الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: السند أو الإسناد
…
"فَصْلٌ": "يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ فِي سَنَدٍ، وَيُسَمَّى إسْنَادً ا 1".
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الأَبْحَاثِ الْمُخْتَصَّةِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْكِتَابِ2 وَالسُّنَّةِ وَالإِجْمَاعِ. شَرَعَ فِي الأَبْحَاثِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلاثَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلامَ فِي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ دَلالَةُ الأَلْفَاظِ. لأَنَّهُ بَعْدَ الصِّحَّةِ يَتَوَجَّهُ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الثَّابِتُ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِمْرَارُ الْحُكْمِ وَبَقَاؤُهُ بِأَنَّهُ3 لَمْ يُنْسَخْ، ثُمَّ يَتْلُوهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَحْكَامِهِ؛ لأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الثَّلاثَةِ الأُوَلِ.
وَقَوْلُهُ "يَشْتَرِكُ كَذَا
…
فِي سَنَدٍ" إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ وُصُولِهَا إلَيْنَا لا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلا كَوْنُهَا حَقًّا.
"وَهُوَ" أَيْ السَّنَدُ "إخْبَارٌ عَنْ طَرِيقِ الْمَتْنِ" قَوْلاً أَوْ فِعْلاً تَوَاتُرًا أَوْ
1 يشترك الكتاب والسنة والإجماع في أمرين: الأول: النظر في السند، وهو ما بحثه المؤلف هنا حتى نهاية هذا المجلد. والثاني: النظر في المتن، ويشمل الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، والمطلق والمقيد
…
إلخ، وهو موضوع المجلد الثالث بكامله.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، العضد على ابن الحاجب 2/ 45، تدريب الراوي 2/ 42".
2 في ض: الإجماع.
3 في ش ب ز ض: بأن.
آحَادًا1. وَلَوْ كَانَ الإِخْبَارُ بِوَاسِطَةٍ مُخْبِرٍ2 وَاحِدٍ3 فَأَكْثَرَ عَمَّنْ يُنْسَبُ الْمَتْنُ إلَيْهِ4.
"و"َ يَشْتَرِكُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ أَيْضًا "فِي مَتْنٍ وَهُوَ الْمُخْبَرُ بِهِ".
وَأَصْلُ السَّنَدِ فِي اللُّغَةِ: مَا يُسْتَنَدُ5 إلَيْهِ، أَوْ مَا ارْتَفَعَ مِنْ الأَرْضِ6.
وَأَخْذُ الْمَعْنَى الاصْطِلاحِيِّ مِنْ الثَّانِي أَكْثَرُ مُنَاسَبَةً. فَلِذَلِكَ يُقَالُ: أَسْنَدْت الْحَدِيثَ، أَيْ7 رَفَعْته إلَى الْمُحَدِّثِ8. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَسْنَدَ يُسْنِدُ، أُطْلِقَ عَلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَا يُسْنَدُ إلَيْهِ9.
وَالْمُسْنِدُ - بِكَسْرِ النُّونِ - مَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ إلَاّ مُجَرَّدُ رِوَايَتِهِ10.
وَأَمَّا مَادَّةُ الْمَتْنِ: 11فَإِنَّهَا فِي11 الأَصْلِ رَاجِعَةٌ إلَى مَعْنَى الصَّلابَةِ. وَيُقَالُ
1 في ض: إخباراً.
2 في ش ز: لخبر.
3 في ش ب ز ض: آخر.
4 انظر تعريف السند والإسناد في الورقات وشرحها ص 186، الإحكام للآمدي 2/ 3، شرح نخبة الفكر ص 19، تدريب الراوي 1/ 41، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، التعريفات للجرجاني ص 23.
5 في ز ع: يسند.
6 انظر: المصباح المنير 1/ 444، القاموس المحيط 1/ 314.
7 ساقطة من ز ع ض.
8 في ش ب ز ع: محدث.
9 انظر: تدريب الراوي 1/ 41.
10 انظر: تدريب الراوي 2/ 43، أصول الحديث ص 448.
11 في ش: ففي.
لِمَا صَلُبَ مِنْ الأَرْضِ: مَتْنٌ، وَالْجَمْعُ مِتَانٌ. وَيُسَمَّى أَسْفَلُ الظَّهْرِ مِنْ الإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ مَتْنًا، وَالْجَمْعُ مُتُونٌ1. فَالْمَتْنُ هُنَا: مَا تَضَمَّنَهُ الثَّلاثَةُ، الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِجْمَاعُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ، وَمَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ وَنَحْوِهَا2.
"وَالْخَبَرُ" يُحَدُّ عِنْدَ الأَكْثَرِ. وَلَهُمْ فِيهِ حُدُودٌ كَثِيرَةٌ3 قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ خَدْشٍ. وَأَسْلَمُهَا قَوْلُهُمْ "مَا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَكَذِبٌ" وَهُوَ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي "التَّمْهِيدِ"، وَابْنِ الْبَنَّا وَابْنِ عَقِيلٍ. وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ4.
وَنُقِضَ بِمِثْلِ مُحَمَّدٌ وَمُسَيْلِمَةُ صَادِقَانِ. وَبِقَوْلِ مَنْ يَكْذِبُ دَائِمًا: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ5، فَخَبَرُهُ هَذَا لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ، وَإِلَاّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ وَهُوَ مِنْهَا. وَلا 7كَذِبٌ وَإِلَاّ6 كُذِّبَتْ أَخْبَارُهُ مَعَ هَذَا، وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ: كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ فَتَنَاقَضَ8.
1 انظر: المصباح المنير 2/ 866، القاموس المحيط 4/ 271.
2 انظر: تدريب الراوي 1/ 42.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 100، الإحكام للآمدي 2/ 4.
4 اختاره هذا التعريف الجبائي وابنه وأبو عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار من المعتزلة، واختاره إمام الحرمين الجويني، وذكره الآمدي وشرحه ثم ناقشه واعترض عليه.
والمراد من دخول الصدق والكذب أن الخبر يحتملهما عقلاًَ بالنظر إلى حقيقته النوعية، مع قطع النظر عن الطرفين والمخبر. "انظر: فواتح الرحموت 2/ 102".
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، المحصول 1/ 318، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 42، فواتح الرحموت 2/ 102".
5 في ز: أخبار.
6 في ب ع: ولا كذب وإلا. وفي د: ولا كذب ولا.
7 ساقطة من ب.
8 في ع: فيتناقض، وفي ب: فيناقض.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 107، نهاية السول 1/ 245، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58.
وَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ مَعْرِفَتِهَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ1.
"وَ"2لأَنَّ الصِّدْقَ: الْخَبَرُ الْمُطَابِقُ، وَالْكَذِبَ: ضِدُّهُ. وَبَابَاهُمَا3 مُتَقَابِلانِ فَلا يَجْتَمِعَانِ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ. فَيَلْزَمُ امْتِنَاعُ الْخَبَرِ أَوْ وُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ. وَبِخَبَرِ الْبَارِي4.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّهُ فِي مَعْنَى خَبَرَيْنِ لإِفَادَتِهِ حُكْمًا لِشَخْصَيْنِ. وَلا يُوصَفَانِ بِهِمَا. بَلْ يُوصَفُ بِهِمَا الْخَبَرُ الْوَاحِدُ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرٌ5.
1 أي لتوقف معرفة الصدق والكذب على معرفة الخبر، لأن الصدق هو الخبر عن الشيء على ما هو عليه، والكذب الخبر عن الشيء لا على ما هو عليه.
"انظر: مناهج العقول 1/ 243، نهاية السول 1/ 245، البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الإحكام للآمدي 2/ 6، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، المعتمد 2/ 543، الفروق 1/ 20، إرشاد الفحول ص 42".
2 الواو إضافة يقتضيها المعنى والسياق، وذلك أن الآمدي رحمه الله أورد على التعريف أربعة إشكالات مفصلة، اختصرها المصنف هنا، وهي: الأول: أنه نقض بقول القائل....، والثاني: أنه يفضي إلى الدور
…
، والثالث: أن الصدق والكذب متقابلان
…
، والرابع: أن الباري تعالى له خبر ولا يتصور دخول الكذب فيه.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 6".
3 في ش، ز ض: وبأنهما. وفي ب وأصل ع: وبابهما.
4 "انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، فواتح الرحموت 2/ 102، كشف الأسرار 2/ 360، شرح الورقات ص 177، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، العضد على ابن الحاجب 2/ 47، إرشاد الفحول ص 42".
5 هذا الجواب لأبي هاشم الجبائي، وقد أجاب والده أبو علي بجواب آخر أيضاً.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 233، الفروق 1/ 58".
وَرُدَّ: لا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ بِهِمَا بِدَلِيلِ الْكَذِبِ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: كُلُّ مَوْجُودٍ حَادِثٌ. وَإِنْ أَفَادَ حُكْمًا لأَشْخَاصٍ1.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ كَذِبٌ؛ لأَنَّهُ أَضَافَ الْكَذِبَ إلَيْهِمَا مَعًا، وَهُوَ لأَحَدِهِمَا2. وَسَلَّمَهُ بَعْضُهُمْ. وَ3لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ الصِّدْقُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَعْنَى الْحَدِّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لا تَمْنَعُ الْقَوْلَ لِلْمُتَكَلِّمِ بِهِ، صَدَقْتَ أَمْ كَذَبْتَ4.
وَرُدَّ بِرُجُوعِهِ إلَى التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ. وَهُوَ غَيْرُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ5.
وَقَوْلُهُ: "كُلُّ أَخْبَارِي كَذِبٌ". إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ، وَإِلَاّ فَكَذِبٌ. وَلا يَخْلُو عَنْهُمَا6.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَنَاوَلُ قَوْلُهُ مَا7 سِوَى هَذَا الْخَبَرِ؛ إذْ الْخَبَرُ لا يَكُونُ بَعْضَ الْمُخْبَرِ. قَالَ: وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِهِ.
1 انظر: الإحكام للآمدي، المرجع السابق، المعتمد 2/ 542، مختصر ابن الحاجب 2/ 45.
2 هذا الجواب لأبي عبد الله البصري.
انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7.
3 ساقطة من ض.
4 هذا الجواب للقاضي عبد الجبار المعتزلي.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، المعتمد 2/ 543، 544، العضد على ابن الحاجب 2/ 47".
5 انظر الفرق بين الصدق والكذب وبين التصديق والتكذيب في الفروق للقرافي 1/ 18، 21.
6 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 7، شرح الورقات ص 177-178.
7 في ش: ما في.
وَلا جَوَابَ عَنْ الدَّوْرِ.
وَقَدْ قِيلَ: لا تَتَوَقَّفُ1 مَعْرِفَةُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ عَلَى الْخَبَرِ لِعِلْمِهِمَا ضَرُورَةً2.
وَأُجِيبَ عَنْ الأَخِيرِ وَمَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ جِنْسُ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَابِلٌ لَهُمَا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فِي جِنْسِ اللَّوْنِ3. وَرُدَّ، لا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْحَدِّ فِي كُلِّ خَبَرٍ وَإِلَاّ لَزِمَ وُجُودُ الْخَبَرِ دُونَ حَدِّهِ4 وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ التَّرْدِيدُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ تَجَوُّزًا5، لَكِنْ يُصَانُ الْحَدُّ عَنْ مِثْلِهِ6.
وَ7الْحَدُّ الثَّانِي لِلْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ" وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ8 كُلُّ مَا دَخَلَهُ الصِّدْقُ وَ9الْكَذِبُ10.
1 في ب ع ض: يتوقف.
2 هذا جواب القاضي عبد الجبار على الإشكال الثاني وهو لزوم الدور، وقد شرحه البدخشي، فقال:"والجواب أن الخبر المعرف هو الكلام المخَبَّر به، والخبر المأخوذ في الصدق والكذب بمعنى الإخبار بدليل تعديته بعن". "مناهج العقول 1/ 243".
"انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 106، الفروق للقرافي 1/ 21، الإحكام للآمدي 2/ 8، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8.
4 انظر المرجع السابق.
5 المرجع السابق.
6 في ش: مثاله.
7 ساقطة من ع.
8 في ش ز: أن.
9 في ب ض: أو.
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، كشف الأسرار 2/ 360، الكفاية ص 16.
وَالثَّالِثُ: لِلْمُوَفَّقِ فِي "الرَّوْضَةِ" وَغَيْرِهِ: مَا يَدْخُلُهُ التَّصْدِيقُ أَوْ1 التَّكْذِيبُ2.
فَيَرِدُ عَلَيْهِمَا الدَّوْرُ الْمُتَقَدِّمُ. وَمَا قَبْلَ الدَّوْرِ أَيْضًا، وَبِمُنَافَاةِ أَوْ لِلتَّعْرِيفِ؛ لأَنَّهَا لِلتَّرْدِيدِ3. فَلِهَذَا4 أَتَى الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ5 وَغَيْرُهُ بِالْوَاوِ، وَهُوَ الْحَدُّ الرَّابِعُ6.
وَالْحَدُّ الْخَامِسُ لأَبِي الْحُسَيْنِ الْمُعْتَزِلِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ كَلامٌ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ نِسْبَةً، وَالْكَلِمَةُ عِنْدَهُ كَلامٌ؛ لأَنَّهُ حَدَّهُ بِمَا انْتَظَمَ مِنْ حُرُوفٍ مَسْمُوعَةٍ مُتَمَيِّزَةٍ7.
السَّادِسُ: لابْنِ الْحَاجِبِ فِي "مُخْتَصَرِهِ" وَغَيْرِهِ: هُوَ8 الْكَلامُ الْمَحْكُومُ
1 في ز ش ب ع: و. وما أثبتناه في الأعلى من "الروضة" ومن ض.
2 وقد عدل التعريف عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب، لأن الصدق مطابقة الواقع، والكذب عدم مطابقته، فهما نسبة، والنسب والإضافات عدمية. أما التصديق والتكذيب فهو قول وجودي مسموع، فالأولان عدميان، والآخران وجوديان. وفرق آخر أن الصدق والكذب تابع للخبر، أما التصديق والتكذيب فتابعان للصدق والكذب.
"انظر: الفروق 1/ 18، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، المستصفى 1/ 132، الروضة ص 48".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 8، العضد على ابن الحاجب 2/ 48، الفروق 1/ 19.
4 في ب: فلهذه.
5 مختصر الطوفي ص 49، ولفظه:"وما تطرق إليه التصديق والتكذيب".
6 انظر: المحصول للرازي 1/ 381، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132.
7 ولفظه: "كلام يفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور، نفياً أو إثباتاً". المعتمد 2/ 544.
"وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 9، فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 24، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، إرشاد الفحول ص 42-43".
8 في ب: وهو.
فِيهِ بِنِسْبَةٍ خَارِجِيَّةٍ. قَالَ: وَنَعْنِي الْخَارِجَ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ. فَنَحْوُ: طَلَبْت الْقِيَامَ حُكْمٌ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، بِخِلافِ قُمْ1.
قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ: وَنَعْنِي2 بِالْكَلامِ مَا تَضَمَّنَ كَلِمَتَيْنِ بِالإِسْنَادِ. وَالْمُرَادُ بِالنِّسْبَةِ الْخَارِجِيَّةِ: الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ كَلامِ النَّفْسِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ كَلامُ النَّفْسِ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللَاّ مُطَابَقَةِ. وَيُسَمَّى ذَلِكَ الأَمْرُ3: النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ. فَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ: نَحْوُ طَلَبْت الْقِيَامَ. فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِنِسْبَةٍ لَهَا خَارِجِيٌّ، وَهُوَ نِسْبَةُ طَلَبِ الْقِيَامِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَهَذِهِ4 النِّسْبَةُ الْخَارِجِيَّةُ5 عَنْ الْحُكْمِ النَّفْسِيِّ تَعَلَّقَ بِهَا الْحُكْمُ النَّفْسِيُّ بِالْمُطَابَقَةِ وَاللَاّ مُطَابَقَةِ6 بِخِلافِ قُمْ. فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْحُكْمِ النَّفْسِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ خَارِجِيٌّ7.
الْحَدُّ السَّابِعُ لِلْبِرْمَاوِيِّ: أَنَّ الْخَبَرَ مَا لَهُ مِنْ الْكَلامِ خَارِجٌ. أَيْ لِنِسْبَتِهِ8 وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي زَمَنٍ غَيْرِ زَمَنِ الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ.
الْحَدُّ9 الثَّامِنُ لابْنِ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ": أَنَّهُ قَوْلٌ يَدُلُّ عَلَى نِسْبَةِ
1 مختصر ابن الحاجب 2/ 45، وانظر: كشف الأسرار 2/ 360، تيسير التحرير 3/ 25، إرشاد الفحول ص 43.
2 في ش: ويعني.
3 ساقطة من ع.
4 في ش ز: وهو.
5 في ب ز ع ض: خارجية.
6 ساقطة من ش.
7 انظر: شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 103، غاية الوصول ص 94.
8 في دع ض: لنسبة.
9 ساقطة من ش ب ز ع.
مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ أَوْ سَلْبِهَا عَنْهُ، وَيَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ1.
وَالْقَوْلِ 2 الثَّانِي: - وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ لا يُحَدُّ كَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِلْقَائِلِينَ3 بِهِ - مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: عُسْرُهُ، كَمَا قِيلَ فِي الْعِلْمِ4.
الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ تَصَوُّرَهُ ضَرُورِيٌّ؛ لأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَوْجُودٌ، أَيْ يَعْلَمُ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَا مَوْجُودٌ، مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ النِّسْبَةِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ 5مُحْتَمِلٍ لِلصِّدْقِ1 وَالْكَذِبِ، وَهُوَ خَبَرٌ خَاصٌّ. فَمُطْلَقُ الْخَبَرِ الَّذِي هُوَ جُزْءُ هَذَا الْخَبَرِ الْخَاصِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ضَرُورِيًّا6.
"وَيُطْلَقُ" الْخَبَرُ "مَجَازًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ "عَلَى دَلالَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَإِشَارَةٍ
1 هذا التعريف قريب من التعريف الذي اختاره الآمدي وشرحه وبين احترازاته، وهناك تعريفات أخرى للخبر.
"انظر: التمهيد للإسنوي ص 134، التعريفات للجرجاني ص 101، شرح تنقيح الفصول ص 346، الإحكام للآمدي 2/ 9، المستصفى 1/ 132، فواتح الرحموت 2/ 102، تيسير التحرير 3/ 24، نهاية السول 1/ 242، الفروق للقرافي 1/ 18، شرح الورقات ص 176، إرشاد الفحول ص 44، اللمع ص 39، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".
2 في ش ز: وللقول، وهذا هو القول الثاني المقابل لقول أكثر العلماء الذين رأوا تعريف الخبر.
3 في ش ز: المقابلين.
4 وقد سبق بيان ذلك في المجلد الأول ص 60.
5 في ب ع ض: يحتمل الصدق.
6 لقد ناقش الآمدي رحمه الله هذا القول ورد على أدلته.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، فواتح الرحموت 2/ 100، مناهج العقول 2/ 257، نهاية السول 1/ 245، كشف الأسرار 2/ 360، مختصر ابن الحاجب 2/ 45، جمع الجوامع والمحلي عليه وحاشية البناني 2/ 107، إرشاد الفحول ص 43".
حَالِيَّةٍ" كَقَوْلِهِمْ: عَيْنَاكِ تُخْبِرُنِي بِكَذَا، وَالْغُرَابُ يُخْبِرُ بِكَذَا1. قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي2:
وَكَمْ لِظَلامِ اللَّيْلِ عِنْدَك مِنْ يَدٍ
…
تُخَبِّرُ أَنَّ الْمَانَوِيَّةَ تَكْذِبُ3
"و"َ يُطْلَقُ الْخَبَرُ"حَقِيقَةً عَلَى الصِّيغَةِ 4". قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَيُطْلَقُ حَقِيقَةً عَلَى قَوْلٍ مَخْصُوصٍ. وَذَلِكَ 5لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ7 عِنْدَ الإِطْلاقِ إلَى6 ذَلِكَ7. "وَتَدُلُّ" الصِّيغَةُ "بِمُجَرَّدِهَا" أَيْ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ "عَلَيْهِ" أَيْ عَلَى كَوْنِهِ خَبَرًا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِ8.
1 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 359.
2 هو أحمد بن الحسين بن الحسن، الجُعْفي، الكندي الكوفي، المفروف بالمتنبي، الشاعر المشهور. قدم الشام وجال في الأقطار، واشتغل في فنون الأدب، وكان من المكثرين من نقل اللغة المطلعين على غريبها، ويستشهد بكلام العرب من النظم والنثر. وشعره في النهاية والقمة، ادعى النبوة في السماوة، ثم تاب منها، قتل سنة 354 هـ.
انظر ترجمته في "وفيات الأعيان 1/ 102، شذرات الذهب 3/ 13، حسن المحاضرة 1/ 560".
3 البيت لأبي الطيب المتنبي يمدح به كافورا الأخشيدي ومطلعها:
أغالب فيك الشوق والشوق أغلب
…
وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب
والمانوية أصحاب ماني بن فاتك الثنوي الذي يمجد النور ويعبده، ويكره الظلمة ويلعن السواد.
"انظر: العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطبي 2/ 336، الملل والنحل للشهرستاني 2/ 72، الفهرست ص 458".
4 انظر: المسودة ص 232، الإحكام للآمدي 2/ 3، كشف الأسرار 2/ 360.
5 في ض: التبادر للفهم.
6 في ض: في.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 3.
8 انظر: المسودة ص 232، اللمع ص 39.
وَنَاقَشَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَقَالَ: الصِّيغَةُ. هِيَ الْخَبَرُ. فَلا يُقَالُ لَهُ صِيغَةٌ، وَلا1 هِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ2. وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مَا قَالَهُ الْقَاضِي. وَقَالُوا: لأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ 3اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، لا4 اللَّفْظُ فَقَطْ. فَتَقْدِيرُهُ لِهَذَا الْمُرَكَّبِ جُزْءٌ، وَ4يَدُلُّ بِنَفْسِهِ عَلَى الْمُرَكَّبِ5.
وَإِذَا قِيلَ: الْخَبَرُ الصِّيغَةُ فَقَطْ، بَقِيَ الدَّلِيلُ هُوَ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ6. وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: لا صِيغَةَ لَهُ، وَيَدُلُّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ بِقَرِينَةٍ هِيَ7 قَصْدُ الْمُخْبِرِ إلَى الإِخْبَارِ8. كَالأَمْرِ عِنْدَهُمْ9.
وَقَالَتْ الأَشْعَرِيَّةُ: هُوَ الْمَعْنَى النَّفْسِيُّ10.
وَقَالَ الآمِدِيُّ: "يُطْلَقُ عَلَى الصِّيغَةِ وَعَلَى الْمَعْنَى، وَالأَشْبَهُ لُغَةً: حَقِيقَةٌ فِي
1 في ب: إلا.
2 انظر: المسودة ص 232.
3 ساقطة من ض.
4 ساقطة من ب ع ض.
5 انظر: مختصر ابن الحاجب 2/ 45، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232.
6 انظر: المسودة ص 232.
7 في ع ب ز ض: هو. وفي المسودة: وهو.
8 في المسودة: الإخبار به.
9 نسب الشيرازي هذا القول للأشعرية، ورَدَّ عليه: بأن أهل اللغة قسموا الكلام إلى أربعة أقسام، فقالوا: أمر ونهي وخبر واستخبار، وهذا يدل على فساد قولهم.
"انظر: اللمع ص 39، المعتمد 2/ 542، المسودة ص 232".
10 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 4، المستصفى 1/ 132، جمع الجوامع 2/ 104، المسودة ص 232.
الصِّيغَةِ لِتَبَادُرِهَا عِنْدَ الإِطْلاقِ1.
"وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ" أَيْ فِي الْخَبَرِ "إرَادَةُ" الإِخْبَارِ، بَلْ هُوَ مُفِيدٌ بِذَاتِهِ إفَادَةً أَوَّلِيَّةً2. وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا يُفِيدُ بِاللَاّزِمِ أَوْ بِالْقَرِينَةِ. نَحْوُ أَنَا أَطْلُبُ مِنْك أَنْ تُخْبِرَنِي بِكَذَا، أَوْ أَنْ تَسْقِيَنِي مَاءً، أَوْ أَنْ تَتْرُكَ الأَذَى وَنَحْوَهُ. فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ دَالاًّ عَلَى الطَّلَبِ، لَكِنَّهُ3 لا بِذَاتِهِ بَلْ هَذِهِ4 إخْبَارَاتٌ لازَمَهَا الطَّلَبُ، وَلا يُسَمَّى الأَوَّلُ اسْتِفْهَامًا، وَلا الثَّانِي أَمْرًا، وَلا الثَّالِثُ نَهْيًا5. وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا عَطْشَانُ. كَأَنَّهُ قَالَ: اسْقِنِي. فَإِنَّ هَذَا طَلَبٌ بِالْقَرِينَةِ لا بِذَاتِهِ6.
7إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ5 "فَإِتْيَانُهُ" أَيْ مَجِيئُهُ "دُعَاءً" نَحْوَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ8 "أَوْ9 تَهْدِيدًا" نَحْوَ 10قَوْله تَعَالَى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ} 11 وَ8نَحْوَ قَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّك لا تَنْتَهِي عَنْ سُوءِ فِعْلِك بِدُونِ الْمُعَاقَبَةِ "أَوْ أَمْرًا" نَحْوَ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ
1 الإحكام للآمدي 2/ 4، وانظر: الحدود للباجي ص 60، نهاية السول 2/ 260، المحلي على جمع الجوامع 2/ 104.
2 انظر: المعتمد 2/ 542.
3 في ب ع ض: لكن.
4 في ض: هذا.
5 في ب ض ع: نهيأ لذلك.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 348.
7 ساقطة من ض.
8 في ب ع: ورحمه الله.
9 في ز ع ب: و.
10 ساقطة من ش ز. وفي ض: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ} ، و.
11 الآية 31 من الرحمن.
يَتَرَبَّصْنَ} 1 {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} 2 وَأَمَرْتُك أَنْ تَفْعَلَ كَذَا، وَأَنْتَ مَأْمُورٌ بِكَذَا "مَجَازٌ" لأَنَّ ذَلِكَ لا يَدْخُلُهُ صِدْقٌ وَلا كَذِبٌ.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: فَالْخَبَرُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَحْكُومٍ عَلَيْهِ وَمَحْكُومٍ بِهِ. وَيُعَبِّرُ عَنْهُ الْبَيَانِيُّونَ بِمُسْنَدٍ إلَيْهِ وَمُسْنَدٍ، وَيَعُدُّونَهُ إلَى مُطْلَقِ الْكَلامِ.
وَالْمَنَاطِقَةُ يُسَمُّونَ الْخَبَرَ قَضِيَّةً، لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ، وَيُسَمُّونَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مَوْضُوعًا، وَالْمَقْضِيَّ بِهِ مَحْمُولاً؛ لأَنَّك تَضَعُ الشَّيْءَ وَتَحْمِلُ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَيُقَسِّمُونَ الْقَضِيَّةَ إلَى:
طَبِيعِيَّةٍ3، وَهِيَ مَا حُكِمَ فِيهَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ 4عَلَى الآخَرِ مِنْ حَيْثُ هُوَ13، لا بِالنَّظَرِ إلَى أَفْرَادِهِ نَحْوُ: الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ: 5الْمَاءُ مُرْوٍ5. وَغَيْرِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي قُصِدَ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى شَخْصٍ فِي الْخَارِجِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ، ثُمَّ يُنْظَرُ. فَإِنْ حُكِمَ فِيهَا عَلَى جُزْءٍ مُعَيَّنٍ سُمِّيَتْ شَخْصِيَّةً. نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ. أَوْ لا عَلَى مُعَيَّنٍ. فَإِنْ ذُكِرَ فِيهَا سُورُ الْكُلِّ أَوْ الْبَعْضِ فِي نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ. سُمِّيَتْ مَحْصُورَةً. نَحْوُ كُلُّ إنْسَانٍ كَاتِبٌ بِالْقُوَّةِ، وَبَعْضُ الإِنْسَانِ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ.
1 الآية 228 من البقرة.
2 الآية 233 من البقرة.
3 في ض: طبيعة.
4 ساقطة من ع.
5 في ش: المأمور. وهو خطأ فادح.
وَنَحْوُ لا شَيْءَ، أَوْ لا وَاحِدَ مِنْ الإِنْسَانِ بِجَمَادٍ، وَلَيْسَ بَعْضُ الإِنْسَانِ بِكَاتِبٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ بَعْضُ الإِنْسَانِ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضِيَّةِ سُورٌ، وَالْمُرَادُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى الأَفْرَادِ لا عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ: سُمِّيَتْ1 مُهْمَلَةً، نَحْوُ الإِنْسَانُ فِي خُسْرٍ. وَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ ضَرُورِيٌّ، فَهُوَ الْمُتَحَقِّقُ. وَلا يَصْدُقُ عَلَيْهَا كُلِّيَّةٌ. لَكِنْ إذَا كَانَ فِيهَا " أَلْ " كَمَا فِي: الإِنْسَانُ كَاتِبٌ، يُطْلِقُ عَلَيْهَا2 ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ كَثِيرًا أَنَّهَا كُلِّيَّةٌ، نَظَرًا إلَى إفَادَةِ "أَلْ" لِلْعُمُومِ3. فَهِيَ مِثْلُ: كُلٍّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ اصْطِلاحِ الْمَنَاطِقَةِ4.
"وَغَيْرُهُ" أَيْ وَغَيْرُ الْخَبَرِ مِنْ الْكَلامِ "إنْشَاءٌ وَتَنْبِيهٌ" وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَلَى مُسَمًّى وَاحِدٍ، سُمِّيَ5 إنْشَاءً لأَنَّك ابْتَكَرْته مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ6، وَسُمِّيَ7 تَنْبِيهًا؛ لأَنَّك تُنَبِّهُ بِهِ عَلَى مَقْصُودِك8.
1 في ب ز ع ض: وسميت.
2 في ع: عليهما.
3 في ب ع: العموم.
4 انظر: مختصر ابن الحاجب 1/ 86.
5 في ع: يسمى.
6 حقيقة الإنشاء أنه القول الذي بحيث يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو متعلقه.
انظر: الفروق 1/ 21.
7 في ع: ويسمى.
8 قال ابن عبد الشكور: "وتسمية الجميع بالتنيبه كما في المختصر غير متعارف". "مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت 2/ 103". وقال بعضهم: التنبيه، يطلق على القسم والنداء. وقال المناطقة: يطلق على القسم والنداء والتمني والترجي. وزاد بعضهم: الاستفهام. وقال ابن الحاجب وغيره كالمصنف: "كل ما ليس بخبر يسمى إنشاء وتنبيهاً". "مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 45، 49".
"وانظر: تيسير التحرير 3/ 26، مناهج العقول 2/ 245، نهاية السول 1/ 243، المحلي على جمع الجوامع 2/ 106، التعريفات للجرجاني ص 40، 71، المحصول للرازي 1/ 318، الفروق 1/ 21، إرشاد الفحول ص 44، المدخل إلى مذهب أحمد ص 90".
"وَمِنْهُ" أَيْ مِنْ غَيْرِ الْخَبَرِ "الأَمْرُ" نَحْوُ قُمْ "وَنَهْيٌ" نَحْوُ لا تَقْعُدْ "وَاسْتِفْهَامٌ" نَحْوُ هَلْ عِنْدَك أَحَدٌ؟ "وَتَمَنٍّ" نَحْوُ "لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ1""وَتَرَجٍّ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} 2.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي: أَنَّ التَّمَنِّي يَكُونُ فِي الْمُسْتَحِيلِ وَالْمُمْكِنِ، وَالتَّرَجِّي لا يَكُونُ إلَاّ فِي الْمُمْكِنِ3.
"وَقَسَمٌ" نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {تَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} 4 وَنِدَاءٌ نَحْوُ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} 5 "وَصِيغَةُ عَقْدٍ" نَحْوُ وَهَبْت وَنَحْوُ قَبِلْت "وَ" صِيغَةُ "فَسْخ" نَحْوُ أَقَلْت.
وَقِيلَ: إنَّ صِيَغَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ لَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ، وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا مِنْ الإِخْبَارِ. فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِك: الإِخْبَارُ عَمَّا فِي قَلْبِك. فَإِنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ هُوَ
1 لفظة "يعود" ساقطة من ز. وفي ض: يعود يوماً. وهذه الجملة قطعة من بيت من الشعر، وهو:
فيا ليت الشباب يعود يوماً
…
فأخبره بما فعل المشيب
والبيت لأبي العتاهية إسماعيل بن قاسم ت 213 هـ.
"انظر: أبو العتاهية؛ أشعاره وأخباره ص 32، مغني اللبيب ص 376".
2 الآية 216 من البقرة، وأول الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً} .
3 انظر: مناهج العقول 1/ 244، البناني على جمع الجوامع 2/ 106.
4 الآية 57 من الأنبياء، وأول الآية {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ} .
5 الآية الأولى من النساء.
التَّرَاضِي. فَصَارَ "بِعْت" وَنَحْوُهَا: لَفْظًا1 دَالاًّ2 عَلَى الرِّضَى بِمَا فِي ضَمِيرِك. فَيُقَدَّرُ وُجُودُهَا3 قَبْلَ اللَّفْظِ لِلضَّرُورَةِ. وَغَايَةُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا. وَهُوَ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ4.
وَدَلِيلُ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ5: أَنَّ صِيغَةَ الْعَقْدِ وَالْفَسْخِ وَنَحْوِهِمَا، مِمَّا اقْتَرَنَ مَعْنَاهُ بِوُجُودِ لَفْظِهِ، نَحْوُ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت وَطَلَّقْت وَفَسَخْت وَنَحْوِهَا6 مِمَّا يُشَابِهُ ذَلِكَ، مِمَّا تُسْتَحْدَثُ بِهَا الأَحْكَامُ إنْشَاءً؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ خَبَرًا لَكَانَ إمَّا عَنْ مَاضٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ، وَالأَوَّلانِ بَاطِلانِ، لِئَلَاّ يَلْزَمَ أَنْ لا يَقْبَلَ الطَّلاقُ وَنَحْوُهُ التَّعْلِيقَ. لأَنَّهُ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ شَيْءٍ7 لَمْ يُوجَدْ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ، وَالْمَاضِي وَالْحَالُ قَدْ وُجِدَا8، لَكِنَّ
1 في ب: لفظ. وهو خطأ.
2 في ض: دلَّ.
3 في ش ز: وجودهما.
4 وهو قول الإمام أبي حنيفة وأصحابه. وادعى ابن عبد الشكور أنه قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة.
"انظر: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 103، 104، تيسير التحرير 3/ 26، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 163، الفروق 1/ 28، 29، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440، الفروق 1/ 23".
5 قال الجمهور: إن صيغ العقود والفسوخ إنشاء لوجود مضمونها في الخارج بها.
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، تيسير التحرير 3/ 28، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، المحلي على جمع الجوامع 2/ 163، الفروق 1/ 27، 28 وما بعدها، غاية الوصول ص 103، المحصول 1/ 440".
6 في ش: ونحوهما.
7 في ز: الشيء.
8 في ش ض: وجد.
قَبُولَهُ التَّعْلِيقَ إجْمَاعٌ، وَالْمُسْتَقْبَلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لا يَقَعَ بِهِ شَيْءٌ؛ لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ "سَأُطَلِّقُ"، وَالْفَرْضُ1 خِلافُهُ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّتِهِ. وَأَيْضًا لا خَارِجَ لَهَا، وَلا تَقْبَلُ2 صِدْقًا وَلا كَذِبًا. وَلَوْ كَانَتْ خَبَرًا لَمَا قَبِلَتْ تَعْلِيقًا، لِكَوْنِهِ مَاضِيًا؛ وَلأَنَّ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ قَاطِعٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ طَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الْوُقُوعَ وَطَلَّقْت إذَا قَصَدَ بِهِ الإِخْبَارَ3.
"وَلَوْ قَالَ لِرَجْعِيَّةٍ: طَلَّقْتُك، طَلُقَتْ" عَلَى الصَّحِيحِ4 الَّذِي عَلَيْهِ الأَكْثَرُ لأَنَّهُ5 إنْشَاءٌ لِلطَّلاقِ6.
فَعَلَى هَذَا: لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: أَنَّهُ أَرَادَ الإِخْبَارَ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ وَإِنْ ادَّعَى مَاضِيًا" وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ "أَنِّي مَتَى قُلْت فِي وَجْهٍ: كَانَ الْمُقَدَّمُ خِلافَهُ7" فَعُلِمَ مِنْهَا: أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ: أَرَدْت الإِخْبَارَ8.
1 في د ع: والغرض.
2 في ز ض: يقبل.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 103، 104 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 27، مختصر ابن الحاجب 2/ 49، البناني على جمع الجوامع 2/ 28 وما بعدها، المحصول 1/ 441 وما بعدها.
4 في ب ض: الأصح.
5 في ز ع: أنه.
6 انظر: المحصول 1/ 444.
7 المجلد الأول صفحة 29.
8 وهذا الطلاق يقع قضاء فقط، ولا يقع ديانة إذا كان صادقاً فيما بينه وبين نفسه.
"انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 49، التفتازاني على العضد 2/ 49، الفروق 1/ 28، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 44، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 53".
وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهَا لا تَطْلُقُ، وَكَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ قَصَدَ الإِخْبَارَ عَنْ الطَّلاقِ الْمَاضِي1.
"وَ" قَوْلُ الشَّاهِدِ "أَشْهَدُ: إنْشَاءٌ تَضَمَّنَ إخْبَارًا" عَمَّا فِي نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ2.
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ مَحْضٌ3؛ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَهْلِ اللُّغَةِ، قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي "الْمُجْمَلِ": الشَّهَادَةُ خَبَرٌ عَنْ عِلْمٍ. وَقَالَ الرَّازِيِّ: قَوْلُهُ أَشْهَدُ إخْبَارٌ عَنْ الشَّهَادَةِ. وَهِيَ الْحُكْمُ الذِّهْنِيُّ الْمُسَمَّى بِكَلامِ4 النَّفْسِ.
وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُهُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْقَرَافِيُّ5.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} 6 فَرَاجِعٌ إلَى تَسْمِيَتِهِمْ ذَلِكَ شَهَادَةً؛ 7لا أَنَّهَا11 مَا وَاطَأَ فِيهَا الْقَلْبُ اللِّسَانَ.
وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ لاضْطِرَابِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. فَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إخْبَارٌ. كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ، وَقَائِلٌ بِأَنَّهَا إنْشَاءٌ؛ لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ تَكْذِيبٌ شَرْعًا. فَالْقَائِلُ
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 104 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 50، الفروق 1/ 30.
2 أي تضمن الأخبار بالمشهود به نظراً إلى وجود مضمونه في الخارج به وإلى متعلقه.
انظر: غاية الوصول ص 102، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162.
3 نظراًَ إلى متعلقه فقط.
"انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102".
4 في ز ب ع ض: كلام.
5 نظراً إلى اللفظ فقط.
"انظر: الفروق 1/ 17، المحلي على جمع الجوامع 2/ 162، غاية الوصول ص 102".
6 الآية الأولى من المنافقون.
7 في ز ع ض ب: لأنها.
بِالثَّالِثِ - رَأَى1 أَنَّ كُلاًّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ - لَهُ وَجْهٌ، فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا2.
وَقَالَ الْكُورَانِيُّ: إذَا3 أَرَدْت تَحْقِيقَ الْمَسْأَلَةِ، فَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ دَلالَةَ الأَلْفَاظِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصُّوَرِ الذِّهْنِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالنَّفْسِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالْكَلامِ الإِشَارَةُ إلَى أَنَّ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِالنَّفْسِ مُطَابِقَةٌ لأُخْرَى4 خَارِجِيَّةٍ فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ الثَّلاثَةِ. فَالْكَلامُ خَبَرٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْخَارِجِيَّةُ قَائِمَةً بِالنَّفْسِ أَيْضًا، كَعَلِمْتُ وَظَنَنْت. أَوْ بِغَيْرِهِ كَخَرَجْتُ وَدَخَلْت، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ5 مُطَابَقَةُ تِلْكَ النِّسْبَةِ الذِّهْنِيَّةِ لأُخْرَى خَارِجِيَّةٍ. فَالْكَلامُ إنْشَاءٌ. فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: أَشْهَدُ بِكَذَا. لا يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ الْقَائِمَةَ بِنَفْسِهِ تُطَابِقُ نِسْبَةً أُخْرَى فِي أَحَدِ الأَزْمِنَةِ، بَلْ مُرَادُهُ الدَّلالَةُ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ ثُبُوتِ هَذِهِ النِّسْبَةِ. مِثْلُ: اضْرِبْ، وَلا تَضْرِبْ. فَهُوَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ، وَلا يَرْجِعُ الصِّدْقُ وَلا6 الْكَذِبُ إلَيْهِ، وَكَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ خَبَرًا لا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ 7إنْشَاءً مَحْضًا؛ لأَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ مُسْتَقِلَّةٌ بِحُكْمٍ، وَلَوْ كَانَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُتَضَمِّنًا لآخَرَ يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ7 مَحْضُ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَبْقَ إنْشَاءٌ مَحْضٌ قَطُّ إذْ قَوْلُك:
1 في ش: أي.
2 قال العلامة المحلي: "لم تتوارد الثلاثة على محل واحد، ولا منافاة بين كون أشهد إنشاء، وكون معنى الشهادة إخباراً، لأنه صيغة مؤدية لذلك المعنى بمتعلقه". "المحلي على جمع الجوامع 2/ 162".وقال العضد: "وهذه المسألة لفظية لا يجدي الإطناب فيها كثير نفع". "العضد على ابن الحاجب 2/ 51".
"وانظر: غاية الوصول ص 102".
3 في ع ض: إن.
4 في ع: للأخرى.
5 في ب ع ض: ترد.
6 ساقطة من ب ز ض.
7 ساقطة من ض.
اضْرِبْ. مُتَضَمِّنٌ لِقَوْلِك: الضَّرْبُ مِنْك مَطْلُوبٌ، أَوْ أَطْلُبُ الضَّرْبَ1 مِنْك. وَهَذَا مِمَّا لا يَقُولُ بِهِ عَاقِلٌ2. اهـ.
فَائِدَةٌ:
ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فُرُوقًا بَيْنَ الْخَبَرِ وَالإِنْشَاءِ:
أَحَدُهَا: قَبُولُ الْخَبَرِ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، بِخِلافِ الإِنْشَاءِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ 3تَابِعٌ لِلْمُخْبِرِ عَنْهُ1 فِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ مَاضِيًا كَانَ أَوْ حَالاً أَوْ مُسْتَقْبَلاً، وَالإِنْشَاءُ مَتْبُوعٌ لِمُتَعَلَّقِهِ. فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الإِنْشَاءَ سَبَبٌ لِوُجُودِ مُتَعَلَّقِهِ. فَيَعْقُبُ آخِرَ حَرْفٍ مِنْهُ 4أَوْ يُوجَدُ مَعَ آخِرِ حَرْفٍ مِنْهُ2 عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ إلَاّ أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ. وَلَيْسَ الْخَبَرُ سَبَبًا وَلا مُعَلَّقًا5 عَلَيْهِ، بَلْ مُظْهِرٌ لَهُ6 فَقَطْ7 اهـ.
وَهَذِهِ الْفُرُوقُ رَاجِعَةٌ إلَى أَنَّ الْخَبَرَ لَهُ خَارِجٌ 8يَصْدُقُ أَوْ يَكْذِبُ6.
وَمِمَّا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الظِّهَارَ هَلْ هُوَ خَبَرٌ أَوْ إنْشَاءٌ؟
1 ساقطة من ب ز ض.
2 انظر مناقشة الموضوع في "فواتح الرحموت 2/ 103-107".
3 في ش ب ع ز: للمخبر. وما أثبتناه أعلاه من د ض. والنص باختصار وتصرف من "الفروق".
4 ساقطة من ش.
5 في د ع ض: متعلقاً.
6 ساقطة من ب ع ض.
7 الفروق 1/ 23 باختصار وتصرف.
وانظر: حاشية التفتازاني على العضد 2/ 49.
8 في ش ض: بصدق أو بكذب. وفي د: بيصدق أو يكذب.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَشَارَ إلَى كَذِبِ الْمُظَاهِرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَاّ اللَاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا 1 وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} 2 قَالَ: وَلأَنَّهُ حَرَامٌ وَلا سَبَبَ لِتَحْرِيمِهِ إلَاّ كَوْنُهُ كَذِبًا. وَأَجَابَ عَمَّنْ قَالَ: سَبَبُ التَّحْرِيمِ: أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الطَّلاقِ الثَّلاثِ. وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى رَأْيٍ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ3.
لَكِنْ4 قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ خِلافًا5 لَهُ؛ لأَنَّ مَقْصُودَ النَّاطِقِ بِهِ تَحْقِيقُ مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ بِإِنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَالتَّكْذِيبُ وَرَدَ عَلَى مَعْنَاهُ الْخَبَرِيِّ لا عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ إنْشَاءِ التَّحْرِيمِ. فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ طَلاقًا وَلا ظِهَارًا إلَاّ مِنْ حَيْثُ الإِخْبَارُ.
فَالإِنْشَاءُ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ كَمَا أَرَادَهُ الْمُنْشِئُ. كَالطَّلاقِ. وَضَرْبٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّرْعُ، وَلَكِنْ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا. وَهُوَ الظِّهَارُ، رَتَّبَ عَلَيْهِ6 7تَحْرِيمَ الْمَرْأَةِ إذَا عَادَ2 حَتَّى يُكَفِّرَ. وَقَوْلُهُ: إنَّهَا حَرَامٌ لا 8يَقْصِدُ طَلاقًا أَوْ ظِهَارًا3 رَتَّبَ فِيهِ التَّحْرِيمَ حَتَّى يُكَفِّرَ. اهـ.
1 هنا ينتهي الاستشهاد بالآية في ب ع ض.
2 الآية 2 من المجادلة.
3 الفروق 1/ 31-37.
4 ساقطة من ض.
5 وهو قول أبي سعيد الهروي والغزالي. "انظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 367".
6 في ب ز ع ض: فيه.
7 في ض: التحريم.
8 في ع: بقصد طلاق أو ظهار.
"وَيَتَعَلَّقُ" مِنْ قِسْمِ الإِنْشَاءِ "بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ" اثْنَا عَشَرَ حَقِيقَةً.
"أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَدُعَاءٌ وَتَرَجٍّ وَتَمَنٍّ" لِدَلالَةِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ عَلَى الطَّلَبِ. وَطَلَبُ الْمَاضِي مُتَعَذِّرٌ، وَالْحَالُ مَوْجُودٌ، وَطَلَبُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. فَتَعَيَّنَ الْمُسْتَقْبَلُ.
"وَشَرْطٌ وَجَزَاءٌ" لأَنَّ مَعْنَى هَاتَيْنِ1 الْحَقِيقَتَيْنِ رَبْطُ أَمْرٍ وَتَوْقِيفُ دُخُولِهِ2 فِي الْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ آخَرَ. وَالتَّوَقُّفُ فِي الْوُجُودِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ.
"وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ" لأَنَّ الْوَعْدَ حَثٌّ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فِيمَا3 تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ خَيْرٍ. وَالْوَعِيدُ زَجْرٌ عَنْ مُسْتَقْبَلٍ بِمَا تَتَوَقَّعُهُ النَّفْسُ مِنْ شَرٍّ. وَالتَّوَقُّعُ لا يَكُونُ إلَاّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
"وَإِبَاحَةٌ" وَذَلِكَ لأَنَّ الإِبَاحَةَ تَخْيِيرٌ بَيْنَ 4الْفِعْلِ أَوْ4 التَّرْكِ. وَالتَّخْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ فِي5 مَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ.
"وَعَرْضٌ" نَحْوُ أَلا تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك.
"وَتَحْضِيضٌ" نَحْوُ: هَلَاّ تَنْزِلُ عِنْدَنَا فَنُكْرِمَك؛ لأَنَّ كُلاًّ مِنْهُمَا مُخْتَصٌّ بِالْمُسْتَقْبَلِ، لَكِنَّ التَّحْضِيضَ أَشَدُّ وَأَبْلَغُ مِنْ الْعَرْضِ6.
1 في ب ز ع: هذين.
2 في ز: وخوله.
3 في ب د ع ض: بما.
4 في ب: الفعلين و. وفي ع ض: الفعل و.
5 ساقطة من ض.
6 انظر: الفروق 1/ 27 وما بعدها.