الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصِّيَامِ
ــ
كِتابُ الصِّيَامَ
فوائد؛ إحداها، الصَّوْمُ والصِّيامُ فى اللُّغَةِ، الإِمْساكُ. وهو فى الشَّرْعِ، عِبارَةٌ عن إمساكٍ مَخْصُوص فى وَقْتٍ مَخْصُوصٍ على وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. الثَّانيةُ، فُرِضَ رمَضانُ فى السَّنَةِ الثَّانيةِ إجْماعًا، فَصامَ عليه أفْضلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، تِسْعَ رَمَضاناتٍ إجْماعًا. الثَّالثةُ، المُسْتَحَبُّ أنْ يقولَ: شَهْرُ رَمضانَ. كما قال اللَّهُ تعالى، ولا يُكْرَهُ قَوْلُ: رَمضانُ، بإسْقاطِ شَهْر مُطْلَقًا، على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَر المُصَنِّفُ، يُكْرَهُ إلَّا مع قَرِينَةٍ. وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ وَجْهًا، يُكْرَهُ مُطْلَقًا. وفى «المُنْتَخَبِ» ، لا يجوزُ.
يَجبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، فَإِنْ لَمْ يُرَ مَعَ الصَّحْوِ، أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، ثمَّ صَامُوا. وَإن حَالَ دُونَ مَنْظرِهِ غَيْمٌ أوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَجَبَ صِيَامُهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ
ــ
قوله: وإنْ حالَ دون مَنْظَرِه غَيْمٌ أو قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلاِثِين، وجَب صِيامُهُ بِنيَّةِ
فِى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ، لَا يَجِبُ. وَعَنْهُ، النَّاسُ تَبَعٌ لِلْإِمَام، فَإِنْ صَامَ صَامُوا.
ــ
رمَضانَ فى ظاهِرِ المذهبِ. وهو المذهبُ عندَ الأصحابِ، ونصَرُوه، وصنَّفوا فيه التَّصانيفَ، ورَدُّوا حُجَجَ المُخالفِ، وقالوا: نُصوصُ أحمدَ تدُلُّ عليه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهب. وعنه، لا يجِبُ صوْمُه قبلَ رُويَةِ هِلالِه، أو إكْمالِ شَعْبانَ ثَلاِثين. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هذا مذهبُ أحمدَ المَنْصُوصُ الصَّريحُ عنه. وقال: لا أصْلَ للوُجوبِ فى كلامِ الإِمامِ أحمدَ، ولا فى كلامِ أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ. ورَدَّ صاحِبُ «الفُروعِ» جميعَ ما احْتَجَّ به الأصحابُ للوُجوبِ، وقال: لم أجِدْ عن أحمدَ صرِيحًا بالوُجوبِ، ولا أمرَ به، فلا يتَوجَّهُ إضافَتُه إليه. واخْتارَ هذه الرِّوايةَ أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقيل. ذكَرَه فى «الفائقِ» . واخْتارَها صاحِبُ «التَبصِرَةِ» . قاله فى «الفُروعِ» . واخْتارهَا الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ وأصحابُه؛ منهم صاحِبُ «التَّنْقيحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم. وصحَّحَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . فعلى هذه الروايةِ، يُباحُ صَوْمُه. قال فى «الفائقِ»: اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقيل: بل يُسْتَحَبُّ. قال الزَّرْكَشِىُّ: اخْتارَه أبو العَبَّاسِ. انتهى. قال فى «الاخْتِياراتِ» : وحُكِىَ عن أبى العَبَّاسِ، أنَّه كان يمِيلُ أخِيرًا إلى أنَّه لا يُسْتَحَبُّ صوْمُه. انتهى. وعنه، النَّاسُ تَبَعٌ للإِمامِ، فإنْ صامَ صامُوا، وإلَّا فلا. فيتَحرَّى فى كَثْرَةِ كَمالِ الشُّهورِ ونَقْصِها، وإخْبارِه بمَن لا يُكْتَفى به، وغيرِ ذلك مِنَ القَرائنِ، ويعْمَلُ بظَنِّه. وقيل: إلا المُنْفَرِدَ برُؤْيَتِه، فإنَّه يصُومُه، على الأصحِّ. وقيل: النَّاسُ تَبَعٌ للإِمامِ فى الصَّوْمِ والفِطْرِ، إلَّا المُنْفَرِدَ برُؤْيَتِه، فإنَّه يصومُه. حكَى هذين القَوْلَيْن صاحبُ «الرِّعايَةِ». قلت: المذهبُ وجوبُ صومَ المُنْفَرِدِ برؤيَتِه، على ما يأتِى فى كلامَ المُصَنِّفِ قَريبًا. وعنه، صَوْمُه مَنْهِى عنه. قالَه فى «الفُروعِ». وقال: اخْتارَه أبو القاسِمِ ابنُ مَنْدَهَ الأصْفَهانِىُّ (1)، وأبو الخَطَّاب، وابنُ عَقيل، وغيرُهم. قال الزركَشِىُّ: وقد قيلَ: إنَّ هذا اختِيارُ ابنِ عَقيلٍ، وأدبَ الخَطَّاب، فى «خِلافَيْهما». قال: والذى نَصَره أبو الخَطَّابِ فى «الخِلافِ الصَّغيرِ» كالَأوَّلِ، وأصْلُ هذا فى الكَبيرِ. انتهى. فعلى هذه الرِّوايَةِ، قيلَ: يُكْرَهُ صَوْمُه. وذكَرَه ابنُ عَقيلٍ رِوايةً. وقيل: النَّهْىُ للتَّحْريمِ. ونقَلَه حَنْبَلٌ. ذكَرَه القاضِى. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الفائقِ» ، فقال: وإذا لم يجِبْ، فهل هو مُباحٌ، أو مَنْدُوبٌ، أو مَكْرُوهٌ، أو مُحَرَّمٌ؟ على أرْبَعةِ أوْجُهٍ، اخْتارَ شيْخُنا الأوَّلَ. انتهى.
(1) عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق ابن منده العبدى الأصبهانى، أبو القاسم، الإمام المحدث، صاحب المصنفات. توفى سنة سبعين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء 18/ 349 - 354.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال بعضُ الأصحابِ: يَجِئُ فى صِيامِه الأحْكامُ الخَمْسَةُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وقوْلٌ سادِسٌ بالتَّبَعِيَّةِ. وعَمِلَ ابنُ عَقيلٍ فى مَوْضِع مِنَ «الفُنونِ» بعادَةٍ غالِبَةٍ، كمُضِىِّ شَهْرَيْن كامِلَيْن، فالثَّالثُ ناقِصٌ. وقال: هو مَعْنَى التَّقْديرِ. وقال أيضًا: البُعْدُ مانِعٌ كالغَيْمِ، فيَجِبُ على كُل حَنْبَلِىٍّ يصومُ مع الغَيْمِ أنْ يصُومَ مع البُعْدِ؛ لاحْتِمالِه. وقال أيضًا: الشُّهورُ كلُّها مع رَمضانَ فى حقِّ المَطْمُورِ، كاليَوْمِ الذى يُشَكُّ فيه مِنَ الشَّهْرِ فى التَّحَرُّزِ، وطَلَبِ التَّحْقيقِ، ولا أحَدَ قال بوُجوبِ الصَّوْم، بل بالتَّأخِيرِ؛ ليقَعَ أداءً أو قَضاءً، كذا لا يجوزُ تقْديمُ صَوْمٍ لا يتَحَقَّقُ مِن رمَضانَ. وقال فى مَكانٍ آخَرَ: أو يَظُنُّه، لقَبُولِنا شَهادَةَ واحدٍ.
تنبيه: فعلَى قوْلِ الأصحابِ، يجوزُ صَوْمُه بنِيَّةِ رَمضانَ، حُكْمًا ظَنِّيًّا بوُجوبِه احْتِياطًا، ويُجْزئُ. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يَنْوِيه حُكْمًا جازِمًا بوُجوبِه. وذكَرَه ابنُ أبى مُوسَى عن بعضِ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: حُكِىَ التَّمِيمِىِّ. فعلى المُقدَّمِ، وهو الصَّحيحُ، ويُصَلِّى التَّراويحَ. على أصحِّ الوَجْهَيْن. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، والقاضِى، وجماعَةٌ، منهم وَلَدُه القاضِى أبو الحُسَيْنِ. قال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، فى صَلاةِ التَّطَوُّعِ، وصاحِبُ «الحاوِى الكَبيرِ»: هذا الأقْوَى عندِى. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : هو أشْبَهُ بكلامِ أحمدَ فى رِوايَةِ الفَضْلِ، القِيامُ قبلَ الصِّيامِ احْتِياطًا لسُنَّةِ قِيامِه، ولا يتَضَمَّنُ مَحْذُورًا، والصَّوْمُ نُهِىَ عن تَقَدُّمِه. قال فى «تَجْريدِ العِنايَةِ»: ويُصَلِّى التَّراوِيحَ لَيْلَتئذٍ فى الأظْهَرِ. قال ابنُ تَميمٍ: فُعِلَتْ فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحَّ الوَجْهَيْن. قال ابنُ الجَوْزِىِّ: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، واخْتِيارُ أكثرِ مشايخِنا المُتَقدِّمِين. ذكَرَه فى كتاب «دَرْءِ اللَّوْمِ والضَّيْمِ فى صَوْمِ يَوْمِ الغَيْمِ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا يُصَلِّى التَّراويحَ؛ اقْتِصارًا على النَّصِّ. اخْتارَه أبو حَفْصٍ، والتَّميمِيُّونَ وغيرُهم. وجزَم به ابنُ عَبْدُوس فى «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «المُنَوِّرِ». وصحَّحَه فى «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ». قال فى «التَّلْخِيصِ»: وهو أظْهَرُ. قال النَّاظِمُ: هو أشْهَرُ القَوْلَيْن. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ الهِدايَةِ» ، و «الرِّعايتَيْنِ» ، و «الحاوِى الصَّغيرِ» و «الفَائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، وهو ظاهِرُ «الفُروعِ» . وأمَّا بقِيَّةُ الأحْكامِ؛ مِن حُلولِ الآجالِ، ووُقوعِ المُتَعَلَّقاتِ، وانْقِضاءِ العِدَدِ، ومُدَّةِ الإيلاءِ، وغيرِ ذلك، فلا يَثْبُتُ منها شئٌ، على الصَّحيحِ عندَهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: هو أشْهَرُ. وذكَر القاضِى احْتِمالًا، تَثْبُتُ هذه الأحْكامُ كما يثْبُتُ الصَّوْمُ وتوابِعُه، وتَبْيِيتُ النِّيَّةِ، ووُجوبُ الكفَّارةِ بالوَطْءِ فيه، ونحوُ ذلك. قال فى «القَواعِدِ»: وهو ضَعيفٌ. قال الزَّرْكَشىُّ: هما احْتِمالَان للقاضِى فى «التَّعْلِيقِ» ، وأطْلَقهما. وعلى رِوايَةِ أنَّه يَنْوِيه حُكْمًا جازمًا بوُجُوبِه، يُصَلِّى التَّراويحَ أيضًا، على الصَّحيحِ. وجزَم به أكثرُ الأصحابِ. وقيل: لا يُصَلِّى.
فائدة: قال فى «المُسْتَوْعِبِ» : فإنْ غُمَّ هِلالُ شَعْبانَ وهِلالُ رَمضانَ جميعًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فعلى الرِّوايَةِ الأوَّلَةِ، وهى المذهبُ عندَ الأصحابِ، يجِبُ أنْ يُقَدِّرُوا رَجَبًا وشَعْبانَ ناقِصَيْن، ثم يصُومُوا، ولا يُفْطِرُوا حتى يَرَوْا هِلالَ شَوَّالٍ، أو يُتِمُّوا صَوْمَهم اثْنَيْن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وثَلاثينَ يوْمًا. وعلى هذا فَقِسْ إذا غُمَّ هِلالُ رَجَبٍ وشَعْبانَ ورَمضانَ. ويأْتِى هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بأَتَمَّ مِن هذا عندَ قوْلِه: وإنْ صامُوا لأجْلِ الغَيْمِ، لم يُفْطِرُوا.
وَإذَا رُئِىَ الْهِلَالُ نَهَارًا، قَبْلَ الزَّوَالِ أوْ بَعْدَهُ، فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ.
ــ
قوله: وإِذا رُئِىَ الهِلالُ نَهارًا، قبلَ الزَّوالِ وبعدَه، فهو لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ. هذا المذهبُ، سواء كان أوَّلَ الشَّهْرِ أو آخِرَه. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: هذا المَشْهُورُ. قال الزَّرْكَشىُّ: هذا المذهبُ. فعَليْه، لا يجِبُ به صَوْمٌ، ولا يُباحُ به فِطْر. وعنه، إذا رُئِىَ بعدَ الزَّوالِ، فهو لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ، وقبلَ الزَّوالِ للماضِيَةِ. اخْتارَه أبو بَكْر، والقاضِى. وقدَّمه فى «الفائقِ» . وعنه، إذا رُئِىَ بعدَ الزَّوالِ آخِرَ الشَّهْرِ فهو لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ، وإلَّا لِلَّيْلَةِ الماضِيَةِ. قال فى «المُذْهَبِ»: فأمَّا إذا رُئِىَ فى آخِرِه قبلَ الزَّوالِ، فهو
وَإذَا رَأى الْهِلَالَ أهْلُ بَلَدٍ، لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمُ الصَّوْمُ.
ــ
لِلْماضِيَةِ. قوْلًا واحدًا. وإنْ كان بعدَ الزَّوالِ، فعلى رِوايتَيْن. انتهى. وعنه، إذا رُئِىَ قبلَ الزَّوالِ وبعدَه آخِرَ الشّهْرِ، فهو لِلَّيْلَةِ المُقْبِلَةِ، وإلَّا لِلَّيْلَةِ الماضِيَةِ.
قوله: وإذا رأى الهِلالَ أهْلُ بَلَدٍ، لَزِم النَّاسَ كُلَّهم الصَّوْمُ. لا خِلافَ فى لُزومِ الصَّوْمِ على مَن رآه، وأمَّا مَن لم يَرَه، إن كانتِ المَطالِعُ مُتَّفِقَةً، لَزِمَهم الصَّوْمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أيضًا، وإن اخْتَلَفَتِ المَطالِعُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، لُزومُ الصَّوْمِ أيضًا. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايَةِ». وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال فى «الفائقِ»: والرُّؤْيَةُ ببَلَدٍ تَلْزَمُ المُكَلَّفِين كافَّةً. وقيل: تَلْزَمُ مَن قارَبَ مَطْلَعَهم. اخْتارَه شيْخُنا، يعْنى به الشيْخَ تَقِىَّ الدِّينِ. وقال فى «الفُروعِ»: وقال شَيْخُنا، يعْنِى به الشيْخَ تَقِىُّ الدِّينِ: تَخْتلِفُ المَطالِعُ باتِّفاقِ أهْلِ المَعْرِفَةِ؛ فإنِ اتَّفقَتْ لَزِمَ الصَّوْمُ، وإلَّا فلا. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويَلْزَمُ مَن لم يَرَه حُكْمُ مَن رَآه. ثم قال: قلت: بل هذا مع تَقارُبِ المَطالِعِ واتِّفاقِها، دونَ مسَافَةِ القَصْرِ لا فِيما فوْقَها، مع اخْتِلافِها. انتهى. فاخْتارَ أنَّ البُعْدَ مَسافةُ القَصْرِ، وفرَّع فيها على المذهب وعلى اختِياره، فقال: لو سافَرَ مِن بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إلى بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ ليْلَةَ السَّبْتِ، فبَعُدَ، وتَمَّ شهْرُه ولم يَرَوُا الهِلالَ، صامَ معهم. وعلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ، يُفْطِرُ، فإنْ شَهِدَ به وقُبِلَ قَوْلُه، أفْطروا معه، على المذهبِ. وإنْ سافرَ إلى بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ ليْلَةَ الجُمُعَةِ مِن بلَدٍ الرويَةُ ليْلَةَ السَّبْتِ، وبَعُدَ، أَفْطَرَ معهم، وقضَى يوْمًا، على المذهبِ، ولم يُفْطِرْ على الثَّانى، ولو عَيَّدَ ببَلَدٍ بمُقْتَضَى الرُّؤْيَةِ ليْلَةَ الجُمُعَةِ فى أوَّلِه، وسارَتْ سفِينَةٌ أو غيرُها سرِيعًا فى يوْمِه إلى بلَدٍ الرُّؤْيَةُ ليْلَةَ السَّبْتِ، وبَعُدَ، أمْسَكَ معهم بقِيَّةَ يوْمِه، لا على المذهبِ. انتهى. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.
وَيُقْبَلُ فى هِلَالِ رَمَضَانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُقْبَلُ فى سَائِرِ الشُّهُورِ إِلَّا عَدْلَانِ.
ــ
قال: وما ذكَرَه على المذهبِ واضِحٌ، وعلى اخْتِياره فيه نظَرٌ؛ لأنَّه فى الأُولَى اعْتبَرَ حُكْمَ البَلَدِ المُنْتقِلِ إليه؛ لأنَّه صارَ مِن جُمْلتِهم، وفى الثَّانيةِ اعْتَبَر حُكْمَ المُنْتَقِلِ منه؛ لأنَّه الْتزَمَ حُكْمَه. انتهى.
قوله: ويُقْبَلُ فى هِلالِ رَمَضانَ قَوْلُ عَدْلٍ وَاحدٍ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: ويَثْبُتُ بقَوْلِ عَدْلٍ واحدٍ. وقيل: حتى مع غَيْمٍ وقَتَرٍ. فظاهِرُه، أنَّ المُقَدَّمَ خِلافُه. قال فى «الفُروعِ»: والمذهبُ التَّسْوِيَةُ. وعنه، لا يُقْبَلُ فيه إلَّا عَدْلان كبَقِيَّةِ الشُّهورِ. واخْتارَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبو بَكْرٍ، أنَّه إنْ جاءَ مِن خارجِ المِصْرِ، أو رَآه فى المِصْرِ وحْدَه، لا فى جماعةٍ، قُبِلَ قَوْلُ عَدْلٍ واحِدٍ، وإلَّا اثْنان، وحكَى هذه رِوايةً. قال فى «الرِّعايَةِ»: وقيل عنه: إنْ جاءَ مِنْ خارِجِ المِصْرِ، أو رَآه فيه لا فى جَمْعٍ كثير، قُبِلَ، وإلَّا فلا. فقال فى هذه الرِّوايَةِ: لا فى جَمْعٍ كثير. ولم يقُلْ: وإلَّا اثْنان. فعلى المذهبِ، هو خَبَرٌ لا شَهادَةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. فيُقْبَلُ قَوْلُ عَبْدٍ وامْرأةٍ واحدَةٍ. وقال فى «المُبْهِجِ»: أمَّا الرُّؤْيَةُ، فَيصُومُ النَّاسُ بشَهادَةِ الرَّجُلِ العَدْلِ أو امْرأتَيْن. فظاهِرُه، أنَّه لا يُقْبَلُ قوْلُ امرأةٍ واحدةٍ. ويأْتِى الخِلافُ فيها. وعلى المذهبِ أيضًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يخْتَصُّ بحاكمٍ، بل يَلْزَمُ الصَّوْمُ مَن سَمِعَه مِن عَدْلٍ. قال بعضُ الأصحابِ: ولو رَدَّ الحاكمُ قوْلَه. وقال أبو البَقاءِ: إذا رُدَّتْ شَهادَتُه ولَزِمَ الصَّوْمُ، فأخْبرَه غيرُه، لم يَلْزَمْه بدُونِ ثُبوتٍ. وقيل: إنْ وَثِقَ إليه لَزِمَه. ذَكَرَه ابنُ عَقيلٍ. فعلى المذهبِ، لا يُعْتَبرُ لفْظُ الشَّهادَةِ. وذكَر القاضِى فى شَهادَةِ القاذِفِ، أنَّه شهادَةٌ لا خبَرٌ، فَتَنْعَكِسُ هذه الأحْكامُ، وذكَر بعضُهم وَجْهَيْن، هل هو خَبَرٌ أو شَهادَةٌ؟ وقال فى «الرِّعايَةِ»: وفى المَرْأةِ والعَبْدِ، إذا قُلْنا: يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ، وَجْهان. وأطْلَقَ فى قَبُولِ قَوْلِ المرْأةِ الواحدةِ، إذا قُلْنا: يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ واحدٍ، الوجْهَيْن فى «الرِّعايَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصُّغْرَى»، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ». وقال فى «الكافِى»: يُقْبَلُ العَبْدُ؛ لأنَّه خَبَرٌ، وفى المَرْأةِ وَجْهان؛ أحدُهما، يُقْبَل؛ لأنَّه خَبَرٌ. والثَّانى، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّ طرِيقَه الشَّهادَةُ، ولهذا لا يُقْبَلُ فيه شاهِدُ الفَرْعِ مع إمْكانِ شاهدِ الأصْلِ، ويطَّلِعُ عليه الرِّجالُ؛ كهِلالِ شَوَّالٍ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، أنَّه لا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِىِّ المُمَيِّزِ والمَسْتُورِ. وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ، وقطَع به أكثرُهم. وقال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ فى المَسْتُورِ والمُمَيِّزِ الخِلافُ.
فائدة: إذا ثبَت الصَّوْمُ بقَوْلِ عَدْلٍ، ثبَتَتْ بقِيَّةُ الأحْكام. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، فى مسْألَةِ الغَيْمِ. وقطَع به فى «القاعِدَةِ الثَّالثةِ والثَّلاثِين بعدَ المائةِ». وقال: صرَّح به ابنُ عَقيلٍ فى «عُمَدِ الأدِلَّةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال القاضِى فى مسْألَةِ الغَيْمِ، مُفَرِّقًا بينَ الصَّوْمِ وبينَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غيرهِ: قد يُثْبِتُ الصَّوْمَ ما لا يُثْبِتُ الطَّلاقَ والعِتْقَ ويحِلُّ الدَّيْنَ، وهو شَهادةُ عَدْلٍ. ويأْتِى إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى، إذا علَّق طلاقَها بالحَمْلِ، فشَهِدَ به امْرأَةٌ.
قوله: ولا يُقْبَلُ فى سائِر الشُّهُورِ إلَّا عَدْلان. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطعَ به أكثرُهم. وحَكَاه التِّرْمِذِىُّ إجْماعًا (1). وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وعنه،
(1) انظر: عارضة الأحوذى 3/ 207.
وَإذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ. اثْنَيْنِ ثَلَاِثينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ، أَفْطَرُوا. وَإنْ صَامُوا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
يُقْبَلُ فى هِلالِ شوَّالٍ عَدْلٌ واحدٌ بمَوْضعٍ ليس فيه غيرُه. فعلى المذهبِ، قال الزَّرْكَشِىُّ: قَوْلُه: بشَهادةِ عَدْلَيْن. يُحْتَملُ عندَ الحاكِم، ويُحْتَملُ مُطْلَقًا. وبه قطَع أبو محمدٍ، فجوَّز الفِطْرَ بقَوْلِهما لمَن يعْرِفُ حالهما، ولو رَدَّهما الحاكمُ لجَهْلهِ بهما، ولكُلِّ واحدٍ منهما الفِطْرُ. انتهى.
قوله: وإذَا صَامُوا بشَهَادَةِ اثنين ثَلاِثين يَوْمًا فلم يَرَوُا الهِلالَ، أفْطَروا. وهو المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ مِنهُم. وقيل: لا يُفْطِرون مع الصَّحْوِ. وصحَّحَه فى «الحاوِيَيْن» . قال فى «الفُروعِ» : اخْتارَه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، وأبو محمدٍ ابنُ الجَوْزِىِّ؛ لأنَّ عدَمَ الهِلالِ يَقِين، فيُقدَّمُ على الظَّنِّ، وهو الشَّهادَةُ. انتهى. قلتُ: ليس كما قال عن صاحِبِ «المُسْتَوْعِبِ» ؛ فإنَّ صاحِبَ «المُسْتَوْعِبِ» قطَع بالفِطْرِ؛ فقال: وإنْ صامُوا بشَهادةِ عَدْلَيْن، أفْطَروا، وَجْهًا واحدًا.
قوله: وإنْ صَامُوا بِشَهادَةِ وَاحَدٍ، فعلى وَجْهَيْن. عندَ الأكثرِ. وقيل: هما رِوايَتان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطْلقَهما فى «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» ؛ أحدُهما، لا يُفْطِرُون. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وصحَّحَه فى «التَّصْحِيحِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «النَّظْمِ». واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه». قال فى «القَواعِدِ»: أشْهَرُ الوَجْهَيْن لا يُفْطِرُون. انتهى. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «الفُصولِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّانى، يُفْطِرُون. اخْتارَه أبو بَكْر، وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «التَّسْهِيلِ» ، وظاهرُ كلامِه فى «الحاوِييْن» ، أنَّ على هذا الأصحابَ، فإنَّه قال فيهما: ومَن صامَ لشَهادَةِ اثْنَيْن ثَلاِثين يوْمًا، ولم يَرَه مع الغَيْمِ، أفْطَرَ، ومع الصَّحْوِ، يصُومُ الحادِىَ والثَّلاثِين. هذا هو الصَّحيحُ. وقال أصحابُنا: له الفِطْرُ بعدَ إكْمالِ الثَّلاثِين، صَحْوًا كان أو غَيْمًا، وإنْ صامَ بشَهادةِ واحدٍ، فعلى ما ذكَرْنا فى شَهادَةِ اثْنَيْن. وقيلَ: لا يُفْطِرُ بحالٍ. انتهى. وقيل: لا يُفْطِرُون إذا صامُوا بشَهادةِ واحدٍ، إلَّا إذا كان آخِرَ الشَّهْرِ غيْمٌ.
وَإنْ صَامُوا لأَجْلِ الْغَيْمِ، لَمْ يُفْطِرُوا. وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ،
ــ
قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : وهذا أحْسَنُ إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى. واخْتارَه فى «الحاوِيَيْن» .
قوله: وإنْ صَامُوا لأجْلِ الغَيْمِ، لم يُفْطِرُوا. وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم. وقيل: يُفْطِرُون. وقال فى «الرِّعايَةِ» : قلتُ: إنْ صامُوا جَزْمًا مع الغَيْمِ أو القَتَرِ، أَفْطَرُوا، وإلَّا فلا. قلتُ: وكِلا القَوْلَيْن ضَعيفٌ جِدًّا، فلا يُعْمَلُ بهما. فعلى المذهبِ، إنْ غُمَّ هلالُ شَعْبانَ، وهِلالُ رَمَضانَ، فقد يُصامُ اثْنان وثَلاثُون يوْمًا؛ حيثُ نقَصْنا رجبًا وشَعْبانَ، وكانا كامِلَيْن. وكذا الزِّيادةُ إنْ غُمَّ هِلالُ رَمضانَ وشَوَّالٍ، وأكمَلْنا شَعْبانَ ورَمضانَ، وكانا ناقِصَيْن. قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: وعلى هذا فقِسْ. قال فى «الفُروعِ» : وليس مُرادُه مُطْلَقًا.
فائدة: لو صامُوا ثَمانيةً وعِشْرين، ثم رأَوْا هِلالَ شوَّالٍ، أفْطَروا قَطْعًا، وقضَوْا يوْمًا فقط. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ونقَلَه حَنْبَلٌ. وجزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ويتَوجَّهُ تخْريجٌ واحْتِمالٌ. يعْنِى، أنَّهم يقْضُون يوْمَيْن.
قوله: ومَن رأى هِلالَ رَمَضانَ وحْدَه ورُدَّتْ شَهادَتُه، لَزِمَه الصَّوْمُ. وهذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونَقَل حَنْبَلٌ، لا يَلْزمُه الصَّوْم. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قال الزَّرْكَشِىُّ، وصاحِبُ «الفائِق»: هذه الرِّوايَةُ أنَصُّهما عن أحمدَ. فعلى المذهبِ، يَلْزَمُه حُكْمُ رَمَضانَ، فيقَعُ طلاقُه وعِتْقُه المُعَلَّقُ بهِلالِ رَمَضانَ، وغيرُ ذلك مِن خَصائصِ الرَّمَضانِيَّةِ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيَةِ، قال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَتْين» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم: لا يَلْزَمُه شئٌ. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» ، أنَّه يَلْزَمُه جمعُ الأحْكامِ، خَلا الصِّيامَ على هذه الرِّوايَةِ. ويأْتِى فى بابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ، عندَ قوْلِه: وإنْ جامَعَ فى يوْم رأَى الهِلالَ فى لَيْلَتِه، ورُدَّتْ شَهادَتُه. بعضُ ما يتَعلَّقُ بذلك. فعلى الأُولَى، هل يُفْطِرُ يوْمَ الثَّلاِثين مِن صِيام النَّاسِ؛ لأنَّه قد كَمَّلَ العِدَّةَ فى حقِّه، أم لا يُفْطِرُ؟ فيه وَجْهان. ذكرَهُما أبو الخَطَّابِ، وقال فى «الرِّعايَتَيْن» ، وتابعَه فى «الفائِق»: قلتُ: فعلَى الأوَّلَةِ، هل يُفْطِرُ مع النَّاسِ، أو قبلَهم؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. وأطْلقَ الوَجْهَين فى «الفُروعِ». وقال: ويتَوجَّهُ عليهما وُقوعُ
وَإنْ رَأى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، لَمْ يُفْطِرْ.
ــ
طَلاقِه، وحَلُّ دَيْنِه المُعَلَّقَيْن به. وقال فى «الرِّعايَةِ»: قلتُ: فعلى الأَوَّلَةِ يقَعُ طَلاقُه، ويحِلُّ دَيْنُه المُعَلَّقان به. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقَواعِدُ الشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ تَقْتَضِى أنَّه لا يُفْطِرُ إلَّا مع النَّاسِ، ولا يَقَعُ طَلاقُه المُعَلَّقُ، ولا يحِلُّ دَيْنُه. وتقدَّم إذا قُلْنا: يُقْبَلُ قَوْلُ عَدْلٍ واحدٍ. أنَّه خَبَرٌ لا شَهادَةٌ، فَيلْزَمُ مَن أخْبرَه الصَّوْمُ.
قوله: وإنْ رأَى هِلالَ شَوَّالٍ وَحْدَه، لم يُفْطِرْ. هذا المذهبُ، نقَلَه الجماعةُ عن أحمدَ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال أبو حَكيمٍ: يتَخرَّجُ أنْ يُفْطِرَ. واخْتارَه أبو بَكْرٍ. قال ابنُ عَقِيلٍ: يجِبُ الفِطْرُ سِرًّا. وهو حَسَنٌ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فى مَن رأَى هِلالَ شَوَّالٍ وحدَه: وعنه، يُفْطِرُ. وقيلَ: سِرًّا. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : لا يجوزُ إظْهارُ الفِطْرِ إجْماعًا. قال القاضِى: يُنْكَرُ على مَن أكَل فى رَمضانَ ظاهِرًا، وإنْ كان هناك عُذْرٌ. قال فى «الفُروعِ»: فظاهِرُه المَنْعُ مُطْلقًا. وقيل لابنِ عَقيلٍ: يجِبُ مَنْعُ مُسافِرٍ ومَريضٍ وحائضٍ مِنَ الفِطْرِ ظاهِرًا؛ لِئَلَّا يُتَّهَمَ؟ فقال: إنْ كانتْ أعْذارٌ خَفِيَّةٌ، يُمْنَعُ مِن إظْهارِه؛ كمَريضٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا أمارَةَ له، ومُسافرٍ لا عَلامَةَ عليه.
تنبيه: قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: والنِّزاعُ فى أصْلِ المَسْأَلةِ مَبْنىٌّ على أصْلٍ، وهو أنَّ الهِلالَ، هل هو اسْمٌ لِمَا يطْلُعُ فى السَّماءِ وإنْ لم يَشْتَهِرْ ولم يَظْهَرْ، أو أنَّه لا يُسَمَّى هِلالًا إلَّا بالظُّهورِ والاشْتِهارِ، كما يدُلُّ عليه الكِتابُ، والسُّنَّةُ، والاعْتِبارُ؟ فيه قوْلان للعُلَماءِ، هما رِوايَتان عن أحمدَ.
فائدتان؛ إحْداهما، قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: المُنْفَرِدُ بمَفازَةٍ ليس بقُرْبِه
وَإِذَا اشْتَبَهَتِ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ، تَحَرَّى وَصَامَ، فَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ،
ــ
بلَدٌ، يَبْنِى على يَقِينِ رُؤْيَتِه؛ لأنَّه لا يتَيَقَّنُ مُخالَفَةَ الجماعَةِ، بل الظَّاهِرُ الرُّؤْيَةُ بمَكانٍ آخَرَ. الثَّانيةُ، لو رَآه عدْلان، ولم يَشْهَدا عندَ الحاكِم، أو شَهِدا فرَدَّهُما لجَهْلِه بحالِهما، لم يجُزْ لأحَدِهما، ولا لمَن عرَف عَدالتَهما، الفِطْرُ بقَوْلِهما، فى قِياسِ المذهبِ. قالَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ؛ لِمَا فيه مِنَ الاخْتِلافِ، وتَشْتِيتِ الكَلِمَةِ، وجَعْلِ مَرْتَبَةِ الحاكِم لكُلِّ إنْسانٍ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزَم المُصنِّفُ، والشَّارِحُ بالجَوازِ. [وهو الصَّوابُ](1).
قوله: وإذا اشْتَبَهَتِ الأشْهُرُ على الأسِيرِ، تَحَرَّى وصامَ، فإنْ وافَقَ الشَّهْرَ، أو ما بعدَه، أجْزَأَه. إنْ وافقَ صَوْمُ الأسيرِ ومَن فى مَعْناه، كالمَطْمُورِ ومَن بِمَفازَةٍ
(1) زيادة من: ش.
أَو ما بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ.
ــ
ونحوِهم، شَهْرَ رَمَضانَ، فلا نِزاعَ فى الإِجْزاءِ، وإنْ وافقَ ما بعده، فَتارَةً يُوافِقُ رَمَضانَ القابِلَ، وتارةً يُوافِقُ ما قبلَ رَمَضانَ القابِلِ؛ فإنْ وَافقَ ما قبلَ رَمَضانَ القابِلِ، فلا نِزاعَ فى الإِجْزاءِ، جزَم المُصَنِّفُ، لكِنْ إنْ صادَفَ صَوْمُه شَوَّالًا أو ذا الحِجَّةِ، صامَ بعدَ الشَّهْرِ يَوْمًا مَكانَ يَوْمِ العيدِ، وأرْبَعًا إنْ قُلْنا: لا تُصامُ أيَّامُ التَّشْريقِ. ويأْتِى ما إذا صامَ شهْرًا كامِلًا عن رَمَضانَ، وكان أحَدُهما ناقِصًا، فى بابِ ما يُكْرَهُ وما يُسْتَحَبُّ. وإنْ وافَقَ رَمَضانَ السَّنَةَ القابِلَةَ، فقال المَجْدُ فى «شَرْحِهِ»: قِياسُ المذهبِ، لا يُجْزِئُه عن واحدٍ منهما إنِ اعْتَبرْنا نِيَّةَ التَّعْيينِ، وإنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم نَعْتَبِرْها، وقَع عن رَمَضانَ الثَّانِى، وقضَى الأوَّلَ. واقْتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» .
قوله: وإنْ وافَقَ قبلَه، لم يُجْزِئْه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الفائقِ»: قلتُ: وتتَوَجَّهُ الصِّحَّةُ، بناءً على أنَّ فَرْضَه اجْتِهادُه. فعلى المذهبِ، لو صامَ شَعْبانَ ثَلاثَ سِنين مُتوالِيَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ بذلك، صامَ ثلاثَةَ أشْهُرٍ، شَهْرًا على إثْرِ شَهْرٍ، كالصَّلاةِ إذا فاتَتْه. نقَلَه مُهَنَّا، وذكَرَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال فى «الفُروعِ» : ومُرادُهم، واللَّهُ أعلمُ، أنَّ هذه المَسْأَلَةَ كالشَّكِّ فى دُخولِ وَقْتِ الصَّلاةِ، على ما سبَق. وسبَق فى بابِ النِّيَّةِ، تصِحُّ نِيَّةُ القَضاءِ بِنيَّةِ الأداءِ وعَكْسُه، إذا بانَ خِلافُ ظَنِّه للعَجْزِ عنها. انتهى.
فائدة: لو تحَرَّى وشَكَّ، هل وقَع صَوْمُه قبلَ الشَّهْرِ أو بعدَه؟ أجْزَأَه، كمَن تحَرَّى فى الغَيْمِ وصلَّى. ولو صامَ بلا اجْتِهادٍ، فحُكْمُه حكْمُ مَن خَفِيَتْ عليه
وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ إِلَّا عَلَى الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا صَبِىٍّ،
ــ
القِبْلَةُ، على ما تقدَّم. ولو ظَنَّ أنَّ الشَّهْرَ لم يدْخُلْ فَصامَ، ثم تَبَيَّنَ أنَّه كان دخَل، لم يُجْزِئْه. وسبَق فى القِبْلَةِ وَجْهٌ بالإِجْزاءِ. فكذا هنا. ولو شَكَّ فى دُخولِه، فكما لو ظَنَّ أنَّه لم يدْخُلْ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. ونَقل مُهَنَّا، إنْ صامَ لا يدْرِى هو رَمَضانَ أوْ لا؟ فإنَّه يَقْضِى إذا كان لا يدْرِى. ويأتِى ما يتَعلَّقُ بالقضَاءِ فى بَابِه.
قوله: ولا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا على المُسْلِم العاقِلِ البالِغ القادِرِ على الصَّوْمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
احْتَرَزَ مِن غيرِ القادِرِ، كالعاجِزِ عنِ الصَّوْمِ لِكبر أو مَرضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُه، وما فى مَعْناه، على ما يأْتِى إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
قوله: ولا يَجِبُ علَى كافرٍ ولا مَجْنُونٍ. تقدَّم حُكْمُ الكافرِ فى كتابِ الصَّلاةِ. والرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ إجْماعًا، فلو ارْتَدَّ فى يَوْمٍ، ثم أسْلَمَ فيه أو بعدَه، أو ارْتَدَّ فى ليْلَةٍ، ثم أسْلَمَ فيها، فجزَم المُصَنِّفُ وغيرُه بقَضائِه. وقال المَجْدُ: يَنْبَنِى على الرِّوايتَيْن فيما إذا وُجِدَ المُوجِبُ فى بعضِ اليومِ، فإنْ قُلْنا: يجِبُ. وجَب هنا، وإلَّا فلا. وأمَّا المَجْنُونُ، فَيأْتِى حُكْمُه بعدَ ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ولا صَبِىٍّ. يعْنِى، لا يجِبُ الصَّوْمُ عليه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهِبِ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، قال القاضِى: المذهَبُ عِندى، روايَةً واحِدَةً، لا يجبُ الصَّوْمُ حتى يَبْلُغَ. وعنه، يجِبُ على المُمَيِّزِ إنْ أَطاقَه، وإلَّا فلا. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبى مُوسَى، وأطْلَقهما فى «الحاوِيَيْن» . وأطْلقَ فى «التَّرْغِيبِ» ، وجْهَين. وأطْلَق ابنُ عَقيلٍ الرِّوايتَيْن، ومُرادُهم، إذا كانَ مُمَيِّزًا، كما صرَّح به جماعةٌ.
وَلَكِنْ يُؤْمَرُ بِهِ إِذَا أَطَاقَهُ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ لِيَعْتَادَهُ.
ــ
وعنه، يجِبُ على مَن بلَغ عَشْرَ سِنِين وأَطاقَه. وقد قال الخِرَقِىُّ: يُؤْخَذُ به إذن.
فائدة: أكثرُ الأصحابِ أطْلَقَ الإِطاقَةَ، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وحَدَّ ابنُ أبى مُوسَى إطاقَتَه بصوْمِ ثلَاثةِ أيَّامٍ مُتَوالِيَةٍ ولا يضُرُّه.
قوله: لكِنْ يُؤْمَرُ به إذا أطاقَه، ويُضْرَبُ عليه ليَعْتادَه. يعْنِى، على القوْلِ بعَدَمِ الوُجوبِ. قال أكثرُ الأصحابِ: يكونُ الأمْرُ بذلك والضَّرْبُ عندَ الإِطاقَةِ. قاله فى «الفُروعِ» . وذكَر المُصَنِّفُ قوْلَ الخرَقِىِّ، وقال: اعْتِبارُه بالعَشْرِ أوْلَى؛ لأمْرِه، علبه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، بالضَّرْبِ على الصَّلاةِ عندَها. وقال المَجْدُ: لا يُؤْخَذُ به، ويُضْرَبُ عليه فيما دُونَ العَشْرِ، كالصَّلاةِ. وعلى كِلا القَوْلَيْن، يجِبُ ذلك على الوَلىِّ. صرَّح به جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» .
وَإذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ فى أَثْنَاءِ النَّهَارِ، لَزِمَهُمُ الإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ.
ــ
وقال ابنُ رَزِينٍ: يُسَنُّ لِوَلِيِّه ذلك.
فائدة: حيثُ قُلْنا بوُجوبِ الصَّومِ على الصَّبِىِّ، فإنَّه يَعْصى بالفِطْرِ، ويَلْزَمُه الإِمْساكُ والقَضاءُ كالبالِغِ.
قوله: وإذا قامَتِ البَيِّنَةُ بالرُّؤْيَةِ فى أثْناء النَّهارِ، لَزِمهم الإِمْسَاكُ والقَضاءُ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَر أبَو الخَطَّابِ رِوايةً، لا يَلْزَمُ الإِمْساكُ.
وَإنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ بَلَغَ صَبِىٌّ، فَكَذَلِكَ. وَعَنْهُ، لَا يَلْزَمُهُمْ شَىْءٌ.
ــ
وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» . وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يُمْسِكُ ولا يَقْضِى، وأنَّه لو لم يعْلَمْ بالرُّؤْيَةِ إلَّا بعدَ الغُروبِ، لم يَلْزَمْه القَضاءُ.
قوله: وإنْ أسْلَمَ كافِرٌ، أو أفَاقَ مَجْنُونٌ، أو بلَغ صَبِىٌّ، فكذلك. يعْنِى، يَلْزَمُهم الإِمْساكُ والقَضاءُ إذا وُجِدَ ذلك فى أثْناءِ النَّهارِ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، لا يجِبُ الإِمْساكُ ولا القَضاءُ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ، وقال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه لم يُدْرِكْ وَقْتًا يمْكِنُه التَّلَبُّسُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىُّ فى «الكَافِى» . وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» . وأطْلقَهُما فى المَجْنُونِ، فى «المُغْنِى». وقال الزَّرْكَشِىُّ: وحكَى أبو العبَّاسِ رِوايَةً فيما أظُنُّ، واخْتارَها، يجِبُ الإِمْساكُ دُونَ القَضاءِ. والقَضاءُ فى حقِّ هؤلاءِ مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. ويأْتِى أحْكامُ المَجْنُونِ.
فائدة: لو أسْلَمَ الكافِرُ الأَصْلِىُّ فى أثْناءِ الشَّهْرِ، لم يَلْزَمْه قَضاءُ ما سبَق منه، بلا
وَإنْ بَلَغَ الصِّبِىُّ صَائِمًا أَتَمِّ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِى. وَعِنْدَ أَبِى الْخَطِّابِ، عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
ــ
خِلافٍ عندَ الأئمَّةِ الأرْبعَةِ.
قوله: وإنْ بلغَ الصَّبِىُّ صَائمًا -أَىْ بالسِّنِّ أو الاحْتِلامِ- أَتَمَّ، ولا قَضاءَ عليه عندَ القاضِى. كنَذْرِه إتْمامَ نَفْلٍ. قال فى «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغَةِ»: فلا قَضاءَ فى الأصحِّ. وصحَّحَه فى «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدُّمه فى «المُستَوْعِبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . وعندَ أبى الخَطَّابِ، عليه القَضَاءُ، كالصَّلاةِ إذا بلَغ فى أثْنائِها. وجزَم به فى «الإِفاداتِ» ، و «الوَجيزِ» . وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الكَافِى» ، و «المُغْنِى» ،
وَإِنْ طَهُرَتْ حَائِضٌ، أَوْ نُفَسَاءُ، أَوْ قَدِمَ الْمُسَافِرُ مُفْطِرًا، فَعَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ. وَفِى الْإِمْسَاكِ رِوَايَتَانِ.
ــ
و «الهَادِى» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِهِ» ، و «مُحَررِهِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحَاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» . والخِلاف هنا مَبْنىٌّ على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ فى المَسْأَلَةِ التى قبلَها.
فائدة: لو عَلِمَ أنَّه يبْلُغُ فى أثْناءِ اليوْمِ بالسِّنِّ، لم يَلْزَمْه الصَّوْمُ قبلَ زَوالِ عُذْرِه؛ لوُجودِ المُبِيحِ. قالَه الأصحابُ. ولو عَلِمَ المُسافِرُ أنَّه يَقْدَمُ غدًا، لَزِمَه الصَّوْمُ، على الصَّحيحِ. نقَلَه أبو طالِبٍ، وأبو داوُدَ، كمَن نذَر صَوْمَ يومِ يَقْدَمُ فُلانٌ، وعَلِمَ قُدومَه فى غَدٍ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيل: يُسْتَحَبُّ؛ لوُجودِ سبَبِ الرُّخْصَةِ. قال المَجْدُ: وهو أقْيَسُ؛ لأنَّ المُخْتارَ أنَّ مَن سافرَ فى أثْناءِ يَوْمٍ له الفِطْرُ.
قوله: وإنْ طَهُرَتْ حائِضٌ، أو نُفَساءُ، أو قَدِمَ المُسافِرُ مفْطِرًا، فعليهم القَضاءُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إجْماعًا. وفى الإِمْساكِ رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الشَّرْحِ» ؛ إحْداهما، يَلْزَمُه الإِمْساكُ. وهو المذهَبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «الفُروعِ»: لَزِمَهم الإِمْساكُ، على الأصحِّ. وصحَّحه فى «التَّصْحيح» ، و «فُصُولِ ابنِ عَقِيلٍ». قال فى «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»: أمْسَكُوا على الأظْهَرِ. ونَصَرَه فى «المُبْهِجِ» ، وجزَم به فى «الإِيضاحِ» ، و «الوَجيز» ، و «الإِفاداتِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفائقِ» . والرِّوايَةُ الثَّانية، لا يَلْزَمُهم الإمْساكُ. وتقدَّم أنَّ مَن أُبِيحَ له الفِطْرُ؛ مِنَ الحائِض، والمَريضِ، وغيرِهما، لا يجوزُ لهم إظْهارُه، عندَ قوْلِه: وإنْ رأَى هِلالَ شَوَّالٍ وحدَه، لم يُفْطِرْ. ويأْتِى فى أحْكامِ أهْلِ الذِّمَّةِ مَنْعُهم مِن إظْهارِ الأكْل فى رَمَضانَ.
فوائد؛ الأُولَى، لو أبْرَأ المَريضُ مُفْطِرًا، فحُكْمُه حُكْمُ الحائضِ والنُّفَساءِ والمُسافِرِ. الثَّانيةُ، لو أفْطَرَ المُقِيمُ متَعَمِّدًا، ثم سافرَ فى أثْناءِ اليَوْمِ، أو تعَمَّدَتِ المرأةُ الفِطْرَ، ثم حاضَتْ فى أثْناءِ اليوْمِ، لَزِمَهم الإِمْساكُ فى السَّفَرِ والحَيْضِ. نقَلَه ابنُ القاسِمِ، وحَنْبَل. فيُعايَى بها. ووجَّه فى الفُروعِ عدَمَ الإِمْساكِ مع الحَيْضِ ومع السَّفَرِ خِلافًا. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: وعنه فى صائمٍ أفْطَرَ
وَمَنْ عَجَزَ عَن الصَّوْمِ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
ــ
عَمْدًا، أو لم يَنْوِ الصَّوْمَ حتى أصْبَحَ، لا إمْساكَ عليه. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال، وأطْلَقَ جماعةٌ الرِّوايتَيْن فى الإِمْساكِ. وقال فى «الفُصُولِ»: يُمْسِكُ مَن لم يُفْطِرْ، وإلَّا فرِوَايتَان. ونقَل الحَلْوَانِىُّ، إذا قال المُسافِرُ: أُفْطِرُ غدًا. أنَّه كقُدومِه مُفْطِرًا. وجعَلَه القاضِى محَلَّ وِفاقٍ. الثَّالثةُ، إذا قُلْنا: لا يجِبُ الإِمْساكُ. فقَدِمَ مُسافِرٌ مُفْطِرًا، فوَجَد امْرأَتَه طَهُرَتْ مِن حَيْضِها، جازَ له أنْ يَطأَها. فيُعايَى بها. الرَّابعةُ، لو حاضَتِ امْرأةٌ فى أثْناءِ يَوْمٍ، فقال الإِمامُ أحمدُ: تُمْسِكُ، كمُسافِرٍ قَدِمَ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجعَلَها القاضِى كعَكْسِها، تَغْلِيبًا للواجِبِ. ذكَرَه ابنُ عَقيلٍ فى «المَنْثُورِ» ، وذكَرَ فى «الفُصُولِ» ، فيما إذا طرَأ المانِعُ، رِوايتَيْن. وذكَرَه المَجْدُ. قال فى «الفُروعِ»: ويُؤْخَذُ مِن كلامِ غيرِه، إنْ طرَأ جُنُونٌ، وقُلْنا: يَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وإنَّه لا يَقْضِى، أنَّه هل يَقْضِى على الرِّوايَتَيْن فى إفاقَتِه فى أثْناءِ يَوْمٍ، بجامِعَ أنَّه أدْرَكَ جُزْءًا مِنَ الوَقتِ؟ قال فى «الفُرُوعِ»: وظاهِرُ كلامِهم، لا إمْساكَ مع المانِعِ، وهو أظْهَرُ. الخامسةُ، لا يَلْزَمُ مَن أفْطَرَ فى صَوْمٍ واجِبٍ، غيرِ رَمَضانَ، الإِمْساكُ. ذكَرَه جماعةٌ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: يَلْزَمُ.
قوله: ومَن عجَز عَنِ الصَّوْمِ لكِبَرٍ، أو مَرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُه، أفطَرَ وأَطْعَم عن كلِّ يَوْم مِسْكينًا. بلا نِزاعٍ، لكنْ لو كانَ الكَبيرُ مُسافِرًا أو مَرِيضًا، فلا فِدْيَةَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لفطْرِه بعُذْرٍ مُعْتَادٍ. ذكَرَه القاضِى فى «الخِلافِ» . قاله فى «الفُروعِ» . وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : ذكَرَه القاضِى فى «تَعْلِيقِه» . وهما كِتابٌ واحِدٌ، ولا قَضاءَ عليه والحالَةُ هذه؛ للعَجْزِ عنه، وتَبعَ القاضِى مَن بعدَه، فيُعايَى بها. ويأْتِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حُكْمُ الكَفَّارَةِ إذا عجَز عنها، بعدَ أحْكام الحامِلِ والمُرْضِعِ. ويأْتِى آخِرَ بابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ، إذا عجَزَ عن كفَّارَةِ الوَطْءِ وغيرِه.
فائدتان؛ إحداهما، لو أطْعَمَ العاجِزُ عنِ الصَّوْمِ؛ لكِبَرٍ، أو مرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُه، ثم قدَر على القضاءِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ المعْضُوبِ فى الحَجِّ إذا أُحِجَّ عنه ثم عُوفِىَ. على ما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى كتابِ الحَجِّ. جزمَ به المَجْدُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وذكَرَ بعضُ الأصحابِ احْتِمالَيْن؛ أحَدُهما، هذا. والثَّانِى، يَلْزَمُه القَضاءُ بنَفْسِه. الثَّانيةُ، المُرادُ بالإِطعامِ هنا، ما يُجْزِئُ فى الكفَّارَةِ. قالَه الأصحابُ.
تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: أفْطَرَ وأطعَمَ عن كلِّ يوْمٍ مِسْكينًا. أنَّه لا يُجْزِئُ الصَّوْمُ
وَالْمَرِيضُ إِذَا خَافَ الضَّرَرَ، وَالْمُسَافِرُ، اسْتُحِبَّ لَهُمَا الْفِطْرُ، فَإِنْ صَامَا أَجزَأَهُمَا.
ــ
عنهما. وهو صَحِيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لو تَبرَّعَ إنْسانٌ بالصَّوْمِ عن من لا يُطِيقُه لكِبَرٍ ونحوِه، أو عن مَيِّتٍ، وهما مُعْسِران، توَجَّه جَوَازُه؛ لأنَّه أَقْرَبُ إلى المُمَاثَلَةِ مِنَ المالِ. وحكَى القاضِى فى صَوْمِ النَّذْرِ فى حَياةِ النَّاذِرِ نحوَ ذلك.
قوله: والمريضُ إذا خافَ الضَّرَر، والمُسافِرُ، اسْتُحِبَّ لهما الفِطْرُ. أمَّا المَرِيضُ إذا خافَ زِيادَةَ مَرضِه، أو طُولَه، أو كان صَحيحًا، ثم مَرِضَ فى يَوْمِه، أو خافَ مرَضًا لأَجْلِ العَطَشِ أو غِيرِه، فإنَّه يُسْتَحَبُّ له الفِطْرُ، ويُكْرَهُ صوْمُه وإتْمامُه إِجْماعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ إحداها، [مَن لم يُمْكِنْه التَّداوِى فى مرَضِه](1)، وتَرْكُه يَضُرُّ به، فلَه
(1) قال المرداوى -صاحب الإنصاف- فى تصحيح الفروع: كذا فى النسخ، ولعله: ومن لم يمكنه التداوى فى صومه، أو: ومن لم يمكنه التداوى فى مرضه إلا بفطره. فيكون فيه نقص، وهذا أولى من التقدير الأول. انظر الفروع 3/ 27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّداوِى. نقَلَه حَنْبَلٌ فى من به رَمَدٌ يخَافُ الضَّرَرَ بتَرْكِ الاكْتِحالِ لتَضَرُّرِه بالصَّوْمِ، كتَضَرُّرِه بمُجَرَّدِ الصَّوْمِ. الثَّانيةُ، مفْهومُ قوْلِه: والمريضُ إذا خافَ الضَّرَرَ. أنَّه إذا لم يَخَفِ الضَّرَرَ لا يُفْطِرُ. وهو صَحِيحٌ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» ، فى وَجَعِ رَأْسٍ وحُمَّى، ثم قال: قلتُ: إلَّا أنْ يتَضَرَّرَ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. وقيل لأحمدَ: متى يُفْطِرُ المَرِيضُ؟ قال: إذا لم يَسْتَطِعْ. قيل: مِثْلُ الحُمَّى؟ قال: وأىُّ مرَضِ أشَدُّ مِنَ الحُمَّى! الثَّالثةُ، إذا خافَ التَّلَفَ بصَوْمِه، أجْزَأَ صَوْمُه، وكُرِهَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال فى «عُيُونِ المَسائِلِ» ، و «الانْتِصَارِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم: يَحْرمُ صَوْمُه. قال فى «الفُروعِ» : ولم أَجِدْهم ذكَروا فى الإِجْزاءِ خِلافًا. وذكَرَ جماعةٌ فى صَوْمِ الظِّهارِ، أنَّه يجِبُ فِطْرُه بمَرَضٍ مَخُوفٍ. الرَّابعةُ، لو خافَ بالصَّوْمِ ذَهابَ مالِه، فسَبَق أنَّه عُذْرٌ فى تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَماعَةِ وفى صَلاةِ الخَوْفِ. الخامسةُ، لو أحاطَ العدُوُّ ببَلَدٍ، والصَّوْمُ يُضْعِفُهم، فهل يجوزُ الفِطْرُ؟ ذكَرَ الخَلَّالُ رِوايتَيْن. وقال ابنُ عَقيلٍ: إنْ حصَر العَدُوُّ بلَدًا، أو قصَد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسْلِمون عَدُوَّا بمَسافَةٍ قريبةٍ، لم يَجُزِ الفِطْرُ والقَصْرُ، على الأصحِّ. ونقَل حَنْبَلٌ، إذا كانُوا بأرْضِ العَدُوِّ، وهم بالقُرْبِ، أفْطَرُوا عندَ القِتالِ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ الفِطْرَ؛ للتَّقَوِّى على الجِهادِ، وفعَلَه هو، وأمرَ به لمَّا نزَل العَدُوُّ دِمَشقَ. وقدَّمه فى «الفائقِ» ، وهو الصَّوابُ. فعلى القَوْلِ بالجَوازِ، يُعايَى بها. وذكَر جماعةٌ، فى مَن هو فى الغَزْوِ، وتَحْضُرُ الصَّلاةُ والماءُ إلى جَنْبِه، يخَافُ إنْ ذهَب إليه على نَفْسِه، أو فَوْتَ مَطْلُوبِه، فعنه، يَتَيَمَّمُ ويُصَلِّى. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وعنه، لا يَتَيَمَّمُ ويُؤخِّرُ الصَّلاةَ. وعنه، إنْ لم يخَفْ على نَفْسِه، تَوَضَّأَ وصلَّى. وسبَق ذلك فى التَّيَمُّمِ، وأنَّ المذهبَ، أنَّه يتَيَمَّمُ ويُصَلِّى. السَّادِسةُ، لو كان به شَبَقٌ يخَاف منه تشَقُّقَ أُنثَيَيْه، جامَعَ وقَضَى ولا يُكَفِّرُ. نقَلَه الشَّالَنْجِىُّ. قال الأصحابُ: هذا إذا لم تنْدَفِعْ شهْوَتُه بدُونِه، فإنِ انْدفعَتْ شهْوتُه بدُونِ الجِماعِ، لم يَجُزْ له الجِماعُ. وكذا إنْ أمْكَنَه أنْ لا يُفْسِدَ صوْمَ زوْجَتِه، لم يَجُزْ، وإلَّا جازَ للضَّرُورَةِ، فإذا تضَرَّرَ بذلك، وعندَه امْرأةٌ؛ حائضٌ وصائمَةٌ، فقِيلَ: وَطْءُ الصَّائمةِ أوْلَى؛ لتَحْريمِ الحائضِ بالكِتابِ، ولتَحْريمِها مُطْلَقًا. صحَّحَه العَلَّامَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنُ رَجَبٍ، فى «القاعِدَةِ الثَّانيةَ عشْرَةَ بعدَ المِائَةِ». وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه». وقيلَ: يتخَيَّرُ؛ لإِفْسادِ صوْمِها. وأطْلقَهُما فى «الفُروعِ» ، وهما احْتِمالان بوَجْهَيْن مُطْلَقَيْن فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . السَّابعةُ، لو تعَذَّرَ قَضاؤْه؛ لدَوامِ شَبَقِه، فحُكْمُه حُكْمُ العاجِزِ عنِ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أو مرَضٍ لا يُرْجَى بُرْؤُه. على ما تقدَّم قرِيبًا. ذكَرَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. الثَّامنةُ، حُكْمُ المرَضِ الذى يُنْتفَعُ فيه بالجِماعِ، حُكْمُ مَن يخافُ مِن تشَقُّقِ أُنثَيَيْه.
قوله: والمسَافِرُ يُسْتَحَبُّ له الفِطْرُ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه، وهو مِنَ المُفْرَداتِ، وسواءٌ وجَد مشَقَّةً أم لا. وفيه وَجْهٌ، أنَّ الصَّوْمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أفضَلُ. ذكَرَه فى القاعِدَةِ الثَّانيةِ والعِشْرِين مِنَ «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ إحداها، المُسافِرُ هنا، هو الذى يُباحُ له القَصْرُ. على الصَّحيحِ مِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيخُ تَقِىُّ الدِّينِ: يُباحُ له الفِطْرُ، ولو كان السَّفَرُ قَصِيرًا. الثَّانيةُ، لو صامَ فى السَّفَرِ، أجْزَأَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما قطَع به المُصَنِّفُ هنا، وعليه الأصحابُ. ونقَل حَنْبَلٌ، لا يُعْجِبُنِى. واحْتَجَّ حَنْبَلٌ بقَوْلِه، علَيه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فى السَّفَرِ» (1). قال فى «الفُروعِ» : والسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هذا القَوْلَ. ورِوايةُ حَنْبَلٍ تَحْتَمِلُ عدَمَ الإِجْزاءِ، ويُؤَيِّدُه تَفَرُّدُ حَنْبَلٍ، وحَمْلُها على رِوايَةِ الجماعةِ أَوْلَى. فعلى المذهبِ،
(1) تقدم تخريجه فى صفحة 372.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لو صامَ فيه كُرِهَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وحَكَاه المَجْدُ عنِ الأصحابِ. قال: وعندِى لا يُكْرَهُ إذا قَوىَ عليه. واخْتارَه الآجُرِّئُ. وظاهِرُ كلام ابنِ عَقيلٍ فى «مُفْرَداتِه» ، وغيرِه، لا يُكْرَهُ، بل تَرْكُه أفْضَلُ. قال: وليس الصَّوْمُ أَفْضَلَ. وهو
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَا فى رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ.
ــ
مِنَ المُفْرَداتِ، وفرَّق بينَه وبينَ رُخْصَةِ القَصْرِ، أنَّها مُجْمَعٌ عليها، تَبْرَأُ بها الذِّمَّةُ. قال فى «الفُروعِ»: ورُدَّ بصَوْمِ المريضِ، وبتَأْخيرِ المَغْرِبِ ليْلَةَ المُزْدَلِفَةِ. الثَّالثةُ، لو سافَرَ ليُفْطِرَ، حَرُمَ عليه.
قوله: ولا يَجوزُ أنْ يَصُومَا فى رَمَضانَ عن غيرِه. يعْنِى، المُسافِرَ والمَرِيضَ؛
وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فى سَفَرِهِ، فَلَهُ الْفِطْرُ.
ــ
أمَّا المرِيضُ، فلا نِزاعَ فى عدَمِ الجَوازِ. وأمَّا المُسافِرُ، فالمذهبُ، وعليه الأصحابُ، أنَّه لا يجوزُ مُطْلقًا. وقيلَ: للمسافِرِ صوْمُ النَّفْلِ فيه. قال فى «الرِّعايَةِ» : وهو غَرِيبٌ بعيدٌ. فعلى المذهبِ، لو خالفَ وصامَ عن غيرِه، فهل يقَعُ باطِلًا، أو يقَعُ ما نَواه؟ قال فى «الفُروعِ»: هى مَسْأَلةُ تَعْيِينِ النِّيَّةِ. يعْنِى، الآتِيَةَ فى أوَّلِ الفَصْلِ مِن هذا البابِ. وعلى المذهبِ أيضًا، لو قلَب صوْمَ رَمَضانَ إلى نَفْلٍ، لم يصِحَّ له النَّفْلُ، ويَبْطُلُ فَرْضُه، إلَّا على رِوايَةِ عدَمِ التَّعْيِينِ.
فائدة: لو قَدِمَ مِن سَفَرِه فى أثْناءِ النَّهارِ، وكانَ لم يأْكُلْ، فهل ينْعَقِدُ صوْمُه نَفْلًا؟ قال القاضِى: لا ينْعَقِدُ نَفْلًا. ذكَرَه عنه فى «الفُصُولِ» ، واقْتَصرَ عليه.
قوله: ومَن نوَى الصَّوْمَ فى سَفَرِه، فله الفِطْرُ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يجوزُ له الفِطْرُ بالجِماعِ؛ لأنَّه لا يقْوَى على السَّفَرِ. فعلى الأوَّلِ، قال أكثرُ الأصحابِ: لأنَّ مَن له الأَكْلُ له الجِماعُ، كمَن لم يَنْوِ. وذكَر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ، مِنهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، أنَّه يُفْطِرُ بنِيَّةِ الفِطْرِ، فيَقَعُ الجماعُ بعدَ الفِطْرِ. فعلى هذا، لا كَفَّارَةَ بالجِماعِ. اخْتارَه القاضِى، وأكثرُ الأَصحابِ. قالَه المَجْدُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر بعضُهم رِوايَةً، أنَّه يُكَفِّرُ. وجزمَ به على هذا. قال فى «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ. انتهى. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، إنْ جامَعَ، كَفَّرَ، على الصَّحيحِ عليها. وعنه، لا يُكَفِّرُ؛ لأنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِى جَوازَه، فلا أقلَّ مِنَ العَملِ به فى إسْقاطِ الكفَّارَةِ، لكِنْ له الجِماعُ بعدَ فِطْرِه بغيرِه، كفِطْرِه بسَبَب مُباحٍ. ويأْتِى ذلك فى كلامِ المُصَنِّفِ فى آخِرِ بابِ ما يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وهو قوْلُه: وإنْ نوَى الصَّوْمَ فى سفَرِه، ثم جامَعَ، فلا كَفَّارَةَ عليه.
فائدة: المَرِيضُ الذى يُباحُ له الفِطْرُ، حُكْمُه حُكْمُ المُسافِرِ فيما تقدَّم. قالَه المُصَنِّفُ، والمَجْدُ وغيرُهما. وجعَلَه القاضِى، وأصحابُه، وابنُ شِهابٍ فى كُتُبِ الخِلافِ، أصْلًا للكَفَّارَةِ على المُسافِرِ، بجامعِ الإِباحَةِ. وجزمَ جماعةٌ.
وَإنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ، ثُمَّ سَافَرَ فى أَثْنَائِهِ، فَلَهُ الْفِطْرُ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ.
ــ
مِنَ الأصحابِ بالإِباحَةِ على النَّفْلِ. ونقَل مُهَنَّا فى المريضِ، يُفْطِرُ بأَكْلٍ. فقلتُ: يُجامِعُ؟ قال: لا أدْرِى. فأَعَدْتُ عليه، فحوَّل وَجْهَه عَنِّى.
قوله: وإنْ نَوَى الحاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ، ثم سافَرَ فى أثْنائِه، فله الفِطْرُ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ، سواءٌ كان طَوْعًا أو كَرْهًا. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ، ولكنْ لا يُفْطِرُ قبلَ خُروجِه. وعنه، لا يجوزُ له الفِطْرُ مُطْلَقًا. ونقَلَ ابنُ مَنْصُورٍ، إنْ نوَى السَّفَرَ مِنَ اللَّيْلِ، ثم سافَرَ فى أثْناءِ النَّهارِ، أفْطَرَ، وإنْ نوَى السَّفَرَ فى النَّهارِ، وسافَرَ فيه، فلا يُعْجِبُنِى أنْ يُفْطِرَ فيه. والفَرْقُ أنَّ نِيَّةَ السَّفَرِ مِنَ اللَّيْلِ تَمْنَعُ الوجُوبَ، إذا وُجِدَ السَّفَرُ فى النَّهارِ، فيكونُ الصِّيامُ قبلَه مُراعًى، بخِلافِ ما إذا طرَأَتِ النِّيَّةُ والسَّفَرُ فى أثْناءِ النَّهارِ. قاله فى «القَواعِدِ» . وعنه، لا يجوزُ له الفِطْرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بجِماعٍ، ويجوزُ بغيرِه. فعلى المَنْعِ، لو وطِئَ وجَبَتِ الكفَّارَةُ، على الصَّحيحِ. وجعَلَها بعضُ الأصحابِ كمن نوَى الصَّوْمَ فى سفَرِه، ثم جامَعَ. على ما تقدَّم قرِيبًا. وعلى الجَوازِ، وهو المذهَبٌ، الأَفْضَلُ له أنْ لا يُفْطِرَ. ذكَرَه القاضِى، وابنُ عَقيلٍ، وابنُ الزَّاغُونِىِّ، وغيرُ هم. واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» وغيرِه.
وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ اذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا، وَإِنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، أَفْطَرَتَا، وَقَضَتَا، وَأَطْعَمَتَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا.
ــ
فيُعايَى بها.
قوله: والحامِلُ والمُرضِعُ إذا خافَتا على أنْفُسِهما، أفْطَرَتا، وقَضَتا. يعْنِى، مِن غيرِ إطْعامٍ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم، وذكَرَ بعضُهم رِوايةً بالإِطْعامِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هو نصُّ أحمدَ فى رِوايَةِ المَيْمُونِىِّ وصالحٍ، وذكَرَه وتأَوَّلَه القاضِى على خَوْفِها على وَلَدِها. وهو بعيدٌ. انتهى.
فائدة: يُكْرَهُ لهما الصَّوْمُ والحالَةُ هذه، قوْلًا واحِدًا.
قوله: وإنْ خافَتا على ولَدَيْهما، أفْطَرَتا، وقضَتا، وأطْعَمَتا عن كلِّ يَوْمٍ مِسْكينًا. إذا خافَتَا على وَلَدَيْهِما أفْطَرَتا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، بلا رَيْبٍ، وأطْلَقَه أكثرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وتَبِعَه فى «الفُروعِ»: إنْ قَبِلَ وَلَدُ المُرْضِعَةِ ثَدْىَ غيرِها، وقَدَرَتْ أنْ تَسْتأْجرَ له، أو له ما (1) يُسْتَأْجَرُ منه، فَلْتَفْعَلْ وَلْتَصُمْ، وإلَّا كان لها الفِطْرُ. انتهيا. ولعَلَّه مُرادُ مَنْ أطْلَقَ.
فوائد؛ إحداها، يُكْرَهُ لهما الصَّوْمُ والحالَة هذه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وذكَر ابنُ عَقيلٍ فى النُّسَخِ، إنْ خافَتْ حامِلٌ ومُرْضِعٌ على حَمْلٍ ووَلَدٍ، حالَ الرَّضاعِ، لم يَحِلَّ الصَّوْمُ، وعليها الفِدْيَةُ، وإنْ لم تخَف، لم يَحِلَّ الفِطْرُ. الثَّانية، يجوزُ الفِطْرُ للظِّئْرِ، وهى التى تُرْضِعُ وَلَدَ غيرِها، إذا خافَتْ عليه، أو على نفْسِها. قالَه الأصحابُ. وذكَرَ فى «الرِّعايَةِ» قوْلًا، أنَّه لا يجوزُ لها الفِطْرُ إذا خافَتْ على رَضيعِها. وحَكَاه ابنُ عَقيلٍ فى «الفُنُونِ» عن قَوْمٍ. قلتُ لو
(1) فى الأصل، ط:«لم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قيلَ: إنَّ محَلَّ ما ذكَرَه الأصحابُ، إذا كانتْ مُحْتاجَةً إلى رَضاعِه، أو هو مُحْتاجٌ إلى رَضاعِها، فأمَّا إذا كانتْ مُسْتَغْنِيَةً عن رَضاعِه، أو هو مُسْتَغْنٍ عن رَضاعِها، لم يَجُزْ لها الفِطْرُ. الثَّالثةُ، يجِبُ الإِطْعامُ على مَن يمُونُ الوَلَدَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال ابنُ عَقيلٍ في «الفُنُونِ»: يَحْتَمِلُ أنَّه على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأُمِّ. وهو أشْبَهُ؛ لأنَّه تبَعٌ لها، ولهذا وجَبَتْ كفَّارَةٌ واحِدَةٌ، ويَحْتَمِلُ أنَّه بينَها وبين مَن تَلْزَمُه نَفَقَتُه مِن قَريبٍ، أو مِن مالِه؛ لأنَّ الإِرْفاقَ لهما. وكذلك الظِّئْرُ، فلو لم تُفْطِرِ الظِّئْرُ فَتَغَيَّرَ لبَنُها أو نقَص، خُيِّرَ المُسْتأْجِرُ، فإنْ قصَدَتِ الإِضْرارَ أَثِمَتْ، وكان للحاكم إلْزامُها الفِطْرَ بطَلَبِ المُسْتَأْجِرِ. ذكَرَه ابنُ الزَّاغُونِيِّ. وقال أبو الخَطَّابِ: إنْ تأَذَّى الصَّبِىُّ بنَقْصِه أو تَغْيِيرِه، لَزِمَها الفِطْرُ، فإنْ أبَتْ فلأهْلِه الفَسْخُ. قال في «الفُروعِ»: فيُؤْخَذُ مِن هذا، أنَّه يَلْزَمُ الحاكمَ إلْزامُها بما يَلْزَمُها، وإنْ لم تَقْصِدِ الضَّرَرَ بلا طلَبٍ قبلَ الفَسْخِ. قال: وهذا مُتَّجَهٌ. الرَّابعةُ، يجوزُ صَرْفُ الإِطْعامِ إلى مِسْكينٍ واحدٍ جُمْلَةً واحدةً، بلا نِزاعٍ. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم، إخْراجُ الإِطْعامِ على الفَوْرِ؛ لوجُوبِه. قال: وهذا أَقْيَسُ. انتهى. قلتُ: قد تقدَّم في أوَّلِ بابِ إخْراجِ الزَّكاةِ، أنَّ المَنْصُوصَ عنِ الإِمامِ أحمدَ لُزُومُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إخْراجِ النَّذْرِ المُطْلَقِ والكَفَّارةِ على الفَوْرِ. وهذا كفَّارَةٌ. وقال المَجْدُ: إنْ أتَى به مع القَضاءِ، جازَ؛ لأنَّه كالتَّكْمِلَةِ له. الخامسةُ، لا يَسْقُطُ الإِطْعامُ بالعَجْزِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ. واخْتارَه المَجْدُ، وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيلَ: يَسْقُطُ. اخْتارَه ابنُ عَقيلٍ. وصحَّحَه في «الحاوِى الكَبيرِ» . وجزمَ به في «الكافِى» ، و «الحاوِى الصَّغيرِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» . وذكَرَ القاضِى وأصحابُه، يسْقُطُ في الحامِلِ والمُرْضِعِ؛ ككَفَّارةِ الوَطْءِ، بل أَوْلَى للعُذْرِ. ولا يسْقُطُ الإِطْعامُ عنِ الكَبيرِ والمَأْيُوسِ بالعَجْزِ، ولا إطْعامُ مَن أخَّرَ قَضاءَ رَمَضانَ وغيرِه، غيرَ كفَّارَةِ الجِماعِ. وجزمَ به فى «المُحَرَّرِ» . وقدَّمه فى «الفائقِ» . السَّادسةُ، لو وجَد آدَمِيًّا مَعْصُومًا فى مَهْلَكَةٍ، كغَريقٍ ونحوِه، فقال ابنُ الزَّاغُونِىِّ
وَمَنْ نَوَى قَبْلَ الْفَجْر، ثُمَّ جُنَّ، أَوْ أُغْمِىَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ. وَإِنْ أَفاقَ جُزْءًا مِنْهُ، صَحَّ صَوْمُهُ.
ــ
في «فَتَاوِيه» : يَلْزَمُه إنْقاذُه ولو أفْطَرَ. ويأْتِى في الدِّيَاتِ، أنَّ بعضَهم ذكَرَ في وُجوبِه وَجْهَيْن، وذكَرَ بعضُهم هنا وَجْهَيْن، هل يَلْزَمُه الكفَّارَةُ كالمُرْضِعِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. قال في «التَّلْخيصِ» ، بعدَ أنْ ذكَرَ الفِدْيَةَ على الحامِلِ والمُرْضِعِ؛ للخَوْفِ على جَنِينِهما: وهل يلْحَقُ بذلك مَنِ افْتقَرَ إلى الإِفْطارِ لِإنْقاذِ غَريقٍ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. وجزمَ في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» بوُجُوبِ الفِدْيَةِ. وقال: لو حصَل له بسَبَبِ إنْقاذِه ضَعْفٌ في نَفْسِه فأفْطَرَ، فلا فِدْيَةَ عليه كالمَريضِ. انتهى. فعلى القَوْلِ بالكفَّارَةِ، هل يرْجِعُ بها على المُنْقَذِ؟ قال في «الرِّعايَةِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. قال في «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ أنَّه كإِنْقاذِه مِنَ الكُفَّارِ، ونفَقَتِه على الآبِقِ. قلتُ: بل أَوْلَى، وأَوْلَى أيضًا مِنَ المُرْضِعِ. وقالُوا: يجِبُ الإِطْعامُ على مَن يَمُونُ الوَلَدَ، على الصَّحيحِ كما تقدَّم.
قوله: ومَن نوَى قبلَ الفَجْرِ، ثمْ جُنَّ، أو أُغْمِىَ عليه جَمِيعَ النَّهارِ، لم يَصِحَّ صَوْمُه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَرَ في «المُسْتَوْعِبِ» ، أنَّ بعضَ الأصحابِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خرَّج مِن رِوايَةِ صِحَّةِ صَوْمِ رَمَضانَ بنِيَّةٍ واحدةٍ في أوَّلِه، أَّنه لا يَقْضِى مَن أُغْمِىَ عليه أيَّامًا بعدَ نِيَّتِه المَذْكورَةِ.
قوله: وإنْ أَفاقَ جُزْءًا مِنه، صَحَّ صَوْمُه. إذا أفاقَ المُغْمَى عليه جُزْءًا مِنَ النَّهارِ، صحَّ صَوْمُه بلا نِزاعٍ، والجُنونُ كالإِغْماءِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزمَ به في «الحَاوِي» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.
وَإِنْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ. وَيَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْمَجْنُونِ.
ــ
وقيلَ: يَفْسُدُ الصَّوْمُ بقَليلِ الجُنونِ. اخْتارَه ابنُ البَنَّا، والمَجْدُ. وقال ابنُ الزَّاغُونِىِّ في «الوَاضِحِ»: هل مِن شَرْطِه إفاقَتُه جميعَ يَوْمِه، أو يَكْفِى بعضُه؟ فيه رِوايَتان. قوله: ويَلْزَمُ المُغْمَى عليه القَضَاءُ دُونَ المجنُونِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، لُزومُ القَضاءِ على المُغْمَى عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيلَ: لا يَلْزَمُه. قال في «الفائقِ» :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو المُخْتارُ. وتقدَّم ما نقَلَه في «المُسْتَوْعِبِ» مِنَ التَّخْريجِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ المَجْنونَ لا يَلْزَمُه القضاءُ، سَواءٌ فاتَ الشَّهْرُ كلُّه بالجُنونِ أو بعضُه، وعليه الأصحابُ. وعنه، يَلْزَمُ القَضاءُ مُطْلَقًا. وعنه، إنْ أفاقَ في الشَّهْرِ، قضَى، وإنْ أفاقَ بعدَه، لم يَقْضِ؛ لعِظَمِ مشقَّتِه.
فائدة: لو جُنَّ في صَوْمِ قَضاءٍ أو كفَّارَةٍ ونحوِ ذلك، قَضاهُ بالوُجوبِ السَّابقِ.
فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ وَاجِبٍ، إِلَّا أنْ يَنْوِيَهُ مِنَ اللَّيْلِ مُعَيِّنًا. وَعَنْهُ، لَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِرَمَضَانَ.
ــ
قوله: ولا يَصِحُّ صَوْمُ واجِبٍ، إلَّا أنْ يَنْوِيَه مِنَ اللَّيلِ مُعَيِّنًا. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. يعْنِى، أنَّه لا بُدَّ مِن تَعْيِينِ النِّيَّةِ، وهو أنْ يَعْتَقِدَ أنَّه يصومُ مِن رَمَضانَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو مِن قَضائِه، أو نَذْرِه، أو كفَّارَتِه. قال القاضِى في «الخِلَافِ»: اخْتارَها أصحابُنا؛ أبو بَكْرٍ، وأبو حَفْصٍ، وغيرُهما. واخْتارَها القاضِى أيضًا، وابنُ عَقيل، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. قال في «الفُروعِ»: واخْتارَها الأصحابُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هى أنَصُّهما، واخْتِيارُ الأكْثَرِين. وعنه، لا يجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لرَمَضانَ. فعليها، يصِحُّ بنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ، وبنِيَّةِ نَفْلٍ ليْلًا، وبنِيَّةِ فَرْضٍ تردَّدَ فيها. واخْتارَ المَجْدُ، يصِحُّ بنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ؛ لتعَذُّرِ صَرْفِه إلى غيرِ رَمَضانَ، ولا يَصِحُّ بنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بنَفْلٍ، أو نَذْرٍ، أو غيرِه؛ لأنَّه ناوٍ تَرْكَه، فكيفَ يُجْعَلُ كنِيَّةِ النَّفْلِ؟ وهذا اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ في «شَرْحِه للمُخْتَصَرِ» . واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، إنْ كان جاهِلًا، وإنْ كان عالِمًا فلا. وقال في «الرِّعايَةِ» ، فيما وجَب مِنَ الصَّوْمِ في حَجٍّ أو عُمْرَةٍ: يتَخَرَّجُ أنْ لا يَجِبَ نِيَّةُ التَّعْيِينِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: قوله: إلَّا أنْ يَنْوِيَه مِنَ اللَّيْلِ. يعْنِى، تُعْتَبرُ النِّيَّةُ مِنَ اللَّيْلِ لكُلِّ صَوْمٍ واجِبٍ، بلا نِزاعٍ، ولو أتَى بعدَ النِّيَّةِ بما يُبْطِلُ الصَّوْمَ، لم يَبْطُلْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطعَ به كثيرٌ منهم. وقال ابنُ حامِدٍ: يَبْطُلُ. قلتُ: وهذا بعيدٌ جِدًّا. وأطْلقَهما في «الحَاوِيَيْن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، لو نوَتْ حائِضٌ صَوْمَ غَدٍ، وقد عرَفَتِ الطُّهْرَ ليْلًا، فقيلَ: يصِحُّ؛ لمَشَقَّةِ المُقارَنَةِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيلَ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّها ليستْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أهْلًا للصَّوْمِ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» بقِيلَ وقِيلَ. وقال في «الرِّعايَةِ» : إنْ نوَتْ حائِضٌ صَوْمَ فَرْضٍ ليْلًا، وقدِ انْقَطَعَ دَمُها، أو تَمَّتْ عادَتُها قبلَ الفَجْرِ، صحَّ صَوْمُها، وإلَّا فلا. الثَّانيةُ، لا تَصِحُّ النِّيَّةُ في نهارِ يَوْمٍ لصَوْمِ غَدٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقد شَمِلَه قوْلُ المُصَنِّفِ: إلَّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يَنْوِيَه مِنَ اللَّيْلِ. وعنه، يصِحُّ. نقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ، فقال: مَن نَوَى الصَّوْمَ عن قَضاءِ رَمَضانَ بالنَّهارِ، ولم يَنْوِ مِنَ اللَّيْلِ، فلا بَأْسَ، إلَّا أنْ يكونَ فسَخ النِّيَّةَ بعدَ ذلك. فقَوْلُه: ولم يَنْوِها مِنَ اللَّيْلِ. يَبْطُلُ به تأْوِيلُ القاضِى. وقوْلُه: عن قَضاءِ رَمَضانَ. يَبْطُلُ به تأْوِيلُ ابنِ عَقيلٍ، على أنَّه يَكْفِى لرَمَضانَ نِيَّةٌ في أوَّلِه. وأقرَّها أبو الحُسَيْنِ على ظاهِرِها. الثَّالثةُ، يُعْتَبرُ لكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ. علي الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وعنه، يُجْزِئُ في أوَّلِ رَمَضانَ نِيَّةٌ واحدَةٌ لكُلِّه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصَرَها أبو يَعْلَى الصَّغيرُ. وعلى قِياسِه النَّذْرُ المُعَيَّنُ. وأطْلقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» . فعليها، لو أفْطَرَ يَوْمًا لعُذْرٍ أوْ غيرِه، لم يصِحَّ صِيامُ الباقِى بتلك النِّيَّةِ. جزمَ به في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وقيل: يصِحُّ. قدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، فقال:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقيلَ: ما لم يَفْسَخْها، أو يُفْطِرْ فيه يوْمًا.
وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ.
ــ
قوله: ولا يَحْتاجُ إلى نِيَّةِ الفَرْضِيَّةِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يجِبُ ذلك. وأطْلقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .
فائدتان؛ إحداهما، لا يحْتاجُ مع التَّعْيينِ إلى نِيَّةِ الوجُوبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يحْتاجُ إلى ذلك. الثَّانيةُ، لو نَوَى خارِجَ رَمَضانَ قَضاءً ونَفْلًا، أو قَضاءً وكفَّارةَ ظِهَار، فهو نَفْلٌ إلْغاءً لهما بالتَّعارُضِ، فتَبْقَى نِيَّةُ أصْلِ الصَّوْمِ. جزمَ به المَجْدُ في «شَرْحِه». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: على أيِّهما يقَعُ؟ فيه وَجْهان.
وَلَوْ نَوَى، إِنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، فَهُوَ فَرْضِى، وَإلَّا فَهُوَ نَفْلٌ، لَمْ يُجْزِئْهُ. وَعَنْهُ، يُجْزِئُهُ.
ــ
قوله: لو نَوَى، إنْ كان غَدًا مِن رَمَضانَ، فهو فَرْضِى، وإلَّا فهو نَفْلٌ، لم يُجْزِئْه. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو مَبْنِيٌّ على أنَه يُشْترَطُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ، على ما تقدَّم قريبًا. وعنه، يُجْزِئُه. وهي مَبْنِيَّةٌ على رِوَايةِ أنَّه لا يجِبُ تعيِينُ النِّيَّةِ لرَمَضانَ. واخْتارَ هذه الرِّوايَةَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. قال فى «الفائقِ»: نصَرَه صاحِبُ «المُحَرَّرِ» ، وشيْخُنا، وهو المُخْتارُ. انتهى. ونقَل صالِحٌ عن أحمدَ رِوايَةً ثالثةً بصِحَّةِ النِّيَّةِ المُترَدِّدَةِ والمُطْلَقَةِ مع الغَيْمِ، دُونَ الصَّحْوِ؛ لوجُوبِ صَوْمِه.
فوائد؛ منها، لو نَوَى، إنْ كان غدًا مِن رَمَضانَ، فصَوْمِى عنه، وإلَّا فهو عن واجِبٍ عيَّنَه بنِيَّتِه، لم يُجْزِئْه عن ذلك الواجِبِ. وفى إجْزائِه عن رَمَضانَ، إنْ بانَ منه، الرَّوايَتان المُتقَدِّمَتان. ومنها، لو نَوَى، إنْ كان غدًا مِن رَمَضانَ، فصَوْمِى عنه، وإلَّا فأنا مُفْطِرٌ، لم يصِحَّ. وفيه، فى ليْلَةِ الثَّلاثِين مِن رَمَضانَ، وَجْهان؛ للشَّكِّ والبِنَاءِ على الأصْلِ، قدَّم في «الرِّعَايَةِ» الصِّحَّةَ. قال في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والسِّتِّين»: صَحَّ صَوْمُه في أَصحِّ الوَجْهَيْن؛ لأنَّه بنَى على أصْلٍ لم يَثْبُتْ زَوالُه، ولا يُقْدَحُ تَرَدُّدُه؛ لأنَّه حُكْمُ صَوْمِه مع الجَزْمِ. والوَجْهُ الثَّانِى، لا يُجْزِئُه. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. ومنها، إذا لم يُرَدِّدِ النِّيَّةَ، بل نَوَىَ ليْلَةَ الثَّلاِثِين مِن شَعْبانَ، أنَّه صائمٌ غدًا مِن رَمَضانَ، بلا مُسْتَنَدٍ شَرْعِىٍّ، كصَحْوٍ أو غَيْمٍ، ولم نُوجِبِ الصَّوْمَ به، فبَانَ منه، فعلى الرِّوايتَيْن في مَن ترَدَّدَ أو نَوَى مُطْلَقًا. وظاهِرُ رِوايَةِ صالحٍ، والأَثْرَمِ، يُجْزِئُه
وَمَنْ نَوَى الإِفْطَارَ، أَفْطَرَ.
ــ
مع اعْتِبارِ التَّعْيِينِ لوجُودِها. قاله في «الفُروعِ» هنا. وقال في كِتابِ الصِّيامِ: ومَن نَواه احْتِياطًا بلا مُسْتَنَدٍ شَرْعِىٍّ، فَبانَ منه، فعنه، لا يُجْزِئُه. وعنه، بلَى. وعنه، يُجزِئُه ولو اعْتَبرَ نِيَّةَ التَّعْيِينِ. وقيلَ: في الِإجْزاءِ وَجْهان. وتأْتِى المَسْألَةُ. انتهى. ومنها، لا شَكَّ مع غَيْمٍ وقَتَرٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، بلَى. قال في «الفائقِ»: وهو المُخْتارُ. قال: بل هو أضْعَفُ، رَدًّا إلى الأصْلِ. ومنها، لو نَوَى الرَّمَضانِيَّةَ عن مُسْتَنَدٍ شَرْعِىٍّ، أجْزأَه، كالمُجْتَهِدِ في الوَقْتِ. ومنها، لو قال: أنا صائمٌ غدًا، إنْ شاءَ الله تعالَى. فإنْ قصَد بالمَشِيئَةِ الشَّكَّ والتَّرَدُّدَ في العَزْمِ والقَصْدِ، فسَدَتْ نِيَّتُه، وإلَّا لم تَفْسُدْ. ذكَرَه القاضِى فى «التَّعْليقِ» ، وابنُ عَقيلٍ في «الفُنُونِ» ، واقْتصرَ عليه في «الفُروعِ» ؛ لأنَّه إنَّما قصدَ أنَّ فِعْلَه للصَّوْمِ بمَشِيئَةِ الله وتوْفيقِه وتَيْسيرِه، كما لا يَفْسُدُ الإِيمانُ بقَوْلِه: أنا مُؤْمِنٌ، إنْ شاءَ الله تعالَى. غيرَ مُتَرَدِّدٍ في الحالِ. ثم قال القاضِى: وكذا نقولُ في سائرِ العِبَاداتِ: لا تَفْسُدُ بذِكْرِ المَشِيئةِ في نِيَّتِها. ومنها، لو خطَر بقَلْبِه ليْلًا أنَّه صائِمٌ غدًا، فقد نَوَى. قال في «الرَّوْضَةِ» ، ومَعْناه لغيرِه: الأكْلُ والشُّرْبُ بنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّة عندَنا. وكذا قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: هو حينَ يتَعَشَّى يتَعَشَّى عَشاءَ مَن يُريدُ الصَّوْمَ، ولهذا يُفَرَّقُ بينَ عَشاءِ ليْلَةِ العِيدِ، وعَشاءِ ليَالِى رَمَضانَ.
قوله: ومَن نَوَى الإِفْطَارَ، أفْطَرَ. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. وزادَ في رِوايَةٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُكَفَّرُ إنْ تعَمَّدَه. وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال ابنُ حامِدٍ: لا يَبْطُلُ صَوْمُه.
تنبيه: معْنَى قوْلِهم: مَن نَوَى الإِفْطارَ، أفْطَرَ. أي صارَ كمَن لم يَنْوِ، لا كمَن أكَل، فلو كان في نَفْلٍ، ثم عادَ ونَواه، جازَ. نصَّ عليه. وكذا لو كان عن نَذْرٍ أو كفَّارَةٍ أو قَضاءٍ، فقطَع نِيَّتَه، ثم نوَى نَفْلًا، جازَ. ولو قلَب نِيَّةَ نَذْرٍ وقَضاءٍ إلى النَّفْلِ، كان حُكْمُه حُكْمَ مَنِ انْتقَلَ مِن فَرْضِ صَلاةٍ إلى نَفْلِها، على ما تقدَّم في بابِ نِيَّةِ الصَّلاة. وعلى المذهب، لو ترَدَّدَ في الفِطْرِ، أو نوَى أنَّه سَيُفْطِرُ ساعَةً أُخْرَى،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو قال: إنْ وجَدْتُ طَعامًا أكَلْتُ، وإلَّا أتْمَمْتُ. فكالخِلافِ فى الصَّلاةِ، قيل: يبْطُلُ؛ لأنَّه لم يَجْزِمْ بالنَّيَّةِ. نقَل الأثْرَمُ، لا يُجْزِئُه عنِ الواجِبِ، حتى يكونَ عازِمًا
وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ. وَقَالَ الْقَاضِى: لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ.
ــ
على الصَّوْمِ يوْمَه كلَّه. قلتُ: وهذا الصَّوابُ. وقيلَ: لا يَبْطُلُ؛ لأنَّه لم يجْزِمْ نِيَّةَ الفِطْرِ، والنِّيَّةُ لا يصِحُّ تَعْليقُها. وأطْلقَهما في «الفُرُوعِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» .
قوله: ويَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بنِيَّةٍ مِنَ النَّهارِ، قبلَ الزَّوَالِ وبعدَه. هذا المذهبُ. نصَّ عليه. قال في «الفُرُوعِ»: وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم القاضِى في أكثرِ كُتُبِه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ومنهم ابنُ أبى مُوسَى، والمُصَنَّفُ. وصحَّحَه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الخُلاصَةِ» ، و «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ». وقال القاضِى: لا يُجْزِئُه بعدَ الزَّوَالِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتارَه في «المُجَرَّدِ» ، وهو رِوايَةٌ عنِ الإِمام أحمدَ. واخْتارَه ابنُ عَقيلٍ، وابنُ البَنَّا في «الخِصَالِ» . وقدَّمه في «الرَّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وأطْلقَهما في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» .
فائدة: يُحْكَمُ بالصَّوْمِ الشَّرْعِىِّ المُثابِ عليه مِن وَقْتِ النِّيَّةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه أبو طالبٍ. قال المَجْدُ: وهو قَوْلُ جماعَةٍ مِن أصحابِنا؛ منهم القاضِى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في المناسِكِ مِن «تَعْلِيقِه» . واخْتارَه المُصَنَّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال فى «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ. وقدَّمه في «الكَافي» ، و «الشَرْحِ» ، و «الحَاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشىِّ». وقيل: يُحْكَمُ بالصَّوْمِ مِن أوَّلِ النَّهارِ. اخْتارَه القاضِى في «المُجَرَّدِ» ، وأبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، والمَجْدُ في «شَرْحِه» . وجزمَ به فى «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وأطْلقَهما في «القَواعِدِ الفِقْهيَّةِ» . فعلى المذهبِ، يَصِحُّ تطَوُّعُ حائضٍ طَهُرَتْ، وكافرٍ أسْلَمَ، ولم يأْكُلَا بقِيَّةَ اليَوْمِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وعلى الثَّانِى، لا يَصِحُّ؛ لامْتِناعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَبْعيضِ صَوْمِ اليَوْمِ، وتعَذُّر تكْميلِه؛ لفِقْدِ الأهْلِيَّةِ في بعضِه. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ، يَحْتَمِلُ أنْ لا يصِحَّ عليهما؛ لأنَّه لا يصِحُّ منهما صَوْمٌ، كمَن أكَل ثُمَّ نوَى صَوْمَ بقِيَّةِ يوْمِه، وما هو ببَعيدٍ.