المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: ارتداد الأمة - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٢

[ابن النجار الفتوحي]

الفصل: ‌فصل: ارتداد الأمة

‌فَصْلٌ: ارْتِدَادُ الأُمَّةِ

جَائِزٌ عَقْلاً قَطْعًا.

لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَالٍ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَالٌ.

قَالَ الآمِدِيُّ: "لا خِلافَ فِي تَصَوُّرِ ارْتِدَادِ الأُمَّةِ الإِسْلامِيَّةِ فِي بَعْضِ الأَعْصَارِ عَقْلاً1".

وَ "لا" يَجُوزُ ذَلِكَ "سَمْعًا" فِي الأَصَحِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَصْحَابِنَا2.

قَالَه3 ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ الطُّوفِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاخْتَارَهُ الآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَصَحَّحَهُ التَّاجُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ. وَذَلِكَ لأَدِلَّةِ الإِجْمَاعِ. وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "أُمَّتِي لا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلالَةٍ" 4 وَانْعِقَادِ الإِجْمَاعِ5.

وَخَالَفَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ؛ وَقَالُوا: الرِّدَّةُ تُخْرِجُهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّتَهُ؛ لأَنَّهُمْ إذَا ارْتَدُّوا لَمْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، فَلَمْ تَتَنَاوَلْهُمُ الأَدِلَّةُ6.

1 الإحكام للآمدي 1/ 280.

2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 258، فواتح الرحموت 2/ 241، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 199، نهاية السول 2/ 387، غاية الوصول ص 109، مختصر الطوفي ص 137.

3 في ش: قال.

4 مر هذا الحديث بلفظ: "لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة". ص 218، وبلفظ آخر:"إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة" ص 220 مع تخريجهما.

5 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر الطوفي ص 137، جمع الجوامع 2/ 199، مختصر ابن الحاجب 2/ 43.

6 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، الإحكام للآمدي 1/ 280 فواتح الرحموت 2/ 241، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199، غاية الوصول ص 109.

ص: 282

وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يَصْدُقُ بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ارْتَدَّتْ. وَهُوَ أَعْظَمُ 1الْخَطَإِ فَتَمْتَنِعُ6 الأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ2.

"وَيَجُوزُ اتِّفَاقُهَا" أَيْ اتِّفَاقُ الأُمَّةِ "عَلَى جَهْلِ مَا3" أَيْ جَهْلِ شَيْءٍ "لَمْ نُكَلَّفْ بِهِ" فِي الأَصَحِّ لِعَدَمِ الْخَطَإِ بِعَدَمِ التَّكْلِيفِ. كَتَفْضِيلِ عَمَّارٍ عَلَى حُذَيْفَةَ أَوْ عَكْسِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لا يَقْدَحُ فِي أَصْلٍ مِنْ الأُصُولِ4.

وَقِيلَ: لا يَجُوزُ اتِّفَاقُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَاّ كَانَ5 الْجَهْلُ سَبِيلاً لَهَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ بَاطِلٌ6.

وَأُجِيبَ: بِمَنْعِ كَوْنِهِ سَبِيلاً لَهَا؛ لأَنَّ سَبِيلَ الشَّخْصِ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ7.

1 ساقطة من ب. وفي ع: الخطأ، متمنع.

2 انظر: تيسير التحرير 3/ 258، نهاية السول 2/ 387، فواتح الرحموت 2/ 241، الإحكام للآمدي 1/ 280، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، المحلي على جمع الجوامع 2/ 199.

3 ساقطة من ز.

4 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، جمع الجوامع والمحلي عليه 2/ 199، شرح تنقيح الفصول ص 344، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.

5 في ع: لكان.

6 انظر: المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، الإحكام للآمدي 1/ 279، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.

7 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، نهاية السول 2/ 388، غاية الوصول ص 109.

ص: 283

وَ1أَمَّا مَا كُلِّفُوا بِهِ فَيَمْتَنِعُ جَهْلُ جَمِيعِهِمْ بِهِ، كَكَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا أَمْ لا وَنَحْوُهُ2.

وَ "لا" يَجُوزُ "انْقِسَامُهَا" أَيْ انْقِسَامُ الأُمَّةِ "فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ مُخْطِئَةٌ فِي مَسْأَلَةٍ مُخَالِفَةٍ لِلْأُخْرَى" عِنْدَ الأَكْثَرِ3.

قَالَ الْقَرَافِيُّ: "اخْتَلَفُوا هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى خَطَإٍ فِي مَسْأَلَتَيْنِ. كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِمَذْهَبِ الْخَوَارِجِ، وَالْبَقِيَّةِ بِمَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَفِي الْفُرُوعِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَعْضُ - أَيْ إحْدَى الْفِرْقَتَيْنِ - بِأَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ. وَالْبَاقِي بِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا يَرِثُ. فَقِيلَ: لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى الْخَطَإِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ؛ لأَنَّ كُلَّ خَطَإٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَطَأَيْنِ لَمْ يُسَاعِدْ عَلَيْهِ الْفَرِيقُ الآخَرُ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ إجْمَاعٌ4".

ثُمَّ قَالَ:

تَنْبِيهٌ:

الأَحْوَالُ ثَلاثَةٌ:

الأُولَى: اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الْخَطَإِ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، كَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَرِثُ فَلا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ.

1 ساقطة من ش ز.

2 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، المحلي على جمع الجوامع 2/ 200، غاية الوصول ص 109، إرشاد الفحول ص 87.

3 خلافاً لابن قدامة وزكريا الأنصاري والمحلي والآمدي وغيرهم.

"انظر: الروضة ص 76، غاية الوصول ص 109، تيسير التحرير 3/ 252، نهاية السول 2/ 387، حاشية البناني وشرح المحلي على جمع الجوامع 2/ 200".

4 شرح تنقيح الفصول ص 344.

ص: 284

الثَّانِيَةُ: أَنْ يُخْطِئَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الأُخْرَى. فَيَجُوزُ. فَإِنَّا نَقْطَعُ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ. وَمَا مِنْ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ إلَاّ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ مَا يُنْكَرُ1 وَإِنْ قَلَّ. فَهَذَا لا بُدَّ لِلْبَشَرِ مِنْهُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يُخْطِئُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ، مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَإِنَّ الْعَبْدَ وَالْقَتْلَ كِلاهُمَا يَرْجِعُ إلَى فَرْعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَانِعُ الْمِيرَاثِ. فَوَقَعَ الْخَطَأُ فِيهِ كُلِّهِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى اتِّحَادِ الأَصْلِ مَنَعَ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى تَعَدُّدِ الْفَرْعِ أَجَازَ2. اهـ.

"وَلا" يَجُوزُ أَيْضًا عَلَى الأُمَّةِ "عَدَمُ عِلْمِهَا بِدَلِيلٍ اقْتَضَى حُكْمًا" فِي مَسْأَلَةٍ تَكْلِيفِيَّةٍ "لا دَلِيلَ لَهُ" أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ "غَيْرُهُ" أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ؛ لأَنَّهُ إنْ عُلِمَ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، بَلْ3 عَنْ تَشَهٍّ4، وَالْعَمَلُ بِالْحُكْمِ عَنْ التَّشَهِّي لا يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ كَانَ تَرْكًا لِلْحُكْمِ الْمُتَوَجِّهِ5 عَلَى الْمُكَلَّفِ6.

قَالَ الأَصْفَهَانِيُّ فِي "شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ": أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعِ دَلِيلٌ أَوْ خَبَرٌ رَاجِحٌ، أَيْ7 بِلا مُعَارِضٍ، وَقَدْ عُمِلَ عَلَى8 وَفْقَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ بِدَلِيلٍ

1 في شرح تنقيح الفصول: يتكرر. وهو تصحيف.

2 شرح تنقيح الفصول ص 344-345.

3 ساقطة من ب ع.

4 في ش: تشهي. وهو خطأ.

5 في ع: أي المتوجه.

6 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، شرح تنقيح الفصول ص 344، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.

7 ساقطة من ع.

8 ساقطة من ش ز.

ص: 285

آخَرَ. فَهَلْ يَجُوزُ عَدَمُ عِلْمِ الأُمَّةِ 1بِهِ أَمْ لا؟ 9

فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ. وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُ بِأَنَّ اشْتِرَاكَ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْخَبَرِ، أَوْ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ، لَمْ يُوجِبْ مَحْذُورًا؛ إذْ لَيْسَ اشْتِرَاكُ جَمِيعِهِمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ إجْمَاعًا، حَتَّى تَجِبَ2 مُتَابَعَتُهُمْ فِيهِ، بَلْ عَدَمُ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ كَعَدَمِ حُكْمِهِمْ فِي وَاقِعَةٍ لَمْ يَحْكُمُوا فِيهَا بِشَيْءٍ فَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْعَى فِي طَلَبِ ذَلِكَ الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ لِيَعْلَمَهُ3.

وَاحْتَجَّ النَّافِي4: بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ عَدَمُ عِلْمِ5 جَمِيعِهِمْ بِذَلِكَ6 الدَّلِيلِ أَوْ الْخَبَرِ 7لَحَرُمَ تَحْصِيلُ5 الْعِلْمِ بِهِ، وَالتَّالِي8 ظَاهِرُ الْفَسَادِ.

بَيَانُ الْمُلازَمَةِ: أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَدَمُ عِلْمِهِمْ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ. فَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ بِهِ لاتَّبَعُوا غَيْرَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ9.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ عَدَمَ عِلْمِهِمْ لا يَكُونُ سَبِيلاً لَهُمْ؛ لأَنَّ السَّبِيلَ: مَا اخْتَارَهُ الإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ10.

1 في ش ز: أولاً. وفي ب ع: أو لا.

2 ساقطة من ش.

3 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب 2/ 43، تيسير التحرير 3/ 257، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.

4 في ش ز: الثاني. وهو تصحيف.

5 في ب ع: علمهم.

6 في ز ش ب: لذلك.

7 في ض: لحصل.

8 في ز ش ب ض ع. والثاني. وهو تصحيف.

9 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43، إرشاد الفحول ص 87، المدخل إلى مذهب أحمد ص 132.

10 انظر: الإحكام للآمدي 1/ 279، مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/ 43.

ص: 286