الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]
قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ ذَلِكَ فِي رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ ثِنْتَيْنِ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ كَمَا سَيَأْتِي. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: فِي شَعْبَانَ مِنْهَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَعْدَ غَزْوَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ. وَيُقَالُ: صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ، أَنَّهَا صُرِفَتْ فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ. ثُمَّ حَكَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهَا حُوِّلَتْ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ النِّصْفَ مِنْ شَعْبَانَ. وَفِي هَذَا التَّحْدِيدِ نَظَرٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي
" التَّفْسِيرِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 144] وَمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنِ اعْتِرَاضِ سُفَهَاءِ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْجَهَلَةِ الطَّغَامِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ نَسْخٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ. هَذَا وَقَدْ أَحَالَ اللَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْقُرْآنِ تَقْرِيرَ جَوَازِ النَّسْخِ عِنْدَ قَوْلِهِ:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106]
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَمِعَ زُهَيْرًا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ إِلَى الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى، أَوْ صَلَّاهَا، صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى
أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ. فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] » [الْبَقَرَةِ: 143] رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، «عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: قَدْ {نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلْنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] . قَالَ: فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ. وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْيَهُودُ: مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] »
وَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنه، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَصَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، وَاسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَى رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ، عَلَيْهِ
السَّلَامُ يُحِبُّ أَنْ تُصْرَفَ قِبْلَتُهُ نَحْوَ الْكَعْبَةِ قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ يُكْثِرُ الدُّعَاءَ وَالتَّضَرُّعَ وَالِابْتِهَالَ إِلَى اللَّهِ، عز وجل، فَكَانَ مِمَّا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَطَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ سَائِلًا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] الْآيَةَ. فَلَمَّا نَزَلَ الْأَمْرُ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ. كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَزَلَ تَحْوِيلُهَا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا، عليه السلام، إِلَى الْكَعْبَةِ بِالْمَدِينَةِ، الْعَصْرُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ خَبَرُ ذَلِكَ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "«عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا. وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» .
وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ "، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَنَسَخَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ الصَّلَاةِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، طَعَنَ طَاعِنُونَ مِنَ السُّفَهَاءِ وَالْجَهَلَةِ وَالْأَغْبِيَاءِ، وَقَالُوا:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: 142] . هَذَا وَالْكَفَرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ، لِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي كُتُبِهِمْ، مِنْ أَنَّ الْمَدِينَةَ مُهَاجَرُهُ، وَأَنَّهُ سَيُؤْمَرُ بِالِاسْتِقْبَالِ إِلَى الْكَعْبَةِ كَمَا قَالَ:{وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 144] الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 144] وَقَدْ أَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ هَذَا كُلِّهِ عَنْ سُؤَالِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ، فَقَالَ:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] . أَيْ هُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، الَّذِي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فِي خَلْقِهِ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ فِي شَرْعِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَنِ الطَّرِيقِ الْقَوِيمِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الْحِكْمَةُ الَّتِي يَجِبُ لَهَا الرِّضَا وَالتَّسْلِيمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143] أَيْ خِيَارًا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] أَيْ وَكَمَا اخْتَرْنَا لَكُمْ أَفْضَلَ الْجِهَاتِ فِي صَلَاتِكُمْ، وَهَدَيْنَاكُمْ إِلَى قِبْلَةِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي بِهَا مُوسَى فَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ خِيَارَ الْأُمَمِ، وَخُلَاصَةَ الْعَالَمِ، وَأَشْرَفَ الطَّوَائِفِ،
وَأَكْرَمَ التَّالِدِ وَالطَّارِفِ، لِتَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَيْكُمْ وَإِشَارَتِهِمْ يَوْمَئِذٍ بِالْفَضِيلَةِ إِلَيْكُمْ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مِنَ اسْتِشْهَادِ نُوحٍ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَإِذَا اسْتَشْهَدَ بِهِمْ نُوحٌ مَعَ تَقَدُّمِ زَمَانِهِ فَمَنْ بَعْدَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا حِكْمَتَهُ فِي حُلُولِ نِقْمَتِهِ بِمَنْ شَكَّ وَارْتَابَ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ، وَحُلُولِ نِعْمَتِهِ عَلَى مَنْ صَدَّقَ وَتَابَعَ هَذِهِ الْكَائِنَةَ، فَقَالَ:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ} [البقرة: 143] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِلَّا لِنَرَى مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} [البقرة: 143] أَيْ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْكَائِنَةُ الْعَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ كَبِيرَةَ الْمَحَلِّ شَدِيدَةَ الْأَمْرِ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أَيْ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ بِهَا مُصَدِّقُونَ لَهَا، لَا يَشُكُّونَ وَلَا يَرْتَابُونَ بَلْ يَرْضَوْنَ، وَيُسَلِّمُونَ، وَيُؤْمِنُونَ، وَيَعْمَلُونَ، لِأَنَّهُمْ عَبِيدٌ لِلْحَاكِمِ الْعَظِيمِ الْقَادِرِ الْمُقْتَدِرِ الْحَلِيمِ الْخَبِيرِ اللَّطِيفِ الْعَلِيمِ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] أَيْ بِشِرْعَتِهِ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالصَّلَاةَ إِلَيْهِ. {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 143] وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا يَطُولُ اسْتِقْصَاؤُهَا، وَذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي " التَّفْسِيرِ " وَسَنَزِيدُ ذَلِكَ بَيَانًا فِي كَتَابِنَا " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ ".
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي أَهْلِ الْكِتَابِ -: إِنَّهُمْ لَمْ يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَنَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ