المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"‌ ‌بَابٌ" "السُّنَّةُ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٢

[ابن النجار الفتوحي]

الفصل: "‌ ‌بَابٌ" "السُّنَّةُ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ

"‌

‌بَابٌ"

"السُّنَّةُ

لُغَةً: الطَّرِيقَةُ" وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا- إلَى آخِرِهِ1". وَتُسَمَّى2 بِهَا أَيْضًا: الْعَادَةُ وَالسِّيرَةُ. قَالَ فِي الْبَدْرِ3 الْمُنِيرِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. حَمِيدَةً كَانَتْ أَوْ ذَمِيمَةً4. وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: السُّنَّةُ السِّيرَةُ. وَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى حُكْمُهُ وَأَمْرُهُ وَنَهْيُهُ5. اهـ. .

"وَ" السُّنَّةُ شَرْعًا: وَ"6اصْطِلاحًا": أَيْ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ. تُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْقُرْآنَ. وَمِنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ

1 هذا الحديث رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي جُحَيفة مرفوعاً. وتتمة الحديث: "من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينتقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينتقص من أوزارهم شيء".

"انظرصحيح مسلم 2/ 705، 4/ 2059، سنن النسائي 5/ 57، تحفة الأحوذي 7/ 438، مسند أحمد 4/ 362، 2/ 505، سنن الدارمي 1/ 130، سنن ابن: ماجه 1/ 74".

2 في ش ز: ويسمى.

3 كذا في جميع النسخ. والصواب: المصباح.

4 المصباح المنير 1/ 445.

5 القاموس المحيط 4/ 239.

6 ساقطة من ز ض ب ع.

ص: 159

أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ" 1.

وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ وَغَيْرَهُ مِنْ الأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ2. وَرُبَّمَا لا يُرَادُ بِهَا إلَاّ مَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ. كَفُرُوضِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَسُنَنِهَا. فَإِنَّهُ لا يُقَابَلُ بِهَا الْحَرَامُ، وَلا الْمَكْرُوهُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمُقَابَلَةُ لازِمَةً لِلإِطْلاقِ، لَكِنَّهَا لَمْ تُقْصَدْ3. وَتُطْلَقُ تَارَةً عَلَى مَا يُقَابِلُ الْبِدْعَةَ. فَيُقَالُ: أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَهْلُ الْبِدْعَةِ4. وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ5: "اصْطِلاحًا" مِنْ السُّنَّةِ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ الْعَامِّ. فَإِنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْقُولِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ6؛ لأَنَّهَا فِي اصْطِلاحِ عُلَمَاءِ الأُصُولِ.

"قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ الْوَحْيِ" أَيْ غَيْرُ الْقُرْآنِ "وَلَوْ" كَانَ أَمْرًا مِنْهُ "بِكِتَابَةٍ" كَأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا رضي الله عنه بِالْكِتَابَةِ يَوْمَ

1 رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أنس وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري مرفوعاً.

"انظر: صحيح مسلم 1/ 465، مسند أحمد 4/ 121، سنن أبي داود 1/ 137، تحفة الأحوذي 2/ 32، سنن النسائي 2/ 59، سنن ابن ماجه 1/ 313، فيض القدير 6/ 456".

2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، نهاية السول 2/ 238.

3 انظر في إطلاقات السنة الحدود للباجي ص 56، الإحكام 1/ 169، أصول السرخسي 1/ 113، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، أصول مذهب أحمد ص 199.

4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، الموافقات 4/ 4، إرشاد الفحول ص 33.

5 في ش ز ض ب ع: بقولهم.

6 انظر تعريف السنة في العرف الشرعي العام في "إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89".

ص: 160

الْحُدَيْبِيَةِ1. وَقَوْلِهِ: "صلى الله عليه وسلم: "اُكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ" 2 يَعْنِي الْخُطْبَةَ الَّتِي خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم3، وَأَمْرِهِ بِالْكِتَابَةِ إلَى الْمُلُوكِ4 وَنَحْوِ ذَلِكَ5.

"وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم".

وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ فِعْلاً فَهُوَ عَمَلٌ بِجَارِحَةِ اللِّسَانِ. وَالْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا يُقَابِلُ الْفِعْلَ6 كَمَا هُنَا7، حَتَّى "وَلَوْ" كَانَ الْفِعْلُ

1 الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد عن أنس مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 2/ 112، صحيح مسلم 3/ 1411، سنن أبي داود 2/ 78، مسند أحمد 1/ 86، 342، 4/ 87، 325، تخريج أحاديث البزدوي ص 225، زاد المعاد 2/ 306، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 366.

2 هو الصحابي أبو شاه اليماني. يقال: إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن كما قال السِّلَفي. وقد جاء ذكره في الصحيحين في حديث أبي هريرة في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فقال أبو شاه: اكتبها لي يا رسول الله، يعني الخطبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاه"َ.

"انظر: الإصابة 4/ 100، الاستيعاب 4/ 106".

3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 4/ 188، صحيح مسلم 2/ 988، مختصر صحيح مسلم 1/ 201، تحفة الأحوذي 7/ 429، سنن أبي داود 2/ 287، 481، سنن النسائي 4/ 38، سنن ابن ماجه 2/ 876، مسند أحمد 2/ 238".

4 روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل، كما كتب إلى كسرى والنجاشي والمقوقس والمنذر بن ساوى وملك عُمان وصاحب اليمامة وملك غسان وغيرهم، يدعوهم إلى الإسلام.

"انظر: صحيح البخاري 3/ 90، صحيح مسلم 3/ 1393، سنن أبي داود 2/ 628، تحفة الأحوذي 7/ 499، تخريج أحاديث البزدوي ص 183، خلق أفعال العباد ص 63، 64، زاد المعاد 3/ 126 وما بعدها".

5 انظر: إرشاد الفحول ص 42.

6 في ض: العقل.

7 في ض: ههنا.

ص: 161

"بِإِشَارَةٍ" عَلَى الصَّحِيحِ؛ لأَنَّهُ كَالأَمْرِ بِهِ1، كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ2: لَمَّا تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ3 دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، حَتَّى سَمِعَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ. فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ حُجْرَتَهُ فَنَادَى فَقَالَ4:"يَا كَعْبُ". قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ - فَأَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ - أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْ فَاقْضِهِ".

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5.

1 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 42.

2 هو الصحابي كعب بن مالك بن عمرو الأنصاري الخَزْرجي السَّلَمي، أبو عبد الله. شهد العقبة وأحداًَ وسائر المشاهد إلا بدراً وتبوك. وهو أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك وتاب الله عليهم، وأنزل الله تعالى فيهم: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا

} ، ومعه مرارة بن ربيعة وهلال بن أمية. روى كعب ثمانين حديثاً، وجرح يوم أحد أحد عشر جرحاً، وهو أحد شعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مطبوعاً على الشعر، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال:"المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه". وقد عمي في آخر عمره، توفي بالمدينة سنة 53هـ، وقيل غير ذلك.

"انظر: الإصابة 3/ 302، الاستيعاب 3/ 286، تهذيب الأسماء 2/ 69، نكت الهميان ص 231، مسند أحمد 3/ 456، الخلاصة ص 321".

3 هو الصحابي عبد الله بن سلامة بن عمير الأسلمي، أبو محمد، أول مشاهده الحديبية ثم خيبر. وهو الذي تزوج امرأة على أربع أواق ذهباً، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لو كنتم تنحتون من الجبال ما زدتم". وكان ممن بايع تحت الشجرة، وله روايات في غير الكتب الستة، توفي سنة 71هـ.

"انظر: الإصابة 2/ 321، 295، الاستيعاب 2/ 288، شذرات الذهب 1/ 77".

4 ساقطة من ش ز.

5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن كعب بن مالك مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 2/ 114، صحيح مسلم 3/ 1192، سنن أبي داود 2/ 273، سنن النسائي 8/ 210، مسند أحمد 6/ 386، سنن ابن ماجه 2/ 811".

ص: 162

وَاسْمُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ: عَبْدُ اللَّهِ، وَاسْمُ أَبِيهِ سَلامَةُ بْنُ عُمَيْرٍ1.

وَمِنْهُ إشَارَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الصَّلاةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ2. وَطَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "بِالْبَيْتِ" 3 عَلَى بَعِيرٍ، كُلَّمَا أَتَى عَلَى رُكْنٍ أَشَارَ إلَيْهِ4.

وَمِنْ الْفِعْلِ أَيْضًا: عَمَلُ الْقَلْبِ وَالتَّرْكُ. فَإِنَّهُ كَفُّ النَّفْسِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لا تَكْلِيفَ إلَاّ بِفِعْلٍ5. فَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَرَادَ فِعْلَ شَيْءٍ كَانَ مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ، كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ أَنْ يُنَحِّيَ مُخَاطَ أُسَامَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: دَعْنِي يَا رَسُولَ

1 هو أبو حدرد سلامة بن عمير بن أبي سلامة الأسلمي. قال أحمد: اسمه عبد الله، وقيل عبيد، وقيل عبيدة، له صحبة، ويعد في أهل الحجاز. روى عنه ابناه عبد الرحمن وحدرد ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي. وأبو يحيى الأسلمي، ولم تؤرخ وفاته.

"انظر: الإصابة 4/ 42، الاستيعاب 4/ 40، تهذيب الأسماء 2/ 212، الخلاصة ص 447".

2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأحمد عن عائشة وأنس بروايات كثيرة مرفوعة.

"انظر: صحيح البخاري 1/ 214، 125، 2/ 111، صحيح مسلم 1/ 312، 315 وما بعدها، سنن أبي داود 1/ 216، سنن النسائي 2/ 61، تخريج أحاديث البزدوي ص 245، مسند أحمد 5/ 332".

3 زيادة من البخاري. وساقطة من جميع النسخ.

4 رواه البخاري باللفظ السابق. ورواه الترمذي والنسائي وأحمد والدارمي قريبًا منه. ورواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأحمد بلفظ: يستلم الركن بمحجن عن ابن عباس مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 1/ 280، 283، صحيح مسلم 2/ 926، سنن أبي داود 1/ 434، تحفة الأحوذي 3/ 602، سنن النسائي 5/ 186، سنن ابن ماجه 2/ 982، مسند أحمد 1/ 214، 264، سنن الدارمي 2/ 43".

5 المجلد الأول ص 490.

ص: 163

اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ1 أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ. قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّيهِ فَإِنِّي أُحِبُّهُ"

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ2.

وَحَدِيثِ أَنَسٍ3: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكْتُبَ إلَى رَهْطٍ - أَوْ4 أُنَاسٍ - مِنْ الْعَجَمِ. فَقِيلَ: إنَّهُمْ لا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إلَاّ بِخَاتَمٍ. فَاِتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ".

رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ5.

وَمِثْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ: "أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، أَوْ بِبَرَكَةَ، أَوْ أَفْلَحَ، أَوْ يَسَارٍ أَوْ6 نَافِعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ

1 ساقطة من ز ض ب ع ومن الترمذي.

2 تحفة الأحوذي 10/ 323، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

3 هو الصحابي أنس بن مالك بن النضر، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد المكثرين من الرواية عنه. خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالمال والولد والجنة. وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم شهد الفتوح، وقطن البصرة، ومات بها. وهو آخر الصحابة موتاً بالبصرة. وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات، وبارك الله له في المال والولد والعمر. مات سنة 93هـ، وقيل غير ذلك.

"انظر: الإصابة 1/ 71، الاستيعاب 1/ 71، تهذيب الأسماء 1/ 127، الخلاصة ص 40، شذرات الذهب 1/ 100".

4 في ع: و.

5 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أنس بن مالك مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 4/ 36، شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 69، سنن أبي داود 2/ 405، سنن الترمذي 7/ 503، سنن النسائي 8/ 151، سنن البيهقي 10/ 128، صحيح مسلم 3/ 1657، الموطأ 2/ 936".

6 في ش ز: و. وهي رواية ثانية في الحديث.

ص: 164

عَنْهُ، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.

وَإِذَا نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَرَكَ كَذَا. كَانَ أَيْضًا مِنْ السُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ2. كَمَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قُدِّمَ إلَيْهِ الضَّبُّ فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَتَرَكَ أَكْلَهُ: أَمْسَكَ3 الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَتَرَكُوهُ، حَتَّى بَيَّنَ4 لَهُمْ أَنَّهُ حَلالٌ، وَلَكِنَّهُ يَعَافُهُ5. وَلَكِنَّ هَذَا النَّوْعَ مُقَيَّدٌ بِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِأَنَّهُ تَرَكَ، أَوْ قِيَامِ الْقَرَائِنِ عِنْدَ الرَّاوِي الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ. وَالْمُرَادُ مِنْ أَقْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَفْعَالِهِ: مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الإِعْجَازِ.

1 رواه مسلم عن جابر مرفوعاً. ورواه أبو داود عن سمرة بن جندب وجابر. ورواه الترمذي بألفاظ أخرى.

"انظر: صحيح مسلم 3/ 1686، سنن أبي داود 2/ 586، تحفة الأحوذي 8/ 124".

2 انظر: إرشاد الفحول ص 42.

3 في ض: وأمسك.

4 في ش: سن. وفي ز: يبين. وفي ض: تبين.

5 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه أخبره أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة، وهي خالته وخالة ابن عباس، فوجد عندها ضبًّا منبوذاً، فقدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال خالد بن الوليد: أحرام الضبّ يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه". قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم يَنْهَني. وهناك أحاديث أخرى بألفاظ كثيرة في ذلك.

"انظر: صحيح البخاري 3/ 293، 4/ 269، صحيح مسلم 3/ 1542 وما بعدها، سنن أبي داود 2/ 317، سنن الترمذي 5/ 492، سنن النسائي 7/ 174، سنن ابن ماجه 2/ 1080، مسند أحمد 4/ 88، نيل الأوطار 8/ 133".

ص: 165

"وَإِقْرَارُهُ" يَعْنِي أَنَّ السُّنَّةَ شَرْعًا وَ1اصْطِلاحًا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الشَّيْءِ 2يُقَالُ أَوْ7 يُفْعَلُ، فَإِذَا سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنْسَانًا يَقُولُ شَيْئًا، أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ شَيْئًا. فَأَقَرَّهُ3 عَلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ السُّنَّةِ قَطْعًا4. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ5 ذَلِكَ6. "وَزِيدَ الْهَمُّ" أَيْ وَزَادَ7 الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَقْسَامِ السُّنَّةِ: مَا هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لا يَهُمُّ إلَاّ بِحَقٍّ مَحْبُوبٍ مَطْلُوبٍ شَرْعًا؛ لأَنَّهُ مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ8. وَمِنْهُ: هَمُّهُ صلى الله عليه وسلم بِمُعَاقَبَةِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ9.

1 ساقطة من ز ض ب ع.

2 ساقطة من د.

3 في ب ع: وأقره.

4 انظر في تعريف السنة المحلي على جمع الجوامع 2/ 94، مناهج العقول 2/ 236، نهاية السول 2/ 238، الإحكام للآمدي 1/ 169، فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 19، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، التلويح على التوضيح 2/ 2 ط الميمنية، التعريفات للجرجاني ص 128 ط لبنان، أصول السرخسي 1/ 113، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 33، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، مختصر الطوفي ص 49، أصول مذهب أحمد ص 200.

5 في ض ب ع: تفاصيل.

6 صفحة 194 من هذا المجلد عند بحث السكوت.

7 في ع: وزادت.

8 انظر: البناني على جمع الجوامع 2/ 94، إرشاد الفحول ص 41، أصول مذهب أحمد ص 201.

9 روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً، فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم جزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وفي رواية لمسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أناساً في بعض الصلوات، فقال:"لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً لشهدها"، يعني صلاة العشاء.

"انظر: صحيح البخاري 1/ 119، صحيح مسلم 1/ 451، سنن أبي داود 1/ 129، تحفة الأحوذي 1/ 631، سنن النسائي 2/ 83، سنن ابن ماجه 1/ 259، مسند أحمد 2/ 376، الترغيب والترهيب 1/ 153 وما بعدها".

ص: 166

"وَهِيَ" أَيْ وَ1أَقْسَامُ السُّنَّةِ كُلُّهَا "حُجَّةٌ" أَيْ تَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَا عَلَى ثُبُوتِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ2 "لِلْعِصْمَةِ" أَيْ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ الَّتِي هِيَ أَيْ الْعِصْمَةُ "سَلْبُ الْقُدْرَةِ" أَيْ سَلْبُ قُدْرَةِ الْمَعْصُومِ "عَلَى الْمَعْصِيَةِ" فَلا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا؛ لأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى سَلَبَ قُدْرَتَهُ عَلَيْهَا3. وَقِيلَ: إنَّ الْعِصْمَةَ4 صَرْفُ دَوَاعِي الْمَعْصِيَةِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ بِمَا يُلْهِمُ اللَّهُ الْمَعْصُومَ مِنْ تَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ5.

وَقَالَ التِّلِمْسَانِيُّ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ الْعِصْمَةَ تَهَيُّؤُ الْعَبْدِ لِلْمُوَافَقَةِ مُطْلَقًا. وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى خَلْقِ الْقُدْرَةِ عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ. فَإِذًا الْعِصْمَةُ تَوْفِيقٌ عَامٌّ6.

1 ساقطة من ش.

2 انظر حجية السنة في "الرسالة للشافعي ص 73 وما بعدها، المستصفى 1/ 129، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الإحكام لابن حزم 1/ 87، أصول السرخسي 2/ 90 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 22، إرشاد الفحول ص 33، مختصر الطوفي ص 49، الروضة ص 46، المدخل إلى مذهب أحمد ص 89، أصول مذهب أحمد ص 204".

3 بحث العصمة من بحوث علم الكلام أو العقيدة. وإنما يذكرها علماء الأصول في حجية السنة لتوقف الأدلة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب شهادة: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".

"انظر فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223".

4 في ض: المعصية. وهو تحريف.

5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 97، تيسير التحرير 3/ 20.

6 انظر: حاشية البناني على جمع الجوامع 2/ 95، التعريفات ص 156، إرشاد الفحول ص 34.

ص: 167

وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ: الْعِصْمَةُ خَلْقُ أَلْطَافٍ تُقَرِّبُ إلَى الطَّاعَةِ. وَلَمْ يَرُدُّوهَا إلَى الْقُدْرَةِ 1لأَنَّ الْقُدْرَةَ5 عِنْدَهُمْ عَلَى الشَّيْءِ صَالِحَةٌ لِضِدِّهِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَاّنِيُّ: لا تُطْلَقُ الْعِصْمَةُ فِي غَيْرِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ إلَاّ بِقَرِينَةِ إرَادَةِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ السَّلامَةُ مِنْ الشَّيْءِ. وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي "الرِّسَالَةِ""وَأَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ" 2 وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3.

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ السَّلامَةَ أَعَمُّ مِنْ وُجُوبِ السَّلامَةِ. فَقَدْ تُوجَدُ السَّلامَةُ فِي غَيْرِ النَّبِيِّ4 وَالْمَلَكِ اتِّفَاقًا لا وُجُوبًا. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ5 فِي كِتَابِهِ "الإِيضَاحُ فِي الْجَدَلِ": الْعِصْمَةُ حِفْظُ الْمَحَلِّ بِالتَّأْثِيمِ وَالتَّضْمِينِ.

1 ساقطة من ش ز.

2 الرسالة ص 102.

3 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، 334.

4 في ض ب: النبي صلى الله عليه وسلم.

5 هو يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري القرشي البغدادي، أبو محمد وأبو المحاسن ابن الجوزي، محيي الدين، العلامة الفاضل، الفقيه الأصولي، الواعظ الشهيد. كان كثير المحفوظ، قوي المشاركة في العلوم، وافر الحشمة. اشتغل بالفقه والخلاف والأصول، وبرع في ذلك، وكان أشهر فيها من والده. تولى الأعمال الجليلة، وأرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف، وأنشأ مدرسة بدمشق، وهي المعروفة بالجوزية، ووقف عليها أوقافاً كثيرة، وكذلك فعل في بغداد، وله مصنفات كثيرة، منها:"معادن الإبريز في تفسير الكتاب العزيز"، و"المذهب الأحمد في مذهب أحمد"، و"الإيضاح في الجدل". قتل صبراً بسيف الكفار التتار شهيداً مع أبنائه الثلاثة سنة 656هـ.

انظر ترجمته في "ذيل طبقات الحنابلة 2/ 258، طبقات المفسرين للداودي 2/ 380، شذرات الذهب 5/ 286، هدية العارفين 6/ 555".

ص: 168

"وَلا يَمْتَنِعُ1 عَقْلاً" أَيْ فِي تَصَوُّرِ الْعَقْلِ "مَعْصِيَةٌ" أَيْ صُدُورُ مَعْصِيَةٍ مِنْ النَّبِيِّينَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَامْتِنَاعُهَا عَقْلاً "قَبْلَ الْبَعْثَةِ" مَبْنِيٌّ عَلَى التَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ. فَمَنْ أَثْبَتَهُ - كَالرَّوَافِضِ - مَنَعَهَا لِلتَّنْفِيرِ فَتُنَافِي2 الْحِكْمَةَ. وَقَالَتْهُ3 الْمُعْتَزِلَةُ: فِي الْكَبَائِرِ. وَمَنْ نَفَى التَّقْبِيحَ الْعَقْلِيَّ لَمْ يَمْنَعْهَا4.

"وَ" كُلُّ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ فَهُوَ "مَعْصُومٌ بَعْدَهَا" أَيْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ "مِنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ" فِيهِ "مِنْ رِسَالَةٍ5 وَتَبْلِيغٍ" إجْمَاعًا. حَكَاهُ الآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ6.

فَالإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى عِصْمَتِهِمْ مِنْ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ فِي الأَحْكَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا؛ لأَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيهَا. فَلَوْ جَازَ كَذِبُهُمْ فِيهَا لَبَطَلَتْ دَلالَةُ7 الْمُعْجِزَةِ8.

1 في ض: تمتنع.

2 في ز: فتتنافى.

3 في ش ب ز: وقالت.

4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 169، 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 97، 98، 100، تيسير التحرير 3/ 20، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المنخول ص 223 وما بعدها، الشفاء 2/ 157، إرشاد الفحول ص 35، شرح الأصول الخمسة ص 375.

5 في ض ع: رسالته.

6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 98، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 122، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 358.

7 في ع: دلالته.

8 انظر: الإحكام 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.

ص: 169

"وَلا يَقَعُ" مَا يُخِلُّ بِصِدْقِهِ لا "غَلَطًا وَ" لا "سَهْوًا" عِنْدَ الأَكْثَرِ1.

قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ: "وَأَمَّا الْكَذِبُ غَلَطًا. فَجَوَّزَهُ الْقَاضِي - يَعْنِي الْبَاقِلَاّنِيَّ - وَمَنَعَهُ الْبَاقُونَ، لِمَا مَرَّ مِنْ دَلالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى الصِّدْقِ2".

وَ3قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ": وَلِلْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِهِ غَلَطًا وَنِسْيَانًا قَوْلانِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْجِزَةَ هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيهَا؟ وَاخْتَلَفَ فِيهِ كَلامُ ابْنِ عَقِيلٍ اهـ.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّ دَلالَةَ الْمُعْجِزَةِ: هَلْ دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِمْ مُطْلَقًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، أَوْ مَا دَلَّتْ إلَاّ عَلَى مَا صَدَرَ عَنْهُمْ عَمْدًا4؟

وَتَأَوَّلَ مَنْ مَنَعَ الْوُقُوعَ الأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي سَهْوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشْرِيعَ5. كَمَا فِي حَدِيثِ "وَلَكِنْ أُنَسَّى" 6 بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.

1 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، تيسير التحرير 3/ 21، المستصفى 2/ 214، الشفاء 2/ 130، المنخول ص 225، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، غاية الوصول ص 91، إرشاد الفحول ص 34.

2 شرح العضد على ابن الحاجب 2/ 22، وانظر: حاشية التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21.

3 ساقطة من ض ب ع.

4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، تيسير التحرير 3/ 21، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الشفا 2/ 160، الإرشاد للجويني ص 356.

5 انظر أقوال العلماء في جواز السهو وعدمه من النبي صلى الله عليه وسلم والقصد منه أو تأوله في "نيل الأوطار 3/ 124-125، غاية الوصول ص 91، الشفاء 2/ 128، 158، المسودة ص 190".

6 رواه الإمام مالك بلفظ: "إني لأنسى أو أُنْسى لأَسُنَّ". قال الحافظ ابن حجر: "إن هذا الحديث لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد".

"فتح الباري 3/ 65". وقال ابن عبد البر: "لا أعلم هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسنداً ولا مقطوعاً من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التي في الموطأ التي لا توجد في غيره مسندة ولا مرسلة، ومعناه صحيح في الأصول". "انظر: الموطأ 1/ 100، نيل الأوطار 3/ 125".

ص: 170

وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ1 هَذَا بِأَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لِيَقَعَ النِّسْيَانُ فِيهِ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ، لِتَصْرِيحِهِ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْيَانِ فِي قَوْلِهِ:"إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ. فَإِذَا نَسِيت فَذَكِّرُونِي"2. وَلأَنَّ الأَفْعَالَ الْعَمْدِيَّةَ تُبْطِلُ الصَّلاةَ. وَالْبَيَانُ كَافٍ بِالْقَوْلِ. فَلا ضَرُورَةَ إلَى الْفِعْلِ3. وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ4 وَغَيْرُهُ الْخِلافَ فِي الأَفْعَالِ، وَأَنَّهُ لا يَجُوزُ فِي الأَقْوَالِ الْبَلاغِيَّةِ إجْمَاعًا5. وَمَعْنَاهُ لابْنِ عَقِيلٍ، فِي الإِرْشَادِ. فَإِنَّهُ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ لَمْ يُعْصَمُوا مِنْ الأَفْعَالِ فِي نَفْسِ الأَدَاءِ. فَلا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْكَذِبُ فِي

1 في ز ض ب ع: يعبر في.

2 هذا جزء من حديث طويل رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن ابن مسعود مرفوعاً.

"انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 400، سنن أبي داود 1/ 133، سنن النسائي 3/ 24، سنن ابن ماجه 1/ 380، 382، مسند أحمد 1/ 455، نيل الأوطار 3/ 133".

3 انظر: المسودة ص 190، إرشاد الفحول ص 35.

4 هو عياض بن موسى بن عياض بن عمرو، أبو الفضل اليحصبي السبتي، القاضي، عالم المغرب، الحافظ. وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء والفطنة والفهم. تفقه وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان، وبعُد صيته، وكان إمام أهل الحديث في وقته، وأعلم الناس بعلوم الحديث والنحو والأصول واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم. ولي قضاء سبتة ثم غرناطة. ومن مؤلفاته:"الشفاء"، "وطبقات المالكية"، "وشرح صحيح مسلم"، "والتاريخ"، و"المشارق"، و"الإعلام بحدود قواعد الإسلام"، و"الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع". توفي سنة 544هـ بمراكش.

انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 46، طبقات المفسرين 2/ 18، إنباه الرواة 2/ 363، شجرة النور الزكية ص 140، تذكرة الحفاظ 4/ 1304، تهذيب الأسماء 2/ 43، وفيات الأعيان 3/ 152، طبقات الحفاظ ص 468، بغية الملتمس ص 425".

وفي ب: وعياض.

5 الشفاء للقاضي عياض 2/ 160. وانظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، نهاية الإقدام ص 445، إرشاد الفحول ص 35، المسودة ص 190.

ص: 171

الأَقْوَالِ فِيمَا يُؤَدُّونَهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلا فِيمَا شَرَعَهُ مِنْ الأَحْكَامِ عَمْدًا وَلا سَهْوًا وَلا نِسْيَانًا1.

وَمَنْ قَالَ بِالْوُقُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لا يُقَرُّ عَلَيْهِ إجْمَاعًا2. "وَ" أَمَّا "مَا لا يُخِلُّ" بِصِدْقِهِ فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْمُعْجِزَةُ "فَ" هُوَ مَعْصُومٌ فِيهِ "مِنْ" وُقُوعِ "كَبِيرَةٍ" إجْمَاعًا، وَلا عِبْرَةَ بِخِلافِ الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ3.

"وَ" كَذَا هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ فِعْلِ "مَا يُوجِبُ خِسَّةً أَوْ إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا 4".

قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": وَقَدْ قَطَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِأَنَّ مَا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ.

قُلْت: بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ. اهـ.

1 انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي ص 329، المستصفى 2/ 214.

2 انظر: المسودة ص 190، الفصل في الملل والنحل 3/ 3، التوضيح على التنقيح 2/ 14 طبع الميمنية، إرشاد الفحول ص 35.

3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 98، المستصفى 2/ 213، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، تيسير التحرير 3/ 21، المنخول ص 223، إرشاد الفحول ص 33، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168.

4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 170، نهاية السول 2/ 239، فواتح الرحموت 2/ 99، أصول السرخسي 2/ 86، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، الشفاء 2/ 154، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، أصول الدين للبغدادي ص 168، الإرشاد للجويني ص 356، المستصفى 2/ 213، إرشاد الفحول ص 34، غاية الوصول ص 91.

ص: 172

1وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ سَهْوًا فَفِيهِ قَوْلانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي مِنْ أَصْحَابِنَا وَالأَكْثَرِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ2. وَاخْتَلَفَ كَلامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي ذَلِكَ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَفِي وَجْهٍ سَهْوًا3" أَنَّهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ سَهْوًا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى3.

وَأَمَّا جَوَازُ وُقُوعِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لا تُوجِبُ خِسَّةً وَلا إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. فَفِيهِ قَوْلانِ:

أَحَدُهُمَا: جَوَازُ وُقُوعِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ وَالأَشْعَرِيَّةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ4.

1 ساقطة من ش ز. وفي ب زيادة من أصحابنا.

وابن أبي موسى هو محمد بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى الهاشمي، أبو علي الحنبلي البغدادي، صاحب التصانيف، انتهت إليه رئاسة المذهب، وكان رئيساً رفيع القدر، بعيد الصيت، له المكانة العليا عند الخليفتين القادر بالله والقائم بأمر الله. صنف "الإرشاد"، و"شرح كتاب الخرقي". توفي سنة 428 هـ، وله ابن أخ أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن أبي موسى، وكان علامة، وعند الإطلاق فالمراد الأول.

انظر ترجمته في "المدخل إلى مذهب أحمد ص 209، طبقات الحنابلة 2/ 182، المنهج الأحمد 2/ 126، شذرات الذهب 2/ 238".

2 وهو رأي الرازي وابن حزم والحنفية وأكثر العلماء.

"انظر: تيسير التحرير 3/ 21، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، الإحكام للآمدي 1/ 171، فواتح الرحموت 2/ 99، المسودة ص 188، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3، أصول الدين للبغدادي ص 168، المستصفى 2/ 214، إرشاد الفحول ص 34".

3 في ب ع: وسهواًَ.

4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 3/ 199، فواتح الرحموت 2/ 99، تيسير التحرير 3/ 21، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، المستصفى 2/ 213، الإرشاد للجويني ص 356، المسودة ص 188، إرشاد الفحول ص 34، المنخول ص 223.

ص: 173

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ "وَمِنْ صَغِيرَةٍ مُطْلَقًا" عَدَمُ الْجَوَازِ1، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي مُوسَى مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ: يَجُوزُ الْهَمُّ لا الْفِعْلُ.

وَمَنَعَ الأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الإسْفَرايِينِيّ وَجَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الذَّنْبِ2 مُطْلَقًا، كَبِيرًا أَوْ3 صَغِيرًا، عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَخَلَّ بِصِدْقِهِ أَوْ لا4، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْمَعَالِي فِي "الإِرْشَادِ5" وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَأَبِي بَكْرٍ "وَ" 6

1 وهو قول الحنفية. قال ابن عبد الشكور: "وهو الحق، فإن صغيرتهم كبيرة".

"انظر: فواتح الرحموت 2/ 99، كشف الأسرار 1/ 199، التفتازاني على ابن الحاجب 2/ 22، البناني على جمع الجوامع 2/ 95، الأربعين في أصول الدين للرازي ص 330، نهاية الإقدام ص 445، تيسير التحرير 3/ 21، إرشاد الفحول ص 34".

2 في ز: الكذب.

3 في ض ب: و.

4 انظر: نهاية السول 2/ 239، كشف الأسرار 1/ 199، 200، المحلي على جمع الجوامع 2/ 95، إرشاد الفحول ص 34.

5 يظهر أن رأي الإمام الجويني يخالف المنقول عنه هنا، لأنه قال في "الإرشاد ص 356": "وأما الذنوب المعدودة من الصغائر، على تفصيل سيأتي الشرح عليه، فلا تنفيها العقول، ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيها، ولا على إثباتها

قلنا: الأغلب على الظن عندنا جوازها، وقد شهدت أقاصيص الأنبياء في آي من كتاب الله تعالى على ذلك". وهذا يبين أن الإمام أبا المعالي الجويني يرى أن العقل لا ينفيها، وأن غلبة الظن في السمع بالجواز، والله أعلم.

"انظر: الإرشاد ص 356 وما بعدها".

6 الواو إضافة ضرورية، لأن أبا بكر بن مجاهد أحمد بن موسى بن العباس، المتوفى سنة 324هـ من القراء، ولأن المصنف نقل ذلك عن ابن حزم، وابن حزم يصرح بأن القول "لابن مجاهد شيخ ابن فُوْرك". وهو أبو عبد الله الطائي، المتكلم الأصولي، ولم يذكر في ترجمة أبي بكر بن مجاهد أقوال في الكلام والأصول. "انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 57، طبقات القراء 1/ 139، شذرات الذهب 2/ 302، معرفة القراء الكبار 1/ 216".

ص: 174

ابْنِ مُجَاهِدٍ1 وَابْنِ فُورَكٍ. نَقَلَهُ عَنْهُ2 ابْنُ حَزْمٍ فِي "الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ3"، وَابْنِ حَزْمٍ4 وَابْنِ بُرْهَانٍ فِي "الأَوْسَطِ". وَنَقَلَهُ فِي "الْوَجِيزِ" عَنْ اتِّفَاقِ الْمُحَقِّقِينَ. وَحَكَاهُ فِي "زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ" عَنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ5: هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَتْحِ

1 هو محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي المالكي، أبو عبد الله. وهو بصري الأصل، وسكن بغداد ودرس فيها وأخذ عن القاضي التستري، وصحب أبا الحسن الأشعري. وكان فقيهاً حافظاً متكلماً أصوليًّا، زاهداً وورعاً. وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني علم الكلام والحديث. له مؤلفات في "الأصول" على مذهب مالك، "ورسالة" في العقائد، و"هداية المستبصر ومعونة المستنصر". توفي سنة 370 هـ. وقيل غير ذلك.

انظر ترجمته في "الديباج المذهب 2/ 210، شجرة النور الزكية ص 92، تاريخ بغداد 1/ 343، تبيين كذب المفتري ص 177، الفتح المبين 1/ 213".

2 في ش: عن.

3 النقل عن ابن حزم غير دقيق، لأنه نقل قول ابن فورك بجواز الصغائر حالة العمد فقط، فقال:"لا يجوز عليهم كبيرة من الكبائر أصلاً، وجوزوا الصغائر بالعمد، وهو قول ابن فُورَك الأشعري". ثم قال ابن حزم: "لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد لا صغيرة ولا كبيرة، وهو قول ابن مجاهد الأشعري شيخ ابن فُورَك". ثم قال ابن حزم: "وهذا القول الذي ندين الله تعالى به". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2".

4 يرى ابن حزم رحمه الله أنه لا يجوز أن يقع من نبي أصلاً معصية بعمد، لا صغيرة ولا كبيرة، ويقول:"إنه يقع من الأنبياء السَّهْو من غير قصد". "الفصل في الملل والنحل 4/ 2-3".

5 هو الحسين بن محمد بن أحمد المروذي، أبو علي الفقيه الشافعي، المعروف بالقاضي، كان إماماً كبيراً وصاحب وجه في مذهب الشافعي، وإذا أطلق القاضي في الفقه الشافعي فهو المقصود. صنف في الأصول والفروع والخلاف. ويقال له: حبر الأمة وحبر المذهب. له "التعليق الكبير". وهو كثير الفروع والفوائد. توفي سنة 462 هـ بمروروذ.

انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 4/ 356، تهذيب الأسماء 1/ 164، وفيات الأعيان 1/ 400، شذرات الذهب 3/ 310، طبقات العبادي ص 112".

ص: 175

الشِّهْرِسْتَانِيّ1، وَابْنِ عَطِيَّةَ الْمُفَسِّرِ2، وَشَيْخِ الإِسْلامِ الْبُلْقِينِيِّ3، وَالسُّبْكِيِّ وَوَلَدِهِ التَّاجِ4.

1 هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد، أبو الفتح الشهرستاني. كان إماماً مبرزاً فقيهاً متكلماً أصوليًّا، برع في الفقه، وتفرد في علم الكلام، وكان كثير المحفوظ، حسن المحاورة، يعظ الناس، شافعي المذهب. ومن مصنفاته:"نهاية الإقدام في علم الكلام"، والملل والنحل"، و"المناهج والبيان"، و"المضارعة"، و"تلخيص الأقسام لمذاهب الأعلام". توفي سنة 548هـ، وقيل 549هـ.

انظر في ترجمته "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 6/ 128، وفيات الأعيان 3/ 403، شذرات الذهب 4/ 149".

2 هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية، أبو محمد الغرناطي القاضي، الإمام الكبير. كان فقيهاً عالماً بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو واللغة والأدب. وكان غاية في الدهاء والذكاء وطلب العلم. ألف كتابه "الوجيز في التفسير"، وهو أصدق شاهد على إمامته في العربية وغيرها. وألف "البرنامج" الذي ضمنه مروياته وأسماء شيوخه. تولى القضاء وعدل فيه. توفي سنة 540هـ بمدينة لورقة.

انظر ترجمته في "طبقات المفسرين 1/ 260، الديباج المذهب 2/ 57، شجرة النور الزكية ص 129، بغية الملتمس ص 376، بغية الوعاة 2/ 73".

3 هو عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الكناني العسقلاني الشافعي، سراج الدين، الحافظ المحدث الفقيه الأصولي. كان أعجوبة زمانه حفظاً واستذكاراً، وفاق الأقران، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد. وقيل: إنه مجدد القرن التاسع، وانفرد برئاسة العلماء، ولقب بشيخ الإسلام. تولى الإفتاء والقضاء بدمشق. وله مؤلفات كثيرة، منها:"التدريب" في الفقه، وتصحيح المنهاج في الفقه ستة مجلدات، و"الملمات برد المهمات" في الفقه، و"محاسن الإصلاح" في الحديث، و"شرح البخاري"، و"شرح الترمذي"، ومنهج الأصلين في مسائل أصول الدين وأصول الفقه. توفي سنة 805 هـ بالقاهرة.

انظر ترجمته في "الضوء اللامع 6/ 85، طبقات المفسرين 2/ 3، طبقات الحفاظ ص 538، الفتح المبين 3/ 10، حسن المحاضرة 1/ 329، البدر الطالع 1/ 506، ذيل تذكرة الحفاظ 206، 369، شذرات الذهب 7/ 51".

4 انظر: جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 95، الملل والنحل للشهرستاني 1/ 134، الشفاء للقاضي عياض 2/ 160.

ص: 176

فَالْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ1 الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَوْ2 صَغِيرٍ. عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا فِي الأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا لأَنَّا أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَآثَارِهِمْ وَسِيَرِهِمْ عَلَى الإِطْلاقِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ قَرِينَةٍ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا، تَعَاضَدَتْ الأَخْبَارُ بِتَنْزِيهِهِمْ عَنْ النَّقَائِصِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَنَشْأَتُهُمْ عَلَى كَمَالِ أَوْصَافِهِمْ فِي تَوْحِيدِهِمْ وَإِيمَانِهِمْ عَقْلاً أَوْ شَرْعًا، عَلَى الْخِلافِ فِي ذَلِكَ، وَلا سِيَّمَا فِيمَا بَعْدَ الْبَعْثَةِ فِيمَا يُنَافِي الْمُعْجِزَةَ.

قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" 3، إنَّمَا هُوَ رُجُوعُهُ مِنْ حَالَةٍ4 إلَى أَرْفَعَ مِنْهَا، لِتَزَايُدِ عُلُومِهِ وَاطِّلاعِهِ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. فَهُوَ يَتُوبُ مِنْ الْمَنْزِلَةِ الأُولَى إلَى الأُخْرَى. وَالتَّوْبَةُ هُنَا ُغَوِيَّةٌ5. اهـ.

1 في ض: وسائر.

2 في ز: و. وفي ض: صغير أو كبير.

3 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن أبي هريرة والأغر المزني وأنس. والمراد بالسبعين التكثير لا التحديد. وفي رواية: "مائة مرة". والقصد أن يكون دائم الحضور.

"انظر: صحيح البخاري 4/ 99، صحيح مسلم 4/ 2075، سنن أبي داود 1/ 348، تحفة الأحوذي 9/ 143، سنن ابن ماجه 2/ 1254، مسند أحمد 4/ 211، سنن الدارمي 2/ 302، فيض القدير 6/ 359".

4 في ع: حالته.

5 وهو رأي الشوكاني. انظر: "إرشاد الفحول ص 35".

ص: 177