الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا أَمَرَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ بِبِنَاءِ سُوقِ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِطُغْرُلْبَكَ إِلَى جَانِبِ دَارِ الْمُلْكِ وَجَدَّدَ خَانَاتِهَا وَأَسْوَاقَهَا وَدُورَهَا وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْجَامِعِ الَّذِي تَمَّ عَلَى يَدِ هَارُونَ الْخَادِمِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ. وَوَقَفَ عَلَى نَصْبِ قِبْلَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَمُنَجِّمُهُ إِبْرَاهِيمُ حَاضِرٌ وَنُقِلَتْ إِلَيْهِ أَخْشَابُ جَامِعِ سَامَرَّا وَشَرَعَ نِظَامُ الْمُلْكِ فِي بِنَاءِ دَارٍ هَائِلَةٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ تَاجُ الْمُلُوكِ أَبُو الْغَنَائِمِ، شَرَعَ فِي بِنَاءِ دَارٍ هَائِلَةٍ أَيْضًا وَاسْتَوْطَنُوا الْبَلَدَ وَطَابَتْ لَهُمْ بَغْدَادُ.
وَفِي جُمَادَى الْأُولَى وَقَعَ حَرِيقٌ عَظِيمٌ بِبَغْدَادَ فِي أَمَاكِنَ شَتَّى، فَمَا أُطْفِئَ حَتَّى هَلَكَ لِلنَّاسِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فَمَا عَمَّرُوا بِقَدْرِ مَا حُرِقَ وَمَا غَرِمُوا.
وَفِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ خَرَجَ السُّلْطَانُ إِلَى أَصْبَهَانَ وَفِي صُحْبَتِهِ وَلَدُ الْخَلِيفَةِ أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرٌ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الطَّرِيقِ يَوْمَ عَاشِرِهِ عَدَا صَبِيٌّ مِنَ الدَّيْلَمِ عَلَى الْوَزِيرِ نِظَامِ الْمُلْكِ، بَعْدَ أَنْ أَفْطَرَ فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فَقَضَى عَلَيْهِ، وَأُخِذَ الصَّبِيُّ الدَّيْلَمِيُّ فَقُتِلَ، وَقَدْ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْوُزَرَاءِ وَخِيَارِ الْأُمَرَاءِ، وَسَنَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ سِيرَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ تَرْجَمَتِهِ.
وَقَدِمَ السُّلْطَانُ بَغْدَادَ فِي رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ فَلَقَّاهُ اللَّهُ فِي نَفْسِهِ
مَا تَمَنَّاهُ لِأَعْدَائِهِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ رِكَابُهُ بِبَغْدَادَ وَجَاءَ النَّاسُ لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَالتَّهْنِئَةِ بِقُدُومِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يُهَنِّئُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَقُولُ لَهُ: لَا بُدَّ أَنْ تَتْرُكَ لِي بَغْدَادَ وَتَتَحَوَّلَ إِلَى أَيِّ الْبِلَادِ شِئْتَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يَسْتَنْظِرُهُ شَهْرًا فَرَدَّ عَلَيْهِ: وَلَا سَاعَةً وَاحِدَةً، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَتَوَسَّلُ فِي إِنْظَارِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ تَمَنُّعٍ شَدِيدٍ، فَمَا اسْتَتَمَّ الْأَجَلُ حَتَّى خَرَجَ السُّلْطَانُ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرِ إِلَى الصَّيْدِ فَأَصَابَتْهُ حُمَّى شَدِيدَةٌ فَافْتَصَدَ فَمَا قَامَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ قَبْلَ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَاسْتَحْوَذَتْ زَوْجَتُهُ زُبَيْدَةُ خَاتُونُ عَلَى الْجَيْشِ، وَضَبَطَتِ الْأَحْوَالَ جَيِّدًا وَأَرْسَلَتْ إِلَى الْخَلِيفَةِ تَسْأَلُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ وَلَدُهَا مَحْمُودٌ مَلِكًا بَعْدَ أَبِيهِ وَأَنْ يُخْطَبَ لَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْخِلَعِ وَبَعَثَ يُعَزِّيهَا وَيُهَنِّئُهَا مَعَ وَزِيرِهِ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ ابْنِ جَهِيرٍ وَكَانَ عُمُرُ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ هَذَا يَوْمَئِذٍ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ وَالِدَتُهُ فِي الْجُيُوشِ وَسَارَتْ بِهِ نَحْوَ أَصْبَهَانَ لِتُوَطِّدِ لَهُ الْمُلْكَ فَدَخَلُوهَا وَتَمَّ لَهُمْ مُرَادُهُمْ وَخُطِبَ لَهُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ حَتَّى فِي الْحَرَمَيْنِ، وَاسْتُوْزِرَ لَهُ تَاجُ الْمُلْكِ أَبُو الْغَنَائِمِ الْمَرْزُبَانُ بْنُ خِسْرُو، وَأَرْسَلَتْ أُمُّ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ تَسْأَلُ لَهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْمُلْكَ وَأَنْ يَجْعَلَ وِلَايَاتِ الْعُمَّالِ إِلَيْهِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: هَذَا لَا يُسِيغُهُ الشَّرْعُ. وَوَافَقَهُ الْغَزَّالِيُّ، عَلَى ذَلِكَ وَأَفْتَى الْمُشَطَّبُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ بِجَوَازِ ذَلِكَ، فَلَمْ يُعْمَلْ إِلَّا بِقَوْلِ الْغَزَّالِيِّ وَانْحَازَ أَكْثَرُ جَيْشِ السُّلْطَانِ إِلَى ابْنِهِ الْآخَرِ بَرْكْيَارُوقَ، فَبَايَعُوهُ وَخَطَبُوا لَهُ بِالرَّيِّ وَانْفَرَدَتِ الْخَاتُونُ وَوَلَدُهَا وَمَعَهُمْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الْجَيْشِ وَالْخَاصِّكِيَّةِ فَأَنْفَقَتْ فِيهِمْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ
أَلْفِ دِينَارٍ لِقِتَالِ بَرْكْيَارُوقَ بْنِ مَلِكْشَاهْ فَالْتَقَوْا فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَتْ خَاتُونُ هِيَ الْمُنْهَزِمَةَ وَمَعَهَا وَلَدُهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ "«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً.»
وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ اعْتَرَضَتْ بَنُو خَفَاجَةَ لِلْحَجِيجِ فَقَاتَلَهُمْ مَنْ فِي الْحَجِيجِ مِنَ الْجُنْدِ مَعَ الْأَمِيرِ خُمَارْتِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَنُهِبَتْ أَمْوَالُ الْأَعْرَابِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفِيهَا جَاءَ بَرَدٌ شَدِيدٌ عَظِيمٌ بِالْبَصْرَةِ وَزْنُ الْبَرَدَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ رِطْلًا، فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَشْجَارِ، وَجَاءَ رِيحٌ عَاصِفٌ قَاصِفٌ فَأَلْقَى عَشَرَاتِ الْأُلُوفِ مِنَ النَّخِيلِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ تَاجُ الدَّوْلَةِ تُتُشُ صَاحِبُ دِمَشْقَ مَدِينَةَ حِمْصَ وَقَلْعَةَ عِرْقَةَ وَقَلْعَةَ أَفَامِيَةَ، وَمَعَهُ قَسِيمُ الدَّوْلَةِ آقْ سُنْقُرُ، وَكَانَ السُّلْطَانُ قَدْ جَهَّزَ سَرِيَّةً إِلَى الْيَمَنِ صُحْبَةَ سَعْدِ الدَّوْلَةِ كُوَهْرَائِينَ وَأَمِيرٍ آخَرَ مِنَ التُّرْكُمَانِ، فَدَخَلَاهَا وَأَسَاءَا فِيهَا السِّيرَةَ، فَتُوُفِّيَ كُوَهْرَائِينُ يَوْمَ دُخُولِهِ إِلَيْهَا فِي مَدِينَةِ عَدَنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.