الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ مُسْتَحَبَّةٌ،
ــ
«الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ تخْريجٌ مِنَ الصَّلاةِ إذا أصابَ القِبْلَةَ. الثَّالثةُ، الكفَّارَةُ كالزَّكاةِ، فيما تقدَّم مِنَ الأحْكامِ، ومَن ملَك فيهما الرُّجوعَ، ملَكَه وَارِثُه.
وَهِىَ أَفْضَلُ فِى شَهْر رَمَضَانَ، وَأوْقَاتِ الْحَاجَاتِ. وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِى الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ.
ــ
فائدة: قوله: والصَّدَقَةُ على ذِى الرَّحِمِ صَدَقَة وصِلَة. هذا بلا نِزاعٍ، وهى أفْضَلُ مِنَ العِتْقِ. نقَلَه حَرْبٌ، لحَديثِ مَيْمُونَةَ. والعِتْقُ أفْضَلُ مِنَ الصَّدقَةِ على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأجانبِ، إلَّا زَمَنَ الغَلاءِ والحاجَةِ. نَقَله بَكْرُ بنُ محمدٍ، وأبو داوُدَ. وقال الحَلْوَانِىُّ فى «التَّبْصِرَةِ» ، وصاحِبُ «الحاوِى الصَّغيرِ»: العِتْقُ أحَبُّ القُرَبِ إلى اللَّهِ. انتهيا. ويأْتِى ذلك أوَّلَ كتابِ العِتْقِ. وهلِ الحَجُّ أفْضَلُ، أم الصَّدقَةُ مع الحاجَةِ، أم مع الحاجَةِ على القَريبِ، أم على القَريبِ مُطْلَقًا؟ فيه أرْبَعُ رِوَاياتٍ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: الحَج أفْضَلُ مِنَ الصَّدقَةِ، وهو مذهَبُ أحمدَ. انتهى. قلتُ: الصَّدقَةُ زمَنَ المَجاعَةِ لا يَعْدِلُها شئٌ، لاسِيَّما الجارُ، خُصوصًا القَرابَةَ. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: وَصِيَّتُه بالصَّدقَةِ أفْضَلُ مِن وَصِيَّتِه بالحَجِّ التَّطَوُّعِ. فيُؤْخَذُ منه، أن الصَّدقَةَ أفْضَلُ بلا حاجَةٍ، فيَبْقَى قوْلٌ خامِسٌ. وفى كتابِ «الصَّفْوَةِ» لابنِ الجَوْزِىِّ: الصَّدقَةُ أفْضَلُ مِنَ الحَج ومِنَ الجِهادِ. وسبَق فى أوَّلِ صلاةِ التَّطوُّعِ، أنَّ الحَجَّ أفْضَلُ مِنَ العِتْقِ. فحيثُ قُدِّمتِ الصَّدقَةُ على الحَجِّ، فعلى العِتْقِ بطَريقٍ أوْلَى، وحيثُ قُدِّمَ العِتْقُ على الصدقَةِ، فالحَجُّ بطَريقٍ أوْلَى. ويأْتِى فى بابِ الوَلِيمَة، هل يجوزُ الأَكْلُ مِن مالِ مَن فى مالِه حرامٌ وحلالٌ أم لا؟
وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ. وَإنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَنْقُصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، أَثِمَ.
ــ
قوله: وتُستَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالفاضِلِ عن كِفايَتِه وَكِفايَةِ مَن يَمونُه. هكذا أطْلقَ جماعة مِنَ الأصحابِ. ومُرادُهم بالكِفايَةِ الكِفايَةُ الدَّائمَةُ، كما صرَّح به الأصحابُ، بمَتْجَرٍ أو غَلَّةِ وَقْفٍ أؤ صَنْعَةٍ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، أعْنِى الصَّدقَةَ بالفاضِلِ عن كِفايَتهِ، وكِفايةِ مَن يَمُونُه بمَتْجَرٍ ونحوهِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُذْهَبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: ومَعْنَى كلام ابنِ الجَوْزِىِّ فى بعضِ كُتُبِه، لا يَكْفِى الاكْتِفاءُ بالصَّنْعَةِ. وقالَه فى غَلَّةِ وَقْفٍ أَيضًا. قال صاحِبُ «الفُروعِ»: وفى الاكتِفاءِ بالصَّنْعَةِ نظَرٌ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى مَوْضِع مِن كلامِه: أُقْسِمُ باللَّهِ لو عبَس الزَّمانُ فى وَجْهِك مرَّةً، لعَبَسَ فى وَجْهِك أهْلُكَ وجِيرانُك. ثم حَثَّ على إمْساكِ المالِ. وذكَر ابنُ الجَوْزِىِّ فى كِتابِه «السِّرِّ المَصُونِ» ، أن الأُوْلَى أنْ يدَّخِرَ لحاجَةٍ تَعْرُضُ، وأنَّه قد يتَّفِقُ له مَرْفِقٌ فيُخْرِج ما فى يَدِه، فيَنْقَطِعُ مَرْفِقُه، فيُلاقِى مِنَ الضَّررِ ومِنَ الذُّلِّ ما يكونُ الموْتُ دُونَهْ. وذكر كلامًا طوِيلًا فى ذلك.
وَمَنْ أرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ. . .
ــ
قوله: وإنْ تصَدَّقَ بما يَنْقُصُ مُؤْنَةَ مَن تَلْزَمُه مُؤْنته، أثِمَ. وكذا لو أضَرَّ ذلك بنَفْسِه، أو بغَريمِه، أو بكَفالَتِه. قالَه الأصحابُ.
فائدة: قال فى «الفُروعِ» : ظاهرُ كلام جماعَةٍ مِنَ الأصحابِ، أنَّه إذا لم يُضَرَّ، فالأصْلُ الاسْتِحْبابُ. وجزَم فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» بما ذكَرَه بعضُ الأصحابِ، أنَّه يُكْرَهُ التَّصدُّقُ قبلَ الوَفاءِ والإنْفاقِ الواجِبِ.
قوله: ومَن أرَادَ الصَّدقَةَ بماله كلِّه، وهو يعْلَمُ مِن نَفْسِه حُسْنَ التَّوَكُّل والصَّبْرَ
وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَإنْ لَمْ يَثقْ مِنْ نَفْسِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ.
ــ
عَنِ المسْأَلَةِ، فله ذلك. بلا نِزاعٍ، لكِنَّ ظاهِرَ ذلك الجَوازُ، لا الاسْتِحبابُ. وصرَّح به بعضُهم. وجزَم المَجْدُ فى «شَرْحِه» وغيره بالاسْتِحْبابِ. قال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : ودَليلُهم يَقْتَضِى ذلك.
قوله: فإنْ لَم يَثِقْ مِن نَفْسِه، لَمْ يَجُزْ له. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قالَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. فيُمْنَعُ مِن ذلك، ويُحْجَرُ عليه. وقال المُصَنِّفُ وغيرُه:
وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أنْ يَنْقُصَ نَفْسَهُ عَنِ الْكِفَايَةِ التَّامَّةِ.
ــ
يُكْرَهُ ذلك.
قوله: ويُكْرَهُ لمَن لا صَبْرَ له على الضِّيق أنْ يَنْقُصَ نَفْسَه عَنِ الكِفايَةِ التَّامَّةِ. بلا نِزاعٍ. زادَ فى «الفُروعِ» وغيرِه، وكذا مَن لا عادَةَ له بالضِّيق.
فوائد؛ الأُولَى، ظهَر ممَّا سبَق أنَّ الفَقيرَ لا يَقْتَرِضُ ويتَصدَّقُ. ونصَّ الإِمامُ أحمدُ فى فَقيرٍ لقَرابَته وَليمَةٌ، يَسْتَقْرِضُ ويُهْدِى له. ذكَرَه أبو الحُسَيْنِ فى «الطَّبَقاتِ». قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: فيه صِلَةُ الرَّحِم بالقَرْضِ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ أنَّ مُرادَه أنَّه يظُنُّ وَفاءً. وقال أيضًا: ويتَوجَّهُ فى الأظْهَرِ أنَّ أخْذَ صدَقَةِ التَّطَوُّعِ أوْلَى مِنَ الزَّكاةِ، وأنَّ أخْذَها سِرًّا أوْلَى. قال: فيهما قوْلان للعُلَماءِ، أظُنُّ عُلَماءَ الصُّوفِيَّةِ. الثَّانيةُ، تجوزُ صدَقَةُ التَّطَوُّعِ على الكافرِ والغَنِىِّ وغيرِهما. نصَّ عليه، ولهم أخْذُها. الثَّالثةُ، يُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ، فلا يأْخُذُ الغَنِىُّ صدَقَةً، ولا يتَعرَّضُ لها، فإنْ أخَذَها مُطهِرًا للفاقَةِ، قال فى «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ التَّحْريمُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الرابعةُ، يحْرُمُ المَنُّ بالصَّدقَةِ وغيرِها. وهو كبِيرَةٌ على نصِّ أحمدَ، الكِبيرَةُ ما فيه حَدُّ فى الدُّنْيا، أو وَعِيدٌ فى الآخِرَةِ، ويَبْطُلُ الثَّوابُ بذلك. وللأصحابِ خِلافٌ فيه، وفى بُطْلانِ طاعَةٍ بمَعْصِيَةٍ. واخْتارَ الشَّيْخُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَقِىُّ الدِّينِ الإِحْباطَ بمَعْنَى المُوازَنَةِ. قال فى «الفُروعِ» : ويَحْتَمِلُ أنْ يَحْرُمَ المَنُّ، إلَّا عندَ مَن كُفِر إحسانُه وأُسِئَ إليه، فلَه أنْ يُعَدِّدَ إحْسانَه. الخامِسةُ، مَن أخْرَجَ شيئًا يتَصدَّقُ به، أو وَكَّلَ فى ذلك، ثُمَّ بدَا له، اسْتُحِبَّ أنْ يُمْضِيَه، ولا يَجِبُ. قال الإِمامُ أحمدُ: ما أحْسَنَه أنْ يُمْضِيَه. وعنه، يُمْضِيه ولا يرْجِعُ فيه. وحمَل القاضى ما رُوِى عن أحمدَ، على الاسْتِحْبابِ. قال ابنُ عَقِيلٍ: لا أعلمُ للاسْتِحْباب وَجْهًا. قال فى «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والخَمْسِين» : وهو كما قال، وإنَّما يتَخرَّجُ على أنَّ الصَّدقَةَ تتَعَيَّنُ بالتَّعْيِينِ، كالهَدْىِ والأُضْحِيَةِ يَتَعَيَّنان بالقَوْلِ، وفى تَعْيِينِهما بالنِّيَّةِ وَجْهان. انتهى. وتقدَّم متى يَمْلِكُ الصَّدقَةَ؟ فى آخرِ البابِ الذى قبلَه، فَلْيُعاوَدْ.