المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ وَهُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى. ــ كتابُ الاعْتِكافِ تنبيه: قوله: وهو - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٧

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ وَهُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى. ــ كتابُ الاعْتِكافِ تنبيه: قوله: وهو

‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

وَهُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى.

ــ

كتابُ الاعْتِكافِ

تنبيه: قوله: وهو لزُومُ المسْجِدِ لِطاعَةِ الله تَعالى. يعْنِي، على صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ، مِن مُسْلِمٍ طاهرٍ ممَّا يُوجِبُ غُسْلًا.

ص: 561

وَهُوَ سُنَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْذِرَهُ، فَيَجِبُ.

ــ

فائدة: قوله: وهو سُنَّةٌ، إلَّا أَنْ يَنْذِرَه، فيَجِبُ. بلا نِزاعٍ، وإنْ علَّقَه أو غَيْرَه (1) بشَرْطٍ، فله شَرْطُه، وآكَدُه عَشْرُ رَمَضانَ الأخِيرُ، ولم يُفَرِّقِ الأصحابُ بينَ الثَّغْرِ (2)

(1) في ا: «قيده» ، وانظر الفروع 3/ 147.

(2)

في ا: «البعيد» ، وانظر الفروع 3/ 147.

ص: 562

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِه. وهو المذهبُ. ونقلَ أبو طالِبٍ، لا يَعْتَكِفُ بالثَّغْرِ؛ لِئَلَّا يَشْغَلَه عنِ النَّفِيرِ (1). ولا يصِحُّ إلَّا بالنِّيَّةِ، ويجِبُ تَعْيينُ المَنْذُورِ بالنِّيَّةِ ليتَمَيَّزَ، وإنْ نَوَى الخُروجَ منه، فقِيلَ: يَبْطُلُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ، إلْحَاقًا له بالصَّلاةِ والصِّيامِ. وقيلَ: لا؛

(1) في ا: «الثغر» ، وانظر الفروع 3/ 148.

ص: 563

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لتعَلُّقِه بمَكانٍ، كالحَجِّ. وأطْلقَهما في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ» . ولا يصِحُّ مِن كافرٍ، ومَجْنُونٍ، وطِفْلٍ. ولا يَبْطُلُ بإغْماءٍ. جزَم به في «الرِّعايَةِ»

ص: 564

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِها، واقْتَصَرَ عليه في «الفُروعِ» .

ص: 565

وَيَصِحُّ بِغَيْرِ صَوْمٍ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ. فَعَلَى هَذَا، لَا يَصِحُّ فِي لَيْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلَا بَعْضِ يَوْمٍ.

ــ

قوله: ويَصِحُّ بغيرِ صَوْمٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يصِحُّ. قدَّمه في «نَظْمِ نِهَايَةِ ابنِ رَزِينٍ» . فعلى المذهبِ، أَقلُّه، إذا كان تطَوُّعًا، أو نَذْرًا مُطْلَقًا، ما يُسَمَّى به مُعْتَكِفًا لابِثًا. قال في «الفُروعِ»: فظاهِرُه ولو لَحْظَةٌ. وفي كلامِ جماعةٍ مِنَ الأصحابِ، أقلُّه ساعَةٌ، لا لَحْظَةٌ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُذْهَبِ» ، وغيرِه. وعلى المذهبِ أيضًا، يصِحُّ الاعْتِكافُ في أيَّامِ النَّهْىِ التي لا يصِحُّ صَوْمُها. وعليه أيضًا، لو صامَ ثمَّ أفْطَرَ عَمْدًا، لم يَبْطُلِ اعْتِكافُه. وعلى الثَّانيةِ، لا يصِحُّ في ليْلَةٍ مُفْرَدَةٍ، كما قال المُصَنِّفُ. ويَحْتَمِلُ قوْلُه: ولا بعضِ يَوْمٍ. أنَّ مُرادَه إذا كان غيرَ صائمٍ، فأمَّا إنْ كان صائمًا، فيَصِحُّ في بعضِ يوْمٍ. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. قال

ص: 566

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروِع» : جزَم بهذا غيرُ واحدٍ. قلتُ: منهم صاحِبُ «الإِفادَاتِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُحَرَّرِ» . واخْتارَه في «الفَائقِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ على إطْلاقِه، فلا يصِحُّ الاعْتِكافُ بعضَ يَوْمٍ، ولو كان صائمًا.

ص: 567

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو الوَجْهُ الثَّانِي. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفَائِق» ، وكلامُه في «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، ككَلامِ المُصَنِّفِ هنا. قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: اشْتِراطُ كوْنِه لا يصِحُّ أقلُّ مِن يَوْمٍ، إذا اشْتَرطْنا الصَّوْمَ، اخْتِيارُ أبي الخَطَّابِ. وأطْلَقهما المَجْدُ في «شَرْحِه» ، و «الفُروعِ» . وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانِيةِ، إذا نَذَرَ اعْتِكافًا وأطْلَقَ، يَلْزَمُه يَوْمٌ. قال في «الفُروعِ»: ومُرادُهم، إذا لم يكُنْ صائمًا. انتهى. قلتُ: قال في «الفَائقِ» : ولو شَرَطَ النَّاذِرُ صَوْمًا، فيَوْمٌ على الرِّوايَتيْن. ثمَّ قال: قلتُ: بل مُسَمَّاه مِن صائمٍ. انتهى. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانِيةِ أيضًا، لا يصِحُّ الاعْتِكافُ في أيَّامِ النَّهْىِ التي لا يصِحُّ صَوْمُها، واعْتِكافُها نَذْرًا ونفْلًا، كصَوْمِها نَذْرًا ونَفْلًا. فإنْ أتَى عليه يَوْمُ العيدِ في أثْناءِ اعْتِكافٍ مُتَتابعٍ، فإنْ قُلْنا: يجوزُ الاعْتِكافُ فيه. فالأَوْلَى أنْ يثْبُتَ مَكانَه، ويجوزُ خُروجُه لصَلاةِ العيدِ، ولا يَفْسُدُ اعْتِكافُه، وإنْ قُلْنا: لا يجوزُ. خرَج إلى المُصَلَّى إنْ شاءَ،

ص: 568

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإلى أهْلِه، وعليه حُرْمَةُ العُكوفِ، ثمَّ يعودُ قبلَ غُروبِ الشَّمْسِ مِن يَوْمِه لتَمامِ أيَّامِه.

فوائد؛ الأُولَى، على القَوْلِ باشْتِراطِ الصَّوْمِ، لا يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ الصَّوْمُ له، ما لم يَنْذِرْه، بل يصِحُّ فى الجُمْلَةِ، سَواءٌ كان فَرْضَ رَمَضانَ، أو كفَّارَةً، أو نَذْرًا، أو تَطوُّعًا. الثَّانيةُ، لو نذَر أنْ يَعْتَكِفَ رَمَضانَ فَفاتَه، لَزِمَه شَهْرٌ غيرُه، بلا نِزاعٍ، لكِنْ هل يَلْزَمُه صَوْمٌ؟ قدَّم فى «الرِّعايَتيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم، أنَّه لا يَلْزَمُه؛ لأنَّه لم يَلْتَزِمْه. وقيل: يَلْزَمُه. قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وهو أوْلَى. ثمَّ قال: وقيلَ: إنْ شرَطْناه فيه لَزِمَه، وإلَّا فلا. وهذا هو الذي في «المُسْتَوْعِبِ» ، وقالَه المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وأطْلَقَ اللُّزومَ وعدَمَه فى «الفُروعِ» . وأمَّا إذا شرَط فيه الصَّوْمَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُجْزِئُه رَمَضانُ آخَرُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَر القاضى وَجْهًا، لا يُجْزِئُه. وأطْلَقَ بعضُهم وَجْهَيْن. ولم يذْكُرِ القاضى خِلافًا فى نَذْرِ الاعْتِكافِ المُطْلَقِ، أنَّه يُجْزِئُه صَوْمُ رَمَضانَ وغيرِه. قال في «الفُروعِ»: وهذا خِلافُ نصِّ أحمدَ، ومُتَناقِضٌ؛ لأنَّ المُطْلَقَ أقْرَبُ إلى الْتِزامِ الصَّوْمِ، فهو أَوْلَى. ذكَرَه المَجْدُ. قال في «الفُروعِ»: والقَوْلُ به في

ص: 569

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُطْلَقِ مُتَعَيِّنٌ. الثَّالثةُ، لو نذَر اعْتِكافَ عَشْرِ رَمَضانَ الأخيرِ، فَفاتَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يجوزُ قَضاؤُه خارِجَ رَمَضانَ. ذَكَرَه القاضى، وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، والمَجْدُ في «شَرْحِه». وقال ابنُ أبي مُوسَى: يَلْزَمُه قَضاءُ العَشْرِ الأخيرِ مِن رَمَضانَ في العامِ المُقْبِلِ. وهو ظاهِرُ رِوايَةِ حَنْبَلٍ، وابنِ مَنْصُورٍ. ولأنَّها مُشْتَمِلَةٌ على ليْلَةِ القَدْرِ. قال في «الفُروعِ»: ولعَلَّه أظْهَرُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الرِّعايَةِ» : هذا الأشْهَرُ. وجزَم به في «الفَائقِ» . قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ مِن تَعْيِينِ العَشْرِ تَعْيِينُ رَمَضانَ في التي قبلَها. قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لاشْتِمالِه على ليْلَةٍ لا تُوجَدُ في غيرِه، وهي ليْلَةُ القَدْرِ. الرَّابعةُ، لو نذَر أنْ يَعْتَكِفَ صائِمًا، أو بصَوْمٍ (1)، لَزِمَاه معًا، فلو فرَّقَهما أو اعْتَكَفَ وصامَ فرْضَ رَمَضانَ ونحوَه، لم يُجْزِئْه. وذكَر المَجْدُ عن بعضِ الأصحابِ، يَلْزَمُه الجميعُ، لا الجَمْعُ، فله فِعْلُ كُلٍّ منهما مُنْفَرِدًا. وإنْ نذَر أنْ يصُومَ مُعْتَكِفًا، فالوَجْهان في التي قبلَها. قالَه المَجْدُ. وتَبِعَه في «الفُروعِ». وقال في «التَّلْخِيصِ»: ولو نذَر أنْ يصُومَ مُعْتَكِفًا، أو يُصَلِّىَ مُعْتَكِفًا، لم يَلْزَمْه الجميعُ؛ لأنَّ الصَّوْمَ مِن شِعارِ الاعْتِكافِ، وليس الاعْتِكافُ مِن شِعارِ الصَّوْمِ والصَّلاةِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ولو نذَر أنْ يصُومَ، أو يُصَلِّىَ مُعْتَكِفًا، صَحَّا بدُونِه ولَزِماه، دُونَ الاعْتِكافِ. وقيل: يَلْزَمُه الاعْتِكافُ مع الصَّوْمِ فقط. انتهى. وإنْ نذَر أنْ يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا، فالوَجْهان. وفيها وَجْهٌ ثالثٌ، لا يَلْزَمُه الجَمْعُ هنا؛ لتَباعُدِ ما بينَ العِبادَتَيْن. ولو نذَرَ أنْ يُصَلِّىَ صَلاةً ويَقْرَأَ فيها سُورَةً بعَيْنِها، لَزِمَه الجَمْعُ، فلو قرَأها خارِجَ الصَّلاةِ، لم يُجْزِئْه. ذكَرَه في

(1) في ا: «يصوم معتكفًا» ، وانظر الفروع 3/ 162.

ص: 570

وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ لِلْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَا لِعَبْدٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ،

ــ

«الانْتِصَارِ» ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» .

قوله: ولا يَجُوزُ الاعْتِكافُ للمَرْأةِ بغيرِ إذْنِ زَوْجِها، ولا للعَبْدِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه - بلا نِزاعٍ - وإنْ شَرَعا فيه بغيرِ إذْنٍ، فلهما تَحْلِيلُهما. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وخرَّجَ المَجْدُ في «شَرْحِه» ، أنَّهما لا يُمْنَعان مِن اعْتِكافٍ مَنْذُورٍ، كرِوايَةٍ في المرأةِ في صَوْمٍ وحَجٍّ مَنْذُورَيْن. ذكَرَها القاضى في «المُجَرَّدِ» ، و «التَّعْليقِ» ، ونصَرَها في غيرِ مَوْضِعٍ. والعَبْدُ يصُومُ النَّذْرَ. قال المَجْدُ: ويتَخرَّجُ وَجْهٌ ثالثٌ، مَنْعُهما وتَحْلِيلُهما مِن نَذْرٍ مُطْلَقٍ فقط؛ لأنَّه على التَّراخِى، كوَجْهٍ لأصحابِنا في صَوْمٍ وحَجٍّ مَنْذُورٍ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ويَحْتَمِلُ أنَّ لهما تَحْلِيلَهما إذا أذِنا لهما في النَّذْرِ، وهو غيرُ مُعَيَّنٍ. قال المَجْدُ: ويتخَرَّجُ وَجْهٌ رابعٌ، مَنْعُهما وتَحْلِيلُهما، إلَّا مِن مَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ قبلَ النِّكاحِ والمِلْكِ، كوَجْهٍ لأصحابِنا في سُقوطِ نَفَقَتِها. قال في «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ، إنْ لَزِمَ بالشُّروعِ فيه، فكَالمنْذُورِ. فعلى المذهبِ، إنْ لم يُحَلِّلاهُما، صحَّ وأجْزَأ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه المَجْدُ في «شَرْحِه» ، و «الفُروعِ». وقال جماعةٌ مِنَ الأصحابِ منهم ابنُ البَنَّا: يقَعُ باطِلًا لتَحْريمِه، كصَلاةٍ في مَغْصُوبٍ. ذكَرَه المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وذكَرَه نصَّ أحمدَ في العَبْدِ.

ص: 571

فَإِنْ شَرَعَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِإِذْنٍ، فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

قوله: وإنْ كان بإذْنٍ، فلهما تَحْلِيلُهما إنْ كان تَطَوُّعًا، وإلَّا فلا. إذا أذِنا لهما؛ فَتارَةً يكونُ واجِبًا، وتارَةً يكونُ تَطَوُّعًا. فإنْ كان تَطَوُّعًا، فلَهُما تَحْلِيلُهما، بلا نِزاعٍ. وإنْ كان واجبًا؛ فَتارَةً يكونُ نذْرًا مُعَيَّنًا، وتارَةً يكونُ مُطْلَقًا، فإنْ كان مُعَيَّنًا، لم يكُنْ لهما تحْلِيلُهما، بلا نِزاعٍ. وإنْ كان مُطْلَقًا، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وغيرِه مِنَ الأصحابِ، أنَّهما ليس لهما تحْلِيلُهما. قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم المَنْعُ، كغيرِه. واخْتارَ المَجْدُ في «شَرْحِه» ، في النَّذْرِ المُطْلَقِ الذي يجوزُ تفْريقُه - كنَذْرِ عَشَرَةِ أيَّامٍ، قال فيها: إنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقَةً أو مُتَتابِعَةً - إذا أُذِنَ لهما في ذلك، يجوزُ تَحْلِيلُهما مِنه عندَ مُنْتَهى كلِّ يَوْمٍ؛ لجَوازِ الخُروجِ له مِنه أُذِنْ، كالتَّطَوُّعِ. قال: ولا أعْرِفُ فيه نصًّا لأصحابِنا، لكنَّ تعْلِيلَهم يدُلُّ على ما ذكَرْتُ. قال في «الفُروعِ»: وهذا متَوجِّهٌ. قال في «الرِّعايَةِ» : لهما تَحْلِيلُهما

ص: 572

وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

ــ

في غيرِ نَذْرٍ. وقيل: في غيرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو أَذِنا لهما، ثمَّ رجَعا قبلَ الشُّروعِ، جازَ إجْماعًا. الثَّانيةُ، حُكْمُ أمِّ الوَلَدِ والمُدَبَّرِ والمُعَلَّقِ عِتْقُه بصِفَةٍ، حُكْمُ العَبْدِ فيما تقدَّم.

قوله: وللمُكاتَبِ أنْ يعْتَكِفَ بغيرِ إِذْنِ سيِّدِه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، ونصَّ عليه،

ص: 573

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، إِنْ كانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا.

ــ

وعليه أكثرُ الأصحابِ. جزَم به في «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجِيزِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، وغيرِهما. وقال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ: له أنْ يعْتَكِفَ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

قوله: ويَحُجَّ بغيرِ إِذْنِ سَيِّدِه. يعْنِي، للمُكاتَبِ أنْ يَحُجَّ بغيرِ إذْنِ سيِّدِه. وهذا المذهبُ أيضًا مُطْلَقًا، نصَّ عليه. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، [و «الشَّرْحِ»، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى»، وعلَّلُوه بأنَّ السَّيِّدَ لا يَسْتَحِقُّ مَنافِعَه، ولا يَمْلِكُ إجْبارَه على الكَسْبِ، وإنَّما له دَيْنٌ في ذِمَّتِه، فهو كالحُرِّ المَدينِ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» هنا.](1) قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، [و «النَّظْمِ»، و «المُنَوِّرِ»، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»، وغيرهم هنا](2):

(1) زيادة من: ش.

(2)

زيادة من: ش.

ص: 574

وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فِيهِ، إِلَّا الْمَرْأَةَ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إِلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا.

ــ

ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ. انتهوا. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، في بابِ الكِتابَةِ، ولا يمنعُ مِن إنْفاقِه هنا. وقال المُصَنِّفُ: يجوزُ بشَرْطِ أنْ لا يُنْفِقَ على نفْسِه ممَّا قد جمَعَه ما لم يحِلَّ نَجْمٌ. ونقَل المَيْمُونِىُّ، له الحَجُّ مِنَ المالِ الذي جمَعَه، ما لم يأْتِ نَجْمُه. وحمَلَه القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ على إذْنِه له. ويأْتِى ذلك في بابِ المُكاتَبِ بأَتَمَّ مِن هذا.

فائدة: يجوزُ للمُكاتَبِ أنْ يعْتكِفَ ويحُجَّ بإذْنِ سيِّدِه. وأطْلقَه كثيرٌ مِنَ الأصحابِ، وقالوا: نصَّ عليه أحمدُ. قال في «الفُروعِ» : ولعَلَّ المُرادَ ما لم يَحِلَّ نَجْمٌ. وصرَّح به بعضُهم. وعنه، المَنْعُ مُطْلَقًا.

قوله: ولا يَصِحُّ الاعْتِكافُ إلَّا في مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فيه. اعلمْ أنَّ المُعْتَكِفَ لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يأْتِىَ عليه في مُدَّةِ اعْتِكافِه فِعْلُ صَلاةٍ، وهو ممَّن تَلْزَمُه الصَّلاةُ، أوْ لا، فإنْ لم يأْتِ عليه في مُدَّةِ اعْتِكافِه فِعْلُ صلاةٍ، فهذا يصِحُّ اعْتِكافُه في كلِّ مَسْجِدٍ، سواءٌ

ص: 575

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جُمِعَ فيه أوْ لا، وإنْ أتَى عليه في مُدَّةِ اعْتِكافِه فِعْلُ صَلاةٍ، لم يصِحَّ إلَّا في مَسْجِدٍ يُجْمَعُ فيه، أىْ يُصَلَّى فيه الجماعةُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ في الصُّورَتَيْن،

ص: 576

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وهذا مَبْنِىٌّ على وجُوبِ صَلاةِ الجماعةِ أو شَرْطِيَّتِها. أمَّا

ص: 577

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إنْ قُلْنا: إنَّها سُنَّةٌ. فيَصِحُّ فى أىِّ مَسْجِدٍ كان. قالَه الأصحابُ. واشْتِراطُ المَسْجِدِ الذى يُجْمَعُ فيه مِن مُفْردَاتِ المذهبِ. وقال أبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصارِ» : لا يصِحُّ

ص: 578

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاعْتِكافُ مِنَ الرَّجُلِ مُطْلَقًا إلَّا فى مَسْجِدٍ تُقامُ فيه جماعةٌ. قال المَجْدُ: وهو ظاهِرُ رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، وظاهِرُ قولِ الخِرَقِىِّ. قلتُ: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا.

قوله: إلَّا المرأةَ لها الاعْتِكافُ فى كُلِّ مَسْجِدٍ إلَاّ مَسْجِدَ بَيْتِها. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ومَسْجِدُ بَيْتِها ليس مَسْجِدًا، لا حَقِيقَةً ولا حُكْمًا. قال

ص: 579

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الفُروعِ» : وقال فى «الانْتِصارِ» : لا بُدَّ أنْ يكونَ فى مَسْجِدٍ تُقامُ فيه الجماعةُ. وهو ظاهِرُ رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، والخِرَقىِّ، كما تقدَّم ذلك فى الرَّجُلِ.

فوائد؛ إحداها، رَحْبَةُ المَسْجدِ ليست منه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ والرِّوَايتَيْن، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقىِّ؛ و «الحاوِيَيْن» ، و «الرعايتَيْن» فى مَوْضِعٍ. وقدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، ونصَّ عليه فى رِوايَةِ إسْحاقَ بنِ إبْرَاهِيمَ.

ص: 580

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الحَارِثِىُّ فى إحياء المَواتِ: اخْتارَه الخِرَقِىُّ، وصاحِبُ «المُحَرَّرِ» . وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، أنَّها منه. جزَم به بعضُ الأصحابِ، منهم القاضى فى مَوْضِعٍ مِن كلامِه، وجزَم به فى «الحاوِيَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغرَى» فى مَوْضِعٍ؛ فقالَا: ورَحْبَةُ المَسْجِدِ كَهُوَ. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». وجمَع القاضى بينَهما فى مَوْضِعٍ مِن كلامِه؛ فقال: إنْ كانت مَحُوطَةً، فهى منه، وإلَاّ فلا. قال المَجْدُ: ونقلَ محمدُ بنُ الحَكَمِ ما يدُلُّ على صِحَّةِ هذا الجَمْعِ، وهو أنه كان إذا سَمِعَ أذانَ العَصْرِ وهو فى رَحْبَةِ المَسْجِدِ، انْصرَفَ ولم يُصَلِّ فيه. وقال: ليس هو (1) بمَنْزِلَةِ المَسْجِدِ، حَدُّ (2) المَسْجِدِ هو الذى عليه حائِطٌ وبابٌ. وقدَّم هذا الجمعَ فى «المُسْتَوْعِبِ» ، وقال: ومِن أصحابِنا مَن جعَل المسْألَةَ على

(1) زيادة من: ش.

(2)

فى ا: «هذا» ، وانظر الفروع 3/ 153.

ص: 581

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رِوايتَيْن. والصَّحيحُ أنَّها رِوايَةٌ واحدَةٌ، على اخْتِلافِ الحالَيْن. وقدَّمه أيضًا فى «الرَّعايَةِ الكُبْرَى» فى مَوْضِعٍ، و «الآدَابِ الكُبْرَى» . الثَّانيةُ، المَنارَةُ التى للمَسْجِدِ إنْ كانت فيه، أو بابُها فيه، فهى مِنَ المَسْجِدِ بدَليلِ مَنْعِ جُنُبٍ. وإنْ كانَ بابُها خارِجًا منه، بحيثُ لا يُسْتَطْرَقُ إليها إلَّا خارِجَ المَسْجِدِ، أو كانت خارِجَ المَسْجِدِ - قال فى «الفُروعِ»: والمُرادُ، واللهُ أعلمُ، وهى قَرِيبةٌ منه، جزَم به بعضُهم - فخرَجَ للأَذانِ، بطَل اعْتِكافُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّه مشَى حيثُ يُمْشَى لأمْرٍ منه بُدُّ، كخُروجه إليها لغير الأَذانِ. وقيلَ: لا يَبْطُلُ. اخْتارَه ابنُ البَنَّا، والمَجْدُ. قال القاضى: لأنَّها بُنيَت له، فكأنَّها فيه. وقال أبو الخطَّابِ: لأنَّها كالمُتَّصِلَةِ به. وقال المَجْدُ: لأنَّها بُنِيَتْ للمَسْجِدِ لمَصْلحَةِ الأَذانِ، وكانت منه

ص: 582

وَالْأفْضَلُ الِاعْتِكَافُ فِى الْجَامِعِ إذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ. وَمَن نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أوِ الصَّلَاةَ فِى مَسْجِدٍ، فَلَهُ فِعْلُهُ فِى غَيْرِه،

ــ

فيما بُنِيَتْ له، ولا يَلْزَمُ ثُبوتُ بَقِيَّةِ أحْكامِ المَسْجِدِ لأنَّها لم تُبْنَ له. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرِ» . الثَّالثةُ، ظَهْرُ المَسْجِدِ منه، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. الرَّابعةُ، لما ذكَر فى «الآدَابِ» الثَّوابَ الحاصِلَ بالصَّلاةِ فى مَسْجِدَى مَكَّةَ والمدِينةِ، قال: وهذه المُضاعفَةُ تَخْتَصُّ المَسْجِدَ، على ظاهرِ الخَبَرِ، وظاهِرِ قوْلِ العُلَماءِ مِن أصحابِنا وغيرِهم. قال ابنُ عَقِيلٍ: الأحْكامُ المُتعلِّقَةُ بمَسْجِدِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا كان فى زَمانِه، لا ما زِيدَ فيه؛ لقَوْلِه عليه الصلاة والسلام:«فِى مَسْجِدِى هَذا» . واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أن حُكْمَ الزَّائدِ حُكْمُ المَزِيدِ عليه. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

قوله: والأفْضَلُ الاعْتِكافُ فِى الجامِعِ إذا كانتِ الجُمُعَةُ تتَخَلَّلُه. ولا يَلْزَمُ فيه. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَر فى «الانْتِصَارِ» وجْهًا بلُزُومِ الاعْتِكافِ فيه، فإنِ اعْتَكَفَ فى غيرِه، بَطَل بخُرُوجِه إليها.

فائدة: يجوزُ لمَن لا تَلْزَمُه الجُمُعَةُ أنْ يعْتَكِفَ فى غيرِ الجامِعِ الذى تَتَخَلَّلُه الجُمُعَةُ، لكنْ يبْطُلُ بخُروجِه إليها، إلَّا أنْ يشْتَرِطَه، كعِيادَةِ المريضِ.

قوله: ومَن نذَر الاعْتِكافَ أو الصَّلاةَ فى مَسْجِدٍ، فله فِعْلُه فى غيرِه. هذا

ص: 583

إِلَا الْمَسَاجِدَ الثَّلَاَثةَ،

ــ

المذهبُ، إلَّا ما اسْتَثْناه المُصَنِّفُ، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الفَائقِ»: قال أبو الخَطَّابِ: القِياسُ وُجوبُه. انتهى. وجزَم به فى «تَذكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقال فى «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ، إلَاّ مَسْجِدَ قُباءٍ، إذا نذَر الاعْتِكافَ أو الصَّلاةَ فيه، لا يَفْعَلُه فى غيرِه.

تنبيهات؛ الأوَّلُ، ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ هنا، أنَّه سَواءٌ نذَر الاعْتِكافَ أو الصَّلاةَ، فى مَسْجِدٍ قريبٍ أو بعيدٍ، عَتِيقٍ أو جديدٍ، امْتازَ بِمَزِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، كقِدَمٍ وكَثْرَةِ جَمْعٍ، أوْ لا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. ومَفْهُومُ كلامِ المُصَنِّفِ فى «المُغْنِى» ، إذا كان المَسْجِدُ بعيدًا يحْتاجُ إلى شَدِّ رَحْلٍ، يَلْزَمُه فيه (1). وهو ظاهرُ كلامِ أبى الخَطَّابِ فى «الانتِصارِ»؛ فإنَّه قال: القِياسُ لُزومُه،

(1) انظر: المغنى 4/ 493.

ص: 584

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ترَكْناه؛ لقَوْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ. . . .» الحديثُ. وذكرَه أبو الحُسَيْن احْتِمالًا فى تَعْيينِ المَسْجِدِ العَتيقِ للصَّلاةِ. وذكَر المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، أنَّ القاضِىَ ذكَر وَجْهًا، يتعَيَّنُ المَسْجِدُ العَتِيقُ فى نَذْرِ الصَّلاةِ. قال المَجْدُ: ونَذْرُ الاعْتِكافِ مِثْلُه. وأطْلَقَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، فى تَعْيينِ ما امْتازَ بمَزِيَّةٍ شرْعِيَّةٍ، كقِدَمٍ وكَثْرَةِ جَمْعٍ، وَجْهَيْن، واخْتارَ فى مَوْضِعٍ آخَرَ، يتَعَيَّنُ. وقال القاضى، وابنُ عَقِيلٍ: الاعْتِكافُ والصَّلاةُ لا يخْتَصَّان بمَكانٍ، بخِلافِ الصَّوْمِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قالَا. فعلى المذهبِ، له أنْ يعْتكِفَ ويُصلِّىَ فى غيرِ المَسْجِدِ الذى عَيَّنَه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا كفَّارَةَ عليه، جزَم به المُصَنِّفُ هنا، وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. ولم يُذْكَرْ عدَمُ الكفَّارَةِ فى نُسْخَةٍ قُرِئتْ على المُصَنِّفِ، وكذا فى نُسَخٍ كثيرةٍ. وقيلَ: عليه كفَّارَةٌ قال فى «الرِّعايتَيْن» : وعليه كفَّارَةُ يَمين فى وَجْهٍ إنْ لم يفْعَلْ. وجزَم بالكفَّارَةِ فى «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» .

ص: 585

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُحَرَّرِ» . ذكَرَه فى بابِ النَّذْرِ. الثَّانى، قال فى «الفُروعِ»: وفى الكفَّارَةِ وَجْهان إنْ وجَبتْ فى غيرِ المُسْتَحَبِّ. انتهى. فمَحَلُّ الخِلافِ، إذا قُلْنا بوُجوبِ الكفَّارَةِ فى غيرِ المُسْتَحبِّ. الثَّالثُ، جعَل المُصَنِّفُ الصَّلاةَ والاعْتِكافَ، إذا نذَرهما فى غيرِ المَساجِدِ الثَّلَاثَةِ، على حَدٍّ سواءٍ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلام جماعةٍ، يصَلِّى فى غيرِ مَسْجِدٍ أيضًا. ولعَلَّه مُرادُ غيرِهم، وهو مُتَّجهٌ. انتهى. الرَّابعُ، قوْلُه: فله فِعْلُه فى غيرِه. يعْنِى، مِنَ المَساجدِ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهرُ كلامِ جماعةٍ، يصَلِّى فى غيرِ مَسْجِدٍ أيضًا، ولعَلَّه مُرادُ غيرِهم، وهو مُتَّجهٌ. انتهى.

فائدة: لو أرادَ الذَّهابَ إلى ما عيَّنَه بنَذْرِه، فإنْ كان يحْتاجُ إلى شَدِّ رَحْلٍ، خُيِّرَ بينَ ذَهابِه وعدَمِه، عندَ القاضى وغيرِه. وجزَم بعضُ الأصحابِ بإباحَتِه. واختارَ المُصنِّفُ والشَّارِحُ الإِباحَةَ فى السَّفَرِ القَصيرِ، ولم يُجَوِّزْه ابنُ عَقِيلٍ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقال فى «التَّلْخِيصِ»: لا يتَرخَّصُ. قال فى «الفُروعِ» : ولعَلَّ مُرادَهُ، يُكْرَهُ. وذكَر ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِ المُقْنِعِ» ، يُكْرَهُ إلى القُبورِ

ص: 586

وَأَفْضَلُهَا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ [60 و] ، ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ، ثُمَّ الْأَقْصَى،

ــ

والمَشاهِدِ. قال فى «الفُروعِ» : وهى المَسْأَلَةُ بعَيْنِها. وحكَى الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ وَجْهًا، يجِبُ السَّفَرُ المَنْذُورُ إلى المَشاهِدِ. قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُه، واللهُ أعلمُ، اخْتِيارُ صاحِبِ «الرِّعايَةِ» . وإنْ كان لا يحْتاجُ إلى شَدِّ رَحْلٍ، خُيِّرَ، على الصَّحيح مِنَ المذهبِ، بينَ الذهابِ وغيرِه. ذكَرَه القاضى، وابنُ عَقِيل، وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «الوَاضِحِ»: الأفْضَلُ الوَفاءُ. قال فى «الفُروعِ» : وهذا أظْهَرُ.

قوله: إلَّا المَساجِدَ الثَّلَاثةَ، وأفْضَلُها المَسْجدُ الحَرَامُ، ثم مَسْجِدُ المَدِينَةِ، ثم المَسْجِدُ الأَقْصَى. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ مَكةَ أفْضَلُ مِنَ المدينةِ. نصَرَه القاضى وأصحابُه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، المدِينَةُ أفْضَلُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ وغيرُه. ويأْتِى ذلك أيضًا فى آخرِ بابِ صَيْدِ الحَرَمِ ونَباتِه. فعلى المذهبِ، إذا عيَّنَ المسْجِدَ الحرامَ فى نَذْرِه، لم يُجْزِئْه فى غيرِه؛ لأنَّه أفْضَلُها. احْتَجَّ به أحمدُ

ص: 587

فَإِذَا نَذَرَهُ فِى الْأَفْضَلِ، لَمْ يَجُزْ فِى غَيْرِهِ، وَإنْ نَذَرَهُ فِى غَيْرِهِ، فَلَهُ فِعْلُهُ فِيهِ،

ــ

والأصحابُ. قال فى «الفُروعِ» : فدَلَّ - إنْ قُلْنا: المَدِينَةُ أفْضَلُ - أنَّ مَسْجِدَها أفْضَلُ. وهذا ظاهِرُ كلامِ المَجْدِ فى «شَرْحِه» وغيرِه، وصرَّح به فى «الرِّعايَةِ» . وإنْ عيَّنَ مسْجِدَ المدينةِ، لم يُجْزِئْه فى غيرِه، إلَّا المَسْجِدَ الحَرامَ، على ما تقدَّم. وإنْ عيَّنَ المَسْجِدَ الأقْصَى، أجْزأَه المَسْجِدان فقط. نصَّ عليه.

ص: 588

وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، لَزِمَهُ الشُّرُوعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِ لَيْلَتِهِ إِلَى انْقِضَائِهِ،

ــ

قوله: ومَن نذَر اعْتِكافَ شَهْر بعَيْنِه، لَزِمه الشُّروعُ فيه قبلَ دُخُولِ لَيْلَتِه إلى انقِضائِه. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وعنه، أو يدْخُلُ قبلَ فَجْرِ

ص: 589

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أوَّلِ ليْلَةٍ مِن أوَّلِه. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولعَلَّه بِنَاءً على اشْتِراطِ الصَّوْمِ له.

فائدتان؛ إحْداهما، كذا الحُكْمُ والخِلافُ والمذهبُ إذا تذَر عَشْرًا مُعَيَّنًا.

ص: 590

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعنه رِوايَةٌ ثالثةٌ، جَوازُ دخُولِه بعدَ صَلاةِ الفَجْرِ. الثَّانيةُ، لو أرادَ أنْ يعْتكِفَ العَشْرَ الأخِيرَ مِنَ رَمَضانَ تَطوُّعًا، دخَل قبلَ ليْلَتِه الأُولَى. نصَّ عليه. وعنه، بعدَ صلاةِ فَجْرِ أوَّلِ يَوْمٍ مِنه. وتقدَّم إذا نذَر اعْتِكافًا فى رَمَضانَ وفاتَه. ولو نذَر أنْ يعْتكِفَ

ص: 591

وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ،

ــ

العَشْرَ، لَزِمَه ما يتَخلَّلُه مِن لَيالِيه إلَّا ليْلَتَه الأُولَى. نصَّ عليه. وفيها، فى لَيالِيه المُتَخَلِّلَةِ تخْريجُ ابنِ عَقِيلٍ، وقوْلُ أبى حَكِيمٍ الآتِيَان قرِيبًا.

قوله: وإنْ نذَر شَهْرًا مُطْلَقًا، لَزِمَه شَهْرٌ مُتَتابِعٌ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال القاضى: يَلْزَمُه التَّتابُعُ، وَجْهًا واحِدًا، كمَن حلَف لا يُكَلَّمُ زَيدًا شَهْرًا، وكَمُدَّةِ الإيلاءِ والعُنَّةِ، وبهذا فارَقَ لو نذَر صِيامَ شَهْرٍ. وعنه، لا يَلْزَمُه

ص: 592

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَتابُعُه. اخْتارَه الآجُرِّىُّ. وصحَّحَه ابنُ شِهَابٍ وغيرُه.

فائدتان؛ إحداهما، يَلْزَمُه أنْ يدْخُلَ مُعْتكَفَه قبلَ الغُروبِ مِن أوَّلِ ليْلَةٍ منه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما تقدَّم فى نَظِيرَتِها. وعنه، أو وَقْتَ صلاةِ المَغْرِبِ. وذكَرَه ابنُ أبى مُوسى. وعنه، أو قبلَ الفَجْرِ الثَّانِى مِن أوَّلِ يَوْمٍ منه. الثَّانيةُ، يَكْفِيه شَهْرٌ هِلَالِىٌ ناقِصٌ بلَيالِيه، أو ثَلاثِين يوْمًا بلَيالِيها. قال المَجْدُ، على رِوايةِ أنَّه لا يجِبُ التَّتابُعُ: يجوزُ إفْرادُ اللَّيالى عنِ الأيَّامِ إذا لم نَعْتَبِرِ الصَّوْمَ، وإنِ اعْتبَرْناه، لم يجِبْ، ووجَب اعْتِكافُ كلَّ يَوْمٍ مع ليْلَتِه المُتقَدِّمَةِ عليه. وإنْ ابْتدَأ الثَّلاثين فى أثْناء النَّهارِ، فتَمامُه فْى تلك السَّاعَةِ مِنَ اليَوْمِ الحادِى والثَّلاِثين، وإنِ ابْتَدَأه فى أثْنَاءِ اللَّيْلِ، تَمَّ فى مثلِ تلك السَّاعَةِ مِنَ اللَّيلَةِ الحاديةِ، والثَّلاثين، إنْ

ص: 593

وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً، فَلَهُ تَفْرِيقُهَا، إلَّا عِنْدَ الْقَاضِى،

ــ

لم نَعْتَبِرِ الصَّوْمَ، وإنِ اعْتَبَرْناه فثلَاثِينَ ليْلَةً صِحَاحًا بأيَّامِها الكامِلَةِ، فَيتِمُّ اعْتِكافُه. بغُروبِ شَمْسِ الحادِى والثَّلاِثين فى الصُّورَةِ الأُولَى، أو الثَّانى والثَّلاِثين فى الثَّانيةِ؛ لِئَلَاّ يعْتَكِفَ بعضَ يَوْمٍ، أو بعضَ ليْلَةٍ دُونَ يوْمِها الذى يلِيها.

قوله: وإنْ نذرَ أيَّامًا مَعْدُودَةً، فله تَفْرِيقُها. وكذا لو نذَر لَيالِىَ مَعْدُودَةً. وهذا المذهبُ فيهما، وعليه الأكْثَرُ، وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيره. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وقال القاضى: يَلْزَمُه التَّتابُعُ. وقيلَ: يَلْزَمُه التَّتابُعُ إلَّا إذا نذَر ثَلاِثين يوْمًا، للقَرِينَةِ؛ لأنَّ العادةَ فيه لَفْظُ الشَّهْرِ، فعُدولُه عنه يدُلُّ على عدَمِ التَّتابُعِ. قلتُ: لو قيلَ: يلْزَمُه التَّتابُعُ فى نَذْرِه الثَّلاِثين يوْمًا. لكان له وَجْهٌ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ مَن نذَر اعْتِكافَ شَهْرٍ. ثم وَجَدْتُ ابنَ رَزِينٍ فى «نِهَايته» ذكَرَه وَجهًا، وقدَّمه ناظِمُها.

تنبيه: مُرادُ المُصَنِّفِ بقَوْلِه: فله تَفْرِيقُها. إذا لم يَنْوِ التَّتابُعَ، فأما إذا نَوَى التَّتابُعَ، فإنَّه يَلْزَمُه. قالَه الأصحابُ.

فوائد؛ منها، إذا تابعَ، فإنَّه يَلْزَمُه ما يتخَلَّلُها مِن ليْلٍ أو نَهارٍ. على الصَّحيحِ

ص: 594

وإِنْ نَذَرَ أيَّامًا أوْ لَيَالِىَ مُتَتَابِعَةً، لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ أو نَهَارٍ.

ــ

مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يَلْزَمُه. ومنها، يدْخُلُ مُعْتَكَفَه، فيما إذا نذَر أيَّامًا، قبلَ الفَجْرِ الثَّانِى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، أو بعدَ صَلاِته. ومنها، لو نذَر أنْ يعْتكِفَ يوْمًا مُعَيَّنًا أو مُطْلَقًا، دخَل مُعْتَكَفَه قبلَ فَجْرِه الثَّانِى، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وخرَج بعدَ غُروبِ شَمْسِه. وحكَى ابنُ أبى مُوسَى رِوايَةً؛ يدْخُلُ وَقْتَ صَلاةِ الفَجْرِ. ومنها، لو نذَر شَهْرًا مُتَفرَّقًا، جازَ له تَتَابُعُه.

قوله: وإنْ نذَر أيَّامًا أو لَيالِىَ مُتَتابِعَةً، لَزِمَه ما يَتَخَلَّلُها مِن لَيلٍ أو نَهارٍ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وخرَّجَ ابنُ عَقِيلٍ، أنَّه لا يَلْزَمُه ما يتَخَلَّلُه.

ص: 595

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَه أبو حَكِيمٍ، وخرَّجه أيضًا مِنِ اعْتِكافِ يَوْم لا يَلْزَمُه معه ليْلَةٌ. وقيلَ: لا يَلْزَمُه ليْلًا. ذكَرَه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

ص: 596

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو نذَر اعْتِكافَ يَوْمٍ، مُعَيَّنًا أو مُطْلَقًا، فقد تقدَّم متى يدْخُلُ مُعْتَكَفَه، ولا يجوزُ تَفْريفُه بساعَاتِه مِن أيّامٍ، فلو كان فى وَسَطِ النَّهارِ، وقال: لله علىَّ أنْ أعْتَكِفَ يوْمًا مِن وَقتى هذا. لَزِمَه مِن ذلك الوَقتِ إلى مِثْلِه. وفى دُخُولِ اللَّيْلَةِ الخِلافُ

ص: 597

فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ الْخُرُوجُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ؛ كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالْجُمُعَةِ، وَالنَّفِيرِ الْمُتَعَيِّنِ، وَالشَّهَادَةِ الْوَاجِبَةِ، وَالْخَوْفِ مِنْ فِتْنَةٍ، أوْ مَرَض، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَنَحْوِهِ.

ــ

السَّابِقُ. واخْتار الآجُرِّىُّ، إنْ نذَر اعْتِكافَ يوْمٍ، فمِن ذلك الوَقْتِ إلى مِثْلِه.

تنبيه: مُرادُه بقوله: ولا يَجُوزُ للمُعْتَكِفِ الخُروجُ إلَّا لما لا بُدَّ مِنْه؛ كحاجَةِ الإِنْسانِ. إجْماعًا، وهو البَوْلُ والغائِطُ، إذا لَزِمَه التَّتابُعُ فى اعْتِكافِه، وسَواءٌ عيَّنَ بنَذْرِه مُدَّةً، أو شرَط التَّتابُعَ فى عدَدٍ.

ص: 598

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: يَحْرُمُ بَوْلُه فى المَسْجِدِ فى إناءٍ، وكذا فَصْدٌ وحِجَامَةٌ. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ احْتِمالًا، يجوزُ فى إناءٍ، كالمُسْتَحاضَةِ، مع أمْنِ تَلْوِيثِه. وكذا حُكْمُ النَّجاسَةِ فى هَواءِ المَسْجِدِ. قال ابنُ تَميمٍ: يُكْرَهُ الجِماعُ فوقَ المَسْجِدِ، والتَّمَسُّحُ بحَائِطِه والبَوْل عليه. نصَّ عليه. قال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصولِ» ، فى الإِجارَةِ، فى التَّمَسُّحِ بحائطِه: مُرادُه الحَظْرُ، فإذا بالَ خارِجًا وجسَدُه فيه لا ذكَرُه، كُرِهَ. وعنه

ص: 599

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَحْرُمُ. وقيل: فيه الوَجْهان. وتقدَّم بعضُ ذلك فى آخر بابِ الوُضوءِ.

قوله: والطَّهَارَةِ. يجوزُ له الخُروجُ للوُضوءِ عن حَدَثٍ. نصَّ عليه. وإن قُلْنا: لا يُكْرَهُ. فعَلَه فيه بلا ضَرُورَةٍ، ويخْرُجُ لغُسْلِ الجَنابَةِ، وكذا لغُسْلِ الجُمُعَةِ إنْ وجَب، وإلَّا لم يَجُزْ، ولا يجوزُ الخُروجُ لتَجْديدِ الوُضوءِ.

ص: 600

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ يجوزُ له أيضًا الخُروجُ لقَىْءٍ بَغتَه، وغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ لحاجَتِه، وله المَشْىُ على عادَتِه، وقَصْدُ بَيْتِه إِن لم يجِدْ مَكانًا يليقُ به، لا ضَرَرَ عليه فيه ولا مِنَّةً، كسِقايَةٍ لا يحْتَشِمُ مِثْلُه منها، ولا نَقْصَ عليه، ويَلْزَمُه قَصْدُ أقْرَبِ مَنْزِلَيْه لدَفْعِ حاجَتِه به. ويجوزُ الخُروجُ ليَأْتِىَ بمَأْكُولٍ ومَشْرُوبٍ يحْتاجُه، إنْ لم يكُنْ له مَن يأْتِيه به. نصَّ عليه. ولا يجوزُ الخُروجُ لأَكْلِه وشُرْبِه فى بَيْتِه، فى ظاهرِ كلامِه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والمَجْدُ وغيرُهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه.

ص: 601

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال القاضى: يتَوَجَّهُ الجَوازُ. واخْتارَه أبو حَكِيمٍ، وحمَل كلامَ أبى الخَطَّابِ عليه. وقال ابنُ حامِدٍ: إنْ خرَج لما لا بُدَّ منه إلى مَنْزِلِه، جازَ أنْ يأْكُلَ فيه يَسِيرًا، كَلُقْمَةٍ ولُقْمَتَيْن، لا كُلَّ أكْلِه.

قوله: والجُمُعَةِ. يخْرُجُ إلى الجُمُعَةِ إنْ كانت واجِبَةً عليه، وكذا إنْ لم تكُنْ واجِبَةً عليه واشْترَطَ خُروجَه إليها، فأمَّا إنْ كانت غيرَ واجِبَةٍ عليه ولم يَشْتَرِطِ الخُروجَ إليها، فإنَّه لا يجوزُ له الخُروجُ إليها، فإنْ خرَج بطَل اعْتِكافُه.

فائدتان؛ إحْداهما، حيثُ قُلْنا: يَخْرُجُ إلى الجُمُعَةِ. فله التَّبكِيرُ إليها. نصَّ عليه، وله إطالَةُ المُقامِ بعدَها، ولا يُكْرَهُ؛ لصَلاحِيَةِ المَوْضعِ للِاعْتِكافِ، لكِنَّ المُسْتَحَبَّ عكْسُ ذلك. ذكَرَه القاضى، وهو ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، فى رِوايَةِ أبى داوُدَ.

ص: 602

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال المُصَنِّفُ: ويحْتَمِلُ أنْ تكونَ الخِيَرَةُ إليه فى تَعْجيلِ الرُّجوعِ وتأْخِيرِه. وفى «شَرْحِ المَجْدِ» احْتِمالٌ، أنَّ تَبْكِيرَه أفْضَلُ، وأنَّه ظاهِرُ كلامِ أبى الخطابِ فى بابِ الجُمعَةِ؛ لأنَّه لم يَسْتَثْنِ المُعْتَكِفَ. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصُولِ»: يَحْتَمِلُ أنْ يَضِيقَ الوَقْتُ، وأنه إنْ تَنفَّلَ فلا يَزيدُ على أرْبَعٍ. ونقَل أبو داوُدَ فى التَّبْكِيرِ، أجْوَدُ، وأنَّه يرْكَعُ بعدَها عادَتَه. الثَّانيةُ، لا يَلْزَمُه سُلوكُ

ص: 603

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطَّريقِ الأقْرَبِ إلى الجُمُعَةِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال: وظاهِرُ ما سبَق يَلْزَمُه، كقَضاءِ الحاجَةِ. قال بعضُ الأصحابِ: الأفْضَلُ خُروجُه لذلك وعَوْدُه فى أقْصَرِ طريق، لا سِيَّما فى النَّذْرِ. والأفْضَلُ سُلوكُ أطْوَلِ الطُّرُقِ إنْ خرَج لجُمُعَةٍ وعِبادَةٍ غيرِها.

قوله: والنَّفِيرِ المتَعَيِّنِ. بلا نِزاعٍ، وكذا إذا تعَيَّنَ خُروجُه لإِطْفاءِ حَريقٍ، وإنْقاذِ غَرِيقٍ، ونحوِه.

قوله: والشَّهادَةِ الواجِبَةِ. يجوزُ الخُروجُ للشَّهادَةِ المُتَعَيَّنَةِ عليه، فَيلْزَمُه الخُروجُ،

ص: 604

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يَبْطُلُ اعْتِكافُه، ولو لم يتَعيَّنْ عليه التَّحَمُّلُ، ولو كان سبَبُه اخْتِيارِيًّا. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. واخْتارَ فى «الرعايَةِ» ، إنْ كان تَعَيَّنَ عليه تَحَمُّلُ الشَّهادَة وأداؤُها، خرَج لها، وإلَاّ فلا.

فائدَة: قوله: والخَوْفِ مِن فِتْنَةٍ. يجوزُ الخُروجُ إنْ وقَعَتْ فِتْنَةٌ وخافَ منها - إنْ أقامَ فى المَسْجِدِ - على نفْسِه أو حُرْمَتِه أو مالِه نَهْبًا، أو حَرِيقًا، ونحوه، ولا يَبْطُلُ اعْتِكافُه بذلك.

قوله: أو مَرَضٍ. اعلمْ أنَّ المرَضَ إذا كان يتَعذَّرُ معه القِيامُ فيه، أو لا يُمْكِنُه إلَّا بمَشقَّةٍ شديدةٍ، يجوزُ له الخُروجُ، وإنْ كان المَرضُ خفِيفًا، كالصُّداعِ والحُمَّى الخَفِيفَةِ، لم يَجُزْ له الخُروجُ، إلَّا أنْ يُباحَ به الفِطْرُ فيُفْطِرَ، فإنَّه يخْرُجُ إنْ قُلْنا باشْتِراطِ الصَّوْمَ، وإلَّا فلا.

قوله: والحَيْضِ والنِّفَاسِ. تخْرُجُ المرأةُ للحَيْضِ والنَّفاسِ إلى بَيْتِها إنْ لم يكُنْ للمَسْجِدِ رَحْبَةٌ، فإذا طَهُرَتْ رجَعَتْ إلى المَسْجِدِ، وإنْ كان له رَحْبَةٌ يُمْكِنُها ضَرْبُ خِبائِها فيها بلا ضَرَرٍ، فعَلَتْ ذلك، فإذا طَهُرَتْ رجعَتْ إلى المَسْجدِ. ذكَرَه الخِرَقِىُّ، وابنُ أبى مُوسَى. ونقَلَه يَعْقُوبُ بنُ بَخْتَانَ عن أحمدَ. وقدَّمَه فى

ص: 605

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» ، واقْتَصَرَ عليه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. ونقَل محمدُ ابنُ الحَكَمِ، تذْهَبُ إلى بَيْتِها، فإذا طَهُرَتْ بَنَتْ على اعْتِكافِها. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. قلتُ: الظَّاهِرُ أنَّ محَلَّ الخِلافِ، إذا قُلْنا: إنَّ رَحْبَةَ المَسْجِدِ ليست منه. وهو واضِحٌ. فعلى الأوَّل، إقامَتُها فى الرَّحْبَةِ على سَبِيلِ الاسْتِحْبابِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والمَجْدُ وغيرُهما. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. واخْتارَ فى «الرِّعايَةِ» ، أنَّه يُسَنُّ

ص: 606

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جلُوسُها فى الرَّحْبَةِ غيرِ المَحُوطَةِ. وحكَى صاحِبُ «التَّلْخيصِ» قوْلاً بوُجوبِ الكفَّارَةِ عليها. وهذا الحُكْمُ إذا لم تخَفْ تَلْوِيثَه، فأمَّا إنْ خافَتْ تَلْوِيثَه، فأيْنَ شاءَتْ. وكذا بشَرْطِ الأمْنِ على نفْسِها. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولهذا قال بعضُهم: هذا مع سَلامَةِ الزَّمانِ.

ص: 607

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله، بعد ذكْرِ ما يجوزُ الخُروجُ له: ونحوِ ذلك. فنحْوُ ذلك، إذا تعَيَّنَ خُروجُه لإِطْفاءِ حَريقٍ، أو إنْقاذِ غَريقٍ، كما تقدَّم. وكذا إذا أكْرَهَه السُّلْطانُ أو غيرُه على الخُروجِ، وكذا لو خافَ أنْ يأخُذَه السُّلْطانُ ظُلْمًا، فخرَج واخْتَفَى، وإنْ أخْرجَه لاسْتِيفاءِ حقًّ عليه، فإنْ أمْكَنَه الخُروجُ منه بلا عُذْرٍ، بطَل اعْتِكافُه، وإلَّا لم يَبْطُلْ؛ لأنَّه خُروجٌ واجِبٌ.

فائدة: لو خرَج مِنَ المَسْجِدِ ناسِيًا، لم يَبْطُلِ اعْتِكافُه، كالصَّوْمِ. ذكرَه القاضى فى «المُجَرَّدِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، و «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» . وذكَر القاضى فى «الخِلَافِ» ، وابن عَقِيل فى «الفُصُولِ» ، يَبْطُلُ؛ لمُنافَاتِه الاعْتِكافَ، كالجِماعِ. وذكَر المَجْدُ أحدَ الوَجْهَيْن، لا يَنْقَطِعُ التَّتابُعُ، ويَبْنِى، كمرَضٍ وحَيْضٍ، واخْتارَه، وذكَرَه قِياسَ المذهبِ. وجزم أيضًا، أنَّه لا يَنْقَطِعُ تَتابُعُ المُكْرَهِ. وأطْلَقَ بعضُهم وَجْهَيْن. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: لا يبطُلُ اعْتِكافُه إذا أُكْرِهَ على الخُروجِ، ولو خرج بنَفْسِه.

ص: 608

وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا، وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً، إِلَّا أنْ يَشْتَرِطَهُ، فَيَجُوزُ. وَعَنْهُ، لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ.

ــ

فائدة: قوله: ولا يَعُودُ مَريضًا، ولا يَشْهَدُ جِنازَةً. وكذا كلُّ قُرْبَةٍ؛ كزِيارَةٍ، وتَحَمُّلِ شَهادَةٍ وأدائِها، وتَغْسِيلِ مَيِّتٍ، وغيرِه، إلَّا أنْ يشتَرِطَ. وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه، نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأصحابُ. وعنه، له فِعْلُ ذلك كلِّه مِن غيرِ شَرْطٍ. وذكَر التَّرْمِذِىُّ (1)، وابنُ المُنْذِرِ رِوايَةً عن أحمدَ بالمَنْعِ، مع الاشْتِراطِ أيضًا. فعلى المذهبِ، لا يَقْضِى زمَنَ الخُروجِ إذا نذَر شَهْرًا مُطْلَقًا، فى ظاهرِ كلامِ الأصحابِ. قالَه فى «الفُروعِ» ، كما لو عيَّنَ الشَّهْرَ. قال المَجْدُ: ولو قَضَاه صار الخُروجُ المُسْتَثْنَى والمَشْرُوطُ فى غيرِ الشَّهْرِ.

تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن ذلك، لو تعَيَّنَتْ عليه صلاةُ جِنَازَةٍ خارِجَ المَسْجدِ، أو دَفْنُ

(1) فى: كتاب المعتكف يخرج لحاجته أم لا؟، من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 4/ 17.

ص: 609

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَيِّتٍ، أو تَغْسِيلُه، فإنَّه كالشَّهادَةِ إذا تعَيَّنَتْ عليه، على ما سبَق. ويأْتِى آخِرَ البابِ ما يجوزُ له فِعْلُه فى المَسْجِدِ.

ص: 610

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: لو شرَط فى اعْتِكافِه فِعْلَ ما له منه بدٌّ، وليس بقُرْبَةٍ ويَحْتاجُه، كالعَشاءِ فى بَيْتِه، والمَبِيتِ فيه، جازَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ والرِّوايتَيْن. جزَم به المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشارِحُ، وغيرُهما، ونصَرُوه. وجزَم به فى «الرِّعايتَيْن» ،

ص: 611

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الحاوِيَيْن» . وعنه، المَنْعُ مِن ذلك. جزَم به القاضى، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما. واخْتارَه المَجْدُ وغيرُه. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» . ولو شرَط الخروجَ للبَيْعِ والشِّراءِ، أو الإِجارَةِ، أو التَّكَسُّبَ بالصِّناعَةِ فى المَسْجِدِ، لم يَجُزْ، بلا خِلافٍ عنِ الإِمامِ أحمدَ وأصحابِه. ولو قال: متى مَرِضْتُ، أو عرَض لى عارِضٌ، خرَجْتُ. فله شَرْطُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، وأطْلَقُوا. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال المَجْدُ: فائدَةُ الشَّرْطِ هنا، سُقوطُ القَضاءِ

ص: 612

وَلَهُ السُّؤَالُ عَنِ الْمَرِيضِ فِى طَرِيقِهِ مَا لَمْ يُعَرِّجْ،

ــ

فى المُدَّةِ المُعَيَّنَةِ، فأمَّا المُطْلقَةُ، كنَذْرِ شَهْرٍ مُتَتابعٍ، فلا يجوزُ الخُروجُ منه إلَّا لمرَضٍ، فإنَّه يَقْضِى زمَنَ المرَضِ؛ لإِمْكانِ حمْلِ شَرْطِه هنا على نَفْى انْقِطاعِ التَّتابُع فقط، فنُزِّلَ على الأقَلِّ، ويكونُ الشَّرْطُ أفادَ هنا البِنَاءَ مع سُقوطِ الكَفَّارَةِ على أصْلِنا.

قوله: وله السُّؤَالُ عنِ المَريضِ فى طَرِيقِه ما لم يُعَرِّجْ. إذا خرَج إلى ما لا بُدَّ منه، فسَألَ عنِ المَريضِ أو غيرِه فى طَرِيقِه، ولم يُعَرِّجْ، جاز؛ كبَيْعِه وشِرائِه إذا لم يقِفْ له. قال فى «الفُروعِ»: ولا وَجْهَ لقَوْلِه فى «الرِّعايَةِ» : فَسَأل عنِ المَريضِ. وقيل: أو غيرِه.

فائدة: لو وقَف لمَسْألَتِه، بطَل اعْتِكافُه.

ص: 613

وَالدُّخُولُ إِلَى مَسْجِدٍ يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ، فَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ خُرُوجًا مُعْتَادًا كَحَاجَةِ الإِنْسَانِ [60 ظ] وَالطَّهَارَةِ، فَلَا شَىْءَ فِيهِ وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ الْمُعْتَادِ فِى الْمُتَتَابِعِ وَتَطَاوَلَ،

ــ

قوله: والدُّخولُ إلى مَسْجِدٍ يُتِمُّ اعْتِكافَه فيه. إذا خرَج لما لا بدَّ منه، فدَخَل مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكافَه فيه، جازَ، إنْ كان الثَّانِى أقْرَبَ إلى مَكانِ حاجَتِه مِنَ الأوَّلِ، وإنْ كان أبعَدَ، أو خرَج إليه ابْتِداءً بلا عُذْرٍ، بَطَلَ اعْتِكافُه؛ لتَرْكِه لُبْثًا مُسْتَحَقًّا. جزَم به فى «الفُروعِ» وغيرِه فيهما. وكلامُ المُصَنِّفِ مَحْمُولٌ على الأوَّلِ.

قوله: وإنْ خرَج لغيرِ المعْتَادِ فى المتَتابعِ وتَطاوَلَ، خُيِّرَ بينَ اسْتِئْنافِه وإتْمامِه مع كَفَّارَةِ يَمِينٍ. مُرادُه بالتَّتابُعِ، غيرُ المُعَيَّنِ. ومُرادُه بالخُروجِ غيرِ المُعْتادِ،

ص: 614

خُيِّرَ بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ وإِتْمَامِهِ مَعَ كَفارَةِ يَمِين، وَإنْ فَعَلَهُ فِى مُتَعَيِّنٍ، قَضَى. وَفِى الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ.

ــ

الخُروجُ للنَّفِيرِ، والخَوْفِ، والمرَضِ، ونحوِ ذلك. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقال فى «الرَّعايَةِ»: يُتِمُّه، وفى الكفَّارَةِ الخِلافُ. وقيل: أو يسْتَأْنِفُ إنْ شاءَ. قال فى «الفروعِ» : كذا قال. وقال: ويتخَرَّجُ، يَلْزَمُ الاسْتِئْنافُ فى مرَضٍ يُباحُ الفِطْرُ به، ولا يجِبُ، بِناءً على أحَدِ الوَجْهَيْن فى انْقِطاعِ صَوْمِ الكفَّارَةِ بما يُبيحُ الفِطْرَ ولا يُوجِبُه. واخْتارَ القاضى فى «المُجَرَّدِ» ، أنَّ كلَّ خُروجٍ لواجِبٍ، كمرَضٍ لا يُؤْمَنُ معه تَلْوِيثُ المَسْجِدِ، لا كفَّارَةَ فيه، وإلَّا كان فيه الكفَّارَةُ. واخْتارَ المُصَنِّفُ وُجوبَ الكفَّارَةِ، إلَّا لعُذْرِ حَيْضٍ أو نِفاسٍ؛ لأنَّه مُعْتادٌ، كحاجَةِ الإِنْسانِ. وضعَّفَ المَجْدُ كلامَ القاضى والمُصَنِّفِ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال المَجْدُ. قال فى «الفروعِ» : وظاهِرُ كلامِ الشَّيْخِ، يَعْنِى به المُصَنِّفَ،

ص: 615

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يَقْضِى، ولعَلَّه أظْهَرُ. قال: ويتَوجَّهُ مِن قوْلِ القاضى هنا فى الصَّوْمِ، ولا فَرْقَ.

فائدة: تَقْيِيدُ المُصَنِّفِ الخُروجَ لغيرِ المُعتادِ، يدُلُّ على أنَّه يوجَدُ خُروجٌ لمُعْتادٍ، وهو صحيحٌ، فالمُعْتادُ مِن هذه الأعْذارِ؛ حاجَةُ الإِنْسانِ إجْماعًا، والطَّهارَةُ مِنَ الحَدَثِ إجْماعًا، والطَّعامُ والشَّرابُ إجْماعًا، والجُمُعَةُ. وقد تقدَّم شُروطُ ذلك. وغيرُ المُعْتادِ، بقِيَّةُ الأعْذارِ المُتقَدِّمَةِ. ثم إنَّ غيرَ المُعْتادِ إذا خرجَ له، فلا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يتَطاوَلَ أوْ لا، فإنْ تَطاوَلَ، فهو كلامُ المُصَنِّفِ المُتقَدِّمُ، وإنْ لم يتَطاوَلْ، فذكَر المُصَنِّفُ والشَّارِحُ وغيرُهما، أنَّه لا يَقْضِى الوَقتَ الفائتَ بذلك؛ لكَوْنِه يسيرًا مُباحًا، أو واجِبًا. ويُوافِقُه كلامُ القاضى فى النَّاسِى. قال فى «الفُروعِ»: وعلى هذا يتَوجَّهُ، لو خرَج بنَفْسِه مُكْرَهًا، أنْ يُخَرَّجَ بُطْلانُه على الصَّوْمِ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ وغيرِه، أنَّه يَقْضِى. واخْتارَه المَجْدُ.

قوله: وإنْ فعَلَه فى مُتَعَيَّنٍ، قضَى، وفى الكَفّارَةِ وَجْهان. يعْنِى إذا خرَج لغيرِ المُعْتادِ، وتَطاوَلَ فى مُتَتابعٍ مُتَعَيِّنٍ. وأطْلقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يكفِّرُ مع القَضاءِ. وهو المذهبُ، ونصَّ عليه فى الخُروجِ لفِتْنَةٍ، وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجِيزِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ،

ص: 616

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو الذى ذكرَه الخِرَقِىُّ. انتهى. والذى ذكَرَه الخِرَقِىُّ فى الفِتْنَةِ، والخُروجِ للنَّفيرِ، وعِدَّةِ الوفَاةِ. وذكَرَه ابنُ أبى مُوسَى فى عِدَّةِ الوَفاةِ. والوَجْهُ الثَّانِى، لا كفّارَةَ عليه. قال الزَّرْكَشِىُّ: وعن أحمدَ ما يدُلُّ على أنَّه لا كفَّارَةَ مع العُذْرِ. انتهى. قال فى «الفُروعِ» : وعن أحمدَ - فى مَن نذَر صَوْمَ شَهْرٍ بعَيْنِه، فمَرِضَ فيه، أو حاضَتْ فيه المرأةُ - فى الكفّارَةِ مع القَضاءِ رِوايتَان، والاعْتِكافُ مِثْلُه. هذا مَعْنَى كلامِ أبى الخَطَّابِ وغيرِه. وقالَه صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمَجْدُ، وغيرُهما. قال: فَتُخَرَّجُ جميعُ الأعْذَارِ فى الكفّاراتِ فى الاعْتِكافِ على رِوايتَيْن. وعنِ القاضى، إنْ وجَب الخُروجُ، فلا كفَّارَةَ، وإنْ لم يجِبْ، وجَبتْ. وقال ابن عَبْدُوسٍ المُتقَدِّمُ، وصاحِبُ «التَّلْخِيصِ»: إنْ كان الخُروجُ لحَقِّ نفْسِه، كالمرَضِ والفِتْنَةِ ونحوِهما، وَجَبَتْ، وإنْ كان لحَقٍّ عليه، كالشهادَةِ والنفيرِ والحَيْضِ، فلا كفَّارَةَ. وقيل: تجِبُ. ونقَل المَرُّوذِىُّ وحَنْبَلٌ، عدَمَ الكفّارَةِ فى الاعْتِكافِ. وحمَلَه المَجْدُ على رِوايَةِ عدَمِ وُجوبِها فى الصَّوْمِ وسائرِ المَنْذُوراتِ.

ص: 617

وَإِنْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ فِى الْمُتَتَابِعِ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهُ، وَإنْ فَعَلَهُ فِى مُعَيَّنٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، وَفِى الِاسْتِئْنَافِ وَجْهَانِ.

ــ

فائدتان؛ إحداهما، لو ترَك اعْتِكافَ الزَّمَنِ المُعَيَّنِ لعُذرٍ أو غيرِه، قَضاه مُتَتابِعًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يَلْزَمُه التَّتابُعُ إلَّا بشَرْطِه أو بنِيَّتِه الثَّانيةُ، إذا خرَج لغيرِ المُعْتادِ، وتَطاوَلَ فى نَذْرِ أيَّامٍ مُطْلَقَةٍ، فإنْ قُلْنا: يجِبُ التَّتابُعُ، على قوْلِ القاضى السَّابقِ. فحُكْمُه حُكْمُ النَّذْرِ المُتَتابعِ، كما تقدَّم فى كلامِ المُصَنِّفِ. وإنْ قُلْنا: لا يجِبُ. تَمَّمَ ما بَقِىَ، على ما تقدَّم، لكِنَّه يَبْتَدِئُ اليومَ الذى خرَج فيه مِن أوَّلِه ليَكُونَ مُتَتابِعًا، ولا كفَّارَةَ عليه. هذا المذهبُ. وقال المَجْدُ: قِياسُ المذهبِ، يُخَيَّرُ بينَ ذلك وبين البِنَاءِ على بعضِ اليومِ ويُكَفِّرُ.

قوله: وإن خرَج لما له منه بُدٌّ فى المُتَتابع، لَزِمَه اسْتِئْنافُه. يعْنِى، سَواءٌ كان

ص: 618

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُتَتابِعًا بشَرْطٍ، كمَن نذَر اعْتِكافَ شَهْرٍ مُتَتابِعًا، أو عَشَرةِ أيَّامٍ مُتَتابِعَةً، أو كان مُتَتابعًا بِنيَّةٍ، أو قُلْنا: يُتابِعُ فى المُطْلَقِ. وهذا المذهبُ فى ذلك كلِّه، بشَرْطِ أنْ يكونَ عامِدًا مُخْتارًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به المَجْدُ فى «شَرْحِه» وغيره. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «الرِّعايَةِ»: يَسْتَأْنِفُ المُطْلَقَ المُتَتابع بلا كفّارَةٍ. وقيل: أو يَبْنِى، ويكَفِّرُ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وهذا القوْلُ مِنَ المُفْرَداتِ.

فائدة: خُروجُه لمالَه منه بُدٌّ مُبْطِلٌ، سَواءٌ تطَاوَلَ أوْ لا، لكنْ لو أخْرَجَ بعضَ جسَدِه، لم يَبْطُلْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: يَبْطُلُ. هذا كلُّه إذا كان عالِمًا مُخْتارًا، فأمَّا إنْ خرَج مُكْرَهًا أو ناسِيًا، فقد سبَق.

ص: 619

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وإنْ فعَلَه فى مُعَيَّنٍ، فعليه كَفّارَةٌ - يعْنِى، إذا خرَج لما لَه منه بُدُّ - وفى الاسْتِئْنافِ وَجْهان. واعلمْ أنَّه إذا خرج فى المُعَيَّنِ، فتارَةً يكونُ نذْرُه مُتَتابِعًا مُعَيَّنًا، وتارَةً يكونُ مُعَيَّنًا ولم يُقَيِّدْه بالتَّتابُعِ، فإنْ كان مُعَيَّنًا ولم يُقَيِّدْه بالتَّتابُعِ، كنَذْرِه اعْتِكافَ شَهْرِ شَعْبانَ، وخرَج لما لَه منه بُدٌّ، فعليه كفّارَةُ يَمِين. رِوايَةً واحدَةً. وفى الاسْتِئْنافِ وَجْهان. وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» ، والشَّارِحُ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ أحدُهما، يسْتأْنِفُ؛ لتَضَمُّنِ نَذرِه التَّتابُعَ. قال المَجْدُ: هذا

ص: 620

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أصحُّ فى المذهبِ، وهو قِياسُ قوْلِ الخِرَقِىِّ. وصحَّحَه فى «التَّصْحِيحِ» . وقدَّمه فى «الهِدَايَةِ» ، و «الخُلَاصَةِ» . والوَجْهُ الثَّانِى، يَبْنِى؛ لأنَّ التَّتابُعَ حصَل ضرُورَةَ التَّعْيينِ، فسَقَط بفَواتِه، كقضَاءِ رَمَضانَ، ويَقْضِى ما فاتَه. وأصْلُ هذَيْن الوَجْهَيْن، مَن نذَر صَوْمَ شَهْرٍ بعَيْنِه، فأفْطَرَ فيه، فإنَّ فيه رِوايتَيْن. وإنْ كان مُتَتابِعًا مُعَيَّنًا،

ص: 621

وَإِنْ وَطِئَ الْمُعْتَكِفُ فِى الْفَرْجِ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، إِلَّا لِتَرْكِ نَذْرِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَقَالَ الْقَاضِى: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ.

ــ

كنَذْرِه شَعْبانَ مُتَتابِعًا، اسْتَأْنفَ إذا خرَج، وكفَّرَ كفارَةَ يمينٍ. قوْلًا واحدًا.

قوله: وإنْ وَطِئَ المعْتَكِفُ فى الفَرْجِ، فسَدَ اعْتِكَافُه. إنْ وَطِئَ عامِدًا، فسَد اعْتِكافُه إجْماعًا، وإنْ كان ناسِيًا، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ فَسادُ اعْتِكافِه أيضًا. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهب، نصَّ عليه، وعليه أكثَرُ الأصحابِ. وخرجَ المَجْدُ مِنَ الصَّوْمِ عدَمَ البُطْلانِ. وقال: الصَّحيحُ عندِى أنَّه يَبْنِى.

قوله: ولا كفَّارَةَ عليه إلَاّ لتَرْكِ نَذْرِه. اعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّه

ص: 622

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا تجِبُ كَفَّارَةٌ بالوَطْءِ فى الاعْتِكافِ مُطْلَقًا. نقَلَه أبو داوُدَ. وهو ظاهرُ نقْلِ ابنِ إبْراهِيمَ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال فى «الكَافِى» ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. قال فى «الفَائقِ» : ولا كفَّارَةَ عليه للوَطْءِ فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : وهو الصَّحيحُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ وغيرُه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الوجيزِ» . واخْتارَ القاضى وأصحابُه وُجوبَ الكفَّارَةِ إنْ كان نذْرًا، كرَمَضانَ والحَجِّ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

ص: 623

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال فى «المُسْتَوْعِبِ» : هذا أصحُّ الرِّواياتِ. وقدَّمه فى «الخُلَاصَةِ» و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم.

تنبيهات؛ الأوَّلُ، قوْلُه: إلَّا لتَرْكِ نَذْرِه. يَعْنِى، إنَّما تجبُ الكفَّارَةُ لتَرْكِ النَّذْرِ لا للوَطْءِ، مثلَ أنْ يطَأَ فى وَقْتِ عَيْنِ اعْتِكافِه بالنَّذْرِ. الثَّانى، خصَّ جماعةٌ مِنَ الأصحابِ وُجوبَ الكفَّارَةِ بالوَطْءِ بالاعْتِكافِ المَنْذُورِ لا غيرُ؛ مِنهم القاضى، وأبو الخَطَّابِ، وغيرُهما. واخْتارَه المَجْدُ ورَدَّ غيرَه. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصُولِ»: تَجِبُ فى التَّطَوُّعِ، فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: لا وَجْهَ له. قال: ولم يذْكُرْها القاضى، ولا وَقفْتُ على لَفْظٍ يدُلُّ عليها عن أحمدَ. وهى فى «المُسْتَوْعِبِ» . فهذه ثَلاثُ رِواياتٍ. الثالثُ، حيثُ أوْجَبْنا عليه الكفَّارَةَ بالوَطْءِ، فقال أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيه»: عليه كفّارَةُ يَمينٍ. وحكَى ذلك رِوايَةً عن أحمدَ.

ص: 624

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «الإفادَاتِ» ، وقدَّمه فى «الرَّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ، و «الخُلَاصَةِ». قال فى «الفُروعِ»: ومُرادُ أبى بَكْرٍ، ما اخْتارَه صاحِبُ «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم، أنّه أفْسَدَ المَنْذُورَ بالوَطْءِ، وهو كما أفْسدَه بالخُروجِ لما لَه منه بُدٌّ، على ما سبَق. وهذا مَعْنَى كلامِ القاضى فى «الجَامِعِ الصَّغِيرِ». وذكَر بعضُ الأصحابِ أنَّه قيل: إنَّ هذا الخِلافَ فى نَذْرٍ. وقيل: مُعَيَّنٍ. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وجزَم به فى «الإِفاداتِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، فلهذا

ص: 625

وَإِنْ بَاشَرَ دُونَ الْفَرْجِ فَأنْزَلَ، فَسَدَ اعْتِكَافُهُ، وَإلَّا فَلَا.

ــ

قيل: تَجِبُ الكفَّارَتان؛ كفَّارَةُ الظِّهارِ، وكفّارَةُ اليَمينِ. وحكَى القولَ بذلك فى «الحاوِى» وغيرِه. وقال القاضى فى «الخِلَافِ»: عليه بالوَطْءِ كفَّارَةُ الظِّهارِ. وقدَّمه فى «النّظْمِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» . واخْتارَ فى «الكُبْرَي» وُجوبَها، ككَفَّارَةِ رَمَضانَ. قال أبو الخَطَّابِ فى «الهِدَايَةِ»: وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ فى رِوايَةِ حَنْبَلٍ. وتأوَّلَها المَجْدُ. وأطْلقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الشّرْحِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» . وهما رِوايَتان عندَ الشَّيرازِىِّ.

قوله: وإنْ باشَر دُونَ الفَرْجِ فأنْزَلَ، فسَد اعْتِكافُه، وإلَّا فلا. بلا نِزاعٍ فيهما، ثم رأيْتُ الزَّرْكَشِىَّ حكَى عنِ ابنِ عَبْدُوسٍ المُتقدِّمِ احْتِمالًا بعدَمِ الفَسادِ مع الإِنْزالِ، ومتى فسَد خُرِّجَ فى إلْحاقِه بالوَطْءِ فى وُجوبِ الكفَّارَةِ وَجْهان. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ. وقال المَجْدُ: يتَخرَّجُ وَجْهٌ ثالِثٌ، يَجِبُ بالإِنْزالِ بالوَطْءِ دُونَ الفَرْجِ،

ص: 626

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يجِبُ بالإِنْزالِ باللَّمْسِ والقُبْلَةِ. وقال: مُباشرَةُ النَّاسِى كالعامِدِ على إطْلاقِ أصحابِنا. واخْتارَ هنا، لا يُبطِلُه كالصَّوْمِ. انتهى. قلتُ: الأوْلَى وُجوبُ الكفَّارَةِ إذا أنْزَلَ بالمُباشرَةِ فيما دُونَ الفَرْجِ، إذا قُلْنا بوُجوبِها بالوَطْءِ فى الفَرْجِ.

فوائد؛ الأُولَى، لا تحْرُمُ المُباشَرةُ فيما دُونَ الفَرْجِ بلا شَهْوَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَر القاضى احْتِمالًا بالتَّحْريمِ. وما هو ببَعِيدٍ. وتحْرُمُ المُباشرَةُ بشَهْوَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: لا تحْرُمُ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» . الثَّانيةُ، لو سَكِرَ فى اعْتِكافِه، فسَد، ولو كان ليْلًا، ولو شرِبَ ولم يَسْكَرْ، أو أتَى كبيرةً، فقال المَجْدُ: ظاهِرُ كلامِ القاضى، لا يَفْسُدُ. واقْتصَرَ

ص: 627

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ التَّشاغُلُ بِفِعْلِ الْقُرَبِ، وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ،

ــ

هو وصاحِبُ «الفُروعِ» عليه. الثَّالثةُ، لو ارْتَدَّ فى اعْتِكافِه، بطَل بلا نِزاعٍ.

قوله: ويُسْتَحَبُّ للمُعْتَكِفِ التَّشاغُلُ بفعْلِ القُرَب، واجْتِنابُ ما لا يَعْنِيه. مِن جِدَالٍ ومِراءٍ، وكثْرَةِ كلامٍ ونحوِه. قال المُصَنِّفُ: لأنَّه مكْرُوهٌ فى غيرِ الاعْتِكافِ،

ص: 628

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ففيه أوْلَى. وله أنْ يتَحدَّثَ مع مَن يأْتِيه ما لم يُكْثِرْ، ولا بأْسَ أنْ يأْمُرَ بما يُريدُ خَفِيفًا لا يشْغَلُه.

ص: 629

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحداهما، ليس الصَّمْتُ مِن شريعَةِ الإِسْلامِ. قال ابنُ عَقيلٍ: يُكْرَهُ الصَّمْتُ إلى اللَّيْلِ. قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه»: وظاهِرُ

ص: 630

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأخْبارِ تحْرِيمُه. وجزَم به فى «الكَافِى» ، وإنْ نذَرَه لم يَفِ به. الثَّانيةُ، لا يجوزُ

ص: 631

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ يَجْعَلَ القُرآنَ بَدلًا عنِ الكلام. ذكرَه ابنُ عَقِيلٍ، وتَبِعَه غيرُه. وجزَم فى «التَّلْخِيصِ» ، و «الرَّعايَةِ» ، أَنَّه يُكْرَهُ ولا يَحْرُمُ. وقال الشَّيْخُ تَقِى الدِّينِ: إنْ قرَأ عندَ الحُكْمِ الذى أُنزِلَ له، أو ما يُناسِبُه فحَسَنٌ، كقَوْلِه لمَن دَعاه لذَنْبٍ تابَ منه:{مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} (1). وقوْلِه عندَ ما أهمَّه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (2).

(1) سورة النور 16.

(2)

سورة يوسف 86.

ص: 632

وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ إِقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْم، وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ، إِلَّا عِنْدَ أَبِى الْخَطَّابِ، إِذَا قَصَدَ بِهِ الطَّاعَةَ.

ــ

قوله: ولا يُسْتَحبُّ له إقْراءُ القُرْآنِ والعِلْمِ، والمُناظَرةُ فيه. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قالَه أبو الخَطَّابِ فى «الهِدَايَةِ». قال أبو بَكْرٍ: لا يُقْرِئُ (1) ولا يكْتُبُ الحديثَ، ولا يُجالِسُ العُلَماءَ. وقال أبو الخَطَّابِ: يُسْتَحَبُّ إذا قصَد به الطَّاعَةَ. واخْتارَه المَجْدُ وغيرُه. وذكَر الآمِدِىُّ فى اسْتِحْبابِ ذلك رِوايَتَيْن. فعلى المذهبِ، فِعْلُه لذلك أفْضَلُ مِنَ الاعْتِكافِ؛ لتَعدِّى نَفْعِه. قال المَجْدُ: ويَتخرَّجُ على أصْلِنا فى كراهَةِ أنْ يَقْضِىَ القاضِى بينَ النَّاسِ وهو مُعْتَكِفٌ،

(1) فى الأصل، ا:«يقرأ» ، وانظر الفروع 3/ 196.

ص: 633

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا كان يسيرًا، وَجْهان، بِناءً على الإِقْراءِ وتَدْرِيس العِلْمِ، فإنَّه فى مَعْناه.

فوائد؛ إحْداها، لا بأْسَ أنْ يتَزَوَّجَ، ويشْهَدَ النِّكاحَ لنَفْسِه ولغيرِه، ويُصلِحَ بينَ القوْمِ، ويعُودَ المرِيضَ، ويُصَلِّىَ على الجِنازَةِ، ويُعَزِّىَ، ويُهَنَّئَ، ويُؤَذِّن، ويُقِيمَ، كلُّ ذلك فى المَسْجِدِ. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّ ظاهِرَ «الإِيضاحِ» ، يحْرُمُ أنْ يَتَزوَّجَ أو يُزَوِّجَ. وقال المَجْدُ: قال أصحابُنا: يُسْتَحَبُّ له تَرْكُ لُبْسِ رَفِيعِ الثِّيابِ، والتَّلَذُّذِ بما يُباحُ قبلَ الاعْتِكافِ، وأنْ لا ينامَ إلَّا عن غَلَبَةٍ، ولو مع قُرْبِ الماء، وأنْ لا ينامَ مُضْطَجِعًا بل مُتَربِّعًا مُسْتَنِدًا، ولا يُكْرَهُ شئٌ مِن ذلك. انتهى. وكَرِهَ ابنُ الجَوزِىَّ وغيرُه لُبْسَ رَفيعِ الثِّيابِ. قال المَجْدُ: ولا بأْس بأَخْذِ شَعَرِه

ص: 634

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأظْفارِه فى قِيَاسِ مَذهَبِنا. وكَرِهَ ابنُ عَقِيلٍ إزَالَةَ ذلك فى المَسْجِدِ مُطْلَقًا، صيانَةً له. وذكَر غيرُه، يُسَنُّ ذلك. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُه مُطْلَقًا، وإلَّا (1) يحْرُمُ إلْقاؤه فيه. ويُكْرَهُ له أنْ يَتَطيَّبَ. قدَّمه فى «الفروعِ» . نقَل المَرُّوذِىُّ، لا يَتَطيَّبُ. ونَقل أيضًا، لا يُعْجِبُنى. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. ونَقل ابنُ إبْرَاهِيمَ، يَتَطيَّبُ كالتَّنظُّفِ، ولِظَواهِرِ الأدِلَّةِ. قال فى «الفُروعِ»: وهذا أظْهَرُ. وقَاسَ أصحابُنا الكَراهةَ على الحَجِّ، والتَّحْرِيمَ على الصَّوْمِ. وأطْلَقَ فى «الرِّعايَةِ» فى كراهَةِ لُبْسِ الثَّوْبِ الرَّفيعِ والتَّطيُّبِ وَجْهَيْن. ويحْرُمُ الوَطْءُ فى المَسْجِدِ، على ما يأْتِى فى أوَاخِرِ الرَّجْعَةِ.

(1) فى النسخ «لا» ، وانظر الفروع 3/ 198.

ص: 635

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به فى «الفُروعِ» هناك. وقال ابنُ تَميمٍ: يُكْرَهُ الجِماعُ فوقَ المَسْجِدِ، والتَّمَسُّحُ بحائطِه، والبَوْلُ عليه. نصَّ عليه. على ما تقدَّم قريبًا عندَ خُروجِه لِما لا بدَّ منه. الثَّانيةُ، يَنْبَغِى لمَن قصَد المَسْجِدَ للصَّلاةِ أو غيرِها، أنْ يَنْوِىَ الاعْتِكافَ مُدَّةَ لُبْثِه فيه، لا سِيَّما إنْ كان صائِمًا. ذكَرَه ابنُ الجَوْزِىَّ فى «المِنْهَاجِ» ، ومَعْناه فى «الغُنْيَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، ولم يَرَ ذلك الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. الثَّالثةُ، لا يجوزُ البَيْعُ والشَّراءُ فى المسْجِدِ للمُعْتَكِفِ وغيرِه، على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ.

ص: 636

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نصَّ عليه فى رِوايَةِ حَنْبَلٍ. وجزَم به القاضى، وابنُه أبو الحُسَيْنِ، وصاحِبُ «الوَسِيلَةِ» ، و «الإِفْصَاحِ» ، و «الشَّرْحِ» هنا، وابنُ تَميمٍ وغيرُهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وغيرِهما. قال ابنُ هُبَيْرَةَ: منَع صِحَّتَه وجَوازَه أحمدُ. وجزَم فى «الفُصُولِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» بالكَراهَةِ، وجزَم به فى «الشَّرْحِ» ، [و «المُغْنِى»، و «ابنِ تَميمٍ»، و «المَجْدِ»، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ»](1)، فى آخرِ كتابِ البَيْعِ. ونَقل حَنْبَلٌ عن أحمدَ ما يَحْتَمِلُ أنَّه يجوزُ أنْ يَبيعَ ويَشْتَرِى فى المسجدِ ما لَا بُدَّ منه، كما يجوزُ خُروجُه له، إذا لم يكُنْ له مَن يأْتِيه به. فعلى المذهبِ، لا يجوزُ فى المَسْجِدِ، ويَخْرُجُ له. وعلى الثَّانى، يجوزُ، ولا يَخْرُجُ له. وعلى المذهب أيضًا، قيلَ: فى صِحَّةِ البَيْعِ وَجْهان. وأطْلَقهما فى «الآدَابِ» . قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : فى صِحَّتِهما وَجْهان مع التَّحْرِيمِ. قلتُ: قاعِدَةُ المذهبِ تَقْتَضِى عدَمَ الصِّحَّةِ. وتقدَّم كلامُ ابنِ هُبَيْرَةَ. وظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» ، الصِّحَّةُ هنا. وقال فى «الفُروعِ» ، فى آخِر كتابِ الوَقْفِ: وفى صِحَّةِ البَيْعِ فى المَسْجِدِ، وِفاقًا للأئمَّةِ الثَّلَاثةِ، وتحْريمِه، خِلافًا لهم، رِوايَتان. وقال فى «المُغْنِى» (2)، قبلَ كتابِ السَّلَمِ بيَسِير: ويُكْرَهُ البَيْعُ والشِّراءُ فى المَسْجِدِ،

(1) زيادة من: ش.

(2)

6/ 383.

ص: 637

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنْ باعَ، فالبَيْعُ صحيحٌ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في بابِ مَواضِعِ الصَّلاةِ واجْتِنابِ النَّجاسَاتِ: يُسَنُّ أن يُصانَ المَسْجِدُ عنِ البَيْعِ والشِّراءِ فيه. نصَّ عليه. وقال ابنُ أبي المَجْدِ في «مُصَنَّفِه» ، في كتابِ البَيْعِ قبلَ الخِيَارِ: يَحْرُمُ البَيْعُ والشِّراءُ في المَسْجِدِ؛ للخَبَرِ، ولا يصِحَّان في الأصحِّ فيهما. انتهى. قال ابنُ تَميمٍ: ذكر القاضي في مَوْضِعٍ بُطْلانَه. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يصِحُّ مع الكَراهَةِ. وقال في «الفُروعِ» : والإِجارَةُ فيه كالبَيْعِ والشِّراءِ. ويأْتِى في كتابِ الحُدودِ، هل يحْرُمُ إقامَةُ الحَدِّ فيه أم يُكْرَهُ؟ وقال ابنُ بَطَّال المَالِكِىُّ (1): أجْمَعَ العُلَماءُ أنَّ ما عَقَده مِنَ البَيْعِ في المَسْجِدِ لا يجوزُ نقْضُه. قال في «الفُروعِ» : كذا قال. الرَّابعةُ، يحْرُمُ التَّكَسُّبُ بالصَّنْعَةِ في المَسْجدِ، كالخِياطَةِ وغيرِها، والقَلِيلُ والكثيرُ

(1) على بن خلف بن بطال البكري القرطبي، أبو الحسن، كان من أهل العلم والمعرفة، شرح «صحيح البخاري» . توفى سنة تسع وأربعين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء 18/ 47.

ص: 638

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والمُحْتاجُ وغيرُه سَواءٌ. قالَه القاضي وغيرُه. وجزَم به في «الإيضَاحِ» ، و «المُذْهَبِ». قال المَجْدُ: قالَه جماعةٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» . ونقَل حَرْبٌ التَّوَقُّفَ في اشْتِراطِه. ونَقل أبو الخَطَّابِ، ما يُعْجِبُنِى أنْ يعمَلَ، فإنْ كان يحْتاجُ، فلا يَعْتَكِفُ. وقال في «الرَّوْضَةِ»: لا يجوزُ له فِعْلُ غيرِ ما هو فيه مِنَ العِبادَةِ، ولا يجوزُ أن يتَّجِرَ ولا يصْنَعَ الصَّنائِعَ. قال: وقد منَع بعضُ أصحابِنا مِنَ الإِقْراءِ وإمْلاءِ الحديثِ. قال في «الفُروعِ» : كذا قال. وقال ابنُ البَنَّا: يُكْرَهُ أن يتَّجِرَ أو يَتَكَسَّبَ بالصَّنْعَةِ. حكَاه المَجْدُ، وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وإنِ احْتاجَ للُبْسِه خِياطَةً أو غيرَها، لا للتَّكَسُّبِ، فقال ابنُ البَنَّا: لا يجوزُ. حكَاه المَجْدُ. واخْتارَ هو والمُصَنِّفُ وغيرُهما الجَوازَ، قالوا: وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، كَلَفِّ عِمامَتِه والتَّنْظِيفِ. الخامسةُ، لا يَبْطُلُ الاعْتِكافُ بالبَيْعِ وعمَلِ الصَّنْعَةِ للتَّكَسُّبِ. على الصَّحِيح مِنَ المذهبِ. وذكرَ المَجْدُ في «شَرْحِه» قوْلًا بالبُطْلانِ إنْ حَرُمَ؛ لخُروجِه بالمَعْصِيَةِ عن وُقوعِه قُرْبَةً، واللهُ أعلمُ.

ص: 639