الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ أَشْعَارٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ]
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَشْعَارًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ قَوِيَّةَ الصَّنْعَةِ، يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَخِي بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ، وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسُّهَيْلِيُّ فِي " رَوْضِهِ " يَتَكَلَّمُ عَلَى أَشْعَارِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرُ
…
عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرِ بَنِي النَّجَّارِ أَنْ كَانَ مَعْشَرٌ
…
أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَائِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا
…
فَإِنَّا رِجَالًا بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسْطَكُمْ
…
بَنِي الْأَوْسِ حَتَّى يَشْفِيَ النَّفْسَ ثَائِرُ
وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا
لَهَا بِالْقَنَا وَالدَّارِعِينَ زَوَافِرُ
…
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ
وَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا الْأَمَانِيَّ نَاصِرُ
…
وَتَبْكِيهِمُ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ
لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنِ النَّوْمِ سَاهِرُ
…
وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا
بِهِنَّ دَمٌ مِمَّنْ يُحَارِبْنَ مَائِرُ
…
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا
بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهْوَ ظَاهِرُ
…
وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ
يُحَامُونَ فِي اللَّأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
…
يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمُ
وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
…
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتَّجَتْ فِي دِيَارِهَا
بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حِينَ تُفَاخِرُ
…
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ
إِذَا عُدَّتِ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
…
هُمُ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلِّ مَعْرَكٍ
غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَسْلَفْنَاهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاللَّهُ قَادِرُ
…
عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلَّهِ قَاهِرُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبَ قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ خَلَفَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، حِينَ طَلَّقَهَا الصِّدِّيقُ، وَذَلِكَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاسْمُهَا أُمُّ بَكْرٍ -:
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ
…
وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ
…
مِنَ الشِّيزَى تُكَلَّلُ بِالسَّنَامِ
وَكَمْ لَكَ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ
…
مِنَ الْحَوْمَاتِ وَالنَّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَكَ بِالطَّوِيِّ طَوِيِّ بَدْرٍ
…
مِنَ الْغَايَاتِ وَالدُّسُعِ الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيٍّ
أَخِي الْكَأْسِ الْكَرِيمَةِ وَالنِّدَامِ
…
وَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ أَبَا عَقِيلٍ
وَأَصْحَابَ الثَّنِيَّةِ مِنْ نَعَامِ
…
إِذًا لَظَلِلْتَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ
كَأُمِّ السَّقْبِ جَائِلَةَ الْمَرَامِ
…
يُخَبِّرُنَا الرَّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا
وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قُلْتُ: وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهَا فِي " صَحِيحِهِ " لِيُعْرَفَ بِهِ حَالُ قَائِلِهَا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ، يَرْثِي مِنْ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ:
أَلَّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا
…
مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو
عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصُنِ الْجَوَانِحْ
…
يَبْكِينَ حَرَّى مُسْتَكِي
نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرَّوَائِحُ
…
أَمْثَالُهُنَّ الْبَاكِيَا
تُ الْمُعْوِلَاتُ مِنَ النَّوَائِحُ
…
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِي عَلَى
حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلُّ مَادِحْ
…
مَاذَا بِبَدْرٍ وَالْعَقَنْ
قَلِ مِنْ مَرَازِبَةٍ جَحَاجِحُ
…
فَمَدَافِعُ الْبَرْقَيْنِ فَالْ
حَنَّانِ
…
مِنْ طَرَفِ الْأَوَاشِحْ شُمْطٍ
وَشُبَّانٍ بَهَا لِيلٍ مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ
…
أَلَّا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى
وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلِّ لَامِحْ
…
أَنْ قَدْ تَغَيَّرَ بَطْنُ مَكَّ
ةَ فَهْيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ
…
مِنْ كُلِّ بِطْرِيقٍ لِبِطْ
رِيقٍ نَقِيِّ الْوُدِّ وَاضِحْ
…
دُعْمُوصِ أَبْوَابِ الْمُلُو
كِ وَجَائِبٍ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
…
وَمِنَ السَّرَاطِمَةِ الْخَلَا
جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ
…
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِي
نَ الْآمِرِينَ بِكُلِّ صَالِحْ
…
الْمُطْعِمِينَ الشَّحْمَ فَوْ
قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ
…
نُقُلِ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا
نِ إِلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
…
لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ
يَعْفُو وَلَا رُحٍّ رَحَارِحْ
…
لِلضَّيْفِ ثُمَّ الضَّيْفِ بَعْ
دَ الضَّيْفِ وَالْبُسُطِ السَّلَاطِحْ
وُهُبِ الْمِئِينَ مِنَ الْمِئِي
…
نَ إِلَى الْمِئِينَ مِنَ اللَّوَاقِحْ
سَوْقَ الْمُؤَبَّلِ لِلْمُؤَبَّلِ
…
صَادِرَاتٍ عَنْ بَلَادِحْ
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا
…
مِ مَزِيَّةٌ وَزْنَ الرَّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بَالْ
…
قِسْطَاسِ بِالْأَيْدِي الْمَوَائِحْ
خَذَلَتْهُمُ فِئَةٌ وَهُمْ
…
يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضَّارِبِينَ التَّقْدُمِيَّةَ
…
بِالْمُهَنَّدَةِ الصَّفَائِحْ
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ
…
مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ
لِلَّهِ دَرُّ بَنِي عَلِيٍّ
…
أَيِّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ
إِنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً
شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلَّ نَابِحْ
…
بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعِدَا
تِ الطَّامِحَاتِ مَعَ الطَّوَامِحْ
…
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إِلَى
أُسْدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ
…
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ
مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
…
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمَّ أَلْ
فٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: هَذَا شِعْرُ الْمَخْذُولِ الْمَعْكُوسِ الْمَنْكُوسِ، الَّذِي حَمَلَهُ كَثْرَةُ جَهْلِهِ وَقِلَّةُ عَقْلِهِ، عَلَى أَنْ مَدَحَ الْمُشْرِكِينَ وَذَمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَاسْتَوْحَشَ بِمَكَّةَ مِنْ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَضْرَابِهِ مِنَ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ، وَالْجَهَلَةِ الطَّغَامِ، وَلَمْ يَسْتَوْحِشْ بِهَا مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَحَبِيبِهِ وَخَلِيلِهِ، فَخْرِ الْبَشَرِ، وَمَنْ وَجْهُهُ أَنْوَرُ مِنَ الْقَمَرِ، ذِي الْعِلْمِ الْأَكْمَلِ، وَالْعَقْلِ الْأَشْمَلِ، وَمِنْ صَاحِبِهِ الصِّدِّيقِ الْمُبَادِرِ إِلَى التَّصْدِيقِ، وَالسَّابِقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ، وَفَعْلِ الْمَكْرُمَاتِ، وَبَذْلِ الْأُلُوفِ وَالْمِئَاتِ، فِي طَاعَةِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْكِرَامِ، الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ إِلَى دَارِ الْعِلْمِ وَالْإِسْلَامِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ، مَا اخْتَلَطَ الضِّيَاءُ وَالظَّلَامُ، وَمَا تَعَاقَبَتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْعَارًا كَثِيرَةً أَوْرَدَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ، رحمه الله خَوْفَ الْإِطَالَةِ وَخَشْيَةَ الْمَلَالَةِ، وَفِيمَا أَوْرَدْنَا كِفَايَةٌ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَدْ قَالَ الْأُمَوِيُّ فِي " مَغَازِيهِ ": سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «عَفَا عَنْ شِعْرِ الْجَاهِلِيَّةِ» . قَالَ سُلَيْمَانُ: فَذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فَقَالَ: «عَفَا عَنْهُ إِلَّا قَصِيدَتَيْنِ، كَلِمَةَ أُمَيَّةَ الَّتِي ذَكَرَ فِيهَا أَهْلَ بَدْرٍ، وَكَلِمَةَ الْأَعْشَى الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا الْأَحْوَصَ» . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ هَذَا مَتْرُوكٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ