الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ
678 -
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفربَرِيُّ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، نَا أَبِي، نَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:" كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلامُ عَلَى فُلانٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ، فَإِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عَبَّادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ ذَلِكَ: أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَعْدُ مِنَ الْكَلامِ مَا شَاءَ ".
قَالَ مُحَمَّدٌ الْبُخَارِيُّ: نَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَالَ:" لَا تَقُولُوا: السَّلامُ عَلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلامُ "،
وَقَالَ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو» .
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ
قَوْلُهُ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» يَعْنِي الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَيُقَالُ: الْبَقَاءُ لِلَّهِ، يُقَالُ: حَيَّاكَ اللَّهُ، أَيْ: أَبْقَاكَ اللَّهُ، وَقَدْ تَكُونُ التَّحِيَّةُ بِمَعْنَى السَّلامِ.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: إِنَّمَا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّهُ كَانَ فِي الأَرْضِ مُلُوكٌ يُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُقَالُ لِبَعْضِهِمْ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ، وَلِبَعْضِهِمُ: اسْلَمْ وَانْعَمْ، وَلِبَعْضِهِمْ: عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ، فَقِيلَ لَنَا: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، أَيِ: الأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ، وَيُكْنَى بِهَا عَنِ الْمُلْكِ، هِيَ لِلَّهِ عز وجل.
قُلْتُ: وَشَيْءٌ مِمَّا كَانُوا يُحَيُّونَ بِهِ الْمُلُوكَ لَا يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ.
وَقِيلَ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» هِيَ أَسْمَاءُ اللَّهِ سبحانه وتعالى: السَّلامُ، الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ، الأَحَدُ، الصَّمَدُ، يُرِيدُ التَّحِيَّةَ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ لِلَّهِ عز وجل.
وَقَوْلُهُ: «الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ» أَيِ: الرَّحْمَةُ لِلَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [الْبَقَرَة: 157]، مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، عَطَفَ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى لاخْتِلافِ اللَّفْظَيْنِ، وَقِيلَ: الصَّلَوَاتُ: الأَدْعِيَةُ لِلَّهِ.
وَقَوْلُهُ: «الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ» مَعْنَاهُ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلامِ مَصْرُوفَاتٌ إِلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى، كَقَوْلِهِ سبحانه وتعالى:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النُّور: 26] يَعْنِي الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ.
679 -
أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، نَا قُتَيْبَةُ، نَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ، وَكَانَ يَقُولُ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ
الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، سَلامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ".
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ قُتَيْبَةَ
قُلْتُ: قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ: أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلزِّيَادَةِ الَّتِي فِيهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ «الْمُبَارَكَاتُ» وَلِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ، وَهُوَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النُّور: 61].
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى تَشَهُّدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَلَّمَهُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ، وَالْبَاقِي كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ، التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ.
وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، " أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إِذَا تَشَهَّدَتِ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ ".
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُجُوبِ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَحَمَّادٌ: إِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ حَتَّى انْصَرَفَ مَضَتْ صَلاتُهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: إِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَسَلَّمَ، أَجْزَأَهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، فَمَضَى فِي صَلاتِهِ.
وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْقُعُودَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ، أَمَّا
الْقِرَاءَةُ، فَاسْتِحْبَابٌ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ آخِرِ السَّجْدَةِ، فَقَدْ تَمَّتْ صَلاتُهُ.
وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ الأَوَّلَ لَيْسَ مَحَلا لَهَا، وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ إِلَى وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الأَخِيرِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ، لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُهُ بِقَوْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى:{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الْأَحْزَاب: 56] أَمَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ، وَالأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُنْصَرِفًا إِلَى الصَّلاةِ حَتَّى تَكُونَ فَرْضًا، لأَنَّهُ لَوْ صُرِفَ إِلَى غَيْرِهَا كَانَ نَدْبًا، إِذْ لَا خِلافَ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي غَيْرِ الصَّلاةِ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الصَّلاةِ.
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ» .
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ مَا شَاءَ مِنَ الأَذْكَارِ، وَلَهُ أَنْ يَدْعُو، وَيَسْأَلَ فِي الصَّلاةِ مَا أَحَبَّ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِمَّا لَا إِثْمَ فِيهِ، وَيَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الصَّلاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةً فِي الصَّلاةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ التَّشَهُّدِ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخَيِّرْهُ فِيهَا.
وَقُلْتُ: وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي بَعْدَمَا فَرَغَ مِنَ التَّشَهُّدِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ، وَيَتَحَرَّى مِنَ الأَدْعِيَةِ مَا وَرَدَ بِهَا السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُو بِشَيْءٍ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَسْأَلَ حَاجَتَهُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا، إِذَا دَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَجِلْتَ
أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ، فَقَعَدْتَ، فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ "، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«ادْعُ تُجَبْ» .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ:«إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ» .