورُ أصحابِه؛ كالشَّرِيفِ، وأبى الخَطَّابِ، والشِّيرَازِىِّ، وابنِ البَنَّا، وابنِ عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يرْجِعُ إليها حقُّها حتى تَنْقَضِىَ عِدَّتُها. وهى تخْرِيجٌ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ووَجْهٌ فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعَايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وقال فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى»: وَجْهان. وقيل: رِوايَتان. وصحَّحهما فى «التَّرْغيبِ» . ومالَ إليه النَّاظِمُ. قال القاضى: هو قِياسُ المذهبِ. قلتُ: وهو قَوِىٌّ. وأطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «القَواعِدِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ، وغيرِهم.

فائدتان؛ إحْداهما، نظِيرُ هذه المَسْألَةِ، لو وَقَفَ على أوْلادَه، وشرَطَ فى وَقْفِه أنَّ مَنْ تزوَّجَ مِن البَناتِ لا حقَّ له، فتَزَوَّجَتْ، ثم طَلُقَتْ. قالَه القاضى، واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ نَصْرِ اللَّهِ فى «حَواشِيه» على «الفُروعِ»: وهل مثْلُه، إذا وَقَفَ على زوْجَتِه ما دامَتْ عازِبَةً، فإنْ تزَوَّجَتْ، فلا حقَّ لها؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن؛ لاحْتِمالِ أَنْ يريدَ بِرَّها؛ حيثُ (1) ليسَ لها مَن تَلْزَمُه نفَقَتُها، كأوْلادِه،

(1) فى الأصل: «حين» .

ص: 477

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويَحْتَمِلُ أَنْ يُريدَ صِلَتَها (1)، ما دامَتْ حافِظَةً لحُرْمَةِ فِراشِه عن غيرِه، بخِلافِ الحَضانَةِ والوَقْفِ على الأوْلادِ. انتهى. قلتُ: يُرْجَعُ فى ذلك الى حالِ الزَّوْجِ عندَ الوَقْفِ، فإنْ دلَّتْ قرِينَةٌ على أحَدِهما، عُمِلَ به، وإلَّا فلا شئَ لها.

الثَّانيةُ، هل يسقُطُ حقُّها بإسْقاطِها للحَضانَةِ؟ فيه احْتِمالان، ذكَرَهما فى «الانْتِصارِ» فى مسْألَةِ الخِيارِ، هل يُورَثُ أمْ لا؟. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه كإسْقاطِ الأبِ الرُّجوعَ فى الهِبَةِ. وقال ابنُ القَيمِ، رحمه الله، فى «الهَدْى»: هل الحَضانَةُ حقُّ للحاضِنِ، أو حقٌّ عليه؟ فيه قوْلان فى مذهبِ الإِمامَيْن أحمدَ ومالِك، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، ويَنْبَنِى عليهما؛ هل لمَن له الحَضَانَةُ أَنْ يُسْقِطَها ويَنْزِلَ عنها؟ على قوْلَيْن، وأنه لا تجِبُ عليه خِدْمَةُ الوَلَدِ أيَّامَ حَضانَتِه إلا بأْجْرَةٍ إنْ قُلْنا: الحَقُّ له. وإلَّا وجَبَتْ عليه خِدْمَتُه مجَّانًا، وللفَقِيرِ الأُجْرَةُ، على القَوْلَين. قال: وإنْ وهَبَتِ الحَضانَةَ للأبِ، وقلْنا: الحَقُّ لها. لَزِمَتِ الهِبَةُ، ولم ترْجِعْ فيها، وإنْ قلْنا: الحَقُّ عليها. فلها العَوْدُ إلى طَلَبِها. قال

(1) فى الأصل: «مثلها» .

ص: 478

وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ الْأَبوَيْنِ النُّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ بَعِيد آمِن لِيَسْكُنَهُ، فَالْأَبُ أحَقُّ بِالْحَضَانَةِ. وَعَنْهُ، الأُمُّ أَحَقُّ. فَإنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ منْ ذَلِكَ، فَالْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ.

ــ

فى «الفُروعِ» : كذا قال. ثم قال فى «الهَدْى» : هذا كلُّه كلامُ أصحابِ الإِمامِ مالكٍ، رحمه الله. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وتقدَّم كلامُ ابنِ نَصْرِ اللَّهِ قريبًا.

قوله: ومتى أَرادَ أحَدُ الأبوين النُّقْلَةَ إلى بَلَد بَعِيدٍ آمِنٍ ليَسْكُنَه، فالأبُ أَحَقُّ بِالْحَضانَةِ. هذا المذهبُ؛ سواءٌ كان المُسافِرُ الأبَ أو الأمَّ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.

وعنه، الأمُّ أحقُّ. وقيد هذه الرِّوايةَ فى «المُسْتَوعِبِ» ، و «التَّرْغيبِ» بما

ص: 479

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا كانتْ هى المُقِيمَةَ. قال ابنُ مُنَجَّى، فى «شَرْحِه»: ولابدَّ مِن هذا القَيْدِ. وأكثرُ الأصحاب لم يُقَيِّدُوها (1). وقيل: المُقِيمُ منهما أحَقُّ. وقال فى «الهَدْى» : إنْ أرَادَ المُنْتَقِلُ مُضارَّةَ الآخَرِ وانْتِزاعَ الوَلَدِ (2)، لم يُجَبْ إليه، وإلَّا عُمِلَ ما فيه المَصْلَحَةُ للطِّفْلِ. قال فى «الفُروعِ»: وهذا مُتوَجِّهٌ، ولعَلَّه مُرادُ الأصحابِ، فلا مُخالفَةَ، لا سِيَّما فى صُورَةِ المُضارَّةِ. انتهى. قلتُ: أمَّا صُورَةُ المُضارَّةِ فلا شكَّ فيها، وأنَّه لا يُوافَقُ على ذلك.

تنبيه: قولُه: إلى بَلَدٍ بَعِيدٍ. المُرادُ بالبعيدِ هنا مَسافَةُ القَصْرِ. على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. وقالَه القاضى. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

(1) فى الأصل: «يقدوها» .

ص: 480

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الفُروعِ» . والمَنْصوصُ عن الإمامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه ما لا يُمْكِنُه العَودُ منه (1) فى يوْمِه. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وحَكاهما فى «المُحَرر» ، و «الحاوِى» رِوايتَيْن، وأَطْلَقاهما.

قوله: فإنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِن ذلك، فالمُقِيمُ مِنْهُما أَحَقُّ. فعلى هذا، لو أرادَ أحَدُ الأبوَيْنِ سفَرًا قريبًا لحاجَةٍ ثم يعودُ، فالمُقِيمُ أَوْلَى بالحَضانَةِ. وهو الصَّحيحُ مِن المذهبِ. جزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجى». وقدَّمه فى «الرِّعَايَةِ الكُبْرى». وقيل: الأمُّ أوْلَى. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصةِ» ،

(1) زيادة من: أ.

ص: 481

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» .

وإنْ أرادَ سفَرًا بعيدًا لحاجَةٍ ثم يعودُ، فالمُقِيمُ أوْلَى أيضًا، على المذهبِ؛ لاخْتِلالِ الشَّرْطِ، وهو السَّكَنُ. جزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وابنُ مُنَجَّى، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: الأمُّ أوْلَى. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» .

ولو أرادَ سفَرًا قريبًا للسُّكْنَى، فجزَم المُصَنِّفُ هنا، أن المُقِيمَ أحقُّ. وهو أحدُ الوَجْهَيْن. جزَم به ابنُ مُنَجَّى، فى «شَرْحِه». وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: الأمُّ أحقُّ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى

ص: 482