المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مقتل حمزة رضي الله عنه] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٥

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّنَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَغَازِي]

- ‌[عَدَاوَةُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ مَنْ مَالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْيَهُودِ]

- ‌[فَصْلٌ: ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ]

- ‌[بَعْثُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]

- ‌[غَزْوَةُ بُوَاطَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]

- ‌[بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى]

- ‌[مُقَدِّمَاتُهَا وَأَحْدَاثُهَا]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ]

- ‌[رَدُّهُ عليه السلام عَيْنَ قَتَادَةَ]

- ‌[فَصْلٌ قِصَّةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا]

- ‌[ذِكْرُ طَرْحِ رُءُوسِ الْكُفْرِ فِي بِئْرِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي شَأْنِ الْأُسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْقَتْلَى وَعَدَدِ الْأُسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي غَنَائِمِ بِدَرٍ لِمَنْ تَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ عليه السلام مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ فِي مَسِيرِهِ إِلَيْهَا]

- ‌[مَقْتَلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ]

- ‌[ذِكْرُ فَرَحِ النَّجَاشِيِّ رضي الله عنه بِوَقْعَةِ بِدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْثِ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[حَرْفُ الْأَلِفِ]

- ‌[حَرْفُ الْبَاءِ]

- ‌[حَرْفُ التَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الثَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْجِيمِ]

- ‌[حَرْفُ الْحَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْخَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الذَّالِ]

- ‌[حَرْفُ الرَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الزَّايِ]

- ‌[حَرْفُ السِّينِ]

- ‌[حَرْفُ الشِّينِ]

- ‌[حَرْفُ الصَّادِ]

- ‌[حَرْفُ الضَّادِ]

- ‌[حَرْفُ الطَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الظَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْعَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْغَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْفَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْقَافِ]

- ‌[حَرْفُ الْكَافِ]

- ‌[حَرْفُ الْمِيمِ]

- ‌[حَرْفُ النُّونِ]

- ‌[حَرْفُ الْهَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْوَاوِ]

- ‌[حَرْفُ الْيَاءِ]

- ‌[بَابُ الْكُنَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي جُمْلَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةً بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى]

- ‌[فَصْلٌ أَشْعَارٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ غَزْوَةِ بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ السُّوِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جُمَلٍ مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْفُرُعِ]

- ‌[خَبَرُ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ]

- ‌[سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ]

- ‌[مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ]

- ‌[غَزْوَةِ أُحُدٍ]

- ‌[سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا وَأَحْدَاثِهَا]

- ‌[مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِصَابَةِ عَيْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَرَدِّ الرَّسُولِ عليه السلام لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ أُمِّ عُمَارَةَ نَسِيبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةِ يَوْمَ أُحُدٍ]

- ‌[ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ]

- ‌[وَفَرَغَ النَّاسُ لِقَتْلَاهُمْ]

- ‌[ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ]

- ‌[فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: انْصِرَافُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ فِي أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ مِنَ الْأَشْعَارِ]

- ‌[آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الرَّجِيعِ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ]

- ‌[سَرِيَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْقُرَظِيِّ حِينَ مَرَّ عَلَى دِيَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ صَارَتْ يَبَابًا لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ]

- ‌[سَبَبُ تَسْمِيَةِ الْغَزْوَةِ بِهَذَا الْاسْمِ]

- ‌[قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ]

- ‌[قِصَّةُ الَّذِي أُصِيبَتِ امْرَأَتُهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ]

- ‌[قِصَّةُ جَمَلِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي جُمَلٍ مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ]

الفصل: ‌[مقتل حمزة رضي الله عنه]

[مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه]

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ اللِّوَاءَ.

وَكَذَلِكَ قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ حَامِلُ اللِّوَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ:

إِنَّ عَلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ حَقًّا

أَنْ يَخْضِبُوا الصَّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقَّا

فَحَمَلَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ فَقَتْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى الْغُبْشَانِيُّ، وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي نِيَارٍ فَقَالَ حَمْزَةُ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ. وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمُّ أَنْمَارٍ مُوَلَّاةَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَتْ خَتَّانَةً بِمَكَّةَ، فَلَمَّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ وَحْشِيٌّ غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى حَمْزَةَ يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ شَيْئًا، يَمُرُّ بِهِ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ، إِذْ قَدْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعٌ فَقَالَ حَمْزَةُ: هَلُمَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ. فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنَّمَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ، وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي

ص: 360

ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، فَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَغُلِبَ فَوَقَعَ، وَأَمْهَلْتُهُ حَتَّى إِذَا مَاتَ جِئْتُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ تَنَحَّيْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِشَيْءٍ حَاجَةٌ غَيْرُهُ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، عَنْ بَحِيرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَوْمَ الشِّعْبِ آخِرَ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ غَيْرُ حَمْزَةَ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ، فَرَصَدَهُ وَحْشِيُّ فَقَتَلَهُ، وَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ بِيَدِ حَمْزَةَ مِنَ الْكُفَّارِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ، وَكَانَ يُدْعَى أَسَدَ اللَّهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ

ص: 361

الْحَارِثِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَنَا وَعَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَحَدُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ فَأَدْرَبْنَا، مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا مَرَرْنَا بِحِمْصَ وَكَانَ وَحْشِيُّ مَوْلَى جُبَيْرٍ قَدْ سَكَنَهَا وَأَقَامَ بِهَا، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَدِيٍّ: هَلْ لَكَ فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيًّا فَنَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ شِئْتَ. فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ: إِنَّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ، فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيًّا، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ، وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبِهِ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ، فَانْصَرِفَا عَنْهُ وَدَعَاهُ. قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتَّى جِئْنَاهُ، فَإِذَا هُوَ بِفَنَاءِ دَارِهِ عَلَى طِنْفِسَةٍ لَهُ، وَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ، وَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَالَ: ابْنٌ لِعُدَيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُكَ مُنْذُ نَاوَلْتُكَ أُمَّكَ السَّعْدِيَّةَ الَّتِي أَرْضَعَتْكَ بِذِي طَوًى، فَإِنِّي نَاوَلْتُكَهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَأَخَذَتْكَ بِعُرْضَيْكَ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاكَ حِينَ

ص: 362

رَفَعْتُكَ إِلَيْهَا، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيَّ فَعَرَفْتُهُمَا. قَالَ: فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: جِئْنَاكَ لِتَحَدِّثَنَا عَنْ قَتْلِكَ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟ . فَقَالَ: أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمَا كَمَا حَدَّثْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ ; كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمُّهُ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيٍّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمَّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ قَالَ لِي جُبَيْرٌ: إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمَّ مُحَمَّدٍ بِعَمِّي، فَأَنْتَ عَتِيقٌ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيًّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ، قَلَّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصَّرُهُ، حَتَّى رَأَيْتُهُ فِي عَرْضِ النَّاسِ كَأَنَّهُ الْجَمَلُ الْأَوْرَقُ، يَهُدُّ النَّاسَ بِسَيْفِهِ هَذَا مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَتَهَيَّأُ لَهُ، أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةٍ أَوْ بِحَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنِّي، إِذْ تَقَدَّمَنِي إِلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى فَلَمَّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ: هَلُمَّ إِلَيَّ يَا ابْنَ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ. قَالَ: فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنَّمَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ. قَالَ: وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ، وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي فَغُلِبَ، وَتَرَكْتُهُ وَإِيَّاهَا حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْعَسْكَرِ، وَقَعَدْتُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ، إِنَّمَا قَتَلْتُهُ لَأُعْتَقَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ عُتِقْتُ ثُمَّ أَقَمْتُ، حَتَّى إِذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ هَرَبْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَكُنْتُ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجَ وَفْدُ الطَّائِفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 363

لِيُسَلِمُوا، تَعَيَّتْ عَلَيَّ الْمَذَاهِبُ، فَقُلْتُ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ أَوْ بِالْيَمَنِ أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ. فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمِّي، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ: وَيْحَكَ! إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ. قَالَ: فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ، خَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَرُعْهُ إِلَّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: أَوَحْشِيٌّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ اقْعُدْ فَحَدِّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ. قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ كَمَا حَدَّثْتُكُمَا، فَلَّمَا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ: وَيْحَكَ! غَيِّبْ عَنِّي وَجْهَكَ فَلَا أَرَيَنَّكَ. قَالَ: فَكُنْتُ أَتَنَكَّبُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ كَانَ ; لِئَلَّا يَرَانِي، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، عز وجل، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْتُ مَعَهُمْ، وَأَخَذْتُ حَرْبَتِي الَّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ، فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ وَرَأَيْتُ مُسَيْلِمَةَ قَائِمًا وَبِيَدِهِ السَّيْفُ، وَمَا أَعْرِفُهُ، فَتَهَيَّأْتُ لَهُ، وَتَهَيَّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، كِلَانَا يُرِيدُهُ، فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي، حَتَّى إِذَا رَضِيتُ مِنْهَا، دَفَعَتُهَا عَلَيْهِ، فَوَقَعَتْ فِيهِ، وَشَدَّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيُّ بِالسَّيْفِ، فَرَبُّكَ أَعْلَمُ أَيُّنَا قَتَلَهُ، فَإِنْ كُنْتُ قَتَلْتُهُ، فَقَدْ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَتَلْتُ شَرَّ النَّاسِ.

قُلْتُ: الْأَنْصَارِيُّ هُوَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَقْتَلِ أَهْلِ الْيَمَامَةَ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي الرِّدَّةِ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ

ص: 364

بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيِّ وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ: هُوَ عَدِيُّ بْنُ سَهْلٍ وَهُوَ الْقَائِلُ:

أَلَمْ تَرَ أَنِّي وَوَحْشِيَّهُمْ

قَتَلْتُ مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ

وَيَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْ قَتْلِهِ

فَقُلْتُ ضَرَبْتُ وَهَذَا طَعَنْ

وَالْمَشْهُورُ أَنَّ وَحْشِيًّا هُوَ الَّذِي بَدَرَهُ بِالضَّرْبَةِ، وَذَفَّفَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ ; لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ صَارِخًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ يَقُولُ: قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.

وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ مَقْتَلِ حَمْزَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ. قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ. فَذَكَرَ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَذَكَرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيٍّ كَانَ مُعْتَجِرًا عِمَامَةً، لَا يَرَى مِنْهُ وَحْشِيٌّ إِلَّا عَيْنَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَذَكَرَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ قِيَافَةٌ عَظِيمَةٌ - كَمَا عَرَفَ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ أَقْدَامَ زَيْدٍ وَابْنِهِ أُسَامَةَ مَعَ اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمَا - وَقَالَ فِي سِيَاقَتِهِ: فَلَمَّا أَنَّ صُفَّ النَّاسُ لِلْقِتَالِ، خَرَجَ

ص: 365

سِبَاعٌ فَقَالَ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ: يَا سِبَاعُ، يَا ابْنَ أُمِّ أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ، أَتُحَادُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ، فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ. قَالَ: وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ حَتَّى خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ وِرْكَيْهِ. قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ: لَأَخْرُجُ إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئُ بِهِ حَمْزَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ. قَالَ: فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثُلْمَةِ جِدَارٍ، كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ، ثَائِرُ الرَّأْسِ. قَالَ فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي، فَأَضَعُهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ كَتِفَيْهِ. قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ: فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ: وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّ وَحْشِيًّا لَمْ يَزَلْ يُحَدُّ فِي الْخَمْرِ حَتَّى خُلِعَ مِنَ الدِّيوَانِ، فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ

ص: 366

لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ.

قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ وَحْشِيُّ بْنُ حَرْبٍ أَبُو دَسْمَةَ - وَيُقَالُ: أَبُو حَرْبٍ - بِحِمْصَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ لَبِسَ الثِّيَابَ الْمَدْلُوكَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قُتِلَ، وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللِّيثِيُّ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: قَتَلْتُ مُحَمَّدًا.

قُلْتُ: وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ "، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الَّذِي قَتَلَ مُصْعَبًا هُوَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ

وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: كَانَ اللِّوَاءُ أَوَّلًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ أَخَذَ اللِّوَاءَ مِنْ عَلِيٍّ، فَدَفَعَهُ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، فَلَمَّا قُتِلَ مُصْعَبٌ أَعْطَى اللِّوَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ.، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَاتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

ص: 367

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ قَالَ: «لَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ، وَأَرْسَلَ إِلَى عَلِيٍّ أَنْ قَدِّمَ الرَّايَةَ، فَتَقَدَّمَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا أَبُو الْقُصَمِ. فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ - وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ - هَلْ لَكَ يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَبَرَزَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، فَضَرَبَهُ عَلِيٌّ فَصَرَعَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَفَلَا أَجْهَزْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ، فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرَّحِمُ، وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَتَلَهُ» . وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رضي الله عنه، يَوْمَ صِفِّينَ مَعَ بُسْرِ بْنِ أَبِي أَرْطَأَةَ لَمَّا حَمَلَ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، أَبْدَى لَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ فَرَجَعَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ صِفِّينَ أَبْدَى عَنْ عَوْرَتِهِ فَرَجَعَ عَلِيٌّ أَيْضًا. فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ النَّضْرِ:

أَفِي كُلِّ يَوْمٍ فَارِسٌ غَيْرُ مُنْتَهٍ

وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ الْعَجَاجَةِ بَادِيَهْ

يَكُفُّ لَهَا عَنْهُ عَلَيٌّ سِنَانَهُ

وَيَضْحَكُ مِنْهَا فِي الْخَلَاءِ مُعَاوِيَهْ

ص: 368

وَذَكَرَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّ حَامِلَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ دَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَأَحْجَمَ عَنْهُ النَّاسُ، فَبَرَزَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ فَوَثَبَ حَتَّى صَارَ مَعَهُ عَلَى جَمَلِهِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ بِهِ الْأَرْضَ، فَأَلْقَاهُ عَنْهُ وَذَبَحَهُ بِسَيْفِهِ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حِوَارِيًّا، وَحِوَارِيِّ الزُّبَيْرُ. وَقَالَ: لَوْ لَمْ يَبْرُزْ إِلَيْهِ، لَبَرَزْتُ أَنَا إِلَيْهِ ; لِمَا رَأَيْتُ مِنْ إِحْجَامِ النَّاسِ عَنْهُ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ، كِلَاهُمَا يُشْعِرُهُ سَهْمًا، فَيَأْتِي أُمَّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، مَنْ أَصَابَكَ؟ فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبَى الْأَقْلَحِ. فَنَذَرَتْ إِنْ أَمْكَنَهَا اللَّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تَشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرَ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ أَنْ لَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، وَلَا يَمَسَّهُ. وَلِهَذَا حَمَاهُ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ الرَّجِيعِ كَمَا سَيَأْتِي.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَاسْمُهُ عَمْرٌو

ص: 369

، وَيُقَالُ: عَبْدُ عَمْرِو بْنُ صَيْفِيٍّ. وَكَانَ يُقَالُ لِأَبِي عَامِرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الرَّاهِبُ. لِكَثْرَةِ عِبَادَتِهِ، فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْفَاسِقُ ; لَمَّا خَالَفَ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ، وَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ هَرَبًا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَمُخَالَفَةً لِلرَّسُولِ، عليه السلام وَحَنْظَلَةُ الَّذِي يُعْرَفُ بِحَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ ; لِأَنَّهُ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، كَمَا سَيَأْتِي - هُوَ وَأَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ، فَلَمَّا عَلَاهُ حَنْظَلَةُ رَآهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَوْسِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: ابْنُ شَعُوبٍ، فَضَرَبَهُ شَدَّادٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لُتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ، فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ - قَالَ الْوَاقِدِيُّ: هِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ، وَكَانَتْ عَرُوسًا عَلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ - فَقَالَتْ: خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ. وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ ضَرَبَ بِرِجْلِهِ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: ذَنْبَانِ أَصَبْتَهُمَا، وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ مَصْرَعِكَ هَذَا، وَلَقَدْ وَاللَّهِ كُنْتَ وُصُولًا لِلرَّحِمِ، بَرًّا بِالْوَالِدِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ:

ص: 370

لَأَحْمِيَنَّ صَاحِبِي وَنَفْسِي

بِطَعْنَةٍ مِثْلِ شُعَاعِ الشَّمْسِ

وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ:

وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا بْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي

لَأُلْفِيتَ يَوْمَ النَّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ

وَلَوْلَا مَكَرِّي الْمُهْرَ بِالنَّعْفِ قَرْقَرَتْ

عَلَيْهِ ضِبَاعٌ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ

وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ:

وَلَوْ شِئْتُ نَجَّتْنِي كُمَيْتٌ طِمِرَّةٌ

وَلَمْ أَحْمِلِ النَّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ

وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمُ

لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتَّى دَنَتْ لِغُرُوبِ

أُقَاتِلُهُمْ وَأَدَّعِي يَا لِغَالِبٍ

وَأَدْفَعُهُمْ عَنِّي بِرُكْنِ صَلِيبِ

فَبَكِّي وَلَا تَرْعَيْ مَقَالَةَ عَاذِلٍ

وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ

أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا

وَحُقَّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ

وَسَلِي الَّذِي قَدْ كَانَ فِي النَّفْسِ إِنَّنِي

قَتَلْتُ مِنَ النَّجَّارِ كُلَّ نَجِيبِ

ص: 371

وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا

وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرَ هَيُوبِ

فَلَوْ أَنَّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمُ

لَكَانَتْ شَجًى فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ

فَآبُوا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمُ

بِهَمْ خَدَبٌ مِنْ مُغْبَطٍ وَكَئِيبِ

أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ

كِفَاءً وَلَا فِي خُطَّةٍ بِضَرِيبِ

فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصِّيدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ

وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ

أَتَعْجَبُ أَنْ أَقْصَدْتَ حَمْزَةَ مِنْهُمُ

نَجِيبًا وَقَدْ سَمَّيْتَهُ بِنَجِيبِ

أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمَرًا، وَعُتْبَةَ وَابْنَهُ

وَشَيْبَةَ، وَالْحَجَّاجَ، وَابْنَ حَبِيبِ

غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيًّا فَرَاعَهُ

بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلَّهُ بِخَضِيبِ

ص: 372