الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً هُوَ اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِأَمْرِهِ تَعَالَى بِاسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: يُظْهِرُ ثَمَرَةَ اسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا فِي وَقْتِ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمُجَازَاتِهِ.
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أَيْ فَيُخْبِرُكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَازَاةِ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَهُوَ إِخْبَارُ إِيقَاعٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِالدَّلَالَةِ وَالْحُجَجِ، وَغَدًا يُبَيِّنُهُ بِالْمُجَازَاةِ انْتَهَى. وَبِهَذَا التَّنْبِيهِ يَظْهَرُ الْفَضْلُ بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ، وَالْمُسْبِقِ وَالْمُقَصِّرِ فِي الْعَمَلِ. وَنَبَّأَ هُنَا جَاءَتْ عَلَى وَضْعِهَا الْأَصْلِيِّ مِنْ تَعْدِيَتِهَا إِلَى وَاحِدٍ بِنَفْسِهَا، وَإِلَى آخَرَ بِحَرْفِ الْجَرِّ، وَلَمْ يُضَمِّنْهَا مَعْنَى أَعْلَمَ فَيُعَدِّيَهَا إِلَى ثَلَاثَةٍ.
[سورة المائدة (5) : الآيات 49 الى 50]
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ ابْنُ صُورِيَّا وَشَاسُ بْنُ قَيْسٍ وَكَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّدٍ لَعَلَّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ، وَإِنِ اتَّبَعْنَاكَ اتَّبَعَكَ كُلُّ الْيَهُودِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ خُصُومَةٌ فَنُحَاكِمُهُمْ إِلَيْكَ فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِكَ، فَأَبَى ذَلِكَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ لَهُ: هَلْ لَكَ أَنْ تَحْكُمَ لَنَا عَلَى أَصْحَابِنَا بَنِي قُرَيْظَةَ فِي أَمْرِ الدِّمَاءِ كَمَا كُنَّا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَنُبَايِعَكَ؟ فَنَزَلَتْ.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَلَيْسَ هَذِهِ الْآيَةُ تَكْرَارًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا نَزَلَتْ فِي شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: شَأْنُ الرَّجْمِ، وَالْآخَرُ التَّسْوِيَةُ انْتَهَى. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَاسِخَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ لِلتَّخْيِيرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ «1» وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ وَأَجَازُوا فِي: وَأَنِ احْكُمْ، أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى الْكِتَابِ، أَيْ: وَالْحُكْمَ. وَفِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَطْفًا عَلَى بِالْحَقِّ، وَفِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ مُؤَخَّرًا، وَالتَّقْدِيرُ: وَحُكْمُكَ بِمَا أَنْزَلَ أَنْزَلَ اللَّهُ أَمْرَنَا وَقَوْلَنَا. أَوْ مُقَدَّمًا وَالتَّقْدِيرُ: وَمِنَ الْوَاجِبِ حُكْمُكَ بِمَا أَنْزَلَ الله. وقيل: أن
(1) سورة المائدة: 5/ 42.
تَفْسِيرِيَّةٌ، وَأُبْعِدَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْوَاوِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَدَّرَ قَبْلَ فِعْلِ الْأَمْرِ فِعْلًا مَحْذُوفًا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ أَيْ: وَأَمَرْنَاكَ أَنِ احْكُمْ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ حَذْفُ الْجُمْلَةِ الْمُفَسِّرَةِ بِأَنْ وَمَا بَعْدَهَا، وَذَلِكَ لَا يُحْفَظُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقُرِئَ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ: وَأَنِ احْكُمْ، إِتْبَاعًا لِحَرَكَةِ الْكَافِ، وَبِكَسْرِهَا عَلَى أَصْلِ الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَالضَّمِيرُ فِي بَيْنَهُمْ عَائِدٌ عَلَى الْيَهُودِ. وَقِيلَ:
عَلَى جَمِيعِ الْمُتَحَاكِمِينَ.
وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ.
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ أَيْ يَسْتَزِلُّوكَ. وَحَذَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَأْيُوسًا مِنْ فِتْنَتِهِمْ إِيَّاهُ لِقَطْعِ أَطْمَاعِهِمْ، وَقَالَ: عَنْ بَعْضٍ، لِأَنَّ الَّذِي سَأَلُوهُ هُوَ أَمْرٌ جُزْئِيٌّ، سَأَلُوهُ أَنْ يَقْضِيَ لَهُمْ فِيهِ عَلَى خُصُومِهِمْ فَأَبَى مِنْهُ. وَمَوْضِعُ أَنْ يَفْتِنُوكَ نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ، وَيَكُونُ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ أَيْ فَإِنْ تَوَلَّوْا عَنِ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَرَادُوا غَيْرَهُ. وَمَعْنَى: أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ، أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِبَعْضِ آثَامِهِمْ.
وَأَبْهَمَ بَعْضًا هُنَا وَيَعْنِي بِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- التَّوَلِّيَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَإِرَادَةَ خِلَافِهِ، فَوَضَعَ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ مَوْضِعَ ذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنَّهُمْ ذَوُو ذُنُوبٍ جَمَّةٍ كَثِيرَةٍ لَا الْعَدَدَ، وَهَذَا الذَّنْبُ مَعَ عِظَمِهِ وَهَذَا الْإِبْهَامُ فِيهِ تَعْظِيمُ التَّوَلِّي، وَفَرْطُ إِسْرَافِهِمْ فِي ارْتِكَابِهِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا أَرَادَ نَفْسَهُ وَقَصَدَ تَفْخِيمَ شَأْنِهَا بِهَذَا الْإِبْهَامِ، كَأَنَّهُ قَالَ: نَفْسًا كَبِيرَةً أَوْ نَفْسًا أَيَّ نَفْسٍ، وَهَذَا الْوَعْدُ بِالْمُصِيبَةِ قَدْ أَنْجَزَهُ لَهُ تَعَالَى بِقِصَّةِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقِصَّةِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَإِجْلَاءِ عُمَرَ رضي الله عنه أَهْلَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَغَيْرَهُمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَخَصَّصَ إِصَابَتَهُمْ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ، لِأَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا وَذُنُوبُهُمْ فِيهَا نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخُصُّهُمْ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَزِنَاهُمْ وَرِشَاهُمْ، وَنَوْعٌ يَتَعَدَّى إِلَى النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ كَمُمَالَأَتِهِمْ لِلْكُفَّارِ، وَأَقْوَالِهِمْ فِي الدِّينِ، فَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُونَ بِكُلِّ الذُّنُوبِ فِي الْآخِرَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا: فَإِنْ تَوَلَّوْا قَبْلَهُ مَحْذُوفٌ مِنَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ تَقْدِيرُهُ: لَا تَتَّبِعْ وَاحْذَرْ، فَإِنْ حَكَّمُوكَ مَعَ ذَلِكَ وَاسْتَقَامُوا فَنِعِمَّا ذَلِكَ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ. وَيَحْسُنُ أَنْ يُقَدَّرَ هَذَا الْمَحْذُوفُ الْمُعَادِلُ لِقَوْلِهِ: لَفَاسِقُونَ انْتَهَى. وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ هَذَا.
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ أَيْ مُتَمَرِّدُونَ مُبَالِغُونَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ بِالْفِسْقِ هُنَا الْكُفْرُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعَاصِي. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْكَذِبُ وَظَاهِرُ النَّاسِ الْعُمُومُ، وَإِنْ كَانَ السِّيَاقُ فِي الْيَهُودِ، وَجَاءَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ لِيُنَبِّهَ مَنْ سِوَاهُمْ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ لِلْعَهْدِ، وَهُمُ الْيَهُودِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ.
أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ هَذَا اسْتِفْهَامٌ مَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ عَلَى الْيَهُودِ، حَيْثُ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَتَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ ذَلِكَ يُعْرِضُونَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَيَخْتَارُونَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ بِمُجَرَّدِ الْهَوَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْأَشْرَفِ عِنْدَهُمْ، وَتَرْجِيحِ الْفَاضِلِ عِنْدَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْمَفْضُولِ، وَفِي هَذَا أَشَدُّ النَّعْيِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ تَرَكُوا الْحُكْمَ الْإِلَهِيَّ بِحُكْمِ الْهَوَى وَالْجَهْلِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ يَبْتَغِي غَيْرَ حُكْمِ اللَّهِ. وَالْحُكْمُ حُكْمَانِ:
حُكْمٌ بِعِلْمٍ، فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ. وَحُكْمٌ بِجَهْلٍ فَهُوَ حُكْمُ الشَّيْطَانِ. وَسُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُفَضِّلُ بَعْضَ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَفَحُكْمَ بِنَصْبِ الْمِيمِ، وَهُوَ مَفْعُولُ يَبْغُونَ. وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ، وَابْنُ وَثَّابٍ، وَأَبُو رَجَاءٍ، وَالْأَعْرَجُ: أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُهُ: يَبْغُونَ، وَحَسَّنَ حَذْفَ الضَّمِيرِ قَلِيلًا فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ كَوْنُ الْجُمْلَةِ فَاصِلَةً. وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: هَذَا خَطَأٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وُجِدَ غَيْرُهُ أَقْوَى مِنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ انْتَهَى.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنِ النَّحْوِيِّينَ. وَبَعْضُهُمْ يُجِيزُ حَذْفَ هَذَا الضَّمِيرِ فِي الْكَلَامِ، وَبَعْضُهُمْ يَخُصُّهُ بِالشِّعْرِ، وَبَعْضُهُمْ يُفَصِّلُ. وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ وَدَلَائِلُهَا مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَإِسْقَاطُ الرَّاجِعِ عَنْهُ كَإِسْقَاطِهِ عَنِ الصِّلَةِ فِي «أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا» وَعَنِ الصِّفَةِ فِي: النَّاسُ رَجُلَانِ، رَجُلٌ أَهَنْتَ وَرَجُلٌ أَكْرَمْتَ. وَعَنِ الْحَالِ فِي: مَرَرْتُ بِهِنْدٍ تَضْرِبُ زَيْدًا انْتَهَى. فَإِنْ كَانَ جَعْلُ الْإِسْقَاطِ فِيهِ مِثْلَ الْإِسْقَاطِ فِي الْجَوَازِ وَالْحُسْنِ، فَلَيْسَ كَمَا ذُكِرَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، بَلْ حَذْفُهُ مِنَ الصِّلَةِ بِشُرُوطِ الْحَذْفِ فَصِيحٌ، وَحَذْفُهُ مِنَ الصِّفَةِ قَلِيلٌ، وَحَذْفُهُ مِنَ الْخَبَرِ مَخْصُوصٌ بِالشِّعْرِ، أَوْ فِي نَادِرٍ. وَإِنْ كَانَ شَبَهُهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ مُطْلَقُ الْإِسْقَاطِ فَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَإِنَّمَا تَتَّجِهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَفَحُكْمُ الْجَاهِلِيَّةِ حُكْمٌ تَبْغُونَ، فَلَا تُجْعَلُ تَبْغُونَ خَبَرًا بَلْ تُجْعَلُ صِفَةَ خَبَرٍ مَحْذُوفٍ، وَنَظِيرُهُ: مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ «1» تَقْدِيرُهُ قَوْمٌ يُحَرِّفُونَ انْتَهَى. وَهُوَ تَوْجِيهٌ مُمْكِنٌ.
وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَالْأَعْمَشُ: أَفَحَكَمَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَافِ وَالْمِيمِ، وَهُوَ جِنْسٌ لَا يُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ كأنه
(1) سورة المائدة: 5/ 41.