الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]
[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]
سَنَةُ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ،
فِيهَا تَرَاسَلَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ وَالْخَلِيفَةُ عَلَى السُّلْطَانِ سَنْجَرَ وَأَنْ يَكُونَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ سَنْجَرُ كَتَبَ إِلَى ابْنِ أَخِيهِ مَحْمُودٍ يَنْهَاهُ وَيَسْتَمِيلُهُ إِلَيْهِ، وَيُحَذِّرُهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ، وَأَنَّهُ مَتَى مَا فَرَغَا مِنْهُ تَفَرَّغَ لَهُ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ، فَأَصْغَى إِلَى قَوْلِ عَمِّهِ، وَرَجَعَ عَنْ عَزْمِهِ، وَأَقْبَلَ يَقْصِدُ بَغْدَادَ لِيَدْخُلَهَا عَامَهُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ بِهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَزِفَ قُدُومُهُ، خَرَجَ الْخَلِيفَةُ مِنْ دَارِهِ وَتَحَيَّزَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى النَّاسِ، وَدَخَلَ عِيدُ الْأَضْحَى فَخَطَبَ الْخَلِيفَةُ النَّاسَ بِنَفْسِهِ خُطْبَةً عَظِيمَةً بَلِيغَةً فَصِيحَةً جِدًّا، وَكَبَّرَ وَرَاءَهُ خُطَبَاءُ الْجَوَامِعِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا. وَقَدْ سَرَدَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِطُولِهَا، وَرَوَاهَا عَنْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْخَلِيفَةِ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبِي الْقَاسِمِ الزَّيْنَبِيِّ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُدُولِ، وَلَمَّا أَرَادَ الْخَلِيفَةُ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْمِنْبَرِ ابْتَدَرَهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَاشِمِيُّ فَأَنْشَدَهُ:
عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ يَا خَيْرَ مَنْ عَلَا
…
عَلَى مِنْبَرٍ قَدْ حَفَّ أَعْلَامَهُ النَّصْرُ
وَأَفْضَلَ مَنْ أَمَّ الْأَنَامَ وَعَمَّهُمْ
…
بِسِيرَتَهِ الْحُسْنَى وَكَانَ لَهُ الْأَمْرُ
لَقَدْ شَنَّفَتْ أَسْمَاعَنَا مِنْكَ خُطْبَةٌ
…
وَمَوْعِظَةٌ فَصْلٌ يَلِينُ لَهَا الصَّخْرُ
مَلَأْتَ بِهَا كُلَّ الْقُلُوبِ مَهَابَةً
…
فَقَدْ رَجَفَتْ مِنْ خَوْفِ تَخْوِيفِهَا
مِصْرُ
سَمَا لَفْظُهَا فَضْلًا عَلَى كُلِّ قَائِلٍ
وَجَلَّ عُلَاهَا أَنْ يُلِمَّ بِهَا حَصْرُ
…
أَشَدْتَ بِهَا سَامِيَ الْمَنَابِرِ رِفْعَةً
تَقَاصَرَ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَنْجُمُ الزُّهْرُ
…
وَزِدْتَ بِهَا عَدْنَانَ مَجْدًا مُؤَثَّلًا
فَأَضْحَى لَهَا بَيْنَ الْأَنَامِ بِكَ الْفَخْرُ
…
فَلِلَّهِ عَصْرٌ أَنْتَ فِيهِ إِمَامُهُ
وَلِلَّهِ دِينٌ أَنْتَ فِيهِ لَنَا الصَّدْرُ
…
بَقِيتَ عَلَى الْأَيْامِ وَالْمُلْكِ كُلَّمَا
تَقَادَمَ عَصْرٌ أَنْتَ فِيهِ أَتَى عَصْرُ
…
وَأَصْبَحْتَ بِالْعِيدِ السَّعِيدِ مُهَنَّأً
يُشَرِّفُنَا فِيهِ صَلَاتُكَ وَالنَّحْرُ
وَلَمَّا نَزَلَ الْخَلِيفَةُ عَنِ الْمِنْبَرِ ذَبَحَ الْبَدَنَةَ بِيَدِهِ، وَدَخَلَ السُّرَادِقَ، وَتَبَاكَى النَّاسُ وَدَعَوْا لِلْخَلِيفَةِ بِالتَّوْفِيقِ وَالنَّصْرِ، ثُمَّ دَخَلَ السُّلْطَانُ مَحْمُودٌ إِلَى بَغْدَادَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، فَنَزَلُوا فِي بُيُوتِ النَّاسِ، وَحَصَلَ لِلنَّاسِ أَذًى كَثِيرٌ فِي حَرِيمِهِمْ، فَرَاسَلَ الْخَلِيفَةَ فِي الصُّلْحِ، فَأَبَى ذَلِكَ الْخَلِيفَةُ، وَرَكِبَ فِي جَيْشِهِ وَقَاتَلَ الْأَتْرَاكَ وَمَعَهُ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ ; وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ كُلَّهُمْ مَعَهُ، فَقَتَلَ مِنَ الْأَتْرَاكِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ جَاءَ عِمَادُ الدِّينِ زِنْكِي فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ مِنْ وَاسِطٍ فِي السُّفُنِ إِلَى السُّلْطَانِ، نَجْدَةً فَلَمَّا اسْتَشْعَرَ الْخَلِيفَةُ ذَلِكَ دَعَا إِلَى الصُّلْحِ، فَوَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَ