المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع بأرض العراق] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ٩

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانَاتِ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِىِّ]

- ‌[سُجُودُ الْغَنَمِ لَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الذِّئْبِ وَشَهَادَتُهُ بِالرِّسَالَةِ]

- ‌[الْوَحْشُ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[قِصَّةُ الْأَسَدِ]

- ‌[حَدِيثُ الْغَزَالَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الضَّبِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ النَّكَارَةِ وَالْغَرَابَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحِمَارِ]

- ‌[حَدِيثُ الْحُمَّرَةِ وَهِيَ طَائِرٌ مَشْهُورٌ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِتَمِيمٍ الدَّارِيِّ]

- ‌[كَرَامَةٌ لِوَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ]

- ‌[قِصَّةُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ]

- ‌[قِصَّةُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَكَلَامُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ]

- ‌[بَابٌ فِي كَلَامِ الْأَمْوَاتِ وَعَجَائِبِهِمْ]

- ‌[الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ يُصْرَعُ فَدَعَا لَهُ عليه السلام، فَبَرَأَ]

- ‌[دُعَاؤُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى بَعْضِ النَّاسِ]

- ‌[الْمَسَائِلُ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَ فِيهَا بِمَا يُطَابِقُ الْحَقَّ]

- ‌[مُطَابَقَةُ قَوْلِ النَّبِيِّ لِمَا تَشْهَدُ بِهِ الْكُتُبُ السَّابِقَةُ]

- ‌[دَعْوَةُ النَّصَارَى إِلَى الْمُبَاهَلَةِ]

- ‌[اعْتِرَافُ الْيَهُودِ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[اشْتِمَالُ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى بِشَارَةِ النَّبِيِّ]

- ‌[جَوَابُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَ عَمَّا سَأَلَ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ]

- ‌[مَا أَخْبَرَ بِهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَائِنَاتِ الْمُسْتَقْبِلَةِ فِي حَيَّاتِهِ وَبَعْدِهِ]

- ‌[إِخْبَارٌ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْمُسْتَقْبَلَةِ]

- ‌[الْإِخْبَارُ بِغُيُوبٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبِلَةٍ]

- ‌[تَرْتِيبُ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَيَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْفِتَنِ الْوَاقِعَةِ فَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُرُوجِ الْخَوَارِجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَقْتَلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم بِمَنْزِلَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَسِيَادَتُهُ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزَاةِ الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُصَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ غَزْوَةِ الْهِنْدِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِتَالِ التُّرْكِ]

- ‌[خَبَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَوْتِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَقْتَلِ حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ وَأَصْحَابِهِ]

- ‌[خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفِتَنِ بَعْدَ مُعَاوِيَةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ عليه الصلاة والسلام بِمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَةِ رَسُولِ اللَّهِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَجَّاجِ فَتَى ثَقِيفٍ]

- ‌[الْإِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ إِلَى دَوْلَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ]

- ‌[مَدْحُ النَّبِيِّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَذَمُّهُ لِغَيْلَانَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَعِلْمِهِ]

- ‌[ذِكْرُ الْإِخْبَارِ بِانْخِرَامِ قَرْنِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ خُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْأَئِمَّةِ الِاثْنَيْ عَشَرَ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمُورٍ وَقَعَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ]

- ‌[إِخْبَارُهُ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشَّافِعِيِّ]

- ‌[مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُمَاثِلَةٌ لِمُعْجِزَاتِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ]

- ‌[مِنْ أَعْظَمِ مُعْجِزَاتِ رَسُولِ اللَّهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ نُوحٌ عليه السلام]

- ‌[خَبَرُ أَوَّلِ مَنِ اقْتَحَمَ دِجْلَةَ]

- ‌[خَبَرُ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى دِجْلَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ هُودٌ عليه السلام]

- ‌[الْقَوْلُ فِيمَا أُوتِيَ صَالِحٌ عليه السلام]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام]

- ‌[مِنْ آيَاتِ مُوسَى عليه السلام]

- ‌[أُعْطِيَ إِدْرِيسُ عليه السلام الرِّفْعَةَ]

- ‌[مَا أُوتِيَ دَاوُدُ عليه السلام]

- ‌[مَا أُوتِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عليه السلام مِنَ الْمُعْجِزَاتِ]

- ‌[خَصَائِصُ وَمُعْجِزَاتُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام]

- ‌[مِنْ كَرَامَاتِ الْأَتْقِيَاءِ]

- ‌[الْأَعْمَى الَّذِي رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَصَرَهُ بِدُعَاءِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[مِنْ مُعْجِزَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فِي الزَّمَانِ وَوَفَيَاتُ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مُبَايَعَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[خِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يُنْفِذُ جَيْشَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ]

- ‌[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[صِفَةُ خُرُوجِهِ وَتَمْلِيكِهِ وَمَقْتَلِهِ]

- ‌[خُرُوجُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ]

- ‌[تَصَدِّي الصِّدِّيقِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[خُرُوجُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى ذِي الْقَصَّةِ]

- ‌[مَسِيرَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[قِتَالُ خَالِدٍ فِي بُزَاخَةَ]

- ‌[أَبُو بَكْرٍ يَقْتُلُ الْفُجَاءَةَ]

- ‌[سَجَاحِ بِنْتُ الْحَارِثِ تَدَّعِي النُّبُوَّةَ]

- ‌[خَبَرُ مَالِكِ بْنِ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِيِّ التَّمِيمِيِّ]

- ‌[مَقْتَلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ الْبَحْرِينِ]

- ‌[رِدَّةُ أَهْلِ عُمَانَ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[جُيُوشُ الصِّدِّيقِ وَأُمَرَاؤُهُ الَّذِينَ بَعَثَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ]

- ‌[بَعْثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[خَالِدٌ يُحَاصِرُ الْخَوَرْنَقَ وَالسَّدِيرَ وَالنَّجَفَ]

- ‌[غَزْوَةُ ذَاتِ الْعُيُونِ]

- ‌[وَقْعَةُ عَيْنِ التَّمْرِ]

- ‌[خَبَرُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ]

- ‌[وَقْعَتَيِ الْحُصَيْدِ وَالْمُصَيَّخِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْفِرَاضِ]

- ‌[مَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[وَفَيَاتُ الْأَعْيَانِ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ]

- ‌[سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ]

- ‌[انْتِقَالُ إِمْرَةِ الشَّامِ مِنْ خَالِدٍ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ]

- ‌[وَقْعَةٌ جَرَتْ بِالْعِرَاقِ بَعْدَ مَجِيءِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ]

- ‌[خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ]

- ‌[بِدَايَةُ خِلَافَتِهِ رضي الله عنه]

- ‌[فَتْحُ دِمَشْقَ]

- ‌[كِتَابُ الصُّلْحِ إِلَى أَهْلِ دِمَشْقَ]

- ‌[دِمَشْقُ هَلْ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً]

- ‌[فَتْحُ الْبِقَاعِ]

- ‌[وَقْعَةُ فِحْلٍ]

- ‌[مَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ]

- ‌[وَقْعَةُ النَّمَارِقِ]

- ‌[وَقْعَةُ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ]

- ‌[وَقْعَةُ الْبُوَيْبِ الَّتِي اقْتَصَّ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفُرْسِ]

- ‌[بَعْثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَلَى الْعِرَاقِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الْفُرْسِ عَلَى يَزْدَجِرْدَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْحَوَادِثِ]

- ‌[الْمُتَوَفَّوْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ]

- ‌[سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[غَزْوَةُ الْقَادِسِيَّةُ]

- ‌[تَجْهِيزُ رُسْتُمَ لِلْخُرُوجِ لِسَعْدٍ]

- ‌[سَعْدٌ يَمْرَضُ فِي الْقَادِسِيَّةِ]

- ‌[مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ]

- ‌[سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ]

- ‌[مَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الْأَحْدَاثِ]

- ‌[وَقْعَةُ حِمْصَ الْأُولَى]

- ‌[وَقْعَةُ قِنَّسْرِينَ]

- ‌[وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ]

- ‌[وَقْعَةُ أَجْنَادِينَ]

- ‌فَتْحِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

- ‌[وَقْعَةُ بَهُرَسِيرَ]

الفصل: ‌[ما وقع بأرض العراق]

هُمْ فِيهِ مِنْ مُصَابَرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَمَا صَنَعَهُ الرُّومُ مِنْ تِلْكَ الْمَكِيدَةِ، إِلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ وَمَدَدٍ كَثِيرٍ، وَهُمْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَمِيرُ هَذَا الْحَرْبِ شُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ، وَهُوَ لَا يَبِيتُ وَلَا يُصْبِحُ إِلَّا عَلَى تَعْبِئَةٍ، وَظَنَّ الرُّومُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى غِرَّةٍ، فَرَكِبُوا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لِيُبَيِّتُوهُمْ، وَعَلَى الرُّومِ سِقْلَابُ بْنُ مِخْرَاقَ، فَهَجَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَهَضُوا إِلَيْهِمْ نَهْضَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُمْ عَلَى أُهْبَةٍ دَائِمًا، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى الصَّبَاحِ وَذَلِكَ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ فَرَّ الرُّومُ وَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ سِقْلَابُ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَهُمْ وَأَسْلَمَتْهُمْ هَزِيمَتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْوَحْلِ الَّذِي كَانُوا قَدْ كَادُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَغَرَّقَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، وَقَتَلَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ مَا قَارَبَ الثَّمَانِينَ أَلْفًا، لَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ، وَغَنِمُوا مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا وَمَالًا جَزِيلًا، وَانْصَرَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْجُيُوشِ نَحْوَ حِمْصَ، كَمَا أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْأُرْدُنِّ شُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ، فَسَارَ شُرَحْبِيلُ وَمَعَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَحَاصَرَ بَيْسَانَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَتْ عَلَيْهِ دِمَشْقُ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ السَّلَمِيُّ بِأَهْلِ طَبَرِيَّةَ سَوَاءً.

[مَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ]

فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنَ الْقِتَالِ.

قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ لَمَّا سَارَ خَالِدٌ مِنَ الْعِرَاقِ بِمَنْ صَحِبَهُ إِلَى

ص: 590

الشَّامِ - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ سَارَ بِتِسْعَةِ آلَافٍ. وَقِيلَ: بِثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَقِيلَ: بِسَبْعِمِائَةٍ. وَقِيلَ: بِأَقَلَّ. إِلَّا أَنَّهُمْ صَنَادِيدُ جَيْشِ الْعِرَاقِ - فَأَقَامَ الْمُثَنَّى بِمَنْ بَقِيَ، فَاسْتَقَلَّ عَدَدَهُمْ، وَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الْفُرْسِ لَوْلَا اشْتِغَالُهُمْ بِتَبْدِيلِ مُلُوكِهِمْ وَمَلِكَاتِهِمْ، وَاسْتَبْطَأَ الْمُثَنَّى خَبَرَ الصِّدِّيقِ، فَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَجْدَ الصِّدِّيقَ فِي السِّيَاقِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْعِرَاقِ، فَأَوْصَى الصِّدِّيقُ عُمَرَ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ لِقِتَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا مَاتَ الصِّدِّيقُ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، أَصْبَحَ عُمَرُ فَنَدَبَ النَّاسَ وَحَثَّهُمْ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَحَرَّضَهُمْ وَرَغَّبَهُمْ فِي الثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ; لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَكْرَهُونَ قِتَالَ الْفُرْسِ ; لِقُوَّةِ سَطْوَتِهِمْ، وَشِدَّةِ قِتَالِهِمْ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ وَتَكَلَّمَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَأَحْسَنَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ خَالِدٍ مِنْ مُعْظَمِ أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمَا لَهُمْ هُنَالِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالزَّادِ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَدَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْإِجَابَةِ، وَأَمَرَ عُمَرُ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْجَمِيعِ أَبَا عُبَيْدٍ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ صَحَابِيًّا، فَقِيلَ لِعُمَرَ: هَلَّا أَمَرْتَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أُؤَمِّرُ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ، إِنَّكُمْ إِنَّمَا سَبَقْتُمُ النَّاسَ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ، وَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَجَابَ قَبْلَكُمْ. ثُمَّ دَعَاهُ فَوَصَّاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ

ص: 591