الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُمْ فِيهِ مِنْ مُصَابَرَةِ عَدُوِّهِمْ، وَمَا صَنَعَهُ الرُّومُ مِنْ تِلْكَ الْمَكِيدَةِ، إِلَّا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي عَيْشٍ رَغِيدٍ وَمَدَدٍ كَثِيرٍ، وَهُمْ عَلَى أُهْبَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَمِيرُ هَذَا الْحَرْبِ شُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ، وَهُوَ لَا يَبِيتُ وَلَا يُصْبِحُ إِلَّا عَلَى تَعْبِئَةٍ، وَظَنَّ الرُّومُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى غِرَّةٍ، فَرَكِبُوا فِي بَعْضِ اللَّيَالِي لِيُبَيِّتُوهُمْ، وَعَلَى الرُّومِ سِقْلَابُ بْنُ مِخْرَاقَ، فَهَجَمُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَنَهَضُوا إِلَيْهِمْ نَهْضَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ; لِأَنَّهُمْ عَلَى أُهْبَةٍ دَائِمًا، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى الصَّبَاحِ وَذَلِكَ الْيَوْمَ بِكَمَالِهِ إِلَى اللَّيْلِ، فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ فَرَّ الرُّومُ وَقُتِلَ أَمِيرُهُمْ سِقْلَابُ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَهُمْ وَأَسْلَمَتْهُمْ هَزِيمَتُهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْوَحْلِ الَّذِي كَانُوا قَدْ كَادُوا بِهِ الْمُسْلِمِينَ، فَغَرَّقَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، وَقَتَلَ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِأَطْرَافِ الرِّمَاحِ مَا قَارَبَ الثَّمَانِينَ أَلْفًا، لَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا الشَّرِيدُ، وَغَنِمُوا مِنْهُمْ شَيْئًا كَثِيرًا وَمَالًا جَزِيلًا، وَانْصَرَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَخَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْجُيُوشِ نَحْوَ حِمْصَ، كَمَا أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخِطَابِ، وَاسْتَخْلَفَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَى الْأُرْدُنِّ شُرَحْبِيلَ ابْنَ حَسَنَةَ، فَسَارَ شُرَحْبِيلُ وَمَعَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَحَاصَرَ بَيْسَانَ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، ثُمَّ صَالَحُوهُ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَتْ عَلَيْهِ دِمَشْقُ، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو الْأَعْوَرِ السَّلَمِيُّ بِأَهْلِ طَبَرِيَّةَ سَوَاءً.
[مَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ]
فَصْلٌ فِيمَا وَقَعَ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنَ الْقِتَالِ.
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ لَمَّا سَارَ خَالِدٌ مِنَ الْعِرَاقِ بِمَنْ صَحِبَهُ إِلَى
الشَّامِ - وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ سَارَ بِتِسْعَةِ آلَافٍ. وَقِيلَ: بِثَلَاثَةِ آلَافٍ. وَقِيلَ: بِسَبْعِمِائَةٍ. وَقِيلَ: بِأَقَلَّ. إِلَّا أَنَّهُمْ صَنَادِيدُ جَيْشِ الْعِرَاقِ - فَأَقَامَ الْمُثَنَّى بِمَنْ بَقِيَ، فَاسْتَقَلَّ عَدَدَهُمْ، وَخَافَ مِنْ سَطْوَةِ الْفُرْسِ لَوْلَا اشْتِغَالُهُمْ بِتَبْدِيلِ مُلُوكِهِمْ وَمَلِكَاتِهِمْ، وَاسْتَبْطَأَ الْمُثَنَّى خَبَرَ الصِّدِّيقِ، فَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَجْدَ الصِّدِّيقَ فِي السِّيَاقِ، فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِ الْعِرَاقِ، فَأَوْصَى الصِّدِّيقُ عُمَرَ أَنْ يَنْدُبَ النَّاسَ لِقِتَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا مَاتَ الصِّدِّيقُ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الثُّلَاثَاءِ، أَصْبَحَ عُمَرُ فَنَدَبَ النَّاسَ وَحَثَّهُمْ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَحَرَّضَهُمْ وَرَغَّبَهُمْ فِي الثَّوَابِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ; لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَكْرَهُونَ قِتَالَ الْفُرْسِ ; لِقُوَّةِ سَطْوَتِهِمْ، وَشِدَّةِ قِتَالِهِمْ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ وَتَكَلَّمَ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ فَأَحْسَنَ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ خَالِدٍ مِنْ مُعْظَمِ أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَمَا لَهُمْ هُنَالِكَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالزَّادِ، فَلَمْ يَقُمْ أَحَدٌ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَدَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فِي الْإِجَابَةِ، وَأَمَرَ عُمَرُ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْجَمِيعِ أَبَا عُبَيْدٍ هَذَا، وَلَمْ يَكُنْ صَحَابِيًّا، فَقِيلَ لِعُمَرَ: هَلَّا أَمَرْتَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أُؤَمِّرُ أَوَّلَ مَنِ اسْتَجَابَ، إِنَّكُمْ إِنَّمَا سَبَقْتُمُ النَّاسَ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ، وَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَجَابَ قَبْلَكُمْ. ثُمَّ دَعَاهُ فَوَصَّاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ