الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ بَيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْوَلَدِ]
قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} [مريم: 88] أَيْ شَيْئًا عَظِيمًا، وَمُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا. {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم: 90] فَبَيِّنَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنْبَغِي لَهُ الْوَلَدُ ; لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَمَالِكُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ، خَاضِعٌ ذَلِيلٌ لَدَيْهِ، وَجَمِيعُ سُكَّانِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدُهُ، وَهُوَ رَبُّهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 100]
[الْأَنْعَامِ: 100 - 103] . فَبَيَّنَ أَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ
شَيْءٍ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، وَالْوَلَدُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَنَاسِبَيْنِ! وَاللَّهُ تَعَالَى لَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا شَبِيهَ لَهُ، وَلَا عَدِيلَ لَهُ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ، فَلَا يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَهُوَ السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِي عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، وَجَمِيعِ صِفَاتِهِ. {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3] أَيْ: لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ وَلَدٌ. {وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص: 3] أَيْ: وَلَمْ يَتَوَلَّدْ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَهُ. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4] أَيْ: وَلَيْسَ لَهُ عِدْلٌ وَلَا مُكَافِئٌ وَلَا مُسَاوٍ، فَقَطَعَ النَّظِيرَ الْمُدَانِيَ وَالْأَعْلَى وَالْمُسَاوِيَ ; فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، إِذْ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ إِلَّا مُتَوَلِّدًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُتَعَادِلَيْنِ أَوْ مُتَقَارِبَيْنِ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
[النِّسَاءِ: 171 - 173] .
يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ وَمَنْ شَابَهَهُمْ، عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ فِي الدِّينِ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ ; فَالنَّصَارَى - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - غَلَوْا وَأَطْرَوُا الْمَسِيحَ حَتَّى جَاوَزُوا الْحَدَّ، فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَابْنُ أَمَتِهِ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ، الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا، فَبَعَثَ اللَّهُ الْمَلَكَ جِبْرِيلَ إِلَيْهَا، فَنَفَخَ فِيهَا عَنْ أَمْرِ اللَّهِ نَفْخَةً حَمَلَتْ مِنْهَا بِوَلَدِهَا عِيسَى عليه السلام، وَالَّذِي اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْمَلَكِ هِيَ الرُّوحُ الْمُضَافَةُ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ، وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ، وَنَاقَةُ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَكَذَا: رُوحُ اللَّهِ، أُضِيفَتْ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهَا وَتَكْرِيمًا، وَسُمِّيَ عِيسَى بِهَا ; لِأَنَّهُ كَانَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ أَيْضًا الَّتِي عَنْهَا خُلِقَ، وَبِسَبَبِهَا وُجِدَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 116]
[التَّوْبَةِ: 30] . فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ، كُلٌّ مِنْ
الْفَرِيقَيْنِ ادَّعَوْا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا، وَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ فِيمَا زَعَمُوهُ، وَلَا فِيمَا ائْتَفَكُوهُ، إِلَّا مُجَرَّدُ الْقَوْلِ وَمُشَابَهَةُ مَنْ سَبَقَهُمْ إِلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الضَّالَّةِ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ - عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ - زَعَمُوا أَنَّ الْعَقْلَ الْأَوَّلَ صَدَرَ عَنْ وَاجِبِ الْوُجُودِ، الَّذِي يُعَبِّرُونَ عَنْهُ بِعِلَّةِ الْعِلَلِ، وَالْمَبْدَأِ الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ صَدَرَ عَنِ الْعَقْلِ الْأَوَّلِ عَقْلٌ ثَانٍ، وَنَفْسٌ وَفَلَكٌ، ثُمَّ صَدَرَ عَنِ الثَّانِي كَذَلِكَ، حَتَّى تَنَاهَتِ الْعُقُولُ إِلَى عَشَرَةٍ، وَالنُّفُوسُ إِلَى تِسْعَةٍ، وَالْأَفْلَاكُ إِلَى تِسْعَةٍ، بِاعْتِبَارَاتٍ فَاسِدَةٍ ذَكَرُوهَا، وَاخْتِيَارَاتٍ بَارِدَةٍ أَوْرَدُوهَا، وَلِبَسْطِ الْكَلَامِ مَعَهُمْ، وَبَيَانِ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ، مَوْضِعٌ آخَرُ. وَهَكَذَا طَوَائِفُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ; زَعَمُوا لِجَهْلِهِمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ صَاهَرَ سَرَوَاتِ الْجِنِّ فَتَوَلَّدَ مِنْهُمَا الْمَلَائِكَةُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ، وَتَنَزَّهَ عَمَّا يُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19] . وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 149]
[الصَّافَّاتِ: 149 - 160] .
[الْكَهْفِ: 1 - 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 68]
[يُونُسَ: 68 - 70] . فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَكِّيَاتُ الْكَرِيمَاتُ تَشْمَلُ الرَّدَّ عَلَى سَائِرِ فِرَقِ الْكَفَرَةِ ; مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الَّذِينَ ادَّعَوْا وَزَعَمُوا بِلَا عِلْمٍ، أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ الْمُعْتَدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَلَمَّا كَانَتِ النَّصَارَى، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ أَشْهَرِ
مَنْ قَالَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ، ذُكِرُوا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا ; لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَبَيَانِ تَنَاقُضِهِمْ، وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ، وَكَثْرَةِ جَهْلِهِمْ، وَقَدْ تَنَوَّعَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي كُفْرِهِمْ ; وَذَلِكَ أَنَّ الْبَاطِلَ كَثِيرُ التَّشَعُّبِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَلَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَضْطَرِبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ يَتَّحِدُ وَيَتَّفِقُ، وَالْبَاطِلَ يَخْتَلِفُ وَيَضْطَرِبُ. فَطَائِفَةٌ مِنْ ضُلَّالِهِمْ وَجُهَّالِهِمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ. تَعَالَى اللَّهُ، وَطَائِفَةٌ قَالُوا: هُوَ ابْنُ اللَّهِ، عَزَّ اللَّهُ. وَطَائِفَةٌ قَالُوا: هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ. جَلَّ اللَّهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ " الْمَائِدَةِ ": {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 17] . فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كُفْرِهِمْ وَجَهْلِهِمْ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ الْخَالِقُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْمُتَصَرِّفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَإِلَهُهُ. وَقَالَ فِي أَوَاخِرِهَا:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة: 72]
[الْمَائِدَةِ: 72 - 75] .
حَكَمَ تَعَالَى بِكُفْرِهِمْ شَرْعًا وَقَدَرًا، وَأَخْبَرَ أَنَّ هَذَا صَدَرَ مِنْهُمْ، مَعَ أَنَّ الرَّسُولَ إِلَيْهِمْ، وَهُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قَدْ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ عَبْدٌ مَرْبُوبٌ مَخْلُوقٌ، مُصَوَّرٌ فِي الرَّحِمِ، دَاعٍ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ بِالنَّارِ، وَعَدَمِ الْفَوْزِ بِدَارِ الْقَرَارِ، وَالْخِزْيِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْهَوَانِ وَالْعَارِ، وَلِهَذَا قَالَ:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72] ثُمَّ قَالَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِالْأَقَانِيمِ الثَّلَاثَةِ: أُقْنُومُ الْأَبِ، وَأُقْنُومُ الِابْنِ، وَأُقْنُومُ الْكَلِمَةِ الْمُنْبَثِقَةِ مِنَ الْأَبِ إِلَى الِابْنِ، عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ الْمَلَكِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالنَّسْطُورِيَّةِ، عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُ كَيْفِيَّةَ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَمَجَامِعَهُمُ الثَّلَاثَةَ فِي زَمَنِ قُسْطَنْطِينَ بْنِ قَسْطَسَ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْمَسِيحِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَقَبْلَ الْبَعْثَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] أَيْ: وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ، وَلَا كُفْءَ لَهُ، وَلَا
صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا وَلَدَ، ثُمَّ تَوَعَدَهُمْ وَتَهَدَّدَهُمْ فَقَالَ:{وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73] ثُمَّ دَعَاهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَلُطْفِهِ إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْكِبَارِ، وَالْعَظَائِمِ الَّتِي تُوجِبُ النَّارَ، فَقَالَ:{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 74] ثُمَّ بَيَّنَ حَالَ الْمَسِيحِ وَأُمِّهِ، وَأَنَّهُ عَبْدٌ رَسُولٌ، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ، أَيْ لَيْسَتْ بِفَاجِرَةٍ، كَمَا يَقُولُهُ الْيَهُودُ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَبِيَّةٍ، كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا. وَقَوْلُهُ:{كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] كِنَايَةٌ عَنْ خُرُوجِهِ مِنْهُمَا، كَمَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِهِمَا، أَيْ: وَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، كَيْفَ يَكُونُ إِلَهًا؟! تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَجَهْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73] زَعْمُهُمْ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ أَنَّهُمَا إِلَهَانِ مَعَ اللَّهِ ; يَعْنِي كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى كُفْرَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 116]
[الْمَائِدَةِ: 116 - 118] .
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَسْأَلُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَامِ لَهُ وَالتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِعَابِدِيهِ، مِمَّنْ كَذَبَ عَلَيْهِ وَافْتَرَى وَزَعَمَ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ اللَّهُ، أَوْ أَنَّهُ شَرِيكُهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ، فَيَسْأَلُهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا يَسْأَلُهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ لِتَوْبِيخِ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ:{ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} [المائدة: 116] أَيْ: تَعَالَيْتَ أَنْ يَكُونَ مَعَكَ شَرِيكٌ. {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة: 116] أَيْ: لَيْسَ هَذَا يَسْتَحِقُّهُ أَحَدٌ سِوَاكَ. {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] وَهَذَا تَأَدُّبٌ عَظِيمٌ فِي الْخِطَابِ وَالْجَوَابِ. {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ} [المائدة: 117] حِينَ أَرْسَلْتَنِي إِلَيْهِمْ، وَأَنْزَلْتَ عَلَيَّ الْكِتَابَ الَّذِي كَانَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، ثُمَّ فَسَّرَ مَا قَالَ لَهُمْ بِقَوْلِهِ:{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة: 117] أَيْ خَالِقِي وَخَالِقُكُمْ، وَرَازِقِي وَرَازِقُكُمْ. {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: 117] أَيْ: رَفَعْتَنِي إِلَيْكَ حِينَ أَرَادُوا قَتْلِي وَصَلْبِي، فَرَحِمْتَنِي وَخَلَّصْتَنِي مِنْهُمْ، وَأَلْقَيْتَ شَبَهِي عَلَى أَحَدِهِمْ، حَتَّى انْتَقَمُوا مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ. {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] ثُمَّ قَالَ عَلَى وَجْهِ التَّفْوِيضِ إِلَى الرَّبِّ، عز وجل، وَالتَّبَرِّي مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] أَيْ: وَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ. {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، وَهَذَا التَّفْوِيضُ وَالْإِسْنَادُ إِلَى الْمَشِيئَةِ بِالشَّرْطِ، لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ:{فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]
وَلَمْ يَقُلْ: الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " التَّفْسِيرِ " مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَامَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] وَقَالَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عز وجل الشَّفَاعَةَ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِيهَا، وَهِيَ نَائِلَةٌ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 16]
[الزُّمَرِ: 4، 5] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الزخرف: 81]
[الزُّخْرُفِ: 81، 82] . وَقَالَ
تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] . وَثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ; يَزْعُمُ أَنَّ لِي وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمَّ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ» وَفِي " الصَّحِيحِ " أَيْضًا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ ; إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَهُوَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ» وَلَكِنْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " أَيْضًا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] . وَهَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج: 48] . وَقَالَ تَعَالَى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس: 69]
[الطَّارِقِ: 17] .