الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِي صَفَرٍ مِنْهَا مَرِضَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ مَرَضًا شَدِيدًا انْتَفَخَ مِنْهُ حَلْقُهُ وَامْتَنَعَ مِنَ الْفَصْدِ، فَلَمْ يَزَلِ الْوَزِيرُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ عَلَيْهِ حَتَّى افْتَصَدَ فَصَلَحَ الْحَالُ، وَكَانَ النَّاسُ قَدِ انْزَعَجُوا فَفَرِحُوا بِعَافِيَتِهِ.
وَجَاءَ فِي هَذَا الشَّهْرِ سَيْلٌ عَظِيمٌ، قَاسَى النَّاسُ مِنْهُ شِدَّةً عَظِيمَةً، وَلَمْ تَكُنْ أَكْثَرُ أَبْنِيَةِ بَغْدَادَ تَكَامَلَتْ مِنَ الْغَرَقِ الْأَوَّلِ فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى الصَّحْرَاءِ فَجَلَسُوا عَلَى رُءُوسِ التُّلُولِ تَحْتَ الْمَطَرِ.
وَوَقَعَ وَبَاءٌ عَظِيمٌ بِالرَّحْبَةِ، فَمَاتَ مِنْ أَهْلِهَا قَرِيبٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِوَاسِطٍ وَالْبَصْرَةِ وَخُوزِسْتَانَ وَأَرْضِ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[صِفَةُ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ]
افْتَصَدَ فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ مِنْ مَاشَرَا كَانَتْ تَعْتَادُهُ مِنْ عَامِ الْغَرَقِ، ثُمَّ نَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَانْفَجَرَ فِصَادُهُ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ سَقَطَتْ قُوَّتُهُ وَحَصَلَ الْإِيَاسُ مِنْهُ، فَاسْتَدْعَي بِحَفِيدِهِ وَوَلِيِّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِهِ عُدَّةِ الدِّينِ أَبِي الْقَاسِمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَائِمِ وَأَحْضَرَ إِلَيْهِ الْقَاضِيَ وَالنُّقَبَاءَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ ثَانِيًا بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَشَهِدُوا، ثُمَّ كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ
الْخَمِيسِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ مِنَ الْعَبَّاسِيِّينَ قَبْلَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَقَدْ جَاوَزَتْ خِلَافَةُ أَبِيهِ قَبْلَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَكَانَ مَجْمُوعُ أَيَّامِهِمَا خَمْسًا وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَشْهُرًا، وَذَلِكَ مُقَارِبٌ لِدَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ كُلِّهَا، وَقَدْ كَانَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ جَمِيلًا مَلِيحَ الْوَجْهِ أَبْيَضَ مُشْرَبًا حُمْرَةً، فَصِيحًا وَرِعًا زَاهِدًا أَدِيبًا كَاتِبًا بَلِيغًا شَاعِرًا، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ شِعْرِهِ وَهُوَ بِحَدِيثَةِ عَانَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَانَ عَادِلًا كَثِيرَ الْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ رحمه الله
وَغَسَّلَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْحَنْبَلِيُّ عَنْ وَصِيَّةِ الْخَلِيفَةِ بِذَلِكَ، فَعُرِضَ عَلَى الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ مَا هُنَالِكَ مِنَ الْأَثَاثِ وَالْأَمْوَالِ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ شَيْئًا، وَصُلِّيَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِ الْخَمِيسِ الْمَذْكُورِ وَدُفِنَ عِنْدَ أَجْدَادِهِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الرُّصَافَةِ فَقَبْرُهُ يُزَارُ إِلَى الْآنِ، وَغُلِّقَتِ الْأَسْوَاقُ لِمَوْتِهِ، وَعُلِّقَتِ الْمُسُوحُ وَنَاحَتْ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْهَاشِمِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ، وَجَلَسَ الْوَزِيرُ ابْنُ جَهِيرٍ وَابْنُهُ لِلْعَزَاءِ عَلَى الْأَرْضِ، وَخَرَقَ النَّاسُ ثِيَابَهُمْ، وَكَانَ يَوْمًا عَصِيبًا، وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَدْ كَانَ مِنْ خِيَارِ بَنِي الْعَبَّاسِ دِينًا وَاعْتِقَادًا وَدَوْلَةً، وَقَدِ امْتُحِنَ مِنْ بَيْنِهِمْ بِفِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ الَّتِي اقْتَضَتْ إِخْرَاجَهُ مِنْ دَارِهِ وَمُفَارَقَتَهُ أَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ وَوَطَنَهُ، فَأَقَامَ بِحَدِيثَةِ عَانَةَ سَنَةً كَامِلَةً، ثُمَّ أَعَادَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نِعْمَتَهُ وَخِلَافَتَهُ. كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: