المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٥

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[السَّنَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[كِتَابُ الْمَغَازِي]

- ‌[عَدَاوَةُ الْيَهُودِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا وَقَعَ مِنْهُمْ]

- ‌[فَصْلُ ذِكْرِ مَنْ مَالَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْيَهُودِ]

- ‌[فَصْلٌ: ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى سَبِيلِ التَّقِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ]

- ‌[بَعْثُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَى سَيْفِ الْبَحْرِ]

- ‌[غَزْوَةُ بُوَاطَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى]

- ‌[بَابُ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَرْضِيَّةِ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى]

- ‌[مُقَدِّمَاتُهَا وَأَحْدَاثُهَا]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَقْتَلِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ]

- ‌[مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ]

- ‌[رَدُّهُ عليه السلام عَيْنَ قَتَادَةَ]

- ‌[فَصْلٌ قِصَّةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا]

- ‌[ذِكْرُ طَرْحِ رُءُوسِ الْكُفْرِ فِي بِئْرِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي شَأْنِ الْأُسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ عَدَدِ الْقَتْلَى وَعَدَدِ الْأُسَارَى]

- ‌[فَصْلٌ: اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي غَنَائِمِ بِدَرٍ لِمَنْ تَكُونُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُجُوعِهِ عليه السلام مِنْ بَدْرٍ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ فِي مَسِيرِهِ إِلَيْهَا]

- ‌[مَقْتَلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ]

- ‌[ذِكْرُ فَرَحِ النَّجَاشِيِّ رضي الله عنه بِوَقْعَةِ بِدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَعْثِ قُرَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَسْمِيَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[حَرْفُ الْأَلِفِ]

- ‌[حَرْفُ الْبَاءِ]

- ‌[حَرْفُ التَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الثَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْجِيمِ]

- ‌[حَرْفُ الْحَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْخَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الذَّالِ]

- ‌[حَرْفُ الرَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الزَّايِ]

- ‌[حَرْفُ السِّينِ]

- ‌[حَرْفُ الشِّينِ]

- ‌[حَرْفُ الصَّادِ]

- ‌[حَرْفُ الضَّادِ]

- ‌[حَرْفُ الطَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الظَّاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْعَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْغَيْنِ]

- ‌[حَرْفُ الْفَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْقَافِ]

- ‌[حَرْفُ الْكَافِ]

- ‌[حَرْفُ الْمِيمِ]

- ‌[حَرْفُ النُّونِ]

- ‌[حَرْفُ الْهَاءِ]

- ‌[حَرْفُ الْوَاوِ]

- ‌[حَرْفُ الْيَاءِ]

- ‌[بَابُ الْكُنَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي جُمْلَةِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قُدُومِ زَيْنَبَ بِنْتِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةً بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْعُظْمَى]

- ‌[فَصْلٌ أَشْعَارٌ مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ غَزْوَةِ بَنِي سُلَيْمٍ]

- ‌[غَزْوَةُ السُّوِيقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُخُولِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَلَى زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ جُمَلٍ مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْفُرُعِ]

- ‌[خَبَرُ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ]

- ‌[سَرِيَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ]

- ‌[مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيِّ]

- ‌[غَزْوَةِ أُحُدٍ]

- ‌[سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا وَأَحْدَاثِهَا]

- ‌[مَقْتَلُ حَمْزَةَ رضي الله عنه]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا لَقِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِصَابَةِ عَيْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَرَدِّ الرَّسُولِ عليه السلام لَهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِتَالِ أُمِّ عُمَارَةَ نَسِيبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْمَازِنِيَّةِ يَوْمَ أُحُدٍ]

- ‌[ذِكْرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ]

- ‌[وَفَرَغَ النَّاسُ لِقَتْلَاهُمْ]

- ‌[ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ]

- ‌[فَصَلٌ فِي عَدَدِ الشُّهَدَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ: انْصِرَافُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ]

- ‌[خُرُوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ فِي أَثَرِ أَبِي سُفْيَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَقَاوَلَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكُفَّارُ فِي وَقْعَةِ أُحُدٍ مِنَ الْأَشْعَارِ]

- ‌[آخِرُ الْكَلَامِ عَلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الرَّجِيعِ]

- ‌[سَرِيَّةُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ]

- ‌[سَرِيَّةُ بِئْرِ مَعُونَةَ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ]

- ‌[قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى الْقُرَظِيِّ حِينَ مَرَّ عَلَى دِيَارِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَدْ صَارَتْ يَبَابًا لَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ]

- ‌[غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ]

- ‌[سَبَبُ تَسْمِيَةِ الْغَزْوَةِ بِهَذَا الْاسْمِ]

- ‌[قِصَّةُ غَوْرَثِ بْنِ الْحَارِثِ]

- ‌[قِصَّةُ الَّذِي أُصِيبَتِ امْرَأَتُهُ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ]

- ‌[قِصَّةُ جَمَلِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ]

- ‌[غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ]

- ‌[فَصَلٌ فِي جُمَلٍ مِنَ الْحَوَادِثِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ]

الفصل: ‌[مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله]

[مَقْتَلُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ لَعَنَهُمَا اللَّهُ]

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّفْرَاءِ قُتِلَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعِرْقِ الظُّبْيَةِ قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: «فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: النَّارُ» . وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، كَمَا حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ. وَكَذَا قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي " مَغَازِيهِ "، وَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقْتُلْ مِنَ الْأُسَارَى أَسِيرًا غَيْرَهُ. قَالَ: وَلَمَّا أَقْبَلَ إِلَيْهِ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، عَلَامَ أُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا؟ قَالَ: عَلَى عَدَاوَتِكَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «لَمَّا أَمَرَ

ص: 188

النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ عُقْبَةَ، قَالَ: أَتَقْتُلُنِي يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ؟ قَالَ: نَعَمْ! أَتَدْرُونَ مَا صَنَعَ هَذَا بِي؟ جَاءَ وَأَنَا سَاجِدٌ خَلْفَ الْمَقَامِ فَوَضَعَ رَجْلَهُ عَلَى عُنُقِي وَغَمَزَهَا، فَمَا رَفَعَهَا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ عَيْنَيَّ سَتَنْدُرَانِ، وَجَاءَ مَرَّةً أُخْرَى بِسَلَى شَاةٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى رَأْسِي وَأَنَا سَاجِدٌ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَغَسَلَتْهُ عَنْ رَأْسِي.» قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: بَلْ قَتَلَ عُقْبَةَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِيمَا ذَكَرَهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قُلْتُ: كَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ مِنْ شَرِّ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَكْثَرِهِمْ كُفْرًا، وَعِنَادًا، وَبَغْيًا، وَحَسَدًا، وَهِجَاءً لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، لَعَنَهُمَا اللَّهُ، وَقَدْ فَعَلَ.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، أُخْتُ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فِي مَقْتَلِ أَخِيهَا:

يَا رَاكِبًا إِنَّ الْأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ

مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ

أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنَّ تَحِيَّةً

مَا إِنْ تَزَالُ بِهَا النَّجَائِبُ تَخْفِقُ

مِنِّي إِلَيْكَ وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً

جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ

ص: 189

هَلْ يَسْمَعَنَّ النَّضْرُ إِنْ نَادَيْتُهُ

أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيِّتٌ لَا يَنْطِقُ

أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضِنْءِ كَرِيمَةٍ

مِنْ قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ

مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا

مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ

أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلَيُنْفَقَنْ

بِأَعَزِّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ

وَالنَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْتَ قَرَابَةً

وَأَحَقُّهُمْ إِنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ

ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ

لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَالِكَ تُشْقَقُ

صَبْرًا يُقَادُ إِلَى الْمَنِيَّةِ مُتْعَبًا

رَسْفَ الْمُقَيَّدِ وَهْوَ عَانٍ مُوثَقُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الشِّعْرُ قَالَ: لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْهِ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ تَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيَاضِيُّ حَجَّامُهُ، عليه الصلاة والسلام، وَمَعَهُ زِقٌّ مَمْلُوءٌ حَيْسًا وَهُوَ التَّمْرُ وَالسَّوِيقُ بِالسَّمْنِ - هَدِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ مِنْهُ، وَوَصَّى بِهِ الْأَنْصَارَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ

ص: 190

الْأُسَارَى بِيَوْمٍ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا. قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فِي الْأُسَارَى، قَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي، فَقَالَ: شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ، فَإِنَّ أُمَّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلَّهَا تَفْدِيهِ مِنْكَ. قَالَ أَبُو عَزِيزٍ: فَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ، فَكَانُوا إِذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ، لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُمْ بِنَا، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إِلَّا نَفَحَنِي بِهَا، فَأَسْتَحِي فَأَرُدُّهَا فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ هَذَا صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ بَعْدَ النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَمَّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبٌ لِأَبِي الْيُسْرِ، وَهُوَ الَّذِي أَسَرَهُ، مَا قَالَ، قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ: يَا أَخِي، هَذِهِ وِصَايَتُكَ بِي؟ فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: إِنَّهُ أَخِي دُونَكَ. فَسَأَلَتْ أُمُّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيٌّ، فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ. فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا.

ص: 191

قُلْتُ: وَأَبُو عَزِيزٍ هَذَا اسْمُهُ زُرَارَةُ، فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي " غَابَةِ الصَّحَابَةِ "، وَعَدَّهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ. وَكَانَ أَخَا مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبَوَيْهِ، وَكَانَ لَهُمَا أَخٌ آخَرُ لِأَبَوَيْهِمَا، وَهُوَ أَبُو الرُّومِ بْنُ عُمَيْرٍ، وَقَدْ غَلِطَ مَنْ جَعَلَهُ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا، ذَاكَ أَبُو عَزَّةَ، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ. قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ. قَالَ: تَقُولُ سَوْدَةُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَعِنْدَهُمْ إِذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ. قَالَتْ: فَلَا وَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ، أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتُّمْ كِرَامًا؟ فَوَاللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إِلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ، أَعَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ تُحَرِّضِينَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْتُ

ص: 192

مَا قُلْتُ. ثُمَّ كَانَ مِنْ قِصَّةِ الْأُسَارَى بِالْمَدِينَةِ مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كَيْفِيَّةِ فِدَائِهِمْ وَكَمِّيَّتِهِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ص: 193