الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قِصَّةُ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ]
[إِبْرَاهِيمَ: 28، 29] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ. فَضَرَبَ تَعَالَى لَهُمْ مَثَلًا بِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى أَنْوَاعِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ الَّتِي قَدِ انْتَهَتْ وَاسْتَحَقَّتْ أَنْ تُجَدَّ ; وَهُوَ الصِّرَامُ، وَلِهَذَا قَالَ:{إِذْ أَقْسَمُوا} [القلم: 17] فِيمَا بَيْنَهُمْ {لَيَصْرِمُنَّهَا} [القلم: 17] أَيْ: لَيَجُدُّنَّهَا، وَهُوَ الِاسْتِغْلَالُ (مُصْبِحِينَ) أَيْ: وَقْتَ الصُّبْحِ، حَيْثُ لَا يَرَاهُمْ فَقِيرٌ وَلَا مُحْتَاجٌ فَيُعْطُوهُ شَيْئًا، فَحَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ
يَسْتَثْنُوا فِي يَمِينِهِمْ، فَعَجَّزَهُمُ اللَّهُ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا الْآفَةَ الَّتِي أَحْرَقَتْهَا ; وَهِيَ السَّفْعَةُ الَّتِي اجْتَاحَتْهَا وَلَمْ تُبْقِ بِهَا شَيْئًا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلِهَذَا قَالَ {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: 19] أَيْ: كَاللَّيْلِ الْأَسْوَدِ الْمُنْصَرِمِ مِنَ الضِّيَاءِ وَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ} [القلم: 21] أَيْ: فَاسْتَيْقَظُوا مِنْ نَوْمِهِمْ فَنَادَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ: {اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ} [القلم: 22] أَيْ: بَاكِرُوا إِلَى بُسْتَانِكُمْ فَاصْرِمُوهُ. قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ النَّهَارُ وَيَكْثُرَ السُّؤَالُ {فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} [القلم: 23] أَيْ: يَتَحَدَّثُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ خُفْيَةً قَائِلِينَ: {لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم: 24] أَيْ: اتَّفِقُوا عَلَى هَذَا وَاشْتَوِرُوا عَلَيْهِ {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم: 25] أَيْ: انْطَلَقُوا مُجِدِّينَ فِي ذَلِكَ قَادِرِينَ عَلَيْهِ مُصَمِّمِينَ مُصِرِّينَ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ الْفَاسِدَةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ} [القلم: 25] أَيْ: غَضَبٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ. وَأَبْعَدَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ ; أَنَّ اسْمَ حَرْثِهِمْ حَرْدٌ. فَلَمَّا رَأَوْهَا أَيْ: وَصَلُوا إِلَيْهَا، وَنَظَرُوا مَا حَلَّ بِهَا، وَمَا قَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الصِّفَةِ الْمُنْكَرَةِ بَعْدَ تِلْكَ النَّضْرَةِ وَالْحُسْنِ وَالْبَهْجَةِ، فَانْقَلَبَتْ بِسَبَبِ النِّيَّةِ الْفَاسِدَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ {قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} [القلم: 26] أَيْ: قَدْ تُهْنَا عَنْهَا وَسَلَكْنَا غَيْرَ طَرِيقِهَا. ثُمَّ قَالُوا: {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة: 67] أَيْ: بَلْ عُوقِبْنَا بِسَبَبِ سُوءِ قَصْدِنَا، وَحُرِمْنَا بَرَكَةَ حَرْثِنَا {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} [القلم: 28] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ
وَاحِدٍ: هُوَ أَعْدَلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ. {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28] قِيلَ: تَسْتَثْنُونَ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ. وَقِيلَ: تَقُولُونَ خَيْرًا بَدَلَ مَا قُلْتُمْ مِنَ الشَّرِّ {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} [القلم: 29] فَنَدِمُوا حَيْثُ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَاعْتَرَفُوا بِالذَّنْبِ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَنْجَعُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا إِخْوَةً وَقَدْ وَرِثُوا هَذِهِ الْجَنَّةَ عَنْ أَبِيهِمْ، وَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهَا كَثِيرًا، فَلَمَّا صَارَ أَمْرُهَا إِلَيْهِمُ اسْتَهْجَنُوا أَمْرَ أَبِيهِمْ، وَأَرَادُوا اسْتِغْلَالَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْطُوا الْفُقَرَاءَ شَيْئًا، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ مِنَ الثِّمَارِ وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ يَوْمَ الْجَدَادِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] . ثُمَّ قِيلَ: كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: ضِرْوَانُ. وَقِيلَ: مِنْ أَهْلِ الْحَبَشَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} [القلم: 33] أَيْ: هَكَذَا نُعَذِّبُ مَنْ خَالَفَ أَمْرَنَا، وَلَمْ يَعْطِفْ عَلَى الْمَحَاوِيجِ مِنْ خَلْقِنَا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} [الزمر: 26] أَيْ: أَعْظَمُ وَأَطَمُّ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
وَقِصَّةُ هَؤُلَاءِ شَبِيهَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 112]
[النَّحْلِ: 112، 113] .
قِيلَ: هَذَا مَثَلٌ مَضْرُوبٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ. وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْفُسُهُمْ، ضَرَبَهُمْ مَثَلًا لِأَنْفُسِهِمْ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.