الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
بَابٌ"
"الْكِتَابُ:
الْقُرْآنُ" عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الأَعْيَانِ. بِدَلِيلِ قَوْلِ مَنْ نَزَّلَ الْفُرْقَانَ {وَإِذْ صَرَفْنَا إلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} - إلَى قَوْلِهِ - {إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} 1 وَالْمَسْمُوعُ وَاحِدٌ، وَبِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى:{إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ} 2 وَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى اتِّحَادِ اللَّفْظَيْنِ3.
وَالْكِتَابُ فِي الأَصْلِ جِنْسٌ، ثُمَّ غُلِّبَ عَلَى الْقُرْآنِ مِنْ بَيْنِ الْكُتُبِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ. "وَهُوَ" أَيْ الْقُرْآنُ.
"كَلامٌ مُنَزَّلٌ" أَيْ نَزَّلَهُ السَّيِّدُ جِبْرِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ "عَلَى" قَلْبِ سَيِّدِنَا "مُحَمَّدٍ" رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِك بِإِذْنِ اللَّهِ} 4.
"مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ" أَيْ مَقْصُودٌ بِهِ الإِعْجَازُ5، كَمَا أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِهِ بَيَانُ الأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ، وَقَصُّ أَخْبَارٍ مَنْ قُصَّ فِي الْقُرْآنِ مِنَ6 الأُمَمِ،
1 الآيتان 29-30 من الأحقاف.
2 الآيتان 1-2 من سورة الجن.
3 انظر: مختصر الطوفي ص 45، جمع الجوامع 1/ 223، مناهج العقول 1/ 201، فتاوى ابن تيمية 12/ 7، الروضة ص 33.
4 الآية 97 من البقرة.
5 انظر رأي الغزالي والبزدوي في عدم تقييد التعريف بالإعجاز في "المستصفى 1/ 101، وكشف الأسرار 1/ 22".
6 ساقطة من د.
دَلِيلُ1 التَّحَدِّي2 بِهِ، لِقَوْلِهِ3 سبحانه وتعالى:{قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} 4 5أَيْ فَأْتُوا بِمِثْلِهِ17، إنِ ادَّعَيْتُمْ الْقُدْرَةَ فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِعَشْرِ سُوَرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ 6 فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} 7 فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} 8 أَيْ مِنْ مِثْلِ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ مِثْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا عَجَزُوا تَحَدَّاهُمْ بِدُونِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إنْ كَانُوا صَادِقِينَ} 9. 10أَيْ فَلْيَأْتُوا بِمِثْلِهِ22.
"مُتَعَبَّدٌ بِتِلاوَتِهِ" لِتَخْرُجَ الآيَاتُ الْمَنْسُوخَةُ اللَّفْظِ سَوَاءٌ بَقِيَ حُكْمُهَا أَمْ لا. لأَنَّهَا11 صَارَتْ بَعْدَ النَّسْخِ غَيْرَ قُرْآنٍ لِسُقُوطِ التَّعَبُّدِ بِتِلاوَتِهَا. وَلِذَلِكَ لا تُعْطَى حُكْمَ الْقُرْآنِ12.
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ز. وفي ش: المتحدي في.
3 في ز ع: قوله. وفي ب: في قوله.
4 الآية 88 من الإسراء.
5 ساقطة من ز. وفي ش: دليل. وفي ع سقطت لفظة أي.
6 ساقطة من ش ز.
7 الآية 13 من هود.
8 الآية 38 من يونس. وفي ز ب ع ض: من مثله. وقال تعالى في سورة البقرة 23: {وَإِنْ كُُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} .
9 الآيتان 33-34 من الطور.
10 ساقطة من ب ع ض.
11 في ز إنها.
12 انظر في تعريف القرآن الكريم "التعريفات للجرجاني ص 152. الإحكام للآمدي 1/ 159، أصول السرخسي 1/ 279، نهاية السول 1/ 204، كشف الأسرار 1/ 21، مناهل العرفان 1/ 9، المستصفى 1/ 101، فواتح الرحموت 2/ 7، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 18، تيسير التحرير 3/ 3، جمع الجوامع 1/ 223، التلويح على التوضيح 1/ 154، المدخل إلى مذهب أحمد ص87، مختصر الطوفي ص 45، أصول الفقه الإسلامي ص 96 وما بعدها.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامٌ مُنَزَّلٌ احْتَاجَ1 إلَى تَبْيِينِ مَوْضُوعِ2 لَفْظِ الْكَلامِ وَمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْكَلامِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا3.
وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الْكَلامِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ، حَتَّى قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُسَمَّ عِلْمُ الْكَلامِ إلَاّ لأَجْلِهَا وَ4لِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَئِمَّةُ الإِسْلامِ الْمُعْتَبَرِينَ، الْمُقْتَدَى5 بِهِمْ اخْتِلافًا كَثِيرًا مُتَبَايِنًا6.
فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ: هُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كُلَاّبٍ وَأَتْبَاعِهِ مِنْهُمْ الإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ الْكَلامَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ، وَبَيْنَ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ. وَذَلِكَ:
1 في ش ز ض: احتيج.
2 ساقطة من ض.
3 ذكر العلامة البناني المراد من هذا التعريف عند علماء الأصول، وبين اختلافه عن المراد به في أصول الدين فقال:"إن القرآن عند الأصوليين أحد الأدلة الخمسة. أي أحد الأمور المحتج بها. والاحتجاج إنما هو بأبعاض اللفظ المذكور لا بمدلوله، فيكون القرآن هو اللفظ المذكور لا مدلوله، خلاف المعنى بالقرآن في أصول الدين. أي فيطلق على كل من المعنيين بالاشتراك، كما يطلق على كل منهما. حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 224".
4 ساقطة من ش.
5 في ع ض: والمقتدى.
6 انظر كشف الأسرار 1/ 22، مناهل العرفان 1/ 9، كشاف اصطلاحات الفنون 1/ 22، 5/ 1272، كشف الظنون 2/ 1503، إتمام الدراية لقراء النقاية للسيوطي ص 3 على هامش مفتاح العلوم، التعريفات للجرجاني ص 162، فتح الباري 13/ 273.
لأَنَّهُ1 قَدْ اُسْتُعْمِلَ لُغَةً وَعُرْفًا فِيهِمَا. وَالأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ الْحَقِيقَةُ، فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا2. أَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعِبَارَةِ فَكَثِيرٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 3 {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ} 4 وَيُقَالُ: سَمِعْت كَلامَ فُلانٍ وَفَصَاحَتَهُ، يَعْنِي أَلْفَاظَهُ الْفَصِيحَةَ.
وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ وَهُوَ مَدْلُولُ الْعِبَارَةِ. فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 5 {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ} 6 وَقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه فِي يَوْمِ السَّقِيفَةِ: زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلامًا7 وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا
…
جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً8
1 في ع: أنه.
2 انظر: التمهيد للإسنوي ص 30، المستصفى 1/ 100، حاشية البناني 1/ 224، فتاوى ابن تيمية 7/ 170، 12/ 67، القواعد والفوائد الأصولية ص 154، مختصر الطوفي ص 45، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 104، المحصول للرازي 1/ 235.
3 الآية 6 من التوبة.
4 الآية 75 من البقرة. وفي ش ز ض ع ب: "وهم يسمعون"، وهو خطأ. وتمام الآية:{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} .
5 الآية 8 من المجادلة.
6 الآية 13 من الملك.
7 أي هيأت وأصلحت من التزوير، وهو إصلاح الشيء وتحسينه. وقد جاء في رواية أخرى عن عمر: ما زورت كلاماً لأقوله إلا سبقني به أبو بكر. "انظر لسان العرب 4/ 336 وما بعدها ووجه الدلالة في قول عمر أنه سمى ما في النفس كلاماً قبل التكلم به. وانظر: الإنصاف للباقلاني ص 110".
8 البيت للأخطل. وقال جماعة: إنه لغيره؛ لأن هذا البيت لا يوجد في ديوان الأخطل. وقد أضيف إلى ديوانه في قسم الزيادات عند طباعة شعر الأخطل في بيروت "ص......=
وَالأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ: الْحَقِيقَةُ. قَالَ الأَشْعَرِيُّ: لَمَّا كَانَ يَسْمَعُهُ بِلا انْخِرَاقٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ.
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ: "أَنَّ قَوْمًا جَعَلُوا الْكَلامَ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى مَجَازًا فِي الْعِبَارَةِ. وَقَوْمًا عَكَسُوا، وَقَوْمًا قَالُوا: بِالاشْتِرَاكِ. فَهِيَ ثَلاثَةُ أَقْوَالٍ وَنُقِلَتْ عَنْ الأَشْعَرِيِّ1".
وَالْمَعْنَى النَّفْسِيُّ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، وَنَعْنِي بِالنِّسْبَةِ بَيْنَ الْمُفْرَدَيْنِ: أَيْ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُفْرَدَيْنِ، تَعَلُّقَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ، وَإِضَافَتَهُ إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ الإِسْنَادِ الإِفَادِيِّ، بِحَيْثُ2 إذَا عُبِّرَ عَنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ بِلَفْظٍ يُطَابِقُهَا وَيُؤَدِّي مَعْنَاهَا: كَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ إسْنَادًا إفَادِيًّا3. وَمَعْنَى قِيَامِ النِّسْبَةِ بِالْمُتَكَلِّمِ: مَا قَالَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ4، وَهُوَ أَنَّ الشَّخْصَ إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: اسْقِنِي مَاءً فَقَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ قَامَ بِنَفْسِهِ تَصَوُّرُ حَقِيقَةِ السَّقْيِ وَحَقِيقَةِ الْمَاءِ وَالنِّسْبَةِ الطَّلَبِيَّةِ بَيْنَهُمَا. فَهَذَا هُوَ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ. وَالْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ، وَصِيغَةُ5 قَوْلِهِ:"اسْقِنِي مَاءً"، عِبَارَةٌ عَنْهُ 6وَدَلِيلٌ عَنْهُ6.
= 508. وقد نسبه إلى الأخطل ابن هشام في شذور الذهب ص 28، وابن يعيش الحلبي في "شرح المفصل للزمخشري 1/ 21"، "والجاحظ في البيان والتبيين 1/ 218" والقرافي في شرح تنقيح الفصول ص 126 وغيرهم. انظر: معجم شواهد العربية 1/ 271.
1 المستصفى 1/ 100. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 67، القواعد والفوائد الأصولية ص 154، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 104.
2 في ز ض ع ب: أي بحيث.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 3، مختصر ابن الحاجب 2/ 18، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 103.
4 انظر الأربعين في أصول الدين للرازي ص 174، غاية المرام ص 97.
5 في د: وهو صيغة.
6 ساقطة من ش.
وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: كُلُّ عَاقِلٍ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ الأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْخَبَرَ عَنْ كَوْنِ الْوَاحِدِ نِصْفَ الاثْنَيْنِ، وَعَنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَاتٍ وَلُغَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. فَالْمُخْتَلِفُ هُوَ الْكَلامُ اللِّسَانِيُّ، وَغَيْرُ الْمُخْتَلِفِ هُوَ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسَمَّى1 ذَلِكَ الْعِلْمُ الْخَاصُّ: سَمْعًا؛ لأَنَّ إدْرَاكَ الْحَوَاسِّ إنَّمَا هِيَ عُلُومٌ خَاصَّةٌ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْعِلْمِ فَكُلُّ إحْسَاسٍ عِلْمٌ وَلَيْسَ كُلُّ عِلْمٍ إحْسَاسًا2. فَإِذَا وُجِدَ هَذَا الْعِلْمُ الْخَاصُّ فِي نَفْسِ مُوسَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْكَلامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى يُسَمَّى3 بِاسْمِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ السَّمَاعُ. اهـ.
هَذَا حَقِيقَةُ مَذْهَبِهِمْ. لَكِنَّ الأَشْعَرِيَّ وَأَتْبَاعَهُ قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ عِنْدَنَا حِكَايَةُ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَابْنُ كُلَاّبٍ وَأَتْبَاعُهُ. قَالُوا: الْقُرْآنُ الْمَوْجُودُ بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى لا عَيْنِهِ4.
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَ5رَأَيْت الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ عَكَسَ عَنْهُمَا. فَجَعَلَ الْعِبَارَةَ عَنْ الأَشْعَرِيِّ، وَالْحِكَايَةَ عَنْ ابْنِ كُلَاّبٍ6.
وَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمُ بِذَاتِهِ يُسْمَعُ عِنْدَ تِلاوَةِ كُلِّ تَالٍ وَقِرَاءَةِ كُلِّ قَارِئٍ.
1 في ب: وسمي.
2 في ش: احساس.
3 في ب: سمي.
4 قال الآمدي: "الكتاب هو الكلام المعبر عن الكلام النفساني". "الإحكام له 1/ 159". وانظر: الفصل في الملل والنحل 3/ 6.
5 ساقطة من ع.
6 هذا ما نقله المصنف عن الشيخ تقي الدين في فتوى الأزهرية فيما بعد ص 34.
وَقَالَ الْبَاقِلَاّنِيُّ: إنَّمَا نَسْمَعُ1 التِّلاوَةَ دُونَ الْمَتْلُوِّ، وَالْقِرَاءَةَ دُونَ الْمَقْرُوءِ2.
وَذَهَبَ الإِمَامُ أَحْمَدُ إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ، وَإِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِلا شَكٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنه، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ - قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ فِي الأَمْرِ، وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ - إلَى أَنَّ الْكَلامَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْعِبَارَةِ وَمَدْلُولِهَا، بَلْ الْكَلامُ حَقِيقَةً: هُوَ الْحُرُوفُ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الصَّوْتِ3، وَإِلَى ذَلِكَ الإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ.
"وَالْكَلامُ حَقِيقَةً" أَيْ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ إطْلاقِهِ أَنَّهُ4 "الأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعْرُوفُ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ فِرَقِ الأُمَّةِ. فَإِنَّ جَمَاهِيرَ الطَّوَائِفِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ5 بِصَوْتٍ، مَعَ تَنَازُعِهِمْ فِي أَنَّ كَلامَهُ هَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ أَوْ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ، أَوْ مَا زَالَ يَتَكَلَّمُ6.
1 في ع ض: تسمع.
2 الإنصاف للباقلاني ص 80. والمتلو هو اللفظ. والمكتوب هو أشكال الحروف. والمسموع هو الصوت. وأما التلاوة والكتابة والسماع بالمعاني المصدرية فإنما هي نسب بين التالي والمتلو، والكاتب والمكتوب، والسامع والمسموع. فطرفا كل من هذه النسب مخلوقان. وإنما القديم هو ما قام به سبحانه. وإطلاق المتلو والمحفوظ والمكتوب والمسموع على ما قام به سبحانه من قبيل وصف المدلول بصفة الدال. "انظر تعليق الشيخ محمد زاهد الكوثري على الإنصاف ص 80". ويقول الباقلاني أيضاً:"التلاوة غير المتلو، كما أن العبادة غير المعبود، والذكر غير المذكور، والدعاء غير المدعو. الإنصاف ص 82".
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 154.
4 ساقطة من ز.
5 في ش ز: تكلم.
6 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 243، غاية المرام ص 88، الإنصاف للباقلاني ص 110.
"وَإِنْ1 سُمِّيَ بِهِ" أَيْ يُسَمَّى بِالْكَلامِ "الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ وَهُوَ" أَيْ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ "نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ" أَيْ2 تِلْكَ النِّسْبَةُ "بِالْمُتَكَلِّمِ" وَتَقَدَّمَ3 الْكَلامُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ، يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى أُطْلِقَ الْكَلامُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ "فَ" إطْلاقُهُ عَلَيْهِ "مَجَازٌ" وَهَذَا عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ4.
قَالَ الطُّوفِيُّ: إنَّمَا كَانَ حَقِيقَةً فِي الْعِبَارَةِ، مَجَازًا5 فِي مَدْلُولِهَا لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُتَبَادَرَ إلَى فَهْمِ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْ إطْلاقِ الْكَلامِ: إنَّمَا هُوَ6 الْعِبَارَاتُ، وَالْمُبَادَرَةُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْكَلامَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَلْمِ، لِتَأْثِيرِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ إنَّمَا هُوَ الْعِبَارَاتُ، لا الْمَعَانِي النَّفْسِيَّةُ بِالْفِعْلِ، نَعَمْ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ لِلْفَائِدَةِ بِالْقُوَّةِ، وَالْعِبَارَةُ مُؤَثِّرَةٌ بِالْفِعْلِ. فَكَانَتْ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، وَمَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا بِالْقُوَّةِ مَجَازٌ.
قَالَ الْمُخَالِفُونَ: اُسْتُعْمِلَ لُغَةً وَعُرْفًا فِيهِمَا.
قُلْنَا: نَعَمْ، لَكِنْ بِالاشْتِرَاكِ أَوْ بِالْحَقِيقَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِالْمَجَازِ7 فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ؟ وَالأَوَّلُ مَمْنُوعٌ.
1 في ز ب ش: وإنما.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 في ش: ويقدم.
4 انظر القواعد والفوائد الأصولية ص 154، فواتح الرحموت: 2/ 6.
5 في ش ز: مجاز. وهو خطأ.
6 ساقطة من ض.
7 في ش ز: والمجاز.
قَالُوا: الأَصْلُ فِي الإِطْلاقِ الْحَقِيقَةُ.
قُلْنَا: وَالأَصْلُ عَدَمُ الاشْتِرَاكِ، ثُمَّ إذَا1 تَعَارَضَ2 الْمَجَازُ وَ3الاشْتِرَاكُ الْمُجَرَّدُ، فَالْمَجَازُ4 أَوْلَى، ثُمَّ إنَّ لَفْظَ الْكَلامِ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِبَارَاتِ، وَكَثْرَةُ مَوَارِدِ الاسْتِعْمَالِ تَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:{وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} 5 فَمَجَازٌ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا دَلَّ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ بِالْقَرِينَةِ. وَهِيَ قَوْلُهُ: "فِي أَنْفُسِهِمْ"، وَلَوْ أُطْلِقَ لَمَا فُهِمَ إلَاّ الْعِبَارَةُ. وَكَذَلِكَ6 كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّمَا يُفِيدُ مَعَ الْقَرِينَةِ. وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه "زَوَّرْت فِي نَفْسِي كَلامًا" إنَّمَا أَفَادَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فِي نَفْسِي
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} 7 فَلا حُجَّةَ فِيهِ، لأَنَّ الإِسْرَارَ نَقِيضُ الْجَهْرِ. وَكِلاهُمَا عِبَارَةٌ عَنْ أَنَّ إحْدَاهُمَا أَرْفَعُ صَوْتًا مِنْ الأُخْرَى8.
وَأَمَّا الشِّعْرُ: فَهُوَ لِلأَخْطَلِ9. وَيُقَالُ: إنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِ: "إنَّ الْبَيَانَ لَفِي
1 في ز: قد.
2 في ر: يعارض.
3 ساقطة من ز.
4 في ز: والمجاز.
5 الآية 8 من المجادلة. وفي ش ز ب ع: يقولون....
6 في ز: ولذلك.
7 الآية 13 من الملك.
8 انظر مناقشة هذه الأدلة بإسهاب في كتاب الإيمان "لابن تيمية ص 113 وما بعدها".
9 هو غياث بن غوث بن الصلت، أبو مالك، من بني تغلب، الشاعر المشهور في العصر الأموي، كان يُشَبّه من شعراء الجاهلية بالنابغة الذبياني. وكان يمدح بني أمية، مدح....=
الْفُؤَادِ"، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ مَادَّةِ الْكَلامِ، وَهُوَ التَّصَوُّرَاتُ الْمُصَحِّحَةُ لَهُ؛ إذْ مَنْ لا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ1 مَعْنَى2 مَا يَقُولُ لا يُوجَدُ مِنْهُ3 كَلامٌ، ثُمَّ هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ هَذَا الشَّاعِرِ فِي تَرْجِيحِ الْفُؤَادِ عَلَى اللِّسَانِ. اهـ كَلامُ الطُّوفِيِّ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي "النُّونِيَّةِ": أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ: رَدَّ كَلامَ النَّفْسِ مِنْ تِسْعِينَ وَجْهًا4.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: "مَنْ أَحَالَ سَمَاعَ مُوسَى كَلامًا لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ فَلْيُحْلِلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُؤْيَةَ ذَاتٍ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلا عَرَضٍ5". اهـ.
قَالَ الطُّوفِيُّ: كُلُّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَخُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ، بَلْ عَنْ الْقَاطِعِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَاّ خَيَالاتٌ لاغِيَةٌ. وَأَوْهَامٌ مُتَلاشِيَةٌ. وَمَا ذَكَرُوهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْمَعَانِيَ لا تَقُومُ شَاهِدًا إلَاّ بِالأَجْسَامِ. فَإِنْ أَجَازُوا مَعْنًى قَامَ بِالذَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَلَيْسَتْ جِسْمًا، فَلْيُجِيزُوا خُرُوجَ صَوْتٍ مِنْ الذَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَلَيْسَتْ جِسْمًا،
=معاوية ومن بعدهما حتى هلك. وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم، وهم: جرير والفرزدق والأخطل. وكان حسن الديباجة، في شعره إبداع، وكان كثير العناية بشعره ينظم القصيدة، ويسقط ثلثيها، ثم يظهر مختارها. له ديوان شعر مطبوع. وقد خطله كعب بن جُعيل، وقال له:"إنك لأخطل يا غلام"، والخطل السفه وفحش القول، وكان الأخطل هجّاءً بذيئاً، مات سنة 90هـ.
انظر ترجمته في "الشعر والشعراء ص 455، الأغاني 8/ 280، طبقات فحول الشعراء للجمحي 1/ 298، شرح شواهد المغني للسيوطي 1/ 123، الأعلام للزركلي 5/ 318".
1 ساقطة من ع ض.
2 ساقطة من ض.
3 في ش ز ض: فيه.
4 انظر الكافية بشرح النونية 1/ 206، 224، 264، الإيمان لابن تيمية ص 110.
5 الأربعين في أصول الدين للغزالي ص 20.
إذْ كِلَاَ1 الأَمْرَيْنِ خِلافُ الشَّاهِدِ، وَمَنْ أَحَالَ كَلامًا لَفْظِيًّا مِنْ غَيْرِ جِسْمٍ فَلْيُحْلِلْ ذَاتًا مَرْئِيَّةً مِنْ غَيْرِ جِسْمٍ، وَلا فَرْقَ.
ثُمَّ قَالَ الطُّوفِيُّ: وَالْعَجَبُ2 مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ - مَعَ أَنَّهُمْ عُقَلاءُ فُضَلاءُ - يُجِيزُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ عِلْمًا ضَرُورِيًّا، وَسَمْعًا لِكَلامِهِ النَّفْسِيِّ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ 3حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ5. وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَاصَّةِ مُوسَى عليه السلام، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ قَلْبٌ لِحَقِيقَةِ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ، إذْ حَقِيقَةُ السَّمْعِ فِي الشَّاهِدِ إيصَالُ4 الأَصْوَاتِ بِحَاسَّةٍ5، ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ 6بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ8 قَدِيمَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ، لِكَوْنِ7 ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلشَّاهِدِ8 فَإِنْ جَازَ قَلْبُ حَقِيقَةِ السَّمْعِ شَاهِدًا بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلامِهِ، فَلِمَ لا يَجُوزُ910مُخَالَفَتُهُ لِلشَّاهِدِ12 بِالنِّسْبَةِ إلَى اسْتِوَائِهِ وَكَلامِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ؟
فَإِنْ قَالُوا: لأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ حَرْفٍ وَصَوْتٍ إلَاّ11 مِنْ جَسَدٍ وَوُجُودٌ فِي جِهَةٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ.
1 ساقطة من ض.
2 في ش: والعجيب.
3 في ب ع ض: صوت ولا حرف.
4 في ش ز ب: أيضاً سماع. وفي ض: أيضاً.
5 في ش: بحاسته. وفي ب ع ض: بحاسيته.
6 في ب ع ض: بصوت وحرف.
7 في ش ز: لكونه.
8 في ز: لشاهد.
9 في ع ض: يجيزوا.
10 في ش ز ع ض: مخالفة الشاهد.
11 في ع ض: لا.
قُلْنَا: إنْ عَنَيْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ بِالإِضَافَةِ إلَى الشَّاهِدِ. فَسَمَاعُ كَلامٍ1 بِدُونِ تَوَسُّطِ صَوْتٍ وَحَرْفٍ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنْ عَنَيْتُمْ اسْتِحَالَتَهُ مُطْلَقًا فَلا نُسَلِّمُ، إذْ الْبَارِي جل جلاله عَلَى خِلافِ الْمُشَاهَدِ2 وَالْمَعْقُولِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ. وَقَدْ وَرَدَتْ النُّصُوصُ بِمَا قُلْنَاهُ، فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ. اهـ.
وَ3قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ4 عَنْ قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ: "لَمَّا كَانَ سَمْعُهُ بِلا انْخِرَاقٍ. وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا حَرْفٍ وَلا صَوْتٍ" هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَلا يَقْتَضِي مَا قَالَهُ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ سَمْعَهُ لَمَّا كَانَ بِلا انْخِرَاقٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُهُ بِلا لِسَانٍ وَشَفَتَيْنِ وَحَنَكٍ. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْكَلامُ مِنْ5 غَيْرِ حَرْفٍ، وَكَانَتْ الْحُرُوفُ عِبَارَةً عَنْهُ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ لِتِلْكَ الْعِبَارَةِ بِحُكْمٍ، إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَهَا فِي صَدْرٍ أَوْ لَوْحٍ، أَوْ أَنْطَقَ بِهَا بَعْضَ عَبِيدِهِ فَتَكُونَ مَنْسُوبَةً إلَيْهِ. فَيَلْزَمَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ: أَنْ يُفْصِحَ بِمَا عِنْدَهُ فِي6 السُّوَرِ وَالآيِ وَالْحُرُوفِ: أَهِيَ7 عِبَارَةُ جِبْرِيلَ أَوْ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؟
1 في ش: كلامه.
2 في ز ع ب ض: المشاهدة.
3 ساقطة من ب.
4 هو عبيد الله بن سعيد بن حاتم، أبو نصر السجستاني أو السجزي، نسبة إلى سجستان، الإمام الحافظ، كان متقناً بصيراً بالحديث والسنة، واسع الرواية، نزيل الحرم ومصر، وله كتاب "الإبانة الكبرى" في القرآن. وهو كتاب طويل يدل على إمامته وبصره بالرجال والطرق، مات بمكة سنة 444هـ.
انظر ترجمته في "العقد الثمين 5/ 307، تذكرة الحفاظ 3/ 1118، حسن المحاضرة 1/ 353، شذرات الذهب 3/ 271، طبقات الحفاظ ص 429".
5 ساقطة من ز ع ب ض.
6 في ع: من.
7 في ش: هي.
وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {إنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} 1 "وَكُنْ" حَرْفَانِ، وَلا يَخْلُو الأَمْرُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {كُنْ} التَّكْوِينَ كَالْمُعْتَزِلَةِ، أَوْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ2 ظَاهِرَهُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَرَادَ إيجَادَ3 شَيْءٍ قَالَ لَهُ:{كُنْ} عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ4. وَقَدْ قَالَ الأَشْعَرِيُّ: إنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لا بِمَعْنَى التَّكْوِينِ. فَيَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ حَرْفَانِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِهِ وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ بِحَرْفٍ صَارَ بِمَعْنَى التَّكْوِينِ كَالْمُعْتَزِلَةِ. اهـ.
وَقَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ حَجَرٍ، فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ" 5فِي بَابِ كَلامِ قَوْلِهِ:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} 4 وَالْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ عز وجل وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم6، وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ7 صلى الله عليه وسلم إلَى أُمَّتِهِ8، اهـ.
1 الآية 40 من النحل. وفي ش: الآية 83 من يس، وهو خطأ.
2 ساقطة من ض.
3 في ب ع ض: انجاز.
4 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 71.
5 في ش ز ب ض: في باب كلام الرب مع جبريل. وهذا النص غير موجود في هذا الباب "فتح الباري 13/ 357". وفي ع: في باب كلام الرب مع جبريل. في باب قوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} .
6 فتح الباري 13/ 357.
7 اللفظة غير موجودة في ز ع ب ض، ولا في فتح الباري 13/ 357.
8 فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 357. وروى البخاري أن الزهري قال: "من الله الرسالة، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم". "فتح الباري 13/ 387". وانظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَغَيْرِهِ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا: عَنْ الْقُرْآنِ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ1.
"وَالْكِتَابَةُ كَلامٌ حَقِيقَةً2" لِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ كَلامُ اللَّهِ3".
وَاخْتَلَفَ كَلامُ4 الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي تَسْمِيَةِ الْكِتَابَةِ كَلامًا حَقِيقَةً.
قَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَنَا كَلامٌ حَقِيقَةً، أَظُنُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلاقِ بِالْكِتَابَةِ5". اهـ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت قَدْ ذَكَرَ الأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صَرِيحَ الطَّلاقِ، وَنَوَى بِهِ الطَّلاقَ: يَقَعُ6 الطَّلاقُ بِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ7، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَلْ كَتَبَ صَرِيحَ الطَّلاقِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الطَّلاقِ بِهِ8، فَلِلأَصْحَابِ فِي وُقُوعِ الطَّلاقِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ:
1 قال الإمام أحمد بن حنبل في قول السلف: "منه بدأ"أي هو المتكلم به. فإن الذين قالوا: إنه مخلوق، قالوا: خلقه في غيره، فبدأ من ذلك المخلوق، فقال السلف: منه بدأ: أي هو المتكلم به لم يخلقه في غيره.
"انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 17، 35، 37، شرح الكافية 1/ 29، 205، فيض القدير 5/ 416".
2 قال الباقلاني: ويجب أن يُعلم أن كلام الله تعالى مكتوب في المصاحف على الحقيقة. "الإنصاف ص 93".
3 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 240-242.
4 ساقطة من ض.
5 المسودة ص 14. وانظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 162.
6 في ز: وقع.
7 انظر: المغني 7/ 486، المحرر في الفقه 2/ 54.
8 ساقطة من ش.
أَحَدُهُمَا: هُوَ أَيْضًا صَرِيحٌ فَيَقَعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَهَذَا هُوَ1 الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ2.
قَالَ نَاظِمُ "الْمُفْرَدَاتِ3": 4أَدْخَلَهُ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فِي الصَّرِيحِ10، وَنَصَرَهُ الْقَاضِي مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ. وَذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الأَصْحَابِ5. اهـ.
وَقَالَ فِي "الإِنْصَافِ": وَفِي "تَعْلِيقِ الْقَاضِي" مَا يَقُولُونَ فِي الْعُقُودِ وَالْحُدُودِ وَالشَّهَادَاتِ هَلْ تَثْبُتُ بِالْكِتَابَةِ؟
قِيلَ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ تَثْبُتُ، وَهِيَ عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَثْبُتَ جَمِيعُهَا؛ لأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّرِيحِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لا تَثْبُتَ6، لأَنَّهُ لا كِنَايَةَ لَهَا فَقَوِيَتْ، وَلِلطَّلاقِ وَالْعِتْقِ كِنَايَةٌ فَضَعُفَا.
1 ساقطة من ب ض.
2 في ش ز: الأصحاب في الصريح. وانظر: المغني 7/ 486، المحرر في الفقه 2/ 54.
3 هو محمد بن عبد القوي بن بدران، شمس الدين، أبو عبد الله، المرداوي، المقدسي، الحنبلي، الفقيه المحدث النحوي، سمع الحديث، وتعلم الفقه، وبرع في العربية واللغة، ودرس وأفتى وصنف. قال الذهبي:"كان حسن الديانة، دمث الأخلاق، كثير الإفادة، مطرحاً للتكلف". وله تصانيف، منها:"قصيدة في الفقه"، و"منظومة الآداب" و"نظم المفردات" وكتاب "النعمة"، و"مجمع" البحرين، و"الفروق"، وعمل طبقات للحنابلة. توفي سنة 699هـ بدمشق.
انظر ترجمته في "شذرات الذهب 5/ 425، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 342، بغية الوعاة 1/ 167، المدخل إلى مذهب أحمد ص 210".
4 في ش: أكثر الأصحاب في الصحيح أدخله. وفي ب د ع: أدخله الأصحاب في الصريح.
5 في ش: أصحابه.
6 في ش ز ع: يثبت.
قَالَ الْمَجْدُ: لا أَدْرِي أَرَادَ صِحَّتَهَا بِالْكِتَابَةِ. أَوْ بِنِيَّتِهَا1 بِالظَّاهِرِ2.
قَالَ فِي "الْفُرُوعِ": وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا،. اهـ.
وَقَالَ فِي "التَّحْرِيرِ3" - بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَةَ، كَلامٌ حَقِيقَةً - وَقِيلَ: لا كَالإِشَارَةِ، وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَصَحُّ. اهـ. "وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ4 تَعَالَى مُتَكَلِّمًا كَيْفَ شَاءَ وَإِذَا شَاءَ بِلا كَيْفٍ، يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ5 وَيَحْكُمُ6".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الرَّبَّ تَعَالَى هَلْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَمْ7 لا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَابْنُ كُلَاّبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ قَالُوا: لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، بَلْ كَلامُهُ لازِمٌ لِذَاتِهِ كَحَيَاتِهِ8، ثُمَّ مِنْ هَؤُلاءِ مَنْ عَرَفَ أَنَّ الْحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ لا تَكُونُ إلَاّ مُتَعَاقِبَةً، وَالصَّوْتُ لا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا. فَقَالَ: الْقَدِيمُ مَعْنًى وَاحِدٌ، لامْتِنَاعِ مَعَانٍ لا نِهَايَةَ لَهَا9، وَامْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ بِعَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ. فَقَالُوا: هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ
1 في ز: نيتها.
2 في ش ع ض: بالإيجاب.
3 في هامش ع: شرح التحرير.
4 لفظة الجلالة غير موجودة في ب.
5 في ب ع ض: يشاء.
6 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 126.
7 في ض: أو.
8 انظر مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 27.
9 نقل السبكي عن ابن كلاب والقلانسي أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والنهي في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقدم الكلام النفسي. وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300. وانظر فتاوى ابن تيمية 12/ 49، 51، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 148، الإنصاف للباقلاني ص 99".
تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ بِالْكَلامِ الْعَرَبِيِّ وَالْعِبْرِيِّ، وَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ1كُتُبِ اللَّهِ1 تَعَالَى مَعْنًى وَاحِدٌ، وَقَالُوا2: مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الدِّينِ مَعْنًى وَاحِدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِيْ3 يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلاءِ إنَّهَا مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ4.
وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ، وَالتَّوْرَاةِ الْعِبْرِيَّةِ، وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى بِصَوْتٍ5، وَيُنَادِي6 عِبَادَهُ بِصَوْتٍ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ سبحانه وتعالى حُرُوفَهُ وَمَعَانِيهِ، لَكِنْ اعْتَقَدُوا - مَعَ ذَلِكَ - أَنَّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ7. وَأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. فَالْتَزَمُوا أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةُ الأَعْيَانِ لَمْ تَزَلْ وَلا تَزَالُ8، وَقَالُوا: إنَّ الْبَاءَ لَمْ تَسْبِقْ السِّينَ، وَأَنَّ السِّينَ لَمْ تَسْبِقْ الْمِيمَ، وَأَنَّ جَمِيعَ الْحُرُوفِ مُقْتَرِنَةٌ بِبَعْضِهَا اقْتِرَانًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا، لَمْ يَزَلْ وَلا يَزَالُ9، وَقَالُوا: هِيَ مُتَرَتِّبَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَمَاهِيَّتِهَا، غَيْرُ مُتَرَتِّبَةٍ فِي وُجُودِهَا10.
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إنَّهَا مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي يَقُولُ جُمْهُورُ الْعُقَلاءِ: إنَّهَا مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ.
1 في ب ع: كتب كلام الله. وفي ش ز: كلامه.
2 في ش ز ع ب: و. وفي ض: وقالوا: إن.
3 في ز: الذي.
4 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 20، 148. فتاوى ابن تيمية 12/ 49.
5 في ز: بصوته.
6 في ش ز: ونادى.
7 قال الرازي: "صفة الكلام قديمة". "الأربعين في أصول الدين ص 179".
8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 21، 44، 156، فتاوى ابن تيمية 12/ 150، 158، تفسير القرطبي 1/ 55، الإنصاف للباقلاني ص 111 وما بعدها.
9 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 156.
10 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 151، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 28.
وَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يَقُولُ: هُوَ قَدِيمٌ، وَلا يَفْهَمُ مَعْنَى الْقَدِيمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَتَكَلَّمُ 1بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ1، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّظَرِ وَأَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ2، لَكِنْ مِنْ هَؤُلاءِ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الأَزَلِ بِمَشِيئَتِهِ3. كَمَا4 لَمْ يَكُنْ5 يُمْكِنُهُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَفْعَلَ فِي الأَزَلِ شَيْئًا، فَالْتَزَمُوا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَشِيئَتِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا، كَمَا أَنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلاً، وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلامِ وَالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ6.
وَأَمَّا السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ فَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ قَدِيمَ النَّوْعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ. فَإِنَّ الْكَلامَ صِفَةُ كَمَالٍ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ أَكْمَلُ مِمَّنْ لا7 يَتَكَلَّمُ، وَمَنْ يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ يَكُونُ الْكَلامُ مُمْكِنًا لَهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَنِعًا مِنْهُ، أَوْ قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ. فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا؟ لامْتِنَاعِ أَنْ يَصِيرَ الرَّبُّ قَادِرًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنْ يَكُونَ التَّكَلُّمُ وَالْفِعْلُ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ؟ 8 اهـ.
وَقَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ" فِي الأَمْرِ: الأَمْرُ9 قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ
1 في ب ع ض: بمشيئته وقدرته.
2 انظر: الجواب الصحيح 2/ 143، السنة ص 15، فتاوى ابن تيمية 12/ 149.
3 في ع: بمشيئة.
4 في ب: وكما.
5 ساقطة من ز ع ب ض.
6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 29-30، 68، توضيح المقاصد 1/ 262.
7 في ع: لم.
8 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 44، 137، توضيح المقاصد 1/ 262.
9 ساقطة من ش.
الْكَلامِ، وَالْكَلامُ الأَلْفَاظُ الْمُتَضَمِّنَةُ1 لِمَعَانِيهَا. وَالإِنْسَانُ قَبْلَ تَلَفُّظِهِ يَقُومُ بِقَلْبِهِ طَلَبٌ فَيَفْزَعُ إلَى اللَّفْظِ، كَمَا إذَا قَالَ:"اسْقِنِي مَاءً"، كَأَنَّهُ يَجِدُ طَلَبًا قَائِمًا بِقَلْبِهِ. فَيَقْصِدُ اللَّفْظَ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَقِيقَةِ ذَلِكَ الطَّلَبِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْعِلْمِ. وَقَالَتْ أُخْرَى2: إرَادَةُ الْفِعْلِ3. وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: هُوَ كَلامُ النَّفْسِ، وَهُوَ مُغَايِرٌ لِلْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ4. وَأَنْكَرَتْ5 الْجَمَاهِيرُ وَالْمُعْتَزِلَةُ قِيَامَ مَعْنًى بِالنَّفْسِ غَيْرَ الْعِلْمِ وَالإِرَادَةِ2. وَقَالُوا: الْقَائِمُ بِالْقَلْبِ هُوَ صُورَةُ مَا تُرِيدُ النُّطْقَ بِهِ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ6: الَّذِي يَجِدُهُ الإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: هُوَ اسْتِحْضَارُ صُوَرِ الْكَلامِ وَالْعِلْمُ بِمَا7 يَقُولُهُ8 شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْعَزْمُ عَلَى إيرَادِهِ
1 في ز ش ب ع: المنتظمة.
2 في ض: الأخرى.
3 انظر رد الإمام فخر الدين الرازي على كون الطلب هو الإرادة، وأنه يرى أن الطلب مغاير للإرادة، ولا يجوز أن يكون عبارة عن الإرادة. "الأربعين في أصول الدين ص 174".
4 ساقطة من ض.
5 في ش: وأنكر.
6 هو محمد بن علي بن الطيب، أبو الحسين البصري المعتزلي، أحد أئمة المعتزلة. كان مشهوراً في علمي الأصول والكلام، وكان قوي الحجة والمعارضة في المجادلة والدفاع عن آراء المعتزلة. قال ابن خلكان:"كان جيد الكلام، مليح العبارة، غزير المادة، إمام وقته". وله تصانيف، منها:"المعتمد" في أصول الفقه، و "تصفح الأدلة"، و"غرر الأدلة"، و"شرح الأصول الخمسة"، و"نقض الشافي" في الإمامة، و"نقض المقنع". توفي سنة 436هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 3/ 401، شذرات الذهب 3/ 259، الفتح المبين / 237، فرق وطبقات المعتزلة ص 125".
7 في ز ش: بها.
8 في ض: يقوم له.
بِاللِّسَانِ، كَمَا يَسْتَحْضِرُ صُورَةَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ أَنْ يَكْتُبَ، وَلا مُقْتَضَى لإِثْبَاتِ أَمْرٍ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ لَمْ يَكُنْ كَلامًا فِي اللُّغَةِ، وَلا يُسَمَّى الإِنْسَانُ لأَجْلِهِ مُتَكَلِّمًا وَلِذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ اللُّغَةِ لِلسَّاكِتِ: إنَّهُ غَيْرُ مُتَكَلِّمٍ، وَإِنْ جَازَ أَنْ1 يَقُومَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. لا يَقُولُونَ لِلسَّاكِتِ: إنَّهُ غَيْرُ مُرِيدٍ، وَلا عَالِمٍ.
قَالَ: وَقَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ: فِي "نَفْسِي كَلامٌ مَجَازٌ". وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ عَزْمٌ عَلَى الْكَلامِ، كَقَوْلِهِمْ: فِي نَفْسِي السَّفَرُ. قَالَ: وَلَوْ ثَبَتَ فِي النَّفْسِ مَعْنًى هُوَ الْكَلامُ عَنْ الاعْتِقَادَاتِ وَالْعَزْمِ، لَكَانَ مُحْدَثًا؛ لأَنَّ الَّذِي يُشِيرُونَ إلَيْهِ مُرَتَّبٌ يَتَجَدَّدُ فِي النَّفْسِ بَعْضُهُ بَعْدَ بَعْضٍ، وَمُرَتَّبٌ حَسَبَ تَرْتِيبِ2 الْكَلامِ الْمَسْمُوعِ. فَإِنْ كَانَ3 كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعْنَى مَا4 فِي النَّفْسِ مِنْ الْكَلامِ فِي الشَّاهِدِ: اسْتَحَالَ قِدَمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ، بَطَلَ قَوْلُهُمْ: إنَّ مَا أَثْبَتْنَاهُ مَعْقُولٌ فِي الشَّاهِدِ.
وَقَالَتْ الأَشَاعِرَةُ: ذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ هُوَ الْكَلامُ. وَالْحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ دَلالاتٌ5 عَلَيْهِ وَمُعَرِّفَاتٌ، وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ. هِيَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالاسْتِخْبَارُ6، وَأَنَّهَا صِفَاتٌ لَهُ7، لا أَنْوَاعٌ. فَإِنْ8 عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ
1 في ش ز ب: أنه.
2 ساقطة من ش. وفي د ض: ترتب.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ع.
5 في ش: دلات.
6 يقول الباقلاني: ويجب أن يعلم أن الكلام الحقيقي هو المعنى الموجود في النفس، لكن جعل عليه أمارات تدل عليه. "الإنصاف ص 106، 109".
7 ساقطة من ض.
8 في ز ع ب ض: إن.
كَانَ عَرَبِيًّا، أَوْ السُّرْيَانِيَّةِ كَانَ سُرْيَانِيًّا. وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ، وَأَنَّهُ لا يَتَبَعَّضُ وَلا يَتَجَزَّأُ1. ثُمَّ اخْتَلَفُوا.
فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: الْكَلامُ الْمُطْلَقُ حَقِيقَةً: هُوَ مَا فِي النَّفْسِ، شَاهِدًا أَوْ غَائِبًا، وَإِطْلاقُ الْكَلامِ عَلَى الْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ مَجَازٌ.
وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ: يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِ مَجَازٌ فِي النَّفْسِيِّ.
وَلَيْسَ الْخِلافُ جَارِيًا فِي نَفْسِ الْكَلامِ، بَلْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالتَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ عَوَارِضِ الْكَلامِ.
قَالَ الرَّازِيّ فِي "الأَرْبَعِينَ": "مَاهِيَّةُ ذَلِكَ الطَّلَبِ مُغَايِرَةٌ لِذَلِكَ اللَّفْظِ2، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ. أَحَدُهَا: أَنَّ مَاهِيَّةَ هَذَا الْمَعْنَى لا تَتَبَدَّلُ بِاخْتِلافِ الأَمْكِنَةِ وَالأَزْمِنَةِ، وَالأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى تَخْتَلِفُ بِاخْتِلافِ3 الأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ4".
1 يقول الآمدي: "إن الكلام قضية واحدة، ومعلوم واحد، قائم بالنفس، وإن اختلاف العبارات والتعبيرات عنه إنما بسبب اختلاف المتعلقات والنسب والإضافات مما يقع به التضاد أو الاختلاف أو التعدد". "غاية المرام ص 115". وانظر: نفس المرجع ص 113، 115 وما بعدها، الإنصاف للباقلاني ص 106.
2 قال الرازي تحت عنوان في حقيقة الكلام: "اعلم أن الإنسان إذا أراد أن يقول: اسقني الماء، فإنه قبل أن يتلفظ بهذا اللفظ يجد في نفسه طلباً واقتضاءً لذلك الفعل، وماهية ذلك الطلب.... "الأربعين في أصول الدين ص 174".
3 في ش: باخلاف.
4 كتاب الأربعين ص 174.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إنْ أَرَدْت اخْتِلافَ أَجْنَاسِهَا، فَهَذَا مُسَلَّمٌ وَلا يَنْفَعُك1، وَإِنْ أَرَدْت اخْتِلافَ قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا فَمَمْنُوعٌ، لأَنَّا لا نُسَلِّمُ أَنَّ الطَّلَبَ الْحَاصِلَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ الْفَصِيحِ مَعَ الصَّوْتِ الْجَهْوَرِيِّ مُمَاثِلٌ لِلطَّلَبِ بِاللَّفْظِ الأَعْجَمِيِّ2 مَعَ الصَّوْتِ الضَّعِيفِ. وَهَذَا لأَنَّ الْقَائِمَ بِالنَّفْسِ قَدْ يَتَفَاوَتُ، فَيَكُونُ طَلَبٌ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَأَكْمَلُ.
الثَّانِي 3: هَبْ أَنَّ الْمَدْلُولَ مُتَّحِدٌ وَالدَّالَّ مُخْتَلِفٌ. لَكِنْ لِمَ لا يَجُوزُ وُجُودُ الْمَدْلُولِ مَشْرُوطًا بِالدَّلِيلِ؟ فَهُوَ وَإِنْ غَايَرَهُ لَكِنْ لا يُوجَدُ إلَاّ بِوُجُودِهِ. أَلا تَرَى أَنَّ كَوْنَ الإِنْسَانِ مُخْبِرًا لِغَيْرِهِ لا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَدُلُّ عَلَى مَا فِي بَاطِنِهِ مِنْ الْمَعْنَى. وَذَلِكَ الأَمْرُ الظَّاهِرُ وَإِنْ اخْتَلَفَ، لَكِنْ لا يَكُونُ مُخْبَرًا إلَاّ بِهِ. وَإِذَا لاحَ لَك ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ كَوْنِ الْمَعْنَى مُغَايِرًا كَافِيًا 4فِي مَطْلُوبِهِ6.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى قَائِمٌ بِالرُّوحِ، وَاللَّفْظُ قَائِمٌ بِالْبَدَنِ، ثُمَّ إنَّ وُجُودَ الرُّوحِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لا يُمْكِنُ إلَاّ مَعَ الْبَدَنِ. وَأَيْضًا فَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَلازِمَيْنِ دَلِيلاً عَلَى الآخَرِ لا يَقْتَضِي ذَلِكَ وُجُودَ الْمَدْلُولِ بِدُونِ الدَّلِيلِ، كَالأُمُورِ الْمُتَضَايِفَةِ، كَالأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. قَالَ الرَّازِيّ:
"الْوَجْهُ الثَّانِي": أَنَّ جَمِيعَ الْعُقَلاءِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ:
1 في هامش ز: ينفك.
2 في ع ض: العجمي.
3 في ع: والثاني.
4 في ع: لمطلوبه.
"افْعَلْ"، دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ 1الطَّلَبِ بِالْقَلْبِ. وَالدَّلِيلُ7 مُغَايِرٌ لِلْمَدْلُولِ2.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَبْ أَنَّ الأَمْرَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّهُ يُوجَدُ الْمَدْلُولُ بِدُونِ3 دَلِيلِهِ.
قَالَ الرَّازِيّ:
"الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ جَمِيعَ الْعُقَلاءِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ: أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: "افْعَلْ"، لا يَكُونُ طَلَبًا وَأَمْرًا إلَاّ عِنْدَ اصْطِلاحِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ4. فَأَمَّا5 كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ طَلَبًا فَإِنَّهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ حَقِيقِيٌّ، لا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْوَضْعِ وَالاصْطِلاحِ6".
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ: مَا ذَكَرْت مَمْنُوعٌ. فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَجْعَلُونَ اللُّغَاتِ اصْطِلاحِيَّةً، بَلْ إمَّا تَوْقِيفِيَّةٌ بِإِلْهَامٍ أَوْ بِغَيْرِ7 إلْهَامٍ. وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ. وَلَوْ سُلِّمَ، فَلِمَ قُلْت بِإِمْكَانِ وُجُودِهِ بِدُونِ اللَّفْظِ؟
قَالَ الرَّازِيّ:
"الْوَجْهُ الرَّابِعُ": هُوَ8 أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ قَوْلَنَا: "ضَرَبَ، وَيَضْرِبُ9".
1 في الأربعين ص 174: الطلب القائم بالقلب، ولا شك أن الدليل.
2 كتاب الأربعين في أصول الدين ص 174.
3 في ب ض: دون.
4 في "الأربعين": الموضوع.
5 في "الأربعين": وأما.
6 كتاب الأربعين ص 174.
7 في ش ز: غير.
8 في "الأربعين": وهو.
9 في ش: ويضرب.
إخْبَارٌ، وَقَوْلَنَا:"اضْرِبْ وَلا تَضْرِبْ"، أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَلَوْ أَنَّ الْوَاضِعِينَ قَلَبُوا الأَمْرَ وَقَالُوا بِالْعَكْسِ لَكَانَ جَائِزًا1. أَمَّا لَوْ قَالُوا: إنَّ2 حَقِيقَةَ الطَّلَبِ يُمْكِنُ أَنْ تُقْلَبَ3 خَبَرًا أَوْ حَقِيقَةَ الْخَبَرِ يُمْكِنُ أَنْ تُقْلَبَ4 طَلَبًا، لَكَانَ ذَلِكَ مُحَالاً5".
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: قِيلَ: لَوْ سُلِّمَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ لا يَكُونَ وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَشْرُوطًا بِالآخَرِ. وَأَيْضًا أَنْتُمْ ادَّعَيْتُمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ وَحَقِيقَةَ الْخَبَرِ شَيْءٌ وَاحِدٌ، بَلْ ادَّعَى الرَّازِيّ أَنَّ حَقِيقَةَ الطَّلَبِ دَاخِلَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْخَبَرِ. فَقَالَ فِي كَوْنِ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى وَاحِدًا6، أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَخَبَرٌ: إنَّهُ يَرْجِعُ إلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْكَلامُ كُلُّهُ خَبَرٌ؛ 7لأَنَّ الأَمْرَ13 عِبَارَةٌ عَنْ تَعْرِيفِ فِعْلِهِ أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لَصَارَ مُسْتَحِقًّا لِلذَّمِّ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي النَّهْيِ وَإِذَا كَانَ مَرْجِعُ الْكُلِّ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ - وَهُوَ الْخَبَرُ - صَحَّ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ وَاحِدٌ8.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: احْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} 9 فَلَمْ
1 في "الأربعين": ذلك جائزاً ممكناً. وفي ض: جائز.
2 ساقطة من كتاب "الأربعين".
3 في "الأربعين": تنقلب.
4 في الأربعين: تنقلب.
5 كتاب الأربعين ص 174.
6 في ض: واحد.
7 في ش: لا الأمر. وفي ز: لا للأمر.
8 كتاب الأربعين ص 180.
9 الآيتان 10-11 من مريم.
يُسَمِّ الإِشَارَةَ كَلامًا، وَقَالَ لِمَرْيَمَ:{فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} 1.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَفَا لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأ وَالنِّسْيَانِ وَمَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ"2.
وَقَسَّمَ أَهْلُ اللِّسَانِ الْكَلامَ إلَى اسْمٍ وَفِعْلٍ وَحَرْفٍ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً عَلَى أَنَّهُ3 مَنْ حَلَفَ لا يَتَكَلَّمُ لَمْ4 يَحْنَثْ بِدُونِ النُّطْقِ، وَإِنْ حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: الأَيْمَانُ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ.
قِيلَ: الأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ. وَأَهْلُ الْعُرْفِ يُسَمُّونَ النَّاطِقَ مُتَكَلِّمًا وَمَنْ عَدَاهُ سَاكِتًا أَوْ5 أَخْرَسَ.
1 الآية 26 من مريم.
2 جمع المصنف رحمه الله بين حديثين؛ الأول: رواه ابن ماجه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". وفي زوائد ابن ماجه: إسناده ضعيف، لاتفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي في سنده. وصححه ابن حبان، واستنكره أبو حاتم. ولابن عدي من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع الله عن هذه الأمة ثلاثاً: الخطأ والنسيان والأمر يكرهون عليه"، وضعفه. وسبق تخريجه في المجلد الأول ص 436 هـ، 512. والثاني: رواه البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به". وهذا لفظ مسلم. ولعل سبب الخلط بين الحديثين هو الحديث الثالث الذي رواه ابن ماجه: " إن الله تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورها ما لم تتكلم به، وما استكرهوا عليه".
انظر: سنن ابن ماجه 1/ 659، تخريج أحاديث البزدوي ص 89، صحيح البخاري 4/ 153، صحيح مسلم 1/ 116.
3 في ع ض: أن.
4 في ز ع ض: لا.
5 في ز: و.
فَإِنْ1 قَالُوا: قَوْله تَعَالَى: {إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 2 أَكْذَبَهُمُ3 اللَّهُ تَعَالَى فِي شَهَادَتِهِمْ. وَمَعْلُومٌ صِدْقُهُمْ فِي النُّطْقِ اللِّسَانِيِّ. فَلا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ كَلامٍ فِي النَّفْسِ لِيَكُونَ الْكَلامُ عَائِدًا إلَيْهِ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ} 4 وقَوْله تَعَالَى: {اسْتَكْبَرُوا فِيْ أَنْفُسِهِمْ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} 7.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ:
أَمَّا الأَوَّلُ: فَلأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ8 الإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ مَعَ اعْتِقَادِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِينَ ذَلِكَ أَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعَنْ الثَّانِي وَجْهَانِ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ قَوْلُهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ خَفِيَّةٍ، وَلِهَذَا فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ قَوْلٌ مُفِيدٌ، فَهُوَ مَجَازٌ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ الإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ.
1 ساقطة من ز.
2 الآية الأولى من المنافقون.
3 في ض: كذبهم.
4 الآية 8 من المجادلة.
5 الآية 21 من الفرقان.
6 الآية 13 من الملك.
7 الآية 16 من ق.
8 ساقطة من ز ع ب ض.
وَعَنْ الثَّالِثِ: أَنَّ1 الاسْتِكْبَارَ رُؤْيَةُ النَّفْسِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ.
قَالُوا: قَوْلُ عُمَرَ: "زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي كَلامًا".
قُلْنَا: "زَوَّرَ" صَوَّرَ مَا يُرِيدُ النُّطْقَ2 بِهِ، أَوْ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: زَوَّرْتُ فِي نَفْسِي بِنَاءً أَوْ سَفَرًا3.
قَالُوا: قَوْلُ الأَخْطَلِ:
إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ4 وَإِنَّمَا
…
جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلاً12
قُلْنَا: الْبَيْتُ مَوْضُوعٌ عَلَى الأَخْطَلِ. فَلَيْسَ هُوَ فِي نُسَخِ دِيوَانِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لابْنِ ضَمْضَمٍ5. وَلَفْظُهُ: إنَّ الْبَيَانَ6. وَسَيَأْتِي:
وَقَالَ الآمِدِيُّ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَعَلْتُمْ الْحَقَائِقَ - الَّتِي هِيَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالاسْتِخْبَارُ - شَيْئًا وَاحِدًا، لَزِمَكُمْ أَنْ تَرُدُّوا الصِّفَاتِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ.
1 ساقطة من ز ش.
2 في ز: والنطق.
3 قال ابن تيمية: "وقول عمر": "زوّرت في نفسي مقالة أردت أن أقولها"، حجة عليهم. قال أبو عبيد: التزوير إصلاح الكلام وتهيئته. قال: وقال أبو زيد: المزوَّرُ من الكلام والمزوق واحد، وهو المصلح الحسن. وقال غيره: زورت في نفسي مقالة، أي: هيأتها لأقولها. فلفظها يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أن يقوله، ولم يقله. "الإيمان ص 113".
4 في ز ع ب ض: إلخ.
5 هو سعيد بن ضمضم الكلابي، أبو عثمان، وفد على الحسن بن سهل وزير الخليفة المأمون. وله فيه أشعار جياد، وكان فصيحاً، وأخذ الناس عنه اللغة.
"انظر: إنباه الرواة 4/ 187، الفهرست لابن النديم ص 69". وفي ش ز ع ب ض: ضمضام.
6 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116.
قُلْنَا: هُوَ سُؤَالٌ وَارِدٌ. وَلَعَلَّ عِنْدَ غَيْرِنَا حَلَّهُ1.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ السِّجْزِيُّ: قَوْلُهُمْ: لا تَتَبَعَّضُ2 يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم سَمِعَ بَعْضَ كَلامَ اللَّهِ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: سَمِعَ الْكُلَّ. وَقَالَ ابْنُ دِرْبَاسٍ الشَّافِعِيُّ3: وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} 4 مَعَ التَّصْرِيحِ بِاخْتِصَاصِ مُوسَى بِالْكَلامِ. اهـ كَلامُ ابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: فِي فُتْيَا لَهُ تُسَمَّى "بِالأَزْهَرِيَّةِ". وَمَنْ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَعَ فِي مَحْذُورَاتٍ. أَحَدُهَا: قَوْلُهُمْ: "إنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ5 كَلامُ اللَّهِ" فَإِنَّ نَفْيَ هَذَا الإِطْلاقِ6 خِلافُ مَا عُلِمَ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الإِسْلامِ، وَخِلافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ.
1 انظر: غاية المرام ص 118.
2 في ز: لا تبعيض. وفي ب ع ض: لا يتبعض.
3 هو عثمان بن عيسى بن درباس، ضياء الدين، أبو عمرو القاضي، الكردي، كان من أعلم الشافعية في زمانه في الفقه والأصول. وناب في الحكم عن أخيه قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بالديار المصرية، له مصنفات كثيرة، منها:"الاستقصاء لمذاهب الفقهاء في شرح "المهذب"، وهو شرح وافٍ لم يسبق إلى مثله في عشرين مجلداً، ولم يكمله. وله "شرح اللمع" للشيرازي في أصول الفقه في مجلدين. مات بمصر سنة 602هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 338، وفيات الأعيان 2/ 406، شذرات الذهب 5/ 7، حسن المحاضرة 1/ 408".
4 الآية 79 من الأنبياء.
5 ساقطة من ب ع. وفي ز: هو ليس.
6 في ض: اطلاق.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُمْ: "عِبَارَةٌ" إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ، لَزِمَ 1أَنْ يَكُونَ1 كُلُّ تَالٍ مُعَبِّرًا عَمَّا فِي نَفْسِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُعَبِّرُ عَنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُنْشِئُ لِلْعِبَارَةِ فَيَكُونُ كُلُّ قَارِئٍ هُوَ الْمُنْشِئُ لِعِبَارَةِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ. وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ عِبَارَةٌ عَنْ مَعَانِيهِ، فَهَذَا حَقٌّ؛ إذْ كُلُّ كَلامٍ فَلَفْظُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْنَاهُ، لَكِنَّ هَذَا لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ مُتَنَاوِلاً لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلامَ قَدْ قِيلَ "إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي الْمَعْنَى. وَقِيلَ: "حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَى مَجَازٌ فِي اللَّفْظِ"، وَقِيلَ: "بَلْ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا". وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَجْمُوعِهِمَا2، كَمَا أَنَّ الإِنْسَانَ قِيلَ: "هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْبَدَنِ فَقَطْ". وَقِيلَ: "بَلْ فِي الرُّوحِ فَقَطْ". وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ3. فَالنِّزَاعُ فِي النَّاطِقِ كَالنِّزَاعِ فِي مَنْطِقِهِ4. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ. فَالْمُتَكَلِّمُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلامٍ لَهُ لَفْظٌ وَمَعْنًى، وَبُلِّغَ عَنْهُ بِلَفْظِهِ وَ5مَعْنَاهُ. فَإِذَا قِيلَ: "مَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُ مِنْ اللَّفْظِ": إنَّ6 هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقُرْآنِ، وَأَرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ نَفَى عَنْهُ اللَّفْظَ الَّذِي لِلْمُبَلَّغِ عَنْهُ. وَالْمَعْنَى الَّذِي قَامَ بِالْمُبَلِّغِ. فَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ إلَاّ الْقُرْآنَ الْمَسْمُوعَ، الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى
1 ساقطة من ز.
2 انظر: كشف الأسرار 1/ 24.
3 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية 3/ 55.
4 يوضح ذلك ابن تيمية فيقول: فتنازعهم في مسمى النطق كتنازعهم في مسمى الناطق، فمن سمى شخصاً محمداً وإبراهيم، وقال: جاء محمد، وجاء إبراهيم، لم يكن هذا محمداً وإبراهيم المذكورين في القرآن. "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 56".
5 في ع: أو.
6 ساقطة من ش.
الْقَائِمِ بِالذَّاتِ. قِيلَ لَهُ: فَهَذَا الْكَلامُ الْمَنْظُومُ الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ هُوَ1 مَوْجُودٌ قَطْعًا وَثَابِتٌ، فَهَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْمُعَبَّرُ عَنْهُ غَيْرُهُ2 أَوْ غَيْرُهُمَا؟
فَإِنْ جَعَلْته غَيْرَهُمَا: بَطَلَ اقْتِصَارُك عَلَى3 الْعِبَارَةِ وَالْمُعَبَّرِ عَنْهُ، وَإِنْ جَعَلْته أَحَدَهُمَا: لَزِمَك إنْ لَمْ تُثْبِتْ إلَاّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ، وَالْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالذَّاتِ أَنْ تَجْعَلَهُ نَفْسَ مَا سُمِعَ4 مِنْ الْقُرَّاءِ، فَتَجْعَلَ5 عَيْنَ مَا بَلَّغَهُ الْمُبَلِّغُونَ هُوَ عَيْنُ مَا سَمِعُوهُ. وَهَذَا الَّذِي فَرَرْتَ6 مِنْهُ.
وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُ: الْقَارِئُ الْمُبَلِّغُ إذَا قَرَأَ، فَلا بُدَّ لَهُ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ لَفْظٍ وَمَعْنًى، وَإِلَاّ كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي قَامَ بِهِ عِبَارَةً عَنْ الْقُرْآنِ. فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي قَامَ بِهِ، لا عَنْ مَعْنًى قَامَ بِغَيْرِهِ.
فَقَوْلُهُمْ: "هَذَا هُوَ الْعِبَارَةُ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ" أَخْطَئُوا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَخْطَئُوا فِي بَيَانِ مَذْهَبِهِمْ. فَإِنَّ حَقِيقَةَ قَوْلِهِمْ: إنَّ اللَّفْظَ الْمَسْمُوعَ مِنْ الْقَارِئِ حِكَايَةُ اللَّفْظِ الَّذِي عُبِّرَ بِهِ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَلَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ: حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى. ثُمَّ إذَا عُرِفَ مَذْهَبُهُمْ بَقِيَ خَطَؤُهُمْ فِي أُصُولٍ:
1 في ع: هل. وفي ض: هل هو.
2 ساقطة من ب.
3 في ع: عن.
4 في ب ع ض: يسمع.
5 في ش ب ع ض: فيجعل.
6 في ش: فرت.
مِنْهَا: زَعْمُهُمْ أَنَّ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ مَعْنًى وَاحِدٌ، هُوَ1 الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ، وَأَنَّ مَعْنَى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ مَعْنًى وَاحِدٌ، وَمَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ مَعْنَى آيَةِ الدَّيْنِ. وَفَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ2.
وَمِنْهَا: زَعْمُهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ 3اللَّهُ بِهِ3.
وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ بِمَا يَطُولُ هُنَا ذِكْرُهُ.
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الإِسْلامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَاّبٍ وَجَعَلَ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ حِكَايَةً عَنْ ذَلِكَ" الْمَعْنَى4. فَلَمَّا جَاءَ الأَشْعَرِيُّ وَاتَّبَعَ ابْنَ كُلَاّب فِي أَكْثَرِ مَقَالَتِهِ نَاقَشَهُ عَلَى قَوْلِهِ: "إنَّ هَذَا حِكَايَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: الْحِكَايَةُ تُمَاثِلُ الْمَحْكِيَّ. فَهَذَا اللَّفْظُ5 يَصِحُّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ، لأَنَّ ذَلِكَ الْمَخْلُوقَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ عِنْدَهُمْ. وَحِكَايَةُ مِثْلِهِ.
وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ ابْنِ كُلَاّب فَلا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً، بَلْ نَقُولُ: إنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى.
فَأَوَّلُ مَنْ قَالَ بِالْعِبَارَةِ الأَشْعَرِيُّ.
وَكَانَ الْبَاقِلَاّنِيُّ6 - فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ- إذَا دَرَسَ مَسْأَلَةَ الْقُرْآنِ يَقُولُ: هَذَا
1 في ع: وهو.
2 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 20.
3 في ب: به الله تعالى.
4 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 112.
5 في ب: إلا للفظ.
6 في ب ع ض: ابن الباقلاني.
قَوْلُ الأَشْعَرِيِّ. وَلَمْ يُبَيِّنْ1 صِحَّتَهُ - أَوْ كَلامًا هَذَا مَعْنَاهُ2.
وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإسْفَرايِينِيّ3 يَقُولُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسَائِرِ الأَئِمَّةِ فِي الْقُرْآنِ خِلافُ قَوْلِ الأَشْعَرِيِّ. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ4. وَكَذَلِكَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ5، ذَكَرَ أَنَّ الأَشْعَرِيَّ خَالَفَ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلامِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ6 وَأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ.
1 في ب: يتبين. وفي ش ض: تتبين.
2 يقول الباقلاني: "اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق
…
ولا يجوز أن يقال: كلام الله عبارة ولا حكاية، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق". "الإنصاف ص 71، 106، 110".
3 هو أحمد بن محمد بن أحمد، الشيخ أبو حامد الإسفراييني، الفقيه الشافعي، انتهت إليه رياسة الدين والدنيا ببغداد، وكان كثير التلاميذ والأصحاب، قوي الحجة والبرهان والمناظرة، وكان زعيم طريقة العراق في الفقه الشافعي في القرن الرابع الهجري. وكان له مكانة رفيعة. شرح مختصر المزني في "تعليقته" في نحو خمسين مجلداً، وذكر فيها خلاف العلماء وأقوالهم، ومآخذهم ومناظراتهم. وله كتاب في "أصول الفقه". توفي سنة 406هـ ببغداد.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية" الكبرى للسبكي 4/ 61، وفيات الأعيان 1/ 55، طبقات الفقهاء ص 123، شذرات الذهب 3/ 178، الفتح المبين 1/ 224، البداية والنهاية 12/ 2، تهذيب الأسماء 2/ 208، تاريخ بغداد 4/ 368".
4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 160-161، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.
5 هو عبد الله بن يوسف بن عبد الله، أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين، يلقب بركن الدين. قال ابن العماد:"كان إماماً في التفسير وفي الفقه والأدب، مجتهداً في العبارة، ورعاً مهيباً، صاحب جد ووقار". وكان زاهداً متقشفاً عابداً، عالماً بالفقه، والأصول، والنحو، والتفسير، والأدب، درس وأفتى بنيسابور. ومن تصانيفه:"الفروق"، و"السلسلة"، و"التبصرة"، و"التذكرة"، "ومختصر المختصر"، و"شرح الرسالة"، و"التفسير"، و"المحيط". توفي بنيسابور سنة 438.
انظر في ترجمته: "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 73، وفيات الأعيان 2/ 250، شذرات الذهب 3/ 261، طبقات المفسرين 1/ 253، البداية والنهاية 12/ 55، تبيين كذب المفتري ص 257".
6 ساقطة من ض.
وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَئِمَّةِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا يَذْكُرُونَ قَوْلَهُمْ فِي حَدِّ الْكَلامِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَجْعَلُونَ الْخِلافَ فِي ذَلِكَ مَعَ الأَشْعَرِيِّ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ الَّتِي صَنَّفَهَا أَئِمَّةُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْكُلَاّبِيَّةِ: إنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ حِكَايَةُ ذَلِكَ، وَظَنُّوا أَنَّ الْمُبَلِّغَ حَاكٍ لِذَلِكَ الْكَلامِ. وَلَفْظُ الْحِكَايَةِ قَدْ يُرَادُ بِهِ مُحَاكَاةُ النَّاسِ فِيمَا يَقُولُونَهُ وَيَفْعَلُونَهُ اقْتِدَاءً بِهِمْ وَمُوَافَقَةً لَهُمْ، فَمَنْ قَالَ: إنَّ1 الْقُرْآنَ حِكَايَةُ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْمَعْنَى، فَقَدْ غَلِطَ وَضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا. فَإِنَّ الْقُرْآنَ لا يَقْدِرُ النَّاسُ عَلَى2 أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَلا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَحْكِيهِ.
وَقَدْ يُرَادُ بِلَفْظِ الْحِكَايَةِ النَّقْلُ وَالتَّبْلِيغُ. كَمَا يُقَالُ: فُلانٌ حَكَى عَنْ فُلانٍ أَنَّهُ قَالَ كَذَا، كَمَا يُقَالُ عَنْهُ نَقَلَ عَنْهُ فَهُنَا بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ لِلْمَعْنَى. وَقَدْ يُقَالُ: حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا، لِمَا قَالَهُ بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَالْحِكَايَةُ3 هُنَا بِمَعْنَى التَّبْلِيغِ لِلَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: حَكَيْت كَلامَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُمَاثَلَةِ لَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ: حَكَيْت عَنْهُ كَلامَهُ، وَبَلَّغْت عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَبْلِيغٍ عَنْهُ.
وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الآخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ بَلَّغَ عَنْهُ مَا قَالَهُ. فَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الأَوَّلُ، جَازَ أَنْ يُقَالَ: هَذَا حِكَايَةُ كَلامِ فُلانٍ، وَ4هَذَا مِثْلُ كَلامِ فُلانٍ، وَلَيْسَ
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ب.
3 في ب: من الحكاية.
4 ساقطة من ز.
هُوَ مُبَلِّغًا عَنْهُ كَلامَهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ1 الْمَعْنَى الثَّانِي - وَهُوَ مَا إذَا حَكَى الإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ مَا يَقُولُهُ وَبَلَّغَهُ عَنْهُ - فَهُنَا يُقَالُ: هَذَا كَلامُ فُلانٍ، وَلا يُقَالُ: هَذَا حِكَايَةُ كَلامِ فُلانٍ، كَمَا لا يُقَالُ هَذَا مِثْلُ كَلامِ فُلانٍ. بَلْ قَدْ يُقَالُ: هَذَا كَلامُ فُلانٍ بِعَيْنِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يُحَرِّفْ وَلَمْ يَزِدْ وَلَمْ يَنْقُصْ. اهـ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه الْقُرْآنُ كَيْفَ تَصَرَّفَ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلا نَرَى الْقَوْلَ بِالْحِكَايَةِ وَالْعِبَارَةِ. وَغَلَّطَ مَنْ قَالَ بِهِمَا وَجَهَّلَهُ. فَقَالَ: مَنْ قَالَ إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ فَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ. وَقَالَ: النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، دُونَ2 الْعِبَارَةِ وَالْحِكَايَةِ. وَقَالَ: هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ يَقُلْهَا السَّلَفُ. وقَوْله تَعَالَى: {تَكْلِيمًا} 3 يُبْطِلُ الْحِكَايَةَ. مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ4. نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي "نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ5".
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ مُوَفَّقُ الدِّينِ ابْنُ قُدَامَةَ فِي مُصَنَّفٍ لَهُ6: وَاعْتَرَضَ7 الْقَائِلُ 8بِالْكَلامِ النَّفْسِيِّ7 بِوُجُوهٍ:
1 ساقطة من ض.
2 في ض: أنه دون.
3 قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً} . الآية 164 من النساء.
4 انظر فتاوى ابن تيمية 12/ 517، السنة للإمام أحمد ص 15، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 128، الكافية 1/ 205.
5 انظر صيد الخاطر ص 102، 103، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 21، مسائل الإمام أحمد ص 265 وما بعدها، الكافية بشرح القصيدة النونية 1/ 29.
6 ألف الشيخ ابن قدامة عدة كتب في العقيدة، منها:"الاعتقاد"، و"مسألة في تحريم النظر في كتب أهل الكلام"، و"مسألة العلو"، و"كتاب القدر"، و"البرهان في مسألة القرآن".
"انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 133، فوات الوفيات 1/ 203، شذرات الذهب 5/ 88، المدخل إلى مذهب أحمد ص 207".
7 في ز ع ب ض: واعتراض.
8 في ز ض: بكلام النفس.
أَحَدُهَا: قَوْلُ الأَخْطَلِ: إنَّ الْكَلامَ لَفِي الْفُؤَادِ.
الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّ كَلامَ الآدَمِيِّ حَرْفٌ وَصَوْتٌ، وَلَكِنَّ1 كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى يُخَالِفُهُ؛ لأَنَّهُ صِفَتُهُ، فَلا تُشْبِهُ صِفَتُهُ صِفَاتِ الآدَمِيِّينَ2، وَلا كَلامُهُ كَلامَهُمْ3.
الثَّالِثُ: أَنَّ مَذْهَبَكُمْ فِي الصِّفَاتِ أَنْ لا تُفَسَّرَ4. فَكَيْفَ فَسَّرْتُمْ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ذَكَرْتُمْ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْحُرُوفَ لا تَخْرُجُ إلَاّ مِنْ مَخَارِجَ وَأَدَوَاتٍ وَالصَّوْتُ لا يَكُونُ إلَاّ مِنْ جِسْمٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَعَالَى5 عَنْ ذَلِكَ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْحُرُوفَ يَدْخُلُهَا التَّعَاقُبُ، فَالْبَاءُ6 تَسْبِقُ السِّينَ، وَالسِّينُ تَسْبِقُ الْمِيمَ وَكُلُّ مَسْبُوقٍ مَخْلُوقٌ.
السَّادِسُ: أَنَّ هَذَا يَدْخُلُهُ التَّجَزِّي وَالتَّعْدَادُ، وَالْقَدِيمُ لا يَتَجَزَّأُ وَلا يَتَعَدَّدُ.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلامِ الْمُوَفَّقُ: الْجَوَابُ عَنْ الأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ.
الأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا كَلامُ شَاعِرٍ نَصْرَانِيٍّ عَدُوِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَدَيْنِهِ. 7فَهَلْ يَجِبُ7 إطْرَاحُ كَلامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَسَائِرِ الْخَلْقِ تَصْحِيحًا لِكَلامِهِ، وَحَمْلُ كَلامِهِمْ عَلَى الْمَجَازِ صِيَانَةً لِكَلِمَتِهِ هَذِهِ عَنْ الْمَجَازِ؟
1 ساقطة من ش.
2 ساقطة من ز ع ض.
3 في ع: ككلامهم.
4 في ش: نفس.
5 في ع: متعال.
6 في ز: والباء.
7 في ز: فيجب. وفي ع ض: أفيجب.
وَأَيْضًا: فَتَحْتَاجُونَ إلَى إثْبَاتِ هَذَا الشِّعْرِ بِبَيَانِ إسْنَادِهِ وَنَقْلِ الثِّقَاتِ لَهُ، وَلا نَقْنَعُ12بِدَعْوَى شُهْرَتِهِ4، وَقَدْ يَشْتَهِرُ الْفَاسِدُ. وَقَدْ سَمِعْت شَيْخَنَا أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ الْخَشَّابِ3 إمَامَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي زَمَانِهِ يَقُولُ: قَدْ فَتَّشْتُ4 دَوَاوِينَ5 الأَخْطَلِ الْعَتِيقَةَ فَلَمْ أَجِدْ هَذَا الْبَيْتَ فِيهَا6.
الثَّانِي: لا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَهُ هَكَذَا، وَ7إِنَّمَا قَالَ:"إنَّ الْبَيَانَ لَفِيْ8 الْفُؤَادِ" فَحَرَّفُوهُ وَقَالُوا: الْكَلامَ9.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مَجَازٌ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْكَلامَ مِنْ10 عُقَلاءِ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّرَوِّي فِيهِ، وَاسْتِحْضَارِ مَعَانِيهِ فِي الْقَلْبِ11، كَمَا قِيلَ: "لِسَانُ
1 في ع: نقتنع.
2 في ز ع ض: بشهرته.
3 هو عبد الله بن أحمد بن أحمد، أبو محمد، المعروف بابن الخشاب، البغدادي الحنبلي، العالم المشهور في الأدب، والنحو، والتفسير، والحديث، والنسب، والفرائض، والحساب. وله معرفة بالمنطق، والفلسفة، والهندسة. وكان يحفظ القرآن على القراءات الكثيرة، وكان متضلعاً في العلوم والخط الحسن. له مصنفات كثيرة، منها:"المرتجل في شرح الجمل" لعبد القاهر الجرجاني، و"شرح اللمع" لابن جني، وله "الرد على التبريزي في تهذيب الإصلاح"، و"شرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو، والرد على الحريري في "مقاماته". توفي سنة 567هـ ببغداد.
"انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 2/ 288، شذرات الذهب 4/ 220، بغية الوعاة 2/ 29، إنباه الرواة 2/ 99، الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 316".
4 في ض: فتشنا.
5 في ش ب: ديوان.
6 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116.
7 ساقطة من ز ع ض.
8 في ز: من. وفي ع: عن.
9 انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية ص 116.
10 في ش: عن.
11 انظر: الإيمان لابن تيمية ص 116.
الْحَكِيمِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ. [فَإِذَا أَرَادَ الْكَلامَ رَجَعَ إلَى قَلْبِهِ] 1 فَإِنْ كَانَ لَهُ قَالَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَكَتَ، وَكَلامُ الْجَاهِلِ عَلَى طَرَفِ لِسَانِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا مَجَازٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.
أَحَدُهَا: مَا ذَكَرْنَا2، وَمَا تَرَكْنَاهُ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلامَ هُوَ النُّطْقُ، وَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَحَمْلُ3 كَلامِ4 الأَخْطَلِ عَلَى مَجَازِهَا أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْحَقِيقَةَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِسَبْقِهَا إلَى الذِّهْنِ وَتَبَادُرِ الأَفْهَامِ إلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلاقِ الْكَلامِ مَا ذَكَرْنَاهُ.
الثَّالِثُ: تَرْتِيبُ الأَحْكَامِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ5 دُونَ مَا ذَكَرُوهُ.
الرَّابِعُ: قَوْلُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَهُمْ أَعْرَفُ بِهَذَا الشَّأْنِ.
الْخَامِسُ: مِنْ الاشْتِقَاقِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
السَّادِسُ: لا تَصِحُّ إضَافَةُ مَا ذَكَرُوهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَلامَ فِي الْفُؤَادِ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى لا يُوصَفُ بِذَلِكَ. وَجَعَلَ اللِّسَانَ دَلِيلاً عَلَيْهِ، وَلأَنَّ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ الأَخْطَلُ بِالْكَلامِ هُوَ التَّرَوِّي وَالْفِكْرُ، وَاسْتِحْضَارُ الْمَعَانِي، وَحَدِيثُ النَّفْسِ وَوَسْوَسَتُهَا. وَلا يَجُوزُ إضَافَةُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِلا خِلافٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
1 ما بين القوسين زيادة لتمام الكلام. "انظر: أدب الدين والدنيا ص 249".
2 في ض: ذكرناه.
3 في ز ع ض: بحمل.
4 في ع ض: كلمة.
5 في ع ض: ذكرنا.
قَالَ: وَمِنْ أَعْجَبِ الأُمُورِ أَنَّ خُصُومَنَا رَدُّوا عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، وَخَالَفُوا جَمِيعَ الْخَلْقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ فِرَارًا مِنْ التَّشْبِيهِ عَلَى زَعْمِهِمْ، ثُمَّ صَارُوا إلَى تَشْبِيهٍ أَقْبَحَ وَأَفْحَشَ مِنْ كُلِّ تَشْبِيهٍ. وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ التَّغْفِيلِ.
وَمِنْ أَدَلِّ الأَشْيَاءِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ: تَرْكُهُمْ1 قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا لا يُحْصَى مِنْ الأَدِلَّةِ، وَتَمَسَّكُوا2 بِكَلِمَةٍ قَالَهَا هَذَا الشَّاعِرُ النَّصْرَانِيُّ جَعَلُوهَا أَسَاسَ مَذْهَبِهِمْ وَقَاعِدَةَ عَقْدِهِمْ3، وَلَوْ أَنَّهَا انْفَرَدَتْ عَنْ مُبْطِلٍ وَخَلَتْ عَنْ مُعَارِضٍ لَمَا جَازَ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا هَذَا الأَصْلُ الْعَظِيمُ، فَكَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهَا مَا لا يُمْكِنُ رَدُّهُ؟ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ مَنْ بَنَى قَصْرًا مِنْ4 أَعْوَادِ الْكِبْرِيتِ فِي مَجْرَى السَّيْلِ5.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: "إنَّ كَلامَ اللَّهِ يَجِبُ أَنْ لا يَكُونَ حُرُوفًا يُشْبِهُ كَلامَ الآدَمِيِّينَ".
قُلْنَا: جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ الاتِّفَاقَ فِي أَصْلِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَمَا أَنَّ اتِّفَاقَ الْبَصَرِ فِي أَنَّهُ إدْرَاكُ6 الْمُبْصَرَاتِ، وَالسَّمْعِ فِي أَنَّهُ إدْرَاكُ7 الْمَسْمُوعَاتِ، وَالْعِلْمِ فِيْ8 أَنَّهُ إدْرَاكُ9 الْمَعْلُومَاتِ لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ، كَذَلِكَ هَذَا.
1 ساقطة من ش.
2 في ش: وتمسكهم.
3 في ض: عندهم.
4 في ز ع ض: على.
5 في ز ع ض: النيل.
6 في ز ض: أدرك.
7 في ز ض: أدرك.
8 في ض: ب.
9 في ز ض: أدرك.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ تَشْبِيهًا لَكَانَ1 تَشْبِيهُهُمْ أَقْبَحَ وَأَفْحَشَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُمْ إنْ نَفَوْا هَذِهِ الصِّفَةَ لِكَوْنِ هَذَا تَشْبِيهًا، يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُوا سَائِرَ الصِّفَاتِ، مِنْ الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهَا.
2 الرَّابِعُ: أَنَّنَا3 نَحْنُ لَمْ نُفَسِّرْ هَذَا؛ إنَّمَا فَسَّرَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ3.
وَ4أَمَّا قَوْلُهُمْ: "أَنْتُمْ فَسَّرْتُمْ هَذِهِ الصِّفَةَ"؟
فَنَقُولُ 5: إنَّمَا لا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي سَكَتَ السَّلَفُ عَنْ تَفْسِيرِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَلامُ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ بَيْنَ الْخَلْقِ أَنْ6 لا تَشْبِيهَ فِيهِ، وَقَدْ فَسَّرَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
الثَّانِي: أَنَّنَا نَحْنُ فَسَّرْنَاهُ بِحَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ تَفْسِيرًا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَهُمْ فَسَّرُوهُ بِمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلا سُنَّةٌ وَلا يُوَافِقُ الْحَقِيقَةَ، وَلا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَ7أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحُرُوفَ تَحْتَاجُ إلَى مَخَارِجَ وَأَدَوَاتٍ؟
فَنَقُولُ8: احْتِيَاجُهَا إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّنَا لا يُوجِبُ ذَلِكَ فِي كَلامِ اللَّهِ
1 في ز ض: كان.
2 ساقطة من ض.
3 في ز ع: أنا.
4 ساقطة من ع ض.
5 في ز ع: قلنا.
6 ساقطة من ز ع ض.
7 ساقطة من ز.
8 في ز ع ض: قلنا.
تَعَالَى1، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ2.
فَإِنْ قَالُوا: بَلْ يَحْتَاجُ اللَّهُ تَعَالَى كَحَاجَتِنَا، قِيَاسًا لَهُ عَلَيْنَا أَخْطَؤوا مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الَّتِي سَلَّمُوهَا كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ. فَإِنَّهَا3 لا تَكُونُ4 فِي حَقِّنَا إلَاّ فِي جِسْمٍ، وَ5لا يَكُونُ الْبَصَرُ إلَاّ فِي حَدَقَةٍ، وَلا السَّمْعُ إلَاّ مِنْ انْخِرَاقٍ. وَاَللَّهُ تَعَالَى بِخِلافِ ذَلِكَ6.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا تَشْبِيهٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِنَا وَقِيَاسٌ لَهُ عَلَيْنَا وَهَذَا كُفْرٌ. الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى مَخَارِجَ فِي كَلامِهَا. كَالأَيْدِي وَالأَرْجُلِ، وَالْجُلُودِ الَّتِي تَتَكَلَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ7، وَالْحَجَرِ الَّذِي سَلَّمَ عَلَى
1 ساقطة من ض.
2 يقول الآمدي: إذ الحروف والأصوات إنما تتصور بمخارج وأدوات وتزاحم أجرام واصطكاكات، وذلك في حق الباري محال. "غاية المرام ص 111". ثم يقول: نعم، لو قيل:"إن كلامه بحروف وأصوات لا كحروفنا وأصواتنا، كما أن ذاته وصفاته ليست كذاتنا وصفاتنا، كما قال بعض السلف، فالحق أن ذلك غير مستبعد عقلاً، لكنه مما لم يدل الدليل القاطع على إثباته من جهة المعقول، أو من جهة المنقول. فالقول به تحكم غير مقبول. "غاية المرام ص 112". وانظر: الإنصاف للباقلاني ص 103.
3 ساقطة من ز ع ب ض.
4 في ض: يكون ذلك.
5 ساقطة من ع.
6 قال شيخ الإسلام ابن حجر: "فصفاته صفة من صفات ذاته، لا تشبه صفة غيره؛ إذ ليس يوجد شيء من صفاته في صفات المخلوقين. هكذا قرره المصنف "البخاري" في كتاب "خلق أفعال العباد". "فتح الباري شرح صحيح البخاري 13/ 353".
7 إن كلام الأيدي والأرجل والجلود ثابت في القرآن الكريم، قال تعالى:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيْهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ} [الآية 65] من يس. وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَآؤُوْهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُوْدُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَفْعَلُوْنَ وَقَالُوْا لِجُلُوْدِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوْا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِيْ أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} . [الآيتان 20-21 من فصلت] . وقال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ} . [الآية 24 من النور] .
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم1، وَالْحَصَا الَّذِي سَبَّحَ فِي كَفَّيْهِ2، وَالذِّرَاعِ الْمَسْمُومَةِ الَّتِي كَلَّمَتْهُ3.
1 روى مسلم والترمذي وأحمد والدارمي عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلّم علي قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن".
"انظر: صحيح مسلم 4/ 1783، تحفة الأحوذي 10/ 98، مسند أحمد 5/ 89، سنن الدارمي 1/ 12".
وروى البزار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما أوحي إلي جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله". وروى الترمذي والدارمي والطبراني في الأوسط عن علي قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر ولا شجر إلا سلم عليه".
"انظر: تحفة الأحوذي 10/ 100، سنن الدارمي 1/ 12، مجمع الزوائد 8/ 259".
2 أخرج البزار والطبراني في الأوسط وأبو نعيم والبيهقي عن أبي ذر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعه
…
وبين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات، فأخذهن فوضعن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنيناً كحنين النحل". وأخرجه ابن عساكر عن أنس. وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال: لما قدم ملوك حضرموت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم الأشعث بن قيس
…
فقالوا: "كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفًّا من حصا، فقال: "هذا يشهد أني رسول الله"، فسبّح الحصى في يده".
"انظر: الخصائص الكبرى 2/ 304، مجمع الزوائد 8/ 298".
وفي ض: كفه.
3 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس: "أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك، فقالت: أردت لأقتلك. قال: "ما كان الله ليسلطك على ذلك، قال عليَّ".
"انظر: صحيح البخاري 3/ 56، 4/ 22، صحيح مسلم 4/ 1721".
وزاد أنس فيما رواه البزار والطبراني: "فلما مدّ يده إليها ليأكل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عضواً من أعضائها يخبرني أنها مسمومة، فامتنع".
"انظر مجمع الزوائد 8/ 295".
وفي رواية أبي داود: أخبرتني هذه في يدي –للذراع. وفي رواية الدارمي: قال: إن هذه تخبرني أنها مسمومة.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 483، سنن الدارمي 1/ 32".
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ1". وَلا خِلافَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إنْطَاقِ الْحَجَرِ الأَصَمِّ بِلا أَدَوَاتٍ. قُلْت أَنَا2: الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لا يَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْتَاجُ كَحَاجَتِنَا قِيَاسًا لَهُ عَلَيْنَا، فَإِنَّهُ عَيْنُ التَّشْبِيهِ، وَهُمْ لا يَقُولُونَ ذَلِكَ 3بَلْ يَفِرُّونَ3 مِنْهُ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الشَّيْخَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ قَوْلِهِمْ لَهُ4. ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُمْ: "إنَّ التَّعَاقُبَ يَدْخُلُ فِي الْحُرُوفِ"؟.
قُلْنَا: إنَّمَا كَانَ5 ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَنْطِقُ بِالْمَخَارِجِ وَالأَدَوَاتِ، وَلا يُوصَفُ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ: إنَّمَا يَتَعَيَّنُ التَّعَاقُبُ فِيمَنْ يَتَكَلَّمُ بِأَدَاةٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ شَيْءٍ إلَاّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُ بِلا جَارِحَةٍ فَلا يَتَعَيَّنُ فِي كَلامِهِ التَّعَاقُبُ، وَقَدْ اتَّفَقَ6 الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ7 سبحانه وتعالى يَتَوَلَّى الْحِسَابَ بَيْنَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ. وَعِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَنَّ الْمُخَاطَبَ فِي الْحَالِ هُوَ وَحْدَهُ. وَهَذَا خِلافُ التَّعَاقُبِ. اهـ كَلامُ أَبِي نَصْرٍ.
1 رواه البخاري والترمذي والدارمي عن عبد الله بن مسعود. وأوله في البخاري: "كنا نعدّ الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفاً...."
"انظر: فتح الباري 6/ 383، تحفة الأحوذي 10/ 110، سنن الدارمي 1/ 14".
2 في ش: أخبرنا.
3 في ز ع ب ض: ويفرون.
4 ساقطة من ض.
5 ساقطة من ض.
6 في ع ض: اتفقت.
7 في ع ض: أن الله.
ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ: وَقَوْلُهُمْ: "إنَّ الْقَدِيمَ لا يَتَجَزَّأُ وَلا يَتَعَدَّدُ" غَيْرُ صَحِيحٍ. فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ سبحانه وتعالى مُتَعَدِّدَةٌ1. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} 2 وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" 3 وَهِيَ قَدِيمَةٌ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ4 عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: مَنْ قَالَ: إنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَرَ.
وَكَذَلِكَ كُتُبُ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ وَالْفُرْقَانَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَهِيَ 5كَلامُ اللَّهِ5 تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ6، وَإِنَّمَا هَذَا أَخَذُوهُ مِنْ عِلْمِ الْكَلامِ7، وَهُوَ مُطْرَحٌ عِنْدَ جَمِيعِ الأَئِمَّةِ.
1 في ش ز ع ب: معدودة. وهو خطأ. ولذلك جاء في حاشية ش: "لا تدل الآية ولا الحديث على الانحصار في عدد".
2 الآية 180 من الأعراف.
3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 4/ 276، صحيح مسلم 4/ 2063، تحفة الأحوذي 9/ 480، سنن ابن ماجه 2/ 1269، مسند أحمد 2/ 258.
ورواه ابن عساكر عن عمر. انظر: فيض القدير 2/ 478".
4 ساقطة من ز ع ب ض.
5 في ب ع ض: كلامه.
6 في ض: مخلوق. وانظر في أسماء الله تعالى وكتبه "الإيمان لابن تيمية ص 154".
7 انظر رأي العلماء في علم الكلام في "فتح الباري 13/ 273، التعريفات للجرجاني ص 162، تبيين كذب المفتري 336 وما بعدها، آداب الشافعي ومناقبه ص 182، والمراجع المشار إليها في الهامش، استحسان الخوض في علم الكلام لأبي الحسن الأشعري، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام للسيوطي".
قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلامِ تَزَنْدَقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: مَا ارْتَدَى بِالْكَلامِ أَحَدٌ فَأَفْلَحَ1.
وَقَالَ أَحْمَدُ رضي الله عنه: مَا أَحَبَّ الْكَلامَ أَحَدٌ فَكَانَ عَاقِبَتُهُ إلَى خَيْرٍ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ الْمَالِكِيُّ2: الْبِدَعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَائِرِ أَصْحَابِهِ هِيَ كُتُبُ الْكَلامِ وَالتَّنْجِيمِ وَشِبْهِ ذَلِكَ. لا تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَلا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِهَا3.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ، فَإِنْ قِيلَ:"الصَّوْتُ وَالْحَرْفُ إذَا ثَبَتَا فِي الْكَلامِ اقْتَضَيَا عَدَدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ".
قِيلَ لَهُمْ: قَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا أَنَّ اعْتِمَادَ أَهْلِ4 الْحَقِّ فِي هَذِهِ الأَبْوَابِ عَلَى السَّمْعِ. وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِأَنَّ الْقُرْآنَ ذُو عَدَدٍ. وَأَقَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِأَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً لا مَجَازًا5، وَهُوَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ6، وَقَدْ عَدَّ الأَشْعَرِيُّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى
1 انظر: تبيين كذب المفتري ص 336، آداب الشافعي ومناقبه ص 182، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 60.
2 هو محمد بن أحمد بن عبد الله، وقيل: محمد بن أحمد بن علي بن إسحاق بن خويز منداد، أبو عبد الله البصري المالكي، كان يجانب علم الكلام، وينافرُ أهلَه، ويحكم على الكل أنهم من أهل الأهواء، تفقه على الأبهري، له كتاب كبير في الخلاف، وكتاب في أصول الفقه، وكتاب في أحكام القرآن. وله اختيارات شواذّ، وتكلم فيه أبو الوليد الباجي. توفي سنة 390هـ تقريباً، وكان إماماً عالماً متكلماً فقيهاًَ أصولياً.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 229، طبقات المفسرين 2/ 68، الوافي بالوفيات 2/ 52، لسان الميزان 5/ 291، شجرة النور ص 103".
3 في ز ب ض: أهله.
4 في ز ع ب ض: أولي.
5 في ض: مجاز.
6 قال الباقلاني: بل كلامه قديم، صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته، ونحو ذلك من صفات الذات. "الإنصاف له ص 71".
سَبْعَ عَشْرَة صِفَةً، وَبَيَّنَ أَنَّ مِنْهَا مَا لا يُعْلَمُ إلَاّ بِالسَّمْعِ، وَإِذَا جَازَ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَاتٍ مَعْدُودَةٍ لَمْ يَلْزَمْنَا بِدُخُولِ الْعَدَدِ فِي الْحُرُوفِ شَيْءٌ. اهـ كَلامُ أَبِي نَصْرٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ:
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم1، وَيُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ2، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 3 وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} 4 وَقَالَ تَعَالَى: {يَا مُوسَى إنِّي اصْطَفَيْتُك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} 5 وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} 6 وَقَالَ تَعَالَى: {إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} 7 وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مُوسَى عليه الصلاة والسلام سَمِعَ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ اللَّهِ، لا مِنْ شَجَرٍ وَلا مِنْ حَجَرٍ وَلا مِنْ غَيْرِهِ8؛ لأَنَّهُ لَوْ سَمِعَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ بَنُو إسْرَائِيلَ أَفْضَلَ مِنْهُ9 فِي ذَلِكَ؛ لأَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ أَفْضَلَ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ مُوسَى، لِكَوْنِهِمْ
1 انظر في صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب ما جاء في قوله عز وجل:{وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً} . "فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 367".
2 انظر في صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الرب يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. "فتح الباري 13/ 364".
3 الآية 164 من النساء.
4 الآية 143 من الأعراف.
5 الآية 144 من الأعراف.
6 الآية 52 من مريم.
7 الآية 16 من النازعات.
8 ساقطة من ز.
9 ساقطة من ز ب ع ض. وفي شرح الكافية: أفضل في ذلك منه.
سَمِعُوا مِنْ مُوسَى1. فَلِمَ سُمِّيَ إذَنْ كَلِيمَ الرَّحْمَنِ2؟
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْكَلامُ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى إلَاّ صَوْتًا وَحَرْفًا، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنًى فِي النَّفْسِ وَفِكْرَةً وَرَوِيَّةً: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَكْلِيمًا لِمُوسَى، وَلا هُوَ بِشَيْءٍ3 يُسْمَعُ، وَلا يَتَعَدَّى الْفِكْرَ وَالْمَرْئِيَّ، وَلا يُسَمَّى مُنَادَاةً4.
فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ لا نُسَمِّيهِ صَوْتًا مَعَ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا.
قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا مُخَالَفَةٌ فِي اللَّفْظِ مَعَ الْمُوَافَقَةِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّنَا لا نَعْنِي بِالصَّوْتِ إلَاّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا.
الثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الصَّوْتِ قَدْ جَاءَتْ بِهِ الأَخْبَارُ وَالآثَارُ5، وَسَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى حِدَةٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ بَعْدَ ذَلِكَ: النِّزَاعُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لا؟ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ: اتِّبَاعُ مَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اهـ كَلامُ الشَّيْخِ 6مُوَفَّقِ الدِّينِ7.
وَقَالَ الْحَافِظُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ حَجَرٍ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ7": "قَالَ
1 انظر: فتح الباري 3/ 350.
2 انظر: توضيح المقاصد بشرح الكافية النونية 1/ 225.
3 في ز ش: بنبي. وفي ب وشرح الكافية: شيء.
4 انظر: فتح الباري 13/ 367، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 36، 131 وما بعدها، 146، توضيح المقاصد بشرح الكافية 1/ 226.
5 انظر: توضيح المقاصد بشرح النونية 1/ 226.
6 في ب ع ض: الموفق.
7 فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 353-354.
الْبَيْهَقِيُّ: الْكَلامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ، وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - يَعْنِيْ فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ1 - وَفِيهِ "وَكُنْت زَوَّرْت فِي نَفْسِي مَقَالَةً" وَفِي رِوَايَةٍ "كَلامًا" قَالَ: فَسَمَّاهُ كَلامًا قَبْلَ التَّكَلُّمِ بِهِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ ذَا مَخَارِجَ سُمِعَ كَلامُهُ ذَا حُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذِي مَخَارِجَ، فَهُوَ بِخِلافِ ذَلِكَ، وَالْبَارِي عز وجل لَيْسَ بِذِي مَخَارِجَ، فَلا يَكُونُ كَلامُهُ بِحُرُوفٍ وَأَصْوَاتٍ2.
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ3 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ4. وَقَالَ: اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي5
1 ق ابن حجر: وقد تقدم سياقه في كتاب الحدود "فتح الباري 13/ 353".
2 يقول الآمدي: "ذهب أهل الحق من الإسلاميين إلى كون الباري تعالى متكلماً بكلام قديم أزلي نفساني، إحدى صفات الذات، ليس بحروف ولا أصوات. "غاية المرام ص 88".
3 هو الصحابي ابن الصحابي جابر بن عبد الله بن عمرو، أبو عبد الله، الأنصاري السَّلَمي المدني، أحد المكثرين من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه جماعات من أئمة التابعين، ومناقبه كثيرة، استشهد أبوه يوم أحد، فأحياه الله وكلمه. وغزا جابر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدراً ولا أحداً، منعه أبوه. وكان لجابر حلقة علم في المسجد النبوي، وكان آخر الصحابة موتاً بالمدينة سنة 78هـ. وإذا أطلق جابر في كتب الحديث والفقه فهو المقصود.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 213، الاستيعاب 1/ 221، تهذيب الأسماء 1/ 142، 286، شذرات الذهب 1/ 84، الخلاصة ص 59".
4 هو الصحابي عبد الله بن أنيس بن حرام الجهني الأنصاري، القضاعي السلمي، أبو يحيى، شهد العقبة في السبعين من الأنصار، وكسر أصنام بني سلمة مع معاذ بن جبل، وشهد بدراًَ واحداً والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وحده. وهو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر، وهو الذي سافر إليه جابر شهراًَ فأدركه في الشام، فسمع منه حديثاً في المظالم والقصاص بين أهل الجنة والنار قبل دخولهما، توفي سنة 74هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 278، الاستيعاب 2/ 258، تهذيب الأسماء 1/ 260، شذرات الذهب 1/ 60، مشاهير علماء الأنصار ص 56، حلية الأولياء 2/ 5".
5 في ض: بـ.
الاحْتِجَاجِ بِرِوَايَاتِهِ1، وَلَمْ يَثْبُتْ لَفْظُ2 الصَّوْتِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ حَدِيثِهِ. فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - يَعْنِي الَّذِي يَلِيهِ3 - وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - يَعْنِي الَّذِي بَعْدَهُ – "أَنَّ الْمَلائِكَةَ يَسْمَعُونَ عِنْدَ حُصُولِ4 الْوَحْيِ5 صَوْتًا" 6 فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْتُ لِلسَّمَاءِ، أَوْ لِلْمَلَكِ الآتِي بِالْوَحْيِ، أَوْ لأَجْنِحَةِ الْمَلائِكَةِ. وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ نَصًّا فِي الْمَسْأَلَةِ7".
"وَأَشَارَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَى أَنَّ الرَّاوِيَ أَرَادَ: فَيُنَادِي نِدَاءً، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالصَّوْتِ8".
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: "وَهَذَا حَاصِلُ كَلامِ مَنْ نَفَى9 الصَّوْتَ مِنْ الأَئِمَّةِ10، وَيَلْزَمُ مِنْهُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسْمِعْ أَحَدًا مِنْ مَلائِكَتِهِ وَلا رُسُلِهِ كَلامَهُ11، بَلْ أَلْهَمَهُمْ إيَّاهُ".
"وَحَاصِلُ الاحْتِجَاجِ لِلنَّفْيِ: الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَاسِ عَلَى أَصْوَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، لأَنَّهَا الَّتِي عُهِدَ أَنَّهَا ذَاتُ مَخَارِجَ، وَلا يَخْفَى مَا فِيهِ، إذْ الصَّوْتُ قَدْ يَكُونُ مِنْ
1 في ع: بروايات ابن عقيل لسوء حفظه.
2 في ش ز: بلفظ. والأعلى موافق لما في فتح الباري.
3 سيأتي الحديث الأول ص 62، وسيأتي الحديث الذي يليه ص 66-67.
4 في ش ز ع ب ض: حضور، والأعلى من فتح الباري 13/ 354.
5 في ش: الرحمن.
6 سيأتي صفحة 65.
7 فتح الباري 13/ 354.
8 فتح الباري 13/ 354.
9 في فتح الباري: ينفي.
10 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 99.
11 في فتح الباري: ورسله.
غَيْرِ مَخَارِجَ. كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالِ الأَشِعَّةِ1، كَمَا سَبَقَ".
"سَلَّمْنَا، لَكِنْ نَمْنَعُ2 الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ. وَصِفَةُ الْخَالِقِ لا تُقَاسُ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ3، وَإِذَا ثَبَتَ ذِكْرُ الصَّوْتِ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَجَبَ الإِيمَانُ بِهِ4".
ثُمَّ قَالَ5: "إمَّا التَّفْوِيضُ وَإِمَّا التَّأْوِيلُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ6". اهـ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ7" قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "ثُم َّ8 يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ" 9 حَمَلَهُ بَعْضُ الأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ، أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي10. وَاسْتَبْعَدَهُ11 بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ:"يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ" إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ، وَبِأَنَّ الْمَلائِكَةَ إذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا، وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا".
1 في ب ع ض: أشعة.
2 في ع: يمنع.
3 في ض: المخلوقين.
4 فتح الباري 13/ 354.
5 ساقطة من ز ض ب ع.
6 فتح الباري 13/ 354.
7 العبارة توهم أن قول ابن حجر في حديث آخر، مع أنه في نفس الحديث الذي تكلم عنه ابن حجر، ونقله عنه المصنف. وقد ذكر ابن حجر هذه العبارة في أول شرح الحديث.
"انظر: فتح الباري 13/ 353".
8 ساقطة من ش.
9 رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص 13، 59، وسيأتي أيضاً صفحة 110.
10 هذا المجاز من نسبة الفعل إلى الآمر به. "انظر: الإشارة إلى الإيجاز ص 63".
11 في ش ز ع ب ض: فاستبعده، والأعلى من فتح الباري 13/ 353.
قَالَ: "فَعَلَى هَذَا فَصَوْتُهُ1 صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لا يُشْبِهُ2 صَوْتَ غَيْرِهِ؛ إذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ3".
قَالَ: "وَهَكَذَا4 قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ - يَعْنِي بِهِ الْبُخَارِيَّ - فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ"5. اهـ.
وَحَدُّ الصَّوْتِ: مَا يَتَحَقَّقُ سَمَاعُهُ. فَكُلُّ مُتَحَقِّقٍ سَمَاعُهُ صَوْتٌ، وَكُلُّ مَا لا يَتَأَتَّى سَمَاعُهُ أَلْبَتَّةَ لَيْسَ بِصَوْتٍ6. وَصِحَّةُ الْحَدِّ كَوْنُهُ مُطَّرِدًا مُنْعَكِسًا7.
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْخَارِجُ8 مِنْ هَوَاءٍ بَيْنَ جِرْمَيْنِ. فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأَنَّهُ يُوجَدُ سَمَاعُ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. كَتَسْلِيمِ الأَحْجَارِ، وَتَسْبِيحِ الطَّعَامِ وَالْجِبَالِ9، وَشَهَادَةِ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَحَنِيْنِ الْجِذْعِ10. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ
1 في ش ز ب: صوته.
2 في ع: تشبه.
3 فتح الباري 13/ 353.
4 في ع: هذا.
5 خلق أفعال العباد ص 59. وانظر: فتح الباري 13/ 353.
6 انظر: الرد على الجهمية والمعتزلة، للإمام أحمد ص 236 من مجلة أضواء الشريعة العدد الثامن.
7 انظر في تعريف الصوت "مختصر الطوفي ص 41، التعريفات للجرجاني ص 118، شرح الكوكب المنير 1/ 103، 104".
8 في ض: خارج.
9 إن تسبيح الجبال ثابت في القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} . الأنبياء/ 79. وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاًَ يَا جِبَالُ أَوِّبِيْ مَعَهُ وَالطَّيْر} . سبأ/ 10. وقوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} . الآية 18 من سورة ص.
10 وهو صوت الجذع الذي كان يخطب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اتخذوا له منبراً فخطب عليه، فحنّ الجذع كحنين الناقة. وفي البخاري عن جابر: "فصاحت النخلة صياح.............=
تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} 2 وَمَا لِشَيْءٍ3 مِنْ ذَلِكَ مُنْخَرَقٌ بَيْنَ جِرْمَيْنِ4.
وَقَدْ أَقَرَّ الأَشْعَرِيُّ أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَالَتَا "أَتَيْنَا طَائِعِينَ"5، حَقِيقَةً لا مَجَازًا.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ6، مِنَّا: لَسْنَا نَشُكُّ أَنَّ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ*عَلَى
= الصبي". والحديث رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن عدد من الصحابة.
"انظر: فتح الباري 6/ 392، تحفة الأحوذي 3/ 22، 10/ 100، سنن النسائي 3/ 83، سنن ابن ماجه 1/ 454، مسند أحمد 1/ 249، 267، سنن الدارمي 1/ 15". وقد مرت الآيات الدالة على شهادة الأيدي والأرجل "صفحة 46". ومرت الأحاديث في تسليم الأحجار "صفحة 47".
1 الآية 44 من الإسراء.
2 الآية 30 من سورة ق.
3 في ع: شيءٌ.
4 انظر رأي الآمدي في الصوت، فإنه يقول:"إذ الصوت لا يكون إلا عن اصطكاكات أجرام، والحروف عبارة عن تقطع الأصوات". "غاية المرام ص 92".
5 قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ، فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِيْنَ} . الآية 11 من فصلت.
6 هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الكاتب النحوي اللغوي، صاحب التصانيف الحسان المفيدة. قال ابن خلكان:"كان فاضلاً ثقة، سكن بغداد وحدّث بها". ومن تصانيفه: "المعارف"، و"أدب الكاتب"، و"الشعر والشعراء"، و"غريب القرآن"، و"مشكل القرآن"، و"غريب الحديث"، و"مشكل الحديث"، و"طبقات الشعراء"، و"الأشربة" وغيرها. ولي قضاء الدينور، وتكلم به بعض العلماء، ورد الذهبي ذلك، توفي فجأة سنة 276هـ.
انظر ترجمته الوافية في "وفيات الأعيان 2/ 246، شذرات الذهب 2/ 169، إنباه الرواة 2/ 143، تهذيب الأسماء 2/ 281، طبقات المفسرين 1/ 245، بغية الوعاة 2/ 63، طبقات النحويين واللغويين ص 183، ميزان الاعتدال 2/ 503".
الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ لَا1 كَمَا يَقُولُهُ2 بَعْضُ أَصْحَابِ الْكَلامِ: "إنَّ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ3 دَلِيلٌ عَلَى4 الْقُرْآنِ". اهـ.
وَقَالَ الشِّهَابُ السُّهْرَوَرْدِيُّ5: أَخْبَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ: الاسْتِوَاءُ وَالنُّزُولُ وَالنَّفْسُ وَالْيَدُ وَالْعَيْنُ وَالْقَدَمُ وَالرِّجْلُ وَالْوَجْهُ، فَلا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِتَشْبِيهٍ وَلا تَعْطِيلٍ؛ إذْ لَوْلا إخْبَارُ اللَّهِ وَ6رَسُولِهِ لَمَا7 تَمَالأَ8 عَقْلٌ أَنْ يَحُومَ9 حَوْلَ ذَلِكَ الْحِمَى، وَلَوْلا أَنَّ10 الصَّادِقَ11 الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ لَمَا قُلْنَا، وَلا حُمْنَا حَوْلَهُ. فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ لا تُعْرَفُ إلَاّ بِالدَّلِيلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
1 ساقطة من ز ع ب ض.
2 في د: يقول.
3-
* ساقطة من ش، وموجودة في ز. وجاء بعدها نصف صفحة مكتوبة خطأ ومكررة عن إعجاز القرآن.
4 في ض: على أنه.
5 هو عمر بن محمد بن عبد الله، شهاب الدين السُّهْرَوَرْدي. قال الداودي: كان فقيهاً شافعياً، شيخاً ورعاً، كثير الاجتهاد في العبادة والرياضة. وكان له مجلس وعظٍ، وكان صوفيًّا. له مصنفات كثيرة، منها:"عوارف المعارف"، و"بغية البيان في تفسير القرآن"، و"المناسك"، و"رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية". عمي في آخر عمره وأقعد، توفي سنة 632هـ.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 2/ 10، وفيات الأعيان 1/ 119، شذرات الذهب 5/ 153، طبقات الشافعية الكبرى 8/ 338، معجم المؤلفين 7/ 313".
وفي ش ز ع ب ض: الشهرزوري، وهو تصحيف.
6 ساقطة من ض.
7 في ع ض: ما.
8 في ض: تحاك.
9 في ع: يحول.
10 ساقطة من ش.
11 في ب ض: الصادق المصدَّق.
قَالَ الْمُؤَلَّفُ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى:{حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 1 {يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ} 2 وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي" 3 وَقَالَ الصِّدِّيقُ: مَا هَذَا كَلامِي، وَلا كَلامُ صَاحِبِي، وَلَكِنَّهُ كَلامُ اللَّهِ4.
وَالْكَلامُ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ، وَالْكَلِمَاتُ الْمَفْهُومَةُ، وَالأَصْوَاتُ الْمَلْهُومَةُ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا} 5، {فَقُولِي إنِّي نَذَرْت لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إنْسِيًّا} {فَأَشَارَتْ إلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ 6 مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 3} 7 {لا
1 الآية 6 من التوبة.
2 الآية 75 من البقرة.
3 سيأتي النص كاملاً مع تخريجه ص 73.
4 أخرج البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد""ص 13" عن أبي بكر رضي الله عنه أنه لما نزلت: {ألم. غُلِبَتِ الرُّومُ} الروم/ 1-2] ، خرج يصيح ويقول: كلام ربي، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها إذا سمعت القرآن قالت: كلام ربي، كلام ربي. ونقل ابن حجر عن البيهقي أنه ساق حديث نيار بن مُكْرِم أن أبا بكر قرأ عليهم سورة الروم، فقالوا: هذا كلامُك أو كلام صاحبك؟ قال: ليس كلامي ولا كلام صاحبي، ولكنه كلام الله". وأصل هذا الحديث أخرجه الترمذي مصحِّحاً. وأخرجه أحمد في كتاب "السنة". وأخرج أحمد في كتاب "السنة" أيضاً، والحاكم، وابن المبارك في "الجهاد" عن عكرمة بن أبي جهل أنه كان يأخذ المصحف فيضعه على وجههه ويقول: كلام ربي، كلام ربي.
"انظر: فتح الباري 13/ 350، تحفة الأحوذي 9/ 53، السنة ص 20، 21، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 6، الإبانة للأشعري ص 30، المستدرك 3/ 243، الجهاد لابن المبارك ص 57".
5 الآيتان 10-11 من مريم. وأول الآية الثانية: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ
…
} .
6 في ز ع ض: الآية. وفي ب: {نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ}
…
الآية.
7 الآيتان 26، 29 من مريم.
يَتَكَلَّمُونَ إلَاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ} 1 {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} 2، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وقَوْله تَعَالَى:{وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} 3 يَعْنِي بِهِ النُّطْقَ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى:{وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} 4، {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} 5 أَيْ: يَنْطِقُ. وَحَدِيثِ "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" 6 وَحَدِيثُ "إنَّ صَلاتَنَا هَذِهِ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ" 7 وَحَدِيثِ "لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إلَاّ
1 الآية 38 من النبأ. وفي ش ز ض: ولا يتكلمون. وهو خطأ.
2 الآية 35 من المرسلات.
3 الآية 65 من يس.
4 الآية 21 من فصلت. وفي ز ب ض: فقالوا. وهو خطأ.
5 الآية 46 من آل عمران.
6 تتمة الحديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". رواه البيهقي عن ابن عمر. ورواه الطبراني عن ثوبان، ورواه ابن ماجه عن ابن عباس، وصححه ابن حبان، واستنكره أبو حاتم. ورواه ابن عدي عن أبي بكرة وضعفه، ورواه الحاكم وصححه.
"انظر: سنن ابن ماجه 1/ 659، فيض القدير 4/ 34، 362، كشف الخفاء 1/ 433، تخريج أحاديث البزدوي ص 89، المستدرك 2/ 198، موارد الظمآن ص 360، تخريج أحاديث مختصر المنهاج ص 294".
وقد مرت الإشارة إلى هذا الحديث صفحة 31، كما مرت الإشارة إليه في المجلد الأول صفحة 436هـ، 512.
ولعل المؤلف يريد الإشارة إلى حديث: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به". وقد مر صفحة 31.
7 هذا طرف من حديث طويل رواه معاوية بن الحكم السُّلَمي. وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وابن حبان والبيهقي. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". انظر: مسند أحمد 5/ 447، صحيح مسلم 1/ 382، سنن أبي داود 1/ 213، سنن النسائي 3/ 14، خلق أفعال العباد ص 27، نيل الأوطار 2/ 357".
ثَلاثَةٌ" 1 وَحَدِيثِ "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ" 2 وَحَدِيثِ "مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ" 3 وَإِجْمَاعِ النَّاسِ فِي الشِّعْرِ وَالنَّظْمِ فِي كَلامِهِمْ وَعُرْفِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ أَنَّ الْكَلامَ يَكُونُ4 حَقِيقَةً. وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لا يَتَكَلَّمُ لا يَحْنَثُ إلَاّ بِالنُّطْقِ5. اهـ.
وَقَدْ بَيَّنَّا بِالأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ: أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي عِنْدَنَا هُوَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّهُ مَسْمُوعٌ مَقْرُوءٌ مَتْلُوٌّ مَحْفُوظٌ6. وَكَيْفَمَا قُرِئَ وَتُلِيَ وَسُمِعَ وَحُفِظَ وَكُتِبَ فَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ7. اهـ.
وَثَبَتَ عَنْ الْغَيْرِ: ذِكْرُ الصَّوْتِ8 الْمُضَافِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنْ الْحُفَّاظِ
1 هذا طرف من حديث طويل رواه أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً
…
والثلاثة هم: عيسى، وصاحب جريج، وصبي يرضع.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 254، صحيح مسلم 4/ 1976، مسند أحمد 2/ 307".
2 لم أجد هذا الحديث فيما اطلعت عليه من كتب الحديث، ولا في الفهارس والمفاتيح المساعدة لذلك، ولا يظهر فيه دلالة على موضوع البحث..
3 هذا طرف من حديث شريف، وتمامه:"ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به".
رواه الطبراني وأبو نعيم والعسكري وغيرهم عن ابن عمر مرفوعاً. قال العسكري: أحسبه وهماً. والصواب أنه من قول عمر رضي الله عنه، وأن الأحنف قال: قال لي عمرُ: يا أحنف، من كثر ضحكه
…
ومن كثر كلامه.... وسنده ضعيف، كما قاله الزين العراقي.
"انظر كشف الخفا 2/ 274".
4 في ع ز: يكن. وهو خطأ.
5 في ض: بنطق.
6 في ع: محفوظ مكتوب.
7 في ش ز ع ب: القديم. وانظر: فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 164، 210، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 124.
8 في ب ز ض: المصنف.
وَالْمُحَدِّثِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ، وَصَحَّحُوهُ فِي تِسْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، بَلْ أَكْثَرَ. فَلا يُتَصَرَّفُ فِيهَا بِتَشْبِيهٍ، وَلا تَعْطِيلٍ1.
وَقَدْ خَرَّجَ الْفَاضِلُ النَّاقِدُ أَبُو بَكْرٍ الْمِصْرِيُّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْهَا. وَذَكَرَ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. نَقَلَهُ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ".
وَكَذَلِكَ جَمَعَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ2. وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" وَ3فِي "خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ". وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ فِي "جُزْءٍ مُفْرَدٍ" لَهُ أَيْضًا4.
الْحَدِيثُ الأَوَّلُ: مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: "خَرَجْت إلَى الشَّامِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "5 يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ - أَوْ قَالَ10::
1 قارن ما جاء في الإنصاف للباقلاني ص 129 وما بعدها.
2 هو عبد الغني بن عبد الواحد بن علي، تقي الدين، أبو محمد، المقدسي الصالحي الحنبلي، الإمام الحافظ المحدث. قال السيوطي:"كان غزير الحفظ والإتقان، وقيِّماً يجمع فنون الحديث، كثير العبادة، ورعاً، ماشياً على قانون السلف، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، له تصانيف كثيرة، منها: "المصباح"، و"نهاية المراد" و"الكمال" و"العمدة" و"تحفة الطالبين" و"الروضة" و"الذكر"، و"محنة الإمام أحمد" وغيرها. حدث في دمشق، ثم خرج إلى مصر، ومات فيها سنة 600هـ.
"انظر: طبقات الحفاظ ص 485، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 5، شذرات الذهب 4/ 345، حسن المحاضرة 1/ 354، تذكرة الحفاظ 4/ 1372، البداية والنهاية 13/ 38".
3 ساقطة في ب ز ض.
4 قال في "شرح الكافية": "جمعها ضياء الدين المقدسي، وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي، الإمام العالم الحافظ الحجة، محدث الشام، شيخ السنة، المتوفى سنة 643هـ. "شرح الكافية 1/ 226". وسوف يشير إلى ذلك المصنف صفحة 64
5 ساقطة من ب.
يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ" - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الشَّامِ- "حُفَاةً 1 عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا". قَالَ: قُلْت: مَا بُهْمًا؟ قَالَ: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ 2، فَيُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ 3، لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يُطَالِبُهُ بِمَظْلِمَةٍ. وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُطَالِبُهُ بِمَظْلِمَةٍ". قَالُوا: كَيْفَ؟ وَإِنَّا نَأْتِي اللَّهَ غُرْلاً4 بُهْمًا؟ قَالَ: "بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ 5".
أَخْرَجَ6 الْبُخَارِيُّ أَصْلَهُ فِي "صَحِيحِه"ِ تَعْلِيقًا مُسْتَشْهِدًا بِهِ إلَى قَوْلِهِ: "الدَّيَّانُ" 7 وَأَخْرَجَهُ شِهَابُ الدِّينِ فِي "الأَدَبِ الْمُفْرَدِ8"، وَأَخْرَجَهُ
1 ساقطة من ز ع ب ض.
2 البُهْمُ في اللغة جمع بَهْمَة، وهي صغار الغنم. ومعناه هنا: أنه أمر لا قيمة له، فكأنه لا شيء معه. والغُرْلُ جمع أَغْرَل، وهو الذي لم يختن، على وزن أحمر.
"انظر: المصباح المنير 1/ 103، 2/ 684، فتح الباري 13/ 353".
3 قال الحليمي: هو مأخوذ من قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ} . وهو المحاسب والمجازي، لا يضيع عمل عامل. وقال الكرماني:"المعنى لا ملك إلا أنا"، ولا مجازي إلا أنا. "فتح الباري 13/ 354".
4 ساقطة من ض.
5 قال ابن حجر: "يعني أن القصاص بين المتظالمين إنما يقع بالحسنات والسيئات". "فتح الباري 13/ 354" ولذلك سمي هذا الحديث حديث القصاص والمظالم بين أهل الجنة وأهل النار.
6 في ع: وأخرج.
7 صحيح البخاري 4/ 294. وانظر: فتح الباري 13/ 353، الأدب المفرد ص 337.
8 أي أخرج هذا الحديث شهاب الدين ابن حجر في "فتح الباري" عن "الأدب المفرد". قال ابن حجر عند الكلام عن سند الحديث وطرقه: "وساق هنا "أي البخاري" من الحديث بعضه. وأخرجه بتمامه في "الأدب المفرد". "فتح الباري 13/ 353". وانظر: الأدب المفرد ص337 باب المعانقة.
أَحْمَدُ1 وَأَبُو يَعْلَى2 وَالطَّبَرَانِيُّ3.
وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الضِّيَاءُ4 بِسَنَدِهِ إلَى جَابِرٍ. قَالَ
1 رواه الإمام أحمد عن جابر، عن عبد الله بن أنيس. وأخرج النسائي بعضَه عن ابن عباس.
"انظر: مسند أحمد 3/ 495، سنن النسائي 4/ 92، فتح الباري 13/ 353".
2 هو أحمد بن علي بن المثنى، التميمي الموصلي، أبو يعلى، الحافظ، صاحب المسند الكبير. قال ابن العماد:"وصنف التصانيف، وكان ثقة صالحاً متقناً". وكان من أهل الصدق والأمانة والدين. وثقه ابن حبان، ووصفه بالإتقان والدين. وكان مسنده كالبحر مع غيره، ورحل إليه الناس، توفي سنة 307هـ.
انظر ترجمته في "شذرات الذهب 2/ 250، تذكرة الحفاظ 2/ 707، مرآة الجنان 2/ 249، طبقات الحفاظ ص 306".
3 هو سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، نسبة إلى طبرية، الإمام العلامة الحجة. ولد بعكا، وسمع بالشام، والحجاز، واليمن، ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وأصبهان، والجزيرة. وحدث عن ألف شيخ. وقد رحل في طلب الحديث، وكان بصيراً بالعلل، والرجال والأبواب. صنف تصانيف كثيرة، منها:"المعتجم الكبير"، وهو المسند، و"المعجم الأوسط" عن شيوخه، و"المعجم الصغير"، و"دلائل النبوة"، و"الأوائل"، و"التفسير" وغيرها من المصنفات المفيدة. قال الذهبي:"ومع سعة روايته لم ينفرد بحديث"، توفي سنة 360هـ.
انظر ترجمته في تذكرة "الحفاظ 3/ 912، طبقات الحنابلة 2/ 49، وفيات الأعيان 2/ 141، طبقات المفسرين 1/ 198، ميزان الاعتدال 2/ 195، شذرات الذهب 3/ 30، طبقات الحفاظ ص 372، البداية والنهاية 11/ 270".
4 هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد، السعدي الحنبلي، ضياء الدين، المقدسي، أبو عبد الله، الإمام الحافظ الحجة، محدث الشام، وشيخ السنة. قال ابن العماد:"وهو حافظ متقن ثبت ثقة، نبيل الحجة، عالم بالحديث وأحوال الرجال، وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال، مجاهد في سبيل الله". له تصانيف كثيرة مشهورة، منها:"الأحاديث المختارة"، وو"فضائل الأعمال"، و"صفة الجنة"، و"صفة النار"، و"أفراد الحديث"، و"الرواة عن البخاري"، و"دلائل النبوة" وغيرها. توفي بدمشق سنة 643هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 4/ 1405، طبقات الحفاظ ص 494، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 236، شذرات الذهب 5/ 224".
وفي ب ع: أيضاً.
جَابِرٌ: "بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ فِي الْقِصَاصِ. وَكَانَ صَاحِبُ الْحَدِيثِ بِمِصْرَ1، فَاشْتَرَيْت بَعِيرًا فَشَدَدْت عَلَيْهِ رَحْلاً، وَسِرْت حَتَّى وَرَدْت مِصْرَ، فَمَضَيْتُ2 إلَى بَابِ الرَّجُلِ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْهُ الْحَدِيثُ. فَقَرَعْت بَابَهُ، فَخَرَجَ إلَيَّ مَمْلُوكُهُ. فَنَظَرَ فِي وَجْهِي وَلَمْ يُكَلِّمْنِي، فَدَخَلَ إلَى سَيِّدِهِ. فَقَالَ: أَعْرَابِيٌّ 3عَلَى الْبَابِ3، فَقَالَ: سَلْهُ مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ. فَخَرَجَ إلَيَّ مَوْلاهُ. فَلَمَّا تَرَاءَيْنَا اعْتَنَقَ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ. فَقَالَ: يَا جَابِرُ، مَا جِئْت تَعْرِفُ؟ قَالَ4: فَقُلْت: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقِصَاصِ، وَلا أَظُنُّ أَنَّ5 أَحَدًا مِمَّنْ مَضَى أَوْ مِمَّنْ بَقِيَ أَحْفَظُ لَهُ مِنْك. قَالَ: نَعَمْ يَا جَابِرُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِكُمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا، ثُمَّ يُنَادِي بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، غَيْرِ فَظِيعٍ، يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَنْ قَرُبَ: أَنَا الدَّيَّانُ، لا تَظَالُمَ الْيَوْمَ. أَمَا وَعِزَّتِي لا يُجَاوِرُنِي الْيَوْمَ ظَالِمٌ وَلَوْ لَطْمَةً بِكَفٍّ، أَوْ يَدٍ عَلَى يَدٍ. أَلا وَإِنَّ أَشَدَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي: عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ. فَلْتَرْتَقِبْ أُمَّتِي الْعَذَابَ إذَا تَكَافَأَ النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ".
الْحَدِيثُ الثَّانِي: مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلائِكَةُ
1 جاء في رواية الضياء أن عبد الله بن أنيس كان بمصر، بينما صرحت أكثر كتب التراجم والحديث أنه كان بالشام.
2 في ز: فنصبت.
3 ساقطة من ب ض.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 ساقطة من ب ع ز.
بِأَجْنِحَتِهَا 1خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ6. كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ. فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ - إلَى آخِرِهِ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3.
الثَّالِثُ: مَا رَوَى ابْنُ4 مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ5 صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا فَيُصْعَقُونَ، فَلا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، مَاذَا قَالَ رَبُّك؟ قَالَ: يَقُولُ: الْحَقَّ. قَالَ: فَيُنَادُونَ الْحَقَّ الْحَقَّ".
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ6.
1 في ش ز ع ب: تصديقاً له، وفي البخاري: خضعاناً، وفي ض والترمذي وابن ماجه: خضعاناً لقوله.
2 هو سليمان بن الأشعث بن شداد، أبو داود السجستاني، ويقال له: السِّجْزيّ. قال النووي: "واتفق العلماء على الثناء على أبي داود، ووصفه بالحفظ التام، والعلم الوافر، والإتقان والورع، والدين، والفهم الثاقب في الحديث وغيره، وفي أعلى درجات النسك والعفاف والورع". وعده الشيرازي وابن أبي يعلى من أصحاب أحمد. وذكره العبادي والسبكي في طبقات الشافعية، وهو صاحب كتاب "السنن". توفي بالبصرة سنة 275هـ.
انظر في ترجمته "تهذيب الأسماء 2/ 224، شذرات الذهب 2/ 167، وفيات الأعيان 2/ 138، طبقات المفسرين 1/ 201، المنهج الأحمد 1/ 175، طبقات الحنابلة 1/ 159، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 293، طبقات الشافعية للعبادي ص 60، تذكرة الحفاظ 2/ 591، طبقات الحفاظ ص 261، الخلاصة ص 150".
3 انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي 3/ 146، 179، 4/ 294، سنن أبي داود 2/ 358، تحفة الأحوذي 9/ 90، سنن ابن ماجه 1/ 70، خلق أفعال العباد ص 13، 60، فتح الباري 13/ 354، الأسماء والصفات للبيهقي 1/ 200.
4 في ع: عن ابن.
5 ساقطة من ض.
6 سنن أبي داود 2/ 537. وقال المنذري في "مختصر سنن أبي داود" بعد الحديث: وقد أخرج البخاري والترمذي وابن ماجه نحوه من حديث عكرمة مولى ابن عباس عن أبي هريرة. "مختصر سنن أبي داود 7/ 127". ولعل المنذري يشير إلى حديث أبي هريرة" السابق.
الرَّابِعُ: مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ صَلْصَلَةً كَصَلْصَلَةِ السَّلِسَةِ 1 عَلَى الصَّفَا. قَالَ: فَيُفَزَّعُونَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ. فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ يَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، مَاذَا قَالَ رَبُّك؟ قَالَ فَيَقُولُ: الْحَقَّ. قَالُوا: الْحَقَّ الْحَقَّ "2.
رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ3 الصَّبَّاحِ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ4 عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ5
1 في ش: السلسة.
2 رواه البخاري معلقاً، ووصله البيهقي في "الأسماء والصفات". ورواه أحمد عن أبي معاوية. وقد توسع ابن حجر في ذكر طرقه وأسانيده، ورجح صحته. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد".
"انظر: فتح الباري 13/ 352، الأسماء والصفات 1/ 201، خلق أفعال العباد ص 60، تفسير الطبري 22/ 90".
3 في ش: عن. وفي ض: بن أبي.
4 هو أحمد بن أبي سريج الصباح، وقيل: أحمد بن عمر الصباح، النهشلي الرازي، أبو جعفر المقرئ. قرأ على الكسائي. وروى عن شعيب بن حرب وأبي معاوية الضرير وجماعة. وحدث عنه البخاري وأبو داود والنسائي في كتبهم، وأبو بكر بن أبي داود وأبو حاتم، وقال: صدوق. مات بعد سنة 240هـ، وقال ابن الجوزي: مات سنة 230هـ.
انظر في ترجمته "معرفة القراء الكبار للذهبي 1/ 178، تهذيب التهذيب 1/ 44، الخلاصة ص 6، 7، طبقات القراء 1/ 63، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 25".
وفي ش ض: شريح.
5 هو محمد بن خازم، أبو معاوية الضرير، التيمي، الكوفي، الحافظ. قال ابن حبان:"كان حافظاً، ولكن كان مرجئاً خبيثاً". وقال الذهبي: "أحد الأئمة الأعلام الثقات، لم يتعرض له أحد، احتج به الشيخان، وقد اشتهر عنه غلو التشيع". توفي سنة 195هـ. انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 575، طبقات الحفاظ ص 122، تذكرة الحفاظ 1/ 294، شذرات الذهب 1/ 343، الخلاصة ص 334، نكت الهميان ص 247".
الْخَامِسُ: بِمَعْنَى الَّذِي قَبْلَهُ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي تَصْنِيفِهِ: رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ. قَالَ: سَأَلْت أَبِي، فَقُلْت: يَا أَبَتِ1، الْجَهْمِيَّةُ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ. فَقَالَ: كَذَبُوا، إنَّمَا يَدُورُونَ عَلَى التَّعْطِيلِ2، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ3 بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ4. قَالَ: حَدَّثَنِيْ الأَعْمَشُ5 عَنْ أَبِي
1 في ض: يا أبي.
2 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.
3 في ش ز ع ب: عبد الله. وهو خطأ. ولم أجد في جميع كتب التراجم التي رجعت إليها اسم "عبد الله المحاربي". وإنما هو عبد الرحمن. وقد جاء في "الخلاصة" أن عبد الرحمن روى عن الأعمش، وأن أحمد روى عنه، كما أكّد الذهبي ذلك في "ميزان الاعتدال" كما سيأتي في ترجمته. وفي مسند الإمام أحمد:"حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش". وقال ابن حجر: "فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش، أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" له عن أبيه عن المحاربي".
"انظر: مسند أحمد 1/ 448، فتح الباري 13/ 356، ميزان الاعتدال 2/ 585، الخلاصة ص 234".
4 هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، أبو محمد الكوفي. روى عن الأعمش، وروى عنه ابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل، وثقه ابن معين والنسائي. وقال أبو حاتم: صدوق إذا حدث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة، فيفسد حديثه بذلك. وقال الذهبي: حدث عنه أحمد وهناد، مات بالكوفة سنة 195هـ.
انظر ترجمته في "الخلاصة ص 234، ميزان الاعتدال 2/ 585، شذرات الذهب 1/ 343، تذكرة الحفاظ 1/ 312، طبقات الحفاظ ص 129".
5 هو سليمان بن مهران، أبو محمد، مولى بني كاهل، المعروف بالأعمش. كان محدث الكوفة وعالمها، وكان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث. قال ابن خلكان: "كان ثقة عالماً فاضلاً، رأى أنس بن مالك وكلمه، ولم يرزق السماع عليه، وروى عن عبد الله بن أبي أوفى حديثاً واحداً
…
وكان لطيف الخلق مزاحاً". توفي سنة 148هـ. انظر في ترجمته "وفيات الأعيان 2/ 136، طبقات القراء 1/ 315، تذكرة الحفاظ 1/ 154، الخلاصة ص 155، شذرات الذهب 1/ 220، تاريخ بغداد 9/ 3، طبقات الحفاظ ص 67، مشاهير علماء الأمصار ص 111".
الضُّحَى1 عَنْ مَسْرُوقٍ2 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ صَوْتَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ.
قَالَ السِّجْزِيُّ: "وَمَا فِي رُوَاةِ هَذَا الْخَبَرِ إلَاّ إمَامٌ مَقْبُولٌ". اهـ.
وَتَتِمَّةُ الْحَدِيثِ "فَيَخِرُّونَ سُجَّدًا، حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ - قَالَ: سَكَنَ عَنْ قُلُوبِهِمْ - نَادَى أَهْلُ السَّمَاءِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ. قَالَ: كَذَا وَكَذَا".
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ3 وَغَيْرُهُ: وَمِثْلُ هَذَا لا يَقُولُهُ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَاّ تَوْقِيفًا؛ لأَنَّهُ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلذَّاتِ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ.
1 هو مسلم بن صبيح الهمداني مولاهم، أبو الضحى، العطار لكوفي التابعي. روى عن علي مرسلاً، وعن ابن عباس وجماعة. وروى عنه الأعمش وغيره. وثقه ابن معين وأبو زرعة، وكان ثقة كثير الحديث، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة 100هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب 1/ 132، الخلاصة ص 375، طبقات ابن سعد 6/ 288، الجرح والتعديل للرازي 10/ 186".
2 هو مسروق بن الأجدع بن مالك، من هَمْدان، ويكنى أبا عائشة، الإمام الكوفي، القدوة الفقيه العابد، صاحب ابن مسعود، وروى عن أبي بكر وعمر ومعاذ وعلي. وروى له أصحاب الكتب الستة. كان يصلي حتى تورمت قدماه، قال الشعبي: ما رأيت أطلب للعلم منه. توفي سنة 63هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص79، طبقات القراء 2/ 294، تذكرة الحفاظ 1/ 49، شذرات الذهب 1/ 71، الخلاصة ص 374، طبقات الحفاظ ص 14، المعارف ص 432".
3 هو محمد بن محمد بن الحسين، القاضي الشهيد، أبو الحسين، ابن شيخ المذهب القاضي أبي يعلى الفراء. كان عارفاً بالمذهب، متشدداً في السنة، كثير الحط على الأشاعرة، وكان مفتياً مناظراً، له تصانيف كثيرة في الأصول والفروع، منها:"المجموع" في الفروع، و"المفردات في الفقه"، و"المفردات في أصول الفقه"، و"إيضاح الأدلة في الرد على الفرق الضالة المضلة"، و"طبقات الحنابلة" وغيرها. دخل عليه خدمه، وهو نائم في بيته، فأخذوا ماله وقتلوه سنة 526هـ.
انظر ترجمته في ذيل طبقات الحنابلة 1/ 176، شذرات الذهب 4/ 79، المدخل إلى مذهب أحمد ص 210.
السَّادِسُ: مَا رَوَى بَهْزُ1بْنُ حَكِيمِ2 بْنِ مُعَاوِيَةَ2 عَنْ أَبِيهِ3 عَنْ جَدِّهِ4: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فُزِّعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ لانْحِطَاطِهِ، وَسَمِعُوا صَوْتَ الْوَحْيِ كَأَشَدِّ مَا يَكُونُ مِنْ صَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا. فَكُلَّمَا مَرَّ بِأَهْلِ سَمَاءٍ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ. فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيلُ، بِمَ أُمِرْت؟ فَيَقُولُ: نُورُ الْعِزَّةِ الْعَظِيمُ. كَلامُ اللَّهِ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ"5.
السَّابِعُ: مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إذَا فُزِّعَ عَنْ
1 ساقطة من ز ع ب ض.
2 هو بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، أبو عبد الملك، القشيري البصري. روى عن أبيه وزرارة بن أوفى. وروى عنه الزهري وابن عون وسليمان التيمي والثوري والحمادان وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة يحتج به. وقال يحيى: إسناده عن أبيه عن جده صحيح. ذكره البغوي في الصحابة، ولم يوافقه ابن حجر وابن عبد البر. توفي سنة 140هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 138، الإصابة 1/ 166، الاستيعاب 1/ 180، ميزان الاعتدال 1/ 353، الخلاصة ص 53".
3 هو حكيم بن معاوية بن حَيْدة، والد بهز بن حكيم، وهو أبو بهز القشيري البصري التابعي، ثقة معروف، روى عنه ابنه بهز والحريري، وثقه ابن حبان.
"انظر: تهذيب الأسماء 1/ 167، الخلاصة ص 91".
4 هو معاوية بن حَيْدة بن معاوية القشيري، نزل البصرة، ومات بخراسان، له وفادة وصحبة. وأخرج له أصحاب السنن، وعلق له البخاري.
"انظر: الإصابة 3/ 432، الاستيعاب 3/ 404، الخلاصة ص 381".
5 رواه ابن مردويه. "انظر: فتح الباري 13/ 355".
قُلُوبِهِمْ} - الآيَةَ1. قَالَ: لَمَّا أَوْحَى اللَّهُ الْجَبَّارُ عز وجل إلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم دَعَا الرَّسُولَ مِنْ الْمَلائِكَةِ لِيَبْعَثَهُ بِالْوَحْيِ. فَسَمِعَتْ الْمَلائِكَةُ صَوْتَ الْجَبَّارِ يَتَكَلَّمُ بِالْوَحْيِ. فَلَمَّا2 كُشِفَ عَنْ قُلُوبِهِمْ سَأَلُوهُ عَمَّا قَالَ؟ قَالُوا: الْحَقَّ، وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَقُولُ إلَاّ حَقًّا، وَأَنَّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَصَوْتُ الرَّحْمَنِ كَصَوْتِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا - كُلَّمَا سَمِعُوهُ خَرُّوا سُجَّدًا، فَلَمَّا رَفَعُوا رُؤُوْسَهُمْ قَالُوا: مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ3: الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ4.
الثَّامِنُ: مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ5 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ: يَا آدَم. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادِي بِصَوْتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُك أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِك بَعْثًا إلَى النَّارِ".
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ6.
التَّاسِعُ: مَا رَوَاهُ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ7. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
1 الآية 23 من سبأ. وتتمة الآية: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
2 في ع ب ز ض: ولما.
3 في ش ز ع ب: قالوا.
4 رواه الطبري في تفسيره. وروى البخاري في كتابه "خلق أفعال العباد" عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إذا قضى الله -جل ذكره- أمراً تكلم، رجفت الأرض والسماء والجبال، وخرت الملائكة كلهم سجداً".
"انظر: تفسير الطبري 22/ 91، خلق أفعال العباد ص 60".
5 هو الصحابي أبو سعيد الخدري، سعد بن مالك. ومرت ترجمته في المجلد الأول.
6 هذا طرف من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي سعيد مرفوعاً.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 233، 4/ صحيح مسلم 2/ 201، مسند أحمد 3/ 32، فتح الباري 13/ 355، خلق أفعال العباد ص60".
ورواه الترمذي عن عمران بن حصين. "انظر: تحفة الأحوذي 9/ 10".
7 هو الصحابي النوَّاسُ بن سَمْعان بن خالد العامري الكلابي. وله ولأبيه صحبة. له سبعة عشر حديثاً، انفرد له مسلم بثلاثة. روى عنه جبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني.
"انظر: الإصابة 3/ 579، الاستيعاب 3/ 569، الخلاصة ص 406".
"إذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِأَمْرٍ أَخَذَتْ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِذَا سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلَ عليه السلام، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، فَيَنْتَهِي 1 بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام إلَى 2 الْمَلائِكَةِ، كُلَّمَا مَرَّ بِهِ فِي 3 سَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: {الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 4. فَيَقُولُونَ 5 كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ فَيَنْتَهِي بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام 6 حَيْثُ أُمِرَ مِنْ السَّمَاءِ 7 وَالأَرْضِ".
رَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ بِسَنَدِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ8 مُتَّصِلاً إلَى النَّوَّاسِ9 بْنِ سَمْعَانَ10.
1 في رواية: فيمضي "فتح الباري 13/ 355".
2 في ز ع ب: على.
3 ساقطة من ز. وفي ب ع: بـ.
4 الآية 23 من سبأ.
5 في ب: فيقول.
6 ساقطة من ش.
7 في ز: بالسماء. وفي ش ب ع ض: السماء.
8 هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، أبو محمد الأصبهاني، الحافظ، الملقب بأبي الشيخ، العابد القانت، صاحب التصانيف السائرة، كان حافظاً ثبتاً ثقة مأموناً متقناً. ومن مصنفاته:"الأحكام"، و"التفسير". توفي سنة 369 هـ وله 95 سنة.
"انظر: طبقات المفسرين 1/ 240، طبقات القراء 1/ 447، شذرات الذهب 3/ 69، تذكرة الحفاظ 3/ 945".
9 في ض: نواس.
10 روى حديث النواس ابن جرير الطبري وابن خزيمة وابن أبي حاتم والبيهقي.
"انظر: تفسير ابن كثير 5/ 551، تفسير الطبري 22/ 91، الأسماء والصفات 1/ 203".
الْعَاشِرُ: مَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ. وَيَقُولُ: "أَلا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إلَى قَوْمِهِ؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ1 وَابْنُ مَاجَهْ2.
الْحَادِيَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ جَابِرٌ. قَالَ: "لَمَّا قُتِلَ أَبِيْ3 يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا جَابِرُ، أَلا أُخْبِرُك بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لأَبِيك"؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: "وَمَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا إلَاّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، إلَاّ أَبَاك. فَكَلَّمَ اللَّهُ أَبَاك
1 هو أحمد بن شعيب بن علي بن سنان الخراساني النسائي، أبو عبد الرحمن. وهو القاضي الإمام الحافظ، أحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين. قال الحاكم:"كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال". له مصنفات، منها:"السنن الكبرى"، و"السنن الصغرى"، و"خصائص علي"، و"مسند علي"، و"مسند مالك" وغيرها. مات شهيداً بفلسطين سنة 303هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 14، طبقات القراء 1/ 349، العقد الثمين 3/ 45، وفيات الأعيان 1/ 59، تذكرة الحفاظ 2/ 698، شذرات الذهب 2/ 239، طبقات الحفاظ ص 303، الخلاصة ص 7، حسن المحاضرة 1/ 349".
2 رواه أصحاب السنن وأحمد. ورواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. ويظهر أن النسائي رواه في السنن الكبرى، لأنني لم أجده في السنن الصغرى المطبوعة، ولم يشر عبد الغني المقدسي إلى رواية النسائي له. ورواه البخاري في خلق أفعال العباد.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 536، تحفة الأحوذي 8/ 242، سنن ابن ماجه 1/ 73، ومسند أحمد 3/ 390، المستدرك 2/ 612، خلق أفعال العباد ص 13، 28، ذخائر المواريث 1/ 128".
3 هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي، معدود في أهل العقبة وبدر، وكان من النقباء، واستشهد يوم أحد. وهو أول قتيل قتل من المسلمين يومئذ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهزيمة، وجدع أنفه، وقطعت أذناه، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها، وأن الله تعالى كلمه كفاحاً".
"انظر: الإصابة 2/ 350، الاستيعاب 2/ 339، حلية الأولياء 2/ 4".
كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا 1 عَبْدَ اللَّهِ تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِك 2. قَالَ: يَا رَبِّ تَرُدُّنِي فَأُقْتَلُ فِيك ثَانِيَةً2. فَقَالَ: سَبَقَ مِنِّي الْقَوْلُ 3: "أَنَّهُمْ إلَيْهَا لا يُرْجَعُونَ 4 ". فَقَالَ: يَا رَبِّ أَخْبِرْ مَنْ وَرَائِي". فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ 5 عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 6.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ7.
الثَّانِيَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَأَ طَهَ وَيس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ الْمَلائِكَةُ 8، قَالَتْ: طُوبَى لأُمَّةٍ يَنْزِلُ هَذَا عَلَيْهِمْ، وَطُوبَى لأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا، وَطُوبَى لأَلْسُنٍ تَتَكَلَّمُ بِه ِ9 ".
رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ10.
1 في الإصابة: يا عبدي سلني أعطك. رواه الترمذي. "انظر: الإصابة 2/ 350".
2 في ع: ثانيا.
3 في ض: القول مني.
4 قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} . يس/ 31.
5 في ز: أحياء – الآية. وفي ب ع: أمواتا –الآية. وفي ض: في سبيل الله- الآية.
6 الآية 169 من آل عمران.
7 قال الترمذي: حديث حسن غريب. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد". ورواه الإمام أحمد مختصراً.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 360، سنن ابن ماجه 1/ 68، 2/ 936، خلق أفعال العباد ص 14، مسند أحمد 3/ 361".
8 في مجمع الزوائد: الملائكة القران.
9 في مجمع الزوائد: بهذا.
10 هو محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري، أبو بكر، المحدث الحافظ الكبير، الثبت، إمام الأئمة حفظاً وفقهاً وزهداً، شيخ الإسلام، تفقه على المزني وغيره، وصنف......=
الثَّالِثَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ1، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ 2 عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاتِهِ، وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ".
قَالَ أَبُو نَضْرٍ3: يَعْنِي الْقُرْآنَ.
=وجود واشتهر، وانتهت إليه الإمامة والحفظ في عصره بخراسان، مصنفاته تزيده عن مائة وأربعين كتاباً سوى المسائل، توفي سنة 311هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 109، تذكرة الحفاظ 2/ 720، البداية والنهاية 11/ 149، طبقات القراء 2/ 97، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 105، شذرات الذهب 2/ 262، طبقات الحفاظ ص 310".
والحديث رواه الطبراني في الأوسط. قال الهيثمي: "وفيه إبراهيم بن مهاجر بن مسمار، ضعفه البخاري بهذا الحديث، ووثقه ابن معين". "مجمع الزوائد 7/ 56". وقال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع. وقال ابن عدي: لم أجد لإبراهيم حديثاً أنكر من هذا، لأنه لا يرويه غيره. الموضوعات لابن الجوزي 1/ 110".
1 هو الصحابي صدي بن عجلان بن الحارث، أبو أمامة الباهلي، مشهور بكنيته، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة. أخرج الطبراني أنه شهد أحداً، لكن سنده ضعيف، وهو ممن بايع تحت الشجرة. وقال ابن حبان: كان مع علي بصفين، سكن مصر ثم انتقل إلى حمص، فسكنها ومات فيها، وهو آخر من مات من الصحابة بالشام، توفي سنة 86هـ، وله 106 سنوات.
"انظر: الإصابة 2/ 182، الاستيعاب 4/ 4، تهذيب الأسماء 2/ 176، شذرات الذهب 1/ 96، الخلاصة ص 464".
ولفظة الباهلي ساقطة من ز ع ض.
2 في ز ع ض ب: ليدور.
3 في ش ز ع ب ض: أبو نصر، وهو تصحيف. وقد نص الترمذي عليه، فروى الحديث عن أبي النضر عن بكر بن خنيس. "انظر: تحفة الأحوذي 8/ 229".
وأبو النضر هو سعيد بن أبي عَرُوبة مهران العدوي مولاهم، البصري، الحافظ العالم، شيخ البصرة في زمانه. روى عنه الأعمش وشعبة والثوري وابن المبارك. ولم يكن له كتاب، إنما كان يحفظ ذلك. وقال أبو حاتم: قبل أن يختلط ثقة. وكان أعلم الناس بحديث قتادة، وكان يقول بالقدر سراً. توفي سنة 156هـ.
"انظر: ميزان الاعتدال 2/ 151، المعارف ص 508، شذرات الذهب 1/ 239، الخلاصة ص 141، طبقات الحفاظ ص 78، تذكرة الحفاظ 1/ 177".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ: "مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ
…
" وَسَاقَهُ أَيْضًا1 مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ2.
الرَّابِعَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ عُثْمَانُ3 عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ، كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهُ".
1 ساقطة من ش.
2 رواه أحمد والترمذي. ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد" موقوفاً على خباب بن الأرت، ثم قال:"مع أن هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه. وقال المباركفوري: وفي سنده بكر بن خنيس وهو متكلم فيه".
وقوله: "بأفضل مما خرج منه"، يعني بأفضل من القرآن، وخرج منه، أي ظهر لنا كظهور الشيء من الشيء. وقيل: الضمير في "منه" عائد إلى العبد. وخروجه منه وجوده على لسانه محفوظاً في صدره، مكتوباً بيده، والمقصود أنه لا يوجد شيء من العبادات يتقرب العبد به إلى الله ويجعله وسيلة له أفضل من القرآن.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 229، 230، مسند أحمد 5/ 268، فيض القدير 5/ 416، خلق أفعال العباد ص 13، 65".
3 هو عثمان بن عفان بن أبي العاص، القريشي الأموي، أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين، أبو عبد الله، ذو النورين، أسلم قديماً عندما دعاه أبو بكر إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة بزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد وفاته رقية تزوج أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى له 146 حديثاً. بويع بالخلافة سنة 24 هـ. وفتح في عهده شمال أفريقيا وفارس. وهو أحد المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وكان جواداً في سبيل الله، قتل شهيداً سنة 35هـ، ومناقبه كثيرة.
"انظر: الإصابة 2/ 462، الاستيعاب 3/ 69، تهذيب الأسماء 1/ 321، شذرات الذهب 1/ 40، الخلاصة ص 261، إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ص 142، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 147".
رَوَاهُ الْحَافِظُ أَيْضًا بِسَنَدِهِ1.
وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ 2عَلَى جِنَازَةٍ2 فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: يَا رَبَّ الْقُرْآنِ اغْفِرْ لَهُ3. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "اُسْكُتْ. فَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، لَيْسَ بِمَرْبُوبٍ، مِنْهُ خَرَجَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ4".
الْخَامِسَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ أَبُو5 شُرَيْحٍ6. قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَبْشِرُوا، أَبْشِرُوا، أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ، وَأَنِّي
1 لعله الحافظ ضياء الدين المقدسي الذي مرت ترجمته صفحة 64، أو الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، وهو المراد إذا أطلق الحافظ عند علماء الحديث. ورواه أبو يعلى في "معجمه" والبيهقي عن أبي هريرة. ورواه الترمذي في آخر حديث:"من شغله القرآن عن ذكري". ورواه البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي موقوفاً عليه في كتابه "خلق أفعال العباد". وأشار إلى تضعيفه فقال: "لو صح هذا الخبر لم يكن فيه...." وقال ابن حجر: "وخرجه ابن عدي بسند ضعيف". ورواه الدارمي عن شهر بن حوشب. ورواه أحمد في كتاب "السنة" عن الحسن، وعن أبي هريرة.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 244، فيض القدير 4/ 434، الفتح الكبير 2/ 268، خلق أفعال العباد ص 13، 65، السنة ص 22، سنن الدارمي 2/ 441، فتح الباري 13/ 352".
2 ساقطة من ز ش ب د ض.
3 في ش: لي.
4 وهو ما رواه الإمام أحمد عن وكيع "السنة ص 25"، ومرت الإشارة إليه صفحة 20. ومعنى "منه خرج أو بدأ" أن الله تعالى أمر به ونهى. "وإليه يعود" أي هو الذي يسأل العبد عما أمره وعما نهاه. وقال الطيبي: معنى قوله: "منه بدأ" أنه أنزله على الخلق ليكون حجة لهم وعليهم. ومعنى قوله: "إليه يعود" أن مآل أمر وعاقبته من حقيقته في ظهور صدق ما نطق به من الوعد والوعيد إليه تعالى.
"انظر فيض القدير 5/ 416، شرح الكافية 1/ 29، 205".
5 ساقطة من ز.
6 هو الصحابي خويلد بن عمرو، أبو شريح الخزاعي ثم الكعبي، أسلم قبل الفتح، وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح. قال الواقدي: كان أبو شريح الخزاعي من عقلاء المدينة. وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم فتح مكة. وعندما جهز عمرو بن سعيد أمير المدينة البعث إلى مهاجمة مكة في عهد يزيد بن معاوية، جاءه أبو شريح وحذره من ذلك. رُوِيَ له عشرون حديثاً. ومات بالمدينة سنة 68هـ.
"انظر: الإصابة 4/ 101، الاستيعاب 4/ 101، تهذيب الأسماء 2/ 242، الخلاصة ص 452، شذرات الذهب 1/ 76".
رَسُولُ اللَّهِ؟ "، فَقَالُوا1: بَلَى. فَقَالَ2: "فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ، طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ. فَتَمَسَّكُوا بِهِ. فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا" 3.
رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ4.
وَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ5 فِي "الصَّحِيحِ" "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَاّ
1 في ز ع ب ض: قالوا.
2 في ع ض: قال.
3 رواه الطبراني عن جبير. "انظر: الفتح الكبير 1/ 17".
4 هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم، أبو بكر، الحافظ، الحجة، الثبت، النحرير، العبسي مولاهم، الكوفي. قال أبو عبيد: انتهى علم الحديث إلى أربعة؛ فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد أفقههم فيه. وقد صنف ابن أبي شيبة تصانيف كثيرة، منها:"المسند"، و"المصنف"، و"الأحكام"، و"التفسير"، و"السنن"، و"التاريخ"، و"الفتوح". مات سنة 235هـ.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 246، طبقات الحفاظ ص 189، ميزان الاعتدال 2/ 490، تذكرة الحفاظ 2/ 432، تاريخ بغداد 10/ 66، البداية والنهاية 10/ 315، شذرات الذهب 2/ 85، الخلاصة ص 212، الفهرست ص 320".
5 هو سليمان بن داود بن الجارود البصري، أبو داود الطيالسي الحافظ، أحد الأعلام. قال الخطيب:"كان حافظاً مكثراً ثقة ثبتاً". وقال ابن المديني: "ما رأيت أحداً أحفظ من أبي داود". وقال أبو حاتم: "أبو داود محدث صدوق كثير الخطأ"، وهو صاحب "المسند". ماب بالبصرة سنة 203هـ، وقيل سنة 204هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 2/ 203، تذكرة الحفاظ 1/ 351، تاريخ بغداد 9/ 24، الخلاصة ص 151، طبقات الحفاظ ص 149، شذرات الذهب 2/ 12".
وفي ض: والطيالسي.
سَيُكَلِّمُهُ 1 رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ" 2.
وَفِي أَحَادِيثَ أُخَرَ تَبْلُغُ3 نَحْوَ الثَّلاثِينَ وَارِدَةٌ فِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ4، بَعْضُهَا صِحَاحٌ وَبَعْضُهَا حِسَانٌ، وَيُحْتَجُّ بِهَا أَخْرَجَهَا الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ غَالِبَهَا، وَاحْتَجَّ بِهِ، وَأَخْرَجَ غَالِبَهَا أَيْضًا ابْنُ حَجَرٍ فِي "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ5". وَاحْتَجَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. وَقَدْ صَحَّحُوا هَذِهِ الأَحَادِيثَ وَاعْتَقَدُوهَا مَعَ مَا فِيهَا، وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا، مُنَزِّهِينَ اللَّهَ6 عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ مِنْ شُبُهَاتِ الْحُدُوثِ وَغَيْرِهَا، كَمَا قَالُوا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ7.
فَإِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنْ النَّاسِ مَا يُقَدَّرُ 8عُشْرَ مِعْشَارِ هَؤُلاءِ5 يَقُولُ9: لَمْ يَصِحَّ
1 في ز ش: سيكلم.
2 هذا طرف من حديث رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد عن عدي بن حاتم.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 54، 4/ 287، صحيح مسلم 2/ 702، تحفة الأحوذي 7/ 98، سنن ابن ماجه 1/ 66، مسند أحمد 4/ 256، السنة للإمام أحمد ص 43، الفتح الكبير 3/ 124، منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 2/ 232.
3 في ز ع ب: تبلغ هذه.
4 جاء في "شرح الكافية": "وقد رُوي في إثبات الحرف والصوت أحاديث تزيد عن أربعين حديثاً، بعضها صحاح، وبعضها حسان، ويحتج بها، أخرجها الإمام الحافظ ضياء الدين المقدسي وغيره. وأخرج أحمد غالبها...." ونقل ما ذكره المصنف أعلاه. "شرح الكافية 1/ 229".
5 فتح الباري بشرح صحيح البخاري 13/ 352.
6 في ز ع ب: لله.
7 انظر: فتح الباري 13/ 356، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 74، وقارن ما جاء في "فواتح الرحموت 2/ 7".
8 في ض: قدر معشارهم.
9 في ز: يقوله.
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ وَاحِدٌ1 أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ. وَرَأَيْنَا2 هَؤُلاءِ الأَئِمَّةَ أَئِمَّةَ الإِسْلامِ الَّذِينَ اعْتَمَدَ أَهْلُ الإِسْلامِ عَلَى أَقْوَالِهِمْ وَعَمِلُوا بِهَا وَدَوَّنُوهَا وَدَانُوا3 اللَّهَ بِهَا صَرَّحُوا بِأَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ لا يُشْبِهَانِ صَوْتَ مَخْلُوقٍ وَلا حَرْفَهُ بِوَجْهٍ أَلْبَتَّةَ. مُعْتَمَدِينَ عَلَى مَا صَحَّ عِنْدَهُمْ عَنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الْمَعْصُومِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، الَّذِي لا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى، إنْ هُوَ إلَاّ وَحْيٌ يُوحَى4، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ الْجَازِمِينَ بِهِ، الَّذِي لا يَعْتَرِيهِ شَكٌّ وَلا وَهْمٌ وَلا خَيَالٌ: نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ وَالتَّعْطِيلِ وَالتَّكْيِيفِ5، وَأَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي صِفَةِ الْكَلامِ كَمَا يَقُولُونَ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ لِلَّهِ6 تَعَالَى، مِنْ النُّزُولِ وَالاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ وَالْوَجْهِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا7، كَمَا قَالَهُ سَلَفُ الأُمَّةِ، مَعَ إثْبَاتِهِمْ لَهَا. {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَاّ الضَّلالُ} 8، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 9.
وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ - رَادًّا عَلَى مُنْكِرِي الْحَرْفِ وَالصَّوْتِ - عَنْ
1 في ب ز ش: والحق.
2 في ض: ورأيت.
3 في ع: لله.
4 هذا اقتباس من قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَاّ وَحْيٌ يُوْحَى} . النجم/ 3-4.
5 انظر: فتح الباري 13/ 356، مجموعة الرسائل والمسائل 2/ 153.
6 في ع: التي لله.
7 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم ص 420، 465. التعرف لمذهب أهل التصوف ص 14 وما بعدها.
8 الآية 32 من يونس.
9 الآية 40 من النور.
الزُّهْرِيِّ1 عَنْ أَبِي بَكْرِ "بْنِ" 2 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ3 عَنْ جَرِيرٍ4 عَنْ كَعْبٍ5 أَنَّهُ قَالَ: "لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى بِالأَلْسِنَةِ كُلِّهَا قَبْلَ لِسَانِهِ،
1 هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، الزهري، أبو بكر المدني التابعي، أحد الأعلام، نزل الشام. روى عن الصحابة والتابعين. رأى عشرة من الصحابة، وكان من أحفظ أهل زمانه، وأحسنهم سياقاً لمتون الأخبار، فقيهاً فاضلاً، ينسب إلى جد جده "شهاب". وكان يأتي دور الأنصار فلا يبقي فيها شابًّا إلا سأله، ولا كهلاً، ولا أنثى ولا عجوزاً إلا سأله. قال الشيرازي:"كان أعلمهم بالحلال والحرام". توفي سنة 124هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 42، تذكرة الحفاظ 1/ 108، طبقات الفقهاء ص 63، حلية الألياء 3/ 360، طبقات القراء 2/ 262، وفيات الأعيان 3/ 317، شذرات الذهب 1/ 162، الخلاصة ص 359، تهذيب الأسماء 1/ 90".
2 ساقطة من جميع النسخ، ولا بد من إضافتها.
3 هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث القرشي المخزومي، المدني التابعي، أحد فقهاء المدينة السبعة، واسمه كنيته في الصحيح. قال النووي:"وكان ثقة عالماً عاقلاً سخياً كثير الحديث". وكان يقال له راهب قريش، لفضله وكثرة صلاته. واستصغر يوم الجمل، فردَّ هو وعروة بن الزبير، وذهب بصره بعد، وكان هو وإخوته ثقات جلة، يضرب بهم المثل. دخل مغتسله فمات فجأة فيه سنة 94هـ بالمدينة.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 2/ 194، وفيات الأعيان 1/ 253، مشاهير علماء الأمصار ص 65، تذكرة الحفاظ 1/ 63، طبقات الحفاظ ص 24، طبقات الفقهاء 47، 59، 61، المعارف ص 282، نكت الهميان ص 131، الخلاصة ص 444".
4 في ش ز: بن. وهو خطأ.
5 هو كعب بن ماتع الحميري، أبو إسحاق، المعروف بكعب الأحبار. أدرك النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً، وأسلم في خلافة أبي بكر أو عمر. وقيل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم. والراجح أن إسلامه كان في خلافة عمر. وكان مسكنه في اليمن، ثم قدم المدينة، ثم أتى الشام فمات بحمص سنة 32هـ، وقيل غير ذلك. وكان على دين اليهود، وكان عنده علم كثير، وكان يقص على الناس ثم أمسك حتى أمره معاوية بذلك. وذكره معاوية فقال:"إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين عند أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب". أخرجه البخاري. وأوّله بعضهم بأن مراده بالكذب عدم وقوع ما يخبر به أنه سيقع، لا أنه يكذب. توفي سنة 32هـ بحمص، وقيل سنة 35هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 315، الخلاصة ص 321، تهذيب الأسماء 2/ 68، مشاهير علماء الأمصار ص 118، شذرات الذهب 1/ 40".
فَطَفِقَ مُوسَى يَقُولُ: وَاَللَّهِ يَا رَبِّ مَا أَفْقَهُ هَذَا، حَتَّى كَلَّمَهُ بِلِسَانِهِ آخِرَ الأَلْسِنَةِ1 بِمِثْلِ صَوْتِهِ.
قَالَ: وَهُوَ مَحْفُوظٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ2. رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي عَتِيقٍ3 وَالزُّبَيْدِيُّ4 وَمَعْمَرٌ5 وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ6.
1 في ع: الألسنة كلها.
2 روى هذا الحديث الطبريُّ بسنده عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام. قال: أخبرني جزْءُ بن جابر الخثعمي، قال: سمعت كعباً يقول...." "تفسير الطبري 6/ 29". وهذا السند يتفق مع ما أثبتناه أعلاه، مع استبدال جَزْء بن جابر بجرير.
3 هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق، واسم جده محمد، روى عنه أبو داود وابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات.
"انظر: الخلاصة ص 345، 477، ميزان الاعتدال 3/ 595، لسان الميزان 5/ 218، التاريخ الكبير 1/ 126".
4 هو محمد بن الوليد بن عامر الزُّبَيْديّ، أبو الهذيل الحمصي القاضي. روى عن الزهري ونافع وخلق. قال الأوزاعي:"لم يكن من أصحاب الزهري أثبت من الزبيدي". وقال ابن سعد: "كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث". وهو من أتباع التابعين، والحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه. توفي سنة 148، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 77، مشاهير علماء الأمصار ص 182، الخلاصة ص363، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، شذرات الذهب 1/ 224".
5 هو مَعْمَر بن راشد الأزدي الحراني البصري، أبو عروة، نزيل اليمن. روى عن الأعمش ومحمد بن المنكدر وقتادة والزهري وخلق. قال ابن حبان:"كان فقيهاً متقناً، حافظاً ورعاً". وهو أول من ارتحل إلى اليمن في طلب الحديث، فلقي بها همام بن منبه، وله "الجامع" المشهور في السير. وهو أقدم من "الموطأ". له أوهام احتملت له في سعة ما أتقن. توفي سنة 152هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 154، مشاهير علماء الأمصار ص 192، شذرات الذهب 1/ 235، تذكرة الحفاظ 1/ 190، الخلاصة ص 384، طبقات الحفاظ ص 82".
6 هو يونس بن يزيد الأيلي، الأموي مولاهم، أبو يزيد الرقاشي. روى عن.......=
وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ1، وَهُمْ أَئِمَّةٌ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ2.
وَقَوْلُهُ "بِمِثْلِ صَوْتِهِ" مَعْنَاهُ: أَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ مِثْلَ صَوْتِهِ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ سَمَاعِهِ وَبَيَانِهِ عِنْدَهُ، وَيُوَضِّحُهُ قَوْله تَعَالَى:"لَوْ كَلَّمْتُك بِكَلامِي لَمْ تَكُ شَيْئًا وَلَمْ تَسْتَقِمْ لَهُ3".
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: أَنَّ أَبَاهُ أَبَا يَعْلَى: ذَكَرَ فِي "الْمُرْتَضَى مِنْ
= الزهري ونافع وجماعة. وروى عنه ابن وهب والأوزاعي والليث. قال ابن العماد: "صاحب الزهري، وأوثق أصحابه، وهو حجة ثقة". وقال ابن مهدي: "كتابه صحيح". لكن الإمام أحمد استنكر له أحاديث، مات بالصعيد بمصر سنة 159هـ.
انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال 4/ 484، تذكرة الحفاظ 1/ 162، طبقات الحفاظ ص 71، الخلاصة ص 441، شذرات الذهب 1/ 233، حسن المحاضرة 1/ 345".
1 هو شعيب بن أبي حمزة دينار، الأموي مولاهم، أبو بشر الحمصي. روى عن الزهري ونافع وابن المنكدر. أحد الأثبات المشاهير. قال يحيى بن معين:"هو أثبت الناس في الزهري". روى عن الزهري 1600 حديث. قال أحمد بن حنبل: "رأيت كتبه وقد ضبطها وقيّدها". وهو ممن صنف في العبادة. وذكر ابن سعد والسيوطي أن اسم أبي دينار حمزة. وقال الذهبي وابن العماد: "إن أبا حمزة هو ابن دينار". مات شعيب سنة 163هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 94، تذكرة الحفاظ 1/ 221، الخلاصة ص 166، العبر 1/ 242، شذرات الذهب 1/ 257، طبقات ابن سعد 7/ 468 ط صادر".
وفي ش ض: ابن أبي ضمرة. وهو تصحيف.
2 انظر تفسير الطبري 6/ 29، الأسماء والصفات 1/ 189 وما بعدها.
3 يظهر أن هذا الخبر من الإسرائيليات، وأن قوله تعالى: "لو كلمتك بكلامي
…
" من التوراة. وليس من القرآن الكريم يقيناًَ. وقد روى البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
…
}
…
الآية". رواه أبو داود في سننه.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 307، تفسير الطبري 6/ 29، سنن أبي داود 2/ 286".
الدَّلائِلِ": أَنَّ الْقَادِرَ بِاَللَّهِ1 جَمَعَ الْعُلَمَاءَ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ. وَكَتَبَ رِسَالَةً فِي الاعْتِقَادِ، وَقُرِئَتْ عَلَى الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ وَأَقَرُّوا بِهَا. وَكَتَبُوا خُطُوطَهُمْ عَلَيْهَا. وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ2 اعْتِقَادٌ إلَاّ هَذَا، وَقُرِئَتْ مِرَارًا فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، وَفِيهَا:
"أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ تَكَلَّمَ بِهِ تَكَلُّمًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللَّهِ. فَتَلاهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَتَلاهُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَتَلاهُ أَصْحَابُهُ عَلَى الأُمَّةِ، وَلَمْ يَصِرْ بِتِلاوَةِ الْمَخْلُوقِينَ لَهُ مَخْلُوقًا؛ لأَنَّ ذَلِكَ الْكَلامَ بِعَيْنِهِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللَّهُ بِهِ3"، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ4.
وَحَكَى ابْنُ حَجَرٍ الإِجْمَاعَ مِنْ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ5 مَخْلُوقٍ، تَلَقَّاهُ جِبْرِيلُ عَنْ اللَّهِ، وَبَلَّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى مُحَمَّدٍ، وَبَلَّغَهُ مُحَمَّدٌ إلَى أُمَّتِهِ6.
1 هو أحمد بن إسحاق بن جعفر، أبو العباس الخليفة العباسي، القادر بالله. بويع له بالخلافة سنة 381هـ، وكان غائباً. قال الخطيب:"كان له من الشعر والديانة والسيادة وإدامة التهجد بالليل والصدقات، مع حسن المذهب وحسن الاعتقاد، تفقه على المذهب الشافعي". وصنف كتاباً في "الأصول" ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب أهل الحديث، وأورد فيه فضائل عمر بن عبد العزيز، وكان الكتاب يقرأ كل جمعة، وفيه تكفير المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وهو أطول الخلفاء العباسيين مدة في الخلافة، إذ استمر فيها 41 سنة. توفي سنة 422هـ.
"انظر: تاريخ الخلفاء ص 411، شذرات الذهب 3/ 221، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 5، تاريخ بغداد 4/ 37".
2 ساقطة من د ب.
3 وجاء في تتمة الكلام أيضاً: "فهو غير مخلوق في كل حال، متلوًّا ومحفوظاً ومكتوباً ومسموعاً. "انظر مقالات الإسلاميين، المقدمة 1/ 27، التعرف لمذهب أهل التصوف ص 18".
4 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 61، 123، مقالات الإسلاميين 1/ 26، التعرف ص 18 وما بعدها.
5 في ض: وغير.
6 فتح الباري 13/ 357، وانظر مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي "صَيْدِ الْخَاطِرِ": "نَهَى الشَّرْعُ عَنْ الْخَوْضِ فِيمَا يُثِيرُ غُبَارَ شُبْهَةٍ، وَلا يَقْوَى عَلَى قَطْعِ طَرِيقِهِ إقْدَامُ الْفَهْمِ. وَإِذَا كَانَ قَدْ نَهَى عَنِ1 الْخَوْضِ فِي الْقَدَرِ. فَكَيْفَ يُجِيزُ الْخَوْضَ فِي صِفَاتِ الْمُقَدِّرِ؟ وَمَا ذَاكَ2 إلَاّ لأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِخَوْفِ إثَارَةِ شُبْهَةٍ تُزَلْزِلُ الْعَقَائِدَ، أَوْ لأَنَّ قُوَى الْبَشَرِ تَعْجِزُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَقَائِقِ3".
وَاسْتُدِلَّ لأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ عَبْدِ اللَّهِ4 وَعُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ5 وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْحَدِيثِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالآثَارِ وَالْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ.
1 في ب ز ض: أهل.
2 في ش ز: ذلك. والأعلى من ب ع ض، ومن صيد الخاطر.
3 صيد الخاطر ص 184. وانظر: نفس المرجع ص 181.
4 هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التميمي مولاهم، أبو عبد الرحمن المروزي، أحد الأئمة الأعلام. قال ابن العماد: "الإمام العالم الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب
…
ذو التصانيف النافعة، والرحلة الواسعة، جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب، مع قيام الليل والعبادة". وكان رحمه الله يحج عاماً ويغزو عاماً. وكانت له تجارة واسعة ينفق معظمها على الفقراء. قال ابن مهدي:"الأئمة أربعة: سفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن المبارك". له مصنفات كثيرة، منها:"السنن"، و"التفسير"، و"التاريخ"، و"الزهد"، و"الجهاد". مات عند منصرفه من الغزو سنة 181هـ بهيت بالعراق.
انظر ترجمته في "تاريخ بغداد 10/ 152، تذكرة الحفاظ 1/ 274، حلية الأولياء 8/ 162، الديباج المذهب 1/ 407، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 134، طبقات الحفاظ ص 117، طبقات القراء 1/ 446، طبقات المفسرين 1/ 243، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94، المعارف ص 511، مشاهير علماء الأمصار ص 194، الخلاصة ص 211، وفيات الأعيان 2/ 236، الفهرست ص 319، تهذيب الأسماء 1/ 285".
5 هو عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد الدارمي السجستاني، الإمام الحافظ الحجة، محدث هراة، جمع بين الحديث والفقه، وكان ثقة حجة ثبتاً، وله تصانيف كثيرة. قال أبو زرعة:"رُزِق حسن التصنيف". ومن مصنفاته: "سؤالات في الرجال"، و"المسند" الكبير، و"الرد على الجهمية". وقال أبو الفضل الجارودي:"كان إماماً يقتدى به في حياته وبعد مماته". مات سنة 280هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 2/ 621، البداية والنهاية 11/ 69، طبقات الحفاظ ص 274، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 302، طبقات الحنابلة 1/ 221".
وَتَوَلُّدُهُ تَنَوُّعُهُ إلَى مَاضٍ وَأَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَمُشْتَقٍّ وَغَيْرِهِ، وَمَصْدَرٍ وَقَوْلٍ 1وَأَدَاةِ تَأْكِيدٍ6 وَغَيْرِ ذَلِكَ عَنْ "تَكْلِيمًا".
وَالْمُنَادَاةُ وَالْمُنَاجَاةُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لا تُرْجُمَانَ بَيْنَهُمَا، وَإِسْمَاعُ الْبَشَرِ حَقِيقَةً لا يَقَعُ إلَاّ لِلأَصْوَاتِ.
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ غَيْرَ الصَّوْتِ يَجُوزُ فِي الْعَقْلِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الْبُنْيَةِ الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا احْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى} 2 وَالنِّدَاءُ عِنْدَ الْعَرَبِ، لا يَكُونُ إلَاّ بِصَوْتٍ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ اللَّهِ وَلا رُسُلِهِ3، وَلا عَنْ4 غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ غَيْرُ صَوْتٍ. وَكَلَّمَ مُوسَى بِلا وَاسِطَةٍ إجْمَاعًا.
قَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِ طَهَ:، "قَالَ وَهْبٌ5: وَ6نُودِيَ مِنْ الشَّجَرَةِ فَقِيلَ:
1 في ب: وإرادة وتأكيد.
2 الآية 11 من طه. وفي ز ع ب ض: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ} [الآية] .
3 في ض: رسوله.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 هو وهب بن مُنَبِّه، أبو عبد الله الصنعاني اليماني، التابعي، صاحب الأخبار والقصص. كانت له معرفة بأخبار الأوائل وأحوال الأنبياء، وسير الملوك. وكان شديد الاعتناء بكتب الأولين، وتاريخ الأمم، وصنف كتاباً في ذكر ملوك حمير وأخبارهم وقصصهم وقبورهم وأشعارهم. وهو من أبناء الفرس الذين قدموا إلى اليمن. وله إخوة منهم: همام بن منبه، وهو أكبر من وهب. ولي وهب القضاء لعمر بن عبد العزيز. وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه. توفي بصنعاء سنة 110هـ، وقيل سنة 114، 116.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 5/ 88، طبقات الحفاظ ص 41، تذكرة الحفاظ 1/ 100، تهذيب الأسماء 2/ 149، حلية الأولياء 4/ 23، المعارف ص 459، الخلاصة ص 419، شذرات الذهب 1/ 150، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 74".
6 ساقطة من ع ض.
يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا -لَا1 يَدْرِي مَنْ دَعَاهُ-. فَقَالَ: إنِّي أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فَوْقَك وَمَعَك وَأَمَامَك وَخَلْفَك، وَأَقْرَبُ إلَيْك مِنْ نَفْسِك. فَعَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لا يَنْبَغِي إلَاّ لِلَّهِ. فَأَيْقَنَ بِهِ2.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي قِصَّةِ مُوسَى: إنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّارَ هَالَتْهُ وَفَزِعَ مِنْهَا. فَنَادَاهُ رَبُّهُ يَا مُوسَى. فَأَجَابَ سَرِيعًا اسْتِئْنَاسًا بِالصَّوْتِ. فَقَالَ: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ، أَسْمَعُ صَوْتَك وَلا أَرَى مَكَانَك. فَأَيْنَ أَنْتَ؟ قَالَ: فَوْقَك وَأَمَامَك وَوَرَاءَك، وَعَنْ يَمِينِك وَعَنْ شِمَالِك. فَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لا تَنْبَغِي إلَاّ لِلَّهِ. قَالَ: فَكَذَلِكَ أَنْتَ يَا إلَهِي، كَلامَك أَسْمَعُ أَمْ كَلامَ رَسُولِك؟ قَالَ: بَلْ كَلامِي يَا مُوسَى. وَقَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: بِمَ شَبَّهْتَ صَوْتَ3 رَبِّك؟ قَالَ: إنَّهُ لا شَبَهَ لَهُ.
وَرُوِيَ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا سَمِعَ كَلامَ الآدَمِيِّينَ مَقَتَهُمْ، لِمَا وَقَرَ فِي مَسَامِعِهِ مِنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلأَنَّ حَقِيقَةَ التَّكَلُّمِ وَالْمُنَادَاةِ4 وَالْمُنَاجَاةِ شَيْءٌ تَوَارَدَتْ الأَخْبَارُ5 وَالآثَارُ بِهِ. فَمَا إنْكَارُهُ إلَاّ عِنَادٌ وَاتِّبَاعٌ لِلْهَوَى، وَصُدُوفٌ عَنْ الْحَقِّ، وَتَرْكٌ لِلصِّرَاطِ6 الْمُسْتَقِيمِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُفَارِقُ ذَاتَ اللَّهِ، وَلا يُبَايِنُهُ كَلامُهُ، وَلا شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ، بَلْ لَيْسَ صِفَةُ شَيْءٍ مِنْ
1 في ز ش ب ع ض: ما. وما أثبتناه في الأعلى من تفسير البغوي.
2 تفسير البغوي 4/ 265. وانظر: تفسير الخازن 4/ 265.
3 في ض: كلام.
4 ساقطة من ض.
5ساقطة من ض.
6 في ب ز ع ض: الصراط.
مَوْصُوفٍ تُبَايِنُ مَوْصُوفَهَا وَتَنْتَقِلُ عَنْهُ1 إلَى غَيْرِهِ. فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ أَنَّ كَلامَ اللَّهِ يُبَايِنُهُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ؟
وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: كَلامُ اللَّهِ مِنْ اللَّهِ لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ "أَنَّهُ مِنْهُ بَدَأَ، وَمِنْهُ خَرَجَ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ" نَصًّا مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، أَوْ2 الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ3 وَانْتَقَلَ عَنْهُ4.
وَقَالَ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَلامَ الْمَخْلُوقِ لا يُبَايِنُ مَحَلَّهُ5.
قَالَ أَحْمَدُ: مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ6.
وَقَالَ: مِنْهُ بَدَأَ عِلْمُهُ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ حُكْمُهُ.
وَقَالَ تَارَةً: مِنْهُ خَرَجَ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ، وَإِلَيْهِ يَعُودُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ7.
وَقَالَ تَارَةً: الْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ.
قَالَ ابْنُ جَلَبَةَ8، مِنَّا. يَعْنِي: عَلَى حَدِّ حَقِيقَةِ الْعُلُومِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى
1 ساقطة من ب ز ع ض.
2 في ض: و.
3 في ش: باينه.
4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 52، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 35.
5 انظر: مسائل الإمام أحمد ص 266.
6 انظر فتاوى ابن تيمية 2/ 517.
7 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 40، 235، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 37.
8 هو عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي، ثم الحراني، أبو الفتح، قاضي حران. تفقه في بغداد على القاضي أبي يعلى، ثم ولاه القضاء بحران. قال العليمي:"وكان فقيهاً واعظاً فصيحاً، كتب الكثير من مصنفات القاضي، وكان ناشراً للمذهب، داعياً إليه، وكان مفتي حران وواعظها وخطيبها ومدرسها". له مصنفات كثيرة، منها:"مختصر المجرد"، و"رؤوس المسائل"، و"أصول الفقه"، و"أصول الدين"، و"كتاب النظام بخصال الأقسام". قتل مع ولديه وجماعة، وصلبوا على يد ابن قريش العقيلي الرافضي لما أظهر سب السلف، فأنكروا عليه ذلك سنة 476هـ. وسماه ابن العماد:"عبد الله بن أحمد".
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 245، ذيل طبقات الحنابلة 1/ 42، المنهج الأحمد 2/ 146، شذرات الذهب 3/ 352".
وفي ش: ابن جلية. وفي الهامش: كذا في الأصل. وفي ض: ابن جلية.
اللَّهِ، وَارْتِفَاعُ الْقُرْآنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَنْ النَّاسِ، وَتَرْتَفِعُ تِلاوَتُهُ وَأَحْكَامُهُ. فَيَعُودُ إلَى اللَّهِ حَقِيقَةً بِهِمَا1.
وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم:"الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ".
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ2: سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ3 يَقُولُ: أَدْرَكْت
1 انظر: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 44.
2 هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون، الكوفي، ثم المكي، الهلالي مولاهم، أبو محمد. وهو من تابعي التابعين. قال النووي:"روى عنه خلائق لا يحصون من الأئمة، واتفقوا على إمامته وجلالته وعظم مرتبته، ولم يكن له كتب، وحجّ سبعين حجة، ومناقبه كثيرة مشهورة". وكان إماماً مجتهداً حافظاً وشيخ الحجاز، وكان ورعاًَ زاهداً واسع العلم، كبير القدر، توفي بمكة سنة 198هـ، ودفن بالحجون.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 262، تاريخ بغداد 9/ 174، حلية الأولياء 7/ 270، طبقات القراء 1/ 308، طبقات المفسرين 1/ 190، طبقات الحفاظ ص 113، وفيات الأعيان 2/ 129، الخلاصة ص 145، تهذيب الأسماء 1/ 224، شذرات الذهب 1/ 354، ميزان الاعتدال 2/ 170، الفهرست ص 316".
3 هو عمرو بن دينار، أبو محمد الجُمَحي مولاهم، المكي التابعي. قال النووي:"وأجمعوا على جلالته وإمامته وتوثيقه، وهو أحد أئمة التابعين وأحد المجتهدين أصحاب المذاهب". روى عن جابر وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم. وروى عنه شعبة والحمادان والسفيانان وقتادة وغيرهم. وكان عالم مكة، وكان مولى، ولكن شرفه بالعلم. وقال عنه سفيان ين عيينة: هو ثقة ثقة ثقة ثقة أربع مرات. وقال: وحديث أسمعه من عمرو أحبّ إليّ من عشرين من غيره. توفي سنة 126هـ.
انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ 1/ 113، طبقات الفقهاء ص 70، طبقات الحفاظ ص 43، تهذيب الأسماء 2/ 27، طبقات القراء 1/ 600، الخلاصة ص 288، المعارف ص 468، شذرات الذهب 1/ 171.
مَشَايِخَنَا وَالنَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ 1".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ2 أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّكُمْ لَنْ تَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ - يَعْنِي الْقُرْآنَ"3.
1 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 505، السنة ص 25، شرح الكافية 1/ 205.
2 هو الصحابي خباب بن الأرت بن جندلة التميمي، ويقال الخزاعي، أبو عبد الله. سبي في الجاهلية، فبيع في مكة، وحالف بني زهرة، وكان يألف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ويألفه رسول الله، وكان من السابقين الأولين، أسلم سادس ستة، وهو أول من أظهر إسلامه مع أبي بكر وعمار، وكان من المستضعفين، وعذب عذاباً شديداً لأجل ذلك، ثم شهد المشاهد كلها. روى الطبراني قال:"لما رجع علي من صفين مر بقبر خباب فقال: رحم الله خباباً، أسلم راغباً، وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، وابتلي في جسمه أحوالاً، ولن يضيع الله أجره". وكان يعمل السيوف. مات سنة 37 هـ. وهو أول من دفن بظهر الكوفة.
"انظر: الإصابة 1/ 416، الاستيعاب 1/ 423، تهذيب الأسماء 1/ 174، شذرات الذهب 1/ 47، الخلاصة ص 104".
3 رواه الترمذي عن جبير بن نفير أيضاً بلفظ: "إنكم لن ترجعوا إلى الله بأفضل مما خرج منه...." ورواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي في "المسند". ورواه عن جبير في "الزهد"، وفي سنده بكر بن خنيس، وهو متكلم فيه. ورواه أحمد في "السنة". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد" عن خباب بن الأرت موقوفاً عليه، ثم قال: هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه. وقد مر صفحة 75.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 230، مسند أحمد 5/ 268، السنة ص 17، 20، فيض القدير 2/ 552، خلق أفعال العباد ص 13، 65".
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَقْرُوءُ، وَالتِّلاوَةَ هُوَ الْمَتْلُوُّ1.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا. فَإِنَّمَا أَرَادَ حَسْمَ الْمَادَّةِ، لِئَلَاّ يَتَدَرَّجَ أَحَدٌ إلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ. كَمَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. حَسْمًا لِلْمَادَّةِ2. اهـ. وَإِلَاّ فَلا يَخْفَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ ظَاهِرٌ3.
وَقَالَ مَالِكٌ الصَّغِيرُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ الْقَيْرَوَانِيُّ4: "إنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِذَاتِهِ. وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِذَاتِهِ، وَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ، لا كَلامًا قَامَ فِي غَيْرِهِ" اهـ.
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 6، الإنصاف للباقلاني ص 112، فتاوى ابن تيمية 12/ 75، 211، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 23، فتح الباري 13/ 391، 397.
2 قال البخاري: "من نقل عني أني قلت: لفظي بالقرآن مخلوق، فقد كذب، وإنما قلت: إن أفعال العباد مخلوقة". "انظر: فتح الباري 13/ 387" وانظر: صيد الخاطر لابن الجوزي ص 102، السنة ص 29، فتاوى ابن تيمية 12/ 242.
3 بين الحافظ ابن حجر الفرق بين هذه الأمور فقال: "إن حركة لسان القارئ بالقرآن من فعل القارئ، بخلاف المقروء، فإنه كلام الله القديم، كما أن حركة لسان ذاكر الله حادثة من فعله، والمذكور هو الله سبحانه وتعالى قديم". "فتح الباري 13/ 385". ثم نقل كلام البخاري في "خلق أفعال العباد" أنه قال: "القرآن مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، مقروء على الألسنة، فالقراءة والحفظ والكتابة مخلوقة، والدليل عليه أنك تكتب "الله" وتحفظه وتدعوه، فدعاؤك وحفظك وكتابتك وفعلك مخلوق، والله هو الخالق. "فتح الباري 13/ 387-388".
وانظر: فتح الباري 13/ 391، 397، فواتح الرحموت 2/ 6، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 170، 424 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 23/ 24.
4 هو أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، وكنية عبد الرحمن أبو زيد، نفري النسب، سكن القيروان، وكان إمام المالكية في وقته، وقدوتهم، وجامع مذهب مالك، وشارح أقواله، وكان واسع العلم، كثير الحفظ والرواية، يقول الشاعر ويجيده مع الصلاح والورع، وهو الذي لخص المذهب ونشره، فكان يعرف: بمالك الصغير. وكان سريع الانقياد للحق والرجوع إليه. ومن مصنفاته: "مختصر المدونة"، و"النوادر الزيادات على المدونة"، و"الاقتداء بأهل المدينة"، و"الرسالة"، و"التنبيه"، و"المناسك"، و"الذب عن مذهب مالك". توفي سنة 386 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 127، شجرة النور الزكية ص 96، الفهرست ص 283، شذرات الذهب 3/ 131".
وَ1قَالَ الطَّحَاوِيُّ2: "إنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ بِلا كَيْفِيَّةٍ قَوْلاً. وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ بِالْحَقِيقَةِ3"، وَهُوَ صَرِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ 4بْنُ خُزَيْمَةَ5 - مِنَّا - لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا، وَلا مِثْلَ لِكَلامِهِ، وَاسْتَصْوَبَاهُ. وَمِنْ الْمُسْتَبْعَدِ جِدًّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلامُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كُلُّهُ مَجَازٌ لا حَقِيقَةَ فِيهِ، وَلَوْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ، وَبِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ
1 ساقطة من ع.
2 هو أحمد بن محمد بن سلامة، أبو جعفر الطحاوي الأزدي المصري، الإمام العلامة الحافظ، الفقيه الحنفي، ابن أخت المزني، وهن صاحب التصانيف البديعة، وكان ثقة ثبتاً، انتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة. ومصنفاته كثيرة، منها:"أحكام القرآن"، و"معاني الآثار"، و"بيان مشكل الآثار":، و"المختصر في الفقه"، و"اختلاف الفقهاء"، و"العقيدة"، وحكم أراضي مكة". توفي بمصر سنة 321هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 116، تذكرة الحفاظ 3/ 808، طبقات المفسرين 1/ 73، طبقات الفقهاء ص 142، الفوائد البهية ص 31، وفيات الأعيان 1/ 53، طبقات الحفاظ ص 337، تاج التراجم ص 8، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 162، حسن المحاضرة 1/ 350، الفهرست ص 292".
3 شرح العقيدة الطحاوية ص 117.
4 في ز ع: وابن.
5 الغالب أنه أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة المحدث الشافعي، لكن ابن أبي يعلى ذكر محمد بن إسحاق في تراجم الحنابلة. وقال عنه: من جملة من نقل عن إمامنا.
انظر: "طبقات الحنابلة 1/ 270".
مِنْهُ1 يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ.
قَالَ الطُّوفِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: هُوَ حَقِيقَةٌ، وَلَكِنْ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْكَلامِ النَّفْسِيِّ بِالاشْتِرَاكِ، كَمَا قُلْتُمْ: إنَّ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةَ فِي الشَّرْعِ لِلَّهِ سبحانه وتعالى حَقِيقَةٌ، لَكِنْ مُخَالِفَةٌ لِلصِّفَاتِ الْمُشَاهَدَةِ، وَهِيَ مَقُولَةٌ بِالاشْتِرَاكِ.
قُلْنَا: نَحْنُ اُضْطُرِرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِالاشْتِرَاكِ، فِي الصِّفَاتِ2 لِوُرُودِ نُصُوصِ الشَّرْعِ الثَّابِتَةِ بِهَا. فَأَنْتُمْ مَا الَّذِي اضْطَرَّكُمْ إلَى إثْبَاتِ الْكَلامِ النَّفْسِيِّ؟
فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْعَقْلِ3 الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ لا صَوْتَ وَلا حَرْفَ إلَاّ مِنْ جِسْمٍ، قُلْنَا: فَمَا أَفَادَكُمْ إثْبَاتُهُ شَيْئًا؛ لأَنَّ الْكَلامَ النَّفْسِيَّ الَّذِي أَثْبَتُّمُوهُ لا يَخْرُجُ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ أَنْ يَكُونَ عِلْمًا أَوْ تَصَوُّرًا، عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ عَنْ أَئِمَّتِكُمْ. فَإِنْ كَانَ عِلْمًا فَقَدْ رَجَعْتُمْ مُعْتَزِلَةً، وَنَفَيْتُمْ الْكَلامَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَوَّهْتُمْ عَلَى النَّاسِ بِتَسْمِيَتِكُمْ الْعِلْمَ كَلامًا. وَإِنْ كَانَ تَصَوُّرًا، فَالتَّصَوُّرُ فِي الشَّاهِدِ حُصُولُ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الْعَقْلِ. وَإِنَّمَا يُعْقَلُ فِي الأَجْسَامِ. وَإِنْ عَنَيْتُمْ تَصَوُّرًا مُخَالِفًا لِلتَّصَوُّرِ فِي الشَّاهِدِ، لائِقًا بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَثْبِتُوا كَلامًا عِبَارَةً عَنْ خِلافِ الشَّاهِدِ4، لائِقَةً5 بِجَلالِهِ تَعَالَى.
وَهَذَا كَلامٌ مَتِينٌ لا مَحِيدَ لِلْمُنْصِفِ عَنْهُ.
1 ساقطة من ش ز.
2 في ز ع: ورود. وفي ب ض: وورود.
3 في ز ع ض: العقلي.
4 قال الآمدي: "الكلام في الشاهد، أعني كلام اللسان والنطق اللساني". "غاية المرام ص 117".
5 في ب: لائق.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ1: "أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ2 عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَ مُوسَى، وَعَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالصُّحُفِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا. فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: إنَّ كَلامَ اللَّهِ صِفَةُ فِعْلٍ مَخْلُوقٍ3، وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى بِكَلامٍ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَتْبَاعُهُ4: كَلامُ اللَّهِ هُوَ عِلْمُهُ لَمْ يَزَلْ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
5وَقَالَتِ الأَشَاعِرَةُ6: كَلامُ اللَّهِ صِفَةُ ذَاتٍ لَمْ تَزَلْ7، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ7، وَهُوَ غَيْرُ8 عِلْمِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى إلَاّ كَلامٌ وَاحِدٌ9. وَاحْتُجَّ لأَحْمَدَ: بِأَنَّ الدَّلائِلَ الْقَاطِعَةَ قَامَتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُشْبِهُهُ
1 هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد الأموي الظاهري. قال ابن خلكان:"كان حافظاً عالماً بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب، وكان متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، زاهداً في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه، متواضعاً". له مصنفات كثيرة، منها:"الإيصال في فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام"، و"المحلى"، و"الإحكام لأصول الأحكام"، و"الفصل في الملل والنحل"، و"الإجماع"، و"طوق الحمامة" وغيرها. توفي سنة 456هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 3/ 1146، وفيات الأعيان 3/ 13، الفتح المبين 1/ 243، الصلة 2/ 415، بغية الملتمس ص 403، شذرات الذهب 3/ 299، طبقات الحفاظ ص 436".
2 في "الفصل في الملل": أهل الإسلام.
3 في ش ز ع ب ض: مخلوقة. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل".
4 في "الفصل": وقال أهل السنة
…
وهو قول أحمد.
5 ساقطة من ش ز.
6 في "الفصل": الأشعرية.
7 في ش ز ع ب ض: يزل.
8 في ش ز ع ب ض: عين. وما أثبتناه في الأعلى من "الفصل في الملل".
9 الفصل في الملل 3/ 5. وانظر: فتح الباري 13/ 350-351، الإبانة للأشعري ص 19، الإنصاف للباقلاني ص 110 وما بعدها.
شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَلَمَّا كَانَ كَلامُنَا غَيْرَنَا وَكَانَ مَخْلُوقًا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ مَخْلُوقًا1. وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ2.
وَقَالَ أَيْضًا: اخْتَلَفُوا. فَقَالَتِ3 الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَبَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ، وَالإِمَامِيَّةِ، وَبَعْضُ الْخَوَارِجِ: كَلامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، خَلَقَهُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ فِي بَعْضِ الأَجْسَامِ، كَالشَّجَرَةِ حِينَ كَلَّمَ مُوسَى4.
وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَتَكَلَّمُ، وَإِنْ نُسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: يَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً، لَكِنْ يَخْلُقُ ذَلِكَ الْكَلامَ فِي غَيْرِهِ5.
وَقَالَتْ الْكَرَّامِيَّةُ: الْكَلامُ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِذَاتِ اللَّهِ. كَالْحَيَاةِ، وَأَنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْلِيمُهُ مَنْ كَلَّمَهُ: إنَّمَا هُوَ خَلْقُ إدْرَاكٍ لَهُ يَسْمَعُ بِهِ الْكَلامَ، وَنِدَاؤُهُ لِمُوسَى لَمْ يَزَلْ، لَكِنَّهُ أَسْمَعَهُ ذَلِكَ حِينَ نَادَاهُ6.
1 الفصل في الملل والنحل 3/ 5، وانظر: فتح الباري 13/ 351.
2 المراجع السابقة.
3 في ع: قال.
4 في ض: كلَّمه.
5 يقول ابن تيمية عن المعتزلة: "لكن معنى كونه سبحانه متكلماً عندهم أنه خلق الكلام في غيره. فمذهبهم ومذهب الجهمية في المعنى سواء، لكن هؤلاء يقولون: هو متكلم حقيقة، وأولئك ينفون أن يكون متكلماً حقيقة، وحقيقة قول الطائفتين أنه غير متكلّم، فإنه لا يعقل متكلم إلا من قام به الكلام". "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 27".
6 انظر: فتح الباري 13/ 351، منهاج السنة 1/ 38، فتاوى ابن تيمية 12/ 149.
وَيُحْكَى عَنْ الْمَاتُرِيدِيِّ الْحَنَفِيِّ أَبِي مَنْصُورٍ1 نَحْوُهُ، لَكِنْ قَالَ: خَلَقَ صَوْتًا حِينَ نَادَاهُ فَأَسْمَعَهُ كَلامَهُ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ هَذَا مُرَادُ السَّلَفِ الْقَائِلِينَ: إنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ2.
[وَقَالُوا إذَا كَانَ الْكَلامُ قَدِيمًا لِعَيْنِهِ، لازِمًا لِذَاتِ الرَّبِّ، وَثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ] 3 فَالْحُرُوفُ لَيْسَتْ قَدِيمَةً؛ لأَنَّهَا مُتَعَاقِبَةٌ، وَمَا كَانَ مَسْبُوقًا بِغَيْرِهِ وَمَفْقُودًا حِينَ التَّلَفُّظِ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا4، وَالْكَلامُ الْقَدِيمُ مَعْنًى قَائِمٌ بِالذَّاتِ لا يَتَعَدَّدُ وَلا يَتَجَزَّأُ، بَلْ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ إنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ:
1 هو محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي، من كبار العلماء، وكان إمام المتكلمين، وعرف بإمام الهدى، وكان قوي الحجة، مفحماً في الخصومة. دافع عن عقائد المسلمين، ورد شبهات الملحدين، له كتاب "التوحيد"، و"المقالات"، و"رد أوائل الأدلة"، للكعبي، و"بيان وهم المعتزلة"، و"تأويلات القرآن"، و"مأخذ الشرائع في الفقه"، و"الجدل" في أصول الفقه. ورأيه وسط بين المعتزلة والأشاعرة. مات بسمرقند سنة 333هـ.
انظر ترجمته في "الجواهر المضيئة 2/ 130، الفوائد البهية ص 195، تاج التراجم ص 59، الفتح المبين 1/ 182، الفكر السامي 3/ 93".
2 انظر: فتح الباري 13/ 351.
3 ما بين القوسين إضافة من فتح الباري 13/ 351. وهي إضافة ضرورية لصحة السياق والمعنى، ولأن المصنف نقل هذه الفقرات بأكملها من فتح الباري وحكى هذا النص الأخير عن ابن كلاب والقلانسي والأشعري.
4 قال السبكي: "ثم زاد ابن كلاب وأبو العباس القلانسي على سائر أهل السنة، فذهبا إلى أن كلام الله تعالى لا يتصف بالأمر والخبر في الأزل، لحدوث هذه الأمور، وقد الكلام النفسي، وإنما يتصف فيما لا يزال، فألزمهما أئمتنا أن يكون القدر المشترك موجوداً". "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300".
والقلانسي هو أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن خالد، إمام أهل السنة في القرن الثالث، وصنف في الكلام مائة وخمسين مصنفاً.
"انظر: طبقات الشافعية الكبرى 2/ 300، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، الإنصاف للباقلاني ص 99".
فَقُرْآنٌ، أَوْ1 بِالْعِبْرَانِيَّةِ: فَتَوْرَاةٌ مَثَلاً2.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلامُ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ التَّوْرَاةُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ، وَأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِحُرُوفِ الْقُرْآنِ، وَأَسْمَعَ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَلائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ صَوْتَهُ.
وَقَالُوا: إنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ وَالأَصْوَاتَ قَدِيمَةُ الْعَيْنِ، لازِمَةٌ لِلذَّاتِ3، لَيْسَتْ مُتَعَاقِبَةً، بَلْ لَمْ تَزَلْ قَائِمَةً بِذَاتٍ مُقْتَرِنَةٍ لا تُسْبَقُ، وَالتَّعَاقُبُ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، بِخِلافِ الْخَالِقِ4.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ هَؤُلاءِ إلَى أَنَّ الأَصْوَاتَ وَالْحُرُوفَ هِيَ الْمَسْمُوعَةُ مِنْ الْقَارِئِينَ، وَأَبَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: لَيْسَتْ هِيَ الْمَسْمُوعَةَ مِنْ الْقَارِئِينَ5.
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ6 بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِالْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ7، وَهُوَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، لَكِنَّهُ فِي الأَزَلِ لَمْ يَتَكَلَّمْ، لامْتِنَاعِ وُجُودِ الْحَادِثَاتِ8 فِي الأَزَلِ، فَكَلامُهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ، لا مُحْدَثٌ9.
1 في ض: و.
2 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 44، 52.
3 في ع ب ض: الذات.
4 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49، تفسير القرطبي 1/ 55.
5 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 138.
6 في ع: يتكلم.
7 في ب ع ض: بذاته. وهو متفق مع "فتح الباري".
8 في "فتح الباري": الحادث.
9 انظر: فتح الباري 13/ 351، فتاوى ابن تيمية 12/ 49.
وَذَهَبَ الْكَرَّامِيَّةُ: إلَى أَنَّهُ حَادِثٌ فِي ذَاتِهِ وَمُحْدَثٌ1.
وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ2: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: "إنَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ3 بِكَلامٍ يَقُومُ بِذَاتِهِ وَمَشِيئَتِهِ4 وَاخْتِيَارِهِ": هُوَ أَصَحُّ الأَقْوَالِ نَقْلاً وَعَقْلاً، وَأَطَالَ5. وَالْمَحْفُوظُ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ تَرْكُ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ وَالتَّعَمُّقِ6 فِيهِ، وَالاقْتِصَارُ7 عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، ثُمَّ السُّكُوتُ عَمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ. قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ8.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا9: "اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلامِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لا؟
فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا يَكُونُ الْكَلامُ إلَاّ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. وَالْكَلامُ الْمَنْسُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَائِمٌ بِالشَّجَرَةِ.
وَقَالَتْ الأَشَاعِرَةُ: كَلامُهُ10 لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ، وَأَثْبَتَتْ الْكَلامَ
1 انظر: فتح الباري 13/ 351.
2 قال ابن حجر: وذكر الفخر الرازي في "المطالب العالية". "فتح الباري 13/ 351".
3 في فتح الباري: متكلم.
4 في ش ب ض: بمشيئته.
5 انظر فتح الباري 13/ 351.
6 في ب ع ض: التعميق.
7 في ش ض: والاختصار.
8 فتح الباري 13/ 351. وانظر: الإيمان لابن تيمية ص 344، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 17، 23، الإبانة للأشعري ص 33، الإنصاف للباقلاني ص 71.
9 فتح الباري 13/ 356 في آخر باب: قول الله: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ} من كتاب التوحيد.
10 في فتح الباري: كلام الله.
النَّفْسِيَّ، وَحَقِيقَتُهُ: مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ، كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ، وَاخْتِلافُهَا لا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ، وَالْكَلامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ.
وَأَثْبَتَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ1 بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ. أَمَّا الْحُرُوفُ2: 3فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ4 الْقُرْآنِ3، وَأَمَّا الصَّوْتُ: فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ5 قَالَ: إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُتَقَطِّعُ6 الْمَسْمُوعُ مِنْ الْحَنْجَرَةِ.
وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ الآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلافِ ذَلِكَ. فَلا يَلْزَمُ7 الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ، مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ8. وَيَجُوزُ9 أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ، فَلا يَلْزَمُ التَّشْبِيهُ.
وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ 10بْنُ أَحْمَدَ10: سَأَلْت أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ: لَمَّا كَلَّمَ
1 في "فتح الباري": متكلم.
2 في ش: الحرف. والأعلى من "فتح الباري" ومن ع ب ز ض.
3 في ع: فالتصريح بها في ظاهر القرآن. والأعلى من "فتح الباري". وفي ش ب ز ض: فلا تصريح به في ظاهر القرآن.
4 ساقطة من ش ع ز. والأعلى من ب و"فتح الباري".
5 ساقطة من ب ع ض.
6 في ز ع ب ض: المنقطع. وكذا في "فتح الباري".
7 في ز ع ب ض: يلزمه.
8 في ز: الشبيه.
9 في في ب ع ض: وأنه يجوز. وكذا في "فتح الباري".
10 ساقطة من ز ع ب ض. وفي "فتح الباري": ابن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة".
اللَّهُ مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ"؟ فَقَالَ لِي أَبِي: بَلْ يَتَكَلَّمُ1 بِصَوْتٍ، وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ. وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ2".
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ 3ابْنُ تَيْمِيَّةَ13 فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ4: اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلامِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَكْثَرُهُمْ قَوْلَ السَّلَفِ فِيهَا، بَلْ يَذْكُرُونَ قَوْلَيْنِ وَثَلاثَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مَعَ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهَا إلَى تِسْعَةٍ5.
أَحَدُهَا: أَنَّ كَلامَ اللَّهِ هُوَ مَا6 يَفِيضُ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الْمَعَانِي، إمَّا مِنْ
1 في "فتح الباري": تكلم.
2 انتهى كلام ابن حجر في "فتح الباري 13/ 356". وانظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 243 وما بعدها.
3 ساقطة من ب ع ض.
4 هو ابن المطهّر، جمال الدين أبو منصور، الحسن و"قيل الحسين" بن يوسف بن على بن المطهر الحلي، المشهور عند الشيعة بالعلامة. وهو الذي ألف كتاباً باسم "منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة" ورد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بكتاب عظيم "منهاج السنة النبوية" في أربع مجلدات. ولابن المطهر مصنفات كثيرة، منها:"منتهى المطلب في تحقيق المذهب"، و"تلخيص المرام في معرفة الأحكام"، و"تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية"، و"شرح مختصر ابن الحاجب" في أصول الفقه. توفي سنة 726هـ".
"انظر: الأعلام للزركلي 2/ 244، مرآة الجنان 4/ 276، الدرر الكامنة 2/ 71، روضات الجنات ص 172، لسان الميزان 2/ 317، مقدمة منهاج السنة النبوية 1/ 2، 5، 16 مطبعة المدني".
وفي ش: الرافضة.
5 انظر هذه الأقوال باختصار في "فتاوى ابن تيمية 12/ 42، 162 وما بعدها، منهاج السنة 1/ 221، شرح العقيدة الطحاوية ص 117 وما بعدها، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113، التعرف ص 18 وما بعدها". وانظر منهاج السنة 2/ 278 تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، مطبعة المدني، فإن المحقق استكمل النقص الموجود في الطبعة الأولى.
6 ساقطة من ز ع ب ض. وفي ش: أن. والأعلى من د و"شرح العقيدة الطحاوية" و"منهاج السنة".
الْعَقْلِ الْفَاعِلِ1 عِنْدَ بَعْضِهِمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الصَّابِئَةِ2 وَالْمُتَفَلْسِفَة، كَابْنِ سِينَا3 وَأَمْثَالِهِ4.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّهُ5 مَخْلُوقٌ6 خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلاً عَنْهُ7.
الثَّالِثُ: لِلْكُلَاّبِيَّةِ8 وَالأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا: أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ، لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلا صَوْتٍ9، وَالْكَلامُ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَهُوَ الأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ10 وَالاسْتِخْبَارُ، فَإِنْ11 عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ: كَانَ قُرْآنًا.
1 في فتاوى ابن تيمية، ومنهاج السنة، ومجموعة الرسائل والمسائل: الفعال.
2 ساقطة من ز ع ب ش ض. وأثبتنا من د ومنهاج السنة وفتاوى ابن تيمية.
3 هو الحسين بن عبد الله بن سينا، أبو علي الرئيس الحكيم المشهور، صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والطب، أبوه من بلْخ، ثم انتقل إلى بخارى. وانتقل ابن سينا في البلاد، واشتغل بالعلوم، وحصل الفنون، وأتقن علم القرآن والأدب، وحفظ أشياء من أصول الدين والحساب والجبر. ثم نظر في علوم المنطق واليونان، ثم رغب في علم الطب، فمارسه ودرسه حتى فاق فيه غيره. ومن مصنفاته:"الشفا" في الحكمة والفلسفة، و"النجاة"، و"الإشارة"، و"القانون"، و"الأوسط الجرجاني"، وله شعر. توفي بهمذان سنة 428هـ. وقد طعن به الكثير كاليافعي وابن الصلاح، وكفره الغزالي، وأثنى عليه ابن خلكان.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 419، شذرات الذهب 3/ 234، مرآة الجنان 3/ 47".
4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 117، منهاج السنة 1/ 221.
5 في ع: هو أنه.
6 في ز: غير مخلوق. وهو خطأ.
7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 163، منهاج السنة 2/ 280 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 42.
8 في ز ع ب ض: الكلابية.
9 في ع: بصوت.
10 ساقطة من ز ع ب ض: وما أثبتناه من د ومنهاج السنة الطبعة الجديدة فقط.
11 في ز ع ب: وإن.
وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ: كَانَ تَوْرَاةً1.
الرَّابِعُ: لِلسَّالِمِيَّةِ2 وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ:3أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الأَزَلِ8، وَذَكَرَهُ الأَشْعَرِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ نَحْوِ4 السَّالِمِيَّةِ5، فَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ عِنْدَهُمْ6. الْخَامِسُ: لِلْكَرَّامِيَّةِ7 وَنَحْوِهِمْ: أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ؛ لَكِنْ تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا8 بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا9.
السَّادِسُ: لِلرَّازِيِّ فِي10 "إشْكَالِهِ"11 مَثَلاً، وَصَاحِبِ "الْمُعْتَبَرِ"12: أَنَّ
1 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 165، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 113.
2 في ض: السالمية.
3 ساقطة من ز ع ب ض. وفي منهاج السنة 1/ 221: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل.
4 في ب ز ض: ونحو.
5 في ب ز: السلامة. وانظر: مقالات الإسلاميين 2/ 234.
6 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 1/ 221، مجموعة الرسائل والمسائل 2/ 39.
7 في ز ع ب ض: الكرامية.
8 ساقطة من ش ز ع ب ض.
9 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 172، منهاج السنة 1/ 221.
10 في ع: و.
11 في شرح "العقيدة الطحاوية ص 118": في المطالب العالية.
12 هو هبة الله بن علي بن ملْكا، أبو البركات البغدادي، الفيلسوف والطبيب. كان يهوديًّا ثم أسلم، وحسن إسلامه، وخدم الملوك والخلفاء بصناعته، وخدم العامة بحسن تدبيره. قال عنه ابن تيمية: أقرب الفلاسفة إلى السنة والحديث. وقال: وكان ابن سينا نشأ في بين المتكلمين والنفاة للصفات، وابن رشد نشأ بين الكلابية، وأبو البركات نشأ ببغداد بين............=
كَلامَهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يُحْدِثُهُ1 مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ2.
السَّابِعُ: لأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ: أَنَّ كَلامَهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ هُوَ3 مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ4.
الثَّامِنُ: لأَبِي الْمَعَالِي وَمَنْ تَبِعَهُ: أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ، وَبَيْنَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَصْوَاتِ5.
التَّاسِعُ: أَنَّهُ يُقَالُ6: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَمَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِكَلامٍ يَقُومُ بِهِ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ يُسْمَعُ، وَأَنَّ نَوْعَ الْكَلامِ قَدِيمٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا. وَهَذَا الْقَوْلُ: هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ7. وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ8 بِهِ: إمَامُنَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَنَحْوُهُمْ.
=المسلمين. "منهاج السنة 1/ 98". ونقل عنه ابن تيمية كثيراً وناقشه. وصنف أبو البركات عدة كتب أهمها "المعتبر" في الحكمة. وهو من أجل كتبه وأشهرها، و"النفس" وغير ذلك. عمي في آخر عمره. توفي سنة 547هـ. "انظر: مقالة السيد سليمان الندوي في آخر كتاب المعتبر المطبوع في الهند 1357هـ، الرد على المنطقيين ص 125، منهاج السنة 2/ 281 مط المدني، نكت الهميان ص 304".
1 في جميع النسخ: يحدث. والذي أثبتناه في الأعلى من "شرح العقيدة الطحاوية ص 118".
2 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، منهاج السنة 2/ 281 مطبعة المدني.
3 في "منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني": وهو.
4 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 39.
5 انظر: منهاج السنة 2/ 282 مطبعة المدني.
6 في "فتاوى ابن تيمية 12/ 173": أن الله تعالى. وفي "شرح العقيدة الطحاوية ص 118": أنه تعالى.
7 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص 118، فتاوى ابن تيمية 12/ 173، منهاج السنة 1/ 221.
8 في ب ع ض: القائل.
وَ1قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: نَصَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ "الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ": "أَنَّ كَلامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَ2مَتَى شَاءَ بِلا كَيْفٍ"3.
قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُهُ: "إذَا شَاءَ"، أَيْ أَنْ يُسْمِعَنَا. قَالَ أَحْمَدُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ4 وَيْحُكُمْ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَافْتَرَقَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِرْقَتَيْنِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَلامُهُ لازِمٌ لِذَاتِهِ. وَالْحُرُوفُ وَالأَصْوَاتُ مُقْتَرِنَةٌ لا مُتَعَاقِبَةٌ. وَيُسْمِعُ كَلامَهُ مَنْ شَاءَ، وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إذَا شَاءَ. وَأَنَّهُ نَادَى مُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ نَادَاهُ مِنْ قَبْلُ5.
وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الأَشْعَرِيَّةِ: أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مَقْرُوءٌ بِالأَلْسِنَةِ. قَالَ تَعَالَى:{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} 6 {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} 7 وَفِي الْحَدِيثِ "لا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 ساقطة من ب ز ع ض.
3 انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد ص 232، 248 من العدد الثامن من مجلة أضواء الشريعة بالرياض.
4 في ب: يشاء.
5 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 73.
6 الآية 6 من التوبة.
7 الآية 49 من العنكبوت.
كَرَاهَةَ 1 أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ" 2 وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي الصُّدُورِ، بَلْ مَا فِي الْمُصْحَفِ3. وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى4.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْقُرْآنُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَقْرُوءُ، وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ. وَهِيَ الأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَعَ الاخْتِلافُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَنْ الْحُرُوفِ وَالأَصْوَاتِ: فَمُرَادُهُمْ الْكَلامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ الْقَدِيمَةِ5. وَأَمَّا الْحُرُوفُ: فَإِنْ كَانَتْ بِحَرَكَاتٍ6 أَوْ7 أَدَوَاتٍ، كَاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ، فَهِيَ أَعْرَاضٌ؛ وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَةً فَهِيَ أَجْسَامٌ، وَقِيَامُ الأَجْسَامِ وَالأَعْرَاضِ بِذَاتِ اللَّهِ مُحَالٌ8، وَيَلْزَمُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَفِرُّ مِنْهُ. فَأَلْجَأَ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ
1 في ش ب ش ب ز ع: كراهية.
2 رواه مسلم عن ابن عمر بلفظ: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو". وفي رواية: "أنه كان ينهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو. وفي رواية: "فإني أخاف". ورواه البخاري في "خلق أفعال العباد"، عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو". رواه أحمد.
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1491، خلق أفعال العباد ص 48، مسند أحمد 2/ 6، الفتح الكبير 3/ 323".
3 في ض: المصاحف.
4 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 241، الإبانة للأشعري ص 34، الأربعين في أصول الدين للغزالي ص 20.
5 ساقطة من ش ب ز ض.
6 في ع ب ز ض: حركات.
7 في ش: و.
8 انظر بحث الجسم ومعناه ونفيه عن الله تعالى في "مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 30 وما بعدها".
إلَى أَنْ ادَّعَى قِدَمَ الْحُرُوفِ، كَمَا الْتَزَمَتْهُ1 السَّالِمِيَّةُ. وَمِنْهُمْ مَنْ الْتَزَمَ قِيَامَ ذَلِكَ بِذَاتِهِ2. وَمِنْ شِدَّةِ اللَّبْسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثُرَ نَهْيُ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا3. وَاكْتَفَوْا بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا، وَهُوَ أَسْلَمُ الأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَيْضًا: لَمْ يَكُنْ فِي كَلامِ الإِمَامِ4 أَحْمَدَ وَلا الأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ قَدِيمٌ، بَلْ يَقُولُونَ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَ5كَيْفَ شَاءَ، كَقَوْلِ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ6.
وَقَالَ: رَادًّا عَلَى الرَّافِضِي7: مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ. كَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ8.
وَقَالَ: قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ الْقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ. هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ الْكَلامِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَالْعِلْمِ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ
1 في ز: التزمه.
2 انظر: مجموعة الرسائل المسائل 3/ 33.
3 ساقطة من ز ع ب ض.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 ساقطة من ز ع ب.
6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 22، 46.
7 هو ابن المطهر الرافضي أحد شيوخ الشيعة الرافضة في عصر ابن تيمية. ألف كتابه "منهاج الاستقامة في معرفة الإمامة" فردّ عليه ابن تيمية في كتابه القيم الكبير "منهاج السنة النبوية"، وسبق بيان ذلك صفحة 100.
8 في ز ع ب ض: السنة.
يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. ذَكَرَهُمَا الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الشَّافِي1 عَنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَذَكَرَهُمَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي "أُصُولِهِ" اهـ2.
وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ3 فِي "الْمَنَاقِبِ": وَمِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَنْكَرَهَا أَحْمَدُ فِي الْقُرْآنِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ صَوْتٍ. فَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَدَّعَ قَائِلَهُ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إنَّمَا هَجَرَهُ أَحْمَدُ لأَجْلِ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَهَذَا سَبَبُ تَحْذِيرِ أَحْمَدَ مِنْ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْكِلابِيَّةِ. كَمَا أَمَرَ بِهَجْرِ الْقَائِلِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْحُرُوفَ انْتَصَبَتْ الأَلِفُ وَسَجَدَتِ الْبَاءُ، وَشَدَّدَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ4. وَلَمَّا أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمَرَ
1 في ش: الشافعي.
2 ساقطة من ش ز.
3 هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، زين الدين، أبو الفرج الحنبلي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحافظ الإمام المحدث الفقيه الواعظ. قال ابن العماد:"واشتغل بسماع الحديث، وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة، وللناس عامة مباركة نافعة. وله مصنفات مفيدة، ومؤلفات عديدة. منها: "الذيل على طبقات الحنابلة"، و"القواعد الفقهية"، و"شرح جامع الترمذي"، و"شرح علل الترمذي"، و"شرح الأربعين النووية"، و"شرح البخاري إلى الجنائز"، و"اللطائف في الوعظ وأهوال القيامة". وكان زاهداً في الدنيا، راغباً عن أصحاب الولايات. توفي بدمشق سنة 795هـ.
انظر ترجمته في "الدرر الكامنة 2/ 428، البدر الطالع 1/ 328، ذيل تذكرة الحفاظ ص 367، طبقات الحفاظ ص 536، شذرات الذهب 6/ 339".
4 انظر: الإنصاف للباقلاني ص 102، مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 185، 186.
بِهَجْرِهِمْ كَمَا أَمَرَ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ1 الْجُنَيْدَ2 أَنْ يَتَّقِيَ بَعْضَ كَلامِ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ3. فَذَكَرُوا أَنَّ الْحَارِثَ رحمه الله تَابَ مِنْ ذَلِكَ، وَاشْتَهَرَ عِلْمًا وَفَضْلاً وَحَقَائِقَ4 وَزُهْدًا5.
وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الْكَلابَاذِيُّ6. "وَقَالَتْ7 طَائِفَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ: كَلامُ
1 هو السَّريُّ بن المُغَلِّس السَّقَطيّ، أبو الحسن البغدادي، أحد الأولياء الكبار، وله أحوال وكرامات، وهو خال الجنيد وأستاذه، لزم بيته، وانقطع عن الناس. قال ابن خلكان:"كان أوحد زمانه في الورع وعلوم التوحيد". توفي ببغداد سنة 251هـ، وقيل 256هـ، وقيل 257هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 101، حلية الأولياء 10/ 116، مرآة الجنان 2/ 158، شذرات الذهب 2/ 127، تاريخ بغداد 9/ 187، صفة الصفوة 2/ 371، طبقات الصوفية ص 48".
2 هو الجنيد بن محمد بن الجنيد، أبو القاسم الخزاز، أصله من نهاوند، لكنه ولد ونشأ ببغداد وتفقه على أبي ثور، وسمع الحديث، ولقي العلماء، وصحب جماعة من الصالحين، واشتغل بالعبادة، وكان يقول: من لم يحفظ القرآن، ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. قال ابن خلكان:"وكلامه مدون مشهور". توفي سنة 297هـ.
انظر ترجمته في "حلية الأولياء 10/ 255، وفيات الأعيان 1/ 323، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 260، طبقات الحنابلة 1/ 129، صفة الصفوة 2/ 416، المنهج الأحمد 1/ 219، شذرات الذهب 2/ 229، تاريخ بغداد 7/ 241، طبقات الصوفية ص 155".
وفي ز ع ب ض: للجنيد.
3 ساقطة من ش ع ز.
4 في ب ز ض: وحقائقاً، وهو خطأ.
5 انظر: فتاوى ابن تيمية 12/ 95، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 74.
6 هو محمد بن إسحاق بن إبراهيم، البخاري الكلاباذي، أبو بكر، كان إماماً أصوليًّا. وله كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف" جمع فيه باختصار أقوال التصوف، وآراء الحنفية في التوحيد. توفي سنة 380هـ.
انظر ترجمته في "الفوائد البهية ص 161، كشف الظنون 1/ 419".
وفي ز ش ب ع ض: الكلابذاني. وهو تصحيف، ومصححة على هامش ض.
7 في جميع النسخ: قال. وما أثبتناه في الأعلى من كتاب "التعرف لمذهب أهل التصوف".
اللَّهِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ1، وَأَنَّهُ لا يُعْرَفُ كَلامٌ2 إلَاّ كَذَلِكَ، مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ3 تَعَالَى فِي ذَاتِهِ، 4وَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْدَثٍ10. قَالَ5: وَهُوَ6 الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ سَالِمٍ7.
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَأَلْت أَبِي عَنْ إنْكَارِ الْجَهْمِيَّةِ كَلامَ اللَّهِ لِمُوسَى، وَعَنْ قَوْمٍ8 أَنْكَرُوا صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ لِي: بَلْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِصَوْتٍ. هَذِهِ الأَحَادِيثُ يَمُرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ. وَقَالَ أَبِي: حَدَّثَنَا9 ابْنُ مَسْعُودٍ إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَمَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ10.
1 في "التعرف": وصوت.
2 في "التعرف": كلامه.
3 في ع ض: لله.
4 في "التعرف": غير مخلوق.
5 في ب ز ع ض: وقال.
6 في "التعرف": وهذا قول حارث.
7 التعرف لمذهب أهل التصوف ص 19.
وابن سالم هو: أحمد بن محمد بن أحمد بن سالم، أبو الحسن، البصري، تلميذ سهل بن عبد الله التستري، وكان لأبي الحسن بن سالم أحوال ومجاهدات، وهو أستاذ مكي بن أبي طالب الذي عُرف في كتابه "قوت القلوب". كما كان أبو الحسن صديقاً لأبي مجاهد المفسر، وتنتسب فرقة السالمية إلى أبي الحسن بن سالم وإلى أبيه أبي عبد الله "المتوفى سنة 293هـ". صاحب سهل. وقد أسس الفرقة سهل المتوفى سنة 283هـ فخلفه من بعده أبو عبد الله وابنه أبو الحسن. وعمر أبو الحسن كثيراً، وكان آخر أصحاب التستري وفاة، وهي فرقة من المتكلمين من أهل السنة ذوي النزعة الصوفية. قال ابن العماد عنهم:"وقد خالفوا أصول السنة في مواضع، وبالغوا في الإثبات في مواضع، وعمر أبو الحسن دهراً وبقي إلى سنة بضع وخمسين". وتوفي سنة 360هـ.
"انظر: شذرات الذهب 3/ 36، مرآة الجنان 2/ 372، حلية الأولياء 10/ 378، طبقات الصوفية ص 414، دائرة المعارف الإسلامية في مصطلح السالمية".
8 في ع: عموم. وهو تصحيف.
9 في ع ض: حديث.
10 مر هذا الحديث مع تخريجه صفحة 67.
وَرَوَى الْخَلَاّلُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ1 عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ2 قَالَ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَمَّنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ؟ فَقَالَ: بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ3. هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحَّتَا4 عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ بِلا شَكٍّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ "خَلْقُ أَفْعَالِ الْعِبَاد"ِ: وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ: "كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ خَفِيضَ الصَّوْتِ"5 وَ "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، *فَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى 6".
1 هو محمد بن علي بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الوراق، الجرجاني الأصل، البغدادي المنشأ، يعرف بحمدان. حدث عنه أبو بكر الخلال وابن سريج وعبد الله البغوي وغيرهم. قال الخلال عنه:"رفيع القدر، كان عنده عن أبي عبد الله مسائل حسان". وهو مشهود له بالصلاح والفضل، توفي سنة 272هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 308، المنهج الأحمد 1/ 164".
2 هو يعقوب بن إسحاق بن بختان، أبو يوسف. سمع من مسلم بن إبراهيم والإمام أحمد، وكان أحد الصالحين الثقات، وجان جار الإمام أحمد وصديقه، وروى عنه مسائل صالحة كثيرة في الورع لم يروها غيره، ومسائل في السلطان. ذكره العليمي في أصحاب أحمد فيمن لم تؤرخ وفاته.
انظر: المنهج الأحمد 1/ 340، "طبقات الحنابلة 1/ 415، تاريخ بغداد 14/ 280".
3 انظر: طبقات الحنابلة 1/ 415، وقارن ذلك بما جاء في الإنصاف للباقلاني ص 129 وما بعدها.
4 في ب: صحيحتان.
5 خلق أفعال العباد ص 59.
6 خلق أفعال العباد ص 59. ورواه البخاري في "صحيحه" عن جابر عن عبد الله بن أنيس. "انظر: صحيح البخاري 4/ 294".
وَفِيْ1 هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى لا يُشْبِهُ صَوْتَ الْمَخْلُوقِينَ2؛ لأَنَّ [صَوْتَ] 3 اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ4"، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ يُصْعَقُونَ مِنْ صَوْتِهِ. فَإِذَا نَادَى الْمَلائِكَةَ لَمْ يُصْعَقُوا وَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} 5 فَلَيْسَ لِصِفَةِ اللَّهِ نِدٌّ وَلا مِثْلٌ، وَلا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْمَخْلُوقِينَ".
هَذَا لَفْظُهُ بِعَيْنِهِ6. وَذَكَرَ حَدِيثَيْ7 ابْنِ أُنَيْسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ8، وَتَقَدَّمَا9. قَالَ الْعَلَاّمَةُ الْمِرْدَاوِيُّ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ الْمَذَاهِبِ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ الأَقْوَالِ التِّسْعَةِ؟ قُلْت: إنْ صَحَّتِ الأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الصَّوْتِ فَلا كَلامَ "10فِيْ أَنَّهُ10" أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ، مَعَ الاعْتِقَادِ فِيهِ بِمَا يَلِيقُ11 بِجَلالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِوَجْهٍ مَا أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصَحَّحَهَا الأَئِمَّةُ الْكِبَارُ
1 في ش ز: و.
2 في ب ع ض: الخلق.
3 ساقطة من جميع النسخ. وهي إضافة ضرورية من البخاري.
*-4 ساقطة من ش ز.
5 الآية 22 من البقرة.
6 خلق أفعال العباد ص 59.
7 في ش: حديث.
8 خلق أفعال العباد ص 59-60.
9 صفحة 62-66 من هذا الكتاب.
10 في ش ب ز ض: لأنه.
11 في ز: لا يليق.
الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ، كَأَحْمَدَ، وَالْبُخَارِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَالرَّازِيِّ1 وَغَيْرِهِمْ2، حَتَّى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي زَمَنِنَا. قَالَ: وَ3قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ4. وَكَذَلِكَ5 صَحَّحَهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ6. وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ7، وَلَوْلا أَنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ، لَمَا قُلْنَاهُ وَلا حُمْنَا حَوْلَهُ. كَمَا قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ8 ذَلِكَ فِي "عَقِيدَتِهِ9":. فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالى لا تُعْرَفُ إلَاّ بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، أَوْ مِنْ10 صَاحِبِ
1 إذا أطلق الرازي في الحديث فالمراد أبو حاتم أو أبو زرعة الرازي. وستأتي الترجمة لكل منهما فيما بعد. والمقصود هنا ابن أبي حاتم صاحب كتاب "الرد على الجهمية" الذي ذكر هذه الأحاديث وصححها، كما ذكره ابن حجر أكثر من مرة في "فتح الباري 13/ 352"، وابن تيمية في "منهاج السنة 2/ 283 مطبعة المدني".
وابن أبي حاتم هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي، أبو محمد الرازي، الإمام الحافظ الناقد. أخذ علم أبيه وأبي زرعة الرازي. وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، وكان ثقة زاهداً ثبتاً، له مؤلفات كثيرة نافعة، منها:"الجرح والتعديل"، و"التفسير"، و"الرد على الجهمية"، و"العلل، و"المسند"، و"الفوائد الكبرى". توفي سنة 327هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 3/ 324، ميزان الاعتدال 2/ 587، فوات الوفيات 1/ 542، طبقات المفسرين 1/ 279، تذكرة الحفاظ 3/ 839، طبقات الشافعية الكبرى للعبادي ص 43، المنهج الأحمد 2/ 17، طبقات الحنابلة 2/ 55، شذرات الذهب 3/ 324، طبقات الحفاظ ص 345، البداية والنهاية 11/ 191".
2 في ش ز: فتحرهم. وفي ب ع: فتخيرهم.
3 ساقطة من ب ع.
4 فتح الباري 12/ 352، 354.
5 في ع: وكذا.
6 في ش ز ب: فتحرهم. وساقطة من ع.
7 في ع: وهداية فتحرهم.
8 في ش ز ع ب ض: الشهرزوري.
9 سبق نص السهروردي صفحة 58 من هذا المجلد.
10 ساقطة من ش.
الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ. فَتَصْحِيحُ هَؤُلاءِ وَإِثْبَاتُهُمْ لِلأَحَادِيثِ بِذِكْرِ الصَّوْتِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ مَنْ نَفَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ1 ذِكْرُ2 الصَّوْتِ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا3: أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
وَمِنْهَا: عِظَمُ الْمُصَحِّحِ وَجَلالَةُ قَدْرِهِ وَكَثْرَةُ اطِّلاعِهِ، لا سِيَّمَا فِي إثْبَاتِ صِفَةِ4 اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الزُّهْدِ الْعَظِيمِ وَالْقِدَمِ الْمَتِينِ. أَفَيَلِيقُ بِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلَّهِ5 مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَيَدِينُونَ اللَّهَ بِهَا. وَيَعْتَقِدُونَهَا وَيَهْجُرُونَ مَنْ يُخَالِفُهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَحَّ عِنْدَهُمْ؟ فَمَا الْحَامِلُ لَنَا أَوْ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَعْتَقِدُ هَذَا مُسْلِمٌ فِي مُسْلِمٍ فَضْلاً عَنْ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ.
ثُمَّ الأَسْلَمُ - بَعْدَ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمَذَاهِبِ التِّسْعَةِ - مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: "الاكْتِفَاءُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. وَقَالَ: وَهَذَا أَسْلَمُ الأَقْوَالِ، لِشِدَّةِ اللَّبْسِ وَنَهْيِ السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا6". اهـ.
وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - 7أَنَّ السَّلَفَ إنَّمَا اكْتَفَى8 بِذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْكَلامِ فِيهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ النَّاسِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الشُّبَهِ الْمُوجِبَةِ
1 ساقطة من ض.
2 في ض: وذكر.
3 في ش ز: أحدها.
4 في ع: صفات.
5 في ز ع ب ض: الله.
6 انظر: مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 123، 124.
7 في ز ع ب ض: إنما اكتفى السلف.
لِخَبْطِ1 الْعَقَائِدِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، لِقَوْلِ أَحْمَدَ: مَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ" فَهُوَ جَهْمِيٌّ2. وَمَنْ قَالَ: "لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ": مُبْتَدِعٌ3.
وَإِنَّمَا أَطَلْنَا لأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ فِي زَمَنِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ قَدِيمَيْنِ غَيْرِ مُتَعَاقِبَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ إذَا شَاءَ وَكَيْفَ4 شَاءَ، كَمَا قُرِّرَ، يَكُونُ كَافِرًا. فَهَذَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ. وَقَدْ سَمَّوْا مُخَالِفَهُ مُبْتَدِعًا. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ5 وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ مِنْ6 زَمَنِهِ إلَى زَمَنِنَا، وَ7لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، كَمَا8 قَالَ إمَامُهُمْ: وَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا جِدًّا.
1 في ش: لحبوط.
2 ساقطة من ز ع ض.
3 قال الباقلاني: "ولا يجوز أن يقول أحد: لفظي بالقرآن مخلوق أو غير مخلوق، ولا أني أتكلم بكلام الله". "الإنصاف ص 71".وانظر: مسائل الإمام أحمد ص 262، 265، 266، فتاوى ابن تيمية 12/ 74، 167، 170، 209، مجموعة الرسائل والمسائل 3/ 4، 24، 60.
4 في ع: بما.
5 هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية حذيفة بن المغيرة المخزومية، وأمها عاتكة بنت عامر، كنيتها بابنتها سلمة بن أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة الهجرتين، وخرج أبو سلمة إلى أحد، فأصيب عضده بسهم ثم برأ الجرح، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فعاد الجرح، ومات منه، فاعتدت أم سلمة، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء. توفيت سنة 59هـ، ولها 84 سنة، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، ودفنت بالبقيع. قال ابن حجر وابن العماد: توفيت سنة 61هـ. ولها مناقب.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 458، الاستيعاب 4/ 454، تهذيب الأسماء 1/ 361، شذرات الذهب 1/ 69، الخلاصة ص 496".
6 في ض: في.
7 ساقطة من ب ع.
8 في ع: قالوا كما.
وَإِذَا1 نَظَرَ الْمُنْصِفُ فِي كَلامِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ. وَاطَّلَعَ عَلَى مَا قَالُوهُ2 فِي3 هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَذَرَ الْقَائِلَ، وَأَحْجَمَ عَنِ4 الْمَقَالاتِ الَّتِي لا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا فِي مُسْلِمٍ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ. وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَلَاّمَةُ ابْنُ حَجَرٍ: قَدْ5 صَحَّتْ الأَحَادِيثُ بِذَلِكَ. فَمَا بَقِيَ إلَاّ التَّسْلِيمُ أَوْ التَّأْوِيلُ6، فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقُولَ: بِعَقْلِهِ هَذِهِ الأَحَادِيثُ مُشْكِلَةٌ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْمَحْذُورُ الْعَظِيمُ. فَيَتْبَعُ قَوْلَ هَذَا، أَوْ قَوْلَ مَنْ اتَّبَعَ الأَحَادِيثَ عَلَى حُكْمِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَاّئِقَةِ بِجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ! بَلْ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: الْقُرْآنُ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ 7. فَمَنْ قَالَ8: "الْقُرْآنُ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَكِنْ مَنَعَ9 اللَّهُ قُدْرَتَهُمْ10" كَفَرَ، بَلْ هُوَ مُعْجِزٌ بِنَفْسِهِ، وَالْعَجْزُ شَمِلَ الْخَلْقَ11.
1 في ع: فإذا.
2 في ب ض: قالوا.
3 في ب: من.
4 ساقطة من ب ز.
5 ساقطة من ز.
6 فتح الباري 13/ 354.
7 انظر الفروع 1/ 418.
8 في ش ز: قائل.
9 في ض: يمنع.
10 هذا رأي النظام من المعتزلة، ويعني به أن الله صرف العرب عن معارضته وسلب قلوبهم عنه. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 118، بيان إعجاز القرآن للخطابي ص 22، البرهان في علوم القرآن 2/ 93".
11 انظر: الجواب الصحيح 4/ 75، البرهان في علوم القرآن 2/ 93.
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: كَلامُ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُعْجِزٌ فِي لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ وَنَظْمِهِ. كَالْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ1.
وَخَالَفَ الْقَاضِي 2فِي الْمَعْنَى9. وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَحَدَّى بِمِثْلِهِ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ3.
قِيلَ لِلْقَاضِي: لا نُسَلِّمُ أَنَّ الإِعْجَازَ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى فَقَطْ، بَلْ هُوَ فِيهِ أَيْضًا!؟
فَقَالَ: الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الإِعْجَازَ نَظْمًا وَلَفْظًا لا مَعْنًى: أَشْيَاءُ.
مِنْهَا: أَنَّ الْمَعْنَى يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ يُبَيِّنُ صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ4 قَوْله تَعَالَى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} 5 وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّحَدِّيَ بِأَلْفَاظِهَا، وَلأَنَّهُ قَالَ:{مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} وَالْكَذِبُ لا يَكُونُ مِثْلَ الصِّدْقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ6: "مِثْلُهُ فِي اللَّفْظِ وَالنَّظْمِ7". اهـ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: هَلْ يَسْقُطُ الإِعْجَازُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ. أَمْ هُوَ بَاقٍ؟ الأَظْهَرُ مِنْ جَوَابِ أَحْمَدَ: أَنَّ الإِعْجَازَ فِيهَا8 بَاقٍ، خِلافًا لِلأَشْعَرِيَّةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ9.
1 وهو رأي الصاحبين من الحنفية، خلافاً للإمام أبي حنيفة الذي يرى الإعجاز في المعنى. "انظر: أصول السرخسي 1/ 281-282، البرهان في علوم القرآن 2/ 99، فواتح الرحموت 2/ 8، الفروع 1/ 418".
2 ساقطة من ش ب ز.
3 انظر: الفروع 1/ 418، الفصل في الملل والنحل 3/ 16.
4 ساقطة من ع.
5 الآية 13 من هود.
6 ساقطة من ض.
7 انظر: الفروع 1/ 418.
8 في ع: منهما.
9 انظر: الفروع 1/ 418. وعبارة "والله أعلم" ساقطة من ض.
"وَفِي بَعْضِ آيَة"ٍ مِنْ الْقُرْآنِ "إعْجَازٌ" ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ1 لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 2.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا فِيهِ الإِعْجَازُ، وَإِلَاّ فَلا نَقُولُ3 فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ نَظَرَ} 4 وَنَحْوِهَا: إنَّ فِي بَعْضِهَا إعْجَازًا وَ5فِيهَا أَيْضًا. وَهُوَ وَاضِحٌ6. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَنَفِيَّةُ: لا إعْجَازَ فِي بَعْضِ آيَةٍ، بَلْ فِي آيَةٍ7.وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِ. فَإِنَّ8 بَعْضَ الآيَاتِ الطِّوَالِ فِيهَا إعْجَازٌ.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي "الشَّامِلِ" وَغَيْرِهِ: إنَّمَا يَتَحَدَّى بِالآيَةِ إذَا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا بِهِ التَّعْجِيزُ، لا فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ نَظَرَ} 9 فَيَكُونُ الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} 10 أَيْ مِثْلِهِ فِي الاشْتِمَالِ عَلَى مَا 11بِهِ يَقَعُ1 الإِعْجَازُ لا مُطْلَقًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ مُعْجِزٌ، لَكِنْ مِنْهُ مَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ مُعْجِزًا
1 المرجع السابق.
2 الآية 34 من الطور.
3 في ش ز ض: يقول.
4 الآية 21 من المدثر.
5 في ض: أو.
6 انظر: الفصل في الملل والنحل 3/ 19.
7 انظر: أصول السرخسي 1/ 280. وعبارة "بل في آية" ساقطة من ض.
8 في ش ز ع ب: وقال.
9 الآية 21 من المدثر.
10 الآية 34 من الطور.
11 في ع: يقع به.
بِذَاتِهِ. وَمِنْهُ مَا إعْجَازُهُ مَعَ الانْضِمَامِ إلَيْهِ1. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} 2 أَنَّ الإِعْجَازَ يَحْصُلُ بِأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ3.
"وَيَتَفَاضَلُ" الْقُرْآنُ، وَيَتَفَاضَلُ أَيْضًا "ثَوَابُهُ" لِظَوَاهِرِ الأَحَادِيثِ. وَبِهَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ4 وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالْغَزَالِيُّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ5: إنَّهُ الْحَقُّ. وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ6.
1 ساقطة من ب ع ض.
2 الآية 23 من البقرة. وفي ش ز: فليأتوا. وهو خطأ.
3 انظر: نهاية السول 1/ 204، الإتقان في علوم القرآن 2/ 123، البرهان في علوم القرآن 2/ 108.
4 هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو يعقوب المروزي، المعروف بابن راهويه. قال ابن خلكان:"جمع بين الحديث والفقه والورع، وكان أحد أئمة الأعلام". وكان قوي الذاكرة، يحفظ سبعين ألف حديث، جالس الإمام أحمد وروى عنه. وناظر الإمام الشافعي، ثم صار من أتباعه، وجمع كتبه، وله مسند مشهور، ومصنفات كثيرة، منها:"المسند"، و"التفسير". توفي بنيسابور سنة 238هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 179، تذكرة الحفاظ 2/ 433، حلية الأولياء 9/ 234، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 83، طبقات الحنابلة 1/ 109، طبقات الحفاظ ص 188، المنهج الأحمد 1/ 108، الخلاصة ص 27، شذرات الذهب 2/ 179، الفهرست ص 321، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 94".
5 هو محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح –بفتح الفاء وسكون الراء- الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الله القرطبي، الإمام العالم الجليل، الفقيه المفسر المحدث. وكان من عباد الله الصالحين، والعلماء الزاهدين في الدنيا، المشتغلين بأمور الآخرة. قال الذهبي:"إمام متقن متبحر في العلم، له مصنفات مفيدة، تدل على إمامته وكثرة اطلاعه ووفور عقله". ومن مؤلفاته: "أحكام القرآن" في التفسير، أجاد في البيان واستنباط الأحكام وإثبات القراءات والناسخ والمنسوخ والإعراب، و"شرح أسماء الله الحسنى"، و"التذكار في أفضل الأذكار"، و"التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة"، و"التقصي" وغير ذلك. توفي سنة 671هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 308، شجرة النور الزكية ص 197، شذرات الذهب 5/ 335، طبقات المفسرين 2/ 65".
6 تفسير القرطبي 1/ 110. وانظر: الإتقان 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438، الفروع 1/ 415، جواهر القرآن ص 38، 48.
قَالَ1 الْغَزَالِيُّ فِي "جَوَاهِرِ الْقُرْآنِ": "لَعَلَّك أَنْ تَقُولَ: قَدْ أَشَرْت إلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، و2الْكَلامُ كَلامُ اللَّهِ3. فَكَيْفَ يُفَارِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا؟ وَكَيْفَ يَكُونُ بَعْضُهَا أَشْرَفَ مِنْ بَعْضٍ؟
فَاعْلَمْ أَنَّ نُورَ الْبَصِيرَةِ إنْ كَانَ لا يُرْشِدُك إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَاتِ، وَبَيْنَ سُورَةِ الإِخْلاصِ وَسُورَةِ3 تَبَّتْ. وَتَرْتَاعُ عَلَى4 اعْتِقَادِ الْفَرْقِ نَفْسُك الْخَوَّارَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ بِالتَّقْلِيدِ. فَقَلِّدْ صَاحِبَ الرِّسَالَةِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ. وَقَالَ:"يس قَلْبُ الْقُرْآنِ" 5، و "فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ" 6، وَ "آيَةُ الْكُرْسِيِّ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ" 7، " {وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} :
1 في ع: وقال.
2 في جواهر القرآن: والكل قول الله تعالى.
3 في ع: وبين سورة.
4 في جواهر القرآن: من.
5 هذا الحديث رواه الترمذي والدارمي عن أنس، وأوله: "إن لكل شيء قلباً، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس
…
الحديث".
وفسر الغزالي ذلك فقال: "إن ذلك لأن الإيمان صحته الاعتراف بالحشر والنشر، وهو مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، فجعلت قلب القرآن لذلك". واستحسن ذلك فخر الدين الرازي.
"انظر: تحفة الأحوذي 8/ 197، سنن الدارمي 2/ 456، جواهر القرآن ص 48، البرهان في علوم القرآن 1/ 144".
6 وردت أحاديث كثيرة في فضل فاتحة الكتاب بألفاظ متعددة.
"انظر: فيض القدير 4/ 418 وما بعدها، زاد المسير 1/ 10، تفسير الطبري 1/ 47، تفسير القرطبي 1/ 108".
7 رواه الترمذي وعبد الرزاق في حديث طويل بلفظ: "وفيها آية هي سيدة آي القرآن؛ آية الكرسي". وقال الترمذي: حديث غريب، وفيه حكيم بن جبير، تكلم فيه شعبة وضعفه. "تحفة الأحوذي 8/ 181، وانظر: المصنف لعبد الرزاق 3/ 376". ورواه أبو داود بلفظ: "إنها أعظم آي القرآن". "سنن أبي داود 1/ 337". وانظر فضل آية الكرسي في "صحيح مسلم 1/ 556". وروى عبد الرزاق أيضاً عن عبد الله بن مسعود قال: "أعظم آية في القرآن آية الكرسي". "المصنف 3/ 371". ورواه الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "سيدة آي القرآن آية الكرسي". المستدرك 2/ 260".
تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ" 1. وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَتَخْصِيصِ2 بَعْضِ السُّوَرِ وَالآيَاتِ بِالْفَضْلِ، وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ فِي تِلاوَتِهَا لا تُحْصَى3". اهـ.
وَذَهَبَ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَاّنِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ: إلَى الْمَنْعِ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَلِذَلِكَ: كَرِهَ أَنْ تُرَدَّدَ سُورَةٌ دُونَ أُخْرَى4.
قَالَ5 ابْنُ الْحَصَّارِ6: وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يُنْكِرُ7 الاخْتِلافَ فِي ذَلِكَ مَعَ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالتَّفْضِيلِ8.
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك وأحمد والدارمي وعبد الرزاق.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 230، صحيح مسلم 1/ 556، سنن أبي داود 1/ 337، تحفة الأحوذي 8/ 205، سنن النسائي 2/ 133، سنن ابن ماجه 2/ 1244، الموطأ 1/ 209، سنن الدارمي 2/ 460، المصنف 3/ 371، فتح الباري 13/ 277".
2 في "جواهر القرآن": بتخصيص.
3 جواهر القرآن ص 37-38، وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 156.
4 انظر: تفسير القرطبي 1/ 109، الإتقان في علوم القرآن 2/ 156، البرهان في علوم القرآن 1/ 438.
5 في ع: وقال.
6 هو علي بن محمد بن أحمد، أبو الحسن الخزرجي الإشبيلي، ثم الفاسي، يعرف بابن الحصّار، الفقيه العالم المحصل المتفنن المؤلف. أخذ عن أبي القاسم بن حبيش، وأقرأ في أصول الفقه، وحجّ وجاور، وحدّث عنه المنذري، وصنف في أصول الفقه. وله كتاب "الناسخ والمنسوخ"، و"البيان في تنقيح البرهان"، وله "أرجوزة في أصول الدين" شرحها في أربعة أجزاء. توفي سنة 611هـ.
"انظر: شجرة النور الزكية ص 173".
7 في ب ع ض: يذكر. وهو تصحيف.
8 في ز: بالفضل. والكلام منقول حرفياً من السيوطي في "الإتقان 2/ 156". وانظر: تفسير القرطبي 1/ 110.
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ: كَلامُ اللَّهِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ كَلامِهِ فِي غَيْرِهِ. فَـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} 1: أَفْضَلُ مِنْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 2.
وَقَالَ فِي "الإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ": "اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّفْضِيلِ:.فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَضْلُ رَاجِعٌ إلَى عِظَمِ الأَجْرِ وَمُضَاعَفَةِ الثَّوَابِ بِحَسَبِ انْتِقَالاتِ النَّفْسِ وَخَشْيَتِهَا، وَتَدَبُّرِهَا وَتَفَكُّرِهَا3 عِنْدَ وُرُودِ أَوْصَافِ الْعَلِيِّ.
وَقِيلَ: بَلْ يَرْجِعُ4 لِذَاتِ اللَّفْظِ، وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْله تَعَالَى:{وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لا إلَهَ إلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} 5 وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَآخِرُ سُورَةِ6 الْحَشْرِ، وَسُورَةُ الإِخْلاصِ مِنْ الدَّلالاتِ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ وَصِفَاتِهِ، لَيْسَ مَوْجُودًا مَثَلاً فِي {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} 7 وَمَا كَانَ مِثْلَهَا. فَالتَّفْضِيلُ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعَانِي الْعَجِيبَةِ وَكَثْرَتِهَا8". اهـ.
"وَيَتَفَاوَتُ إعْجَازُهُ" قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا: فِي بَعْضِهِ إعْجَازٌ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ.
1 الآية الأولى من الإخلاص.
2 الآية الأولى من المسد.
3 ساقطة من ب.
4 ساقطة من ز.
5 الآية 163 من البقرة. وفي ب: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . وفي ز ع ض: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} . - الآية.
6 في ش ب ز: آية.
7 الآية الأولى من المسد.
8 الإتقان في علوم القرآن 1/ 156-157. وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 438، 440، جواهر القرآن ص 38 وما بعدها، تفسير القرطبي 1/ 110.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": قُلْت: وَهُوَ صَحِيحٌ1، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّةُ2 عُلَمَاءِ الْبَلاغَةِ3."وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ4 وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ5 وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو6 عُبَيْدٍ وَدَاوُد7،
1 في ع: الصحيح.
2 ساقطة من ع.
3 انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 99.
4 هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار "قيل من أقيال اليمن" الشعبي، أبو عمرو. وهو من حمير، وهو تابعي كوفي. قال ابن خلكان: جليل القدر، وافر العلم، عالم الكوفة، وكان نحيفاً، وكان مزاحاً. له مناقب وشهرة، توفي بالكوفة فجأة سنة 103هـ، وقيل غير ذلك، وقد أدرك خمسمائة من الصحابة أو أكثر.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 227، تذكرة الحفاظ 1/ 79، تاريخ بغداد 12/ 229، حلية الأولياء 4/ 310، طبقات القراء 1/ 350، طبقات الحفاظ ص 32، طبقات الفقهاء ص 81، الخلاصة ص 184، المعارف ص 449، شذرات الذهب 1/ 126".
5 هو سفيان بن سعيد بن مسروق، أبو عبد الله الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، أجمع الناس على دينه وورعه وزهده وعلمه، وهو أحد الأئمة المجتهدين، عين على قضاء الكوفة فامتنع واختفى. قال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين، والفقهاء في الدين ممن لزم الحديث والفقه، وواظب على الورع والعبادة
…
حتى صار عَلَماً يرجع إليه في الأمصار. مات بالبصرة سنة 161هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 2/ 127، طبقات المفسرين 1/ 186، طبقات الفقهاء ص 84، تاريخ بغداد 9/ 151، تذكرة الحفاظ 1/ 203، حلية الأولياء 6/ 356، مشاهير علماء الأمصار ص 169، التاج المكلل ص 50، صفة الصفوة 3/ 147، طبقات الحفاظ ص 88، الخلاصة ص 145، شذرات الذهب 1/ 250، الفهرست ص 85".
6 في ز ش ب ض: أبي.
7 هو داود بن علي بن خلف، أبو سليمان الأصبهاني البغدادي، إمام أهل الظاهر، وكان زاهداً متقللاً كثير الورع، وكان أكثر الناس تعصباً للإمام الشافعي. وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين، ثم صار صاحب مذهب مستقل. وكان من عقلاء الناس. ويحضر مجلسَه العددُ الكثير. ومن مؤلفاته:"الكافي في مقال المطلبي"، "وإبطال القياس"، "وأعلام النبي و"المعرفة"، "والدعاء"، و"الطهارة"، "والحيض"، "والصلاة" وغيرها. توفي ببغداد سنة 270هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى 2/ 284، ميزان الاعتدال 2/ 14، تاريخ بغداد 8/ 369، وفيات الأعيان 2/ 26، طبقات الحفاظ ص 253، طبقات المفسرين 1/ 166، شذرات الذهب 2/ 158، الفهرست ص 303، الفتح المبين 1/ 159، طبقات الفقهاء ص 92".
وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ1، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ أَكْثَرِ2 الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ3 وَغَيْرِهِمْ4.
1 هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله، أصله من حرستا بغوطة دمشق. ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث على الإمام مالك، ثم حضر مجلس أبي حنيفة سنين، وتفقه على أبي يوسف، والتقى مع الشافعي وناظره، ثم أثنى عليه الشافعي، وكان من أفصح الناس. دوّن فقه أبي حنيفة ونشره، ولاه الرشيد قضاء الرقة، ثم عزله عنها. وأهم كتبه:"الجامع الكبير"، "والجامع الصغير"، "والأصل"، "والسير الصغير"، "والسير الكبير"، "والزيادات"، "والآثار"، "والنوادر" وغيرها. توفي سنة 189هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 135، الفوائد البهية ص 163، الجواهر المضيئة 2/ 42، تهذيب الأسماء 1/ 80، وفيات الأعيان 3/ 324، تاج التراجم ص 54، المعارف ص 500، التاج المكلل ص 105، أخبار أبي حنيفة وأصحابه ص 120، شذرات الذهب 1/ 320، الفهرست ص 287".
2 ساقطة من ز ش. وموجودة في بقية النسخ، وهو الصحيح؛ لأن نصف القراء تركوا البسملة في القراءة، وهم: ابن عامر، ونافع، وحمزة، وأبو عمرو. "انظر فواتح الرحموت 2/ 14".
3 القراء السبعة هم: 1- نافع بن عبد الرحمن الليثي "ت 169هـ." 2- عبد الله بن كثير المكي "ت 126هـ." 3- زيان بن العلاء، أبو عمرو البصري "ت 154هـ". 4- عبد الله بن عامر الشامي اليحصبي قاضي دمشق "ت 118هـ". 5- عاصم بن أبي النجود الكوفي "ت 128هـ". 6- حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الكوفي "ت 156هـ". 7- علي بن حمزة الكسائي النحوي، أبو الحسن "ت 189هـ".
"انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 327".
وفي ض: من السبعة.
4 "انظر: صحيح ابن خزيمة 1/ 248، شرح النووي على مسلم 4/ 113، الإحكام للآمدي 1/ 163، أصول السرخسي 1/ 280، المجموع شرح المهذب 3/ 333، المستصفى 1/ 102، فواتح الرحموت 2/ 14، جمع الجوامع 1/ 227، زاد المسير 1/ 7، فتاوى ابن تيمية 13/ 399، أصول الفقه الإسلامي ص 106 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 7، كشف الأسرار 1/ 73، التلويح على التوضيح 1/ 159، إرشاد الفحول ص 31".
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالأَوْزَاعِيُّ1 وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ2 وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ3. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ4، لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ الْفَاتِحَةِ": فِي ثُبُوتِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ نَظَرٌ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: تَكُونُ الْبَسْمَلَةُ كَالاسْتِعَاذَةِ. وَعَلَى الأَوَّلِ "لا" تَكُونُ "مِنْ الْفَاتِحَةِ" عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهَا مُعْظَمُ أَصْحَابِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، اخْتَارَهَا ابْنُ بَطَّةَ5 وَأَبُو
1 هو عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمِد، أبو عمرو الأوزاعي، إمام أهل الشام. قال ابن حبان:"أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً، وورعاً وحفظاً، وفضلاً وعبادة، وضبطاً مع زهادة". وكان إماماً في الحديث، وكان يسكن بيروت، وكان أهل الشام والمغرب على مذهبه قبل انتقال المغرب إلى مذهب مالك نحوَ مائتي سنة. وهو من تابعي التابعين، وكان بارعاً في الكتابة والترسل. توفي سنة 157 هـ ببيروت.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 178، وفيات الأعيان 2/ 310، طبقات الفقهاء ص 76، طبقات الحفاظ ص 79، مشاهير علماء الأمصار ص 180، تهذيب الأسماء 1/ 298، الخلاصة ص 232، شذرات الذهب 1/ 241".
2 في ب ع: والطبري. وهو خطأ.
3 وهو قول القاضي الباقلاني ومكي بن أبي طالب. وقد ذكر الإمام النووي أدلة هذا القول في "المجموع" وناقشها ورود عليها.
"انظر: تفسير الطبري 1/ 146 ط المعارف، الإحكام للآمدي 1/ 163، المجموع شرح المهذب 3/ 334، كشف الأسرار 1/ 23، الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب 1/ 22، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227".
4 انظر: زاد المسير 1/ 7.
5 هو عبيد الله بن محمد بن محمد، أبو عبد الله العُكبري المعروف بابن بطة، الفقيه الحنبلي، العالم الصالح. قال ابن العماد:"كان أحد المحدثين العلماء الزهاد". لازم بيته أربعين سنة، ولم يُرَ مفطراً إلا في يومي الفطر والأضحىوالتشريق، وكان مستجاب الدعوة، صنف كتاباً كبيراً في السنة سماه "السنن". وله مصنفات كثيرة، منها:"الإبانة في أصول الديانة" الصغرى والكبرى، "والمناسك"، "وذم البخل"، "وتحريم الخمر". توفي بعكبرا سنة 387هـ. انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 144، المنهج الأحمد 2/ 69، شذرات الذهب 3/ 122".
حَفْصٍ1 الْعُكْبَرِيَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ2.
"وَلا تَكْفِيرَ بِاخْتِلافٍ فِيهَا" أَيْ وَلا يَكْفُرُ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ 3مِنْ الْقُرْآنِ5، وَلا يَكْفُرُ4 مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ5 مِنْ الْفَاتِحَةِ6، وَلا مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ. وَلأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ، بَلْ مِنْ الْحُكْمِيِّ، وَهُوَ الأَصَحُّ لِلشَّافِعِيَّةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا هَلْ هِيَ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، كَسَائِرِ الْقُرْآنِ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ، لاخْتِلافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا7.
وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ8: "أَنَّهُ لا يُكَفَّرُ النَّافِي بِأَنَّهَا قُرْآنٌ إجْمَاعًا9".
1 هو عمر بن إبراهيم بن عبد الله، أبو حفص العُكبري، ويعرف بابن المسلم. له معرفة عالية بالمذهب الحنبلي، وله التصانيف السائرة، منها:"المقنع"، "وشرح الخرقي"، "والخلاف بين أحمد ومالك"، "والاختيارات في المسائل المشكلات". وصحب عدداً من فقهاء الحنابلة كأبي إسحاق بن شاقلا، ولازم ابن بطة. توفي سنة 387هـ.
انظر ترجمته في "المنهج الأحمد 2/ 73، طبقات الحنابلة 2/ 163".
2 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 4/ 111، المجموع شرح المهذب 3/ 333، 335، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 21، أصول الفقه الإسلامي ص 106، أصول السرخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159.
3 في ب ع ض: بقران.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 ساقطة من ز.
6 قال المجد ابن تيمية: "وليست من الفاتحة". "المحرر في الفقه 1/ 53". وانظر: الفروع 1/ 413.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 163، كشف الأسرار 1/ 23، البرهان في علوم القرآن 2/ 125، المستصفى 1/ 103.
8 في ش: الثوري.
9 المجموع 3/ 333، وهذا ما نقله الآمدي والغزالي عن أبي بكر الباقلاني. "انظر: الإحكام 1/ 163، المستصفى 1/ 103، 104، مختصر ابن الحاجب 2/ 19".
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: "وَقُوَّةُ الشُّبْهَةِ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" مَنَعَتْ مِنْ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ1".
قَالَ بَعْضُهُمْ: لَكِنْ هَذَا إنَّمَا هُوَ إذَا أَثْبَتْنَاهَا قُرْآنًا قَطْعِيًّا. أَمَّا إذَا أَثْبَتْنَاهَا حُكْمِيًّا. فَلَيْسَ هُنَا مُقْتَضٍ لِلتَّكْفِيرِ، حَتَّى يُدْفَعَ بِالشُّبْهَةِ.
"وَهِيَ" أَيْ الْبَسْمَلَةُ "آيَةٌ فَاصِلَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ". قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَهَذَا مَنْصُوصُ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي "تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ": وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ2 أَبِي حَنِيفَةَ3. "سِوَى بَرَاءَةَ" يَعْنِي إلَاّ "بَرَاءَةَ". فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَّلِهَا إجْمَاعًا. إمَّا لِكَوْنِهَا أَمَانًا. وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، كَمَا قَالَ4 ابْنُ
1 مختصر ابن الحاجب 2/ 19.
2 في ع: عن.
3 يتلخص هذا الموضوع في أن العلماء اتفقوا على أن البسملة بعض آية في "سورة النمل". واختلفوا في كونها آية في أوائل السور على ثلاثة أقوال: الأول: أن البسملة آية في أول كل سورة أو مع الآية الأولى من كل سورة إلا في "سورة التوبة". وهذا قول الشافعي. الثاني: أن البسملة ليست آية في أوائل السور مطلقاً، وهو قول المالكية والباقلاني من الشافعية. الثالث: أن البسملة آية من القرآن الكريم، وتتكرر في أوائل السور للفصل، وهو قول الحنابلة والحنفية. وقال الشوكاني: والحق أنها آية في كل سورة، وبيّن الأدلة.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 14، تيسير التحرير 3/ 7، أصول السخسي 1/ 280، التلويح على التوضيح 1/ 159، كشف الأسرار 1/ 23، المستصفى 1/ 102، الإحكام للآمدي 1/ 163، حاشية البناني وتقريرات الشربيني 1/ 227، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، الإتقان في علوم القرآن 1/ 78، المجموع شرح المهذب 3/ 333، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 1/ 426".
4 في ض: قاله.
عَبَّاسٍ. وَقَدْ كَشَفَتْ أَسْرَارَ الْمُنَافِقِينَ. وَلِذَلِكَ تُسَمَّى "الْفَاضِحَةَ"، وَإِمَّا لأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِالأَنْفَالِ سُورَةً وَاحِدَةً، وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ، عَلَى أَقْوَالٍ1.
"وَ" الْبَسْمَلَةُ أَيْضًا "بَعْضُهَا" أَيْ بَعْضُ آيَةٍ "مِنْ" سُورَةِ "النَّمْلِ2" إجْمَاعًا. فَهِيَ قُرْآنٌ فِيهَا قَطْعًا3.
"وَ" الْقِرَاءاتُ "السَّبْعُ مُتَوَاتِرَةٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الأَئِمَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ4. نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ5 مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ "الْغَايَةِ". وَقَالَ: قَالَتْ: الْمُعْتَزِلَةُ6: آحَاداً7. اهـ.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ: "إنَّهَا آحَادٌ" كَالطُّوفِيِّ فِي "شَرْحِهِ8". قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ
1 انظر هذه الأقوال وتعليلها في "البرهان في علوم القرآن 1/ 263، جمع الجوامع 1/ 228، تفسير القرطبي 8/ 61، تفسير الخازن 3/ 46، زاد المسير 3/ 389".
2 وهي قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ} . الآية 30 من النمل.
3 انظر: أًصول السرخسي 1/ 280، المستصفى 1/ 104، مختصر ابن الحاجب 1/ 19، جمع الجوامع 1/ 227، الفروع 1/ 413.
4 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87، مناهل العرفان 1/ 428، فواتح الرحموت 2/ 15، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 228.
5 هو زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى، أبو علي السرخسي، الفقيه المقرئ المحدث، من أئمة أصحاب الشافعي، وهو من أصحاب الوجوه في المذهب، وأخذ علم الكلام عن الأشعري. قال الحاكم:"الفقيه المحدث، شيخ عصره بخراسان". توفي سنة 389هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 293، تهذيب الأسماء 1/ 192، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 86، طبقات القراء 1/ 288، تبيين كذب المفتري ص 206، شذرات الذهب 3/ 131".
6 ساقطة من ش.
7 في ع آحاد.
8 انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 87. وقد ذكر الطوفي في "مختصره" أن: القراءات السبعة متواترة، خلافاً لقوم. ورد احتمال الآحاد. "انظر: مختصر الطوفي ص 46".
أَنَّهَا تَوَاتَرَتْ عَنْهُمْ لا إلَيْهِمْ - بِأَنَّ1 أَسَانِيدَ الأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءاتِ السَّبْعِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْجُودَةٌ فِي كُتُبِ الْقِرَاءاتِ2. وَهِيَ نَقْلُ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ، لَمْ تَسْتَكْمِلْ شُرُوطَ التَّوَاتُرِ.
وَرُدَّ بِأَنَّ انْحِصَارَ الأَسَانِيدِ فِي طَائِفَةٍ لا يَمْنَعُ مَجِيءَ الْقِرَاءاتِ عَنْ غَيْرِهِمْ. فَقَدْ كَانَ يَتَلَقَّى الْقِرَاءَةَ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ بِقِرَاءَةِ إمَامِهِمْ الَّذِي مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ: الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَنْ مِثْلِهِمْ. وَكَذَلِكَ دَائِمًا، فَالتَّوَاتُرُ حَاصِلٌ لَهُمْ، وَلَكِنَّ الأَئِمَّةَ الَّذِينَ قَصَدُوا ضَبْطَ الْحُرُوفِ وَحَفِظُوا شُيُوخَهُمْ فِيهَا جَاءَ السَّنَدُ مِنْ قِبَلِهِمْ. وَهَذَا كَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ هِيَ آحَادٌ، وَلَمْ تَزَلْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَنْقُولَةً عَمَّنْ يَحْصُلُ بِهِمْ التَّوَاتُرُ عَنْ مِثْلِهِمْ فِي كُلِّ عَصْرٍ3، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِذَلِكَ، وَلا يُغْتَرَّ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ أَسَانِيدَ الْقُرَّاءِ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا آحَادٌ4.
وَإِذَا5 تَقَرَّرَ هَذَا، فَاسْتَثْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا كَانَ مِنْ
1 في ش: بأنها.
2 في ع: القراءة. وفي ش ب ز: القراء.
3 لا يخلو كتاب من كتب السنة النبوية من نقل حجة النبي صلى الله عليه وسلم التي ودّع فيها الأمة، وبين لهم مناسكهم. وقد رواها البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وغيرهم.
"انظر: صحيح البخاري 3/ 82، صحيح مسلم 2/ 886، سنن أبي داود 2/ 388، تحفة الأحوذي 3/ 545، سنن النسائي 5/ 204، سنن ابن ماجه 2/ 1022، مسند أحمد 3/ 305، سنن الدارمي 2/ 45".
4 انظر تفصيل هذا البحث مع بيان أسماء القراء ورواياتهم وطرقهم في "النشر في القراءات العشر 1/ 54، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، إرشاد الفحول ص 30، البناني على جمع الجوامع 1/ 228، فواتح الرحموت 2/ 16".
5 في ب ع: إذا.
قُبَيْلِ صِفَةِ الأَدَاءِ، كَالْمَدِّ وَالإِمَالَةِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ1 وَنَحْوِهِ2.
وَمُرَادُهُ: مَقَادِيرُ الْمَدِّ وَكَيْفِيَّةُ الإِمَالَةِ لا أَصْلُ الْمَدِّ وَالإِمَالَةِ. فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَوَاتِرٌ قَطْعًا3. فَالْمَقَادِيرُ، كَمَدِّ حَمْزَةَ4 وَوَرْشٍ5. فَإِنَّهُ قَدْرُ سِتِّ أَلِفَاتٍ. وَقِيلَ: خَمْسٌ. وَقِيلَ: أَرْبَعٌ. وَرَجَّحُوهُ. وَمَدُّ عَاصِمٍ6: قَدْرُ ثَلاثِ أَلِفَاتٍ،
1في ش ز: الهمز. وفي ع ض ب ومختصر ابن الحاجب: الهمزة.
2انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 21، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 430، النشر في القراءات العشر 1/ 395، فواتح الرحموت 2/ 15، جمع الجوامع 1/ 228، المدخل إلى مذهب أحمد ص 87.
3انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 319، فواتح الرحموت 2/ 15، البناني على جمع الجوامع 1/ 229.
4هو حمزة بن حبيب بن عمارة، أبو عمارة الكوفي، التيمي مولاهم، أحد القراء السبعة. ولد سنة 80هـ، وأدرك الصحابة بالسن، فيحتمل أن يكون رأى بعضهم. قال ابن الجزري:"وإليه صارت الإمامة في القراءة بعد عاصم والأعمش، وكان إماماًَ حجة ثبتاً رضى قيماً بكتاب الله، بصيراً بالفرائض، عارفاً بالعربية، حافظاً للحديث، عابداً خاشعاًَ، زاهداً ورعاً، قانتاً لله عديم النظر". كان يتجر بالزيت. توفي بحلوان سنة 156هـ. ومن مصنفاته: "كتاب قراءة حمزة"، و"كتاب الفرائض".
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 261، مشاهير علماء الأمصار ص 168، مرآة الجنان 1/ 332، معرفة كبار القراء 1/ 93، الخلاصة ص 93، الفهرست ص 44، شذرات الذهب 1/ 240".
5هو عثمان بن سعيد بن عبد الله، أبو سعيد القرشي مولاهم، القبطي المصري، الملقب بورش، شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء المرتلين. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه، ولقبه نافع بورش لبياضه، أو الورشان، وهو اسم طائر معروف، اشتغل بالقرآن والعربية، فمهر بهما. توفي سنة 197هـ بمصر.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 502، حسن المحاضرة 1/ 485، معرفة القراء الكبار 1/ 126، شذرات الذهب 1/ 349".
6 هو عاصم بن بَهْدَلة أبي النجود، أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي، شيخ القراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة. انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة، وجمع بين الفصاحة والإتقان، والتحرير والتجويد. وكان أحسن الناس صوتاً بالقرآن. قال الإمام أحمد عنه: "رجل صالح خير ثقة، لكن قراءة أهل المدينة أحب، فإن لم فقراءة عاصم. ووثقه أبو زرعة وجماعة، وخرج له أصحاب الكتب الستة. توفي سنة 127هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 346، ميزان الاعتدال 2/ 358، معرفة القراء الكبار 1/ 73، الخلاصة ص 182، شذرات الذهب 1/ 175، الفهرست ص 43".
وَالْكِسَائِيِّ1: قَدْرُ أَلِفَيْنِ وَنِصْفٍ وقالون2: قَدْرُ أَلِفَيْنِ، وَالسُّوسِيِّ3: قَدْرُ أَلِفٍ وَنِصْفٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ4.
وَكَذَلِكَ الإِمَالَةُ تَنْقَسِمُ إلَى: مَحْضَةٍ. وَهِيَ أَنْ يَنْحَنِيَ5 بِالأَلِفِ إلَى الْيَاءِ،
1 هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن، المعروف بالكسائي، أحد القراء السبعة. قال ابن خلكان:"كان إماماً في النحو واللغة والقراءات، ولم يكن له في الشعر يد". وكان يؤدب الأمين بن الرشيد ويعلمه. استوطن بغداد، وله مصنفات، منها:"معاني القرآن"، و"مختصر في النحو"، و"القراءات"، و"مقطوع القرآن وموصوله"، و"النوادر". توفي بالري سنة 189هـ.
انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 399، إنباه الرواة 2/ 256، طبقات القراء 1/ 535، طبقات النحويين ص 127، مرآة الجنان 1/ 421، معرفة القراء الكبار 1/ 100، وفيات الأعيان 2/ 457، المعارف ص 545، شذرات الذهب 1/ 321، الفهرست ص 44".
2 هو عيسى بن مينا بن وردان، الملقب بقالون، المدني، قارئ المدينة ونحويّها. ويقال: إنه ربيب نافع، وقد اختص به كثيراً، وهو الذي لقبه قالون، بمعنى جيد، لجودة قراءته باللغة الرومية. وكان أصم لا يسمع البوق، لكنه يسمع القرآن. قال ابن أبي حاتم: كان أصم يقري القرآن، ويفهم خطأهم ولحنهم بالشفة، ويكتب حديثه بالجملة. توفي سنة 220هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 615، ميزان الاعتدال 3/ 327، معرفة القراء الكبار 1/ 128، شذرات الذهب 2/ 48".
3 هو صالح بن زياد بن عبد الله، أبو شعيب السوسي، مقرئ ضابط، محرر ثقة، وهو عالم أهل الرقة ومقرئهم. قال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة 261هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 332، الخلاصة ص 170، معرفة القراء الكبار 1/ 159، شذرات الذهب 2/ 143".
4 انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 314، 320، وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 319، مناهل العرفان 1/ 435.
5 في ع ض: ينحي، وكذا في البرهان في علوم القرآن 1/ 320.
وَبِالْفَتْحَةِ إلَى الْكَسْرَةِ، وَإِلَى بَيْنَ بَيْنَ. وَهِيَ كَذَلِكَ، 1إلَاّ أَنَّهَا5 تَكُونُ إلَى الأَلِفِ وَالْفَتْحَةِ أَقْرَبَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ2.
أَمَّا أَصْلُ التَّخْفِيفِ3 فِي الْهَمْزَةِ4 وَالتَّشْدِيدِ فَمُتَوَاتِرٌ5، وَأَمَّا كَوْنُ أَنَّ مِنْ الْقُرَّاءِ مَنْ يُسَهِّلُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُبْدِلُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً6. وَلِهَذَا كَرِهَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه وَجَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ طُولِ الْمَدِّ وَالْكَسْرِ وَالإِدْغَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ7؛ لأَنَّ الأُمَّةَ إذَا أَجْمَعَتْ8 عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهُ. وَهَلْ يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَتَوَاتَرَتْ إلَيْنَا يَكْرَهُهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؟ فَعَلِمْنَا بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً، وَهُوَ وَاضِحٌ. 9وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ وَجَمْعٍ3، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْكِسَائِيّ؛ لأَنَّهَا كَقِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي الإِمَالَةِ وَالإِدْغَامِ10. كَمَا نَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي "الْغَايَةِ".
1 في ض: لأنها.
2 انظر: النشر في القراءات العشر 2/ 30 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 436.
3 في ض: التحقيق.
4 في ش ز ع: الهمز.
5 في ض: فهو تواتر.
6 انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، مناهل العرفان 1/ 437.
7 قال ابن الجزري: وأما ما ذُكر عن عبد الله بن إدريس وأحمد بن حنبل من كراهة قراءة حمزة، فإن ذلك محمول على قراءة من سمعنا منه ناقلاً عن حمزة، وما آفة الأخبار إلا رواتها. "طبقات القراء 1/ 263".
وانظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 320، الفروع 1/ 422.
8 في ض: اجتمعت.
9 ساقطة من ش ز.
10 انظر: الفروع 1/ 422.
فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَوَاتِرًا لَمَا كَرِهَهُ1 أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَّةِ. وَزَادَ أَبُوْ شَامَةَ2 الأَلْفَاظَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا بَيْنَ الْقُرَّاءِ أَيْ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ تَأْدِيَتِهَا. كَالْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ، يُبَالِغُ بَعْضُهُمْ فِيهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَزِيدُ حَرْفًا، وَبَعْضُهُمْ لا يَرَى ذَلِكَ، وَبَعْضُهُمْ يَرَى التَّوَسُّطَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُمْكِنُ دُخُولُهُ تَحْتَ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي الاحْتِرَازِ عَنْهُ فِي اسْتِثْنَائِهِ مَا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الأَدَاءِ3.
لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ4: لا نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَ ابْنَ الْحَاجِبِ إلَى ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ
1 في ش: كرههه.
2 هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم، أبو شامة المقدسي، ثم الدمشقي، شهاب الدين، أبو القاسم، الإمام الحافظ المحدث العلامة المجتهد، الشافعي المقرئ، النحوي. برع في علم العربية والقراءات. درس الحديث، وأتقن الفقه، ودرس وأفتى، وكان متواضعاً، ولي مشيخة الإقراء، ومشيخة الحديث بدمشق. وله مصنفات كثيرة، منها:"شرح الشاطبية"، و"مختصر تاريخ دمشق"، و"شرح المفصل للزمخشري"، و"كتاب الروضتين"، و"البيهقي"، و"مقدمة في النحو" وغيرها. توفي سنة 665هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 365، طبقات المفسرين 1/ 263، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 165، طبقات الحفاظ ص 507، تذكرة الحفاظ 4/ 1460، البداية والنهاية 13/ 250، بغية الوعاة 2/ 77، شذرات الذهب 5/ 318، فوات الوفيات 1/ 527، معرفة القراء الكبار 2/ 537".
3 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 22.
4 هو محمد بن محمد بن علي بن يوسف، أبو الخير، العمري الدمشقي، ثم الشيرازي، الشافعي، المقرئ، ويعرف بابن الجزري، الحافظ، شيخ القراء في زمانه. وصار قاضياً بشيراز، وفتح مدرسة القرآن بالشام وشيراز. حفظ القرآن، وصلى به، وجمع القراءات، وجلس للإقراء في المسجد الأموي، وولي مشيخة الإقراء الكبرى، له تصانيف كثيرة، منها:"النشر في القراءات العشر"، و"التقريب"، و"التمهيد في التجويد"، و"منجد المقرئين"، و"طبقات القراء". توفي سنة 833هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 247، الضوء اللامع 9/ 255، طبقات المفسرين 2/ 59، البدر الطالع 2/ 257، ذيل تذكرة الحفاظ ص 376، طبقات الحفاظ ص 543، شذرات الذهب 7/ 204".
وفي ز ش ب ض: ابن الجوزي. وهو تصحيف، لأن ابن الجوزي متقدم، وقد توفي سنة 597هـ، بينما وفاة ابن الحاجب سنة 646هـ، فكيف ينقل عنه؟!
إذَا ثَبَتَ تَوَاتُرُ اللَّفْظِ "1ثَبَتَ تَوَاتُرُ1" هَيْئَتِهِ؛ إذْ اللَّفْظُ لا يَقُومُ إلَاّ بِهِ، وَلا يَصِحُّ إلَاّ بِوُجُودِهِ2.
"وَمُصْحَفُ عُثْمَانَ" 3بْنِ عَفَّانَ "رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ4" الَّذِي كَتَبَهُ وَأَرْسَلَ 4مِنْهُ إلَى الآفَاقِ5 مَصَاحِفَ عَدِيدَةً "أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ5".
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ: مُصْحَفُ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ6.
وَقَالَ الْعَلَاّمَةُ أَبُو شَامَةَ الْفَقِيهُ الْمُحَدِّثُ الإِمَامُ فِي الْقِرَاءاتِ فِي كِتَابِهِ "الْمُرْشِدِ": إنَّ الْقِرَاءاتِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ السَّبْعَةِ وَالْعَشَرَةِ7 وَغَيْرِهَا8 هِيَ
1 في ش: ثبتت.
2 قال ابن الجزري في ترجمة ابن الحاجب –بعد أن ذكر فضله وعلمه ومصنفاته وأخلاقه-: قلت: إلا أنه أعضل فيما ذكره في مختصر الأصول حين تعرض للقراءات، وأتى بما لم يتقدم فيه غيره، كما أوضحت ذلك في كتابي المنجد وغير ذلك. "طبقات القراء 1/ 509".
3 ساقطة من ب ض. وفي ع: بن عفان.
4 في ب ز ض: إلى الآفاق منه. وفي ع: منه إلى الآفاق من.
5 وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على ما يحتمله رسمه من الأحرف السبعة. وذهب جماعات من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن المصحف العثماني مشتمل على جميع الأحرف السبعة، ولكل فريق أدلته.
"انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 31، تفسير الطبري 1/ 25، فتاوى ابن تيمية 13/ 395 وما بعدها، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 392، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 1/ 87، 523".
6 انظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 395، الفروع 1/ 423.
7 القراءات السبعة هي: قراءة أبي عمرو ونافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن كثير وابن عامر. والعشرة: هي قراءة السبعة مع قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي أبي محمد "205هـ"، وأبي جعفر يزيد بن القعقاع "130هـ"، وخلف بن هشام "229هـ".
8 في ش ض: وغيرهما.
حَرْفٌ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ"1. اهـ.
"فَتَصِحُّ الصَّلاةُ" بِقِرَاءَةِ "مَا وَافَقَهُ وَصَحَّ" سَنَدُهُ "وَإِنْ لَمْ يَكُنْ" مَا قَرَأَ بِهِ الْمُصَلِّي "مِنْ" الْقِرَاآتِ "الْعَشَرَةِ" نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ2. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ": "وَتَصِحُّ بِمَا وَافَقَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ وِفَاقًا لِلأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ3".وَقَالَ 4ابْنُ الْجَزَرِيِّ6 فِي كِتَابِ "النَّشْرِ فِي الْقِرَاءاتِ الْعَشْرِ": كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتْ إحْدَى5 الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوْ احْتِمَالاً. وَوَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ وَاحِدٍ6 - وَصَحَّ سَنَدُهَا - فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ
1 رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد. انظر: صحيح البخاري 3/ 227، صحيح مسلم 1/ 560، تحفة الأحوذي 8/ 264، مسند أحمد 5/ 385، تخريج أحاديث البزدوي ص 190.
قال ابن الجزري: وقد نص الإمام الكبير أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله على أن هذا الحديث تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. "النشر في القراءات العشر 1/ 21".
وانظر آراء العلماء في المقصود من الأحرف السبعة في "النشر في القراءات العشر 1/ 23، الرسالة للشافعي ص 273، إرشاد الفحول ص 31، البرهان في علوم القرآن 1/ 213، مناهل العرفان 1/ 148، تفسير الطبري 1/ 11 وما بعدها، الإشارة إلى الإيجاز للعز بن عبد السلام ص 270، فتاوى ابن تيمية 13/ 290، تفسير القرطبي 1/ 41".
2 انظر وجوه الاختلاف في القراءات في كتاب "تأويل مشكل القرآن لابن تيمية ص 36، النشر في القراءات العشر 1/ 54، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231".
3 الفروع 1/ 422.
4 ساقطة من ب ز ع ض.
5 في ش ع: أحد.
6 العبارة في كتاب النشر: "كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف ولو احتمالاً. النشر في القراءات العشر 1/ 9".
يُنْكِرَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَنْ الْعَشَرَةِ، أَوْ عَنْ غَيْرِهِمْ1 مِنْ الأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ2. وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الأَرْكَانِ الثَّلاثَةِ: أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ3 كَانَتْ عَنْ السَّبْعَةِ، أَوْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. صَرَّحَ بِهِ الدَّانِيُّ4، وَمَكِّيٌّ5،
1 العبارة في الأصل: "القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها، ولا يحل إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم. "النشر في القراءات العشر 1/ 9".
2 انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر ص 6.
3 ساقطة من ش.
4 هو عثمان بن سعيد بن عثمان، أبو عمرو الداني، الأموي مولاهم، القرطبي، الإمام العلامة الحافظ، شيخ مشايخ المقرئين، رحل إلى المشرق، ثم رجع إلى قرطبة، وسمع الحديث، وبرَّز فيه، وفي أسماء رجاله، وفي القراءات علماً وعملاً، وفي الفقه والتفسير. وكان حسن الخط، جيد الضبط، من أهل الحفظ والذكاء، وكان ديناً فاضلاً ورعاً، مالكي المذهب. وله مصنفات كثيرة، منها:"جامع البيان" في القراءات السبع، و"التيسير" و"المقنع"، و"طبقات القراء"، و"التمهيد"، و"الفتن والملاحم". توفي بدانية سنة 444هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 503، طبقات الحفاظ ص 429، تذكرة الحفاظ 3/ 1120، طبقات المفسرين 1/ 373، الديباج المذهب 2/ 84، إنباه الرواة 2/ 341، معرفة القراء الكبار 1/ 325، شجرة النور الزكية ص 115، الصلة 2/ 385، شذرات الذهب 3/ 272".
5 هو مكي بن أبي طالب بن حَمُّوش، أبو محمد القيسي، ثم الأندلسي القرطبي. قال ابن الجزري: إمام علامة، محقق عارف، أستاذ القراء المجودين، قال صاحبه المقري: كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن، محسناً مجوداً عالماً بمعاني القراءات. له مصنفات كثيرة، منها:"التبصرة في القراءات"، و"التفسير"، و"مشكل إعراب القرآن"، و"الرعاية" في التجويد، و"الموجز في القراءات". توفي سنة 437هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 2/ 309، طبقات المفسرين 2/ 331، 337، وفيان الأعيان 4/ 361، إنباه الرواة 3/ 313، الديباج المذهب 2/ 342، بغية الوعاة 2/ 298، شذرات الذهب 3/ 260، معرفة القراء الكبار 1/ 316".
وَالْمَهْدَوِيُّ1، وَأَبُو شَامَةَ. وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الَّذِي لا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلافُهُ2. اهـ.
"وَ" مَا كَانَ مِمَّا وَرَدَ "غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَهُ" أَيْ خَالَفَ مُصْحَفَ عُثْمَانَ "لَيْسَ بِقُرْآنٍ، فَلا تَصِحُّ" الصَّلاةُ "بِهِ" لأَنَّ الْقُرْآنَ لا يَكُونُ إلَاّ مُتَوَاتِرًا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَاتِرٍ. فَلا يَكُونُ قُرْآنًا فَلا تَصِحُّ الصَّلاةُ بِهِ عَلَى الأَصَحِّ3.
وَعَنْهُ تَصِحُّ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ4 عَنْ مَالِكٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَالشَّيْخُ
1 هو أحمد بن عمار بن أبي العباس، الإمام أبو العباس المهدوي، نسبة إلى المهدية بالمغرب، أستاذ مشهور، وهو نحوي ولغوي مفسر، وكان مقدماً في القراءات والعربية. وألف كتباً كثيرة النفع، منها:"التفصيل" وهو كتاب كبير في التفسير، "والتحصيل" مختصر للأول. قال القفطي:"والكتابان مشهوران في الآفاق"، وله "تعليل القراءات السبع"، و"الهداية" في القراءات السبع. قال الذهبي: توفي بعد 430هـ. وقال السيوطي: مات في الأربعين وأربعمائة.
"انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 92، طبقات المفسرين 1/ 56، إنباه الرواة 1/ 91، بغية الوعاة 1/ 351، شجرة النور الزكية ص 108، معرفة القراء الكبار 1/ 320".
2 النشر في القراءات العشر 1/ 9.
3 وهو رأي الحنفية والمالكية والشافعية.
انظر: أصول السرخسي 1/ 279 وما بعدها، المستصفى 1/ 102، العضد على ابن الحاجب 2/ 19، جمع الجوامع 1/ 228، أصول مذهب أحمد ص 186، 191، الفروع 1/ 423، المجموع للنووي 3/ 392، فواتح الرحموت 1/ 9، البرهان في علوم القرآن 1/ 332، 467، فتاوى ابن تيمية 13/ 394".
4 هو عبد الله بن وهب بن مسلم المصري، الفهري مولاهم، أبو محمد، أحد الأعلام، تفقه بمالك والليث. حدث عن السفيانين وابن جريج. قال ابن عدي: من جُلّة الناس وثقاتهم. وقال ابن يونس: جمع ابن وهب وبين الفقه والرواية والعبادة. وكان مالك يكتب إليه في المسائل ويقول: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه. له مصنفات، منها:"أهوال القيامة"، "والموطأ الكبير والصغير"، وطلب للقضاء فتغيب. توفي سنة 197هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الفقهاء ص 150، طبقات القراء 1/ 463، طبقات الحفاظ ص 126، تذكرة الحفاظ 1/ 304، الديباج المذهب 1/ 413، شجرة النور الزكية ص 58، مرآة الجنان 1/ 458، ميزان الاعتدال 2/ 522، وفيات الأعيان 2/ 240، الخلاصة ص 218، شذرات الذهب 1/ 347".
تَقِيُّ الدِّينِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، لِصَلاةِ الصَّحَابَةِ بِهِ1 بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ2. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَصْحَابِ هَذِهِ الْقِرَاآتِ، كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ3، وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ4 وَالأَعْمَشِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَضْرَابِهِمْ. وَلَمْ
1 ساقطة من ب ع ض.
2 قال ابن الجزري: "واختلف العلماء في جواز القراءة بذلك في الصلاة فأجازها بعضُهم، لأن الصحابة التابعين كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة، وهذا أحد القولين لأصحاب الشافعي وأبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك وأحمد. وأكثر العلماء على عدم الجواز، لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن ثبتت بالنقل، فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني". "النشر في القراءات العشر 1/ 14".
وانظر: الفروع 1/ 107، فتاوى ابن تيمية 13/ 394، 397، فواتح الرحموت 2/ 9، جمع الجوامع 1/ 228.
3 هو الحسن بن يسار، أبو سعيد البصري. كان من سادات التابعين وكبرائهم وكبرائهم وجمع من كل فن من علم وزهد، وورع وعبادة، وكان فصيحاً أريباً، وكان عالماً فقيهاً، ثقة مأموناً ناسكاً، رأساً في العلم والعمل، لقي عائشة وعلياً رضي الله عنهما، ولم يسمع منهما. وسمع ابن عمر وأنساً وسمرة وأبا بكرة وعدداً كبيراً من الصحابة، ومن كبار التابعين، وروى عنه خلائق من التابعين وغيرهم، مناقبه كثيرة. وحيث أطلق الحسن في كتب الفقه والحديث والرجال والورع فهو المقصود. مات سنة 110هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 71، حلية الأولياء 2/ 131، طبقات الحفاظ ص 28، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 87، طبقات القراء 1/ 235، طبقات المفسرين 1/ 147، ميزان الاعتدال 1/ 527، تهذيب الأسماء 1/ 161، وفيات الأعيان 1/ 354، مشاهير علماء الأمصار ص 88، المعارف ص 44، الخلاصة ص 77، شذرات الذهب 1/ 136".
4 هو طلحة بن مُصرف بن عمرو، أبو محمد الهَمْداني، الكوفي التابعي، الإمام، سمع أنساً وابن أبي أوفى. واتفقوا على جلالته وإمامته ووفور علمه بالقرآن وغيره، مع الورع، وكان من أقرأ أهل الكوفة وخيارهم، وكانوا يسمونه سيد القراء. توفي سنة 112هـ.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 343، تهذيب الأسماء 2/ 253، الخصلاصة ص 180، المعارف ص 529، صفة الصفوة 3/ 96، شذرات الذهب 1/ 145، الفهرست ص 107".
يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ.
وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: أَنَّهَا لا تُجْزِئُ عَنْ1 رُكْنِ الْقِرَاءَةِ2.
"وَمَا صَحَّ مِنْهُ" أَيْ مِمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ "حُجَّةٌ" عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبُوَيْطِيُّ3 فِي بَابِ الرَّضَاعِ، وَفِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ4.
1 ساقطة من ض.
2 انظر: الفروع 1/ 424، فتاوى ابن تيمية 13/ 398.
3 هو يوسف بن يحيى، أبو يعقوب البويطي المصري الفقيه، أكبر أصحاب الشافعي المصريين، وخليفته في حلقته. وكان قوي الحجة من كتاب الله. روى له الترمذي. قال الشافعي: ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس أحد من أصحابي أعلم منه، أبو يعقوب لساني. له "المختصر" المشهور، وهو أقل الكتب خطأ، وله "كتاب الفرائض". وكانت الفتاوى ترد إليه من السلطان فمن دونه. وحمل إلى بغداد فامتنع من القول بخلق القرآن، فحبس حتى مات سنة 231هـ. وكان عابداً، دائم الذكر، كبير القدر مجتهداً.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 162، طبقات الفقهاء ص 98، الخلاصة ص 440، تهذيب الأسماء 2/ 275، وفيات الأعيان 6/ 60، شذرات الذهب 2/ 71، الفهرست ص 298، حسن المحاضرة 1/ 306، تاريخ بغداد 14/ 299".
4 قال الأسنوي: "والصحيح عند الآمدي وابن الحاجب أنه لا يحتج به، ونقله الآمدي عن الشافعي رضي الله عنه. وقال إمام الحرمين في "البرهان": إنه ظاهر مذهب الشافعي، لأن الراوي لم ينقلها خبراً، والقرآن ثبت بالتواتر، لا بالآحاد". "التمهيد ص 32". ثم قال: "وجزم النووي في "شرح مسلم" بما قاله الإمام
…
ثم قال: وما قالوه جميعه خلاف مذهب الشافعي وخلاف قول جمهور أصحابه.... "التمهيد ص 33". وقال السبكي: وأما إجراؤه مجرى الآحاد فهو الصحيح. "جمع الجوامع 1/ 231".
وانظر أقوال العلماء في حجية غير المتواتر وعدم حجيته في "نهاية السول 2/ 333، أصول السرخسي 1/ 281، الإحكام للآمدي 1/ 160، إرشاد الفحول ص 31، فواتح الرحموت 2/ 16، مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34، القواعد والفوائد الأصولية ص 155، الإتقان في علوم القرآن 1/ 82، شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 130، أصول مذهب أحمد ص 186".
وَاحْتَجَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَطْعِ يُمْنَى1 السَّارِقِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ2.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا نُقِلَ عَنْ مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ3.
وَقَالُوا: لأَنَّهُ4 إمَّا قُرْآنٌ أَوْ خَبَرٌ، وَكِلاهُمَا مُوجِبٌ لِلْعَمَلِ5.
وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ "يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ، ثُمَّ نَقَلَهُ قُرْآنًا خَطَأٌ لِوُجُوبِ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ عَلَى6 الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَنْ يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الْعِلْمُ7 مَرْدُودٌ، إذْ نِسْبَةُ الصَّحَابِيِّ رَأْيَهُ إلَى الرَّسُولِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ لا يَلِيقُ بِهِ. فَالظَّاهِرُ صِدْقُ النِّسْبَةِ8، وَالْخَطَأُ الْمَذْكُورُ إنْ سُلِّمَ لا يَضُرُّ؛ إذْ الْمُضِرُّ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ قُرْآنًا لا خَبَرًا، كَمَا ذَكَرْنَاهُ9، وَهُوَ كَافٍ10. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: قَالَ: الْخَصْمُ: لَمْ يُصَرَّحْ بِكَوْنِهِ قُرْآنًا، ثُمَّ لَوْ صُرِّحَ فَعَدَمُ
1 في ع: يمين.
2 في ش: أيمانهما.
3 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص 156، أصول مذهب أحمد ص 191.
4 في ض: إنه.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 16، جمع الجوامع 1/ 232، مختصر الطوفي ص 46.
6 في ش ز: عن.
7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 160، مختصر ابن الحاجب 2/21.
8 أي نسبة الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أنه سمعه تفسيراً، فظنّه قرآناً. "انظر: الروضة ص 34، فواتح الرحموت 2/ 17".
9 في ش ز: ذكرنا.
10 انظر: مختصر الطوفي ص 46، الروضة ص 34.
شَرْطِ الْقِرَاءَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ سَمَاعِهِ. فَيَقُولُ: هُوَ مَسْمُوعٌ مِنْ الشَّارِعِ. وَكُلُّ قَوْلِهِ1 حُجَّةٌ. وَهَذَا وَاضِحٌ. اهـ. وَعَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رِوَايَةٌ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ2. "وَتُكْرَهُ قِرَاءَتُهُ" أَيْ قِرَاءَةُ مَا صَحَّ مِنْ غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ3. نَصَّ عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "فُرُوعِهِ" وَغَيْرُهُ4 نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إذَا تَجَلَّى. وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} 5.
"وَمَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ" مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ "مُحْكَمٌ" مُفْعَلٌ6 مِنْ أَحْكَمْت الشَّيْءَ أُحْكِمُهُ إحْكَامًا. فَهُوَ مُحْكَمٌ إذَا أَتْقَنْته. فَكَانَ فِي غَايَةِ مَا يَنْبَغِي مِنْ
1 في ش ب ز: قول.
2 وهو اختيار الآمدي وابن الحاجب، ونقله الآمدي عن الشافعي. وقال الجويني في البرهان: إنه ظاهر المذهب. "انظر: نهاية السول 2/ 333، الإحكام للآمدي 1/ 160، المستصفى 1/ 102، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232، أصول مذهب أحمد ص 186".
3 لقد أفتى ابن الصلاح الشافعي بذلك وقال: يجب منع القارئ بالشواذ، وتأثيمه بعد تعريفه، وإن لم يمتنع فعليه التعزير بشرطه. وأفتى ابن الحاجب المالكي بذلك وقال: لا يجوز أن يُقرأ بالقراءة الشاذة في صلاة ولا في غيرها
…
فإن كان جاهلاً بالتحريم عُرِّف به، وأمر بتركها، وإن كان عالماً أدب بشرطه، وإن أصرّ على ذلك أدب على إصراره، حبس إلى أن يرتدع عن ذلك. وأيد ذلك النووي فقال: لا تجوز القراءة في الصلاة ولا في غيرها بالقراءة الشاذة، لأنها ليست متواترة، ونقل عن ابن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشواذ، ولا يصلى خلف من يقرأ بها.
"انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 332-333، 467، المجموع شرح المهذب 3/ 392، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المحلي على جمع الجوامع 1/ 231".
4 الفروع 1/ 422، 423، 424. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 397.
5 قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} . الآيات 1-3 من الليل. وانظر: فتاوى ابن تيمية 13/ 394.
6 ساقطة من ض.
الْحِكْمَةِ. وَمِنْهُ: بِنَاءٌ مُحْكَمٌ، أَيْ ثَابِتٌ يَبْعُدُ انْهِدَامُهُ1. وَذَلِكَ كَالنُّصُوصِ وَالظَّوَاهِرِ2؛ لأَنَّهُ مِنْ الْبَيَانِ فِي غَايَةِ الإِحْكَامِ وَالإِتْقَانِ3.
"وَعَكْسُهُ" أَيْ عَكْسُ الْمُحْكَمِ "مُتَشَابِهٌ4" وَهُوَ مَا لَمْ يَتَّضِحْ مَعْنَاهُ.
إمَّا "لاشْتِرَاكٍ" كَالْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُشْتَرَكَاتِ.
أَوْ "إجْمَالٍ" وَهُوَ إطْلاقُ اللَّفْظِ بِدُونِ بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ. كَالْمُتَوَاطِئِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 وَعَدَمُ تَقْدِيرِ الْحَقِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6.
أَوْ "ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. كَصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى" أَيْ كَآيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَخْبَارِهَا. فَاشْتَبَهَ الْمُرَادُ مِنْهَا عَلَى النَّاسِ. فَلِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: بِظَاهِرِهِ فَشَبَّهُوا وَجَسَّمُوا، وَتَأَوَّلَ قَوْمٌ: فَحَرَّفُوا وَعَطَّلُوا. وَتَوَسَّطَ قَوْمٌ: فَسَلَّمُوا، وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ السَّلَفِ الصَّالِحِ7.
1 انظر: المصباح المنير 1/ 226، القاموس المحيط 4/ 100.
2 في ض: والظاهر.
3 عرف الآمدي "المحكم" هو ما ظهر معناه، وانكشف كشفاً يزيل الإشكال، ويرفع الاحتمال. "الإحكام 1/ 165".
وانظر: المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، إرشاد الفحول ص 31، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 787.
4 في ب: المتشابه.
5 الآية 67 من البقرة.
6 الآية 141 من الأنعام.
7 انظر أقوال العلماء في الصفات في "الإتقان في علوم القرآن 2/ 6، البرهان في علوم القرآن 2/ 78، الإحكام للآمدي 1/ 165، الإحكام لابن حزم 1/ 489، المسودة ص 163، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21، المدخل إلى مذهب أحمد ص 88، الروضة ص 35، مختصر الطوفي ص 48، الشامل في أصول الدين ص 510، 609".
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ بِهِ، إمَّا بِالظُّهُورِ، وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِعِلْمِهِ، كَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ1 فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ2.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ إلَاّ وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا احْتَمَلَ أَوْجُهًا3.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا كَانَ مَعْقُولَ الْمَعْنَى، وَالْمُتَشَابِهُ بِخِلافِهِ، كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ4 وَاخْتِصَاصِ الصِّيَامِ بِرَمَضَانَ دُونَ شَعْبَانَ. قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ5.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا اسْتَقَلَّ بِنَفْسِهِ. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ إلَاّ بِرَدِّهِ إلَى غَيْرِهِ6.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا تَأْوِيلُهُ تَنْزِيلُهُ7. وَالْمُتَشَابِهُ: مَا لا يُدْرَى8 إلَاّ بِالتَّأْوِيلِ9.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ مَا لا تَتَكَرَّرُ10 أَلْفَاظُهُ، وَمُقَابِلُهُ الْمُتَشَابِهُ11.
1 في ش ز: المتقطعة.
2 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المدخل إلى مذهب أحمد 89، مناهل العرفان 2/ 168، الروضة 35.
3 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32.
4 في ع: الصلاة.
5 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162.
6 وهو ظاهر كلام أحمد. "انظر: المسودة ص 161، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2".
7 في ش: تنزيه.
8 كذا في جميع النسخ. ولعلها يدرك.
9 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، المسودة ص 162.
10 في ب ع: يتكرر.
11 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 2.
وَقِيلَ: الْمُحْكَمُ الْفَرَائِضُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالأَمْثَالُ1.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ2 وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ الْمُحْكَمَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ، وَالْمُتَشَابِهُ الَّذِي يُؤْمَنُ بِهِ وَلا يُعْمَلُ بِهِ3.
"وَلَيْسَ فِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا مَعْنَى لَهُ" فِي الصَّحِيحِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلافٍ4.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِلافَهُمْ فِيمَا 5لَهُ مَعْنًى3 وَلا نَفْهَمُهُ، أَمَّا مَا لا مَعْنَى لَهُ أَصْلاً فَمَنْعُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ.
1 وقد استبعد الآمدي هذا القول. "انظر: الإحكام للآمدي 1/ 166، المسودة ص 162، الإتقان في علوم القرآن 2/ 2، إرشاد الفحول ص 32، الروضة ص 35".
2 هو قتادة بن دِعَامة بن قتادة، أبو الخطاب السَّدُوسي البصري، الأكمه، التابعي. أجمعوا على جلالته وتوثيقه وحفظه وإتقانه وفضله. قال سعيد بن المسيب:"ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة". وقال أحمد: "كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لم يسمع شيئاً إلا حفظه". وكان عالماً بالتفسير واختلاف العلماء، وإماماً في النسب، ورأساً في العربية وأيام العرب. توفي بواسط في الطاعون سنة 117هـ.
انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ 1/ 122، تهذيب الأسماء 2/ 57، طبقات الفقهاء ص 89، طبقات المفسرين 2/ 43، طبقات الحفاظ ص 47، طبقات القراء 2/ 25، ميزان الاعتدال 3/ 385، وفيات الأعيان 3/ 248، نكت الهميان ص 230، الخلاصة ص 315، شذرات الذهب 1/ 153، حلية الأولياء 2/ 333".
3 وهناك تعريفات أخرى للمحكم والمتشابه، وقد ردّ الغزالي أكثرها.
"انظر: المستصفى 1/ 106، الإتقان في علوم القرآن 2/2، شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 217، البرهان في علوم القرآن 2/ 68، مناهل العرفان 1/ 167، 172، زاد المسير 1/ 350، الروضة ص 35، تفسير القاسمي 4/ 787".
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
5 في ب: معنى له.
وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ1؛2لأَنَّهُ لا يُخَالِفُ فِيهِ3 إلَاّ جَاهِلٌ أَوْ مُعَانِدٌ5 لأَنَّ مَا لا مَعْنَى لَهُ هَذَيَانٌ لا يَلِيقُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ عَاقِلٌ. فَكَيْفَ بِالْبَارِي سبحانه وتعالى؟
لَكِنْ حُكِيَ4 عَنْ الْحَشْوِيَّةِ وُقُوعُهُ فِي الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ. وَفِي قَوْله تَعَالَى: {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} 5 وقَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} 6 وقَوْله تَعَالَى: {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} 7 وقَوْله تَعَالَى: {لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} 8 وَنَحْوِهِ9.
وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ: بِأَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ: إمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ، أَوْ أَسْمَاءُ اللَّهِ تبارك وتعالى، أَوْ سِرُّ10 اللَّهِ11 تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّفَاسِيرِ12، وَبِأَنَّ رُءُوسَ الشَّيَاطِينِ مَثَلٌ13 فِي الاسْتِقْبَاحِ،
1 في ب ض: الظاهر.
2 ساقطة من ش.
3 في ز ع ب: في ذلك.
4 في ض: قد حكي.
5 الآية 65 من الصافات.
6 الآية 196 من البقرة.
7 الآية 13 من الحاقة.
8الآية 51 من النحل.
9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
10 في ش: سوى.
11 في ع: لله.
12 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، فواتح الرحموت 2/ 17، تفسير الطبري 1/ 86، تفسير القرطبي 1/ 154، زاد المسير 1/ 20، المحلي على جمع الجوامع 1/ 232.
13 في ض: مثل ما.
عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي ضَرْبِ الأَمْثَالِ بِمَا1 يَتَخَيَّلُونَهُ2 قَبِيحًا.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَرُءُوسُ الشَّيَاطِينِ: اسْتَقَرَّ قُبْحُهَا فِي الأَنْفُسِ فَشُبِّهَ بِهَا. كَقَوْلِ امْرِئِ الْقِيسِ:
أَيَقْتُلُنِي3 وَالْمَشْرَفِيُّ4 مُضَاجِعِي
…
وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
فَشَبَّهَهَا5 بِأَنْيَابِ الأَغْوَالِ لِقُبْحِهَا الْمُسْتَقِرِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقِيقَةٌ. كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ6.
1 في ش ب ز: مما.
2 في ض: يتخذونه.
3 في ع: أتقتلني.
4 المَشْرَفي: سيف منسوب إلى قرى الشام يقال لها المشارف. والمسنونة: هي السهام المحددة الأزجة الصافية. وقد شبهها بأنياب الأغوال تشنيعاً لها، ومبالغة في وصفها. والأغوال: الشياطين. وإنما خص الشياطين لما شاع من عظيم أمرهم وكثرة نكرهم. وثبت في النفوس من شناعة خلقهم. ولذلك قال الله عز وجل: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوْسُ الشَّيَاطِيْنِ} . الآية 65 من الصافات.
والبيت من الطويل، ذكره الجرجاني في "دلائل الإعجاز" ص 80، والعباسي في "معاهد التنصيص" 1/ 134. "انظر: معجم شواهد العربية 1/ 310، ديوان امرئ القيس ص 33".
5 في ض: فشبه.
6 هو محمد بن علي بن عمر، أبو عبد الله التميمي المازري، الفقيه المالكي، المحدث، يعرف بالإمام. وكان واسع الباع في العلم والاطلاع، مع حدة الذهن، حتى بلغ درجة الاجتهاد. وكان إمام المالكية في عصره، وكان أديباً حافظاً، طبيباً أصولياً، رياضيًّا متكلماً. وله مؤلفات مفيدة، منها:"المعلم بفوائد كتاب مسلم"، وهو شرح جيد لصحيح مسلم، أكمله القاضي عياض في "الإكمال"، وشرح البرهان لإمام الحرمين في أصول الفقه، وسماه "إيضاح المحصول في برهان الأصول"، "والتعليقة على المدونة"، "والكشف والإنباء على المترجم بالإحياء"، وهو رد على الغزالي، وله مؤلف في الطب، و"نظم الفرائد في علم العقائد"، و"شرح التلقين". توفي سنة 536هـ.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 250، شجرة النور الزكية ص 127، وفيات الأعيان 2/ 26، مرآة الجنان 3/ 267، شذرات الذهب 4/ 114، الفتح المبين 2/ 26".
وَقَوْلُهُ: {عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} فِيهِ شَيْئَانِ: الْجَمْعُ وَالتَّأْكِيدُ بِالْكَمَالِ. وَجَوَابُ الْجَمْعِ: رَفْعُ الْمَجَازِ الْمُتَوَهَّمِ فِي الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ؛ إذْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنًى "أَوْ" مَجَازًا. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولِيْ أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} 1، وَالتَّأْكِيدُ أَفَادَ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الذَّاتِ، كَمَا2 قَالَ تَعَالَى:{حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} 3، أَوْ عَدَمَ النَّقْصِ فِي الأَجْرِ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ النَّقْصِ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ.
وَوَصْفُ النَّفْخَةِ بِالْوَاحِدَةِ إبْعَادٌ لِلْمَجَازِ وَتَقْرِيرٌ لِوَحْدَتِهَا بِسَبَبِ الْمُفْرَدِ؛ لأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِالْجِنْسِ.
وَقَوْلُهُ: {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ صَاحِبُ "الْمَثَلِ السَّائِرِ4": التَّكْرِيرُ فِي الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ. كَدَلالَتِهِ عَلَى الْجِنْسِ وَالْعَدَدِ، وَهُوَ بَابٌ مِنْ "التَّكْرِيرِ مُشْكِلٌ؛ لأَنَّهُ يَسْبِقُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّهُ تَكْرِيرٌ مَحْضٌ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ5. وَلَيْسَ كَذَلِكَ6".
فَالْفَائِدَةُ إذًا فِي قَوْلِه: ِ {إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} و"َإِلَهٌ وَاحِدٌ": هِيَ أَنَّ الاسْمَ الْحَامِلَ لِمَعْنَى الإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ دَالٌّ عَلَى الْجِنْسِيَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ. فَإِذَا أُرِيدَتْ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَكَانَ الَّذِي يُسَاقُ إلَيْهِ هُوَ الْعَدَدُ شُفِعَ بِمَا يُؤَكِّدُهُ. وَهَذَا دَقِيقُ الْمَسْلَكِ.
1 الآية الأولى من فاطر.
2 ساقطة من ش.
3 الآية 233 من البقرة.
4 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، لضياء الدين نصر الله بن محمد بن محمد، ابن الأثير الجزري، أبو الفتح، المتوفى سنة 637هـ، جمع فيه ما يتعلق بفن الكتابة. انظر: كشف الظنون 2/ 1586.
5 المثل السائر 3/ 25.
6 انظر بحث التكرار لبيان فائدة تكرير المعاني والألفاظ في كتاب "المثل السائر 3/ 3 وما بعدها. البرهان في علوم القرآن 3/ 11 وما بعدها".
وَأَلْحَقَ الرَّازِيّ فِي الْمَحْصُولِ كَلامَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِكَلامِ اللَّهِ تَعَالَى. فَقَالَ: لا يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِشَيْءٍ وَلا يَعْنِي بِهِ شَيْئًا، خِلافًا لِلْحَشْوِيَّةِ. وَسُمُّوا حَشْوِيَّةً؛ لأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي حَلْقَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَمَامَهُ. فَلَمَّا أَنْكَرَ كَلامَهُمْ قَالَ: رُدُّوهُمْ إلَى حَشْوِ الْحَلْقَةِ، أَيْ جَانِبِهَا1.
وَقَالَ ابْنُ الصَّلاحِ: بِفَتْحِ الشِّينِ غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ بِالإِسْكَانِ. وَكَذَا قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: بِالسُّكُونِ. لأَنَّهُ إمَّا مِنْ الْحَشْوِ، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِوُجُودِ الْحَشْوِ الَّذِي لا مَعْنَى لَهُ فِي كَلامِ الْمَعْصُومِ، أَوْ لِقَوْلِهِمْ بِالتَّجْسِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ2.
"وَ" لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا "لا" أَيْ شَيْءٌ "مَعْنِيٌّ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ" وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ وَأَتْبَاعِهِمْ3؛ لأَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى4 مَدْلُولِ اللُّغَةِ 5فِيمَا اقْتَضَاهُ5 نِظَامُ الْكَلامِ، وَلأَنَّ اللَّفْظَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ كَالْمُهْمَلِ "إلَاّ بِدَلِيلٍ" لِلاحْتِرَازِ مِنْ وُرُودِ الْعَامِّ وَتَأَخُّرِ الْمُخَصِّصِ لَهُ وَنَحْوِهِ. وَقَالَتْ الْمُرْجِئَةُ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَنَفَوْا ضَرَرَ الْعِصْيَانِ مَعَ مُجَامَعَةِ الإِيمَانِ. فَقَالُوا: لا تَضُرُّ6 مَعَ الإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ، كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ، زَاعِمِينَ أَنَّ آيَاتِ الْوَعِيدِ لِتَخْوِيفِ الْفُسَّاقِ، وَلَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا، بَلْ الْمُرَادُ بِهَا خِلافُ
1 انظر: المحلي على جمع الجوامع 1/ 233.
2 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 1/ 233، فتاوى ابن تيمية 12/ 176.
3 انظر: جمع الجوامع 1/ 233.
4 في ض: بلا.
5 في ع: في مقتضاه.
6 في ب ع ض: يضرّ.
الظَّاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّرْعُ ذَلِكَ1. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلَاّ تَخْوِيفًا} 2.
وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَوُقُوعِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ بَاطِلٌ بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ الْقِصَاصِ وَقَطْعِ يَدِ3 السَّارِقِ وَنَحْوِهَا4.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ إذَا فُهِمَ أَنَّهُ لِلتَّخْوِيفِ، لَمْ يَبْقَ لِلتَّخْوِيفِ فَائِدَةٌ5. قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: مَحَلُّ الْخِلافِ فِي آيَاتِ الْوَعِيدِ وَأَحَادِيثِهِ. لا فِي الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي."وَفِيهِ" أَيْ فِي الْقُرْآنِ "مَا لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ6 إلَاّ اللَّهُ تَعَالَى" عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ7. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ": لَيْسَ بِبِدْعٍ8 أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَتَشَابَهُ لِنُؤْمِنَ بِمُتَشَابِهِهِ وَنَقِفَ عِنْدَهُ. فَيَكُونَ التَّكْلِيفُ بِهِ هُوَ الإِيمَانُ بِهِ جُمْلَةً،
1 انظر: جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 1/ 233.
2 الآية 59 من الإسراء.
3 ساقطة من ز ع ب ض.
4 في ع ض: ونحوهما.
5 ساقطة من ز ع ض.
6 في ب ع ض: معناه.
7 وهو رأي كثير من المسلمين. "انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 74، تفسير الطبري 1/ 33، فواتح الرحموت 2/ 17".
8 في ش ز: يندفع.
وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْ تَفْصِيلِهِ. كَمَا كَتَمَ الرُّوحَ وَالسَّاعَةَ وَالآجَالَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْغُيُوبِ، وَكَلَّفَنَا التَّصْدِيقَ بِهَا1 دُونَ أَنْ يُطْلِعَنَا عَلَى عِلْمِهِ2. اهـ.
وَهَذَا مَذْهَبُ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ "الْمَحْصُولِ"، بِنَاءً عَلَى تَكْلِيفِ3 مَا لا يُطَاقُ4.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: حَكَى ابْنُ بُرْهَانٍ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى: هَلْ 5يَشْتَمِلُ عَلَى8 مَا لا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ؟ ثُمَّ قَالَ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْخِطَابِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ6 بِهِ تَكْلِيفٌ، فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْمَعْنَى، وَمَا7 لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ فَيَجُوزُ8. "وَيَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِ مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ".قَالَ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْقُشَيْرِيُّ: مَا فِيهِ تَكْلِيفٌ يَمْتَنِعُ دَوَامُ إجْمَالِهِ، وَإِلَاّ فَلا. وَاخْتَارَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَالْبِرْمَاوِيُّ9.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي "الْمُسَوَّدَةِ": "ثُمَّ بَحْثُ أَصْحَابِنَا يَقْتَضِي فَهْمَهُ إجْمَالاً
1 في ش ع ب ض: به.
2 انظر: المسودة ص 175، الإشارة إلى الإيجاز ص 280، تفسير الخازن 1/ 321، تفسير البغوي 1/ 321.
3 في ع تكليفه.
4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 168، تفسير الطبري 1/ 33.
5 في ش: يشمل.
6 في ب ع ز: لا يتعلق.
7 في ب ع ز ض: أو.
8 انظر: المسودة ص 164.
9 انظر: جمع الجوامع وشرحه 1/ 234.
لا1 تَفْصِيلاً2.
وَعَنْ ابْنِ عَقِيلٍ: لا، وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ 3لا أَدْرِي2، كَقَوْلِ أَكْثَرِ4 الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، أَوْ تَأْوِيلُهُ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: كَذَا قَالَ، مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: فِي "سَمِيعٌ بَصِيرٌ5" يُسْكَتُ6 عَمَّا بِهِ يَسْمَعُ وَيُبْصِرُ، أَوْ تَأْوِيلُهُ بِإِدْرَاكِهِ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهُ بِمَا يُوجِبُ تَنَاقُضًا أَوْ تَشْبِيهًا فَزَيْغٌ.
وَقَوْلُهُ - يَعْنِي ابْنَ عَقِيلٍ - فِي7 قَوْله تَعَالَى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَاّ اللَّهُ} 8. أَيْ كُنْهَ ذَلِكَ.
"وَيُوقَفُ" فِي الأَصَحِّ الْمُخْتَارِ "عَلَى {إلَاّ اللَّهُ} 9لَفْظًا وَمَعْنًى8 لا" عَلَى {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 10.
1 في ش: و. وعبارة "المسودة": يقتضي أنه يفهم على سبيل الجملة، لا على سبيل التفصيل.
2 المسودة ص 164: ويضيف المجد فيقول: "ووافقنا أبو الطيب الطبري، وحكاه عن أبي بكر الصيرفي، وكلهم تمسّك بالآية. وانظر: تفسير الطبري 1/ 7".
3 في ش: الإدراك.
4 في ب: بعض.
5 في ض: وبصير.
6 في ض: نسكت.
7 ساقطة من ب غ ض.
9 ساقطة من ش ز ع.
10 انظر: الإحكام لابن حزم 1/ 492، فواتح الرحموت 2/ 17، المحلي على جمع الجوامع 1/ 233، إرشاد الفحول ص 32، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، الروضة ص 36، مختصر الطوفي ص 48، تفسير القاسمي 4/ 795.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالأَعْلامِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ1: هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ2، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ3 ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ4 وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ5. قَالَ الْبَغَوِيّ فِي "تَفْسِيرِهِ": "هُوَ قَوْلُ الأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ: أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ
1 هو حَمَد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، أبو سليمان الخطابي، البُسْتي، الحافظ الفقيه، الأديب المحدث، كان عالماً وزاهداً وورعاً، ويقوم بالتدريس والتأليف، أخذ الفقه عن القفال وابن أبي هريرة، وله شعر جيد، وهو من ذرية زيد بن الخطاب. له مصنفات كثيرة نافعة، منها:"معالم السنن"، و"غريب الحديث"، و"أعلام السنن" في شرح البخاري، و"الشجاج"، و"إصلاح غلط المحدثين"، و"الغنية عن الكلام وأهله"، و"العزلة" و"شرح الأسماء الحسنى". توفي سنة 388هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 282، طبقات الحفاظ ص 403، تذكرة الحفاظ 3/ 1081، وفيات الأعيان 1/ 453، بغية الوعاة 1/ 546، إنباه الرواة 1/ 125، البداية والنهاية 11/ 236، شذرات الذهب 3/ 127".
2 في ش: العلماء لفظاً ومعنى.
3 ساقطة من ض.
4 هو الصحابي أبي بن كعب بن قيس، أبو المنذر، وأبو الطفيل الأنصاري النجاري، سيد القراء. شهد العقبة الثانية وبدراً والمشاهد كلها. وقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه القرآن. وهو أول من كتب للنبي عليه الصلاة والسلام الوحي. وجمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد المفتين من الصحابة. ويرجع إليه عمر في النوازل والمعضلات. مات سنة 20هـ. وقال عمر: اليوم مات سيد المسلمين.
"انظر: الإصابة 1/ 19، الاستيعاب 1/ 47، تهذيب الأسماء 1/ 108، طبقات القراء 1/ 31، مشاهير علماء الأمصار ص 12، الخلاصة ص 24، حلية الأولياء 1/ 250، معرفة القراء الكبار 1/ 32".ك
5 هي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق. أسلمت صغيرة بعد 18 شخصاً، وتزوجها رسول الله قبل الهجرة، وبنى بها بعد الهجرة، وكناها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله، بابن أختها عبد الله بن الزبير، وهي من أكثر الصحابة رواية. ولها فضائل كثيرة، ومناقب معروفة.
قال عطاء: كانت عائشة من أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً. ماتت سنة 57هـ، ودفنت بالبقيع.
انظر ترجمتها في "الإصابة 4/ 359، الاستيعاب 4/ 356، تهذيب الأسماء 2/ 352، طبقات الفقهاء ص 47".
وَعَائِشَةُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ1، وَرِوَايَةُ2 طَاوُسٍ3 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ التَّابِعِينَ. وَاخْتَارَهُ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ وَالأَخْفَشُ، وَقَالُوا: لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ إلَاّ اللَّهُ4. وَخَالَفَ الآمِدِيُّ وَجَمْعٌ، مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَبُو الْبَقَاءِ فِي إعْرَابِهِ5. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي "شَرْحِ مُسْلِمٍ": "الرَّاسِخُونَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ6".
1 هو عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد فقهاء المدينة السبعة، الحافظ، جمع بين العلم والسيادة والعبادة، كثير الحديث، وهو شقيق عبد الله بن الزبير، أمهما أسماء. قال ابن شهاب:"عروة بحر لا يُنزف". وكان كثير الصوم. توفي سنة 94هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 23، طبقات الفقهاء ص 58، طبقات القراء 1/ 511، تذكرة الحفاظ 1/ 62، الخلاصة ص 265، مشاهير علماء الأمصار ص 64، شذرات الذهب 1/ 103".
2 في ش ز: ورواية عن. وما أثبتناه في الأعلى من: ب ع ض. وكذا في تفسير البغوي.
3 هو طاووس بن كيسان، أبو عبد الرحمن اليماني الحميري مولاهم، وهو من كبار التابعين والعلماء والفضلاء الصالحين. واتفقوا على جلالته وفضيلته، ووفور علمه وصلاحه وحفظه وتثبته. قال ابن الجوزي: اسمه ذكوان، وطاووس لقبه، لأنه كان طاووس القراء. قال ابن خلكان:"والمشهور أن اسمه طاووس". وله قصة رجولة وشهامة وجرأة مع الحكام. مرض بمنى ومات بمكة سنة 106هـ.
انظر ترجمته في "تهذيب الأسماء 1/ 251، طبقات الحفاظ ص 34، طبقات الفقهاء ص 73، طبقات القراء 1/ 341، تذكرة الحفاظ 1/ 90، حلية الأولياء 4/ 3، وفيات الأعيان 2/ 194، مشاهير علماء الأمصار ص 122، المعارف ص 455، شذرات الذهب 1/ 133، الخلاصة ص 181".
4 تفسير البغوي 1/ 321، وانظر: تفسير الخازن 1/ 321، الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، فواتح الرحموت 2/ 18، الروضة ص 36.
5 إملاء ما مَنَّ به الرحمن 1/ 124، وانظر: الإحكام للآمدي 1/ 167، 168.
6 شرح النووي على صحيح مسلم 16/ 218.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُتَكَلِّمِينَ1. قَالَ الطُّوفِيُّ فِي "شَرْحِهِ"، قَالَ الْمُؤَوِّلَةُ - وَهُمْ الْمُعْتَزِلَةُ وَالأَشْعَرِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ - الْوَقْفُ التَّامُّ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} 2.
وَقِيلَ: الْخِلافُ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ. فَإِنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ الرَّاسِخَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، أَرَادَ بِهِ3 أَنَّهُ يَعْلَمُ ظَاهِرَهُ لا حَقِيقَتَهُ، وَمَنْ قَالَ: لا يَعْلَمُ: أَرَادَ بِهِ لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى4.
وَالْحِكْمَةُ فِي إنْزَالِ الْمُتَشَابِهِ: ابْتِلاءُ الْعُقَلاءِ5.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الشَّافِعِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ6: الْوَقْفُ عَلَى {إلَاّ اللَّهُ}
1 وهو قول مجاهد والضحاك وابن عباس في رواية، واختارها النووي. وقال ابن الحاجب: إنه الظاهر. "انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور 2/ 8، البرهان في علوم القرآن 2/ 72، المستصفى 1/ 106، مختصر ابن الحاجب 2/ 21".
2 الآية 3 من آل عمران.
3 ساقطة من ب.
4 وهو قول الراغب، فإنه بين أوجه المحكم والمتشابه، ثم قال:"وإن لكل واحد منهما وجهاً حسبما دلّ عليه التفصيل المتقدم""المفردات في غريب القرآن ص 255". وانظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 5.
5 انظر: مناهل العرفان 2/ 178، الإتقان في علوم القرآن 2/ 4، 12، البرهان في علوم القرآن 2/ 75، فواتح الرحموت 2/ 19، الروضة ص 36.
6 هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد، الخثعمي الأندلسي المالكي الضرير، أبو القاسم وأبو زيد، الحافظ العلامة، الأديب النحوي المفسر. قال السيوطي:"كان إماماً في لسان العرب، واسع المعرفة، غزير العلم، نحويًّا متقدماً، لغويًّا، عالماً بالتفسير وصناعة الحديث، عالماً بالرجال والأنساب، عارفاً بعلم الكلام وأصول الفقه، عارفاً بالتاريخ، ذكيًّا نبيهاً، عمي وله 17 سنة". وله مصنفات كثيرة، منها:"الروض الأنف" في السيرة، و"التعريف والإعلام في مبهمات القرآن"، "ونتائج الفكر"، "ومسألة رؤية الله في المنام". وله شعر كثير، وتصانيفه ممتعة مفيدة. توفي سنة 581هـ بمراكش.
انظر ترجمته في "الديباج المذهب 1/ 480، طبقات القراء 1/ 371، طبقات الحفاظ ص 478، طبقات المفسرين 1/ 266، تذكرة الحفاظ 4/ 1348، وفيات الأعيان 2/ 324، إنباه الرواة 2/ 162، نكت الهميان ص 187، بغية الوعاة 2/ 81، البداية والنهاية 12/ 319، شذرات الذهب 4/ 271، شجرة النور الزكية ص 156".
وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْعَطْفُ1 لِمُخَالَفَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِلْمِ الرَّاسِخِينَ؛ لأَنَّ عِلْمَهُمْ ضَرُورِيٌّ وَنَظَرِيٌّ، بِخِلافِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقِيلَ: بِالْوَقْفِ مُطْلَقًا، فَلا يُجْزَمُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ لِتَعَارُضِ الأَدِلَّةِ. قَالَهُ الْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ2. وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالأَوَّلِ بِسِيَاقِ الآيَةِ3 فِي ذَمِّ مُبْتَغِي التَّأْوِيلِ وقَوْله تَعَالَى:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} 4، وَلأَنَّ وَاوَ {وَالرَّاسِخُونَ} لِلابْتِدَاءِ، وَيَقُولُونَ خَبَرُهُ5؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَاطِفَةً عَادَ ضَمِيرُ {يَقُولُونَ} إلَى
1 في ب ع: الوقف. وهو تحريف.
2 هو محمد بن علي بن إسماعيل، أبو بكر القفال الشاشي، الفقيه الشافعي، إمام عصره، كان فقيهاً محدثاً أصوليًّا لغويًّا شاعراً. قال ابن السبكي:"كان إماماً في التفسير، إماماً في الحديث، إماماً في الكلام، إماماً في الأصول، إماماً في الفروع، إماماً في الزهد والورع، إماماً في اللغة والشعر، ذاكراً للعلوم، محققاً لما يورده، حسن التصرف فيما عنده". وهو أول من صنف في الجدل الحسن من الفقهاء. له كتاب في "أصول الفقه"، وله "شرح الرسالة"، و"التفسير"، و"أدب القضاء"، و"دلائل النبوة"، و"محاسن الشريعة". وهو والد القاسم صاحب التقريب. توفي سنة 336 هـ، وقيل 365، 366هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 200، طبقات الفقهاء ص 112، وفيات الأعيان 3/ 338، تهذيب الأسماء 2/ 282، طبقات المفسرين 2/ 196، تبيين كذب المفتري ص 182، شذرات الذهب 3/ 51، الفتح المبين 1/ 201".
3 في ب ض: الأول. وهو تحريف.
4 الآية 7 من آل عمران.
5 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 795.
الْمَجْمُوعِ1، وَيَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ، وَكَانَ مَوْضِعُ "يَقُولُونَ": نَصْبًا حَالاً، فَفِيهِ اخْتِصَاصُ الْمَعْطُوفِ بِالْحَالِ2.
3قَالُوا: خُصَّ ضَمِيرُ "يَقُولُونَ" بِالرَّاسِخِينَ لِلدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ، وَالْمَعْطُوفُ قَدْ يَخْتَصُّ بِالْحَالِ6 مَعَ عَدَمِ اللَّبْسِ، نَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى:{وَاَلَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ} 4 فِيهَا قَوْلانِ وقَوْله تَعَالَى: {َيَعْقُوبَ نَافِلَةً} 5 قِيلَ: حَالاً مِنْ يَعْقُوبَ؛ لأَنَّهَا الزِّيَادَةُ. وَقِيلَ: مِنْهُمَا؛ لأَنَّهَا6 الْعَطِيَّةُ. وَقِيلَ: هِيَ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ مَعًا، وَعَامِلُهُ مَعْنًى "وَهَبْنَا7".
وَلَنَا: أَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَالأَشْهَرُ خِلافُهُ. وَلِهَذَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ:"إنْ تَأْوِيلُهُ إلَاّ عِنْدَ اللَّهِ" وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ: "وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ"، 8وَمِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لأَنَّهُ9 كَانَ يَقْرَأُ: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَاّ اللَّهُ"، وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ11". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لِلاسْتِئْنَافِ10؛ لأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ - وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ بِهَا11 الْقِرَاءَةُ - فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهَا أَنْ تَكُونَ خَبَرًا
1 في ش: المجمل. وهو تصحيف.
2 ساقطة من ب ز.
3 ساقطة من ب ض.
4 الآية 9 من الحشر.
5 الآية 72 من الأنبياء. وتتمة الآية: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِيْنَ} .
6 في ش: وهي.
7 في ش: وهبا.
8 ساقطة من ض. وانظر: تفسير القاسمي 4/ 796.
9 في ب: أنه.
10 انظر: البيان في غريب إعراب القرآن 1/ 192، تفسير القاسمي 4/ 796.
11 في ز: لها.
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ، فَيُقَدَّمُ كَلامُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ دُونَهُ1.
قَالَ الأُسْيُوطِيُّ2: قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الآيَةِ: "قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنْفَرِدٌ بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ3". قَالَ الْفَرَّاءُ وَأَبُو عُبَيْدٍ: اللَّهُ هُوَ4 الْمُنْفَرِدُ.
قَالَ فِي "الرَّوْضَةِ"، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُخَاطِبُ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ بِمَا لا يَعْقِلُونَهُ، أَمْ كَيْفَ يُنْزِلُ عَلَى رَسُولِهِ مَا لا يَطَّلِعُ عَلَى تَأْوِيلِهِ؟
قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ الإِيمَانَ بِمَا لا يَطَّلِعُونَ عَلَى تَأْوِيلِهِ، لِيَخْتَبِرَ طَاعَتَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} 5. {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْت عَلَيْهَا إلَاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ
1 انظر: الإتقان في علوم القرآن 2/ 3، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 6، زاد المسير 1/ 354.
2 هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد، جلال الدين السيوطي، المجتهد، الإمام الكبير، صاحب التصانيف، الشافعي. قال الشوكاني: "حفظ القرآن، وبرز في جميع الفنون، وفاق الأقران، وشتهر ذكره، وبعد صيته، وصنف التصانيف المفيدة
…
ولم يسلم من حسد الأقران
…
فطعن به السخاوي". وقال السيوطي عن نفسه: "رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع". وذكر العلماء أن مؤلفاته بلغت ستمائة مؤلف في العلوم السابقة. وذلك أنه ترك وظائفه من تدريس وإفتاء، واعتزل الناس، وانصرف للتأليف. ومن مصنفاته: "الدر المنثور" في التفسير، و"بغية الوعاة"، و"حسن المحاضرة، و"طبقات الحفاظ"، و"الإتقان في علوم القرآن"، و"المزهر" في اللغة، و"لباب النقول في أسباب النزول" وغيرها. توفي سنة 911هـ.
انظر ترجمته في "حسن المحاضرة 1/ 335، البدر الطالع 1/ 328، الضوء اللامع 4/ 65، درة الحجال 3/ 94، الكواكب السائرة 1/ 226، شذرات الذهب 8/ 51، الفتح المبين 3/ 65".
وفي ش: السيوطي
3 الروضة ص 36.
4 ساقطة من ش.
5 الآية 31 من محمد.
الرَّسُولَ} – الآيَةَ1. {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلَاّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} 2. وَكَمَا اخْتَبَرَهُمْ3 بِالإِيمَانِ بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ4، مَعَ أَنَّهُ لا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ5. "وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ" أَيْ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "بِرَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ بِلا أَصْلٍ" لِلآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَهُ الْقَاضِي مُحْتَجًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} 7. فَأَضَافَ التَّبْيِينَ إلَيْهِ8. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ و َ9 بِمَا لا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ10.
وَعَنْ جُنْدُبٍ11 عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ".
1 الآية 143 من البقرة. وفي ب ض: لنعلم- الآية.
2 الآية 60 من الإسراء.
3 في ش ز ض: أخبرهم.
4 في ب ض: المتقطعة.
5 الروضة ص 36. وانظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 75.
6 الآية 80 من البقرة.
7 الآية 44 من النحل. وأول الآية: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ
…
} .
8 انظر: المسودة ص 174، البرهان في علوم القرآن 2/ 161، تفسير الطبري 1/ 34، فتاوى ابن تيمية 13/ 28، أصول مذهب أحمد ص 184.
9 في ب ض: أو.
10 انظر: تحفة الأحوذي 8/ 277، فيض القدير 6/ 190، تخريج أحاديث البزدوي ص 8.
11 هو جندب بن عبد الله بن سفيان، أبو عبد الله البَجَلي، سكن الكوفة، ثم البصرة. قدمهما مع مصعب بن الزبير. وروى عنه أهل المصرين، كما روى عنه بعض أهل الشام. ويقال له: جندب الخير، وليست صحبته قديمة، وله ثلاثة وأربعون حديثاً. ومات بعد الستين من الهجرة.
"انظر: الإصابة 1/ 248، الاستيعاب 1/ 217، مشاهير علماء الأمصار ص 47، الخلاصة ص 64".
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ1.
"وَلا يَحْرُمُ" تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ "2بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ1" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رضي الله عنه وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ3.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الاحْتِجَاجُ فِي التَّفْسِيرِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ كَثِيرٌ. وَلأَنَّ الْقُرْآنَ عَرَبِيٌّ. فَيَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى لُغَةِ الْعَرَبِ. وَعَنْهُ لا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو4 الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى. وَحَمَلَهُ الْمَجْدُ عَلَى الْكَرَاهَةِ، أَوْ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِقَلِيلٍ مِنْ اللُّغَةِ5.
"فَائِدَةٌ":
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رضي الله عنه: ثَلاثُ كُتُبٍ لَيْسَ فِيهَا أُصُولٌ: الْمَغَازِي، وَالْمَلاحِمُ وَالتَّفْسِيرُ. لَيْسَ غَالِبُهَا الصِّحَّةَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ6.
1 انظر: سنن أبي داود 2/ 287، تحفة الأحوذي 8/ 279، تخريج أحاديث البزدوي ص 8، الفتح الكبير 3/ 219، فيض القدير 6/ 190.
2 في ش: باللغة.
3 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 160، أصول مذهب أحمد ص 185.
4 ساقطة من ش.
5 المسودة ص 176، وانظر البرهان في علوم القرآن 2/ 160.
6 انظر: المسودة ص 175، البرهان في علوم القرآن 2/ 156.