الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَارِدِينَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ، وَمَلَكَ أَخُوهُ سُلَيْمَانُ مَيَّافَارِقِينَ. وَفِيهَا ظَهَرَ مَعْدِنُ نُحَاسٍ بِدِيَارِ بَكْرٍ قَرِيبًا مِنْ قَلْعَةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ. وَفِيهَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْوُعَّاظِ بَغْدَادَ فَوَعَظُوا بِهَا، وَحَصَلَ لَهُمْ قَبُولٌ تَامٌّ مِنَ الْعَوَامِّ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ نَظَرٌ الْخَادِمُ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْأَشْعَثِ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَخُو أَبِي الْقَاسِمِ، وَكَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا أَحَدَ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، صَحِبَ الْخَطِيبَ مُدَّةً، وَجَمَعَ وَأَلَفَّ وَصَنَّفَ وَرَحَلَ إِلَى الْآفَاقِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، عَنْ ثَمَانِينَ سَنَةً.
عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ أَبُو طَالِبٍ السُّمَيْرَمِيُّ،
نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِأَصْبَهَانَ، كَانَ وَزِيرَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَكَانَ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفِسْقِ، وَأَحْدَثَ عَلَى النَّاسِ مُكُوسًا وَجَدَّدَهَا بَعْدَمَا كَانَتْ قَدْ أُزِيلَتْ، مِنْ مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ، وَكَانَ يَقُولُ: قَدِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ كَثْرَةِ الظُّلْمِ لِمَنْ لَا نَاصِرَ لَهُ، وَكَثْرَةِ مَا أَحْدَثْتُ مِنَ السُّنَنِ السَّيِّئَةِ.
وَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى هَمَذَانَ أَحْضَرَ الْمُنَجِّمِينَ، فَضَرَبُوا لَهُ تَحْتَ رَمْلٍ لِسَاعَةِ
خُرُوجِهِ؛ لِيَكُونَ أَسْرَعَ لِعَوْدِهِ، فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ السُّيُوفُ الْمَسْلُولَةُ، وَالْمَمَالِيكُ بِالْعُدَدِ الْبَاهِرَةِ، وَمَعَ هَذَا جَاءَهُ بَاطِنِيٌّ فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ بَعْدَمَا ضَرَبَهُ غَيْرَ مَا مَرَّةً فِي مَقَاتِلِهِ ثُمَّ ذَبَحَهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ، وَالْمَمَالِيكُ يَضْرِبُونَ بِالسُّيُوفِ وَالنِّبَالِ فِي ظَهْرِهِ وَلَا يُبَالِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; حَتَّى قَتَلَهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ، وَرَجَعَ نِسَاؤُهُ حَاسِرَاتٍ عَنْ وُجُوهِهِنَّ ; قَدْ أَبْدَلَهُنَّ اللَّهُ الذِّلَّةَ بَعْدَ الْعِزَّةِ، وَالْخَوْفَ بَعْدَ الْأَمْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ سَلْخَ صَفَرٍ، وَمَا أَشْبَهَ حَالَهُنَّ بِقَوْلِ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ فِي الْخَيْزُرَانِ وَجَوَارِيهَا حِينَ مَاتَ الْمَهْدِيُّ:
رُحْنَ فِي الْوَشْيِ وَأَصْبَحْنَ عَلَيْهِنَّ الْمُسُوحُ
…
كُلُّ نَطَّاحٍ مِنَ النَّاسِ لَهُ يَوْمٌ نَطُوحُ
لَتُمُوتَنَّ وَلَوْ عُمِّرْتَ مَا عُمِّرَ نُوحُ
…
فَعَلَى نَفْسِكَ نُحْ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ تَنُوحُ
الْحَرِيرِيُّ صَاحِبُ الْمَقَامَاتِ
الْقَاسِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ فَخْرُ الدَّوْلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيُّ الْبَصْرِيُّ، مُؤَلِّفُ الْمَقَامَاتِ الَّتِي سَارَتْ بِفَصَاحَتِهَا الرُّكْبَانُ، وَكَادَ يُرْبِي فِيهَا عَلَى سَحْبَانَ، وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ، وَاشْتَغَلَ بِاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ، وَبَرَزَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وَعَمِلَ صِنَاعَةَ الْإِنْشَاءِ مَعَ الْكُتَّبِ فِي بَابِ الْخَلِيفَةِ،
وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ تُنْكَرُ بَدِيهَتُهُ وَلَا تَتَعَكَّرُ فِكْرَتُهُ وَقَرِيحَتُهُ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعَ الْحَدِيثَ، وَحَدَّثَ وَقَرَأَ الْأَدَبَ وَاللُّغَةَ، وَفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ بِالذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ وَالْفَصَاحَةِ، وَحُسْنِ الْعِبَارَةِ، وَصَنَّفَ الْمَقَامَاتِ الْمَعْرُوفَةَ، مَنْ تَأَمَّلَهَا عَرَفَ قَدْرَ مُنْشِئِهَا، تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِالْبَصْرَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ أَبَا زَيْدٍ وَالْحَارِثَ بْنَ هَمَّامٍ لَا وُجُودَ لَهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ مِنْ بَابِ الْأَمْثَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: أَبُو زَيْدٍ الْمُطَهَّرُ بْنُ سَلَّارَ السَّرُوجِيُّ كَانَ لَهُ وُجُودٌ، وَكَانَ فَاضِلًا، وَلَهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ بِاللُّغَةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ كَانَ اسْمُهُ الْمُطَهَّرُ بْنُ سَلَّارَ، وَكَانَ بَصْرِيًّا فَاضِلًا فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ، وَكَانَ يَشْتَغِلُ عَلَى الْحَرِيرِيِّ بِالْبَصْرَةِ، وَأَمَّا الْحَارِثُ بْنُ هَمَّامٍ فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ ; لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّكُمْ حَارِثٌ، وَكُلُّكُمْ هَمَّامٌ» كَذَا قَالَ الْقَاضِي. وَإِنَّمَا اللَّفْظُ الْمَحْفُوظُ: «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ حَارِثٌ وَهَمَّامٌ» ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ إِمَّا حَارِثٌ وَهُوَ الْفَاعِلُ أَوْ هَمَّامٌ مِنَ الْهِمَّةِ وَهُوَ الْعَزْمُ وَالْخِطْرَةُ، وَذَكَرَ أَنَّ أَوَّلَ مَقَامَةٍ عَمِلَهَا الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ، وَهِيَ الْحَرَامِيَّةُ، وَكَانَ سَبَبَهَا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ رَجُلٌ ذُو طِمْرَيْنِ فَصِيحُ اللِّسَانِ، فَاسْتَسْمَوْهُ، فَقَالَ أَبُو زَيْدٍ السَّرُوجِيُّ: فَعَمِلَ فِيهِ هَذِهِ الْمَقَامَةَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَرْشِدِ، وَهُوَ جَلَالُ الدِّينِ عَمِيدُ الدَّوْلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْعِزِّ عَلِيِّ بْنِ صَدَقَةَ، قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ
عَلَى حَاشِيَتِهَا، وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّنْ قَالَ: هُوَ الْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ أَبُو نَصْرٍ أَنُوشُرْوَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقَاشَانِيُّ، وَهُوَ وَزِيرُ الْمُسْتَرْشِدِ أَيْضًا، وَيُقَالُ: إِنَّ الْحَرِيرِيَّ كَانَ قَدْ عَمِلَهَا أَرْبَعِينَ مَقَامَةً، فَلَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ، وَامْتَحَنَهُ بَعْضُ الْوُزَرَاءِ فَجَلَسَ نَاحِيَةً وَأَخَذَ دَوَاةً وَقِرْطَاسًا فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ، حَتَّى عَادَ إِلَى بَلَدِهِ فَعَمِلَ عَشَرَةً أُخْرَى، فَأَتَمَّهَا خَمْسِينَ مَقَامَةً، وَقَدْ قَالَ فِيهِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَفْلَحَ الشَّاعِرُ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُكَذِّبِينَ لَهُ فِيهَا:
شَيْخٌ لَنَا مِنْ رَبِيعَةِ الْفَرَسْ
…
يَنْتِفُ عُثْنُونَهُ مِنَ الْهَوَسْ
أَنْطَقَهُ اللَّهُ بِالْمَشَانِ كَمَا
…
رَمَاهُ وَسْطَ الدِّيوَانِ بِالْخَرَسْ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ بِالْمَشَانِ: هُوَ مَكَانٌ بِالْبَصْرَةِ، وَيُذْكَرُ أَنَّهُ كَانَ صَدْرَ دِيوَانِ الْمَشَانِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ ذَمِيمَ الْخَلْقِ، فَاتَّفَقَ أَنَّ رَجُلًا رَحَلَ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ ازْدَرَاهُ فَفَهِمَ الْحَرِيرِيُّ ذَلِكَ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
مَا أَنْتَ أَوَّلُ سَارٍ غَرَّهُ قَمَرٌ
…
وَرَائِدٍ أَعْجَبَتْهُ خُضْرَةُ الدِّمَنِ
فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ غَيْرِي إِنَّنِي رَجُلٌ
…
مِثْلَ الْمُعَيْدِيِّ فَاسْمَعْ بِي وَلَا تَرَنِي
وَيُقَالُ: إِنَّ الْمُعَيْدِيَّ اسْمُ حِصَانٍ جَوَادٍ كَانَ فِي الْعَرَبِ دَمِيمِ الْخِلْقَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبَغَوِيُّ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ، صَاحِبُ " التَّفْسِيرِ " وَ " شَرْحِ السُّنَّةِ " وَ " التَّهْذِيبِ " فِي الْفِقْهِ، وَ " الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ " وَ " الْمَصَابِيحِ " فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، اشْتَغَلَ عَلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَبَرَعَ فِي هَذِهِ الْعُلُومِ، وَكَانَ عَلَّامَةَ زَمَانِهِ فِيهَا، وَكَانَ دَيِّنًا وَرِعًا زَاهِدًا عَابِدًا صَالِحًا، تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَقِيلَ: فِي سَنَةِ عَشْرٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَدُفِنَ مَعَ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ بِالطَّالَقَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.