الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
فِيهَا أَقْبَلَتِ الْفِرِنْجُ فِي جَحَافِلَ كَثِيرَةٍ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَسَاعَدَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ، فَتَصَرَّفُوا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَسَدَ الدِّينِ شِيرَكُوهْ، بْنَ شَاذِيٍّ فَاسْتَأْذَنَ الْمَلِكَ نُورَ الدِّينِ فِي الْعَوْدِ إِلَيْهَا - وَكَانَ كَثِيرَ الْحَنَقِ عَلَى الْوَزِيرِ شَاوَرَ - فَأَذِنَ لَهُ، فَسَارَ إِلَيْهَا فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَمَعَهُ ابْنُ أَخِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّفُوسِ أَنَّهُ سَيَمْلِكُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَرْقَلَةُ الْمُسَمَّى بِحَسَّانَ الشَّاعِرُ:
أَقُولُ وَالْأَتْرَاكُ قَدْ أَزْمَعَتْ
…
مِصْرَ إِلَى حَرْبِ الْأَعَارِيبِ
رَبِّ كَمَا مَلَّكْتَهَا يَوسُفَ الصِّ
…
دِّيقَ مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبِ
يَمْلِكُهَا فِي عَصْرِنَا يُوسُفُ الصَّ
…
ادِقُ مِنْ أَوْلَادِ أَيُّوبِ
مَنْ لَمْ يَزَلْ ضَرَّابَ هَامِ الْعِدَا
…
حَقًّا وَضَرَّابَ الْعَرَاقِيبِ
وَلَمَّا بَلَغَ الْوَزِيرَ شَاوَرَ قَدُومُ أَسَدِ الدِّينِ وَالْجَيْشُ مَعَهُ بَعَثَ إِلَى الْفِرِنْجِ فَجَاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ إِلَيْهِ وَبَلَغَ أَسَدَ الدِّينِ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ - وَإِنَّمَا مَعَهُ أَلْفَا فَارِسٍ - فَاسْتَشَارَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ فَكُلُّهُمْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى نُورِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ الْفِرِنْجِ، إِلَّا أَمِيرًا وَاحِدًا يُقَالُ لَهُ: شَرَفُ الدِّينِ بُزْغُشُ ; فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ
خَافَ الْقَتْلَ وَالْأَسْرَ فَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عِنْدَ زَوْجَتِهِ، وَمَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُسَلِّمْ بِلَادَهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ، وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ أَخِيهِ صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ، فَعَزَمَ اللَّهُ لَهُمْ فَسَارُوا نَحْوَ الْفِرِنْجِ، فَاقْتَتَلُوا هُمْ وَإِيَّاهُمْ قِتَالًا عَظِيمًا، فَقَتَلُوا مِنَ الْفِرِنْجِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوا مِنْهُمْ خَلْقًا لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ عز وجل، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
فَتْحُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ عَلَى يَدَيْ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ
ثُمَّ سَارَ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بَعْدَ كَسْرِ الْفِرِنْجِ وَالْمِصْرِيِّينَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَمَلَكَهَا وَجَبَى أَمْوَالَهَا، وَاسْتَنَابَ عَلَيْهَا ابْنَ أَخِيهِ صَلَاحَ الدِّينِ يُوسُفَ وَعَادَ إِلَى الصَّعِيدِ فَمَلَكَهُ، وَجَمَعَ مِنْهُ أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ثُمَّ إِنَّ الْفِرِنْجَ وَالْمِصْرِيِّينَ اجْتَمَعُوا عَلَى حِصَارِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْتَزِعُوهَا مِنْ يَدِ صَلَاحِ الدِّينِ، وَذَلِكَ فِي غَيْبَةِ عَمِّهِ فِي الصَّعِيدِ وَامْتَنَعَ بِهَا صَلَاحُ الدِّينِ وَمَنْ مَعَهُ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَلَكِنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَقْوَاتُ وَضَاقَ عَلَيْهِمُ الْحَالُ جِدًّا، فَسَارَ إِلَيْهِمْ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ - أَيَّدَهُ اللَّهُ - فَصَالَحَهُ شَاوَرُ الْوَزِيرُ عَنِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَجَابَهُ، إِلَى ذَلِكَ وَخَرَجَ صَلَاحُ الدِّينِ مِنْهَا وَسَلَّمَهَا إِلَى الْمِصْرِيِّينَ وَعَادَ إِلَى الشَّامِ فِي مُنْتَصَفِ شَوَّالٍ، وَذِي الْقَعْدَةِ وَقَرَّرَ شَاوَرُ للْفِرِنْجِ عَلَى مِصْرَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُمْ شِحْنَةٌ بِالْقَاهِرَةِ، وَعَادَ الْفِرِنْجُ إِلَى بِلَادِهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ قَدْ عَقَّبَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَافْتَتَحَ حُصُونًا كَثِيرَةً مِنْ بِلَادِهِمْ، وَقَتَلَ خَلْقًا مِنْ رِجَالِهِمْ، وَأَسَرَ أُمَمًا مِنْ