الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ إِخْرَاجَ الزَكَاةِ
لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقتِ وُجُوبِهَا مَعَ إِمكَانِهِ إِلَّا لِضَرَرٍ؛ مِثْلَ أَنْ يَخشَى رُجُوعَ السَّاعِى عَلَيْهِ، وَنحْوَ ذَلِكَ.
ــ
بابُ إِخْراجَ الزَّكاةِ
قوله: لا يَجُوزُ تأْخيرُها عن وَقْتِ وُجوبِها، مع إمْكانِه. هذا المذهبُ فى الجُمْلَةِ. نصَّ عليه، وعليه جُمْهورُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقيل: لا يلزَمُه إخْراجُها على الفَوْرِ؛ لإطْلاقِ الأمْرِ، كالمَكانِ (1).
قوله: مع إمْكانِه. يعْنى، أنَّه إذا قدَر على إخْراجِها، لم يجُزْ تأْخيرُها، وإنْ تعَذَّرَ إخْراجُها مِنَ النِّصابِ؛ لغيْبَةٍ أو غيرِها، جازَ التَّأْخيرُ إلى القُدْرَةِ، ولو كان قادِرًا على الإخْراج من غيرِه. وهذا المذهبُ. قدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ،
(1) فى أ: «كالكفارة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصاحِبُ «الفُروعِ» وغيرُهما. ويحتَمِلُ أنْ لا يجوزَ التَّأخيرُ إنْ وجَبَتْ فى الذِّمَّةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم تسقُطْ بالتَّلَفِ. فعلى المذهبِ فى أصْلِ المَسْألةِ، يجوزُ التَّأْخيرُ؛ لضرَرٍ عليه، مثلَ أنْ يخْشَى رُجوعَ السَّاعِى عليه، ونحو ذلك، كخَوْفِه على نَفْسِه أو مالِه. ويجوزُ له التَّأْخيرُ أَيضًا لحاجَتِه إلى زَكاتِه إذا كان فَقيرًا مُحْتاجًا إليها، تَخْتَلُّ كِفايَتُه ومَعيشَتُه بإخْراجِها. نصَّ عليه. ويُؤْخَذُ منه ذلك عندَ مَيْسَرَتِه. قلتُ: فيُعايَى بها. ويجوزُ أَيْضًا التَّأْخيرُ ليُعْطيَها لمَن حاجَتُه أشَدُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. نقَل يَعْقوبُ: لا أُحِبُّ تَأْخيرَها، إلَّا أنْ لا يَجِدَ قوْمًا مِثْلَهم فى الحاجَةِ فيُؤَخِّرَها لهم. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، وقال: جزَم به بعضُهم. قلتُ: منهم صاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وابنُ رَزِينٍ. وقال جماعَةٌ، منهم المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مُجَرَّدِه»: يجوزُ بزَمَنٍ يَسِيرٍ لمَن حاجَتُه أشَدُّ؛ لأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إليه، ولا يفوتُ المَقْصودُ، وإلَّا لم يجُزْ ترْكُ واجِبٍ لمَنْدُوبٍ. قال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» : وقيَّدَ ذلك بعضُهم بالزَّمَنِ اليَسيرِ. قال فى «المُذْهَبِ» : ولا يجوزُ تأْخيرُها مع القُدْرَةِ، فإنْ أمْسَكَها اليَوْمَ واليَوْمَيْن ليتحَرَّى الأفْضَلَ، جازَ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ المَنْعُ. ويجوزُ أَيضًا التَّأْخيرُ لقَريبٍ. قدَّمه فى «الفروع» ، وقال: جزَم به جماعَةٌ. قلتُ: منهم ابنُ رَزينٍ، وصاحِبُ «الحاوِيَيْن» . وقدَّم جماعَةٌ المَنْعَ؛ منهم صاحِبُ «الرِّعايَتيْن» ، [و «الحاوِيَيْن»](1)، و «الفَائقِ». قال فى «القَواعِدِ الأُصولِيَّةِ»: وأطْلَقَ القاضى، وابنُ عَقِيلٍ رِوايتَيْن فى القَريبِ، ولم يُقَيِّدَاه بالزَّمَنِ اليَسيرِ. ويجوزُ أَيضًا التَّأخيرُ للجارِ، كالقَريبِ. جزَم به فى «الحاوِيَيْن». وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: ولم يذْكُرْه الأكْثَرُ. وقدَّم المَنْع فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الفَائقِ» . وعنه، له أنْ يُعْطِىَ قريبَه كلَّ شَهْرٍ شيئًا. وحمَلَها أبو بَكْرٍ على تَعْجيلها. قال المَجْدُ: وهو خِلافُ الظَّاهِرِ. وعنه، ليس له ذلك. وأطْلَقَ القاضى، وابنُ عَقِيل الرِّوايتَيْن.
فائدتان؛ إحداهما، يجوزُ للإمامِ والسَّاعى تأخيرُ الزَّكاةِ عندَ رَبِّها لمَصْلَحَةٍ، كقَحْطٍ ونحوِه. جزَم به الأصحابُ. الثَّانيةُ، وهى كالأجْنَبِيَّةِ ممَّا نحنُ فيه، نصَّ الإِمامُ أحمدُ على لُزومِ فَوْريَّةِ النَّذْرِ المُطْلَقِ والكَفَّارةِ. وهو المذهبُ. قالَه فى «القَواعِدِ» وغيرِه. وقيلَ: لا يَلزَمان على الفَوْرِ. قال ذلك ابنُ تَمِيمٍ، وتَبِعَه صاحِبُ «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ». وقال فى «الفائقِ»: المَنْصوصُ عدَمُ لُزومِ الفَوْرِيَّةِ. ولعَلَّه سَبْقُ قَلَمٍ.
(1) زيادة من: ش.
فَإِنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا جَهْلًا بِهِ، عُرِّفَ ذَلِكَ، فَإِنْ أصَرَّ كَفَرَ وَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَمَنْ مَنَعَهَا بُخْلًا بِهَا، أُخِدتْ مِنْهُ وَعُزِّرَ. فَإِنْ غَيَّبَ مَالَهُ، أَوْ كَتَمَهُ، أوْ قَاتَلَ دُونَهَا، وَأَمْكَنَ أخْذُهَا، أُخِذَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَأْخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِه.
ــ
قوله: ومَن منَعَها بُخْلًا بها، أُخِذَتْ مِنه وعُزِّرَ. وكذا لو منَعَها تَهاونًا. زادَ فى «الرِّعايَةِ» مِن عندِه، أو هَمَلًا. قال فى «الفُروعِ»: كذا أطْلَقَ جماعَة التَّعْزِيرَ. قلتُ: أطْلَقَه كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» . وقال القاضى، وابنُ عَقِيلٍ: إنْ فعَلَه لِفسْقِ الإِمامِ، لكَوْنِه لا يضَعُها مَواضِعَها، لم يُعَزَّرْ. وجزَم به غيرُ واحدٍ مِنَ الأصحابِ، مهم صاحِبُ «الرِّعايَةِ» ، و «الفائقِ». قلتُ: وهذا الصَّوابُ، بل لو قيلَ بوُجُوبِ كِتْمانِه، والحالَةُ هذه، لكان سَديدًا. تنبيه: مُرادُه بقَوْلِه: وعُزِّرَ. إذا كان عالِمًا بتَحْريمِ ذلك، والمُعَزِّرُ له هو الإِمامُ، أو عامِلُ الزَّكاةِ. على الصَّحيِحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ». وقيلَ: إنْ كان مالُه باطِنًا، عَزَّرَه الإِمامُ أو المُحْتَسِبُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فإنْ غيَّبَ مالَه، أو كتَمَه، أو قاتَل دونَها، وأمْكَن أخْذُها، أُخِذَتْ منه مِن غيرِ زِيادَةٍ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال أبو بَكْر فى «زَادِ المُسافِرِ»: يَأْخُذُها وشَطْرَ مالِه. وقدَّمه الحَلْوانِىُّ فى «التَّبصِرَةِ» . وذكَرَه المَجْدُ رِوايَةً. وقال أبو بَكْر أَيضًا: يَأخُذُ شَطْرَ مالِه الزَّكَوِىِّ. وقال إبْراهِيمُ الحَرْبِىُّ: يُؤْخَذُ من خيارِ مالِه زيادَةُ القيمَةِ بشَطْرِها، مِن غيرِ زيادَةِ عدَدٍ ولا سِنٍّ. قال المَجْدُ: وهذا تَكَلُّفٌ ضَعيفٌ. وعنه، تُؤْخَذُ منه ومِثْلُها. ذكَرَها ابنُ عَقِيلٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقالَه أبو بَكْرٍ أَيضًا فى «زَادِ المُسَافِرِ» . وقال ابنُ عَقِيلٍ فى مَوْضِع مِن كلامِه: إذا منَع الزَّكاةَ، فرأى الإِمامُ التَّغْليظَ عليه بأخْذِ زيادَةٍ عليها، اختَلفتِ الرِّوايَةُ فى ذلك.
تنبيهات؛ أحدُها، مَحلُّ هذا عندَ صاحِبِ «الحاوِى» وجماعَةٍ، فى مَن كتَم مالَه فقط. وقال فى «الحاوِى»: وكذا قيل: إنْ غَيَّبَ مالَه، أو قاتَلَ دُونَها. الثَّانى، قال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ، منهم ابنُ حَمْدانَ: وإنْ أَخَذَها غيرُ عَدْلٍ فيها، لم يَأْخُذْ مِنَ المُمْتَنِعِ زِيادَةً. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقَ جماعَةٌ آخَرون الأخْذَ، كَمسْألةِ التَّعْزيرِ السَّابِقَةِ. الثَّالثُ، قدَّم المصَنِّفُ هنا، أنَّه إذا قَاتَل عليها،
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أخْذُهَا اسْتُتِيبَ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَابَ وَأَخْرَجَ، وَإلَّا قُتِلَ وَأُخِذَت مِنْ تَرِكَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنْ قَاتَلَ عَلَيْهَا كَفَرَ.
ــ
لم يَكْفُرْ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ وغيرُه: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال بعضُ أصحابِنا: إنْ قاتَلَ عليها كفَر. وهو رِوايَةٌ عنِ الإِمامِ أحمدَ. وجزَم به بعضُ الأصحابِ، وأطْلَقَ بعضُهم الرِّوايتَيْن. وعنه، يكْفُرُ وإنْ لم يُقاتِلْ عليها. وتقدَّم ذلك فى كتابِ الصَّلاةِ.
قوله: فإنْ لم يُمْكِنْ أخْذُها، اسْتُتِيبَ ثلاثًا، فإنْ تابَ وأخْرَجَ، وإلَّا قُتِلَ. حُكْمُ اسْتِتابَتِه هنا، حُكْمُ اسْتِتابَةِ المُرْتَدِّ فى الوُجوبِ وعدَمِه. على ما يَأْتِى بَيانُه إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى فى بابِه. وإذا قُتِلَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُقْتَلُ حدًّا. وهو مِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُفْرَداتِ. وعنه، يُقْتَلُ كُفْرًا.
فائدة: إذا لم يُمْكِنْ أخْذُ الزَّكاةِ منه إلَّا بالقِتالِ، وجَب على الإِمامِ قِتالُه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وذكَر ابنُ أبى مُوسى رِوايةً، لا يجِبُ قِتالُه إلَّا لمَن جحَد وُجوبَها.
وَإنِ ادَّعَى مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ مِنْ نُقْصَانِ الْحَوْلِ أوِ النِّصَابِ، أَوِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ فى بَعْضِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ، قُبِلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ.
نَصَّ عَلَيْهِ.
ــ
قوله: وإنِ ادَّعَى ما يَمْنَعُ وجوبَ الزَّكاةِ؛ مِن نُقْصانِ النِّصابِ أو الحَولِ، أو انْتِقالِه عنه فى بعضِ الحوْلِ، ونَحوه، كادِّعائِه أداءَها، أو أن ما بيَدِه لغيرِه، أو تَجَدُّدِ مِلْكِه قريبًا، أو أنَّه مُنْفَرِدٌ، أو (1) مُخْتَلِطٌ، قُبِلَ قَوْلُه بغيرِ يَمينٍ. وهذا المذهبُ،
(1) سقط من: أ.
وَالصَّبِىُّ وَالْمَجْنُونُ يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا.
ــ
وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال ابنُ حامِدٍ: يُسْتَحْلَفُ فى ذلك كله. ووَجَّه فى «الفروعِ» احْتِمالًا، يُسْتَحْلَفُ إنِ اتُّهِمَ، وإلَّا فلا. وقال القاضى فى «الأَحْكامِ السُّلْطانيَّةِ»: إنْ رأى العامِلُ أنْ (1) يَسْتَحْلِفُه، فعَل، فإنْ نكَل، لم يَقْضِ عليه بنُكولِه. وقيلَ: يَقْضِى عليه. قلتُ: فعلى قَوْلِ القاضى، يُعايَى بها.
فائدة: قال بعضُ الأصحابِ: ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، أنَّ اليمينَ لا تُشْرَعُ. قال فى «عُيونِ المَسائِل»: ظاهِرُ قوْلِه: لا يُسْتَحْلَفُ النَّاسُ على صدَقاتِهم. لا يجبُ ولا يُسْتَحَبُّ، بخِلافِ الوَصِيَّةِ للفُقراءِ بمالٍ.
قوله: والصَّبىُّ والمَجْنُونُ يُخْرِجُ عنهما ولِيُّهُما. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، لا يَلْزَمُه الإخْراجُ إنْ خافَ أنْ يُطالَبَ
(1) فى أ: «أنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بذلك، كمَن يَخْشَى رُجوعَ السَّاعِى، لكنْ يُعْلِمُه إذا بلَغ وعقَل.
وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَهُ دَفْعُهَا إِلَى السَّاعِى. وَعَنْهُ، يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ الْعُشْرَ، وَيَتَوَلَّى هُوَ تفْرِيقَ الْبَاقِى.
ــ
قوله: ويُسْتَحَبُّ للإنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكاتِه بنَفْسِه. سواءٌ كانتْ زَكاةَ مالٍ أو فِطْرَةٍ. نصَّ عليه. قال بعضُ الأصحابِ؛ منهم ابنُ حَمْدانَ: بشَرْطِ أمانَتِه. قال فى «الفُروعِ» : وهو مُرادُ غيرِه. أىْ مِن حيثُ الجُمْلَة. انتهى.
قوله: وله دَفْعُها إلى السَّاعِى. وإلى الإِمامِ أَيضًا. وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه
وَعِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ، دَفْعُهَا إلَى الإِمَامِ الْعَادِلِ أَفْضَلُ.
ــ
مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال ناظِمُها:
زَكاتُه يُخْرِجُ فى الأيَّام
…
بنَفْسِه أَوْلَى مِنَ الإِمامِ
وقيلَ: يجِبُ دَفْعُها إلى الإمامَ إذا طَلَبها، وِفاقًا للأئمَّةِ الثَّلَاثةِ. وعنه، يُسْتَحَبُّ أنْ يدْفَعَ إليه العُشْرَ، ويتَوَلَّى هو تَفْرِيقَ الباقِى. وقال أبو الخَطابِ: دَفْعُها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الإِمامِ العادِلِ أفْضَلُ. واخْتارَه ابنُ أبى مُوسَى، للخُروجِ مِنَ الخِلافِ وزَوالِ التُّهْمَةِ. وعنه، دَفْعُ المالِ الظَّاهِرِ إليه أفْضَلُ. وعنه، دَفْعُ الفِطْرَةِ إليه أفْضَلُ. نقلَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَرُّوذِىُّ، كما تقدَّم فى آخِرِ بابِ الفِطْرَةِ. وقيل: يجِبُ دَفْعُ زَكاةِ المالِ الظَّاهِر إلى الإِمامِ، ولا يُجْزِئُ دُونَه.
فوَائد؛ الأُولَى، يجوزُ دفْعُ زَكاتِه إلى الإِمامِ الفاسِقِ. على الصَّحيِح مِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ. وقال القاضِىّ فى «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : يَحْرُمُ عليه دَفْعُها، إنْ وَضعَها فى غيرِ أهْلِها، ويجِبُ كَتْمُها إِذَنْ عنه. واخْتارَه فى «الحاوِى». قلتُ: وهو الصَّوابُ. ويأْتِى فى بابِ قتالِ أهْلِ البَغْى، أنَّه يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكاةِ إلى الخَوارِجِ والبُغاةِ. نصَّ عليه فى الخَوارِجِ. الثَّانية، يجوزُ للإِمامِ طلَبُ الزَّكاةِ مِنَ المالِ الظَّاهِرِ والباطِنِ. على الصَّحيِح مِنَ المذهبِ، إنْ وضَعَها فى أهْلِها. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضى فى «الأَحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : لا نظَرَ له فى زَكاةِ المالِ الباطِنِ، إلَّا أنْ يُبْذَلَ (1) له. وقال ابنُ تَمِيمٍ: فيما تجِبُ فيه الزَّكاةُ. قال القاضى: إذا مَرَّ المُضارِبُ أو المَأْذُونُ له بالمالِ على عاشِرِ المُسْلِمين، أخَذ منه الزَّكاةَ. قال: وقيلَ: لا تُؤْخَذ منه حتَّى يَحْضُرَ المالِكُ. الثَّالثةُ، لو طَلَبَها الإِمامُ، لم يجِبْ دَفْعُها إليه، وليس له أنْ يُقاتِلَه على ذلك إذا لم يَمْنَعْ إخْراجَها بالكُلِّيَّةِ. نصَّ عليه. وجزَم به ابنُ شِهَابٍ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقيلَ: يجِبُ عليه دَفْعُها إليه، إذا طلَبَها، ولا يُقاتلُ لأجْلِه؛ لأنَّه مُخْتَلَفٌ فيه. جزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه». قال فى «الفُروعِ»: وصحَّحَه غيرُ واحدٍ فى «الخِلافِ» . قلتُ: صحَّحَه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وقيلَ: لا يجِبُ دَفْع الباطِنَةِ بطَلَبِه. قال ابنُ تَميمٍ: وَجْهًا واحِدًا. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: مَن جوَّزَ القِتالَ على تَرْكِ طاعَةِ وَلِىِّ الأمْرِ، جَوَّزَه هنا، ومَن لم يُجَوِّزْه إلَّا على تَرْكِ طاعَةِ اللَّهِ ورَسُولِه، لم يُجَوِّزْه. الرَّابعُة، يجوزُ للإمامِ طلَبُ النَّذْرِ
(1) فى ط: «يبذله» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والكَفَّارَةِ. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه فى الكَفَّارةِ والظِّهارِ. وقيلَ: ليس له ذلك. وأطْلَقَهما ابنُ تَميمٍ، وابنُ حَمْدانَ، وصاحِبُ «الفُروعِ» . الخامِسَةُ، يجِبُ على الإِمامِ أنْ يَبْعثَ السُّعَاةَ عندَ قُرْبِ الوُجوبِ لقَبْضِ زَكاةِ المالِ الظَّاهِرِ. وأطْلَقَ المُصَنِّفُ، وقالَه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، والوُجوبُ هو المذهبُ. ولم يذْكُرْ جماعَةٌ هذه المَسْألَةَ، فيُؤْخَذُ منه، لا يَجِبُ. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّه أظْهَرُ. وفى «الرِّعايَةِ» قوْلٌ: يُسْتَحَبُّ. ويَجْعَلُ حَوْلَ الماشِيَةِ المُحَرَّمَ، لأنَّه أوَّلُ السَّنَةِ. وتَوقَّفَ أحمدُ، ومِثْلُه إلى شَهْرِ رَمضان، فإنْ وجَد مالًا لم يَحُلْ حوْلُه، فإنْ عجَّلَ ربُّه زَكاتَه، وإلَّا وَكَّلَ ثِقَةً يَقْبِضُها ثم يَصْرِفُها فى مَصارِفِها، وله جَعْلُ ذلك إلى رَبِّ المالِ إنْ كان ثِقَةً، وإنْ لم يجِدْ ثِقَةً، فقال القاضى: يُؤَخِّرُها إلى العَامِ الثَّانِى. وقال الآمِدِىُّ: لرَبِّ المالِ أنْ يُخْرِجَها. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال فى «الكافِى» : إنْ لم يُعَجلْها، فإمَّا أنْ يُؤَكِّلَ، أو يُؤَخِّرَها إلى الحَوْلِ الثَّانِى. وإذا قبَض السَّاعِى الزَّكَاةَ، فَرَّقَها فى مكانِه وما قَارَبَه، فإنْ فضَل شئٌ حمَلَه. ولَه بَيْعُ مالِ الزَّكاةِ، لحاجَةٍ أو مَصْلَحَةٍ، وصَرْفُه فى الأحَظِّ للفُقَراءِ أو حاجَتِهم، حتى فى أُجْرَةِ مَسْكَنٍ. وإنْ باعَ لغيرِ حاجَةٍ، فقال القاضى: لا يصِحُّ. وقيلَ: يصِحُّ. وقدَّمه بعضُهم، وهو ابنُ حَمْدانَ فى «رِعايَتَيْه» ، واقتَصَر المُصَنِّفُ فى «الكافِى» على البَيْعِ إذا خافَ تَلَفه، ومالَ إلى الصِّحَّةِ.
وَلَا يَجوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا بِنِيَّةٍ، إِلَّا أَنْ يَأْخُذَهَا الإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تُجْزِئُهُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.
ــ
وكذا جزَم ابنُ تَميمٍ، أنَّه لا يَبِيعُ لغيرِ حاجَةٍ، لخَوْفِ تَلَفٍ، ومُؤْنَةِ نَقْلٍ، فإنْ فعَل، ففى الصِّحَّةِ وَجْهان. أطْلَقهما فى «الحاوِيَيْن» و «الفُروعِ» .
قوله: ولا يَجُوزُ إخْراجُها إلَّا بنِيَّةٍ. هذا بلا نِزاعٍ مِن حيثُ الجُمْلةُ، فيَنْوِى الزَّكاةَ أو صَدَقةَ الفِطْرِ، فلو نوَى صدَقةً مُطْلَقةً، لم يُجْزِئْه، ولو تصَدَّقَ بجميع مالِه، كصَدقتِه بغيرِ النِّصابِ مِن جِنْسِه؛ لأنَّ صَرْفَ المالِ إلى الفَقيرِ له جِهَاتٌ، فلا تتَعَيَّنُ الزَّكاةُ إلَّا بالتَّعْيينِ. وقال القاضى فى «التَّعْليقِ»: إنْ تصَدَّقَ بمالِه المُعَيَّنِ، أجْزَأَه. ولو نوَى صدَقةَ المالِ، أو الصَّدقةَ الواجِبَةَ، أجْزأَه (1). على الصَّحيِحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الرِّعايَةِ»: كَفَى فى الأصَحِّ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال: جزَم به جماعَةٌ. وقال: وظاهِرُ التَّعْلِيلِ المُتَقدِّمِ، لا يَكْفِى نِيَّةُ الصَّدَقَةِ الواجِبَةِ، أو صَدَقَةِ المالِ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به جماعَة، مِن أنَّه يَنْوِى الزَّكاةَ. قال: وهذا مُتَّجَهٌ.
(1) فى الأصل، ط:«أجزأ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحداهما، لا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الفَرْضِ، ولا تَعْيِينُ المالِ المُزَكَّى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وفى «تَعْليقِ القاضى» ، فى كتابِ الطَّهارَةِ، وجْهٌ؛ تُعْتَبرُ نِيَّةُ التَّعْيينِ إذا اخْتَلَف المالُ، مِثْل شاةٍ عن خَمْسٍ مِنَ الإِبلِ، وشاةٍ أُخْرَى عن أرْبَعِين مِنَ الغَنَمِ، ودِينارٍ عن نِصَابٍ تالِفٍ، ودِينارٍ آخَرَ عن نِصابٍ قائمٍ، وصَاعٍ عن فِطْرَةٍ، وصَاعٍ آخَرَ عن عَشْرٍ. فعلى المذهبِ، لو نَوَى زَكاةً عن مالِه الغائبِ، فإنْ كان تالِفًا فعَنِ الحاضِرِ، أجْزَأَ عنه إنْ كان الغائِبُ تالِفًا، وإنْ كانَا سالِمَيْن أجْزَأَ عن أحَدِهما. ولو كان له خَمْسٌ مِنَ الإِبلِ، وأرْبَعُون مِنَ الغَنَمِ، فقال: هذه الشَّاةُ عنِ الإِبلِ أو الغَنَمِ. أجْزأَتْه عن أحْدِهما. وكذا لو كان له مالٌ حاضِرٌ وغائِبٌ، وأخْرَجَ، وقال: هذه زَكاةُ مالِى الحاضِرِ أو الغائِب. وإن قال: هذا عن مالِى الغائبِ إنْ كان سالِمًا، وإنْ لم يكُنْ سَالِمًا فتَطَوُّعٌ فبَانَ سالِمًا، أجْزأَ عنه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ». وقال أبو بَكْرٍ: لا يُجْزِئُه؛ لأنَّه لم يُخْلِصِ النِّيَّةَ للفَرْضِ، كمَن قال: هذه زَكاةُ مالِى، أو نَفْلٌ. أو: هذه زَكاةُ إرْثِى مِن مُوَرِّثى إنْ كان ماتَ؛ لأنَّه لم يَبْنِ على أصْلٍ. وأطْلقَهما فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال المُصَنِّفُ وغيرُه: كقَوْلِه ليْلَةَ الشَّكِّ: إنْ كان غدًا مِن رَمضانَ ففَرْضِى، وإلَّا فنَفْلٌ. وقال المَجْدُ: كقَوْلِه: إنْ كان وَقْتُ الظُّهْرِ دخَل، فصَلاتِى هذه عنها. وقال جماعَة؛ منهمُ ابنُ تَمِيمٍ: لو قال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصَّلاةِ: إنْ كان الوَقْتُ دخَل فَفرْضٌ، وإلَّا فنَفْلٌ. فعلى الوَجْهَيْن. وقال أبو البَقَاءِ، فى مَن بلَغ فى الوَقْتِ: التَّرَدد فى العِبَادَةِ يُفْسِدُها. ولهذا لو صَلَّى أو نوَى، إنْ كان الوَقْتُ قد دخَل، فهى فَرِيضَة، وإنْ لم يَكُنْ دخَل، فنَافِلَةٌ. لم يَصِحَّ له فَرْضًا ولا نَفْلًا. وتقدَّم فى كتابِ الزَّكاةِ، فى فَوائدِ وُجوبِ الزَّكاةِ فى العَيْنِ أو فى الذِّمَّةِ، هل يَلْزَمُه إخْراجُ زَكاةِ مالِه الغائبِ أم لا؟ الثَّانيةُ، الأُوْلَى مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للدَّفْعِ، ويجوزُ تقْديمُها على الدَّفْعِ بزَمَنٍ يَسيرٍ، كالصَّلاةِ، على ما سبَق مِنَ الخِلافِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: يجوزُ تَقْديمُ النِّيَّةِ على الأداءِ (1) بالزَّمَنِ اليَسيرِ، كسَائرِ العِبادَاتِ. وقال فى «الرَّوْضَةِ»: تُعْتبَرُ النِّيَّةُ عندَ الدَّفْعِ.
قوله: ولا يجُوزُ إخْراجُها إلَّا بِنيَّةٍ، إلَّا أنْ يَأْخُذَها الإِمامُ مِنه قَهْرًا. إذا أخَذ الإِمامُ الزَّكاةَ منه قَهْرًا (2) وأخْرَجَها ناوِيًا للزَّكاةِ، ولم يَنْوِها رَبُّها، أجْزأتْ عن رَبِّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال المَجْدُ: هو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، والخِرَقِىِّ لمَن
(1) فى الأصل، أ:«الأدنى» .
(2)
سقط من الأصل، أ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَأمَّلَه. قال ابنُ مُنجَّى فى «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. واخْتارَه القاضى وغيرُه. قال فى «القَواعِدِ» : هذا أصحُّ الوَجْهَيْن. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِ هم. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «ابنِ رَزِينٍ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، وصحَّحَه. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يُجْزِئُه أيضًا مِن غيرِ نِيَّةٍ. واخْتارَه ابنُ عَقيلٍ، وصاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ أيضًا فى «فَتاوِيه». قالَه الزَّرْكَشِىُّ. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: وهذا أصْوَبُ. وظاهِرُ «الفُروعِ»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإِطْلاقُ؛ فإنَّه قال: أجْزأَتْ عندَ القاضى وغيرِه، وعندَ أبى الخَطَّابِ، وابنِ عَقِيلٍ، لا تُجْزِئُ. وأطْلَقَهما المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وابنُ تَمِيمٍ، والزَّرْكَشِىُّ، وصاحِبُ «الفائقِ» . فعلى الأوَّلِ، تُجْزِئُ ظاهِرًا وباطِنًا. وعلى الثَّانِى، تُجْزِئُ ظاهِرًا لا باطِنًا.
فائدة: مِثْلُ ذلك، لو دَفَعها رَبُّ المالِ إلى مُسْتَحِقها كُرْهًا وقَهْرًا، قالَه المَجْدُ وغيرُه.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لو دفَع زَكاتَه إلى الإِمامِ طائِعًا، ونَواها الإِمامُ دُونَ ربِّها، أنّها لا تُجْزِئُ، بل هو كالصَّريحِ فى كلام المُصَنِّفِ. وهو صَحِيحٌ، وهو المذهبُ. قال المَجْدُ: وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أَحمدَ، والخِرَقِىِّ، لمَن تأَمَّلَه. وهو اخْتِيارُ أبى الخَطابِ، وابنِ عَقِيلٍ، وابنِ البَنَّا. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينَ فى «فَتاوِيه» . وقدَّمه ابنُ تَمِيمٍ، وابنُ رَزِينٍ، وصاحِبُ «الفائقِ». وقيلَ: تُجْزِئُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ،
وَإنْ دَفَعَهَا إِلَى وَكِيلهِ، اعْتُبِرَتِ النِّيَّةُ مِنَ الْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ.
ــ
والقاضى وغيرُهما. قال فى «المُسْتَوْعِبِ» : وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. قال فى «الفروعِ» : أجْزأتْ عندَ القاضى وغيرِه. وظاهِرُ «الفُروعِ» ، الإطْلاقُ، كما تقدَّم. وأمَّا إذا لم يَنْوِها ربُّها ولا الإِمامُ، فإنَّها لا تُجْزِئُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وقال القاضى فى مَوْضِعٍ مِن كلامِه: لا يحْتاجُ الإِمامُ إلى نِيَّة منه، ولا مِن ربِّ المالِ. قلتُ: فعلى هذا القَوْلِ يُعايَى بها. وأطْلَقَهما المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، والزَّرْكَشىُّ. فعلى المذهبِ، تقَعُ نَفْلًا، ويُطالَبُ بها.
فائدتان؛ إحداهما، لو غابَ المالِكُ، أو تعَذَّرَ الوُصولُ إليه بحَبْسٍ ونحوِه، فأخَذَ السَّاعِى مِن مالِه، أجْزأ ظاهِرًا وباطِنًا، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ له وِلايَةَ أخْذِها إذَنْ، ونِيَّةُ المالِكِ مُتعَذِّرَةٌ بما يُعْذَرُ فيه. الثَّانيةُ، إذا دفَع زَكاتَه إلى الإِمامِ، ونَواهَا دُونَ الإِمامِ، أجْزَأَتْه؛ لأنَّه لا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ المسْتَحِقِّ، فكذا نائِبُه.
شرعه: ظاهِرُ قولِه: وإنْ دفَعَها إلى وَكِيلِه، اعتُبِرَت النِّيَّةُ مِنَ الموَكِّلِ دونَ الوكِيلِ. أنَّه سواءٌ بعدَ دَفْعِ الوَكيلِ أوْ لا. واعلمْ أنَّه إذا دَفَعها الوَكِيلُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، فَتارَةً يدْفَعُها بعدَ زمَنٍ يسيرٍ، وتارَة يدْفَعُها بعدَ زَمَنٍ طويلٍ؛ فإنْ دَفَعها إلى مُسْتَحِقِّها بعدَ زَمَنٍ يَسيرٍ، أجْزَأَتْ، وإنْ دفَعَها بعدَ زَمَنٍ طَويلٍ مِن نِيَّةِ الوَكيلِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، الإِجْزاءُ. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه». قال فى «الفُروعِ»: تُجْزِئُ عندَ أبى الخَطَّابِ وغيرِه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفَائقِ». وقال القاضى وغيرُه: لابدَّ مِن نِيَّةِ الوَكِيلِ أيضًا والحالَةُ هذه. وهو المذهبُ وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . و «ابنِ رَزِينٍ» . وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، وصحَّحَه الشَّارِحُ. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَمِيمٍ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .
فوائد، الأُولَى، لو لم يَنْوِ المُوَكِّلُ، ونَواهَا الوَكِيلُ عندَ إخْراجِها، لم تُجْزِئْه، وإنْ نَواهَا هو والوَكِيلُ، صحَّ، وهو الأفْضَلُ، بَعُدَ ما بينَهما أو قَرُبَ. الثَّانيةُ، أفادَنا المُصَنِّفُ، رَحِمَهُ اللَّه تعالَى، جَوازَ التَّوْكيلِ فى دَفْعِ الزَّكاةِ. وهو صَحيحٌ، لكِنْ يُشْتَرطُ فيه أنْ يكونَ ثِقَةً. نصَّ عليه، وأنْ يكونَ مُسْلِمًا، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفائِق»: مُسْلِمًا فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَمِيمٍ» . وحَكَى القاضى فى «التَّعْليقِ» وَجْهًا بجَوازِ توْكيلِ الذِّمِّىِّ فى إخْراجِها. وجزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» . ونقَلَه ابنُ تَمِيمٍ عن بعضِ الأصحابِ. ولعَلَّه عَنَى شيْخَه المَجْدَ، كما لو اسْتَنابَ ذِمِّيًّا فى ذَبْحِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُضْحِيَةٍ، جازَ على اخْتِلافِ الرِّوايَتَيْن. وقال فى «الرِّعايَةِ»: ويجوزُ تَوْكيلُ الذِّمِّىِّ فى إخْراجِ الزَّكاةِ إذا نوَى المُوَكِّلُ، وكَفَتْ نِيَّتُه، وإلَّا فلا. انتهى. قلتُ: وهو قوِىٌّ. الثَّالثةُ، لو قال شخْصٌ لآخَرَ: أخْرِجْ عنِّى زَكاتِى مِن مالِكَ. ففَعَل، أجْزَأَ عنِ الآمِرِ. نصَّ عليه فى الكَفَّارَةِ. وجزَم به جماعَةٌ، منهم المُصَنِّفُ فى الزَّكاةِ. واقْتَصر عليه فى «الفُروعِ» . قال فى «الرِّعايَةِ» ، بعدَ ذِكْرِ النَّصِّ: وألْحَقَ الأصحابُ بها الزَّكاةَ فى ذلك. الرَّابعةُ، لو وَكَّلَه فى إخْراجِ زَكاتِه، ودفَع إليه مَالًا، وقال: تصَدَّقْ به. ولم يَنْوِ الزَّكاةَ، فأَخْرَجَها الوَكِيلُ مِنَ المالِ الذى دفَعَه إليه، ونَواهَا زَكاةً، فقِيلَ: لا تُجْزِئُه؛ لأنَّه خَصَّه بما يَقْتَضِى النَّفْلَ. وقيلَ: تُجْزِئُه؛ لأنَّ الزَّكاةَ صَدَقَةٌ. قلتُ: وهو أوْلَى. وقد سمَّى اللَّه الزَّكاةَ صَدَقَةً. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ». ولو قال: تَصَدَّقْ به نَفْلًا، أو عن كفَّارَتى. ثم نوَى الزَّكاةَ به قبلَ أنْ يتَصَدَّقَ، أجْزَأَ عنها؛ لأنَّ دَفْعَ وَكِيلِه كدَفْعِه، فكَأنَّه نوَى الزَّكاةَ، ثم دفَع بنَفْسِه. قالَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وعلَّلَه بذلك. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَمِيمٍ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: وظاهرُ كلامِ غيرِ المَجْدِ، لا يُجْزِئُ؛ لاعْتِبارِهم النِّيَّةَ عندَ التَّوْكيلِ. الخامِسَةُ، فى صِحَّةِ تَوْكِيلِ المُمَيِّزِ فى دَفْعِ الزَّكاةِ وَجْهان، ذكَرَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ». وأطْلَقَهُما هو وصاحِبُ «الفُروعِ». قلتُ: الأُوْلَى الصِّحَّةُ؛ لأنَّه أهْلٌ للعِبَادَةِ. السَّادسَةُ، لو أخْرَجَ شَخْصٌ مِن مالِه زَكاةً عن حَىٍّ بإذْنِه، صَحَّ، وإلَّا فلا. قال فى «الرِّعايَةِ»: قلتُ: فإنْ نوَى الرُّجوعَ بها، رجَع فى قِيَاسِ المذهبِ. السَّابعةُ، لو أخْرَجَها مِن مالِ مَن هى عليه بلا إذْنِه، وقُلْنا: يصِحُّ تَصَرُّفُ الفُضُولِىِّ مَوْقُوفًا على الإِجازَةِ. فأَجازَه رَبُّه، كَفَتْه، كما لو أَذِنَ له، وإلَّا فلا. قال فى «الرِّعايَةِ»: وقلتُ: إنْ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دَفْعِهَا: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مَغْنَمًا، وَلَا تَجْعَلْهَا مَغْرَمًا. وَيَقُولَ الآخِذ: آجَرَكَ اللَّهُ فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَبَارَكَ لَكَ فِيمَا أبْقَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا.
ــ
كان باقِيًا بيَدِ مَن أخَذَه، أجْزَأَتْ عن رَبِّه، وإلَّا فلا؛ لأنَّه إذن كالدَّيْنِ، فلا يُجْزِئُ إسْقاطُه مِنَ الزَّكاةِ. الثَّامِنَةُ، لو أخْرَجَ زَكاتَه مِن مالٍ غَصْبٍ، لم يُجْزِئْه مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وقيلَ: إنْ أَجازَها ربُّه، كَفَتْ مُخْرِجَها، وإلَّا فلا. التَّاسِعَةُ، قوله: ويُسْتَحَبُّ أنْ يَقُولَ عندَ دَفْعِها: اللَّهُمَّ اجْعَلْها مَغْنَمًا، ولا تَجْعَلْها مَغْرَمًا. وهذا بلا نِزاعٍ. زادَ بعضُهم، ويَحْمَدُ اللَّه على تَوْفيقِه لأدائِها.
قوله: ويَقُولَ الآخِذُ: آجَرَكَ اللَّه فيما أعْطَيْتَ، وبارَكَ لكَ فيما أَبقَيْتَ، وجعَلَه لكَ طَهورًا. يعْنِى، يُسْتَحَبُّ له قوْلُ ذلك. وظاهِرُه، سواءٌ كان الآخِذُ الفُقَراءَ، أو العامِلَ، أو غيرَهما. وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال القاضى فى «الأَحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ»: على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العامِلِ إذا أخَذ الزَّكاةَ أنْ يَدْعُوَ لأهْلِها. وظاهرُه الوُجوبُ، لأنَّ لَفْظةَ «عَلَى» ظاهِرة فى الوُجوبِ. وأوْجَبَ الدُّعاءَ لَه الظَّاهِريةُ، وبعضُ الشَّافِعِيةِ. وذكَر المَجْدُ فى قوْلِه: على الغَاسِلِ سَتْرُ ما رَآه. أنَّه على الوُجوبِ. وذكَر القاضى فى «العُدَّةِ» (1)، وأبو الخَطَّابِ فى «التَّمْهيدِ» ، فى بابِ الحُروفِ، أنَّ «عَلَى» للإِيجاب. وجزَم به ابنُ مُفْلِحٍ فى «أصُولِه». قال فى «الرِّعايَةِ»: وقيلَ: على العامِل أن يقولَها.
(1) فى أ: «العمدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، إنْ عَلِمَ ربُّ المالِ، وقال ابنُ تَميمٍ: إنْ ظَنَّ أنَّ الآخِذَ أهْلٌ لأخْذِها، كُرِهَ إعْلامُه بها. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقال: لِمَ يُبَكِّتُه؟! يُغطِيه ويَسْكُتُ، ما حَاجَتُه إلى أنْ يُقَرِّعَه؟! وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «مُخْتَصَرِ ابنِ تَميمٍ» ، و «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ» وغيرِهم. وذكَر بعضُ الأصحابِ، أنَّ تَرْكَه أفْضَلُ. وقال بعضُهم: لا يُسْتَحَبُّ. نصَّ عليه. قال فى «الكافِى» : لا يُسْتَحَبُّ إعْلامُه. وقيلَ: يُسْتَحَبُّ إعْلامُه. وقال فى «الرَّوْضَةِ» : لابدَّ مِن إعْلامِه. قال ابنُ تَميمٍ: وعن أحمدَ مِثْلُه، كما لو رَآه مُتَجَمِّلًا. هذا إذا عَلِم أنَّ مِن عادَتِه أخْذَ الزَّكاةِ. فأمَّا إذا كان مِن عادَتِه أنَّه لا يأخُذُ الزَّكاةَ، فلابُدَّ مِن إعْلامِه، فإنْ لم يُعْلِمْه، لم يجُزِئْه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: هذا قِياسُ المذهبِ عندِى. واقْتَصرَ عليه، وتابَعه فى «الفُروعِ» ؛ لأنَّه لا يَقْبَلُ زَكاةً ظاهِرًا، واقْتَصرَ عليه ابنُ تَميمٍ، وقال: فيه بُعْدٌ. قلتُ: فعلى هذا القوْلِ، قد يُعايَى بها. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وإنْ عَلِمَه أهْلًا لها، وجَهِلَ أنَّه يأخُذُها، أو عَلِمَ أنَّه لا يَأْخُذُها، لم يُجْزِئْه، وقلتُ: بلَى. انتهى. الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ إظْهارُ إخْراجِ الزَّكاةِ مُطْلَقًا. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهب. قال فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن»: يُسْتَحَبُّ فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقيلَ: لا يُسْتَحَبُّ. وقيلَ: إنْ منَعَها أهْلُ بلَدِه، اسْتُحِبَّ له إظْهارُها، وإلَّا فلا. وأطْلَقَهنَّ ابنُ تَميمٍ. وقيلَ: إنْ نفَى عنه ظَنَّ السَّوْءِ بإظْهارِه، اسْتُحِبَّ، وإلَّا فلا. اخْتارَه يُوسُفُ الجَوْزِىُّ، ذكَرَه فى «الفائقِ» ، ولم يذْكُرْه فى «الفُروعِ» ، وأطْلَقَهنُّ فى «الفائقِ» .
وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا إِلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ فَعَلَ، فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْن.
ــ
قوله: ولا يجُوزُ نَقْلُها إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ إليه الصَّلاةُ. هذا المذهبُ. قالَه المُصَنِّفُ وغيرُه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المَعْروفُ فى النَّقْلِ. يعْنِى، أنَّه يَحْرُمُ، وسَواءٌ فى ذلك نقَلَها لرَحِم أو شِدَّةِ حاجَةٍ أو لا. نصَّ عليه. وقال القاضى فى «تَعْلِيقِه» ، و «رِوَايَتَيْه» ، و «جَامِعِه الصَّغِيرِ» ، وابنُ البَنَّا: يُكْرَهُ نَقْلُها مِن غيرِ تَحْريمٍ. ونقَل بَكْرُ بنُ محمدٍ، لا يُعْجِبُنِى ذلك. وعنه، يجوزُ نَقْلُها إلى الثَّغْرِ. وعلَّلَه القاضى بأنَّ مُرابَطَةَ الغازِى بالثَّغْرِ قد تَطُولُ، ولا يُمْكِنُه المُفارَقَةُ. وعنه، يجوزُ نقْلُها إلى الثَّغْرِ وغيرِه، مع رُجْحانِ الحاجَةِ. قال فى «الفائقِ»: وقيلَ: تُنْقَلُ لمَصْلَحَةٍ راجِحَةٍ، كقَرِيبٍ مُحْتاجٍ ونحوِه. وهو المُخْتارُ. انتهى. واخْتاره الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وقال: يُقَيَّدُ ذلك بمَسِيرَةِ يَوْمَيْن،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتحْديدُ المَنْعِ مِن نقْلِ الزَّكاةِ بمَسافَةِ القَصْرِ ليس عليه دَليلٌ شَرْعِىٌّ. وجعَل مَحَلَّ ذْلك الأَقاليمَ؛ فلا تُنْقَلُ الزَّكاةُ مِن إقْلِيمٍ إلى إقْليمٍ، وتنْقَلُ إلى نَواحِى الإِقْليمِ، وإنْ كان أكْثرَ مِن يَوْمَيْن. انتهى. واخْتارَ الآجُرِّىُّ جَوازَ نقْلِها للقَرابَةِ.
تنبيه: مفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، جَوازُ نقْلِها إلى ما دُونَ مَسافَةِ القَصْرِ، وهو صَحيحٌ، وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ. يعْنِى بالمَنْعِ.
قوله: فإنْ فعَل فهل تُجْزِئُه؟ على رِوايَتيْن. ذكَرَهما أبو الخَطَّابِ ومَن بعدَه. يعْنِى، إذا قُلْنا: يَحْرُمُ نقْلُها ونقَلَها. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «عُقُودِ ابنِ البَنَّا» ، و «الفُصُول» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافى» ، و «الهادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «شَرْحِ المَجْدد» و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىُّ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ؛ إحداهما، تُجْزِئُه. وهى المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَب» ، وصحَّحَه فى «التَّصْحِيحِ» . واخْتارَه المُصَنِّف، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَبْدُوسٍ. فى «تَذْكِرَتِه». قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشَّيْخُ، وغيرُهما. قال القاضى: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ يَقْتَضِى ذلك. ولم أجِدْ عنه نصًّا فى هذه المَسْأَلَةِ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . الرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تُجْزِئُه. اخْتارَه الخِرَقِىُّ، وابنُ حامِدٍ، والقاضى، وجماعَةٌ. قاله فى «الفُروعِ» . وصحَّحَه
إلَّا أَنْ يَكُونَ فِى بلَدٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ، فَيُفَرِّقَهَا فِى أَقْرَبِ الْبِلَادِ إِلَيْهِ.
ــ
النَّاظِمُ. وهو ظاهِرُ ما فى «الإِيضاحِ» ، و «العُمْدَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «التَّسْهيلِ» ، وغيرِهم؛ لاقْتِصارِهم على عدَمِ الجَوازِ.
قوله: إلَّا أنْ يَكُونَ فى بَلَدٍ لا فُقرَاءَ فيه، أو كان ببادِيَةٍ، فيُفَرِّقَها فى أقْرَبِ البِلادِ إليه. وهذا عندَ مَن لم يَرَ نقْلَها؛ لأنَّه كمَن عندَه المالُ بالنِّسْبَةِ إلى غيرِه، وأطْلقَه لى «الرَّوْضَةِ» .
فوائد؛ الأُولَى، أُجْرَةُ نقْلِ الزَّكاةِ، حيثُ قُلْنا به، على ربِّ المالِ، كوَزْنٍ وكَيْلٍ. الثَّانيةُ، المُسافِرُ بالمالِ فى البُلْدانِ، يُزَكِّيه فى المَوْضِعِ الذى إقامَةُ المالِ فيه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أكْثَرُ. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه فى رِوايَةِ يُوسُفَ بنِ مُوسَى، وجزَم به فى «الفائقِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الرِّعايَتيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الفُروعِ» ، وقال: نقَلَه الأكْثرُ؛ لتَعلُّقِ الأطْماعِ به غالِبًا. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وتَبِعَه فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ نقْلِ محمدِ بنِ الحَكَمِ، تَفْرِقَتُه فى بَلَدِ الوُجوبِ وغيرِه مِنَ البُلْدانِ التى كانَ بها فى الحَوْلِ. وعندَ القاضى، هو كغَيْرِه، اعْتِبارًا بمَكانِ الوُجوبِ؛ لِئَلَّا يُفْضِىَ إلى تأْخيرِ الزَّكاةِ. وقيلَ: يُفَرِّقُها حيثُ حالَ حوْلُه، فى أىِّ مَوْضِعٍ كان. وظاهِرُ المَجْدِ فى «شَرْحِه» ، إطْلاقُ الخِلاِفِ. الثَّالثةُ، لا يجوزُ نقْلُ الزَّكاةِ لأَجْلِ اسْتِيعابِ الأصْنافِ إذا أوْجَبْناه، وتعَذَّرَ بدُونِ النَّقْلِ. جزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقدمه فى «الفُروعِ» ، وقال: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ. يعْنِى بالجَوازِ، وما هو ببَعيدٍ.
فَإِنْ كَانَ فِى بَلَدٍ، وَمَالُهُ فِى آخَرَ، أَخْرَجَ زَكَاةَ الْمَالِ فِى بَلَدِهِ، وَفِطْرَتَهُ فِى الْبَلَدِ الَّذِى هُوَ فِيهِ.
ــ
قوله: فإنْ كان فى بَلَدٍ، ومَالُه فى آخرَ، أخرجَ زَكاةَ المَالِ فى بَلَدِه. يعْنِى فى بَلَدِ المالِ. وهذا بلا نِزاعٍ. نصَّ عليه، لكِنْ لو كان المالُ مُتَفَرِّقًا، زكَّى كل مالٍ حيْثُ هو. فإنْ كان نِصابًا مِنَ السَّائمَةِ فى بلَدَيْن، ففيه (1) وَجْهَان؛ أحدُهما: يَلْزَمُه فى كلِّ بَلَدٍ تَعذَّر ما فيه مِنَ المالِ؛ لِئَلا ينْقُلَ الزَّكاةَ إلى غيرِ بلَدِه. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. والوَجْهُ الثَّانى، يجوزُ إخْراجُها فى أحَدِهما؛ لِئَلَّا يُفْضِىَ إلى تَشْقِيصِ زَكاةِ الحَيوانِ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: هذا ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. قلتُ: وهو أوْلَى، ويُغْتَفَرُ مِثْلُ هذا؛ لأجْلِ
(1) فى أ: «فعنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضَّرَرِ لحُصُولِ التَّشْقِيصِ، وهو مُنْتَفٍ شَرْعًا. وأطْلَقهما المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الفُروعِ» .
قوله: وفِطْرَتَه فى الْبَلَدِ الذى هو فيه. وهذا بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو نقَلَها، ففى الإِجْزاءِ الرِّوايتَان المُتَقدِّمَتان فى كلامِ المُصَنِّفِ، نقْلًا ومذهَبًا.
فائدتان، إحْداهما، يُؤَدِّى زَكاةَ الفِطْرِ عن مَن يَمُونُه، كعَبْدِه ووَلَدِه الصَّغِيرِ وغيرِهما، فى البَلَدِ الذى هو فيه. قدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، ونصَرَه، وقال: نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ» : هو ظاهِرُ كلامِه. وكذا قال فى «الرِّعايَةِ
وَإذَا حَصَلَ عِنْدَ الإِمَامِ مَاشِيَةٌ، اسْتُحِبَّ لَهُ وَسْمُ الإبِلِ فِى أَفْخَاذِهَا، وَالْغَنَمِ فِىِ آذَانِهَا، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةً كَتَبَ «للَّهِ» أوْ «زَكَاةٌ» ، وَإنْ كَانتْ جِزْيَةً كَتَبَ «صَغَارٌ» أوْ «جِزْيَةٌ» .
ــ
الكُبْرَى». وقيلَ: يُؤَدِّيه فى بلَدِ مَن لَزِمَه الإخْراجُ عنهم. قال فى «الفُروعِ» : قدَّمه بعضُهم. قلتُ: قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، فى الفِطْرَةِ، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، يجوزُ نقْلُ الكَفَّارَةِ والنَّذْرِ والوَصِيَّةِ المُطْلقَةِ، إلى بَلَدٍ تُقْصَرُ فيه الصَّلاةُ. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وصحَّحُوه. وقال فى «التَّلْخيصِ»: وخرَّجَ القاضى وَجْهًا فى الكَفَّارَةِ بالمَنْعِ؛ فيُخَرَّجُ فى النَّذْرِ والوَصِيَّةِ مِثْلُه، أمَّا الوَصِيَّةُ لفُقَراءِ بَلَدٍ، فيَتَعيَّنُ صَرْفُها فى فُقَرائِه. نصَّ عليه فى رِوايَةِ إسْحاقَ بنَ إبْرَاهِيمَ.
فائدة: قوْلُه: وإذا حضل عندَ الإِمامِ مَاشِيَةٌ، اسْتُحِبَّ له وَسْمُ الإِبِلِ فى أفْخَاذِها. وكذلك البَقَرُ. وأمَّا الغنَمُ، ففى آذَانِها كما قال المُصَنِّفُ. وهذا بلا