المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[بيان سبب قتل يحيى عليه السلام] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أُمَمٍ أُهْلِكُوا بِعَامَّةٍ]

- ‌[أَصْحَابُ الرَّسِّ]

- ‌[قِصَّةُ قَوْمِ يس]

- ‌[قِصَّةُ يُونُسَ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[قَوْمُ يُونُسَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ]

- ‌[فَضْلُ يُونُسَ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ مُوسَى الْكَلِيمِ عليه الصلاة والسلام]

- ‌[قِصَّتُهُ مَعَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ]

- ‌[تَحْرِيضُ فِرْعَوْنَ عَلَى قَتْلِ مُوسَى وَإِسْلَامُ السَّحَرَةِ]

- ‌[هَلَاكُ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التِّيهَ وَمَا جَرَى لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ]

- ‌[سُؤَالُ الرُّؤْيَةِ]

- ‌[قِصَّةُ عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ فِي غَيْبَةِ كَلِيمِ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ حَدِيثٍ آخَرَ بِمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ]

- ‌[قِصَّةُ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْمُلَقَّبِ بِحَدِيثِ الْفُتُونِ الْمُتَضَمِّنِ قِصَّةَ مُوسَى مَبْسُوطَةً مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا]

- ‌[ذِكْرُ بِنَاءِ قُبَّةِ الزَّمَانِ]

- ‌[قِصَّةُ قَارُونَ مَعَ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ فَضَائِلِ مُوسَى عليه السلام وَشَمَائِلِهِ وَصِفَاتِهِ وَوَفَاتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ حَجِّ مُوسَى عليه السلام إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وَصِفَتِهِ]

- ‌[ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ نُبُوَّةِ يُوشَعَ وَقِيَامِهِ بِأَعْبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى وَهَارُونَ عليهم السلام]

- ‌[ذِكْرُ قِصَّتَيِ الْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ عليهما السلام]

- ‌[قِصَّةُ الْخَضِرِ]

- ‌[قِصَّةُ إِلْيَاسَ عليه السلام]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ حِزْقِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ الْيَسَعَ عليه السلام]

- ‌[فَصْلٌ]

- ‌[قِصَّةُ شَمْوِيلَ]

- ‌[قِصَّةُ دَاوُدَ عليه السلام]

- ‌[فَضَائِلُهُ وَشَمَائِلُهُ وَدَلَائِلُ نُبُوَّتِهِ وَأَعْلَامِهِ]

- ‌[ذِكْرُ كَمِّيَّةِ حَيَّاتِهِ وَكَيْفِيَّةِ وَفَاتِهِ عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عليهما السلام]

- ‌[نَسَبُهُ وَمَا آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[ذِكْرُ وَفَاتِهِ وَمُدَّةِ مُلْكِهِ وَحَيَاتِهِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ]

- ‌[شِعْيَا بْنُ أَمْصِيَا]

- ‌[أَرْمِيَا بْنُ حَلْقِيَا]

- ‌[ذِكْرُ خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ خَبَرِ دَانْيَالَ عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ عِمَارَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ خَرَابِهَا]

- ‌[قِصَّةُ الْعُزَيْرِ]

- ‌[هَلْ كَانَ عُزَيْرٌ نَبِيًّا أَمْ لَا]

- ‌[الزَّمَنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ الْعُزَيْرُ]

- ‌[قِصَّةُ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى عليهما السلام]

- ‌[قِصَّتُهُمَا كَمَا حَكَاهَا الْقُرْآنُ]

- ‌[بَيَانُ سَبَبِ قَتْلِ يَحْيَى عليه السلام]

- ‌[قِصَّةُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ]

- ‌[قِصَّةُ مَرْيَمَ وَالْبِشَارَةِ بِعِيسَى]

- ‌[ذِكْرُ مِيلَادِ الْعَبْدِ الرَّسُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ الْبَتُولِ]

- ‌[بَابُ بَيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْوَلَدِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنْشَأِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليهما السلام وَبَيَانُ بَدْءِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى]

- ‌[بَيَانُ نُزُولِ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ وَمَوَاقِيتِهَا]

- ‌[بَيَانُ شَجَرَةِ طُوبَى مَا هِيَ]

- ‌[ذِكْرُ خَبَرِ الْمَائِدَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي مَشْيِ عِيسَى عَلَى الْمَاءِ]

- ‌[ذِكْرُ رَفْعِ عِيسَى عليه السلام]

- ‌[صِفَةُ عِيسَى عليه السلام وَشَمَائِلُهُ وَفَضَائِلُهُ]

- ‌[اخْتِلَافُ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ عليه السلام بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ]

- ‌[بَيَانُ بِنَاءِ بَيْتِ لَحْمٍ وَالْقُمَامَةِ]

- ‌[كِتَابُ أَخْبَارِ الْمَاضِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ]

- ‌[خَبَرُ ذِي الْقَرْنَيْنِ]

- ‌[بَيَانُ طَلَبِ ذِي الْقَرْنَيْنِ عَيْنَ الْحَيَاةِ]

- ‌[ذِكْرُ أُمَّتَيْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَصِفَاتِهِمْ وَمَا وَرَدَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَصِفَةِ السَّدِّ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْكَهْفِ]

- ‌[قِصَّةُ الرَّجُلَيْنِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ أَصْحَابِ أَيْلَةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا فِي سَبْتِهِمْ]

الفصل: ‌[بيان سبب قتل يحيى عليه السلام]

[بَيَانُ سَبَبِ قَتْلِ يَحْيَى عليه السلام]

وَذَكَرُوا فِي قَتْلِهِ أَسْبَابًا كَثِيرَةً ; مِنْ أَشْهَرِهَا أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِدِمَشْقَ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبَعْضِ مَحَارِمِهِ، أَوْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا، فَنَهَاهُ يَحْيَى، عليه السلام، عَنْ ذَلِكَ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهَا مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَلِكِ مَا يُحِبُّ مِنْهَا، اسْتَوْهَبَتْ مِنْهُ دَمَ يَحْيَى فَوَهَبَهُ لَهَا فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ وَجَاءَ بِرَأْسِهِ وَدَمِهِ فِي طَسْتٍ إِلَى عِنْدِهَا، فَيُقَالُ: إِنَّهَا هَلَكَتْ مِنْ فَوْرِهَا وَسَاعَتِهَا. وَقِيلَ: بَلْ أَحَبَّتْهُ امْرَأَةُ ذَلِكَ الْمَلِكِ وَرَاسَلَتْهُ، فَأَبَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا يَئِسَتْ مِنْهُ تَحَيَّلَتْ فِي أَنِ اسْتَوْهَبَتْهُ مِنَ الْمَلِكِ، فَتَمَنَّعَ عَلَيْهَا الْمَلِكُ، ثُمَّ أَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ، فَبَعَثَتْ مَنْ قَتَلَهُ وَأَحْضَرَ إِلَيْهَا رَأْسَهُ وَدَمَهُ فِي طَسْتٍ.

وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ فِي كِتَابِهِ " الْمُبْتَدَأُ " حَيْثُ قَالَ: أَنْبَأَنَا يَعْقُوبٌ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسَرِيَ بِهِ رَأَى زَكَرِيَّا فِي السَّمَاءِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا يَحْيَى، خَبِّرْنِي عَنْ قَتْلِكَ ; كَيْفَ كَانَ؟ وَلِمَ قَتَلَكَ بَنُو

ص: 411

إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أُخْبِرُكَ أَنَّ يَحْيَى كَانَ خَيْرَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَكَانَ أَجْمَلَهُمْ، وَأَصْبَحَهُمْ وَجْهًا، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{سَيِّدًا وَحَصُورًا} [آل عمران: 39] وَكَانَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى النِّسَاءِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأَةُ مَلِكِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتْ بَغِيَّةً، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ، وَعَصَمَهُ اللَّهُ، وَامْتَنَعَ يَحْيَى وَأَبَى عَلَيْهَا، وَأَجْمَعَتْ عَلَى قَتْلِ يَحْيَى، وَلَهُمْ عِيدٌ يَجْتَمِعُونَ فِي كُلِّ عَامٍ، وَكَانَتْ سُنَّةُ الْمَلِكَ أَنْ يُوعِدَ وَلَا يُخْلِفَ وَلَا يَكْذِبَ. قَالَ: فَخَرَجَ الْمَلِكُ إِلَى الْعِيدِ فَقَامَتِ امْرَأَتُهُ فَشَيَّعَتْهُ، وَكَانَ بِهَا مُعْجَبًا، وَلَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فِيمَا مَضَى، فَلَمَّا أَنْ شَيَّعَتْهُ قَالَ الْمَلِكُ: سَلِينِي، فَمَا سَأَلْتِنِي شَيْئًا إِلَّا أَعْطَيْتُكِ. قَالَتْ: أُرِيدُ دَمَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا. قَالَ لَهَا: سَلِينِي غَيْرَهُ. قَالَتْ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: هُوَ لَكِ. قَالَ: فَبَعَثَتْ جَلَاوِزَتَهَا إِلَى يَحْيَى، وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يُصَلِّي، وَأَنَا إِلَى جَانِبِهِ أُصَلِّي. قَالَ: فَذُبِحَ فِي طَسْتٍ وَحُمِلَ رَأْسُهُ وَدَمُهُ إِلَيْهَا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَمَا بَلَغَ مِنْ صَبْرِكَ؟ قَالَ: مَا انْفَتَلْتُ مِنْ صَلَاتِي. قَالَ: فَلَمَّا حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَيْهَا، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَلَمَّا أَمْسَوْا خَسَفَ اللَّهُ بِالْمَلِكِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَحَشَمِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: قَدْ غَضِبَ إِلَهُ زَكَرِيَّا لِزَكَرِيَّا، فَتَعَالَوْا حَتَّى نَغْضَبَ لِمَلِكِنَا، فَنَقْتُلَ زَكَرِيَّا. قَالَ: فَخَرَجُوا فِي طَلَبِي لِيَقْتُلُونِي، وَجَاءَنِي النَّذِيرُ فَهَرَبْتُ مِنْهُمْ، وَإِبْلِيسُ أَمَامَهُمْ يَدُلُّهُمْ عَلَيَّ، فَلَمَّا تَخَوَّفْتُ أَنْ لَا أُعْجِزَهُمْ، عَرَضَتْ لِي شَجَرَةٌ فَنَادَتْنِي وَقَالَتْ: إِلَيَّ إِلَيَّ. وَانْصَدَعَتْ لِي فَدَخَلْتُ فِيهَا. قَالَ: وَجَاءَ إِبْلِيسُ حَتَّى أَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِي، وَالْتَأَمَتِ الشَّجَرَةُ، وَبَقِيَ طَرَفُ رِدَائِي

ص: 412

خَارِجًا مِنَ الشَّجَرَةِ، وَجَاءَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَمَا رَأَيْتُمُوهُ دَخَلَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ؟ هَذَا طَرَفُ رِدَائِهِ، دَخَلَهَا بِسِحْرِهِ. فَقَالُوا: نُحَرِّقُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ. فَقَالَ إِبْلِيسُ: شُقُّوهُ بِالْمِنْشَارِ شَقًّا. قَالَ: فَشُقِقْتُ مَعَ الشَّجَرَةِ بِالْمِنْشَارِ. قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ وَجَدْتَ لَهُ مَسًّا أَوْ وَجَعًا؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا وَجَدَتْ ذَلِكَ الشَّجَرَةُ جَعَلَ اللَّهُ رُوحِي فِيهَا» . هَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَحَدِيثٌ عَجِيبٌ، وَرَفْعُهُ مُنْكَرٌ، وَفِيهِ مَا يُنْكَرُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْإِسْرَاءِ ذِكْرًا لِزَكَرِيَّا، عليه السلام، إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا الْمَحْفُوظُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ " الصَّحِيحِ " فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ:«فَمَرَرْتُ بِابْنَيِ الْخَالَةِ: يَحْيَى وَعِيسَى» وَهُمَا ابْنَا الْخَالَةِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ ; فَإِنَّ أُمَّ يَحْيَى أَشْيَاعُ بِنْتُ عِمْرَانَ أُخْتُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ. وَقِيلَ: بَلْ أَشْيَاعُ، وَهِيَ امْرَأَةُ زَكَرِيَّا أُمُّ يَحْيَى هِيَ أُخْتُ حَنَّةَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ أَمِّ مَرْيَمَ، فَيَكُونُ يَحْيَى ابْنَ خَالَةِ مَرْيَمَ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي مَقْتَلِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، هَلْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَمْ بِغَيْرِهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ ; فَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قُتِلَ عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعُونَ نَبِيًّا، مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عليه السلام. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قَدِمَ

ص: 413

بُخْتُ نَصَّرَ دِمَشْقَ فَإِذَا هُوَ بِدَمِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا يَغْلِي، فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَتَلَ عَلَى دَمِهِ سَبْعِينَ أَلْفًا، فَسَكَنَ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ قُتِلَ بِدِمَشْقَ، وَأَنَّ قِصَّةَ بُخْتُ نَصَّرَ كَانَتْ بَعْدَ الْمَسِيحِ، كَمَا قَالَهُ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا حِينَ أَرَادُوا بِنَاءَ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، أُخْرِجَ مِنْ تَحْتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْقِبْلَةِ، الَّذِي يَلِي الْمِحْرَابَ، مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ، فَكَانَتِ الْبَشَرَةُ وَالشَّعْرُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَفِي رِوَايَةٍ: كَأَنَّمَا قُتِلَ السَّاعَةَ. وَذُكِرَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، أَنَّهُ جُعِلَ تَحْتَ الْعَمُودِ الْمَعْرُوفِ بِعَمُودِ السَّكَاسِكَةِ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي " الْمُسْتَقْصَى فِي فَضَائِلِ الْأَقْصَى " مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ صُبْحٍ، عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ قُسَيْمٍ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: كَانَ مَلِكُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ - يَعْنِي دِمَشْقَ - هَدَادَ

ص: 414

ابْنَ هَدَادٍ، وَكَانَ قَدْ زَوَّجَ ابْنَهُ بِابْنَةِ أَخِيهِ أَرِيلَ، مَلِكَةِ صَيْدَا. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْلَاكِهَا سُوقُ الْمُلُوكِ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ الصَّاغَةُ الْعَتِيقَةُ. قَالَ: وَكَانَ قَدْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ إِنَّهُ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا، فَاسْتَفْتَى يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لَكَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَكَ. فَحَقَدَتْ عَلَيْهِ وَسَأَلَتْ مِنَ الْمَلِكِ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُمِّهَا، فَأَبَى عَلَيْهَا، ثُمَّ أَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِمَسْجِدِ جَيْرُونَ مَنْ أَتَاهُ بِرَأْسِهِ فِي صِينِيَّةٍ، فَجَعَلَ الرَّأْسَ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ لَهُ، لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. فَأَخَذَتِ الْمَرْأَةُ الطَّبَقَ، فَحَمَلَتْهُ عَلَى رَأْسِهَا وَأَتَتْ بِهِ أُمَّهَا، وَهُوَ يَقُولُ كَذَلِكَ، فَلَمَّا تَمَثَّلَتْ بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهَا خُسِفَ بِهَا إِلَى قَدَمَيْهَا ثُمَّ إِلَى حَقْوَيْهَا، وَجَعَلَتْ أُمُّهَا تُوَلْوِلُ وَالْجَوَارِي يَصْرُخْنَ وَيَلْطِمْنَ وُجُوهَهُنَّ، ثُمَّ خُسِفَ بِهَا إِلَى مَنْكِبَيْهَا، فَأَمَرَتْ أُمُّهَا السَّيَّافَ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهَا لِتَتَسَلَّى بِرَأْسِهَا، فَفَعَلَ، فَلَفَظَتِ الْأَرْضُ جُثَّتَهَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَوَقَعُوا فِي الذُّلِّ وَالْفَنَاءِ، وَلَمْ يَزَلْ دَمُ يَحْيَى يَفُورُ حَتَّى قَدِمَ بُخْتُ نَصَّرَ، فَقَتَلَ عَلَيْهِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَلْفًا. قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَهِيَ دَمُ كُلِّ نَبِيٍّ. وَلَمْ يَزَلْ يَفُورُ، حَتَّى وَقَفَ عِنْدَهُ أَرْمِيَا، عليه السلام، فَقَالَ: أَيُّهَا الدَّمُ أَفْنَيْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَاسْكُنْ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَسَكَنَ، فَرُفِعَ السَّيْفُ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَتَبِعَهُمْ إِلَيْهَا، فَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَسَبَا مِنْهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ.

ص: 415