الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ زَكَاةِ الْعُرُوضِ
تَجِبُ الزَّكَاةُ فى عُرُوضِ التِّجَارَةِ، إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا،
ــ
بابُ زَكاةِ العُروضِ
وَيُؤْخَذُ مِنْهَا لَا مِنَ الْعُرُوضِ، وَلَا تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ إِلَّا أَنْ يَمْلِكَهَا
ــ
قوله: ويُؤْخَذُ منها لا مِنَ العُرُوض. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أكثرهم. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: ويَجوزُ الأخْذُ مِن عَيْنِها أيضًا. قوله: ولا تَصِيرُ للتِّجارةِ إلَّا أنْ يَمْلِكَها بفِعْلِه بنيَّةِ التِّجَارَةِ بها، فإنْ مَلَكَها
بِفِعْلِهِ بنِيَّةِ التِّجَارَةِ بهَا،
ــ
بإِرْثٍ، أو مَلَكَها بفِعْلِه بغيرِ نِيَّةٍ، ثم نوَى التِّجارَةَ بها، لم تَصِرْ للتِّجارَةِ. وإن كانَ عندَه عَرْضٌ للتِّجارَةِ فنَواه للقُنْيةِ، ثم نَوَاه للتِّجارَةِ، لم يَصِرْ للتِّجارَةِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثر الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا أنصُّ الرِّوايتَيْن وأشْهَرُهما. واخْتارَها الخِرَقِىِّ، والقاضى، وأكثرُ الأصحابِ. قال فى «الكافِى» ، و «الفُروعِ»: هذا ظاهِرُ المذهبِ؛ لأن مُجَرَّدَ النِّيَّةِ لا ينْقُلُ عنِ الأصْلِ، كنِيَّةِ إسامَةِ المَعْلوفَةِ، ونِيَّةِ الحاضِرِ السَّفَرَ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِى» وغيرِهم. وعنه، أنَّ العَرْضَ يصيرُ للتِّجارَةِ بمُجَرَّدِ النِّيَّةِ. نَقَلَه صالِحٌ، وابنُ إبْرَاهِيمَ، وابنُ مَنْصُور. واخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ أبى مُوسَى، وابنُ عَقِيل، وصاحِبُ «الفائقِ» . وجزَم به فى «التَّبْصِرَةِ» ، و «الرَّوْضَةِ» ، والمُصَنِّف فى «العُمْدَةِ» . وأطْلَقَهُما فى «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» .
تنبيه: قوله. إلَّا أنْ يَمْلِكَها بفِعْلِه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يُعْتَبَرُ فيما مَلَكَه المُعاوَضَةُ، فحُصولُه بالنِّكاحِ والخُلْع والهِبَةِ والغَنِيمَة، كالبَيْع. قال فى «الفُروعِ»: هذا الأَشْهَرُ. واخْتارَه القاضى، وأبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، وغيرِهم. قال الزَّرْكَشِىُّ: لا يُشْتَرَطُ أنْ يَمْلِكَها بعِوَضٍ، على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحِّ. وقيلَ: تُعْتَبَرُ المُعاوَضَةُ، سَواءٌ تَمَحَّضَتْ؛ كَبَيْع وإجارَةٍ ونحوِهما، أو لا؛ كنِكَاحٍ وخُلْع وصُلْح عن دَمٍ عَمْدٍ. قال المَجْدُ: وهذا نَصُّه فى رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ. واخْتارَه القاضى فى «المُجَرَّدِ» . فعلى هذا القَوْلِ، لو مَلَك بغيرِ عِوَضٍ، كالهِبَةِ والغَنِيمَةِ ونحوِهما، لم يَصِرْ للتِّجارَةِ؛ لأنَه لم يَمْلِكْه بعِوَضٍ، أشْبَهَ المَوْرُوثَ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: وإنْ ملَكَه بفِعْلِه بلا عِوَضٍ، كوصِيَّةٍ وهِبَةٍ مُطْلَقَةٍ وغَنِيمَةٍ واحْتِشَاشٍ واحْتِطَابٍ واصْطِيادٍ، أو بِعِوَضٍ غيرِ مالِىٍّ، كدِية عن دَم عَمْدٍ ونِكاحٍ وخُلْعٍ، زادَ فى «الكُبْرَى» ، أو بعِوَضٍ مَالِىٍّ بلا عَقْدٍ، كَرَد بعَيْب أو فَسْخٍ، أو أخْذِه بشُفعَةٍ، فوَجْهان فى ذلك كلِّهْ. وعنه، يُعْتَبَرُ كَوْنُ العِوَضِ نَقْدًا. ذكَرَه أبو المَعالِى. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ رِوايَةً، فيما إذا مَلَك عَرْضًا للتِّجارَةِ بعَرْصِ قُنْية، لا زَكاةَ. قال فى «الفُروعِ»: فهى هذه الرِّوايَةُ. وقال ابنُ تَميمٍ: يُخَرَّجُ منها اعْتِبارُ كَوْنِ بَدَلِه نَقْدًا أو عَرْضَ تِجَارَةٍ.
فوائد؛ إحْداها، معْنَى نِيَّةِ التِّجارةِ، أنْ يَقْصِدَ التَّكَسُّبَ به بالاعْتِيَاضِ عنه لا بإتْلافِه، أو مع اسْتِبْقائِه؛ فإذا اشْتَرَى صَبَّاغٌ ما يَصْبُغُ به ويَبْقَى، كزَعْفَرَانٍ ونِيلٍ وعُصْفُرٍ ونحوِه، فهو عَرْضُ تِجَارَةٍ يُقَوِّمُه عندَ حَوْلِه. وكذا لوِ اشْتَرَى دَبَّاغٌ ما يَدْبُغُ به، كَعَفْصٍ وقرضٍ، وما يدْهُنُ به، كسَمْنٍ ومِلْحٍ. ذكَرَه ابنُ البَنَّا. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وذكَر المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، لا زَكاةَ فيه. وقال أيضًا: لا زَكاةَ فيما لا يبقَى له أَثَرٌ فى العَيْنِ، كالحَطَبِ والمِلْحِ والصَّابُونِ والأُشْنانِ والقلى والنُّورَةِ ونحو ذلك. الثَّانيةُ، لا زَكاةَ فى آلاتِ الصَّبَّاغ، وأمْتِعَةِ
فَإِنْ مَلَكَهَا بِإِرْثٍ، أَوْ مَلَكَهَا بِفِعْلِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، ثُمَّ نَوَى التِّجَارَةَ بِهَا، لَمْ تَصِرْ لِلتِّجَارَةِ.
ــ
النَّجَّارِ، وقَوارِيرِ العَطَّارِ والسَّمَّانِ ونَحْوِهم، إلَّا أنْ يُرِيدَ بَيْعَها بما فيها. وكذا آلاتُ الدَّوابِّ إنْ كانتْ لحِفْظِها وإنْ كان بَيْعُها معها، فهى مالُ تِجَارَةٍ. الثَّالثةُ، لو لم
وَإنْ كَانَ عِنْدَهُ عَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ، فَنَوَاهُ لِلْقُنْيَةِ، ثُمَّ نَوَاهُ لِلتِّجَارَةِ، لَمْ يَصِرْ لِلتِّجَارَةِ. وَعَنْهُ، أن الْعُرُوضَ تَصِيرُ لِلتِّجَارَةِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.
ــ
يكُنْ ما ملَكَه عَيْنَ مالٍ، بل مَنْفَعَةَ عَيْنٍ، وَجَبَتِ الزَّكاةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحَه ابنُ تَميمٍ وغيرُه. وقيلَ: لا تجِبُ. فيه كما لو نَواهَا بدَيْنٍ حالٍّ. الرَّابعَةُ، لو باعَ عَرْضَ قُنْيَة، ثم اسْتَرَدَّه ناوِيًا به التِّجارَةَ، صارَ للتِّجارَةِ. ذكَرَه فى «الفُروعِ» . ولوِ اشْتَرَى عَرْضَ تِجَارَةٍ بعَرْضِ قُنْيَةٍ، فردَّ عليه بعَيْب، انْقَطَعَ الحَوْلُ. ومِثْلُه، لو باعَ عَرْضَ تجارةٍ بعَرْضِ قُنْيَةٍ فرُدَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه. قالَه ابنُ تَميمٍ وغيرُه. ولو قُتِلَ عَبْدُ تجارَةٍ خَطَأً، فصَالَحَ على مالٍ، صارَ للتِّجارَةِ، من إنْ كان عَمْدًا، وقُلْنا: الواجِبُ أحَدُ شَيْئَيْن، فكذلك. وإنْ قُلْنا: الواجِبُ القِصَاصُ عَيْنًا. لم يَصرْ للتِّجارَةِ إلا بالنِّيَّةِ. ذَكَرَه القاضى فى التَّخْريجِ. وجزَمِ به فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . ولوِ اتَّخَذَ عَصِيرًا للتِّجارَةِ فتَخَمَّرَ، ثم تَخَلَّلَ، عادَ حُكْمُ التِّجارَةِ. ولو ماتَتْ ماشِيَةُ التِّجارَةِ، فدَبَغَ جُلُودَهَا، وقُلْنا:
وَتُقَوَّمُ الْعُرُوضُ عِنْدَ الْحَوْلِ بِمَا هُوَ أَحَظُّ لِلْمَسَاكِين، مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ.
ــ
تَطْهُرُ. فهى عَرْضُ تجارَةٍ. قالَه القاضى. وجزَم به فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» وغيرِهما. الخامِسَةُ، تَقْطَعُ نِيَّةُ القُنْيَةِ حوْلَ التِّجارَةِ، وتَصِيرُ للقُنْيَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّها الأصْلُ، كالإِقامَةِ مع السَّفَرِ. وقيلَ: لا تَقْطَعُ إلَّا المُمَيزَّةَ. وقيل: لا تَقْطَعُ نِيَّةٌ مُحَرَّمَةٌ، كَنَاوٍ مَعْصِيَة فلم يَفْعَلْها، ففى بُطْلانِ أهْلِيَّتِه للشَّهادَة خِلافٌ. ذكَرَه أبو المَعالِى.
قولهَ: وتُقَوَّمُ العُرُوضُ عندَ الحَوْلِ بما هو أحَظُّ للمَساكِينِ مِن عَيْنٍ أو وَرِقٍ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا. أعْنِى، سواءٌ كان مِن نَقْدِ البَلَدِ أو لا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال الحَلْوَانِىُّ: تُقَوَّمُ بنَقْدِ البَلَدِ، فإن تَعَدَّدَ فبالْأحَظِّ. وعنه، لا يُقَوَّمُ نقْدٌ بنَقْدٍ آخَرَ، بِناءً على قَوْلِنا: لا يُبنَى حَوْلُ نَقْدٍ على حَوْلِ نَقْدٍ آخَرَ، فيُقَوَّمُ بالنَّقْدِ الذى اشْتَرى به.
فوائد؛ الأُولَى، ما قوَّمه به لا عِبْرَةَ بتَلَفِه إلَّا قبلَ التَّمَكُّنِ. فعلى ما سَبَق فى أواخِرِ كتابِ الزَّكاةِ، ولا عِبْرَةَ أيضًا بنَقْصِه بعدَ تَقْويمِه، ولا بزِيادَتِه إلَّا قبلَ التَّمَكُّنِ، فإنَّه كتَلفِه، وإنَّما قُلْنا: لم تُؤَثِّرِ الزِّيادَةُ؛ لأنَّه كنَتَاجِ الماشِيَةِ بعدَ الحَوْلِ. الثَّانيةُ، لو بَلَغَتْ قِيمَةُ العُرُوضِ بكُلِّ نَقْدٍ نِصابًا، قُوِّمَ بالأنْفَعِ للفُقَراءِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الصَّحيحِ. صحَّحَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وابنُ تَميمٍ، وغيرُهما. واخْتارَه القاضى، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «التَّلْخيص» ، وغيرُهم، وهو الصَّوابُ. وقيلَ: يُخَيَّرُ. قالَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه، وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وقالَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، إلَّا أنَّه قال: يَنْبَغِى أنْ يُقَيَّدَ بنَقْدِ البَلَدِ (1). وهذا المذهبُ، على ما اصْطَلَحْناه فى الخُطْبَةِ. وقيلَ: يُقَوَّمُ بفِضَّةٍ. الثَّالِثةُ، لوِ اتَّجَرَ فى الجَوارِى للغِنَاءِ، قَوَّمَهُنَّ سَواذِجَ، ولوِ اتجَرَ فى الخصْيَانِ، قوَّمَهم على صِفَتِهم، ولوِ اتَّجَرَ فى آنِيَة الذَّهَبِ والفِضَّةِ، لم يَنْظرْ إلى القِيمَةِ، وهو عاصٍ بذلك، بل تَحْرِيمُ الآنِيَةِ أشَدُّ مِن تَحْرِيمِ اللِّباس؛ لتَحْرِيمِها على الرِّجالِ والنِّساءِ. والخِرَقِىُّ، رحمه الله، أطْلَقَ الكَراهَةَ، ومُرادُه التَّحْرِيمُ، بدَليلِ قوْلِه: والمُتَّخِذُ آنِيَةَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ عاصٍ، وعليه الزَّكاةُ. وذلك مُصْطَلَحُ المُتَقَدِّمِين فى إطْلاقِهم الكَراهَةَ، وإرَادَتِهم التَّحْريمَ. وعلى هذا أكثرُ الأصحابِ فى إرادَةِ الخِرَقِىِّ ذلك. وقطَع المُصَنِّفُ وغيرُه، أنَّه لا خِلافَ فيه بينَ أصحابِنا. وفى «جامِعِ القاضى» ، و «الوَسِيلَةِ» ، ظاهِرُ الخِرَقِىِّ كَراهَة تَنْزيه.
تنبيه: تقدَّم فى البابِ الذى قبلَه ضَمُّ العُرُوضِ إلى كل واحدٍ مِنَ النَّقْدَيْن، وضَمُّ النَّقْدَيْن إلى العُرُوضِ، فى تَكْمِيلِ النِّصابِ ونحْوِه.
(1) انظر: المغنى 4/ 254.
وَإنِ اشْتَرَى عَرْضًا بِنِصَابٍ مِنَ الأثْمَانِ أَوْ مِنَ الْعُرُوضِ، بَنَى عَلَى حَوْلِهِ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَإنِ اشْتَرَاهُ بِنِصَابٍ مِنَ السَّائِمَةِ لَمْ يَبْنِ عَلَى حَوْلِهِ، وَإنْ مَلَكَ نِصَابًا مِنَ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ، فَعَلَيْهِ زَكَاةُ التِّجَارَةِ دُونَ السَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ تَبْلُغ قِيمَتُهَا نِصَابَ التِّجَارَةِ، فعَلَيْهِ زَكَاةُ السَّوْمِ.
ــ
قوله: وإنِ اشْتَرَاه بنصابٍ مِنَ السَّائمةِ لم يَبْنِ على حَوْلِه. وكذا لو باعَه بنصَابٍ مِنَ السَّائمةِ. وهذا بلا نِزاع فيهما، إلَّا أنْ يَشْتَرِىَ نِصابَ سائمةٍ للتِّجارَةِ بنصَابِ سائمةٍ للقُنْيَة، فإنَّه يَبْنِى. على الصحيح مِنَ المذهبِ. قال فى «الفُروعِ»: يَبْنِي فى الأصح. وجزَم به جماعةٌ. وقيل: لا يَبْنِى.
قوله: وإنْ مَلَكَ نِصابًا مِنَ السَّائمةِ للتِّجارَةِ، فعليه زَكاةُ التِّجارَةِ دونَ السَّوْمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيلَ: عليه زَكاةُ السَّوْم دُونَ التِّجارةِ. ذَكَرَه القاضى وغيرُه؛ لأنَّها أقْوَى؛ للإِجْماعِ، وتَعَلُّقِها بالعَيْنِ، لكنْ إنْ نقَص نِصابُه، وَجَبَتْ زَكاةُ التِّجارَةِ. وقيلَ: يَلْزَمُه أنْ يُزَكِّى بالأحَظِّ منهما للفُقَراءِ. واخْتارَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» . ويظْهَرُ أثر الخِلافِ فى الأمْثِلَةِ فى الإبلِ والغَنَمِ. وقد ذَكَرَها هو ومَن تَبِعَه، وأطْلَقَهُنَّ فى «الفائقِ» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقال فى «الرَّوْضَةِ»: يُزَكِّى النِّصابَ للعَيْنِ، والوَقْصَ (1) للقِيمَةِ.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه سَواءٌ اتَّفَقَ حَوْلَاهُما أو لا. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن، والصَّحيحُ منهما، وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمام أحمدَ وجزَم به المُصَنِّفُ وغيرُه. وقيلَ: يُقَدَّمُ السَّابِقُ فى حَوْلِ السَّائمةِ أوِ التِّجارةِ. اخْتارَه المَجْدُ؛ لأنَّه وُجِدَ سَبَبُ زَكاتِه بلا مُعارِض. وأطْلَقَهُما فى «الفُروعِ» .
قوله: فإنْ لم تَبْلُغ قِيمَتُها نِصابَ التِّجارَةِ، فعليه زَكاةُ السَّوْم. كأرْبَعِين شاةً، قِيمَتُها دونَ مِائَتَيْن، أو دونَ عِشْرِين مِثْقالًا. وكذا الحُكْمُ فى عَكس هذه المسْأَلَةِ؛
(1) الوقص: ما بين الفريضتين من نُصُب الزكاة مما لا شئ فيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لو كان عندَه ثَلاثُون مِنَ الغنَمِ قِيمَتُها مِائَتَا دِرْهَمٍ، أو عِشْرُون مِثْقالًا، فعليه زَكاةُ التِّجارَةِ وهذا المذهبُ فى المَسْأَلَتَيْن، وقطَع به كثير مِنَ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ: لا خِلافَ فيه. وصحَّحَه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، و «ابنِ تَميمٍ». وقدمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. واخْتارَه القاضى فى «المُجَردِ» وغيرِه. وقيلَ: لا يُقَدَّم ما تَمَّ نِصابُه، بل يُغلبُ حُكْمُ ما يغْلِبُ إذا اجْتَمَعَ النِّصابان. وإنْ أدَّى إلى إسْقاطِ الزكاةِ. قَالَه أبو الخطَّابِ فى «الخِلافِ» . وحكَاه ابنُ عَقِيل عن شَيْخِه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِن أنَّه متى نَقَصَتْ قِيمَةُ الأرْبَعِين شاةً عن مِائَتَى دِرْهَمٍ، فلا شئَ فيها. قال المَجْدُ: وهذا ظاهِرُ كلامِه. قال فى «الفُروعِ» : وجزَم غيرُ واحدٍ بأنَّه إنْ نقَصَ نِصابُ السَّوْمِ، وجَبَتْ زَكاةُ التِّجارَةِ. انتهى. وهذا إذا لم يَسْبِقْ حَوْلُ السَّوْمِ. فأمَّا إنْ سبَق حَوْلُ السَّوْمِ، وكانتْ قِيمَتُه أقلَّ مِن نِصابٍ فى بعض الحَوْلِ، فلا زَكاةَ مُطْلَقًا، حتى يتمَّ الحَوْلُ مِن حينِ يبْلُغُ النِّصابَ، فى وَجْهٍ اخْتارَه القاضى. وعن أحمدَ ما يدُل عليه. وفى وَجهٍ آخَرَ، تجبُ زَكاةُ السَّوْمِ عندَ حَوْلِه، فإذا حالَ حَوْلُ التِّجارَةِ، وَجَبَتْ زَكاةُ الزَّائدِ على النِّصابِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو احْتِمالٌ فى «الشَّرْحِ» . ومالَ إليه. وكذا حكَى المُصَنِّفُ إذا سَبَقَ حَوْلُ السَّوْمِ. وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . وأمَّا إنْ نَقَصَ عن نِصابِ جميع الحَوْلِ، وَجَبَتْ زَكاةُ السَّوْمِ. على أصحِّ الوَجْهَيْن؛ لِئَلَّا تسْقُطَ بالكُلِّيَّةِ. صحَّحَه فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» . واخْتارَه القاضى. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». وقيلَ: لا تجِبُ زَكاةُ السَّوْمِ.
فائدة: لو مَلَك سائمةً للتِّجارةِ نِصْفَ حَوْلٍ، ثم قطَع نِيَّةَ التِّجارَةِ، اسْتَأْنَفَ حوْلًا ولم يَبْنِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واختارَ المُصَنِّفُ، يَبْنِى؛ لوُجُودِ
وَإِنِ اشْتَرَى أَرْضًا أَوْ نَخْلًا لِلتِّجَارَةِ، فَأَثْمَرَتِ النَّخْلُ، وَزُرِعَتِ الأَرْضُ، فَعَلَيْهِ فِيهِمَا الْعُشْرُ، وَيُزَكِّى الْأَصْلَ لِلتِّجَارَةِ. وَقَالَ الْقَاضِى: يُزَكِّى الْجَميعَ زَكَاةَ الْقِيمَةِ،
ــ
سَبَبِ الزَّكاةِ بلا مُعارِضٍ. وبَنَاه المَجْدُ على تقْديمِ ما وُجِدَ نِصابُه فى المسْألةِ السَّابِقَةِ. وأطْلَقَ ابنُ تَميمٍ وَجْهَيْن.
قوله: وإنِ اشْتَرى أرْضًا أو نَخْلًا للتِّجارَةِ، فأثْمَرَتِ النَخْلُ وزُرِعَتِ الأرْضُ، فعليه فِيهِما العُشْرُ، ويُزَكِّى الأصْلَ للتِّجارَةِ. يعْنِى، إذا اتَّفَقَ حَوْلَاهما. وهذا أحَدُ الوَجْهَيْن. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وذكَر ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، أنَّ جَدَّه أبا المَعالِى ذكَر فى «شَرْحِ الهِدايَةِ» ، أنَّه اخْتِيارُ القاضى، وابنِ عَقِيلٍ. قلتُ: جزَم به القاضى، فى «الجامِعِ الصَّغِيرِ». وقال القاضى: يزَكِّى الجميعَ زَكاةَ القِيمَةِ. وهذا المذهبُ، نصَّ عليه، وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الوَجيزِ» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وصحَّحَه فى «البُلْغَةِ» . وقدَّمَه فى
وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ الْعُشْرِ حَوْلَ التِّجَارَةِ فَيُخْرِجَهُ.
ــ
«الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ». قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ وغيرُهما: اخْتارَه القاضى، وأصحابُه. قال المَجْدُ فى «شَرْحِه»: هذا المَنْصُوصُ عن أحمدَ. ونَصَره.
قوله: ولا عُشْرَ عليه، إلَّا أنْ يَسْبِقَ وُجُوبُ العُشْرِ حوْلَ التِّجارَة فَيُخْرِجَه. اعلمْ أنَّه تارَةً يتَّفِقُ حَوْلُ التِّجارةِ والعُشْرُ فى الوُجوبِ، بأنْ يكونَ بُدُوُّ الصَّلاحِ فى الثَّمَرَةِ واشْتِدادُ الحَبِّ عندَ تَمامِ الحَوْلِ، وكانتْ قِيمَةُ الأصْلِ تبْلُغُ نِصابَ التِّجارةِ. فهذه مَسْألةُ المُصَنِّفِ المُتَقَدِّمَةُ التى فيها الخِلافُ. وتارَةً يَخْتَلِفان فى وَقْتِ الوُجوبِ، مثْل أنْ يَسْبِقَ وُجوبُ العُشْرِ حَوْلَ التِّجارةِ، أو عَكْسُه، أو يتَّفِقَان، ولكن أحَدَهما دونَ نِصابٍ. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَ السَّبْقِ هنا حُكْمُ ما لو ملَك نِصابَ سائمةٍ للتِّجارَةِ، وسبَق حَوْلُ أحَدِهما على الآخَرِ. وحُكْمُ تقْديمِ ما كَمَلَ نِصابُه هنا حُكْمُ ما لو وُجِدَ نِصابُ أحَدِهِما، كما تقدَّم قريبًا. جزَم به المجْدُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» وغيرُهما، فقالا: وإنِ اخْتلَفَ وَقْتُ الوُجوبِ، أو وُجِدَ نِصَابُ أحدِهما، فكَمَسْأَلةِ سائمةِ التِّجارةِ التى قبلَها فى تقْديمِ الأسْبَقِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتقديمِ ما تمَّ نِصابُه. انتهيا. وقيلَ: يزَكِّى عُشْرَ الزّرْعِ والثَّمَرِ إذا سبَق وُجوبُه. جزَم به فى «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ». قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: فلو سبَق نِصَابُ العُشْرِ، وجَب العُشْرُ، وَجْهًا واحِدًا. وهو ظاهِرُ ما جزَم به المُصَنِّفُ هنا. قلتُ: الذى يَظْهَرُ، أنَّه لا تَنافِى بينَ القَوْلَيْن، وأنَّ هذه المَسْأَلَةَ كمَسْأَلةِ السَّائمةِ التى للتِّجارةِ. وقطَع هؤلاءِ الجماعَةُ بِناءً منهم على أحَدِ الوَجْهَين فى مسْألةِ السَّائمةِ التى للتِّجارةِ.
تنبيهان؛ أحدُهما، حيثُ أخْرَجَ العُشْرَ، فإنَّه لا يلْزَمُه سوى. زَكاةِ الأصْلِ، وحيْثُ أخْرَجَ عنِ الأصْلِ والثَّمَرَةِ والزَّرْعِ زَكاةَ القِيمَةِ، فإنَّه لا يلْزَمُه عُشرٌ للزَّرْعِ والثَّمَرةِ. لا أعلمُ فيه خِلافًا بينَ الأصحابِ. وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه إذا سبَق وُجوبُ العُشْرِ حوْلَ التِّجارةِ، أنَّ عليه العُشْرَ مع إخْراجِه عنِ الجميعِ زَكاةَ القِيمَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا قائِلَ به. ولذلك قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحهِ» : يَنْبَغِى أنْ يَعُودَ الاسْتِثْناءُ إلى الخِلافِ المذكورِ فى المسْألَةِ، أىِ (1) الخِلافِ فى اعْتِبارِ القِيمَةِ فى الكُلِّ، أو فى الأصْلِ دونَ النَّماءِ إذا اتَّفَقَ وُجوبُ العُشْرِ وزَكاةُ التِّجارةِ. الثَّانى، فعلى ما قدَّمه المُصَنِّفُ، يُسْتَأْنَفُ حَوْلُ التِّجارَةِ على زَرْعٍ وثَمَر مِنَ الحَصَادِ والجِدَادِ؛ لأنَّ به يَنْتَهِى وُجوبُ العُشْرِ الذى لوْلَاه لَكانا جارِيَيْن فى حَوْلِ التِّجارَةِ. وهذا الصَّحيحُ. قدَّمه المَجْدُ فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الفُروعِ». وقيلَ: لا يُسْتَأنَفُ عليهما الحَوْلُ حتى يُباعَا، فيُسْتَقْبَل بثَمنِهما الحَوْلُ، كَمالِ القُنْيَةِ. وهو تخْريجٌ فى «شَرْح المَجْدِ» . وجزَم ابنُ تَميمٍ أنَّه يُخَرَّجُ على مالِ القُنْيَةِ.
فوائد؛ الأُولَى، لو نقَص كلُّ واحدٍ عنِ النِّصابِ، وجَبَتْ زَكاةُ التِّجارةِ، وإنْ بلَغ أحدُهما نِصابًا، اعْتُبِرَ الأحَظ للفُقَراءِ. الثَّانيةُ، لو زرَع بِذْرًا للقُنْيَةِ فى أرْضِ التِّجارَةِ، فواجِبُ الزَّرْعِ العُشْرُ، ووَاجبُ الأرْضِ زَكاةُ القِيمَةِ. ولو زرَع بِذرًا للتِّجارَةِ فى أرْضِ قُنْيَةٍ، فهل يزَكِّى الزّرْعَ زَكاةَ عُشْر، أو قِيمَةٍ؟ فيه الخِلاف
(1) فى أ: «إلى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى أصْلِ المسْألةِ. الثَّالِثَةُ، لو كانَ الثَّمَرُ لا زَكاةَ فيه كالسَّفَرْجَل، والتُّفَّاحِ ونحوِهما، أو كان الزَّرْعُ لا زَكاةَ فيه، كالخُضْرَاواتِ، أو كان لعقَارِ التِّجَارةِ وعَبِيدِها أجْرَةٌ، ضُمَّ قِيمَةُ الثَّمَرَةِ والأُجْرَةُ إلى قِيمَةِ الأصْلِ فى الحَوْلِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كالرِّبْحِ. وقيل: لا يُضَمُّ. الرَّابعةُ، لو أكْثَرَ مِن شِراءِ عَقارٍ، فارًّا مِنَ الزَّكاةِ، قال فى «الفُروعِ»: ظاهِرُ كلامِ الأكْثرَ، أو صَرِيحُه، أنه لا زَكَاةَ عليه. وقيلَ: عليه الزَّكاةُ. وقدَّمه فى «الرِّعايَتيْن» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، و «الحاوِيَيْن» . الخامسةُ، لا زَكاةَ فى قِيمَةِ ما أُعِدَّ للكِرَاءِ؛ مِن عَقارٍ، وحَيوانٍ وغيرِهما. وذكَر ابنُ عَقِيلٍ فى ذلك تَخْريجًا مِنَ الحَلْى المُعَدِّ للكِرَاءِ. السَّادسةُ، لا زَكاةَ فى غيرِ ما أُعِدَّ للتِّجارةِ؛ مِن عَرْضٍ، وحيَوانٍ، وعَقارٍ، وثِيابٍ، وشَجَرٍ. وتقدَّم فى أوَّلِ البابِ ما لا تجِبُ فيه الزَّكاةُ؛ مِنَ الآلاتِ، والأمْتِعَةِ، والقَوارِيرِ، ونحوها، التى للصُّنَّاعِ والتُّجَّار والسُّمَّانِ ونحوِهم. السَّابعةُ، لو اشْتَرَى شِقْصًا للتِّجارةِ بألفٍ، فصارَ عندَ الحَوْلِ بأَلْفَيْن، زَكاهما، وأخذه الشَّفِيعُ بأَلْفٍ. ولو اشْتَراه بأَلْفَيْن، فصارَ عندَ حَوْلِهِ بألفٍ، زَكَّى ألفًا واحِدَة، وأخذَه الشَّفِيعُ بأَلْفَيْن؛
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه يأْخُذُ بما وقَع عليه العَقْدُ.
وإذا أَذِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِه فى إِخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَأَخْرَجَاهَا مَعًا، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَ صَاحِبِه،
ــ
قوله: وإذا أذِنَ كلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَين لصاحِبِه فى إخْراجِ زَكاتِه فأخْرَجاها مَعًا، ضَمِنَ كلُّ وَاحِدٍ نصِيبَ صَاحِبِه. هذا المذهبُ، وعليه جاهيرُ الأصحابِ، وقدَّمُوه؛ لأنَّه انْعَزَلَ حُكْمًا، لأنَّه لم يَبْقَ على المُوَكِّلِ زَكَاةٌ، كما لو علِمَ ثم نَسِىَ. والعَزْلُ حُكْمًا يَسْتَوى فيه العِلْمُ وعدَمُه؛ بدَليلِ ما لو وَكلَه فى بَيْعِ عَبْدٍ، فباعَه الموَكَّلُ أو أعْتَقَه. وزادَ فى «شَرْحِ المُحَرَّرِ» ، أو جُهِلَ السَّبْقُ. قال ابنُ نَصْرِ اللَّهِ: وهو غريبٌ حسَنٌ. وقيلَ: لا يضْمَنُ مَن لم يَعْلمْ بإخْرَاجِ صاحِبِه، بِناءً على أنَّ الوَكِيلَ لا يَنْعَزِلُ قبلَ العِلْمِ. وقيلَ: لا يَضمَنُ، وإنْ قُلْنا: يَنْعَزِلُ قبلَ العِلْمِ. لأنَّه غَرَّه، كما لو وَكَّلَه فى قَضَاءِ دَيْنً، فقَضاه بعدَ قَضاءِ المُوَكِّلِ ولم يَعْلَمْ. اخْتارَه المُصَنِّفُ. وفرَّقَ المَجْدُ فى «شَرْحِه» بينَهما، بأنه لم يُفَوِّتْ حَقَّ المالِك بدَفْعِه؛ إذْ له الرُّجوعُ على القابِضِ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: ضَمِنَ كلُّ واحدٍ منهما حَقَّ
وَإنْ أَخْرَجَهَا أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، ضَمِنَ الثَّانِى نَصِيبَ الْأَوَّلِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَتَخَرَّجُ أن لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ.
ــ
الآخَرِ. وقيلَ: لا، كالجاهلِ منهما، والفَقيرِ الذى أخذَها منهما، فى الأقْيَسِ فيهما. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال.
قوله: وِإنْ أخْرَجَها أحَدُهما قبلَ الآخَرِ، ضَمِنَ الثَّانِى نَصِيبَ الأوَّلِ، عَلِمَ أو لم يَعْلَمْ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويتَخَرَّجُ أنْ لا ضَمانَ عليه إذا لم يعْلَمْ، بِناءً على عدَمِ انْعِزالِ الوَكيلِ قبلَ عِلْمِه،؛ تقدَّم. وتأْتِى المسْأَلَةُ فى الوَكالَةِ. وقيل: لا يَضْمَنُ، وإنْ قُلْنا: يَنْعَزِلُ الوَكيلُ قبلَ عِلْمِه. اخْتارَه المُصَنِّفُ. وهما القَوْلان اللَّذان قبلَ ذلك.
فوائد؛ الأُولَى، لو أَذِنَ غيرُ الشُّرَكاء، كلُّ واحدٍ للآخَرِ، فى إخْراجِ زَكاتِه، فَحُكْمُه حُكْمُ المسْألَةِ التِى قبلَها، لكنْ هل يبْدَأ بزَكاتِه وجُوبًا؟ فيه رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، و «ابنِ تَميمٍ» ، و «الرِّعايَتيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ؛ إحْدَاهما، لا يَجِبُ إخْراجُ زَكاتِه أوَّلًا، بل يُسْتَحَبُّ. وهو الصَّحيحُ، قطَع به القاضى، وفرَّقَ بينَها وبينَ الحَجِّ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، يَجِبُ إخْراجُ زَكاتِه قبلَ إخْراجِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زكاةِ الآذِنِ. قال فى «الفُروعِ» : وقد دَلَّتْ هذه المسْأَلَةُ على أنَّ نَفْلَ الصَّدقَةِ قبلَ أداءِ الزَّكاةِ فى جَوازِه وصِحَّتِه، ما فى نَفْلِ بقِيَّةِ العِبادَاتِ قبلَ أدَائِها. الثَّانيةُ، لو لَزِمَتْه زَكاةٌ ونَذْرٌ، قدَّم الزَّكاةَ، فإنْ قدَّم النَّذْرَ، لم يَصِرْ زَكاةً. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يَبْدَأُ بما شاءَ. ويأتِى نَطرُه فى قَضاءِ رَمضانَ قبلَ صَوْمِ النَّذْرِ. الثَّالثةُ، لو وَكَّلَ فى إخْرَاجِ زَكاتِه، ثم أخْرَجَها هو، ثم أخْرَجَ الوَكِيلُ قبلَ عِلْمِه، قال فى «الفُروعِ»: فيتَوَجَّهُ أنَّ فى ضَمانِه الخِلافَ السَّابِقَ، ولهذا لم يذْكُرْها الأكثرُ، اكْتِفاءً بما سبق، وأطْلقَ بعضُهم ثَلاثَةَ أوْجُهٍ، ثالِثُها، لا يَضْمَنُ إنْ قُلْنَا: لا يَنْعَزِلُ. وإلَّا ضَمِنَ. وصحَّحَه فى «الرِّعايَتْين» ، و «الحاوِيَيْن» . الرَّابعةُ، يُقْبَلُ قوْلُ المُوَكَّلِ، أنَّه أخْرَجَ قبلَ دَفْعِ وَكِيلهِ إلى السَّاعِى، وقوْلُ مَن دَفع زَكاةَ مالِه إليه، ثم ادَّعَى أنَّه كانَ أخْرَجَها. الخامِسَةُ، حيثُ قُلْنا: لا يصِحُّ الإِخْراجُ. فإنْ وُجِدَ مع السَّاعِى أُخِذَ منه، وإنْ تَلِفَ، أو كان دفَعَه إلى الفُقَراءِ، أو كانا دفَعا إليه، فلا.
تنبيه: سبَق حُكْمُ المُضارِبِ ورَبِّ المالِ، فى كتابِ الزَّكاةِ، عندَ قوْلِ المُصَنِّفِ: ولا زَكاةَ فى حِصَّةِ المُضَارِبِ مِنَ الرِّبْحِ قبلَ القِسْمَةِ.