الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا فَتَحَ نُورُ الدِّينِ مَدِينَةَ بَانِيَاسَ وَقِيلَ: إِنَّمَا كَانَ فَتْحُهُ لَهَا فِي سَنَةِ سِتِّينَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ مَعَهُ أَخُوهُ نَصْرُ الدِّينِ أَمِيرُ أَمِيرَانَ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فِي إِحْدَى عَيْنَيْهِ فَأَذْهَبَهَا، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ نُورُ الدِّينِ: لَوْ نَظَرْتَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ لَأَحْبَبْتَ أَنْ تَذْهَبَ الْأُخْرَى. وَقَالَ لِابْنِ مُعِينِ الدِّينِ أَنُرَ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ بَرَدَتْ جَلْدَةُ وَالِدِكَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ ; لِأَنَّهُ كَانَ سَلَّمَهَا إِلَى الْفِرِنْجِ، صُلْحًا عَنْ دِمَشْقَ.
وَفِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ احْتَرَقَ قَصْرُ جَيْرُونَ حَرِيقًا عَظِيمًا، فَحَضَرَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْأُمَرَاءُ ; مِنْهُمْ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، وَسَعَى سَعْيًا عَظِيمًا فِي إِطْفَاءِ هَذِهِ النَّارِ وَصَوْنِ حَوْزَةِ الْجَامِعِ مِنْهَا، جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَثَابَهُ دَارَ الْقَرَارِ.
[مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ]
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
جَمَالُ الدِّينِ
وَزِيرُ صَاحِبِ الْمَوْصِلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، أَبُو جَعْفَرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ الْمُلَقَّبُ بِالْجَوَادِ وَزِيرُ قُطْبِ الدِّينِ مَوْدُودِ بْنِ زَنْكِيٍّ كَانَ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَاتِ، وَقَدْ أَثَّرَ آثَارًا حَسَنَةً بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ; مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ سَاقَ عَيْنًا إِلَى عَرَفَاتٍ، وَعَمِلَ هُنَاكَ مَصَانِعَ، وَبَنَى مَسْجِدَ عَرَفَاتٍ وَدَرَّجَهُ وَأَكْمَلَ أَبْوَابَ
الْحَرَمِ، وَبَنَى مَسْجِدَ الْخَيْفِ، وَبَنَى الْحِجْرَ، وَزَخْرَفَ الْكَعْبَةَ وَذَهَّبَهَا، وَعَمِلَهَا بِالرُّخَامِ، وَبَنَى عَلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ سُورًا، وَبَنَى جِسْرًا عَلَى دِجْلَةَ عِنْدَ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ بِالْحَجَرِ الْمَنْحُوتِ، وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، وَبَنَى الرُّبُطَ الْكَثِيرَةَ، وَكَانَ يَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى بَابِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَيَفْتَدِي مِنَ الْأُسَارَى فِي كُلِّ سَنَةٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ، وَلَا تَزَالُ صَدَقَاتُهُ وَافِدَةً إِلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ ; حَيْثُ كَانُوا مِنْ بَغْدَادَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَقَدْ حُبِسَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ، فَذَكَرَ ابْنُ السَّاعِي فِي " تَارِيخِهِ " عَنْ شَخْصٍ كَانَ مَعَهُ فِي السِّجْنِ أَنَّهُ نَزَلَ إِلَيْهِ طَائِرٌ أَبْيَضُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ وَهُوَ يَذْكُرُ اللَّهَ عز وجل حَتَّى تُوُفِّيَ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ طَارَ عَنْهُ، وَدُفِنَ فِي رِبَاطٍ بَنَاهُ لِنَفْسِهِ بِالْمَوْصِلِ، وَقَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَسَدِ الدِّينِ شِيرَكُوهْ بْنِ شَاذِيٍّ مُؤَاخَاةٌ وَعَهْدٌ، أَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَاسْتَأْجَرَ لَهُ أَسَدُ الدِّينِ شِيرَكُوهْ رِجَالًا فَنَقَلُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَا مَرُّوا بِهِ عَلَى بَلْدَةٍ إِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ، وَتَرَحَّمُوا عَلَيْهِ، وَأَثْنَوْا خَيْرًا، فَصَلَّوا عَلَيْهِ بِالْمَوْصِلِ وَتَكْرِيتَ وَبَغْدَادَ وَالْحِلَّةِ وَالْكُوفَةِ وَفَيْدَ وَمَكَّةَ، وَطِيفَ بِهِ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فَدُفِنَ بِرِبَاطٍ بَنَاهُ شَرْقِيَّ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ السَّاعِي: لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَرَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبَرِهِ سِوَى خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا. قَالَ ابْنُ السَّاعِي: وَلَمَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ بِالْحِلَّةِ صَعِدَ شَابٌّ نَشْزًا فَأَنْشَدَ يَقُولُ:
سَرَى نَعْشُهُ فَوْقَ الرِّقَابِ وَطَالَمَا
…
سَرَى جُودُهُ فَوْقَ الرِّكَابِ وَنَائِلُهْ
يَمُرُّ عَلَى الْوَادِي فَتُثْنِي رِمَالُهُ
…
عَلَيْهِ وَبِالنَّادِي فَتُثْنِي أَرَامِلُهْ
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا بَعْدَ الْخَمْسِينَ:
ابْنُ الْخَازِنِ الْكَاتِبُ
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ، أَبُو الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَازِنِ، الْكَاتِبُ الْبَغْدَادِيُّ الشَّاعِرُ، كَانَ يَكْتُبُ جَيِّدًا فَائِقًا، اعْتَنَى بِكِتَابَةِ الْخَتَمَاتِ، وَأَكْثَرَ ابْنُهُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ اللَّهِ مِنْ كِتَابَةِ الْمَقَامَاتِ، وَجَمَعَ لِأَبِيهِ دِيوَانَ شِعْرٍ أَوْرَدَ مِنْهُ ابْنُ خَلِّكَانَ قِطْعَةً كَبِيرَةً.