الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ
856 -
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الدِّيلِ يُقَالُ لَهُ: بُسْرُ بْنُ مِحْجَنٍ، عَنْ أَبِيهِ مِحْجَنٍ، أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُذِّنَ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ، فَصَلَّى وَرَجَعَ، وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا مَنَعَكَ أَنَّ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ،» أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ "؟، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ، وَإِنْ كُنْتَ صَلَّيْتَ» .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا: إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ،
ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ تِلْكَ الصَّلاةَ، فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ، أَيِّ صَلاةٍ كَانَتْ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يُعِيدُ، إِلا الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ: يُعِيدُ، إِلا الْمَغْرِبَ، فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، فَإِذَا أَعَادَهَا صَارَتْ شَفْعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، لأَنَّ الصَّلاةَ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ، وَلا يُتَنَفَّلُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبُ وِتْرُ النَّهَارِ، فَيَصِيرُ شَفْعًا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يُعِيدُ، إِلا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ.
وَاحْتَجَّ هَؤُلاءِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» .
وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ عَلَى إِنْشَاءِ تَطَوُّعٍ لَا سَبَبَ لَهُ، وَهَهُنَا لَهُ غَرَضٌ فِي إِعَادَةِ الصَّلاةِ، وَهُوَ حِيَازَةُ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، فَلا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ.
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تُصَلُّوا
صَلاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ».
وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَرَّتَيْنِ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَغَرَضٍ.
ثُمَّ إِذَا صَلاهَا بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَمَا صَلَّى وَحْدَهُ، فَالأَوْلَى فَرْضُهُ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ، وَالثَّانِيَةُ نَافِلَةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حجَّتَهُ، فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ، وَانْحَرَفَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ، وَلَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، قَالَ:«عَلَيَّ بِهِمَا» فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا» ؟ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ:«فَلا تَفْعَلا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهُمَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الأُولَى نَافِلَةٌ، وَمَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ فَرْضٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ: «إِذَا جِئْتَ
الصَّلاةَ، فَوَجَدْتَ النَّاسَ يُصَلُّونَ، فَصَلِّ مَعَهُمْ، وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ نَافِلَةً لَكَ، وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ».
وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِالأَوَّلِ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ: «وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» يَعْنِي: وَتِلْكَ مَكْتُوبَةٌ، وَيُرِيدُ الأُولَى.
وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أُصَلِّي فِي بَيْتِي، ثُمَّ أُدْرِكُ الصَّلاةَ مَعَ الإِمَامِ أَيَّتُهُمَا أَجْعَلُ صَلاتِي؟ فَقَالَ: أَوَ ذَلِكَ إِلَيْكَ؟! إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، يَجْعَلُ أَيَّتَهُمَا شَاءَ.
وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ لِسَائِلٍ سَأَلَهُ: الأُولَى صَلاتُهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يَجْعَلُ الثَّانِيَةَ نَفْلا إِلَى أَنَّهُ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ وَحْدَهُ، ثُمَّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ يُصَلِّيهَا مَعَهُمْ، وَيَشْفَعُ بِرَكْعَةٍ، لأَنَّ التَّطَوُّعَ شَفْعٌ.