الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِرِيقِهِ وَغَاظَهُ ذَلِكَ جِدًّا - وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8] وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَوْفٍ - وَمَالِكِ بْنِ أَبِي قَوْقَلٍ، وَسُوَيْدٍ وَدَاعِسٍ، وَهُمْ مِنْ رَهْطِهِ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} [الحشر: 12] الْآيَاتِ. حِينَ مَالُوا فِي الْبَاطِنِ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ.
[فَصْلٌ: ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ]
فَصْلٌ
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ، فَكَانُوا كُفَّارًا فِي الْبَاطِنِ، فَأَتْبَعَهُمْ بِصِنْفِ الْمُنَافِقِينَ، وَهُمْ مِنْ شَرِّهِمْ، سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَزَيْدُ بْنُ اللُّصَيْتِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ حِينَ ضَلَّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ، وَهُوَ لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ لَا أَعْلَمُ إِلَّا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَقَدْ دَلَّنِي اللَّهُ عَلَيْهَا، فَهِيَ فِي هَذَا الشِّعْبِ، قَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا. فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَوَجَدُوهَا كَذَلِكَ. قَالَ: وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى، «وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ مَاتَ - فِيمَا بَلَغْنَا -: قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ» . «وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ وَهُوَ الَّذِي هَبَّتِ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ يَوْمَ
مَوْتِهِ عِنْدَ مَرْجِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَبُوكَ فَقَالَ: إِنَّهَا هَبَّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ» . فَلَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، وَجَدُوا رِفَاعَةَ قَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَسِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامَ، وَكِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا. فَهَؤُلَاءِ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْ مُنَافِقِي الْيَهُودِ.
قَالَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ، وَيَسْمَعُونَ أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْخَرُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِدِينِهِمْ، فَاجْتَمَعَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا مِنْهُمْ أُنَاسٌ، فَرَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَحَدَّثُونَ بَيْنَهُمْ، خَافِضِي أَصْوَاتِهُمْ، قَدْ لَصَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُخْرِجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ إِخْرَاجًا عَنِيفًا، فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَحَدِ بَنِي النَّجَّارِ، وَكَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ، فَسَحَبَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ، وَهُوَ يَقُولُ لَعَنَهُ اللَّهُ: أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيُّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ؟ ثُمَّ أَقْبَلَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ النَّجَّارِيِّ فَلَبَّبَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا، وَلَطَمَ وَجْهَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَقُولُ: أُفٍ لَكَ مُنَافِقًا خَبِيثًا. وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ جَمَعَ عُمَارَةُ يَدَيْهِ جَمِيعًا، فَلَدَمَهُ بِهِمَا لَدْمَةٍ فِي صَدْرِهِ خَرَّ مِنْهَا. قَالَ: يَقُولُ: خَدَشْتَنِي يَا عُمَارَةُ. فَقَالَ عُمَارَةُ: أَبْعَدَكَ اللَّهُ يَا مُنَافِقُ، فَمَا
أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْعَذَابِ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ - وَكَانَ بَدْرِيًّا - إِلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ - وَكَانَ شَابًّا وَلَيْسَ فِي الْمُنَافِقِينَ شَابٌّ سِوَاهُ - فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ، وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو - وَكَانَ ذَا جُمَّةٍ - فَأَخَذَ بِجُمَّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا عَلَى مَا مَرَّ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى أَخْرَجَهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ الْمُنَافِقُ: قَدْ أَغْلَظْتَ يَا أَبَا الْحَارِثِ. فَقَالَ: إِنَّكَ أَهْلٌ لِذَلِكَ أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ، لِمَا أُنْزِلَ فِيكَ فَلَا تَقْرَبَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّكَ نَجَسٌ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى أَخِيهِ زُوَيِّ بْنِ الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ إِخْرَاجًا عَنِيفًا وَأَفَّفَ مِنْهُ، وَقَالَ: غَلَبَ عَلَيْكَ الشَّيْطَانُ وَأَمْرُهُ. ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ مَا نَزَلَ فِيهِمْ مِنَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ " الْبَقَرَةِ " وَغَيْرِهَا وَمِنْ سُورَةِ " التَّوْبَةِ "، وَتَكَلَّمَ عَلَى تَفْسِيرِ ذَلِكَ، فَأَجَادَ وَأَفَادَ، رحمه الله.