الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ وَفَاتِهِ عليه السلام]
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": (وَفَاةُ مُوسَى، عليه السلام : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، عليه السلام، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، عز وجل، فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ، قَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِمَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ. قَالَ: فَسَأَلَ اللَّهَ عز وجل أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ": «فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» .
قَالَ: وَأَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نَحْوَهُ. وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَسَيَأْتِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، يَعْنِي سُلَيْمَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَمْ يَرْفَعْهُ - قَالَ: جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى، عليه السلام، فَقَالَ: أَجِبْ رَبَّكَ. فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَهَا، فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ، فَقَالَ: إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَكَ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. قَالَ: وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي، فَقُلْ لَهُ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ؟ فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ، فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا وَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرِهِ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ يَا رَبِّ، مِنْ قَرِيبٍ. تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ مَوْقُوفٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ "، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ، لَمَّا قَالَ لَهُ هَذَا لَمْ يَعْرِفْهُ; لِمَجِيئِهِ لَهُ عَلَى غَيْرِ صُورَةٍ يَعْرِفُهَا مُوسَى، عليه السلام، كَمَا جَاءَ جِبْرِيلُ، عليه السلام، فِي صُورَةِ أَعْرَابِيٍّ، وَكَمَا وَرَدَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَلَوْ فِي صُورَةِ شَبَابٍ، فَلَمْ يَعْرِفْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَلَا لُوطٌ أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ مُوسَى لَعَلَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ لِذَلِكَ وَلَطَمَهُ فَفَقَأَ عَيْنَهُ; لِأَنَّهُ دَخَلَ دَارَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِشَرِيعَتِنَا فِي جَوَازِ فَقْءِ عَيْنِ مَنْ
نَظَرَ إِلَيْكَ فِي دَارِكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ. ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى لِيَقْبِضَ رُوحَهُ، قَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ. فَلَطَمَ مُوسَى عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ» وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ - كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ - ثُمَّ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ يَدَهُ لِيَلْطِمَهُ قَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ اللَّفْظُ، مِنْ تَعْقِيبِ قَوْلِهِ: أَجِبْ رَبَّكَ. بِلَطْمِهِ، وَلَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ، لَتَمَشَّى لَهُ. وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ، وَلَمْ يَحْمِلْ قَوْلَهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ مُطَابِقٌ; إِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي السَّاعَةِ الرَّاهِنَةِ أَنَّهُ مَلَكٌ كَرِيمٌ; لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجُو أُمُورًا كَثِيرَةً كَانَ يُحِبُّ وُقُوعَهَا فِي حَيَاتِهِ; مِنْ خُرُوجِهِ مِنَ التِّيهِ، وَدُخُولِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، وَكَانَ قَدْ سَبَقَ فِي قَدَرِ اللَّهِ، أَنَّهُ، عليه السلام، يَمُوتُ فِي التِّيهِ، بَعْدَ هَارُونَ أَخِيهِ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُوسَى، عليه السلام، هُوَ الَّذِي خَرَجَ بِهِمْ مِنَ التِّيهِ، وَدَخَلَ بِهِمُ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ. وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، قَوْلُهُ لَمَّا اخْتَارَ الْمَوْتَ: رَبِّ، أَدْنِنِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ. وَلَوْ كَانَ قَدْ دَخَلَهَا، لَمْ يَسْأَلْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعَ قَوْمِهِ بِالتِّيهِ، وَحَانَتْ وَفَاتُهُ، عليه السلام، أَحَبَّ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ إِلَيْهَا، وَحَثَّ قَوْمَهُ عَلَيْهَا، وَلَكِنْ حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا الْقَدَرُ، رَمْيَةً بِحَجَرٍ، وَلِهَذَا قَالَ
سَيِّدُ الْبَشَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِ الْوَبَرِ وَالْمَدَرِ:«فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«لَمَّا أُسْرِيَ بِي، مَرَرْتُ بِمُوسَى، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ، عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ» . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، قَالُوا: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى مُوسَى: إِنِّي مُتَوَفٍّ هَارُونَ، فَائِتِ بِهِ جَبَلَ كَذَا وَكَذَا. فَانْطَلَقَ مُوسَى وَهَارُونُ نَحْوَ ذَلِكَ الْجَبَلِ، فَإِذَا هُمْ بِشَجَرَةٍ لَمْ تُرَ شَجَرَةٌ مِثْلُهَا، وَإِذَا هُمْ بِبَيْتٍ مَبْنِيٍّ، وَإِذَا هُمْ بِسَرِيرٍ عَلَيْهِ فُرُشٌ، وَإِذَا فِيهِ رِيحٌ طَيِّبَةٌ، فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ وَالْبَيْتِ وَمَا فِيهِ، أَعْجَبَهُ، قَالَ: يَا مُوسَى، إِنِّي أُحِبُّ أَنَّ أَنَامَ عَلَى هَذَا السَّرِيرِ. قَالَ لَهُ مُوسَى: فَنَمْ عَلَيْهِ، قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَأْتِيَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ فَيَغْضَبَ عَلَيَّ. قَالَ لَهُ: لَا تَرْهَبْ، أَنَا أَكْفِيكَ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، فَنَمْ. قَالَ: يَا مُوسَى، بَلْ نَمْ مَعِي فَإِنْ جَاءَ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ، غَضِبَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ جَمِيعًا فَلَمَّا نَامَا، أَخَذَ هَارُونَ الْمَوْتُ، فَلَمَّا وَجَدَ حِسَّهُ، قَالَ: يَا مُوسَى، خَدَعَتْنِي. فَلَمَّا قُبِضَ، رُفِعَ ذَلِكَ الْبَيْتُ، وَذَهَبَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ، وَرُفِعَ السَّرِيرُ
بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ، وَلَيْسَ مَعَهُ هَارُونُ قَالُوا: فَإِنَّ مُوسَى قَتَلَ هَارُونَ، وَحَسَدَهُ حُبَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ. وَكَانَ هَارُونُ أَكَفَّ عَنْهُمْ وَأَلْيَنَ لَهُمْ مِنْ مُوسَى، وَكَانَ فِي مُوسَى بَعْضُ الْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: وَيْحَكُمْ، كَانَ أَخِي أَفَتَرُونِي أَقْتُلُهُ؟ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ فَنَزَلَ السَّرِيرُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَيْهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ إِنَّ مُوسَى، عليه السلام، بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي وَيُوشَعُ فَتَاهُ، إِذْ أَقْبَلَتْ رِيحٌ سَوْدَاءُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا يُوشَعُ ظَنَّ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَالْتَزَمَ مُوسَى وَقَالَ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَأَنَا مُلْتَزِمٌ مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ، فَاسْتَلَّ مُوسَى، عليه السلام مِنْ تَحْتِ الْقَمِيصِ، وَتَرَكَ الْقَمِيصَ فِي يَدَيْ يُوشَعَ، فَلَمَّا جَاءَ يُوشَعُ بِالْقَمِيصِ أَخَذَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَقَالُوا: قَتَلْتَ نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا قَتَلْتُهُ وَلَكِنَّهُ اسْتَلَّ مِنِّي. فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ. قَالَ: فَإِذَا لَمْ تُصَدِّقُونِي فَأَخِّرُونِي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَدَعَا اللَّهَ، فَأَتَى كُلُّ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ يَحْرُسُهُ فِي الْمَنَامِ فَأَخْبَرَ أَنَّ يُوشَعَ لَمْ يَقْتُلْ مُوسَى، وَإِنَّا قَدْ رَفَعْنَاهُ إِلَيْنَا، فَتَرَكُوهُ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ مَعَ مُوسَى، إِلَّا مَاتَ، وَلَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ. وَفِي بَعْضِ هَذَا السِّيَاقِ نَكَارَةٌ وَغَرَابَةٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ التِّيهِ مِمَّنْ كَانَ مَعَ مُوسَى، سِوَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَكَالِبَ بْنِ يُوفَنَّا، وَهُوَ زَوْجُ مَرْيَمَ أُخْتِ مُوسَى وَهَارُونَ، وَهُمَا الرَّجُلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيمَا تَقَدَّمَ اللَّذَانِ أَشَارَا عَلَى مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ أَنَّ مُوسَى، عليه السلام، مَرَّ بِمَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَحْفِرُونَ قَبْرًا، فَلَمْ يَرَ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَنْضَرَ وَلَا أَبْهَجَ، فَقَالَ: يَا مَلَائِكَةَ اللَّهِ لِمَنْ تَحْفِرُونَ هَذَا الْقَبْرَ؟
فَقَالُوا: لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَرِيمٍ، فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تَكُونَ هَذَا الْعَبْدَ، فَادْخُلْ هَذَا الْقَبْرَ، وَتَمَدَّدْ فِيهِ، وَتَوَجَّهْ إِلَى رَبِّكَ، وَتَنَفَّسْ أَسْهَلَ تَنَفُّسٍ. فَفَعَلَ ذَلِكَ فَمَاتَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ، وَدَفَنُوهُ. وَذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مَاتَ وَعُمْرُهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، وَيُونُسُ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ يُونُسُ: رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ مَلَكُ الْمَوْتِ يَأْتِي النَّاسَ عِيَانًا قَالَ: فَأَتَى مُوسَى، عليه السلام، فَلَطَمَهُ، فَفَقَأَ عَيْنَهُ، فَأَتَى رَبَّهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ عَبْدُكَ مُوسَى فَقَأَ عَيْنِي، وَلَوْلَا كَرَامَتُهُ عَلَيْكَ لَعَنُفْتُ بِهِ " وَقَالَ يُونُسُ: " لَشَقَقْتُ عَلَيْهِ ". " قَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى عَبْدِي، فَقُلْ لَهُ: فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى جِلْدِ - أَوْ مَسْكِ - ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ وَارَتْ يَدُهُ سَنَةٌ. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ، فَقَالَ: مَا بَعْدَ هَذَا؟ قَالَ: الْمَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ ". قَالَ: فَشَمَّهُ شَمَّةً، فَقَبَضَ رُوحَهُ قَالَ يُونُسُ: " فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَكَانَ يَأْتِي النَّاسَ خُفْيَةً» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ الْمِقْدَامِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ، فَرَفَعَهُ أَيْضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.