المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أُمَمٍ أُهْلِكُوا بِعَامَّةٍ]

- ‌[أَصْحَابُ الرَّسِّ]

- ‌[قِصَّةُ قَوْمِ يس]

- ‌[قِصَّةُ يُونُسَ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[قَوْمُ يُونُسَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ]

- ‌[فَضْلُ يُونُسَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ مُوسَى الْكَلِيمِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[قِصَّتُهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ]

- ‌[تَحْرِيضُ فِرْعَوْنَ عَلَى قَتْلِ مُوسَى وَإِسْلَامُ السَّحَرَةِ]

- ‌[هَلَاكُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهَ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ]

- ‌[سُؤَالُ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ كَلِيمِ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ]

- ‌[قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمُلَقَّبِ بِحَدِيثِ الْفُتُونِ الْمُتَضَمِّنِ قِصَّةَ مُوسَى مَبْسُوطَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا]

- ‌[ذِكْرُ بِنَاءِ قُبَّةِ الزَّمَانِ]

- ‌[قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام وَشَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ وَوَفَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ حَجِّ مُوسَى عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَصِفَتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ نُبُوَّةِ يُوشَعَ وَقِيَامِهِ بِأَعْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ عليهم السلام]

- ‌[ذِكْرُ قِصَّتَيِ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ الْخَضِرِ]

- ‌[قِصَّةُ إِلْيَاسَ عليه السلام]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ حِزْقِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ الْيَسَعَ عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ شَمْوِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ دَاوُدَ عليه السلام]

- ‌[فَضَائِلُهُ وَشَمَائِلُهُ وَدَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ وَأَعْلَامِهِ]

- ‌[ذِكْرُ كَمِّيَّةِ حَيَّاتِهِ وَكَيْفِيَّةِ وَفَاتِهِ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام]

- ‌[نَسَبُهُ وَمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ وَفَاتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَحَيَاتِهِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[شِعْيَا بْنُ أَمْصِيَا]

- ‌[أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا]

- ‌[ذِكْرُ خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ خَبَرِ دَانْيَالَ عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ خَرَابِهَا]

- ‌[قِصَّةُ الْعُزَيْرِ]

- ‌[هَلْ كَانَ عُزَيْرٌ نَبِيًّا أَمْ لَا]

- ‌[الزَّمَنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ الْعُزَيْرُ]

- ‌[قِصَّةُ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى عليهما السلام]

- ‌[قِصَّتُهُمَا كَمَا حَكَاهَا الْقُرْآنُ]

- ‌[بَيَانُ سَبَبِ قَتْلِ يَحْيَى عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ]

- ‌[قِصَّةُ مَرْيَمَ وَالْبِشَارَةِ بِعِيسَى]

- ‌[ذِكْرُ مِيلَادِ الْعَبْدِ الرَّسُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الْبَتُولِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْوَلَدِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْشَأِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام وَبَيَانُ بَدْءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَيَانُ نُزُولِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَمَوَاقِيتِهَا]

- ‌[بَيَانُ شَجَرَةِ طُوبَى مَا هِيَ]

- ‌[ذِكْرُ خَبَرِ الْمَائِدَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي مَشْيِ عِيسَى عَلَى الْمَاءِ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[صِفَةُ عِيسَى عليه السلام وَشَمَائِلُهُ وَفَضَائِلُهُ]

- ‌[اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ عليه السلام بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ]

- ‌[بَيَانُ بِنَاءِ بَيْتِ لَحْمٍ وَالْقُمَامَةِ]

- ‌[كِتَابُ أَخْبَارِ الْمَاضِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[خَبَرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ]

- ‌[بَيَانُ طَلَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ عَيْنَ الْحَيَاةِ]

- ‌[ذِكْرُ أُمَّتَيْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَصِفَاتِهِمْ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَصِفَةِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ]

- ‌[قِصَّةُ الرَّجُلَيْنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ أَيْلَةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي سَبْتِهِمْ]

الفصل: ‌[فصل في دخول بني إسرائيل التيه وما جرى لهم فيه من الأمور العجيبة]

[فَصْلٌ فِي دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهَ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ]

قَدْ ذَكَرْنَا نُكُولَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ قِتَالِ الْجَبَّارِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَاقَبَهُمْ بِالتِّيهِ، وَحَكَمَ بِأَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ إِلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمْ أَرَ فِي كِتَابِ أَهْلِ الْكِتَابِ قِصَّةَ نُكُولِهِمْ عَنْ قِتَالِ الْجَبَّارِينَ، وَلَكِنَّ فِيهَا أَنَّ يُوشَعَ جَهَّزَهُ مُوسَى لِقِتَالِ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ، وَأَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ، وَخُورَ، جَلَسُوا عَلَى رَأْسِ أَكَمَةٍ، وَرَفَعَ مُوسَى عَصَاهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَهَا انْتَصَرَ يُوشَعُ عَلَيْهِمْ وَكُلَّمَا مَالَتْ يَدُهُ بِهَا مِنْ تَعَبٍ أَوْ نَحْوِهِ، غَلَبَهُ أُولَئِكَ، وَجَعَلَ هَارُونُ وَخُورُ يُدَعِّمَانِ يَدَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَانْتَصَرَ حِزْبُ يُوشَعَ عليه السلام. وَعِنْدَهُمْ; أَنَّ يَثْرُونَ كَاهِنَ مَدْيَنَ، وَخَتَنَ مُوسَى، عليه السلام، بَلَغَهُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ مُوسَى، وَكَيْفَ أَظْفَرَهُ اللَّهُ بِعَدُوِّهِ فِرْعَوْنَ فَقَدِمَ عَلَى مُوسَى مُسْلِمًا وَمَعَهُ ابْنَتُهُ صِفُّورَا زَوْجَةُ مُوسَى، وَابْنَاهَا مِنْهُ جَرْشُونُ، وَعَازِرُ، فَتَلَقَّاهُ مُوسَى وَأَكْرَمَهُ، وَاجْتَمَعَ بِهِ شُيُوخُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَعَظَّمُوهُ وَأَجَلُّوهُ. وَذَكَرُوا أَنَّهُ رَأَى كَثْرَةَ اجْتِمَاعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مُوسَى، فِي الْخُصُومَاتِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَى مُوسَى أَنْ يَجْعَلَ عَلَى النَّاسِ رِجَالًا أُمَنَاءَ، أَتْقِيَاءَ،

ص: 131

أَعِفَّاءَ، يُبْغِضُونَ الرِّشَاءَ وَالْخِيَانَةَ، فَيَجْعَلُهُمْ عَلَى النَّاسِ رُءُوسَ أُلُوفٍ، وَرُءُوسَ مِئِينَ، وَرُؤْسَ خَمْسِينَ، وَرُؤْسَ عَشَرَةٍ، فَيَقْضُوا بَيْنَ النَّاسِ، فَإِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ جَاءُوكَ، فَفَصَلْتَ بَيْنَهُمْ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى عليه السلام. قَالُوا: وَدَخَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَرِّيَّةَ، عِنْدَ سَيْنَاءَ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ مِنْ خُرُوجِهِمْ مِنْ مِصْرَ، وَكَانَ خُرُوجُهُمْ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الَّتِي شُرِعَتْ لَهُمْ، وَهِيَ أَوَّلُ فَصْلِ الرَّبِيعِ. فَكَأَنَّهُمْ دَخَلُوا التِّيهَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الصَّيْفِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالُوا: وَنَزَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَوْلَ طُورِ سَيْنَاءَ، وَصَعِدَ مُوسَى الْجَبَلَ، فَكَلَّمَهُ رَبُّهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُذَكِّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ إِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَكَيْفَ حَمَلَهُمْ عَلَى مِثْلِ جَنَاحَيْ نِسْرٍ مِنْ يَدِهِ وَقَبْضَتِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يَتَطَهَّرُوا وَيَغْتَسِلُوا وَيَغْسِلُوا ثِيَابَهُمْ وَلْيَسْتَعِدُّوا إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَإِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلْيَجْتَمِعُوا حَوْلَ الْجَبَلِ، وَلَا يَقْتَرِبَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ دَنَا مِنْهُ قُتِلَ، حَتَّى وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْبَهَائِمِ، مَا دَامُوا يَسْمَعُونَ صَوْتَ الْقَرْنِ، فَإِذَا سَكَنَ الْقَرْنُ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ أَنْ تَرْتَقُوهُ، فَسَمِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ ذَلِكَ، وَأَطَاعُوا، وَاغْتَسَلُوا، وَتَنَظَّفُوا، وَتَطَيَّبُوا، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ رَكِبَ الْجَبَلَ غَمَامَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِيهَا أَصْوَاتٌ وَبُرُوقٌ، وَصَوْتُ الصُّورِ شَدِيدٌ جِدًّا، فَفَزِعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَخَرَجُوا فَقَامُوا فِي سَفْحِ الْجَبَلِ، وَغَشِيَ الْجَبَلَ دُخَانٌ عَظِيمٌ فِي وَسَطِهِ عَمُودُ نُورٍ، وَتَزَلْزَلَ الْجَبَلُ كُلُّهُ زَلْزَلَةً شَدِيدَةً، وَاسْتَمَرَّ صَوْتُ الصُّورِ، وَهُوَ الْبُوقُ، وَاشْتَدَّ، وَمُوسَى، عليه السلام، فَوْقَ الْجَبَلِ، وَاللَّهِ يُكَلِّمُهُ وَيُنَاجِيهِ، وَأَمَرَ الرَّبُّ، عز وجل، مُوسَى أَنْ يَنْزِلَ، فَيَأْمُرَ بَنِي

ص: 132

إِسْرَائِيلَ أَنْ يَقْتَرِبُوا مِنَ الْجَبَلِ; لِيَسْمَعُوا وَصِيَّةَ اللَّهِ، وَيَأْمُرَ الْأَحْبَارَ، وَهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ، أَنْ يَدْنُوا فَيَصْعَدُوا الْجَبَلَ; لِيَتَقَدَّمُوا بِالْقُرْبِ - وَهَذَا نَصٌّ فِي كِتَابِهِمْ عَلَى وُقُوعِ النَّسْخِ لَا مَحَالَةَ - فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصْعَدُوهُ، وَقَدْ نَهَيْتَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَذْهَبَ، فَيَأْتِيَ مَعَهُ بِأَخِيهِ هَارُونَ، وَلْيَكُنِ الْكَهَنَةُ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ، وَالشَّعْبُ، وَهُمْ بَقِيَّةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، غَيْرَ بَعِيدٍ. فَفَعَلَ مُوسَى، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ عز وجل، فَأَمَرَهُ حِينَئِذٍ بِالْعَشْرِ كَلِمَاتٍ.

وَعِنْدَهُمْ; أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَفْهَمُوا حَتَّى فَهَّمَهُمْ مُوسَى، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ لِمُوسَى: بَلِّغْنَا أَنْتَ عَنِ الرَّبِّ، فَإِنَّا نَخَافُ أَنْ نَمُوتَ. فَبَلَّغَهُمْ عَنْهُ، فَقَالَ هَذِهِ الْعَشْرُ الْكَلِمَاتِ; وَهِيَ الْأَمْرُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ بِاللَّهِ كَاذِبًا، وَالْأَمْرُ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى السَّبْتِ، وَمَعْنَاهُ تَفَرُّغُ يَوْمٍ مِنَ الْأُسْبُوعِ لِلْعِبَادَةِ. وَهَذَا حَاصِلٌ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، الَّذِي نَسَخَ اللَّهُ بِهِ السَّبْتَ، أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، لِيَطُولَ عُمْرُكَ فِي الْأَرْضِ، الَّذِي يُعْطِيكَ اللَّهُ رَبُّكَ، لَا تَقْتُلْ، لَا تَزْنِ، لَا تَسْرِقْ، لَا تَشْهَدْ عَلَى صَاحِبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ، لَا تَمُدَّ عَيْنَكَ إِلَى بَيْتِ صَاحِبِكَ، وَلَا تَشْتَهِ امْرَأَةَ صَاحِبِكَ، وَلَا عَبْدَهُ، وَلَا أَمَتَهُ، وَلَا ثَوْرَهُ، وَلَا حِمَارَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنَ الَّذِي لِصَاحِبِكَ، وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الْحَسَدِ.

وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ: مَضْمُونُ هَذِهِ الْعَشْرِ الْكَلِمَاتِ

ص: 133

فِي آيَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْأَنْعَامِ " {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ - وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 151 - 153]

[الْأَنْعَامِ: 151 - 153] . وَذَكَرُوا بَعْدَ الْعَشْرِ الْكَلِمَاتِ وَصَايَا كَثِيرَةً، وَأَحْكَامًا مُتَفَرِّقَةً عَزِيزَةً، كَانَتْ فَزَالَتْ وَعُمِلَ بِهَا حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا عِصْيَانٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ بِهَا ثُمَّ عَمَدُوا إِلَيْهَا فَبَدَّلُوهَا، وَحَرَّفُوهَا، وَأَوَّلُوهَا. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ سَلَبُوهَا، فَصَارَتْ مَنْسُوخَةً مُبَدَّلَةً، بَعْدَ مَا كَانَتْ مَشْرُوعَةً مُكَمِّلَةً، فَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَهُوَ الَّذِي يَحْكُمُ مَا يَشَاءُ، وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، أَلَّا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى - كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتٍ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى - وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 80 - 82]

[طه: 80 - 82] . يَذْكُرُ تَعَالَى مِنَّتَهُ

ص: 134

وَإِحْسَانَهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، بِمَا أَنْجَاهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ، وَخَلَّصَهُمْ مِنَ الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، وَأَنَّهُ وَعَدَهُمْ صُحْبَةَ نَبِيِّهِمْ كَلِيمِهِ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ، أَيْ مِنْهُمْ لِيُنَزِّلَ عَلَيْهِ أَحْكَامًا عَظِيمَةً فِيهَا مُصْلِحَةٌ لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ فِي حَالِ شِدَّتِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ، فِي سَفَرِهِمْ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ، مِنَّا مِنَ السَّمَاءِ، يُصْبِحُونَ فَيَجِدُونَهُ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ، فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ، وَمَنِ ادَّخَرَ مِنْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَسَدَ، وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ قَلِيلًا كَفَاهُ، أَوْ كَثِيرًا لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ، فَيَصْنَعُونَ مِنْهُ مِثْلَ الْخُبْزِ، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ وَالْحَلَاوَةِ، فَإِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ غَشِيَهُمْ طَيْرُ السَّلْوَى، فَيَقْتَنِصُونَ مِنْهُ بِلَا كُلْفَةٍ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ حَسَبَ كِفَايَتِهِمْ لِعَشَائِهِمْ، وَإِذَا كَانَ فَصْلُ الصَّيْفِ ظَلَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ، وَهُوَ السَّحَابُ الَّذِي يَسْتُرُ عَنْهُمْ حَرَّ الشَّمْسِ، وَضَوْءَهَا الْبَاهِرَ. كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الْبَقَرَةِ ":{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ - وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 40 - 41]

[الْبَقَرَةِ: 40، 41] . إِلَى أَنْ قَالَ: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ - وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ - وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ - ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ - وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ - وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ - ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ - وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 49 - 57]

[الْبَقَرَةِ: 49 - 57] .

ص: 135

إِلَى أَنْ قَالَ: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ - وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 60 - 61]

[الْبَقَرَةِ: 60، 61] . يَذْكُرُ تَعَالَى إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ بِمَا يَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى طَعَامَيْنِ شَهِيَّيْنِ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا سَعْيٍ لَهُمْ فِيهِ، بَلْ يُنَزِّلُ اللَّهُ الْمَنَّ بَاكِرًا، وَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرَ السَّلْوَى عَشِيًّا، وَأَنْبَعَ الْمَاءَ لَهُمْ بِضَرْبِ مُوسَى، عليه السلام، حَجَرًا كَانُوا يَحْمِلُونَهُ مَعَهُمْ، بِالْعَصَا فَتَفَجَّرَ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ مِنْهُ تَنْبَجِسُ ثُمَّ تَنْفَجِرُ مَاءً زُلَالًا، فَيَسْتَقُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَسْقُونَ دَوَابَّهُمْ، وَيَدَّخِرُونَ كِفَايَتَهُمْ. وَظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ مِنَ الْحَرِّ. وَهَذِهِ نِعَمٌ مِنَ اللَّهِ

ص: 136

عَظِيمَةٌ وَعَطِيَّاتٌ جَسِيمَةٌ، فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَلَا قَامُوا بِشُكْرِهَا وَحَقِّ عِبَادَتِهَا، ثُمَّ ضَجِرَ كَثِيرٌ مِنْهَا وَتَبَرَّمُوا بِهَا، وَسَأَلُوا أَنْ يَسْتَبْدِلُوا مِنْهَا بِبَدَلِهَا، مِمَّا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا، وَقِثَّائِهَا، وَفُومِهَا، وَعَدَسِهَا، وَبَصَلِهَا. فَقَرَّعَهُمُ الْكَلِيمُ، وَوَبَّخَهُمْ وَأَنَّبَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَعَنَّفَهُمْ قَائِلًا:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61] أَيْ; هَذَا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَتُرِيدُونَهُ بَدَلَ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْتُمْ فِيهَا، حَاصِلٌ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، مَوْجُودٌ بِهَا، وَإِذَا هَبَطْتُمْ إِلَيْهَا، أَيْ; وَنَزَلْتُمْ عَنْ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُونَ لِمَنْصِبِهَا، تَجِدُوا بِهَا مَا تَشْتَهُونَ، وَمَا تَرُومُونَ مِمَّا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْمَآكِلِ الدَّنِيَّةِ وَالْأَغْذِيَةِ الرَّدِيَّةِ، وَلَكِنِّي لَسْتُ أُجِيبُكُمْ إِلَى سُؤَالِكُمْ ذَلِكَ هَاهُنَا، وَلَا أُبَلِّغُكُمْ مَا تَعَنَّتُّمْ بِهِ مِنَ الْمُنَى، وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُمُ الصَّادِرَةِ مِنْهُمْ، تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا نُهُوا عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] . أَيْ; فَقَدْ هَلَكَ، وَحَقَّ لَهُ وَاللَّهِ الْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ، وَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ غَضَبُ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى مَزَجَ هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ بِالرَّجَاءِ لِمَنْ أَنَابَ وَتَابَ، وَلَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى مُتَابَعَةِ الشَّيْطَانِ الْمَرِيدِ، فَقَالَ:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] .

ص: 137