الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَا يُكْرَهُ وَمَا يُسْتَحَبُّ، وَحُكْمُ الْقَضَاءِ
يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ، وَأنْ يَبْتَلِعَ النُّخَامَةَ. وَهَلْ يُفْطِرُ بِهِمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
بابُ ما يُكْرَهُ وما يُسْتحَبُّ، وحُكْمُ القَضاءِ
قوله: يُكْرَهُ للصَّائمِ أنْ يَجْمَعَ رِيقَه فيَبْتَلِعَه، وأنْ يَبْتَلِعَ النُّخامَةَ. وهل يُفْطِرُ بهما؟ على وَجْهَيْن. إذا جمَع رِيقَه وابْتَلعَه قَصْدًا، كُرِهَ، بلا نِزاعٍ، ولا يُفْطِرُ به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، كما لو ابْتلَعَه قَصْدًا ولم يَجْمَعْه. وجزمَ به فى «الوَجِيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، يُفْطِرُ بذلك، فيَحْرُمُ فِعْلُه. وأطْلقَهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» .
فوائد؛ إحداها، لو أخْرَجَ رِيقَه إلى ما بينَ شَفَتَيْه، ثم أعادَه وبلَعَه، حرُمَ عليه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأفْطَرَ به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزمَ به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقال المَجْدُ: لا يُفْطِرُ إلَّا إذا خرَج إلى ظاهِرِ شَفَتَيْه، ثم يُدْخِلُه ويَبْلَعُه؛ لإِمْكانِ التَّحَرُّزِ منه عادَةً، كغيرِ الرِّيقِ. الثَّانيةُ، لو أخْرَجَ حَصاةً مِن فَمِه أو دِرْهَمًا أو خَيْطًا ثم أَعادَه، فإنْ كان ما عليه كثيرًا فبَلَعَه، أفْطَرَ، وإنْ كان يَسِيرًا، لم يُفْطِرْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيلَ: يُفْطِرُ. الثَّالثةُ، لو أخْرَجَ لِسانَه ثم أدْخَلَه إلى فيه بما عليه وبلَعَه، لم يُفْطِرْ، ولو كان كثيرًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ مِنهم القاضى. وجزمَ به فى «المُذهَبِ» وغيرِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ» : أطْلَقَه الأصحابُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُفْطِرُ. وأطْلقَهما فى «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . الرَّابعةُ، لو تنَجَّسَ فَمُه، أو خرَج إليه قَىْءٌ، أو قَلْسٌ فبَلَعَه، أفْطَر، نصَّ عليه، وإنْ قَلَّ؛ لإِمْكانِ التَّحَرُّزِ منه، وإنْ بصَقَه وبَقِىَ فَمُه نَجِسًا فبَلَع رِيقَه، فإنْ تحَقَّقَ أنَّه بلَع شيئًا نَجِسًا، أفْطَرَ، وإلَّا فلا. وأمَّا النُّخامَةُ إذا بلَعَها، فأَطْلَقَ المُصَنِّفُ فى الفِطْرِ به وَجْهَيْن. واعلمْ أنَّ النُّخامَةَ تَارَةً تكونُ مِن جَوْفِه، وتَارَةً تكونُ مِن دِماغِه، وتَارَةً تكونُ مِن حَلْقِه. فإذا وصَلَتْ إلى فَمِه ثم بلَعَها، فللأصحابِ فيها ثلَاثُ طُرُقٍ؛ أحدُها، إنْ كانتْ مِن جَوْفِه، أفْطرَ بها، قوْلاً واحِدًا، وإلا فرِوَايَتان. وهذه الطَّريقَةُ هى الصَّحيحَةُ، وهى طرِيقَةُ صاحِبِ «الفُروعِ» وغيرِه؛ إحْداهما، يُفْطِرُ فيَحْرُمُ. وهو المذهبُ. جزمَ به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الشَرْحِ» . والثَّانيةُ، لا يُفْطِرُ، فيُكْرَهُ. جزمَ به فى «الوَجِيزِ» . وأطْلقَهما فى «الفُروعِ» . الطَّريقُ الثَّانِى، فى بَلْعِ النُّخامَةِ مِن غيرِ تَفْريقٍ رِوايَتان، وهي طرِيقَةُ القاضى وغيرِه. قالَه في «المُسْتَوْعِبِ» . وجزمَ بها
وَيُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعَامِ، وَإنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِى حَلْقِهِ، أَفْطَرَ.
ــ
فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مُحَرَّرِه» ، والمُصَنِّفُ هنا، وفى «المُغْنِى» ، والنَّاظِمُ، وغيرُهم. وقدَّمها فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم؛ إحداهما، يُفْطِرُ بذلك. وهو المذهبُ، جزمَ به ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» . والثَّانيةُ، لا يُفْطِرُ به. صحَّحَه فى «الفُصُولِ» . وجزمَ به فى «الوَجِيزِ» . وأطْلقَهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «المُغْنِى» . الطَّريقُ الثَّالثُ، إنْ كانتْ مِن دِمَاغِه، أفْطَرَ، قوْلًا واحِدًا. وإنْ كانتْ مِن صَدْرِه، فرِوايَتان. وهى طرِيقَةُ ابنِ أبى مُوسَى. نقَلَه عنه فى «المُسْتَوْعِبِ» .
قوله: ويُكْرَهُ ذَوْقُ الطَّعامِ. هكَذا قال جماعةٌ وأطْلقوا؛ منهم صاحِبُ «الهِدَايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ». وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ». وقال ابنُ عَقيلٍ: يُكْرَهُ مِن غيرِ حاجَةٍ، ولا بأْسَ به للحاجَةِ. وقال أحمدُ: أحَبُّ إلَىَّ أنْ يَجْتَنِبَ ذَوْقَ الطَّعامِ، فإنْ فعَل فلا بأْسَ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: والمَنْصُوصُ عن أحمدَ، أنَّه لا بَأْسَ به إذا كان لمَصْلَحَةٍ وحاجَةٍ؛ كذَوْقِ الطَّعامِ مِنَ القِدْرِ، والمَضْغِ للطِّفْلِ، ونحوِه. واخْتارَه أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ» . وحكَاه أحمدُ عن ابنِ عَبَّاسٍ. فعلى الأوَّلِ، إنْ وجَد طَعْمَه فى حَلْقِه، أفْطَرَ؛ لإِطْلاقِ
وَيُكْرَهُ مَضْغُ الْعِلْكِ. الَّذِى لَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أجْزَاءٌ، وَلَا يَجُوزُ مَضْغُ مَا يَتَحَلَّلُ مِنْهُ أجْزَاءٌ، إِلَّا أنْ لَا يَبْلَعَ رِيقَهُ، وَمَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ فِى حَلْقِهِ، أَفْطَرَ.
ــ
الكَراهَةِ. وعلى الثَّانِى، إذا ذَاقَه، فعليه أنْ يَسْتَقْصِىَ فى البَصْقِ، ثم إنْ وجَد طَعْمَه فى حَلْقِه، لم يُفْطِرْ، كالمَضْمَضَةِ، وإنْ لم يَسْتَقْصِ فى البَصْقِ، أفْطَرَ؛ لتَفْريطِه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزمَ جماعةٌ، يُفْطِرُ مُطْلَقًا. قلتُ: هو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وقال فى «الفُروعِ» : ويتَوجَّهُ الخِلافُ فى مُجاوَزَةِ الثَّلاثِ.
قولهَ: ويُكْرَهُ مَضْغُ العِلْكِ الذى لا يَتَحَلَّلُ منه أجْزَاءٌ. قال فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهما: وهو المُومْيا، واللِّبانُ الذى كلَّما مضَغَه قَوِىَ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه، وعليه الاصحابُ؛ لأنَّه يَحْلُبُ الفَمَ، ويَجْمَعُ الرِّيقَ ويُورِثُ العَطَشَ. ووَجَّهَ فى «الفُروعِ» احْتِمالًا، لا يُكْرَهُ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: فى تَحْريمِ ما لا يتَحَلَّلُ غالِبًا، وفِطْرِه بوُصُولِه أو طَعْمِه إلى حَلْقِه وَجْهان. وقال فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن»: وفى تَحْريمِ ما لا يتَحَلَّلُ وَجْهان. وقيل: يُكْرَهُ بلا حاجَةٍ. فعلى المذهبِ، هل يُفْطِرُ إنْ وجَد طَعْمَه فى حَلْقِه أم لا؟ فيه وَجْهان، وأطْلقَهما فى «الكَافِى» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . أحدُهما، لا يُفْطِرُ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا؛ لأنَّ مُجَرَّدَ وُجودِ الطَّعْمِ لا يُفَطِّرُ، كمَن لطَخ باطِنَ قدَمِه بحَنْظَلٍ، إجْماعًا. ومالَ إليه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. والوَجْهُ الثَّانى، يُفْطِرُ. وجزمَ به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» .
قوله: ولا يجُوزُ مَضْغُ ما يَتَحَلَّلُ منه أَجْزاءٌ. هذا ممَّا لا نِزاعَ فيه فى الجُمْلَةِ، بل هو إجْماعٌ.
وَتُكْرَهُ الْقُبْلَةُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
قوله: إلَّا أنْ لا يَبْلَعَ رِيقَه. يعْنِى، فيَجُوزُ. وهكذا قال فى «الكافِى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجِيزِ» ، وجزَمُوا به بهذا القَيْدِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يَحْرُمُ مَضْغُ ذلك، ولو لم يَبْتَلِعْ رِيقَه. وجزمَ به الأكثرُ، وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال: وفرَض بعضُهم المَسْألةَ فى ذَوْقِه، يَعْنِى، يَحْرُمُ ذَوْقُه، وإنْ لم يَذُقْه، لم يَحْرُمْ. قال فى «الرِّعايتَيْن»: ويَحْرُمُ ذَوْقُ ما يتَحَلَّلُ، أو يَتَفَتَّتُ. وقيل: إنْ بلَع رِيقه، وإلَّا فلا.
قوله: وتُكْرَهُ القُبْلَةُ، إلَّا أنْ يَكُونَ مِمَّن لا تُحَرِّكُ شَهْوَتَه، على إحْدَى الرِّوايتَيْن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فاعِلُ القُبْلَةِ لا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ ممَّن تُحَرِّكُ شَهْوَتَه أوْ لا، فإنْ كان ممَّن تُحَرِّكُ شَهْوَتَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، كَراهَةُ ذلك فقط. جزمَ به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُبْهِجِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجِيزِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، وصحَّحَه. وعنه، تَحْرُمُ. جزمَ به فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيره.
تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا لم يَظُنَّ الإِنْزالَ، فإن ظَنَّ الإِنْزالَ حَرُمَ عليه، قوْلاً واحِدًا. وإنْ كان ممَّن لا تُحَرَّكُ شَهْوَتَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها لا تُكْرَهُ. قال فى «الفَائقِ»: ولا تُكْرَهُ له القُبْلَةُ إذا لم تُحَرِّكْ شَهْوَتَه، على أصحِّ الرِّوايتَيْن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال فى «المُبْهِجِ» ، و «الوَجِيزِ»: وتُكْرَهُ القُبْلَةُ بشَهْوَةٍ. فمَفْهُومُه، لا تُكْرَهُ بلا شَهْوَةٍ. وصحَّحه فى «النَّظْمِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، وصحَّحَه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وعنه، تُكْرَهُ؛ لاحْتِمالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وأطْلقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الكَافِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوِيَيْن» .
تنبيه: الظَّاهِرُ أنَّ الخِلافَ الذى أطْلَقَه المُصَنِّفُ، عائدٌ إلى مَن لا تُحَرِّكُ شَهْوَتَه، وعليه شرَح الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى، وصاحِبُ «التَّلْخِيصِ» ، ولأنَّ الخِلافَ فيه
وَيَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ، فَإِنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ: إِنِّى صَائِمٌ.
ــ
أشْهَرُ. ويَحْتَمِلُ أنْ يعُودَ على مَن تُحَرِّكُ شَهْوَتَه، فيكونَ تَقْدِيرُ الكَلامِ على هذا، وتُكْرَهُ القُبْلَةُ على إحْدَى الرِّوايتَيْن، إلَّا أنْ يكونَ ممَّن لا تُحَرِّكُ شَهْوَتَه، فلا تُكْرَهُ. لكنْ يُبْعِدُ هذا أنَّ المُصَنِّفَ لم يَحْكِ الخِلافَ فى «المُغْنِى» ، و «الكَافِى» .
فائدة: إذا خرَج منه مَنِىٌّ أو مَذْىٌ بسَبَبِ ذلك، فقد تقدَّم فى أوَّلِ البابِ الذى قبلَه، وإنْ لم يَخْرُجْ منه شئٌ، لم يُفْطِرْ. وذكَرَه ابنُ عَبْدِ البَرِّ إجْماعًا. واعلمْ أنَّ مُرادَ مَنِ اقْتصَرَ مِنَ الأصحابِ، كالمُصَنِّفِ وغيرِه، على ذِكْرِ القُبْلَةِ، دَواعِى الجماعِ بأَسْرِها أيضًا، ولهذا قَاسُوه على الإِحْرامِ. وقالوا: عِبادَةٌ تَمْنَعُ الوَطْءَ، فمَنعَتْ دَواعِيَه. قال فى «الكَافِى» ، وغيرِه: واللَّمْسُ، وتَكْرارُ النَّظَرِ كالقُبْلَةِ؛ لأنَّهما فى مَعْناها. وقال فى «الرِّعايَةِ» ، بعدَ أنْ ذكَر الخِلافَ فى القُبْلَةِ: وكذا الخِلافُ فى تَكْرارِ النَّظَرِ، والفِكْرِ فى الجِماعِ، فإنْ أنْزَلَ، أَثِمَ وأفْطَرَ، والتَّلَذُّذُ باللَّمْسِ والنَّظَرِ، والمُعانَقَةِ والتَّقْبِيلِ سَواءٌ. هذا كلامُه، وهو مُقتَضَى ما فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه.
قوله: فإنْ شُتِمَ اسْتُحِبَّ أنْ يَقُولَ: إنِّى صَائمٌ. يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُه، أنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقولَ ذلك بلِسَانِه فى الفَرْضِ والنَّفْلِ مع نَفْسِه، يَزْجُرُ نفْسَه بذلك، ولا يُطْلِعُ
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى الْمَاءِ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فِطْرِهِ: اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ [58 ظ] أَفْطَرْتُ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّى، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
ــ
النَّاسَ عليه، وهو أحَدُ الوُجوه. جزمَ به فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وهو ظاهِرُ كلامِه هو وصاحِبُ «الفَائقِ» وغيرِه، وظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفروعِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُه، أنْ يقُولَه جَهْرًا فى رَمَضانَ وغيرِه. وهو الوَجْهُ الثَّانى للأصحابِ، واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مُرادُه، أنْ يقُولَه جَهْرًا فى رَمَضانَ، وسِرًّا فى غيرِه، زاجِرًا لنَفْسِه، وهو الوَجْهُ الثَّالِثُ. واخْتارَه المَجْدُ؛ وذلك للأَمْنِ مِنَ الرِّياءِ، وهو المذهبُ على ما اصْطَلَحْناه.
تنبيهان؛ أحدهما، قوله: ويُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الإِفْطارِ. إجْماعًا. يعْنِى، إذا تحَقَّقَ غُروبُ الشَّمْسِ. الثانى، قوله: ويُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السَّحُورِ. إجْماعًا، إذا لم يَخْشَ طُلوعَ الفَجْرِ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ، والأصحابُ. قال فى «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِ الشَّيْخِ، يعْنِى به المُصَنِّفَ، اسْتِحْبابُ السَّحُورِ مع الشَّكِّ. وذكَر المُصَنِّفُ أيضًا قوْلَ أبى داوُدَ: قال أبو عَبْدِ الله: إذا شَكَّ فى الفَجْرِ يأْكُلُ حتى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَه. قال فى «الفُروعِ» : ولعَلَّ مُرادَ غيرِ الشَّيْخِ، الجوازُ، وعدَمُ المَنْعِ بالشَّكِّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكذا جزمَ ابنُ الجَوْزِىِّ وغيرُه، يأْكُلُ حتى يَسْتَيْقِنَ. وقال: إنَّه ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. وكذا خَصَّ الأصحابُ المَنْعَ بالمُتَيَقِّنِ، كشَكِّه فى نَجاسَةِ طاهِرٍ. قال الآجُرِّىُّ وغيرُه: ولو قال لعالِمَيْن: ارْقُبَا الفَجْرَ. فقال أحدُهما: طلَع الفَجْرُ. وقال الآخَرُ: لم يَطْلُعْ. أكلَ حتى يتَّفِقَا. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُصُولِ» :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا خافَ طُلوعَ الفَجْرِ، وجَب عليه أنْ يُمْسِكَ جُزْءًا مِنَ اللَّيْلِ؛ ليتَحَقَّقَ له صَوْمُ جميعِ اليَوْمِ. وجعَلَه أصْلًا لوُجوبِ صَوْمِ يَوْمِ ليْلَةِ الغَيْمِ. وقال: لا فَرْقَ. ثم ذكَر هذه المَسْأَلةَ فى مَوْضِعِها، وأنَّه لا يَحْرُمُ الأكْلُ مع الشَّكِّ فى الفَجْرِ. وقال: بل يُسْتَحَبُّ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ»: الأَوْلَى أنْ لا يأْكُلَ مع شكِّه فى طُلوعِه. وجزمَ به المَجْدُ، مع جَزْمِه بأنَّه لا يُكْرَهُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأولى، تقدَّم عندَ قوْلِه: ومَن أكلَ شاكًّا فى طُلوعِ الفَجْرِ، فلا قَضاءَ عليه. أنَّه لا يُكْرَهُ الأكْلُ والشُّرْبُ مع الشَّكِّ فى طلوعِه، ويُكْرَهُ الجِماعُ. نصَّ عليهما. الثَّانيةُ، قال فى «الفُروعِ»: لا يجِبُ إمْساكُ جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ فى أوَّلِه وآخِرِه، فى ظاهرِ كلامِ جماعَةٍ، وهو ظاهِرُ ما سبَق، أو صَرِيحُه. وذكَر ابنُ الجَوْزِىِّ، أنَّه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أصحُّ الوَجْهَيْن. وقطَع جماعةٌ مِنَ الأصحابِ بوُجوبِ الإِمْساكِ، فى «أصُولِ الفِقْهِ» ، و «فُروعِه» ، وأنَّه مِمَّا لا يَتِمُّ الواجِبُ إلَّا به. وذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُنُونِ» ، وأبو يَعْلَى الصَّغيرُ فى صَوْمِ يوْمِ ليْلَةِ الغَيْمِ. الثَّالثةُ، المذهبُ، يجوزُ له الفِطْرُ بالظَّنِّ. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال فى «التَّلْخِيصِ»: يجوزُ الأكْلُ بالاجْتِهادِ فى أوَّلِ اليوْمِ، ولا يجوزُ فى آخِرِه إلَّا بيَقِينٍ، ولو أكَل ولم يتَيَقَّنْ، لَزِمَه القَضاءُ فى الآخِرِ، ولم يَلْزَمْه فى الأوَّلِ. انتهى. قال فى «القَواعِدِ الأصُولِيَّةِ»: وهو ضعيفٌ. الرَّابعةُ، إذا غابَ حاجِبُ الشَّمْسِ الأعْلَى، أفْطَرَ الصَّائمُ حُكْمًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنْ لم يَطْعَمْ. ذكَرَه فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه. وجزمَ به فى «الفُروعِ» ، فلا يُثابُ على الوِصَالِ، كما هو ظاهِرُ «المُسْتَوْعِبِ». واقْتصَرَ عليه فى «الفُروعِ». وقال: وقد يَحْتَمِلُ أنَّه يجوزُ له الفِطْرُ. وقال: والعَلاماتُ الثَّلاثُ، فى قَوْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ:«إذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَهُنا، وأَدْبَرَ النَّهارُ مِنْ هَهُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ» (1)، مُتَلازِمَةٌ، وإنَّما جمعَ بينَها لِئَلَّا يُشاهِدَ غُروبَ الشَّمْسِ، فيَعْتَمِدَ على غيرِها. ذكَرَه النَّوَوِىُّ فى «شَرْحِ مُسْلِمٍ» (2) عنِ العُلَماءِ. قال فى «الفُروعِ»:
(1) أخرجه البخارى، فى: باب الصوم فى السفر والإفطار، وباب متى يحل فطر الصائم، وباب يفطر بما تيسر عليه بالماء، من كتاب الصيام. صحيح البخارى 3/ 43، 46، 47. ومسلم، فى: باب بيان وقت انقضاء الصوم. . . .، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 772، 773.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووى 7/ 209.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كذا قال. قال: ورأَيْتُ بعضَ أصحابِنا يتَوقَّفُ فى هذا، ويقولُ: يُقْبِلُ اللَّيْلُ مع بَقاءِ الشَّمْسِ. ولعَلَّه ظاهِرُ «المُسْتَوْعِبِ» . انتهى. قلتُ: وهذا مُشاهَدٌ. الخامسةُ، تحْصُلُ فَضِيلَةُ السَّحورِ بأَكْلٍ أو شُرْبٍ. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: وكَمالُ فَضِيلَتِه بالأكْلِ.
قوله: وأنْ يُفْطِرَ على التَّمْرِ، فإنْ لم يَجِدْ فعلى الماءِ. هكذا قال كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. وقال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ»: يُسَنُّ أنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يُفْطِرَ على الرُّطَبِ، فإنْ لم يَجِدْ، فعلى التَّمْرِ، فإنْ لم يَجِدْ، فعلى الماءِ. وقال فى «الوَجيزِ»: ويُفْطِرُ على رُطَبٍ أو تَمْرٍ أو ماءٍ. وقال فى «الحاوِيَيْن» : يُفْطِرُ على تَمْرٍ أو رُطَبٍ أو ماءٍ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» : ويُسَنُّ أنْ يُعَجِّلَ فِطْرَه على تَمْرٍ أو ماءٍ.
قوله: وأنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لك صُمْتُ، وعلى رِزْقِك أفْطَرْتُ، سُبْحانَك وبحَمْدِك، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّى، إنَّك أنت السَّميعُ العَليمُ. هكذا ذكَرَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، منهمُ المُصَنِّفُ، وأبو الخطَّابِ. قال فى «الفُروعِ»: وهو أوْلَى. واقْتَصرَ عليه جماعةٌ. وذَكَرَه ابنُ حَمْدانَ، وزادَ، بِسْمِ الله. وذكَرَه ابنُ الجَوْزِىِّ، وزادَ فى أوَّلِه، بِسْمِ الله، والحَمْدُ لله. وبعدَ قوْلِه: وعلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ. وعليك تَوَكَّلْتُ. وذكَر بعضُ الأصحابِ قوْلَ ابنِ عُمَرَ: كان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ إذا أفْطَرَ: «ذهَب الظَّمَأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وثبَت الأَجْرُ، إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى» .
وَيُسْتَحَبُّ التَّتَابُعُ فِى قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجِبُ.
ــ
فوائد؛ إحداها، يُسْتَحَبُّ أنْ يدْعُوَ عندَ فِطْرِه، فإنَّ له دَعْوَةً لا تُرَدُّ. الثَّانيةُ، يُسْتَحَبُّ أنْ يُفَطِّرَ الصُّوَّامَ، ومَن فطَّر صَائِمًا، فلَهُ مِثْلُ أجْرِهِ، مِنْ غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِه شَىْءٌ. قالَه فى «الفُروعِ» . وظاهِرُ كلامِهم، مِن أىِّ شئٍ كانَ، كما هو ظاهِرُ الخَبَرِ. وقال الشَيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: مُرادُه بتَفْطِيرِه أنْ يُشْبِعَه. الثَّالثةُ، يُسْتَحَبُّ له كَثْرَةُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ، والذِّكْرِ، والصَّدقَةِ.
قوله: ويُسْتَحَبُّ التَّتابُعُ فى قَضاءِ رَمَضانَ، ولا يَجِبُ. هذا المذهَبُ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه، وذكَرَه القاضِى فى «الخِلافِ» ، فى أنَّ الزَّكاةَ تجِبُ على الفَوْرِ إنْ [قُلْنا: إنَّ] (1) قَضاءَ رَمَضانَ على الفَوْرِ. واحْتَجَّ بنَصِّه فى
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكفَّارَةِ. ويأْتِى فى البابِ الذي يَلِيه، هل يصِحُّ التَّطَوُّعُ بالصِّيامِ قبلَ قَضاءِ (1) رَمَضانَ لهم أم لا؟.
تنبيه: كلامُ المُصَنِّفِ وغيرِه ممَّن أطلَقَ، مُقَيَّدٌ بما إذا لم يَبْقَ مِن شَعْبانَ إلَّا ما
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يتَّسِعُ للقَضاءِ فقط، فإنَّه فى هذه الصُّورَةِ يتَعَيَّنُ التَّتابُعُ، قوْلًا واحِدًا.
فائدتان؛ إحداهما، هل يجِبُ العَزْمُ على فِعْلِ القَضاءِ؟ قال فى «الفُروعِ»: يتَوَجَّهُ الخِلافُ فى الصَّلاةِ. ولهذا قال ابنُ عَقيلٍ فى الصَّلاةِ: لا يَنْتَفِى إلَّا بشَرْطِ العَزْمِ على النَّفْلِ فى ثَانِى الوَقْتِ. قال: وكذا كلُّ عِبادَةٍ مُتَراخِيَةٍ. الثَّانية، مَن فاتَه رَمَضانُ كامِلاً، سَواءٌ كان تامًّا أو ناقصًا، لعُذْرٍ، كالأَسِيرِ والمَطْمُورِ ونحوِهما، أو غيرِه، قَضَى عدَدَ أيَّامِه مُطْلَقًا، كأعْدادِ الصَّلَواتِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه صاحِبُ «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفُ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وعندَ القاضِى، إنْ قضَى شَهْرًا هِلَالِيًّا أجْزَأَه، سَواءٌ كان تامًّا أو ناقِصًا، وإنْ لم يَقْضِ شَهْرًا، صامَ ثَلَاثِيِن يَوْمًا. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. قال
فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضَاءِ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ.
ــ
المَجْدُ: وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. وقال: هو أشْهَرُ. قال فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» : أجْزَأَ شَهْرٌ هِلالِىٌّ ناقِصٌ، على الأصحِّ. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائِق» . وجزمَ به فى «الإِفادَاتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «التَّلْخيصِ» . فعلى الأوَّلِ، مَن صامَ مِن أوَّلِ شَهْرٍ كامِلٍ، أو مِن أثْناءِ شَهْرٍ، تِسْعَةً وعِشْرين يوْمًا، وكان رَمَضانُ الفائِتُ ناقِصًا، أجْزأَه عنه، اعْتِبارًا بعدَدِ الأيَّامِ. وعلى الثَّانى، يَقْضِى يَوْمًا؛ تَكْمِيلًا للشَّهْرِ بالهِلالِ أو العدَدِ ثَلاِثِين يَوْمًا.
قوله: ولا يَجُوزُ تَأْخِيرُ قَضاءِ رَمَضانَ إلى رَمَضانَ آخَرَ مِن غيرِ عُذْرٍ - نصَّ عليه.
فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ.
ــ
وهذا بلا نِزاعٍ - فإنْ فعَل، فعليه القَضاءُ وإطْعامُ مِسْكينٍ لكُلِّ يَوْمٍ. وهذا المذهبُ بلا رَيْبٍ، وعليه الأصحابُ. وظاهِرُه، ولو أخَّرَه رَمَضانَاتٍ ولم يَمُتْ. وهو كذلك. ووجَّه فى «الفُروعِ» احْتِمالًا، لا يجِبُ الإِطْعامُ؛ لظاهِرِ قوْلِه تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} . وتقدَّم قرِيبًا، أنَّ قَضاءَ رَمَضانَ على التَّراخِى، على الصَّحيحِ.
وَإِنْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ.
ــ
فائدة: يُطْعِمُ ما يُجْزِئُ كَفَّارَةً، ويجوزُ الإِطْعامُ قبلَ القَضاءِ ومعه وبعدَه. قال المَجْدُ: الأفْضَلُ تقْديمُه عندَنا، مُسارَعَةً إلى الخَيْرِ، وتَخَلُّصًا مِن آفاتِ التَّأْخيرِ.
قوله: وإنْ أَخَّرَه لعُذْرٍ، فلا شئَ عليه، وإنْ ماتَ. هذا المذهبُ بلا رَيْبٍ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وذكَر فى «التَّلْخيصِ» رِوايَةً، يُطْعَمُ عنه، كالشَّيْخِ الكَبيرِ. وقال أبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصَارِ»: يَحْتَمِلُ أنْ يجِبَ الصَّوْمُ عنه، أو التَّكْفِيرُ.
وَإِنْ أَخَّرَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَاتَ قَبْلَ رَمَضَانَ آخَرَ، أُطْعِمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمِ مِسْكِينٌ. وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ، فَهَلْ يُطْعَمُ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ أَوِ اثْنَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
تنبيه: ظاهرُ قولِه: وإنْ أخَّرَه لغيرِ عُذْرٍ، فماتَ قبلَ رَمَضانَ آخَرَ، أُطْعِمَ عنه لكلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. أنَّه لا يُصامُ عنه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وقال أبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصَارِ» ، فى جَوابِ مَن قال: العِبادَةُ لا تَدْخُلُها النِّيابَةُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال: لا نُسَلِّمُ، بل النِّيابَةُ تدْخُلُ الصَّلاةَ والصِّيامَ، إذا وجَبَتْ وعجَز عنها بعدَ المَوْتِ. وقال أيضًا فيه: فأمَّا سائِرُ العِبادَاتِ، فلَنا رِوايَةٌ، أنَّ الوَارِثَ ينُوبُ عنه فى جَميعِها، فى الصَّوْمِ والصَّلاةِ. انتهى. ومالَ النَّاظِمُ إلى جَوازِ صوْمِ رَمَضانَ عنه بعدَ مَوْتِه. فقال: لو قيلَ به، لم أُبْعِدْ. وقال فى «الفَائقِ»: ولو أخَّرَهُ لا لعُذْرٍ، فتُوفِّىَ قبل رَمَضانَ آخَرَ، أُطْعِمَ عنه لكُلِّ يوْمٍ مِسْكينٌ، والمُخْتارُ الصِّيامُ عنه. انتهى. وقال ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه»: ويَصِحُّ قَضاءُ نَذْرٍ - قلتُ: وفَرْضٍ - عن مَيِّتٍ مُطْلَقًا، كاعْتِكافٍ. انتهى. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: إن تبَرَّعَ بصَوْمِه عن مَن لا يُطِيقُه لكِبَرٍ ونحوِه، أو عن مَيِّتٍ، وهما مُعْسِران، يتَوجَّهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جَوازُه؛ لأنَّه أقْرَبُ إلى المُمَاثَلَةِ مِنَ المالِ.
قوله: وإن ماتَ بعدَ أَنْ أَدْرَكَه رَمَضانُ آخَرُ، فهل يُطْعَمُ عنه لكلِّ يَوْمٍ مِسْكينٌ أو اثْنان؟ على وَجْهَيْن. وحَكاهُما فى «الفَائِق» رِوايتَيْن، وأطْلقَهما. قال الزَّرْكَشِىُّ: فوَجْهان. وقيل: رِوايتَان؛ أحدُهما، يُطْعَمُ عنه لكُلِّ يوْمٍ مِسْكينٌ فقط. وهو المذهبُ. نصَّ عليه، وجزمَ به فى «الوَجِيزِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، ومالَ إليه المَجْدُ فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«شَرْحِه» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِى». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو ظاهِرُ إطْلاقِ الخِرَقِىِّ، والقاضِى، والشِّيرَازِىِّ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّانى، يُطْعَمُ عنه لكُلِّ يومٍ مِسْكِينان؛ لاجْتِماعِ التَّأْخيرِ والمَوْتِ بعدَ التَّفْريطِ. جزمَ به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُحَرَّرِ» ، و «الإِفادَاتِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، لا يَقْضِى مَن أفْطَرَ مُتَعَمِّدًا بلا عُذْرٍ، وكذلك الصَّلاةُ، وقال: ولا تصِحُّ مِنه. وقال: ليس فى الأدِلَّةِ ما يُخالِفُ هذا. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ.
فائدتان؛ إحْداهما، الإِطْعامُ يكونُ مِن رأْسِ المالِ، أَوْصَى به أو لم يُوصِ. الثَّانيةُ، لا يُجْزِئُ صوْمُ كفَّارَةٍ عن مَيِّتٍ، وإنْ أوْصَى به. نصَّ عليه. وإنْ كان موْتُه
وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أوْ حَجٌّ أَوِ اعْتِكَافٌ مَنْذُورٌ، فَعَلَهُ عَنْهُ وَلِيُّهُ. وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مَنْذُورَةٌ، فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
بعدَ قُدْرَتِه عليه، وقُلْنا: الاعْتِبارُ بحالَةِ الوُجوبِ، أُطْعِمَ عنه ثَلاثَةُ مَساكِينَ، لكُلِّ يَوْمٍ مِسْكينٌ. ذكَرَه القاضِى. ولو ماتَ وعليه صَوْمُ شَهْرٍ مِن كفَّارَةٍ، أُطْعِمَ عنه أيضًا. نقَلَه حَنْبَلٌ. ففيه جَوازُ الإِطْعامِ عن بعضِ صَوْمِ الكَفَّارَةِ. ولو ماتَ وعليه صَوْمُ المُتْعَةِ، أُطْعِمَ عنه أيضًا. نصَّ عليه.
قوله: وإنْ ماتَ وعليه صَوْمٌ أو حَجٌّ أو اعْتِكافٌ مَنْذُورٌ، فعَلَه عنه وَلِيُّه. إذا ماتَ وعليه صوْمٌ مَنْذُورٌ، فعَلَه عنه وَلِيُّه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. واخْتارَ ابنُ عَقيلٍ، أنَّ صوْمَ النَّذْرِ عنِ المَيِّتِ كقَضاءِ رَمَضانَ على ما سبَق. وقدَّمه فى «الفُروعِ» .
فائدتان؛ إحْداهما، يجوزُ صوْمُ جماعةٍ عنه فى يَوْمٍ واحدٍ، ويُجْزِئُ عن عِدَّتِهم مِنَ الأيَّامِ، على الصَّحيحِ. اخْتارَه المَجْدُ فى «شَرْحِه». قال فى «الفُروعِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو أظْهَرُ. وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ. وحَكَاه الإِمامُ أحمدُ عن طاوُسٍ. وحمَل المَجْدُ ما نُقِلَ عن أحمدَ على صَوْمٍ شَرْطُه التَّتابُعُ، وتَعْليلُ القاضِى يدُلُّ عليه. ونقَل أبو طالِبٍ، يصُومُ واحِدٌ. قال القاضِى فى «الخِلافِ»: فمَنْعُ الاشْتِراكِ، كالحَجَّةِ المَنْذُورَةِ، تصِحُّ النِّيابَةُ فيها مِن واحدٍ لا مِن جماعَةٍ. الثَّانيةُ، يجوزُ أنْ يصُومَ غيرُ الوَلِىِّ بإذْنِه وبدُونِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، وقال: جزمَ به القاضِى والأكثرُ، [منهم المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى»] (1). وقيل: لا يصِحُّ إلَّا بإِذْنِه. وذكَر المَجْدُ أنَّه ظاهِرُ نقْلِ حَرْبٍ؛ يصُومُ أقْرَبُ النَّاسِ إليه، ابنُه أو غيرُه. قال فى «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ، يَلْزَمُ مِنَ الاقْتِصارِ على النَّصِّ، أنَّه لا يُصامُ بإِذْنِه.
فائدتان؛ الأُولَى، قوله: فعَلَه عنه وَلِيُّه. يُسْتَحَبُّ للوَلِىِّ فِعْلُه. واعلمْ أنَّه إذا كان له تَرِكَةٌ، وجَب فِعْلُه، فيُسْتَحَبُّ للوَلِىِّ الصَّوْمُ، وله أنْ يدْفَعَ إلى مَن يصُومُ عنه مِن تَرِكَتِه عن كلِّ يَوْمٍ مِسْكينًا. وجزَم به فى «القَاعِدَةِ الرَّابعَةِ والأرْبَعِين بعدَ المِائَةِ» . فإنْ لم يكُنْ له تَرِكَةٌ، لم يَلْزَمْه شئٌ. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه: ومع امْتِناعِ الوَلِىِّ مِنَ الصَّوْمِ يجِبُ إطْعامُ مِسْكينٍ، مِن مالِ المَيِّتِ عن كلِّ يَوْمٍ،
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومع صَوْمِ الوَرثَةِ لا يجِبُ. وجزَم المُصَنِّفُ فى مَسْألَةِ مَن نذَر صَوْمًا فَعَجَزَ عنه، أنَّ صوْمَ النَذْرِ لا إطْعامَ فيه بعدَ المَوْتِ، بخِلافِ رَمَضانَ. قال فى «الفُروعِ»: ولم أجِدْ فى كلامِه خِلافَه. وقال المَجْدُ: لم يذْكُرِ القاضِى فى «المُجَرَّدِ» أنَّ الوَرَثَةَ إذا امْتنَعُوا يَلْزَمُهم اسْتِنابَةٌ، ولا إطْعامٌ. الثَّانيةُ، لا كَفَّارَةَ مع الصَّوْمِ عنه، أو الإِطْعامِ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّ الصَّوْمَ عنه بدَلٌ مُجْزِئٌ بلا كَفَارَةٍ. وأوْجَبَ فى «المُسْتَوْعِبِ» الكَفَّارَةَ. قال: كما لو عيَّن بنَذْرِه صَوْمَ شَهْرٍ فلم يَصُمْه، فإنَّه يجِبُ القَضاءُ والكَفَّارَةُ. قال فى «الرَّعايَةِ»: إنْ لم يَقْضِه عنه ورَثَتُه أو غيرُهم، أُطْعِمَ عنه مِن تَرِكَتِه؛ لكُلِّ يَوْمٍ فَقيرٌ مع كَفَّارَةِ يَمِينٍ، وإنْ قَضَى، كَفَتْه كَفَّارَةُ يَمينٍ. وعنه، مع العُذْرِ المُتَّصِلِ بالمَوْتِ.
تنبيهان؛ الأوَّلُ، هذا التَّفْرِيعُ كُلُّه فى مَن أمْكَنَه صَوْمُ ما نذَرَه، فلم يَصُمْه حتى ماتَ، فأمَّا إنْ أمْكَنَه صَوْمُ بعضِ ما نذَرَه، قُضِىَ عنه ما أمْكَنَه صَوْمُه فقط. قدَّمه فى «الفُروعِ». قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: ذكَرَه القاضِى وبعضُ أصحابِنا. وذكَرَه ابنُ عَقيلٍ أيضًا. وذكَر القاضِى فى مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ عنِ المَيِّتِ، أنَّ مَن نذَر صَوْمَ شَهْرٍ وهو مريضٌ، وماتَ قبلَ القُدْرَةِ عليه، يثْبُتُ الصِّيامُ فى ذِمَّتِه، ولا يُعْتَبرُ إمْكانُ أدَائِه، ويُخَيَّرُ وَلِيُّه بينَ أنْ يصُومَ عنه، أو يُنْفِقَ على مَن يصُومُ عنه. واخْتارَ المَجْدُ، أنَّه يُقْضَى عنِ المَيِّتِ ما تَعَذَّرَ فِعْلُه بالمرَضِ دُونَ المُتَعذَّرِ بالموْتِ، وقال فى «القاعِدَة التَّاسِعَةَ عَشرَةَ»: وأمَّا المَنْذُوراتُ، ففى اشْتِراطِ التَّمَكُّنِ (1) لها مِنَ
(1) فى الأصل: «المتمكن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأداءِ وَجْهان. فعلى القَوْلِ بالقَضاءِ، هل يقْضِى الصَّائمُ الفائِتَ بالمَرضِ خاصَّةً، أو الفائتَ بالمرَضِ والمَوْتِ؟ على وَجْهَيْن. الثَّانى، هذا كلُّه إذا كان النَّذْرُ فى الذِّمَّةِ، فأمَّا إنْ نذَر صوْمَ شَهْرٍ بعَيْنِه، فماتَ قبلَ دُخولِه، لم يُصَمْ ولم يُقْضَ عنه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: وهذا مذهبُ سائرِ الأئمَّةِ، ولا أعلمُ فيه خِلافًا. وإنْ ماتَ فى أثْنائِه، سقَط باقِيه، فإنْ لم يَصُمْه لمرَضٍ حتى انْقَضَى، ثم ماتَ فى مَرضِه، فعلى الخِلافِ السَّابقِ فيما إذا كان فى الذِّمَّةِ. هذه أحْكامُ مَن ماتَ وعليه صوْمُ نَذْرٍ، وأمَّا مَن مات وعليه حَجٌّ مَنْذورٌ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ وَلِيَّه يفْعَلُه عنه، ويصِحُّ منه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ. وفى «الرِّعايَةِ» قوْلٌ، لا يصِحُّ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.
فوائد؛ إحْداها، لا يُعْتَبرُ تمَكُّنُه مِنَ الحَجِّ فى حَياتِه. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه». وقال: هو ظاهرُ كلامِه، وهو أصحُّ. وقال القاضِى فى «خِلافِه» ، فى الفَقيرِ إذا نذَر الحَجَّ، ولم يمْلِكْ بعدَ النَّذْرِ زادًا ولا راحِلَةً حتى ماتَ: لا يُقْضَى عنه، كالحَجِّ الواجِبِ بأصْلِ الشَّرْعِ. قال المَجْدُ: وعليه قِياسُ كلِّ صُورةٍ ماتَ قبلَ التَّمَكُّنِ، كالذى يموتُ قبلَ مَجِئِ الوَقْتِ، أو عندَ خَوْفِ الطَّريقِ، قال: وهذه المَسْألَةُ شَبِيهَةٌ بمَسْألَةِ أمْنِ الطَّريقِ وسعَةِ الوَقْتِ، هل هو فى حَجَّةِ الفَرْضِ شَرْطٌ للوُجوبِ فى اِلذِّمَّةِ، أو للزُومِ الأداءِ؟. الثَّانيةُ، حُكْمُ العُمْرَةِ المَنْذُورَةِ حُكْمُ الحَجِّ المَنْذُورِ إذا ماتَ وهى عليه. الثَّالثةُ، يجوزُ أنْ يُحَجَّ عنه حَجَّةُ الإِسْلامِ بإذْنِ وَلِيِّه، بلا نِزاعٍ، وبغيرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذْنِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَه ابنُ عَقيلٍ، والمَجْدُ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: لا يصِحُّ بغيرِ إذْنِه. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ فى «الانْتِصارِ» . ويأْتى ذلك فى كتابِ الحَجِّ. فعلى المذهبِ، له الرُّجوعُ بما أنْفقَ على التَّرِكَةِ. وكذا لو أُعْتِقَ عنه فى نَذْرٍ، أو أُطْعِمَ عنه فى كَفَّارَةٍ، إذا قُلْنا: يصِحُّ. ذكَرَه فى «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والسَّبْعين» ، فى ضِمْنِ تعْليلِ القاضِى. وأمَّا إذا ماتَ وعليه اعْتِكافٌ مَنْذُورٌ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُفْعَلُ عنه. نقَلَه الجماعَةُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، وعليه الأصحابُ. ونقَل ابنُ إبْرَاهِيمَ وغيرُه، يَنْبَغِى لأهْلِه أنْ يعْتَكِفُوا عنه. وحكَى فى «الرِّعايَةِ» قوْلًا، لا يصِحُّ أنْ يُعْتَكَفَ عنه. قال فى «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ على هذا أنْ يُخْرَجَ عنه كَفَّارَةُ يمينٍ، ويَحْتَمِلُ أنْ يُطْعَمَ عنه لكُلِّ يومٍ مِسْكِينٌ. انتهى. فعلى المذهبِ، إنْ لم يُمْكِنْه فِعْلُه حتى ماتَ، فالخِلافُ السَّابقُ كالصَّوْمِ. وقيل: يُقْضَى. وقيل: لا. فعليه، يسْقُطُ إلى غيرِ بدَلٍ.
تنبيه: اعلمْ أنَّ فى نُسْخَةِ المُصَنِّفِ كما حكَيْتُه فى المَتْنِ هكذا: وإنْ ماتَ وعليه صَوْمٌ، أو حَجٌّ، أو اعْتِكافٌ مَنْذُورٌ. فلَفْظَةُ مَنْذُورٍ، مُؤَخَّرَةٌ عن الاعْتِكافِ. وهكذا فى نُسَخٍ قُرِئَتْ على المُصَنِّفِ، فغيَّرَ ذلك بعضُ أصحابِ المُصَنِّفِ المأْذُونِ له بالإِصْلاحِ، فقال: وإنْ ماتَ وعليه صوْمٌ مَنْذُورٌ أو حَجٌّ أو اعْتِكافٌ، فعَلَه عنه وَلِيُّه. لأنَّ تأْخيرَ لفْظَةِ مَنْذُورٍ، لا يخْلُو مِن حالَيْن؛ إمَّا أنْ يُعيدَه إلى الثَّلاثَةِ، أو إلى الأخيرِ، وهو الاعْتِكافُ. وعلى كِلَيْهما يحْصُلُ فى الكلامِ خَلَلٌ؛ لأنَّه لو عادَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلى الاعْتِكافِ فقط، بَقِىَ الصَّوْمُ مُطْلَقًا، والوَلِىُّ لا يَفْعَلُ الواجِبَ بالشَّرْعِ مِنَ الصَّوْمِ. وإنْ عادَ إلى الثَّلاثَةِ، بَقِىَ الحَجُّ مَشْرُوطًا بكَوْنِه مَنْذُورًا، ولا يُشْترَطُ ذلك؛ لأنَّ الوَلِىَّ يَفْعَلُ الحَجَّ الواجِبَ بالشَّرْعِ أيضًا، فلذلك غيَّر. ولا يقالُ: إذا قدَّمْنا لفْظَةَ مَنْذُورٍ على الحَجِّ والاعْتِكافِ، يَبْقَى الاعْتِكافُ مُطْلَقًا؛ لأنَّا نقولُ: لا يكونُ الاعْتِكافُ واجِبًا إلَّا بالنَّذْرِ. قلتُ: والذى يظْهَرُ أنَّ كلامَ المُصَنِّفِ على صِفَةِ (1) ما قالَه مِن غيرِ تَغْييرٍ أوْلَى، ولا يُرَدُّ على المُصَنِّفِ شئٌ ممَّا ذكَر؛ لأنَّ مُرادَه هنا النِّيابَةُ فى المَنْذُوراتِ لا غيرُ، ولذلك ذكَر الصَّلاةَ المَنْذُورَةَ، والصَّوْمَ المَنْذُورَ، فكذا الاعْتِكافُ والحَجُّ. وأمَّا كَوْنُ الحَجِّ إذا كان واجِبًا بالشَّرْعِ يُفْعَلُ، فهذا مُسَلَّمٌ. وقد صرَّح به المُصَنِّفُ فى كتابِ الحَجِّ، فقال: ومَن وجَب عليه الحَجُّ فتُوُفِّىَ قبلَه، أُخْرِجَ عنه مِن جميعِ مالِه حَجَّةٌ وعُمْرَةٌ. وهذا واضِحٌ. ولذلك ذكَر غالِبُ الأصحابِ مِثْلَ ما قال المُصَنِّفُ هنا، فيَذْكُرون الصَّوْمَ والحَجَّ والاعْتِكافَ المَنْذُوراتِ. واللهُ أعلمُ.
قوله: وإنْ كانتْ عليه صَلاةٌ مَنْذُورَةٌ، فعلى رِوايتَيْن. وأطْلقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، والمَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «مُحَرَّرِه» ، والشَّارِحُ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحَاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ؛ إحْداهما، تُفْعَلُ عنه. وهو المذهبُ، ونقَلَه حَرْبٌ. وجزَم به فى «الإِفادَاتِ» ،
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «العُمْدَةِ» ، وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وقدَّمه فى «المُغْنِى». قال القاضِى: اخْتارَها أبو بَكْرٍ، والخِرَقِىُّ، وهى الصَّحيحَةُ. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . قال الزَّرْكَشِىُّ: اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضِى فى «التَّعْليقِ» ، وغيرُهما. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تُفْعَلُ عنه. نقَلَها الجماعَةُ عن أحمدَ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: وهى أصحُّ. قال فى «إدْرَاكِ الغَايَةِ» : لا تُفْعَلُ فى الأشْهَرِ. قال فى «نَظْمِ النِّهَايَةِ» : لا تُفْعَلُ فى الأظْهَرِ، فعلى المذهبِ، تصِحُّ وَصِيَّتُه بها.
تنبيهات؛ أحدُها، قال فى «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والأرْبَعين بعدَ المِائَةِ»: كثيرٌ مِنَ الأصحابِ يُطْلِقُ ذِكْرَ الوارِثِ هنا. وقال ابنُ عَقيلٍ وغيرُه: هو الأقْرَبُ فالأَقْرَبُ. وكذلك قال الخِرَقِىُّ: هو الوارِثُ مِنَ العَصَبَةِ. الثَّانى، هذه الأحْكامُ كلُّها، وهو القَضاءُ، إذا كان النَّاذِرُ قد تمَكَّنَ مِنَ الأداءِ، فأمَّا إذا لم يتَمَكَّنْ مِنَ الأداءِ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه كذلك، فلا يُشْترَطُ التَّمَكُّنُ. وقيل: يُشْترَطُ. الثَّالثُ، ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُفْعَلُ غيرُ ما ذُكِرَ مِنَ الطَّاعاتِ المَنْذُورَةِ عنِ المَيِّتِ. وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ؛ لاقْتِصارِهم على ذلك. وقال فى «الإِيضاحِ»: مَن نذَر طاعَةً فماتَ، فُعِلَتْ. وقال الخِرَقِىُّ: ومَن نذَر أنْ يصُومَ، فماتَ قبلَ أنْ يأْتِىَ به، صامَ عنه ورَثَتُه مِن أقارِبِه، وكذلك كلُّ ما كان مِن نَذْرِ طاعَةٍ. وكذا قال فى «العُمْدَةِ». وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: يصِحُّ أنْ يُفْعَلَ عنه كلُّ ما كان عليه مِن نَذْرِ طاعَةٍ، إلَّا الصَّلاةَ، فإنَّها على رِوايتَيْن. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: قِصَّةُ سَعْدِ بنِ عُبادَةَ تدُلُّ على أنَّ كلَّ نَذْرٍ يُقْضَى. وكذا ترْجمَ عليها فى كِتابِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُنْتَقَى» ، بقَضاءِ كُلِّ المَنْذُوراتِ عنِ المَيِّتِ. وقال ابنُ عَقيلٍ وغيرُه: لا تُفْعَلُ طهارَةٌ مَنْذُورَةٌ عنه مع لُزُومِها بالنَّذْرِ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ فى فِعْلِها عنِ المَيِّتِ ولُزومِها بالنَّذْرِ ما سبَق فى صَوْمِ يوْمِ الغَيْمِ، هل هى مَقْصُودَةٌ فى نفْسِها أم لا؟ مع أنَّ قِياسَ عدَمِ فِعْلِ (1) الوَلِىِّ لها، أنْ لا تُفْعَلَ بالنَّذْرِ، وإنْ لَزِمَتِ الطَّهارَةُ، لَزِمَ فِعْلُ صَلاةٍ ونحوِها بها، كنَذْرِ المَشْىِ إلى المَسْجِدِ، يلْزَمُ تَحِيَّةٌ؛ صلاةُ رَكْعَتَيْن، على ما يأْتِى فى النَّذْرِ. انتهى. قلتُ: فيُعايَى بها. وقال فى «الفُروعِ» : ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ، أنَّ الطَوافَ المَنْذُورَ كالصَّلاةِ المَنْذُورَةِ.
(1) فى الأصل: «الفعل» .